حدث ورؤية

تفجير أجهزة البيجر في لبنان: الأسباب والتداعيات

في خطوة تصعيدية غير مسبوقة من حيث حجم الخسائر، انفجرت آلاف أجهزة النداء (البيجر)  في لبنان، ما أسفر عن مقتل عدد من الأفراد التابعين لحزب الله وإصابة ما يقرب من ثلاثة آلاف آخرين، من ضمنهم السفير الإيراني في بيروت، مجتبى أماني جراء انفجار جهاز بيجر كان يحمله.

كان حزب الله قد لجأ إلى استخدام هذه الأجهزة من أجل تنسيق الأنشطة بين أفراد الحزب، تجنبا للمراقبة الإسرائيلية عبر الهواتف الذكية، وذلك في إطار تصعيد إسرائيل لهجماتها ضد قادته وجنوده منذ ما يقارب العام، وقد وجه حزب الله أصابع الاتهام نحو إسرائيل، مما يزيد من التوتر في المنطقة، وفي سياق هذا التفجير تتعدد الأبعاد المحتملة لهذه الحادثة، وتثير تساؤلات حول أسباب التفجيرات وما إذا كانت تمثل مرحلة جديدة من التصعيد.

أسباب التفجيرات

هناك عدد من الأسباب المحتملة للتفجيرات، تشمل فرضية الاختراق التكنولوجي للأجهزة ومن ثم تفجيرها عن بعد، وهناك فرضية أخرى تتضمن زرع شحنات مفخخة داخل الأجهزة من البداية قبل وصولها للحزب.

بحسب تقرير المونيتور، كانت الخطة الإسرائيلية الأصلية تقضي بتفجير الأجهزة التي بحوزة عناصر حزب الله في حال اندلاع حرب، لكنَّ اكتشاف اثنين من عناصر الحزب لتفخيخ الأجهزة أدى إلى تنفيذ خطة بديلة بتفجير الأجهزة على الفور، إذا صحت هذه الرواية، فإنها تؤكد على حجم الاختراق الإسرائيلي الكبير داخل حزب الله.

فيما يخص كيفية حدوث العملية، فالفرضية الأولى تتحدث عن أنه يمكن لإسرائيل أن تكون قد تمكنت من اختراق الشبكات السيبرانية والإلكترونية المرتبطة بأجهزة البيجر ما مكنها من تفجير الأجهزة عن بعد.

أما الاحتمال آخر، فيأتي في إطار نفي الشركة التايوانية التي تحمل أجهزة البيجر علامتها التجارية، أن تكون هذه الأجهزة من تصنيعها، إذ أوضحت الشركة أن المنتج الذي انفجر في لبنان كان قد صُنع من قِبل شركة أوروبية تمتلك حق استخدام العلامة التجارية للشركة التايوانية، مما يفتح المجال أمام احتمالية تفخيخ الموساد لهذه الأجهزة قبل وصولها لحزب الله عن طريق عملائه في الخارج.

هل  العملية تمهيد للهجوم على لبنان ؟

يطرح العديد من المراقبين تساؤلات حول ما إذا كانت هذه التفجيرات بمثابة تمهيد لعملية إسرائيلية في الجنوب اللبناني، فالتوقيت يشير إلى أن هذه الخطوة تهدف إلى إضعاف قدرات حزب الله، وذلك سعياً لإعادة سكان الشمال إلى منازلهم، وبحسب موقع أكسيوس، فإن مسؤولا إسرائيليا سابقا مطلعا على العملية أكد إن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية خططت لاستخدام أجهزة النداء المفخخة التي تمكنت من “زرعها” في صفوف حزب الله باعتبارها ضربة افتتاحية مفاجئة ضمن حرب شاملة، في محاولة أولية لشل حركة حزب الله، فيما اعتبر بعض المراقبين أن هذه الضربة لن تساهم كثيرا في عودة قريبة لسكان شمال إسرائيل لمنازلهم، لأن الأمر يتطلب عمليات عسكرية قوية متتالية قد لا يكون تنفيذ إسرائيل لها ميسورا قبيل الانتخابات الأمريكية.

تداعيات العملية على توسع الحرب مع إيران

على الرغم من حرص إيران ومحورها على عدم توسع الحرب، فإن احتمال تدحرج الصراع إلى حرب إقليمية أوسع يبقى قائما عقب هذه العملية، وإن كان احتمالا محدودا.

من جهتها أشارت وسائل الإعلام العبرية إلى أن إسرائيل تستعد لضربة واسعة النطاق في الشمال في أعقاب الانفجارات واسعة النطاق التي طالت عناصر حزب الله.

من المتوقع بالطبع أن يرد حزب الله على هذه التفجيرات، ولكن التساؤلات تثار حول الوقت المناسب لتحضير هذا الرد، والذي من المرجح ألا يتجاوز حدود ردود الحزب المعهودة، والسبب في ذلك هو أن إيران وحزب الله لا يرغبون في اندلاع حرب إقليمية شاملة، ما قد يحد من  قدرتها على ردات الفعل الكبيرة الواسعة.

أثر التفجيرات على غزة

بالنظر إلى الوضع في غزة، فإن التفجيرات في لبنان تأتي في سياق حملة عسكرية يسعى لها نتنياهو في الشمال، في ظل هذه الحملة التي يخطط لها نتنياهو، لا يزال الاحتلال الإسرائيلي غارقًا مستنزفا في غزة، حيث تثخن المقاومة في قواته بعمليات يومية، كان آخرها مقتل 4 جنود وضباط وإصابة العديد بجروح متفاوتة في عملية عسكرية برفح جنوب قطاع غزة، وبذلك تواصل المقاومة الفلسطينية في غزة صمودها، ما يجعل تأثير هذه العملية على المقاومة الفلسطينية محدودًا، غير أنه في حال إذا ما صعد حزب الله من ضرباته عقب هذه العملية، فقد يسهم هذا في إشغال إسرائيل عن غزة، وتخفيف الضغط العسكري المباشر على القطاع.

في الختام:

تثير التفجيرات التي نفذتها إسرائيل لأجهزة البيجر في لبنان العديد من التساؤلات حول أسبابها ونواياها الاستراتيجية، وسواء كانت ناتجة عن اختراق أمني أو وجود مسبق لشحنات مفخخة، فإنها تساهم في تصعيد محتمل، يرجح أن يكون محدودًا من جانب حزب الله، والذي لا يسعى لتجاوز المعهود من علميات التصعيد، تحسبا من حصول حرب إقليمية شاملة، ولكن تبقى احتمالات التوسع قائمة في ظل سعي إسرائيل الدائم لتعزيز  علمياتها ضد الحزب بصورة مكثفة شملت الكثير من قياداته وجنوده.

زر الذهاب إلى الأعلى