إقليميتقدير موقف

الحالة المصرية ومخاطر الركود السياسي والمجتمعي

 

إذا تخيلنا للحظة أن زائرًا من كوكب آخر هبط في مصر، فإنّه على الأرجح سيستنتج أنها لا تزال تحت الاحتلال أو تواجه غزوًا وشيكًا.  بهي الدين حسن، يوليو 2023

مقدمة:

إن من يفكر في حال السياسة المصرية الراهنة يجدها مختلفة عما سبقها من التجارب السياسية المصرية في السنوات السبعين الماضية، فهي ومع ما فيها من تشابه ولكنها مختلفة عنها جميعًا، فهي ليس سياسة عبد الناصر التي كان لها مشروع خارجي وقضية قومية مركزية، وكذلك ليست مثل تجربة السادات التي كان لها مشروع وطني، وهو التخلُّص من الاحتلال الصهيوني لجزء عزيز من مصر، ونجاحه في ذلك بصورة رمزية  أكد على مسار خاص في الصراع العربي الإسرائيلي، ولا تتشابه أيضًا مع تجربة مبارك التي كانت فيها الأحوال مستقرة إلى حدٍّ كبير، ولكن هذا الاستقرار تحوَّل إلى جمود في ظلِّ محاولته توريث نجله وزمرته  مقاليد الأمور في مصر.

فالتجربة المصرية الحالية لديها تهديدات خارجية سواء من سدِّ النهضة أو تطورات الأوضاع في السودان، أو العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الممتد منذ أكثر من عام (أكتوبر 2023)، ناهيك عن تدهور الأوضاع في الشرق الأوسط بشكل عام، ومع ذلك يبدو أن الدولة المصرية تتصرف وكأنها تعيش في منطقة أخرى غير تلك المنطقة، فهي لا تهتمُّ ولا تنشغل، بل إنها تُهدر الفرص وتفقد عناصر القوة وتتنكر لجهود أبنائها وتعاقب كل من يلفت نظرها أو يحاول تحذيرها من المسار الذي تسير فيه!

إن التفريط الذي مارسته مصر في مصادر الأمن القومي الراسخة؛ من مثل توقيعها لاتفاقيات جديدة فيما يخصُّ سد النهضة، أو التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير؛ هي سلوكيات لا مثيل لها في التاريخ المصري المعاصر، فهذا النظام كما وصفه ماجد مندور: “إن نظام السيسي يمثل قطيعة جذرية في التاريخ المصري الحديث، ويختلف بشكل كبير عن الأنظمة الأخرى التي سبقته بعد عام 1952م”([1]) .      

ومن معالم الاختلاف بين النظام الحالي والأنظمة السابقة أيضًا، أنه في الأنظمة الثلاثة السابقة منذ حركة أو انقلاب 23 يوليو ، كان الواحد منهم قد مكَّن لنفسه من خلال تنظيم سياسي يدعمه ويساند سياساته من مثل تجربة التنظيم الواحد في عهد عبدالناصر فيما أُسمي الاتحاد الاشتراكي، وكذلك أنور السادات في اعتماده على حزب مصر العربي الاشتراكي ولاحقًا تم تأسيس الحزب الوطني الديمقراطي وهو ذاته الذي ورِثه مبارك وفعَّله في ذات نفس الاتجاه، بل أعطاه مساحة أوسع في لعبة توزيع الأدوار في منظومته السياسية، ولكن انقلاب السيسي صار أمرا مخالفًا، فهو لا يعتمد على حزب يسنده ويدعمه، بل يوظِّف مجموعة من الأحزاب ضمن منظومته وفق إدارة مخابراتية، من أول الترشُّح للبرلمان وحصد مقاعده، كل ذلك يجري بمعرفة الأجهزة المخابراتية، وفي ذات الوقت  فهو يعتمد اعتمادًا كليًّا على القيادات الأخرى في المؤسسة العسكرية باعتبارها جماعة مصلحة تُسيِّر الأمور بأشكال مختلفة؛ أهمّها السيطرة على الفضاء السياسي والتحكُّم في الفضاء الاقتصادي بل وإكمال السيطرة على المجال الإعلامي، وهو أمر لم يقع على هذه الشاكلة في أي نظام سبق!

ومِنْ ثَمَّ فإن الاختلاف الذي نراه في حال السياسة المصرية الراهنة (2014 ـ2024) هو أنها أقرب إلى الركود منه إلى الجمود، وفيما يلي نتبين في مدخل مفاهيمي ما الفرق بين الركود والجمود ومؤشرات كل منهما، ثمَّ نُبيِّن نماذج لوقائع وأحداث ذات دلالة على حال السياسة المصرية وفقًا للمؤشرات التي ستتبيَّن لنا.

 

أولًا. مدخل مفاهيمي.. بين الجمود، والركود السياسي:

الركود يعبر عن حالة من السكون أو الثبات الُمدار/ أو الُمفتعل، وعليه فإن الخروج منه يحتاج إلى قرار سياسي، في حين أن الجمود السياسي هو حالة أكثر صلابة وتتَّخذ شكلًا مختلفًا ولا يُمكن الرجوع عنه بقرار، ولكن الخروج من حالة الجمود يحتاج إلى عمليات وتفاعلات أكثر بكثير من حالة الركود، وهناك من المؤشرات ما يؤكد على هذه الرؤية، ولكن قبل الولوج إلى المؤشرات نحتاج لأن نتناول التعريف اللغوي لكلا المفهومين:

الجمود في اللغة؛ (جَمَدَ) الْجِيمُ وَالْمِيمُ وَالدَّالُ أَصْلٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ جُمُودُ الشَّيْءِ الْمَائِعِ مِنْ بَرَدٍ أَوْ غَيْرِهِ. يُقَالُ: جَمَدَ الْمَاءُ يَجْمُدُ([2])، ويُعرِّف معجم اللغة العربية المعاصرة، الجمود بأنه صفة مشبَّهة تدلُّ على الثبوت من جمَدَ/جمَدَ([3])، وفي لسان العرب: جمَدَ الْمَاءُ وَالدَّمُ وَغَيْرُهُمَا مِنَ السَّيَالَاتِ يَجْمُد جُمودًا وجَمْدًا أَي قَامَ، وَكَذَلِكَ الدَّمُ وَغَيْرُهُ إِذا يَبِسَ، وَقَدْ جَمَدَ، وَمَاءٌ جَمْد: جَامِدٌ([4])، ويُورِد معجم الدوحة التاريخي للغة العربية تعريفات كثيرة للجمود منها أن “الجمود: الصلابة واليبوسة”([5]).

والركود في اللغة؛ (ر ك د) كلمة واحدة ركد الماء والريح والسفينة يركد ركودًا: هدأ وسكن، فهو راكد وهي راكدة وجمعها رواكد([6])، ويُعرِّف معجم اللغة العربية المعاصرة بأنه رَكد الماءُ: سكَن وهدأ وثبَت “ركدت الريحُ/التجارةُ- تسببت أحداث سبتمبر في ركود الاقتصاد العالميّ-الماء([7]) وجاء في لسان العرب: رَكَدَ الْقَوْمُ يَرْكُدون رُكودًا: هدأُوا وَسَكَنُوا([8]).

أما عن مصطلح الجمود السياسي، نجد أن موسوعة العلوم السياسية تتحدَّث عن الجمود المذهبي وعن الجمودية؛ أما عن الجمود المذهبي فتُعرِّفه بأنه: منحنى تفكيري يقوم على مفاهيم وصيغ وقوالب “جامدة” ودائمة لا تقبل التغيير ولا تعرف المرونة، بغضِّ النظر عن الشواهد وحقائق المكان والزمان، وتطوُّر الظواهر وتفاعلها والمستجد فيها”([9]).

أما الجمودية فهي: “موقف سياسي واجتماعي يدفع صاحبه إلى التشبُّث بالتقاليد ورفض التجديد والتقدُّم والإصلاح في السياسة والمجتمع، ويتحوَّل هذا الموقف أحيانًا إلى سياسة متكاملة قائمة على كبح وتجميد كل مبادرة تجديدية”، وعندما يستحكم ذلك تصاب الحكومة بالشلل والعجز عن حلِّ المشكلات الجدية في البلاد، ويقتصر نشاطها على تسيير شؤون الدولة لا قيادتها([10])!

أما عن الركود السياسي فإن الشائع في العلوم الاجتماعية هو الركود الاقتصادي وليس السياسي، حتى أن موسوعة السياسة الأكثر شهرة باللغة العربية؛ اكتفت بتعريف الركود الاقتصادي  دون أي إشارة إلى أنه قد يكون هناك ما يمكن تسميته بالركود السياسي ، وعرفته -أي الاقتصادي- بأنه: “حالة من الضمور في النشاط الاقتصادي بشكل عام، تتميَّز بانكماش الطلب ونمو البطالة بين أفراد القوة العاملة، وتعطيل لآلات الإنتاج وتقلص حجم الأموال المخصصة للاستثمار والمشاريع الجديدة مما يُسبِّب انخفاضًا في الناتج الإجمالي والدخل القومي”، ونقل عنها هذا التعريف ببعض التصرف معجم المصطلحات السياسة([11]).

ويعزو المفكرون الاقتصاديون الرسميُّون ظاهرة الركود إلى الدورة الاقتصادية التي تشير إلى التراوح والتأرجح في مستوى النشاط الاقتصادي عبر فترة من الزمن، وحيث يتعرَّض نمو الإنتاج إلى توقُّف، بل وإلى تراجع ثمَّ ما يلبثُ أن يتغلَّب على العوامل المسبِّبة للتوقُّف أو التراجع”([12])، وهو ما نستشفُّ منه أن الركود نتيجة لقرارات وسياسات مؤقَّتة ومُدارة، بعكس الحال مع الجمود السياسي الذي تكون عوامل ثباته أكثر من عوامل تغييره.

ثانيًا. الإطار المرجعي للركود السياسي:

وقد استمرَّ هذا النظام في صناعة حالة خاصة من تعطيل السياسة باعتقال جميع المعارضين السياسيين الذين علقوا في يديه، بعدما خرج عدد كبير من السياسيين والقيادات السياسية خارج البلاد، وقد حرص على تقطيع أواصر علاقاتهم بالداخل المصري حتى فيما يتعلَّق بالأوراق الثبوتية وعدم تجديد جوازات السفر وغيرها

سقوط النظام في حالة جمود أو حالة ركود لا يمكن أن تكون معلَّقة في الهواء، أو أنها منقطعة الصلة عن البيئة السياسية التي تحكمها، ولذلك فإن فهم حالة الركود  الحالية في مصر تحتاج لأن نعود إلى بداية تأسيس هذا النظام والذي كما يرى بعض الباحثين قد بدأت جهود تأسيسه “عقب ثورة يناير مباشرة، وكانت جميع الإجراءات التي كانت مفهومة في حينها أو غير مفهومة قد أدَّت إلى تركيز السلطة في أيدي المؤسسة العسكرية بأي ثمن، وكان هذا التركيز الحادُّ على تراكم السلطة بمثابة إيذان بظهور ديكتاتورية عسكرية لها سمات خاصة بها ـ كما سبقت الإشارة ـ لا تتسامح مطلقًا مع المعارضة، وهي على استعداد لاستخدام مستويات غير مسبوقة من عنف الدولة لإسكاتها”([13]).

وقد استمرَّ هذا النظام في صناعة حالة خاصة من تعطيل السياسة باعتقال جميع المعارضين السياسيين الذين علقوا في يديه، بعدما خرج عدد كبير من السياسيين والقيادات السياسية خارج البلاد، وقد حرص على تقطيع أواصر علاقاتهم بالداخل المصري حتى فيما يتعلَّق بالأوراق الثبوتية وعدم تجديد جوازات السفر وغيرها، وهو ما دفع الأستاذ الدكتور سيف الدين عبد الفتاح للحديث عما أسماه “الجنسية عقوبة”([14])، وعن “المواطن العدو”([15]) أي أن النظام السياسي المصري الحالي ينظر إلى المصريين باعتبارهم أعداء ما داموا لا يبصمون على كل ما يقوم به!

من ناحية أخرى حرص النظام على هندسة المشهد السياسي بالكامل بطريقته الخاصة، كما هو الحال في الانتخابات الرئاسية؛ فهو من يختار منافسَه ويُحدِّد عدد الأصوات التي يحوزها، حتى أن غالبًا ما كانت الأصوات الباطلة أعلى من نسبة المرشَّح المنافس! أو تشكيل البرلمان بطريقة أمنية مخابراتية، تجعله يُقرُّ ويوافق على كلِّ ما تقدِّمه إليه الحكومة، وقد شهد البرلمان في نسختيه الأولى والثانية في ظل هذا النظام مهازل وكوارث لا يمكن تخيُّلها إلا في إطار كوميديا سوداء!

ولضمان ضبط هذه الأمور بصورة كاملة كان تعامله مع وسائل الإعلام بالحجب والمنع والمصادرة، ومع منظمات المجتمع المدني من خلال اعتقال النشطاء ومنع البعض الآخر من السفر ومصادرة أموال الكثير من المنظمات، وتمَّ ذلك من خلال ما عرف بقضية 173 والتي انتهت مؤخرًا بعدما استنفذ النظام أغراضه منها، ولم يكن تحكُّمه في مؤسسة القضاء بعيدًا عن هذه السياسة الضابطة والمتحكمة بصورة كاملة في عمل المؤسسات؛ فرأينا الأحكام الجماعية بالإعدام، أو المحاكم الهزلية، أو التدوير للمعتقلين واتهامهم بقضايا جديدة، رغم أنهم رهن الاعتقال، كل هذه السياسات تُعبِّر عن إدارة النظام الحاكم للمشهد وصناعته لحالة ركود مقصودة، حتى يضمن عدم تكرار ثورة يناير مرة أخرى كما لا ينفك يكرر ذلك في كل مناسبة!

ثالثًا. المعارضة فاعل سياسي ارتضى أن يكون حالة سياسية:  

لا يجادل أحد في أن المعارضة طرف أصيل في العملية السياسية ـ أي عملية سياسية ـ وأن هذا الأمر ليس منَّة من أحد ولا إحسانَ تحليلٍ، أو قدرةً على التمكُّن المنهجي، فهو معطًى أوليٌّ في التحليل السياسي، والمعارضة المصرية ليست خروجًا

إن الغالب اليوم أن جميع أطياف المعارضة ـ عدا محاولات تكاد تكون فردية ـ قد أقالت نفسها عن قيامها بدورها الحقيقي في معارضة النظام المصري؛ سواء باختراعها خلافات داخلية وانشطارها إلى أربعة أو خمسة كيانات متصارعة، أو أنها لم تعد تفهم دورها بشكل حقيقي

عن هذا المبدأ وتلك القاعدة المنهجية العلمية في اعتبارها طرفًا في العملية السياسية، إلا أنه في بعض الأحيان من الممكن أن يكون هذا “الطرف” رغم أنه “فاعل”، إلا أن واقع الحال أنه “مفعول به”! وذلك إما من نفسه (الاستقالة) أو من قبل آخرين (الإقالة والحصار)، فلا يمكن إنكار الدور الخطير الذي يقوم به النظام في عزل وحصار المعارضة المصرية([16])، إلا أن المعارضة أيضًا استقالت من دورها، واكتفت بأدوار ليست من أدوارها، ولم تعدْ مؤثرة أو محلَّ تقدير في الداخل (لم يلتفت النظام يومًا إلى تهديدات الأحزاب بتجميد دورها والتي تطلقها بين الحين والآخر))[17]( أو الخارج (يتم التعامل مع المعارضة باعتبارها موضوعًا قابلًا للتفاوض بشأنه)، وهناك الكثير من الأحداث التي تمرُّ وتؤكِّد على غياب المعارضة المصرية وفقدان فعاليتها وتأثيرها واندثار قواها وقياداتها.

ورغم إقرارنا أن المعارضة طيف واسع وعريض ومتنوِّع سواء في الداخل أو الخارج، سواء إسلامية أو مدنية/ علمانية  يسارية أو ليبرالية، أو حتى معارضة غير مصنفة تشتغل بقضايا الوطن دون أن تنحاز لفريق مُعيَّن؛ فإن الغالب اليوم أن جميع أطياف المعارضة ـ عدا محاولات تكاد تكون فردية ـ قد أقالت نفسها عن قيامها بدورها الحقيقي في معارضة النظام المصري؛ سواء باختراعها خلافات داخلية وانشطارها إلى أربعة أو خمسة كيانات متصارعة، أو أنها لم تعد تفهم دورها بشكل حقيقي، أو أنها تقبل بما يقدِّمه لها النظام، وتسهم في استكمال الشكل  المطلوب تصويره للخارج والمنظمات الدولية! وغابت معظم قوى المعارضة عن الساحة إلا في بعض المناسبات الانتخابية حيث تثور بعضُ التساؤلات الكلية وتُطرَح الأسئلة الكبرى عن المشاركة من عدمها، والموقف من الذين شاركوا، وتبادل الاتهامات بالعمل مع الانقلاب، ثم يعود كل إلى سباته حتى الانتخابات القادمة ليتبادوا الاتهامات، دون البحث عن دور حقيقي ومؤثِّر في العملية السياسية المصرية، أو حتى ابتكار مسار سياسي موازي للمسار السياسي الراهن، والأكثر من ذلك هو إهدار الإمكانات والتفريط في المساحات وعدم الاستفادة / استغلال الفرص والممكنات.

ولا يعني ذلك أن هذه الرؤية تتفق أو تتبنى اتهام نقيب المحامين السابق الأستاذ سامح عاشور للمعارضة المصرية في لقاء تلفزيوني في أحد البرامج بأنها “بتدلع”([18])، فقد أكد بشكل مباشر وبدون مواربة أن “المعارضة المصرية بتدلع، مستنية الحكومة تدخلها البرلمان، الحكومة تدخلها مجلس الشيوخ، الحكومة تديها فرصة تتكلم، لا.. ، المعارضة المصرية الآن مطالبة بأن تُقدِّم رؤى حقيقية للدولة والمجتمع، فلا توجد في الدنيا معارضة تدعمها حكومة” وقد كان تعقيب المذيعة أن المعارضة دورها أن تخدم المجتمع، هكذا سواء الضيف أو المذيعة لا يروا أي دور للمعارضة في مقارعة الحكومة أو مدافعتها على التداول السلمي للسلطة، فالسلطة أمرها منتهي ومستقرة في يد النظام السياسي ولا تقبل التداول أو حتى الاقتراب منها!

وبناء على ما سبق فإننا بحاجة لأن نفهم ونفسر موقف القوى السياسية والمجتمعية ورضاها على تحوُّل المعارضة المصرية من فاعل وطرف سياسي مركزي كما كان في ثورة يناير 2011، إلى مفعول به وحالة سياسية يتمُّ التلاعب بها والتحكُّم فيها، واعتبارها ملفًا من الملفات التي استطاع النظام أن يديرها وأن يُركِّدَها؛ أي يُدخلها في حالة الركود ـ الذي يُغلِّف به كل المجالات والقضايا والعلاقات والأطراف في مصـرـ وهذا لا يمنع من وجود بعض الأصوات التي تحاول رغم معرفتها أن ستتعرَّض للتنكيل بأشكال مختلفة سواء المنع من السفر([19])، أو الاعتقال في غياهب السجون([20])، أو الإجراءات الأخرى التي اعتادت الحكومة إنزال العقاب بها بالمعارضين، إضافة إلى ممارستها المتجدِّدة والمستمرة في التعامل مع المعتقلين السياسيين من رفض الإفراج عنهم بعد قضاء فترة حبسهم القانونية ([21])أو آلية التدوير، أو الإقامة الجبرية أو الاختفاء القسري أو الموت البطيء بالإهمال الطبي([22])، أو التعذيب وغيرها من الأدوات، ولكن في حقيقة الأمر هذه أيضًا من آليات النظام في إدارته للمعارضة وعدم صبره على أي صوت يرتفع بما يخالف سرديته سواء بشكل جزئي محدود أو بشكل كلي شامل.

رابعًا: بين الجمود، والركود السياسي.. مؤشرات ودلالات:

قد لا يتفق معنا الكثير من المحلِّلين والمراقبين أن ما يحدث في مصر هو ركود وليس جمودًا، ومِن ثمَّ يجدر بنا استعراض مؤشِّرات الجمود وقياسها على الحالة المصرية للوقوف على طبيعة الحالة المصرية، ومن هذه المؤشرات؛ الاستقرار السياسي والاقتصادي الضعيفان في المجتمع، وكذلك انتشار حالة من التجاذبات السياسية والانقسامات بين القوى السياسية التي تصنع تعطُّل حالة الفعل السياسي، وانتشار الفساد وعدم الكفاءة، ونقص القيادة الفعَّالة، والتأثيرات الخارجية.

أما عن التجاذبات السياسية والانقسامات بين القوى السياسية فهو أمر لا تعرفه مصر خلال السنوات الماضية، صحيح هناك معارضة في الداخل أو في الخارج، إلا أن الأكثر بروزًا هو سيطرة نموذج واحد، والدليل على ذلك أن الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية يتحكَّم فيها النظام بقبضته الحديدية ومؤسساته الأمنية.

وقد يشير البعض إلى أن هذه المؤشرات التي تصف الحالة المصرية متعلقة بالجمود السياسي، إلا أن التدقيق فيها نجد أن هناك حالة من الاستقرار السياسي التي يعيشها النظام المصري الراهن، بغضِّ النظر عن محاولات البعض الإشارة بين الحين والآخر إلى مرض الرئيس أو وجود صراعات بين  الأذرع السياسية في مصر!

فالواقع يؤكد على أن مثل هذه التحليلات غير دقيقة، فلم يرصد أحد أي مسار سياسي مختلف عما يُقرِّره رئيس هذه المنظومة! ولم يخرج عنه أي أحد بشكل معلن وكبير ومؤثِّر، وأن كل ما يجري أمر طبيعي في دولة بحجم مصر، أما عن الاقتصاد وأزماته، فإن ما يحدث فيه له أسباب متعدِّدة ومُعقَّدة وتُسأل عنه المؤسسة العسكرية بصورة كبيرة، ويُمكن الاستزادة في ذلك من خلال دراسات د. يزيد صايغ المتميزة)[23](.

أما عن التجاذبات السياسية والانقسامات بين القوى السياسية فهو أمر لا تعرفه مصر خلال السنوات الماضية، صحيح هناك معارضة في الداخل أو في الخارج، إلا أن الأكثر بروزًا هو سيطرة نموذج واحد، والدليل على ذلك أن الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية يتحكَّم فيها النظام بقبضته الحديدية ومؤسساته الأمنية.

أما عن الفساد وقلة الكفاءة فوجودها في هذا النظام ليس لأنه لا يستطيع أن يكافحه أو أنه عاجز على أن يأتي بالأكثر كفاءة، ولكن انتشار الفساد وقلة الكفاءة في هذا النظام أمر مقصود، حيث يتلازم الفساد والاستبداد.. فيزيد الفساد من تمكين التسلُّط والطغيان والاستبداد من رقاب الأمة ومقدراتها، وفرض الوصاية في وعيها([24]).

ولذلك لم يتسامح النظام مع المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق الذي أراد فضح الفساد من خلال سعيه لنشر تقرير يتضمَّن دور أبرز المؤسسات الرسمية في نشر وانتشار الفساد في مصر، ولذلك كان تعامل السلطة معه مباشرًا وحاسمًا ومعلنًا؛ ليكون عبرة يعتبر بها غيره؛ حيث تعرض رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات (السابق) للضرب والسحل والسجن، وأخيرًا بالبقاء تحت الإقامة الجبرية.

ما يؤكد أن الفساد والاستبداد متلازمان هو سعي السلطة لتقنين الفساد من خلال إحكام سيطرتها على المؤسسات الرقابية بالقانون، ودلالة ذلك أن معظم قيادات الأجهزة الرقابية يتم التجديد لهم كل عام، وهو في ذلك يعصف بالدستور الذي حصَّن هذه المناصب سواء في نسخة 2014م أو بعد التعديل عام 2019م، وذلك في مادتيه 215 و216، ومضمونهما أن الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية تتمتع بالشخصية الاعتبارية، ونصا على أن هذه الهيئات هي: (البنك المركزي، والهيئة العامة للرقابة المالية، والجهاز المركزي للمحاسبات وهيئة الرقابة الإدارية).

وأكد الدستور على أن رئيس الجمهورية يُعيِّن رؤساء تلك الهيئات والأجهزة بعد موافقة مجلس النواب بأغلبية أعضائه لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، ولا يعفي أيًّا منهم من منصبه إلا في الحالات المحددة بالقانون”([25]).

ورغم ذلك كان رئيس النظام قد أصدر عام 2015م قرارًا بقانون رقم 89 لسنة 2015م، والذي نشر في الجريدة الرسمية في التاسع من يوليو/تموز 2015م مضمونه أنه: “يجوز للرئيس إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية”([26])، ورغم الكثير من الجدل حول القانون إلا أن الواقع يؤكد أن هذا القانون هو الذي يحكم ويُتحكَّم من خلاله في هذه الأجهزة ويجدد لها كل عام بعامه على خلاف الدستور، مع الإشارة إلى أن مواد التحصين استمرت في التعديل الدستوري الصادر عام 2019م، ما يعني بطلان قانون 2015م، إلا أن الواقع يؤكد أن قانون السيسي أقوى من الدستور المصري!

وعن نقص القيادة الفعالة؛ فإن هذا النظام يتبنى رؤية خاصة تتمثل في أنه لا يرى أكثر فعالية من “العنصر” العسكري، ولذلك نجد التمجيد والإشادة بالقيادات العسكرية التي تشارك في الحكم بصورة مباشرة من مثل كامل الوزير الذي منحه الدرجات الوظيفية بصورة متتالية، إضافة إلى تقليده لوزارتين في حكومة واحدة([27])، فهو لا يرى إلا القيادة العسكرية في مقابل عدم تقديره واعتباره لأي شخص إذا كان مدنيًّا!

ولعل “تصريحاته خلال زيارته لأحد المشاريع بقوله: “فين المدني اللي هنا”([28]) تعبر عن اقتناعه بدونية كل ما هو غير عسكري، إضافة إلى ذلك تفاخره بأنه ينفذ ما يراه من مشاريع وبنى تحتية، وأنه لو اعتمد على دراسات الجدوى ما كان قد أنجز ربع ما تم إنجازه ([29])، فهو هنا لا تغيب القيادة الفعالة كمؤشر، ولكنها موجودة بشروط النظام ورؤيته لها.

كما أنه من المهم في هذا المقام عما يَرِدُ على بعض الألسن من اتهام للمؤسسة العسكرية، علينا أن نميز بين أمرين؛ القيادات العسكرية التي سطت على السلطة في مصر بانقلاب عسكري يفسر مصالحها وكذلك تدخل الجيش فيما لا يعد من شؤونه الأساسية من حكاية الحدود والوجود إلى أعمال ترفيهية وفندقية وإنتاج سلع غذائية إنما هو قرار تلك القيادات في محاولة منهم لرسم صورة ذهنية للجيش المصري في مؤسسته التي تتعلَّق بالقوات المسلحة،  هذه السلطة في الحقيقة قد استطاعت أن تسطو على كامل القوات المسلحة مثلما سطت على مؤسسات أخرى في المجتمع حتى يمكنها تأمين مصالحها وبناء استراتيجيتها في النهب المنظم وإدارة الفساد، أما المؤسسة العسكرية ذاتها فهذا شأن آخر يتعلَّق بأهل مصر، من منا لم يمر هو أو أحد أفراد أسرته على المؤسسة العسكرية مجندًا فيها، وهو ما يعبر عن حقيقة هذه المؤسسة ولكن من المؤسف حقًّا أن يحاول هؤلاء في تحويل الأدوار إلى  أخرى مشبوهة تلصق التصورات والاتهامات بالجيش المصري لا بالقيادة التي هي المسؤولة بالأساس عن اختطاف تلك المؤسسة ومؤسسات أخرى.

أما عن التأثيرات الخارجية؛ فالجمود يكون فيه مساحات محدَّدة لمسألة الخارج؛ حيث يقف على مستوى الخلاف أو الاتفاق، وتكون العلاقات فيه في مستوى العلاقات الخارجية المعهودة ما بين التعاون أو السلام أو الحرب أو أي شكل من أشكال العلاقات الخارجية المعتادة، في حين أن الوضع الذي تعيشه مصر في الوقت الراهن هو وضع خاص لم تعرفه مصر من قبل!

فهناك حالة شديدة من التدخل الخارجي في الداخل المصري، إما بسبب شراء الشرعية ثمنًا لصفقات السلاح مع الدول الغربية، أو بيع الأصول المصرية والشركات الناجحة لدول الخليج التي باتت تتصرَّف في مصر وكأنها هي الكفيل أو المالك الحقيقي لمصر! ولعل زيارة محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات إلى مصر مطلع أكتوبر الجاري تكشف بجلاء عن طبيعة العلاقة المصطنعة بين الإمارات ومصر، ولعل صورة الرئيس المصري واقفًا بخشوع خلال جلوس الرئيس الإماراتي على مكتب الأخير أبلغ من آلاف الصفحات!

أردنا مما سبق أن نؤكد على أن حال النظام المصري وإن كان يتصف بصفات الجمود إلا أنه ليس جمودًا حقيقيًّا، وإنما ما يعيشه هو حالة من الركود؛ وذلك لأن الركود -من وجهة نظرنا- مصنوع صناعة، ويمكن  الاستفادة من التعريف الاقتصادي للركود بتقديم  جانبه السياسي في أنه: “حالة من الضمور في النشاط السياسي بشكل عام، يتميز بالاختباء أو اصطناع عدم الوجود في الفعاليات السياسية الخارجية، والتحكم ومنع الفعل في السياسة الداخلية، أي أن النظام يريد أن يضبط العملية السياسية على إيقاع خاص به، ولذلك لا يقبل أو يسمح بأي فعل في الحياة السياسية إلا من خلاله، وفي ذلك لا يتورَّع عن صنع المؤسسات السياسية ومنع الإعلام وحجبه وصولًا إلى التحكُّم  حتى في الإبداع والفن”!

وهو ما يدفع بالقول إن الركود السياسي هو نمط إدارة أكثر منه وضع سياسي، فكما أن هناك الإدارة بالأزمات فبات لدينا الآن الإدارة بالركود، ومن مؤشراتها ضعف فعالية الحكومة، فهي بمثابة سكرتارية للرئاسة، ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال مشاهدة مشاركتهم في المؤتمرات وكيف يقفون “انتباه” أمام الرئيس الذي يناديهم بأسمائهم ولا يتكلمون إلا إذا أذن لهم، ويمكن أن يقاطعهم أو يقرر عكس ما قالوه!

وكذلك عدم قدرة الحكومة على اتخاذ القرارات؛ فالمراقب للدولة المصرية يعلم أنها تحت قيادة شخص واحد ووحيد، حتى أنه تم توحيد جهات الشراء والتوريد للحكومة، وصدر لهذه الهيئة قانون ينظم أعمالها برقم 151 لسنة 2019م، باسم “الهيئة المصرية للشراء الموحَّد والإمداد والتموين الطبي وإدارة التكنولوجيا الطبية وهيئة الدواء المصرية”([30]).

فشل في التفاوض والتوافق؛ ولعل توقيع اتفاقية المبادئ مع أثيوبيا تكشف هذا النمط من الإدارة المنفردة التي تفتقد لمبادئ أي موضوع تخوض فيه ويترتب عليها كوارث خطيرة.

غياب الإصلاحات والتغيير وعدم الاستجابة للأزمات، فالنظام يتمسَّك بالإبقاء على الوضع السياسي وكأننا لا نزال في اليوم التالي للانقلاب، فهو يرفض الحلول أو المبادرات، حتى الحلول التي تخرج منه من مثل الحوار الوطني ليس فيها أي فعالية أو تحقيق أي أهداف سياسية على الأرض!

تراجع الثقة العامة، تراجعت الثقة العامة على مدار السنوات العشر الأخيرة، وتكشف مقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي الانتقادات العلنية لقائد المنظومة الحاكمة، حتى أنه منذ سنوات انتشر هاشتاج على وسائل التواصل الاجتماعي بعنوان: “ارحل”، وقد علَّق عليه في أحد المؤتمرات بصورة شخصية.

ضعف النشاط البرلماني؛ لا يمكن وصف الأداء البرلماني بالضعيف لأنه غير موجود بالأساس، خاصة وأن تشكيل هذا البرلمان كان بإدارة أمنية بصورة معلنة ومكشوفة للكافة!

رابعًا. قضايا ومجالات الركود السياسي:

تتعدَّد القضايا التي يمكن الوقوف عندها كعلامات بارزة على حالة الركود التي تحرص السلطة الراهنة على تشييد أسوار لها من انتخابات، وصولًا إلى هروب الرياضيين إلى خارج الوطن، أو محاولة بعض الفنانين الحصول على جنسية دولة أخرى لضمان حجز مساحة من الحركة والعمل، ولا تكون رهنًا للشركة الوحيدة التي تُهيمن على سوق الإنتاج في مصر، مع أن هؤلاء الفنانين يخضعون للسلطة تمامًا ولا يفكرون مجرد التفكير في المعارضة!

ولكن لإدراكهم أن هذه السلطة في بعض الأحيان تكون بعض تحركاتها بدون منطق إلا التأكيد على أنها هي من تتحكم في الأمور بالمطلق وتحافظ على حالة الركود، فمثل هذه التحركات غير المحسوبة للحفاظ على هذه الحالة قد تؤدي إلى تجميد السلطة لبعض أدواتها ومن ثم تعمل هذه الأدوات على ضمان مساحة للحركة، ولكن نظرًا لافتقادها لهامش الحرية في الداخل فهي تسعى لضمانها في الخارج.

ونظرًا لتشعُّب هذه القضايا واشتباكها في جميع المجالات نحرص على التفصيل في  ثلاثة نماذج منها تُوضِّح الأمر وتُبينه: أولها بشأن قضايا الأمن القومي، والثانية في المجال السياسي نستعرض الحوار الوطني، والثالثة في المجال الاقتصادي نتناول بيع الأصول المصرية.

  1. قضايا الأمن القومي المصري:

قد يسوق البعض أمثلة عن وضع مصر في عام الثورة عندما صَدَعَ رئيسها في ذلك الحين الدكتور محمد مرسي بمقولته الخالدة: “لن نترك غزة وحدها” وتنظر في حال مصر في الوقت الراهن والأمة تقع فريسة لعدوان غربي وليس إسرائيليًا فقط، والموقف المصري في حدوده الدنيا والتي هي عدم التواطؤ مع إسرائيل في أحسن الأحوال ، وإن كانت تطورات الموقف تكشف أن الأمر   قد يأخذ مسارات خطيرة تتجاوز التواطؤ -فإذا ما استبعدنا ما يُقال عن تقديم مصر لأغذية وأدوية لإسرائيل، ولم نصدق تقارير استلام مصر لحمولة أسلحة ومتفجِّرات نيابة عن إسرائيل، فكيف يمكن تسويغ أو الصمت أو القبول بمرور بعض البوارج الحربية الإسرائيلية من قناة السويس رافعة علم الكيان الصهيوني إلى جوار العلم المصري([31])؟! وفي اليوم التالي كانت نتائج هذا العبور([32])،  تملأ الفضاء العام سواء بحماية إسرائيل من أسلحة المقاومة، أو قصف الآمنين من البحر – فهل مثل هذا الموقف يليق بمصر أو بأي دولة أخرى تسمح بمثل هذه الجرائم على حدودها؟!

ناهيك عن تفريط هذا النظام في جزيرتي تيران وصنافير ليتخلَّص من عبء وجود مضيق مصري خالص -من وجهة نظره- فهو يريد أن يكون متحكمًا في أمور مصر الداخلية والخارجية بعدم الوجود، مثلما كان حريصًا على توقيع اتفاقية المبادئ الخاصة بالسدِّ الأثيوبي على منابع نهر النيل، والتي منحت الطرف الأثيوبي ما لم تمنحه له أي اتفاقية أخرى بين البلدين رغم وجود اتفاقيات من القرن التاسع عشر.

إن ما يفعله النظام في هذه الملفات هو “الاختباء” أو “عدم الوجود” حتى لا يكون مطالب بأي فعل، وهذا هو الركود السياسي.

  1. قضية الحوار السياسي:

يُفسِّر البعض دعوة رئيس النظام المصري الحالي إلى الحوار الوطني أنها بالأساس كانت لإشراك قطاعات أوسع من المجتمع المصري في أزماته  المتنوعة خاصة الاقتصادية، مما يؤكد على أن مسألة الحوار الوطني ليست كما يفهمها الشارع السياسي والقوى السياسية ولكنها هي وسيلة ومشجب لتوسيع دائرة المساءلة دون المسؤولية عن الأزمات التي تمرُّ بها البلاد؛ فخلال كلمته في احتفال عيد الشرطة  2024 قال الرئيس السيسي: “إن مصر تتعرَّض لأزمة واحدة تتمثل في الاقتصاد، لافتًا إلى أنَّ الحوار الوطني كان فرصة جيدة للحديث حول موضوعات سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية، داعيًا لإطلاق حوار أعمق وأشمل فيما يخص الاقتصاد”([33]).

وما يؤكد على ذلك  استمرار الأوضاع السياسية كما كانت قبل الحوار، فإذا كان الحوار قد سمح بالإفراج عن بعض النشطاء والمحبوسين، فإنه في الوقت نفسه شهد انضمام الكثير أيضًا إلى السجن والاعتقال في ذات الوقت، فأزمة مصر ليست في الاقتصاد بل أزمة سياسية بامتياز، أزمة غياب الشفافية والمساءلة والمحاسبة، أزمة إنكار وعدم اعتراف بالمسؤولية عن الأخطاء بل الإصرار على أن ما جرى خلال العقد الماضي هو متوالية من الإنجازات غير المسبوقة([34])، الأكثر دلالة على حالة الركود أو أن الحوار يدور في مساحة أخرى في ذهن رئيس المنظومة لا علاقة لها بالشعب أو المواطنين أن قضية الحبس الاحتياطي التي تشغل القوى السياسية والتي سوَّغ معظم المشاركين من المعارضة في الحوار الوطني اتخاذهم هذه الخطوة بسبب هذا الملف قد لاقت نتائج عكسية؛ إذ طرحت اللجنة التشريعية في مجلس النواب مشروعًا للإجراءات الجنائية يعصف بكل الحقوق التي يحوزها المواطن في الوقت الراهن، وباتت القيود والانتهاكات التي كانت تمارسها الأجهزة الأمنية مدسترة في هذا القانون، أي أن الحوار أنتج عكس ما كان يُراد منه!

وهناك من يرى أن الحوار الوطني بالأساس كان بمثابة ديكور واصطناع حراك، وإجبار المعارضة على المشاركة في شأن سياسي عام، ليحسن النظام صورته في الخارج، ويصطنع صورة مدنية ديمقراطية ترضي الغرب وتُحسِّن ملف وصورة النظام أمام منظمات حقوق الإنسان، وهو ما يؤكد مسألة الركود السياسي لهذا النظام في كل مجالاته وقضاياه، فهو لا يقصد الفعل السياسي لذاته أو مقاصده، ولكن كل ما يريده هو استكمال صورة أكبر قائم عليها وينظر فيما يناسبها ويستكمل صورتها التي يريدها!

  1. النمو الاقتصادي:

من المهم أن نطرح على أنفسنا سؤالًا مهمًّا وهو؛ مما يتكون النمو الاقتصادي، وكيف ينفق هذا النمو؟ )[35]( أما عن معدلات النمو الاقتصادي في مصر ، فهذا الاقتصاد يعتمد على القطاعات الخدمية والريعية على حدٍّ كبير ، وأن القطاعات الإنتاجية لا تشارك إلا بنسب محدودة للغاية في تكوين النمو الاقتصادي، هذا الأمر يُسهم في فهم مسألة التراجع في معدلات النمو الاقتصادي المصري في السنوات الأخيرة، ويفسر أيضًا لماذا حدث تصاعد “مؤقت” في معدل النمو الاقتصادي في مصر خلال بضع سنوات عقب الحصول على قرض صندوق النقد الدولي 2016، وتدفُّق أموال كبيرة إلى الاقتصاد المصري وقيام الدولة بمجموعة من المشروعات الكبرى، وبالتالي فإن هذا النمو الذي تحقَّق في تلك الفترة كان نتيجة عوامل ريعية خدمية وليست عوامل إنتاجية حقيقية[36].

كما أن مشاركة القطاعين الصناعي والزراعي في هذا النمو محدودة للغاية ولا يمثلان أي نسبة معتبرة في هذا النمو، وقد انكشف هذا النمو بصورة مباشرة مع العام المالي 2022-2023 مع تراجع ضخ الأموال في شرايين الاقتصاد المصري، وتراجع بعض المشروعات التي كانت الحكومة قد قررت القيام بها، وقد انعكس ذلك بصورة مباشرة على معدل النمو.

من جهة أخرى فإن تراجع مؤشر مديري المشتروات المصري خلال السنوات السابقة يدل على أن القطاع الخاص الصناعي المصري غير البترولي لا يرى أن المناخ المصري جاذبًا، وأنه يرى أن هناك ضغوطًا حكومية ومزاحمة وبالتالي دائمًا هذا المؤشر يتراجع، ورغم وجود طفرة في بعض الشهور ـ المؤشر شهري ـ إلا أن الغالب عليه والحاكم له أنه في تراجع، ولم تفلح أي إجراءات أو قرارات حكومية في حثه على الرجوع إلى المسار التصاعدي مرة أخرى، وأيضًا هذا المؤشر لم يبلغ المعدل المحدَّد له (50 نقطة)حتى في أوج تصاعده،  وبالتالي يدل ذلك على حالة الركود التي يعانيها الاقتصاد المصري خلال الفترة الماضية.

الاقتصاد المصري بدأ يعاني من نوع ما من الركود الداخلي، هذا الركود قديم وبدأ يتشعَّب وينشر، وهو ناتج بالأساس عن بعض الإجراءات والسياسات التي أُقِرَّت بعد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي نوفمبر 2016، وهو الأمر الذي أدى إلى أن تتخلى الحكومة تدريجيًّا عن السياسات الحمائية، وعن الدعم الذي كانت تقدِّمه في العديد من القطاعات الخدمية وغيرها (البترول، الكهرباء، المياه، المواصلات)، وهو ما أثر على القدرات الإنفاقية للشعب المصري ووقوع أعداد متزايدة من الشعب تحت خط الفقر([37])،  أن هذه السياسات  هي المسؤولة عن الركود الاقتصادي، وعن غياب الاستثمار الأجنبي  عن مصر  لتقلُّص القدرة الشرائية المصرية.

خاتمة:

ما الذي يمكن فعله مع مثل هذه الحالة؟

سؤال ما العمل؟ كان ولا يزال هو السؤال الاستراتيجي والمحوري في أي مسألة من المسائل، والإجابة عن مثل هذا السؤال هي من واجبات الوقت، ولذلك فإن الأمر يستحقُّ منا التفكير الاستراتيجي والمنهجي الذي تقوم به مؤسسات وهيئات علمية تنهض لمواجهة مثل هذا الوضع ولا تتركه على حاله هذه.

إن البدء من ضرورة أن يكون هناك أنماط ونماذج من طرح الأستاذ الدكتور سيف الدين عبد الفتاح لبناء العقل الاستراتيجي ([38]) هو أمر غاية في الأهمية، فيقول: إن العقل الاستراتيجي يمكن أن يكون منه نسخ متنوعة منها ما هو للأمة أو المقاومة أو التغيير، وتكون لكل نسخة أبناؤها، ومن ثم فإن الحالة التي نحن بصددها تحتاج إلى عقل استراتيجي للتغيير في مصر يرسم استراتيجية العمل والتغيير من خلال:

  1. البناء على الموجود.
  2. وإيجاد المفقود.
  3. والبحث عن المنشود.
  4. والمسالك التي تؤدي إليه في بلاغ المقصود.

مستندًا في ذلك على:

  1. علم التأسيس الاستراتيجي.
  2. وعلم التدبر والتدبير واستشراف المستقبل.
  3. وعلوم الحركة السياسية.

وذلك بمنهجيات أساسية تتمثل في:

  1. وجود مستودعات تفكير قادرة على ممارسة كل ما يتعلق بالوعي بمناهج التفكير.
  2. وكذلك مسارات البحث والدراسة ومناهج التغيير.
  3. وكذا مناهج التدبير والتسيير.
  4. وأخيرًا مناهج الفاعلية والتأثير.

دون إغفال لخريطة الواقع والمجالات التي تتعلق بالفعل الاستراتيجي والتي تشكل مسارات ثلاثة غاية في الأهمية:

  1. تحديد المجال الحيوي.
  2. وتنمية القدرات الاستراتيجية.
  3. والوعي بالإمكانات الحقيقية.

هذه جميعًا تشكل مجالات مهمَّة لتراكم الفعل الاستراتيجي الذي يقوم على قاعدة من الوعي والسعي ضمن هذه المجالات المهمَّة، ومِن ثمَّ فإن تحويل الأطروحات السابقة إلى إجراءات قابلة للتنفيذ بما فيها من خطط استراتيجية ومؤسسات تنظيمية أمر في غاية الأهمية، مع الحرص على عدم تجاهل أي مستوى من مستويات المسألة على حساب المستويات الأخرى، فالتفكير بمثل هذه الآلية يضمن الإلمام بالجوانب المختلفة لعملية التغيير سواء في بيئته الداخلية وتعقُّدها، أو بيئته الخارجية وتشابكها، ضمانًا للفعل والفعالية والتفعيل.

ومن هنا نؤكد أن التغيير الكبير الذي سيكون لنا بإذن الله لا بدَّ وأن يعتمد نظرية الساقين، ساق سياسية واجتماعية واقتصادية، وساق ثورية وتغييرية ومقاومة في معركة النَفَس الطويل التي تخوض ملحمة تغيير قادمة آتية لا محالة، خصوصًا أن الذين ينشدون استقرار عروشهم ستأتي عليهم عوادي التغيير الذين لا يستطيعون لها دفعًا، بل بفعلهم هذا إنما يقدِّمون تلك المقدمات لهذا التغيير.

وآن الأوان في هذا المقام أن نؤسس لعناصر التغيير الناضج لعلم مراحل الانتقال ومتطلباتها، خصوصًا في بناء نخبة شبابية جديدة، آن الأوان أن تقدِّم نفسها، وتتصدَّر المشهد، وتحمل رؤى واضحة في بناء منظومات الحكم الرشيد، وسياسات التمكين المجتمعي، وبناء استراتيجية للعدالة بمعناها الواسع، والعدالة الاجتماعية بمعناها الراسخ.

هنا فقط نكون قد استطعنا أن نقدم مشروعًا يرتبط بالشارع، ويتلمَّس مطالبه وضروراته، ويؤسِّس لمعاني الشرعية الحقيقية من الرضا والقبول الشعبي، هنا فقط يمكن أن نقدم رؤية واعدة وواعية للتغيير الكبير([39]).

بمثل هذه المنهجيات نستطيع أن نشارك في مواجهة مثل هذه السياسات الظالمة والخطيرة التي يراد بها تسكين وإسكات صوت أمتنا ودولنا ومحاصرتها لمنعها من الفعل الحضاري، وإقالتها من وظيفتها الحضارية، دون أن نسقط تلك النتيجة المهمة التي توصلت لها دراسة قيمة([40]) “أن عمليات التغيير السياسي لا تحدث في أيام ولا في شهور كما قد يظن كثيرون، بل هي عملية طويلة، تأخذ سنوات وفي بعض الأحيان تأخذ عقودًا من أجل أن تتم”.

توصيات:

  • بات من واجب الوقت وفرض الضرورة أن تنتقل المعارضة المصرية في الداخل والخارج إلى اتخاذ قرارات وأفعال على المستوى الفردي أو التكوينات الصغيرة ـ مبدئيًّا ـ للتفكير في إبداع مسار للحركة لمواجهة ما يقوم به النظام المصري الراهن من تعطيل القدرات وتبذير المقدرات وإهدار الملكات وفقد المكانة والمكنة والممكنات.
  • على أطياف المعارضة المصرية أن تسارع باتخاذ خطوات عملية للم شملها، وإنهاء حالة الانقسام والاستقطاب المريرة التي شلت حركتها، وتحدد لنفسها دعامتين تستند عليهما: التوافق على ميثاق شرف يضبط تعاملها وخطابها السياسي، وتحديد القواسم المشتركة والمساحات التي يمكن أن تستوعب جهودا مشتركة.
  • تحتاج المعارضة في الخارج أيضا إلى تقنين وجودها بشكل رسمي، ثم الوصول سريعا لاختيار قيادة لها، لأن أي عمل سياسي عام بلا رأس ولا عمل علني، يظل معوقا ومرتبكا.
  • على المؤسسات البحثية والهيئات الحقوقية المصرية في الخارج ـ بما لديها من فرص أوسع في الحركة والفعل ـ أن تقدم مبادرات مناسبة لمعارضة الداخل لمساعدتها على الخروج من هيمنة النظام وسيطرته المطلقة.
  • ضرورة وضع سيناريوهات ـ من المعارضة في الداخل والخارج ـ للتعامل مع الاستحقاقات السياسية القادمة وهي معروفة ومحددة مسبقًا، حتى لا تكون بمثابة مفاجأة في كل مرة يتم الإعلان عن استحقاق سياسي أو انتخابي، وتحدث حالة من الجدل العقيم المعطل للفعل والتفعيل.
  • من المهم أن تختبر قوى المعارضة الفاعلة أو التي ترى نفسها فاعلة قدراتها على العمل في واحد من الموضوعات المؤثرة في الحياة السياسية المصرية وتعمل على صياغة مبادرات وطرح مسارات واقتراح أفكار وصناعة سياقات تسهم في بلورة تأثير واصطناع تأثير لها يمكن البناء عليه واستثمار حالة النجاح هذه.
  • هناك فصيل مصري مؤثر وحيوي في الحياة السياسية المصرية آن له أن يعيد حساباته، وأن يلتفت إلى إصلاح بيته من الداخل وأن تأخذ كل فروعه وتفريعاته خطوة للوراء لإعادة قيمة ومكانة كيانهم في الحياة السياسية المصرية خاصة بعد مضي ما يقرب من 12 عاما على سجن معظم القيادات والقوى الفاعلة في التنظيم، مع الوعي بأن هذا الانقسام وتلك الفرقة تصبُّ في مصلحة أعداء وخصوم الجماعة، وأنها ـ أي الجماعة ـ هي الخاسر الوحيد من الوضع الراهن.
  • على المعارضة أن تعمل على إيلام هذا النظام والنيل من استقراره باعتباره قد استطاع أن يؤمم كل الأوضاع في الداخل لمصلحته بالترهيب والترغيب ـ بعيدًا عن بعض المسارات السابق اقتراحها من قبل معارضة الخارج والتي ترتب عليها زيادة المعتقلين وضحايا السجون في الداخل ـ ومن ذلك ارتكاب هذا النظام جرائم خطيرة ومجازر عديدة وقرارات تصل إلى حدِّ التفريط في الموارد والمقدرات وبيع الأرض؛ من مثل جر هذا النظام إلى محاكمات في الخارج حول هذه القضايا المهمة ومن ذلك ما قام به البعض من رفع قضايا حقوقية أمام الاتحاد الافريقي بشأن حقِّ المصريين جميعًا في مياه النيل، وأنه ليس من حقِّ من يتصدَّر السلطة أن ينفرد باتخاذ القرار (من مثل الموافقة على اتفاق المبادئ) على مصر وأثيوبيا باعتبارهما تجاهلا حقوق الشعب المصري في نهر النيل، وكذلك القضية “سيرلي”[41] التي نالت من آلاف المصريين وقتلتهم بدم بارد بالطائرات وغيرها بالمشاركة مع فرنسا بزعم حماية الحدود الغربية، ولعل تلك الفضيحة التي أشير إليها في الصحف الفرنسية كان مقدمة لقيام البعض برفع دعاوي قضائية في فرنسا ذاتها، رغم أن هذه القضية تنال من رئيس فرنسا ذاته، ولكن القضية تختصم السيسي وماكرون لمسؤوليتهما السياسية، حتى لو لم تنجح هذه القضايا في استصدار أحكام مباشرة في مواجهة النظام
  • توظيف بعض القضايا للضغط على النظام في مساحات العلاقات الثنائية بينه وبين الدول الأخرى بما يترتب عليه التأثير على علاقات النظام بهذه الدول، من مثل الجهود التي بذلت في قضية الرشوة المصرية الأمريكية (قضية ميندنيز ـ عباس).

[1] – Maged Mandour – Egypt under El-Sisi_ A Nation on the Edge-I.B. Tauris (2024),p2.

[2] ابن فارس، مقاييس اللغة.

[3] أحمد مختار، معجم اللغة العربية المعاصرة.

[4]  لسان العرب [ابن منظور].

[5]  معجم الدوحة:

https://www.dohadictionary.org/dictionary/%D8%AC%D9%85%D9%88%D8%AF

[6] معجم وتفسير لغوى لكلمات القرآن [حسن عز الدين الجمل].

[7] معجم اللغة العربية المعاصرة.

[8] لسان العرب [ابن منظور].

[9] ـ عبدالوهاب الكيالي (المؤلف الرئيس ورئيس التحرير) الموسوعة السياسية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الجزء 3، مادة ج، ص93.

[10] عبدالوهاب الكيالي، مرجع سابق، الجزء 2، مادة ج، ص93.

[11] معجم المصطلحات السياسية، البحرين، معهد البحرين للتنمية السياسية، سلسلة كتب 2014، حرف الراء، ص39.

[12] عبدالوهاب الكيالي، مرجع سابق، الجزء 2، ص830-831.

[13] Maged Mandour – Egypt under El-Sisi_ A Nation on the Edge-I.B. Tauris (2024),p2.

[14]  ـ سيف الدين عبدالفتاح، الجنسية العقوبة؟!، عربي 21، 03 فبراير 2015، الرابط: https://arabi21.com/story/807606/%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8%D8%A9?lastId=0

[15]  ـ سيف الدين عبد الفتاح، المواطن العدو.. مفاهيم ملتبسة (47)، عربي 21، 25 ابريل 2023، الرابط: https://arabi21.com/story/1508782/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%B7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D9%88-%D9%85%D9%81%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%85-%D9%85%D9%84%D8%AA%D8%A8%D8%B3%D8%A9-47

[16] ـ تنوَّعت أدوات تغييب المعارضة المصرية المتَّخذة من جانب النظام المصري، وقد أوعز تقرير صادر من مؤسسة bbc  اختفاء الصوت المنتقد إلى “نجاح النظام السياسي المصري في تغييب تيار الإسلام السياسي المعارض عن المشهد خلال السنوات العشرة الأخيرة، واستهداف المعارضة المدنية الهشَّة بالأساس وتقييد حرية الرأي والتعبير وتبني سياسيات سلطوية يُعدُّ أبرزها تمرير قوانين تُشرعن التقييد والمنع بشكل مطلق .. خاصة التي أُقرَّت خلال السنوات الخمس الأخيرة، وتسمح للنظام السياسي باعتقال ومقاضاة من يقوم بانتقاده ولو كان ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي. (مصر: كيف أجهز النظام السياسي على المعارضة،21/06/2024 الرابط: https://www.bbc.com/arabic/articles/cyxx72l5k2ro)

[17] ـ انظر شيماء حمدي، الحركة المدنية بين التجميد والمواجهة: مستقبل المعارضة المصرية، 17 أغسطس، 2024، الرابط: https://zawia3.com/civil-movement-4/، وقد رصد هذا التقرير الضافي تهديدات الأحزاب المصرية وخاصة أعضاء الحركة المدنية بتجميد نشاطها على خلفية تعرُّضها للضغوط الأمنية، وكان أحدث هذه التهديدات عقب اختطاف الأمن للقيادي بالحركة الأستاذ يحيى حسين عبدالهادي، وسبق ذلك الكثير من مثل هذه البيانات، إلا أن الجدير بالانتباه أن النظام يتعامل مع هذه التهديدات بتجاهل تامٍّ ولا يلتفت إليها، وغالبًا ما  تتنكر المعارضة والحركة المدنية لتهديداتها وتكمل في طريقها وأدائها كما في السابق.

[18]  ـ جزء من حلقة يوم 10 أغسطس 2024 من برنامج صالة التحرير مع الإعلامية فاتن عبد المعبود، قناة صدى البلد، الرابط: https://www.youtube.com/watch?v=EMemI30UiJY

[19]  ـ منع السياسي المصري هشام قاسم من السفر إلى سراييفوا للمشاركة في مؤتمر “العهد الديمقراطي العربي: خارطة طريق للديمقراطية العربية” الذي ينظمه المجلس العربي. انظر: https://manassa.news/news/20043?fbclid=IwY2xjawGUCoRleHRuA2FlbQIxMAABHWvEccPmwYgq69tnJWJoxcAuh4MHhtmW3lit76UdBM3kDPZiYrC924IDIw_aem_AVfpe_J5gHWWK3M7YqSNDA

[20]   ـ بالإضافة إلى آلاف المعتقلين في السجون المصرية تم مؤخرًا الزج بالخبير الاقتصادي المصري عبدالخالق فاروق، وقبله الأستاذ يحيى حسين عبد الهادي.

[21]  ـ رفض الإفراج عن المعارض المصري علاء عبدالفتاح حتى تاريخه (3/11/2024) رغم انتهاء مدة عقوبته في 29 سبتمبر الماضي.

[22]  ـ مع سبق الإصرار والترصُّد: الموت في مقرات الاحتجاز المصرية، تقرير صادر عن الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، التشيك، يونيو 2024م، الرابط: https://egyptianfront.org/ar/2024/07/death-in-detention-places/

[23] انظر يزيد صايغ: إلقاء قفاز التحدي: ما يمكن أن يفعله صندوق النقد الدولي بشأن الشركات العسكرية المصرية الاحتفاظ بالقدرة، أم إعادة الهيكلة، أم التجريد؟ (2022م)، خيارات سياساتية للاقتصاد العسكري المصري (2022م)، “أولياء الجمهورية: تشريح الاقتصاد العسكري المصري” (2019م)، “العسكريون والمدنيون وأزمة الدولة العربية” (كانون الأول/ديسمبر 2014م)، “فوق الدولة: جمهورية الضباط في مصر” (آب/أغسطس 2012م).

[24] فارس العزاوي، مدخل في التسميم الحضاري في الأمة ومسارات التدافع، إسطنبول، مركز الفكر السياسي الإسلامي الاستراتيجي، سلسلة الكتب والرسائل العلمية (2)، الطبعة الأولى، 2022، ص380.

[25] الدستور المصري المعدل 2019، ص93.

[26]https://arabic.cnn.com/middleeast/2015/07/12/egypt-sisi-constitutional-change

[27]  تقلد الفريق كامل الوزير مقعدين في الوزارة الأخيرة يوليو 2024م، حيث تقلَّد وزارتي النقل والصناعة.

[28]  https://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=11042020&id=35d0d44c-f2fc-43ff-a9e8-2ce486f6c86a

[29] https://2u.pw/5TvFggX1.

[30] قانون إنشاء الهيئة المصرية للشراء الموحد والإمداد والتموين الطبي وإدارة التكنولوجيا الطبية وهيئة الدواء المصرية رقم 151 لسنة 2019، ويديرها لواء طبيب، شأنها شأن معظم الهيئات والمؤسسات المصرية التي باتت تحت إدارة قيادات من القوات المسلحة سواء في الخدمة أو على المعاش.

[31] ـ رصدت وسائل الإعلام المختلفة مرور سفينة حربية إسرائيلية من قناة السويس بتاريخ 2/11/2024، وقد أصدرت هيئة قناة السويس المصرية، مساء الجمعة، توضيحًا رسميًّا، ردًّا على ما تم تداوله من تساؤلات على منصات التواصل الاجتماعي، وأكَّدت «التزامها بتطبيق الاتفاقيات الدولية التي تكفل حرية الملاحة البحرية للسفن العابرة للقناة، سواءً كانت تجارية أو حربية، دون تمييز لجنسية السفينة، وذلك اتساقًا مع بنود اتفاقية القسطنطينية التي تشكِّل ضمانةً أساسية للحفاظ على مكانة القناة، كأهم ممَرٍّ بحري في العالم.. وقالت الهيئة: إن «عبور السفن الحربية لقناة السويس يخضع لإجراءات خاصة»، وأوضحت أن «اتفاقية القسطنطينية» وُقِّعت عام 1888، و«رسمت منذ ذلك الوقت الملامح الأساسية لطبيعة التعامل الدولي لقناة السويس، حيث حفظت حقَّ جميع الدول في الاستفادة من هذا المرفق العالمي»، وأشارت إلى أن الاتفاقية تنصُّ في مادتها الأولى على «أن تكون قناة السويس البحرية على الدوام حرَّة ومفتوحة، سواءً في وقت الحرب أو في وقت السلم، لكل سفينة تجارية أو حربية دون تمييز لجنسيتها».

[32]  ـ الجيش الإسرائيلي: اعترضنا 3 طائرات مسيرة فوق البحر الأحمر، قال إنها أطلقت من جهة الشرق وجرى اعتراضها قبل دخول الأراضي الإسرائيلية بالتزامن مع إعلان جماعة تسمي نفسها “المقاومة الإسلامية بالعراق” استهداف مدينة إيلات بطيران مسير، انظر  الأناضول: 2/11/2024، الرابط: https://www.aa.com.tr/ar/%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84/%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%8A%D8%B4-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84%D9%8A-%D8%A7%D8%B9%D8%AA%D8%B1%D8%B6%D9%86%D8%A7-3-%D8%B7%D8%A7%D8%A6%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D8%B3%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D9%81%D9%88%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%B1-/3382261

[33] ـ أحمد علاء، الرئيس السيسي: نتعرض لأزمة واحدة تتمثل في الاقتصاد.. وأدعو لحوار وطني أكثر عمقًا، الشروق، 24/01/2024، الرابط: https://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=24012024&id=df5dedd8-1742-4d32-8fb4-a0b57df62f21

[34] ـ محمد سعيد عبد الحفيظ، أزمة مصر … سياسة أم اقتصاد؟ المنصة، 29/01/2024، الرابط: https://manassa.news/stories/15899

[35] ـ مقابلة شخصية مع الأستاذ الدكتور أحمد ذكر الله، أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر سابقًا، مدير أكاديمية ملتقى المعارف للبحوث والتدريب، وذلك بتاريخ 20/10/2024.

[36]  ـ أحمد ذكر الله، الاقتصاد المصري وخطر الإفلاس: الدلالات والمآلات، المعهد المصري للدراسات، ابريل 2022، الرابط (أعاد موقع عربي 21 نشر الدراسة كاملة) على الرابط: https://arabi21.com/story/1429954/%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A-%D9%8A%D9%88%D8%A7%D8%AC%D9%87-%D8%AE%D8%B7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%81%D9%84%D8%A7%D8%B3

[37]  ـ قال البنك الدولي: إن معدل الفقر في مصر عن عام 2022 بلغ 32.5%، مرتفعًا من 29.7%، في العام المالي 2019-2020،   وقد أوضح البنك أنه حصل على تلك البيانات من الحكومة ضمن طلب قدمته للحصول على تمويل برنامج الإنتاج الزراعي المرن لتغير المناخ، بقيمة 250 مليون دولار، بحسب تقرير للبنك أشار إلى ارتفاع  التفاوتات المكانية بين المناطق الريفية والحضرية، إذ يعيش، نحو 66%، من الفقراء في مناطق ريفية، مع وصول معدلات التضخم السنوي فيه إلى 42.6%. (مدى مصر، 30/4/2024)، الرابط: https://www.madamasr.com/2024/04/30/news/u/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%86%D9%83-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A-%D8%A7%D8%B1%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%B9-%D9%85%D8%B9%D8%AF%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%82%D8%B1-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%A5/#:~:text=%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%86%D9%83%20%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A%3A%20%D9%85%D8%B9%D8%AF%D9%84%20%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%82%D8%B1%20%D9%81%D9%8A,%2D2020%D8%8C%20%D8%A8%D8%AD%D8%B3%D8%A8%20%D8%AC%D8%B1%D9%8A%D8%AF%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%88%D8%B1%D8%B5%D8%A9.

 

[38] سيف الدين عبد الفتاح، السبيل إلى بناء العقل الاستراتيجي، منتدى كوالالمبور للفكر والحضارة، المؤتمر السادس: الاستئناف الحضاري ومشاريع الإحياء في الأمة الإسلامية: الجذور، الواقع ـ المستقبل، إسطنبول، 10/12/2022م.

[39] سيف الدين عبدالفتاح، عقل استراتيجي للتغيير الكبير، العربي الجديد، 16/02/2018م، الرابط: https://www.alaraby.co.uk/%D8%B9%D9%82%D9%84-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%AC%D9%8A-%D9%84%D9%84%D8%AA%D8%BA%D9%8A%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A8%D9%8A%D8%B1

[40]  أحمد محسن، أيام الديكتاتور الأخيرة : ما الذي تخبرنا به الخبرات التاريخية عن: لماذا وكيف تسقط الأنظمة الاستبدادية؟، 10/11/2020،  الرابط: https://political-stimulus.org/%d8%a3%d9%8a%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%aa%d9%88%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ae%d9%8a%d8%b1%d8%a9/#_ftn23

[41] “سيرلي” فضيحة عسكرية كبيرة، كشف عنها موقع “ديسكلوز” المتخصص في التحقيقات الصحافية الطويلة في تحقيقه في نوفمبر ٢٠٢١، الذي يتناول مشاركة قوات فرنسية في عمليات استخباراتية عسكرية لصالح الجيش المصري استهدفت المئات من المدنيين من مُهرِّبين وغيرهم في المنطقة الحدودية الفاصلة بين مصر وليبيا.

زر الذهاب إلى الأعلى