خطة القمة العربية.. عجز عن التصدي لأصل الصراع مع الاحتلال

اعتمدت القمة العربية الطارئة المنعقدة في القاهرة خطة مصر لإعادة إعمار غزة، حيث قدّمت مصر خطة بمبلغ 53 مليار دولار، تستهدف إعادة إعمار غزة على مدى 5 سنوات، وقد عكست الخطة النزعة التقليدية لدى الدول العربية في معالجة النتائج دون مواجهة الأسباب الجذرية، المتمثلة في الاحتلال والحصار والعدوان المستمر.
من جانب حركة حماس، فقد رحبت الحركة بخطة إعادة الإعمار من باب الحاجة الماسة إليها، ومع ذلك، يمكن رصد بعض البنود المقترحة في الخطة التي تشكل تهديدًا لقضية الشعب الفلسطيني وحقوقه الأساسية.
نعم، من الطبيعي أن تدعم المقاومة أي جهود تهدف إلى تحسين الوضع الإنساني في غزة، لكنها كذلك ترفض بشكل قاطع أي محاولات لتقويض إرادتها السياسية أو فرض تحكم قوى خارجية في غزة أو نزع سلاحها.
مراحل الخطة وأهدافها:
تتألف الخطة من ثلاث مراحل:
- المرحلة الأولى: تستمر لمدة ستة أشهر، حيث يتم إزالة الأنقاض وإنشاء 200 ألف وحدة سكنية مؤقتة.
- المرحلة الثانية: تمتد لأربع إلى خمس سنوات، وتشمل بناء 400 ألف منزل دائم وترميم البنية التحتية.
- المرحلة الثالثة: تهدف لإنشاء ميناء ومطار في غزة مع استعادة الخدمات الأساسية.
- تكلفة الخطة:
الخطة تتطلب 53 مليار دولار على ثلاث مراحل، وتتم تمويلها عبر مجموعة من المصادر الدولية، مثل الأمم المتحدة والمنظمات المالية الدولية، إضافة إلى الاستثمارات الخاصة.
من سيكون مسؤولًا عن غزة؟
الخطة العربية لإعادة إعمار غزة تكشف عند التأمل عن رؤية تتجاوز البعد الإنساني والإغاثي، لتضع غزة على مسار إعادة الهيكلة السياسية والإدارية، من خلال تشكيل لجنة من التكنوقراط الفلسطينيين، يتم انتقاؤهم بعيدًا عن القوى الشعبية الفاعلة.
هذه اللجنة، وفق الخطة، لن تكون معنية فقط بتوزيع المساعدات بل ستُشكّل نواة سلطة إدارية جديدة، تُمهد لاحقًا لعودة السلطة الفلسطينية إلى غزة تحت الغطاء الدولي والعربي.
الأخطر في هذا التصور هو الحديث عن إعادة تشكيل الأجهزة الأمنية في غزة، عبر تدريب ضباط فلسطينيين ضمن رؤية أمنية مصرية أردنية وهو ما يعني فعليًّا إعادة هندسة غزة سياسيًّا وأمنيًّا.
في هذا السياق، يتضح أن من سيكون مسؤولًا عن غزة ليس الفلسطيني وحده، بل مجموعة من الفواعل الدولية والعربية، في محاولة لفرض وصاية أمنية وسياسية جديدة على القطاع، وهو ما يُهدد بتحويل الإعمار إلى أداة لتصفية المقاومة.
في هذا السياق، أكد محمد درويش، رئيس المجلس القيادي لحركة “حماس” في رسالته إلى القمة العربية، رفض الحركة التام لأي محاولة لإدارة غزة من جهات غير فلسطينية، وطالب درويش بتشكيل حكومة توافق وطني فلسطيني، مشددًا على أن “حماس” لا تعارض خطة إعمار غزة لكن بشرط ضمان إدارة فلسطينية حصرية.
الدعوة إلى نشر قوات حفظ سلام دولية:
تتضمن الخطة العربية لإعادة إعمار غزة دعوة لنشر قوات حفظ سلام دولية في غزة وهو ما يمكن اعتباره مدخلًا يفتح الباب لإدخال طرف ثالث إلى معادلة الصراع، وهو ما قد يُشكل قيدًا على المقاومة مستقبلًا، خاصة إذا ارتبطت ولاية هذه القوات بضبط الأمن الداخلي أو مراقبة تحركات فصائل المقاومة.
رفض حماس لنزع سلاحها:
تُشكّل قضية السلاح جوهر الصراع الحقيقي في غزة، فهي ليست مجرد مسألة أمنية أو تنظيمية، بل عنوان لمعادلة القوة ومظلة الحماية للشعب الفلسطيني.
أما ترحيب حماس فكان بشأن جهود إعادة الإعمار، لكنها ترفض بشدة ربطها بأي مخطط لنزع سلاحها، كما لمح لذلك ترامب.
حماس وكل قوى المقاومة تدرك أن نزع السلاح هو الممر الإجباري لتصفية القضية الفلسطينية، وتحويل غزة إلى كيان منزوع الإرادة تحت رقابة الاحتلال المباشرة وغير المباشرة، لذلك، كان إعلان الحركة رفض أي محاولة لنزع سلاح المقاومة موقفًا مبدئيًّا غير خاضع للمساومة، باعتباره الضمانة الوحيدة للدفاع عن الأرض والشعب في وجه العدوان المتكرر.
وهذا ما يفسر تصريحات القيادات الحمساوية، وعلى رأسهم سامي أبو زهري، باعتبار سلاح المقاومة خطًّا أحمر لا يقبل التفاوض ولا المقايضة.
تحديات أمام تنفيذ الخطة:
تنفيذ الخطة العربية يصطدم بجملة من التحديات، أولى هذه التحديات يكمن في الموقف الإسرائيلي الرافض تمامًا لأي دور مستقبلي للسلطة الفلسطينية في غزة، خاصة في ظل تباينات عميقة بين حكومة الاحتلال والأطراف العربية بشأن مستقبل القطاع، إذ ترى تل أبيب أن السلطة غير قادرة على ضبط غزة بما يتناسب مع معاييرها الأمنية.
يترجم هذا الرفض من قبل الاحتلال التصعيد الميداني الجديد في غزة، بعد منع الاحتلال إدخال المساعدات الإنسانية للقطاع، وهو ما اعتبرته حماس خرقًا واضحًا لاتفاق وقف إطلاق النار.
والنتيجة أن الخطة العربية تواجه معضلة مزدوجة:
- رفض إسرائيلي لأي ترتيبات تعيد السلطة الفلسطينية دون ضوابط صارمة.
- ورفض فلسطيني (شعبي ومقاوم) لأي حلول تنتقص من حقِّ المقاومة أو تفرض وصاية خارجية على غزة.
يأتي ذلك في ظل تبنى قوى عربية كالإمارات رؤية تعتبر حماس تهديدًا وجوديًّا، وتسعى إلى نزع سلاحها بشكل فوري، بل وتضغط لتشكيل بدائل فلسطينية مقبولة دوليًّا تدير قطاع غزة، ولعل غياب محمد بن زايد عن القمة العربية الطارئة يعكس هذه الحقيقة بوضوح، كل هذه القضايا تمثل تحديات كبيرة أمام تحقيق هذه الخطة العربية.
الرفض الأمريكي: محاولة لتصفية القضية الفلسطينية:
بدوره أعلن البيت الأبيض أن دونالد ترامب يصر على مقترحه الخاص بإعادة بناء قطاع غزة “خاليًا من حماس”، معتبرًا أن الخطة التي أقرتها القمة العربية في مصر لا تعكس الواقع الفعلي في القطاع على حدِّ زعمه.
ترامب يرى أن وجود حماس يشكل عائقًا رئيسًا أمام أي محاولة لإعادة إعمار غزة وتحقيق الاستقرار في المنطقة، متبنيًّا رؤية أمنية بحتة تهدف إلى نزع سلاح المقاومة وإنهاء أي حالة مواجهة مع الاحتلال ما يعكس استراتيجية أمريكية تهدف إلى تقويض أي مقاومة ضد الاحتلال وضمان استمرار الهيمنة الإسرائيلية على فلسطين.
مستقبل خطة القمة العربية:
من خلال هذا التوصيف لمواقف حماس ورفض ترامب والاحتلال، يتضح أن خطة إعادة إعمار غزة، رغم ما تحتويه من بنود على الصعيد الإنساني، تواجه تحديات جمَّة، فمن جهة، حماس ترفض أي حلول تفرض عليها شروطًا غير فلسطينية، متمسكة بحقها في الدفاع عن غزة، ومن جهة أخرى، يشير الرفض الأمريكي من قبل ترامب إلى رؤية أمنية تسعى إلى نزع سلاح المقاومة والتقويض المستمر للحقوق الفلسطينية.
يشار في هذا السياق إلى أن القمة العربية الإسلامية أبان العدوان على غزة التي انعقدت في السعودية يوم 11 نوفمبر 2023، قد ارتفعت فيها الأصوات بعبارات صارمة تدعو إلى رفع الحصار عن غزة وفتح المعابر، مع تأكيد قاطع على ضرورة وقف العدوان وضمان تدفق المساعدات الإنسانية، لكن تلك العبارات بقيت مجرد حبر على ورق، فلم يتحقق منها شيء يُذكر على أرض الواقع.
واليوم، تأتي قمة القاهرة لتقرر ضخ مبلغ ضخم قدره 53 مليار دولار في إعمار غزة، وهو رقم يبدو كقنبلة دخان تخفي وراءه واقعًا مكشوفًا للجميع؛ إذ جاءت الموافقة عليه، بلا تصور جاد حول إمكانيات تنفيذ تلك الخطة، وكأن الجميع يُدرك أنها ليست سوى محاولة لاسترضاء الولايات المتحدة من خلال خطة عبيثة تهدد أمن غزة ومستقبل مقاومتها.
في ظل هذه التحديات، يبدو أن الشعب الفلسطيني سيظل في مواجهة وصمود طويل الأمد أمام الضغوط الدولية، وفي ظل هذا العجز الواضح، وغياب أي قدرة أو رغبة عربية حقيقية على الردع، سيجد الشعب الفلسطيني نفسه في مواجهة مستمرة دون أي دعم جاد.
وتظل الدول العربية غارقة في مصالحها الضيقة وحساباتها السياسية الخاصة، وهو ما أظهرته هذه القمة والتي بدت وكأنها جلسة مغلقة لتقديم حلول خارجية، عبر تمرير خطة إعادة الإعمار دون أي مواجهة حقيقية تخص جوهر الصراع مع الاحتلال وهو الحصار المستمر على غزة، وتلك المعركة المفتوحة على الشعب الفلسطيني الذي يرفض الاستسلام، لتظهر الإرادة العربية عاجزة أمام هذا الابتزاز الأميركي الصهيوني.