
بيت هيجسيث (44 عامًا) مؤلف الكتاب هو وزير الدفاع الأمريكي الحالي، وهو جندي النخبة السابق في العراق وأفغانستان وجوانتينامو، ثم تحول إلى شخصية تلفزيونية يمينية على قناة فوكس، وقد كتب أنه “يتخيل سيناريو تُستخدم فيه القوات المسلحة الأمريكية بعنف في السياسة الداخلية الأمريكية”.
وزير الدفاع الأمريكي هو المسؤول الثاني بعد الرئيس عن أمن البلاد، مع سلطة مدنية على جميع الأمور المتعلقة بالقوات المسلحة الأمريكية. يشرف الوزير على ميزانية سنوية تبلغ حوالي 850 مليار دولار (وقد صرح الرئيس ترامب أنه يستهدف رفعها لتريليون دولار) ووزارة تضم ما يقرب من 3.4 مليون فرد، بما في ذلك أكثر من 2.5 مليون فرد في الخدمة العسكرية وما يقرب من 900 ألف موظف مدني.
إن عرض وقراءة لهذا الكتاب مهمة ومفيدة (وربما ضرورية) لثلاثة أسباب:
الأول: أنه يقدم صورة من داخل الجماعة اليمينية الدينية التي لها وجود ونفوذ داخل الإدارة تحكم الولايات المتحدة حاليًا، وتقدم بذلك تفسيرًا شفافًا ولو بشكل جزئي، لسياسات وأهداف ترامب المحتملة مع وجود هذا التيار الرئيس ضمن إدارته في ولايته الثانية، وتُفكِّك أسباب الحيرة التي تحيط بفهم مقاصد هذه الإدارة.
الثاني: أن المؤلف كتبه قبل انتخابات 2020م، مستصرخًا جمهور اليمين أن يعيدوا انتخاب ترامب (القائد الأعلى للحروب الصليبية الأمريكية كما يسميه المؤلف)، وإلا فإما ستموت أمريكا، أو تغرق في صراع داخلي مع اليسار يصل غالبًا إلى حرب أهلية!
يرفض هيجسيث الديمقراطية صراحةً في كتابه، معتبرًا إياها مطلبًا يساريًّا؛ “بالنسبة لليساريين، تُمثل دعواتهم إلى “الديمقراطية” رفضًا تامًّا لنظامنا
لهذا السبب كتب المؤلف بصراحة وأريحية، فكشف اللثام عن أفكار هذا اليمين بلا تجمل أو رتوش أو دبلوماسية، عن الإسلام والمسلمين، وعن الدين والتاريخ، وعبر بصراحة عن أن حربًا صليبية أمريكية لا مفر منها لإنقاذ أمريكا والعالم. هذه الرؤية من الداخل ربما لا يمكن الوصول إليها من خلال أي تقديرات سياسية خارجية، أو حتى تحقيقات استقصائية. لهذا يحتوي هذا العرض على فقرات كاملة من الكتاب، لتكون الأفكار بالوضوح الكامل، والإفادة الكاملة.
الثالث: أن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل في ظل هذا اليمين المتطرف، لها بعد ديني صلب، نحتاج أن نفهم أصوله وحُججه حتى يمكن التعامل معها وتفكيكها.
إن المؤلف يضع على الجبهة الأمامية للحرب الصليبية الأمريكية عاملين اثنين: التعليم، ودولة إسرائيل القوية. وهذا الارتباط العضوي، لا يكفي للتعامل معه المقاربات السياسية، بل يتطلب مقاربة فكرية ودعوية بحجم وخطورة هذا التحدي.
إن قراءة الكتاب الآن بعد خمس سنوات من كتابته وفي ظل الشهور الأولى من ولاية ترامب الثانية، قد يعطي قارئه أحد انطباعين:
- فإما أن ترامب لن يكمل ولايته الثانية – بشكل أو بآخر – في ظل هذا الانقسام المجتمعي الحاد وتهديد مؤسسات الدولة التقليدية.
- أو أن الداخل الأمريكي سيقع فيه انفلات هائل.
تشتمل هذه المراجعة لكتاب (الحملة الصليبية الأمريكية) على:
- مقتطفات جامعة لأفكار الكتاب.
- خلفيات مهمة عن المؤلف وجماعته.
- عرض ملخص أفكار أبواب الكتاب الثلاثة مع مناقشة نقدية لبعض أفكاره الرئيسة، بابًا بابًا.
- استشراف تأثير الفكر اليميني المتطرف على سياسة الولايات المتحدة تجاه العرب والمسلمين.
أولًا: مقتطفات جامعة لأفكار الكتاب:
- يقول هيجسيث: إن “اليساريين” قد “حاصروا الوطنيين الأمريكيين التقليديين من كل جانب، ومستعدون للهجوم عليهم، “وقتل مؤسسينا، وتدمير عَلمنا، وتدمير الرأسمالية”.
ويؤكد هيجسيث اعتقاده بوجود “اختلافات لا يمكن التوفيق بينها وبين اليسار واليمين في أمريكا، مما يؤدي إلى صراع أبدي لا يمكن حله عبر العملية السياسية”.
ويقول إن نهاية القوات المسلحة الأمريكية، التي يصفها في موضع آخر بأنها “الجيش الوحيد القوي، المؤيد للحرية، والمؤيد للمسيحية، والمؤيد لإسرائيل في العالم”، ستعني أن “الصين الشيوعية ستنهض – وستحكم العالم
كما يدعو إلى “حملة صليبية أمريكية”؛ ويقول: إن “الوقت قد فات بالنسبة لأمريكا. فإلى جانب النجاح السياسي، يعتمد مصيرها على طرد شبح اليسار المسيطر على التعليم والدين والثقافة – حرب مقدسة شاملة من أجل قضية الحرية الإنسانية العادلة”!
- يتمثل جوهر كتاب “الحملة الصليبية الأمريكية” في وجود ما يُسمى “الأمركة Americanism”، وهي حركة شعبوية يمينية. ويصف هيجسيث “الأمركة” بأنها معارضة لقائمة أعداء الداخل التي تشمل: النسوية والعولمة واليسارية والتقدمية والتعددية الثقافية والنخبوية السياسية التقليدية والحركة الإسلامية، ويقول: إن مستقبل “الأمركة” إما النصر أو الموت.
- يرفض هيجسيث الديمقراطية صراحةً في كتابه، معتبرًا إياها مطلبًا يساريًّا؛ “بالنسبة لليساريين، تُمثل دعواتهم إلى “الديمقراطية” رفضًا تامًّا لنظامنا. لاحظوا كم مرة يستخدمون هذه الكلمة”، مضيفًا: “إنهم يكرهون أمريكا، لذا يكرهون الدستور، ويريدون حشد 51% من الأصوات بسرعة لتغييره”.
كما أعرب عن دعمه لتقسيم جديد للدوائر الانتخابية، قائلًا: “على الهيئات التشريعية الجمهورية أن ترسم خطوطًا في الكونجرس تصب في مصلحة المرشحين المؤيدين للحرية – وأن تُسيء إلى الديمقراطيين”.
وفيما يتعلق بالعنف، يكتب هيجسيث: “حملتنا الأمريكية ليست بالسيوف “حرفيًّا”، ومعركتنا ليست بالبنادق… حتى الآن.
ويقول مرة بعد مرة: “أمريكا مُحاصرة بآفة اليسار. وضعنا سيئ، سيئ للغاية. نحن نخوض معركةً بطوليةً من أجل روح وطننا. لقد شرحتُ الأمر ببساطة شديدة: نحن ضدهم، أمريكا ضد اليسار، الخير ضد الشر. قد تقول لي: أنت تُبالغ في تقديرك. الأمر ليس بهذا السوء. لكن تابع القراءة، وفكِّر مرة أخرى”.
- يصف هيجسيث الانتخابات الرئاسية لعام 2020 بأنها صراع على “روح أمريكا”، قائلًا: “وسائل الإعلام والآلات اليسارية تكره الرئيس ترامب – لكنها تكرهك بنفس القدر، إن لم يكن أكثر”.
تنبأ هيجسيث بأنه إذا خسر ترامب وفاز الديمقراطيون في انتخابات 2020م، “فإن أمريكا ستتدهور وتموت. سينتج عن ذلك انفصال وطني، وسيقاوم محبو الحرية الأقل عددًا”، وسيُجبر “الجيش والشرطة، وكلاهما معقل للوطنيين المُحبين للحرية، على اتخاذ قرار. لن يكون الأمر جيدًا. نعم، سيكون هناك شكل من أشكال الحرب الأهلية“؛ ويصف هذا بأنه “سيناريو مروع لا يريده أحد، ولكن من الصعب تجنبه”.
ويقول إن نهاية القوات المسلحة الأمريكية، التي يصفها في موضع آخر بأنها “الجيش الوحيد القوي، المؤيد للحرية، والمؤيد للمسيحية، والمؤيد لإسرائيل في العالم”، ستعني أن “الصين الشيوعية ستنهض – وستحكم العالم. ستستسلم أوروبا رسميًّا، وسيحصل الإسلاميون على أسلحة نووية وسيسعون إلى محو أمريكا وإسرائيل من على الخريطة”.
- ويقول أيضًا: إن على المحافظين “السخرية من خصومنا اليساريين وإذلالهم وترهيبهم وسحقهم” و”الهجوم أولًا” للتعامل مع اليسار الذي يعتبره “فتنة“، ويرسم “الاستراتيجية التي يجب أن نستخدمها لهزيمة أعداء أمريكا الداخليين”.
وقال هيجسيث: “إن انتصار أمريكا يشمل نهاية العولمة، والاشتراكية، والعلمانية، وحماية البيئة، والإسلاموية، والتمييز الجندري، واليسارية، التي هي “دين زائف” و”شبح” ينظر إلينا على أننا “كفار”. وأعلن دعمه للقومية الأمريكية.
- يعتقد هيجسيث أن على الأمريكيين بناء جدار حدودي، ورفع الرسوم الجمركية، وتعلم اللغة الإنجليزية، وفي نفس الوقت ازدراء، واحتقار، وكراهية، وعدم الثقة – وانتقاءهم ألفاظًا نابية ضد “جميع” السياسيين والخبراء المؤهلين تقريبًا!
ويقول: إن الإسلام “استولى عليه الإسلاميون بالكامل تقريبًا واستغلوه”، ويدَّعي أن الإسلاميين يخططون لـ”غزو” أوروبا وأمريكا ديموغرافيًّا وثقافيًّا وسياسيًّا، متحالفين مع العلمانية لسحق “مؤسسات أمتنا اليهودية المسيحية”!
ويشجع القراء على المشاركة في النشاط المحافظ الشعبي، ويقول لهم: في المرة القادمة التي تُقمع فيها الآراء المحافظة في مدرستك المحلية، نظم وقفة احتجاجية في بهو مدرسة أطفالك للدفاع عن حرية التعبير، ودافع عن قضيتك. عندما تُعلن الشركات المحلية “مناطق خالية من الأسلحة”، تذكر التعديل الثاني، واحمل سلاحك الناري المملوك لك قانونيًّا، وتحدَّهم أن يُخبروك أنه ممنوع!”.
- يقول هيجسيث: “حلف الناتو ليس تحالفًا، بل هو ترتيب دفاعي لأوروبا، تدفعه وتموله الولايات المتحدة”، ويدعو إلى “تفكيكه وإعادة صياغته من أجل الدفاع الحقيقي عن الحرية“.
وينتقد أوروبا لأنها “سمحت لنفسها بالغزو. واختارت عدم إعادة بناء جيوشها، مكتفيةً برضاها برغبة أمريكا في خوض الحروب والفوز بها”!
ويقول: “الدفاع عن أوروبا ليس مشكلتنا؛ فقد مررنا بذلك مرتين”. وانتقد عضوية تركيا في حلف الناتو، قائلًا: إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “يحلم علنًا باستعادة الإمبراطورية العثمانية”، وهو “إسلامي كاره للعلمانية، وله رؤى إسلامية للشرق الأوسط”.
وينتقد تمويل الولايات المتحدة للأمم المتحدة، واصفًا إياها بأنها “منظمة عالمية بالكامل، تروج بقوة لأجندة معادية لأمريكا وإسرائيل والحرية. هذه مجموعة قواعد للولايات المتحدة وإسرائيل، وأخرى للجميع”.
يُشبّه هيجسيث دعمه لإسرائيل بالحروب الصليبية، قائلًا: “لا نريد القتال، ولكن، كما فعل إخوتنا المسيحيون قبل ألف عام، علينا ذلك. نحن بحاجة إلى حملة صليبية أمريكية”! ويؤكد أيضًا: “إذا كنت تحب هؤلاء، فتعلم أن تحب دولة إسرائيل”.
المؤلف بهذه السطحية والشعارات، كأنه يمارس دور بطرس الناسك على حماره داعيًا للحملة الصليبية الأولى، (ويقال إنه ادعى تعيينه من قِبل المسيح (في القرن الحادي عشر!)
- ينتقد الكتاب قوة المساعدة الأمنية الدولية في أفغانستان (قبل انسحاب القوات الأمريكية)، قائلًا: إن “إحدى النكات المتداولة عن القوات الأمريكية في أفغانستان هي أن شعار (إيساف ISAF) يرمز في الواقع إلى عبارة ‘رأيت أمريكيين يقاتلون'”.
- ويشيد برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وكذلك بالسياسيين الشعبويين اليمينيين في أوروبا، قائلًا: “النزعة الأمريكية لا تزال حية في قلوب مؤيدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في المملكة المتحدة، الذين يتوقون إلى السيادة الوطنية. والنزعة الأمريكية لا تزال حية في أماكن مثل بولندا، التي ترفض الرؤى العالمية للبيروقراطيين اليساريين في أوروبا القديمة”.
- يقول هيجسيث: إن الإسلام “ليس دين سلام، ولم يكن كذلك قط”، ويزعم أن “جميع الدول الإسلامية الحديثة هي إما مناطق محظورة رسميًّا أو بحكم الواقع على المسيحيين واليهود المتدينين”. ويقول: إن الإسلام “استولى عليه الإسلاميون بالكامل تقريبًا واستغلوه”، ويدَّعي أن الإسلاميين يخططون لـ”غزو” أوروبا وأمريكا ديموغرافيًّا وثقافيًّا وسياسيًّا، متحالفين مع العلمانية لسحق “مؤسسات أمتنا اليهودية المسيحية”!
ويقول: إن الإسلاميين يخططون “لزرع أكبر عدد ممكن من المسلمين في الغرب”، و”بفضل معدلات المواليد المرتفعة جدًّا لديهم مقارنةً بالسكان الأصليين وثقافتهم المنعزلة استراتيجيًّا، يتكاثر أبناء وبنات هؤلاء المهاجرين واللاجئين بأعداد أكبر من المواطنين الأصليين”.
ويشير إلى انتخاب المسؤولين المسلمين في بريطانيا وزيادة عدد المسلمين في أوروبا، ليؤكد أن الولايات المتحدة ستتبع نفس النهج لو تركناها دون تدخل من المحافظين.
- يقول هيجسيث: “كل طفل مسلم تقريبًا ينشأ على الاستماع إلى القرآن الكريم وتعلم القراءة منه”، ويتابع قائلًا: “قارن هذا بمدارسنا الأمريكية العلمانية – التي لا نجد فيها الكتاب المقدس – وستفهم لماذا نظرة المسلمين للعالم أكثر تماسكًا من نظرتنا”.
ويقول هيجسيث: إن الإسلاميين يتمسكون بمبدأ يُسمى “الهجرة”، والذي يقول إنه “يشير إلى الاستيلاء السلمي على بلد غير مسلم”. ويتابع قائلًا: “الهجرة هي استيلاء ثقافي، ومادي، ونفسي، وسياسي، وفي نهاية المطاف ديني. التاريخ حافل بأمثلة على ذلك؛ ولأن التاريخ لم ينتهِ بعد، فإنه يحدث في أماكن لا تُصدق الآن”. ويضرب مثالًا ببريطانيا، حيث يزعم أن “المساجد والمدارس المتطرفة مسموح لها بالعمل. وتسيطر الشرطة الدينية على أجزاء معينة من العديد من المدن. وتنتشر مجالس الشريعة بشكل سري!
- ويقول هيجسيث: إن المملكة المتحدة “غزاها” الإسلام؛ “لقد غُزِي البريطانيون، ولم يكونوا يعلمون بذلك. في غضون جيل واحد – في غياب تغيير جذري في السياسات – لن تكون المملكة المتحدة موحدة ولا مملكة غربية. لقد انتهى أمر المملكة المتحدة”!
ويقول أيضًا: إن لندن، وبرمنجهام، وليدز، وبلاكبيرن، وشيفيلد، وأكسفورد، ولوتون، وأولدهام، وروكديل، جميعها لديها الآن رؤساء بلديات مسلمون.
وينتقد هيجسيث دولًا أوروبية مثل ألمانيا، وفرنسا، والنرويج، والسويد، وهولندا بسبب “سياساتها الكارثية في فتح الحدود ودعم المهاجرين خلال العقود القليلة الماضية”، مضيفًا أنها “فتحت أبوابها أمام ‘اللاجئين’ المسلمين، ولن تعود كما كانت أبدًا بسبب ذلك”.
ويدعو الدول إلى الحد من هجرة المسلمين، قائلًا: “الإسلام بحد ذاته لا يتوافق مع أشكال الحكم الغربية. من ناحية أخرى، فإن الدول التي تريد البقاء حرة… تقاتل بشراسة لمنع انتشار الإسلام“.
- يُشيد بالحروب الصليبية، التي يقول إنها بدأت في القرن الحادي عشر عندما كانت المسيحية في منطقة البحر الأبيض المتوسط، بما فيها الأماكن المقدسة في القدس، محاصرة من قِبل الإسلام لدرجة أن المسيحيين كانوا أمام خيار صعب: إما شن حرب دفاعية، أو الاستمرار في السماح بتوسع الإسلام ومواجهة حرب وجودية في أوطانهم في أوروبا!
ويقول: إن “البابا والكنيسة الكاثوليكية والمسيحيين الأوروبيين اختاروا القتال – ومن هنا وُلدت الحروب الصليبية. حثّ البابا أوربان الثاني المؤمنين على قتال المسلمين بشعاره الشهير: “الله يشاء!””. ويتابع قائلًا: “التمتع بالحضارة الغربية؟ الحرية؟ العدالة المتساوية أمام القانون؟ إن الشكر في ذلك كله للصليبيين“.
- ويقول: إن التصويت “سلاح” ولكنه ليس كافيًا، وأننا “لا نريد القتال، ولكن، كما فعل إخوتنا المسيحيون قبل ألف عام، يجب علينا ذلك”.
- توقع هيجسيث أن يتبع بايدن “سياسة خارجية معادية لإسرائيل ومؤيدة للإسلاميين”، وزعم أن بايدن سيطبق “قواعد تقيد حرية التعبير، وداعًا للتعديل الثاني” و”الاشتراكية المجردة، وحكومة تدير كل شيء، وتعليمًا مشتركًا للجميع، وجيشًا صغيرًا، وإجهاضًا عند الطلب – حتى بعد الولادة”.
قال هيجسيث في بودكاست عام ٢٠٢٣م تابع لكنيسة القس دوج ويلسون: “نحن الآن في المرحلة الأولى الوسطى، وهي في الواقع انسحاب تكتيكي؛ حيث نعيد التجمع والتوطيد وإعادة التنظيم”. وأضاف: “وبينما نفعل ذلك، نبني جيشنا سرًّا
ويتهم شركات التواصل الاجتماعي بفرض رقابة على الأصوات المحافظة بدلًا من “الجهاديين المتعصبين أو اليساريين القذرين”.
وينتقد مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير)، قائلًا: إن جماعات مثل جماعة الإخوان المسلمين ومجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية “روجت للرسالة المتطرفة للإسلاموية لعقود”.
كما ينتقد السيناتور بيرني ساندرز باعتباره “شخصية مفضلة لدى الأمريكيين المسلمين لدعمه القضايا الفلسطينية ونفوره من إسرائيل”.
ثانيًا: خلفيات مهمة:
حظي محتوى الكتاب باهتمام كبير أواخر عام 2024م، بعد أن رشح الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب هيجسيث لمنصب وزير الدفاع الأمريكي، والذي أكد مجلس الشيوخ الأمريكي بصعوبة بالغة ترشيحه له في يناير 2025م.
- نشأ هيجسيث في منزل مسيحي. ومع ذلك، فقد صرّح لمجلة مسيحية في ناشفيل العام الماضي بأنه خضع لتحول ديني في عام ٢٠١٨م، في أواخر الثلاثينيات من عمره، عندما بدأ هو وزوجته الحالية، جينيفر هيجسيث ، بحضور كنيسة كولتس نيك المجتمعية في نيوجيرسي. ولا يزال راعي الكنيسة، كريس دوركين، مقربًا من هيجسيث، وقد سجّل مؤخرًا فيديو يدعم ترشيحه، واصفًا إياه بأنه “وطني أصيل يحب الله”.
- انتقل هيجسيث وعائلته إلى منطقة ناشفيل قبل حوالي عامين، وهو قرارٌ قال إنه استند إلى رغبتهم في إرسال أطفالهم إلى أكاديمية جوناثان إدواردز الكلاسيكية، وهي مدرسة مسيحية تأسست عام ٢٠٠٩م. وقد أصبح التعليم الكلاسيكي، الذي تركز فيه الفصول الدراسية بشكل أساسي على التراث الغربي، حركةً سريعة النمو بين المحافظين الذين يتحفظون على المدارس العامة العلمانية[1].
- في تينيسي، انضمت عائلة هيجسيث إلى زمالة بيلجريم هيل الإصلاحية، وهي كنيسة صغيرة افتُتحت عام ٢٠٢١م، كجزء من اتحاد الكنائس الإنجيلية الإصلاحية المتنامي. شارك في تأسيس هذه الطائفة دوج ويلسون، وهو قسٌّ مقيم في موسكو، أيداهو؛ وتضم إمبراطوريته الدينية الآن كليةً، وشبكة مدارس كلاسيكية، ودار نشر، وشبكة بودكاست، وكنائس متعددة، من بين كيانات أخرى. يصف ويلسون نفسه بأنه قومي مسيحي، وقد عرّفه في مقابلة مع صحيفة التايمز بأنه شخص يرى أن “القومية العلمانية لا تُجدي نفعًا”، ويريد الحد من سلطة الحكومة في فرض القيود على المسيحيين.
- هذا القسُّ كتب بغزارة لسنوات، لكن مكانته داخل التيار المحافظ ازدادت في عهد ترامب؛ فقد أُجريت معه مقابلة في بودكاست الإعلامي الشهير تاكر كارلسون، ودُعي للتحدث في المؤتمر الوطني للمحافظين. توسّعت جماعة الكنائس الإنجيلية الإصلاحية مؤخرًا لتشمل حوالي 150 جماعة، بما في ذلك جماعة هيجسيث في تينيسي.
- في كتاباته، يجادل القس ويلسون بأن العبودية “أوجدت في الجنوب عاطفة حقيقية بين الأعراق”، وأن المثلية الجنسية يجب أن تُجرّم، وأن التعديل التاسع عشر الذي يضمن حق المرأة في التصويت كان خطًأ بالغًا. وكتب أنه لا ينبغي للمرأة عادةً تولي مناصب سياسية؛ لأن “الكتاب المقدس يقول: إنه عندما تكون القيادة النسائية شائعة، يجب اعتبارها نقمة لا نعمة!”.
- كتب دوج ويلسون، مؤسس اتحاد الكنائس الإنجيلية الإصلاحية (CREC)، في كتابه الصادر عام ١٩٩٦م بعنوان: “العبودية الجنوبية: كما كانت”، معبرًا عن قناعاته حول تاريخ تأسيس أمريكا بقوله: “لم تكن العبودية كما كانت في الجنوب علاقة عدائية ذات عداء عنصري متفشي. لم يسبق في تاريخ العالم أن وُجد مجتمع متعدِّد الأعراق بمثل هذا التقارب والانسجام المتبادل. ويعود الفضل في ذلك إلى سيادة المسيحية”.
- كنيسة هيجسيث، “زمالة بيلجريم هيل الإصلاحية” الواقعة على مشارف ناشفيل، تينيسي، عضو في اتحاد الكنائس الإنجيلية الإصلاحية، وفقًا لكنيسة تينيسي لوكاوت، التي تضم رعايا في جميع الولايات الخمسين تقريبًا وعدة دول أجنبية.
- تتضمن الوثائق الحاكمة لجماعة الكنائس الإنجيلية الإصلاحية بيانًا بأنه لا ينبغي “تجنيد النساء للقتال”. وقد قال هيجسيث أيضًا: إنه لا يعتقد أن النساء يجب أن يخدمن في أدوار قتالية. وله فيديوهات عديدة حول هذا الموضوع. تحتفظ الكنيسة بمناصب القيادة للرجال، وتؤكد أن الرجال هم أرباب أسرهم، وهي آراء تشترك فيها العديد من الكنائس المحافظة لاهوتيًّا.
- يقول ويلسون: “آمل أن يُحدث بيت هيجسيث تغييرًا جذريًّا في أسلوب عمل البنتاجون. أود أن أرى جيشًا مُعاد بناؤه أكثر فتكًا وأصغر حجمًا بكثير!”.
- وصرح هيجسيث لمجلة مسيحية في ناشفيل بأنه يدرس كتابًا ألفه ويلسون؛ وفي بودكاست، قال هيجسيث: إنه لن يُرسل أطفاله إلى هارفارد، بل سيُرسلهم إلى كلية السيد ويلسون في أيداهو.
- يُعتبر القس ويلسون من بين القادة المسيحيين الذين أعادوا صياغة الحروب الصليبية، التي تضمنت عمليات قتل جماعي لليهود والمسلمين، في ضوء إيجابي في السنوات الأخيرة. في المقابلة، وصف الحملات بأنها غير مثالية، بل ومرعبة في بعض الأحيان، ولكنها أيضًا “ردُّ فعل طال انتظاره على العدوان الإسلامي!”.
- وقد صدق مجلس الشيوخ بصعوبة بالغة على ترشيح هيجسيث لوزارة الدفاع، حيث اضطر نائب الرئيس جيه دي فانس إلى الإدلاء بصوته الفاصل بنسبة 51-50، بعد انضمام زعيم الحزب الجمهوري السابق ميتش ماكونيل وعضوتي مجلس الشيوخ الجمهوريتين ليزا موركوفسكي من ألاسكا وسوزان كولينز من مين إلى الديمقراطيين لمعارضة ترشيح هيجسيث.
كانت هذه هي المرة الثانية فقط في تاريخ الولايات المتحدة التي يكسر فيها نائب رئيس التعادل في ترشيح مجلس الوزراء – وكانت المرة الأخرى هي نائب الرئيس آنذاك مايك بنس لتأكيد بيتسي ديفوس عام 2017 لقيادة وزارة التعليم.
عدم التوافق الوطني لهذه الدرجة على منصب وزير الدفاع (والذي عادة ما يكون محل توافق يبعث رسالة دعم للقوات المسلحة) يعكس حالة الاستقطاب والانقسام السياسي الحاد.
وكانت عملية التصديق على تعيين هيجسيث غارقة في مزاعم الاعتداء الجنسي وإدمان الكحول وسوء الإدارة المالية للجمعيات الخيرية للمحاربين القدامى كما سيأتي، والتي نفاها هيجسيث جميعًا.
- قال هيجسيث في بودكاست عام ٢٠٢٣م تابع لكنيسة القس دوج ويلسون: “نحن الآن في المرحلة الأولى الوسطى، وهي في الواقع انسحاب تكتيكي؛ حيث نعيد التجمع والتوطيد وإعادة التنظيم”. وأضاف: “وبينما نفعل ذلك، نبني جيشنا سرًّا، مع إتاحة الفرصة لاحقًا لشنّ عمليات هجومية بشكل علني. ومن الواضح أن كل هذا مجازي وكل تلك الأمور الجيدة!”.
- في أحد كتبه الخمسة المنشورة، كتب أنه في حال فوز الحزب الديمقراطي في الانتخابات الأمريكية عام 2020م، سيحدث “انفصال وطني” يُجبر فيه “الجيش والشرطة… على اتخاذ قرار” و”نعم، ستكون هناك حرب أهلية من نوع ما”.
- قد يدق خطاب هيجسيث حول ما يُفترض أنهم “أعداء داخليون” أو “محليون”، إلى جانب التقارير الإعلامية التي تُسلط الضوء على وشمه لشعار الحملة الصليبية “الله يشاء Deus Vult”، ناقوس الخطر لدى القلقين من تهديدات دونالد ترامب المتكررة بإطلاق العنان للجيش الأمريكي، الذي سيسيطر عليه هيجسيث مباشرةً، على من وصفهم بـ”العدو الداخلي!”.
- قال جون وايتهاوس، مدير الأخبار في منظمة “ميديا ماترز فور أمريكا” (MMFA) التي تابعت مسيرة هيجسيث المهنية في فوكس، إن هيجسيث “لطالما انبعثت منه أجواء فاشيّة”، وإن “ما جذبه كان خوضه حرب العراق كقائد صليبي، وعندما ساءت الأمور، بدأ ينظر إلى أمريكا من خلال المنظور نفسه”.
- يمتلك هيجسيث قدرة على الحشد والتأثير والدعوة لأفكاره، بعبارات خطابية قوية. يقول مثلًا في “الحملة الصليبية الأمريكية” بعنوان: “لنجعل الحملة الصليبية عظيمة مرة أخرى”، مخاطبًا جمهوره المحافظ: “سواء أعجبك ذلك أم لا، فأنت كافر – غير مؤمن – وفقًا للدين اليساري الزائف”. وأضاف: “يمكنك الاستسلام الآن أو لاحقًا؛ أو … يمكنك القتال”. وفي موضع لاحق من الكتاب، يصرخ: “ابنوا الجدار. ارفعوا الرسوم الجمركية. تعلموا الإنجليزية. اشتروا المنتجات الأمريكية. قاتلوا”.
- يعرب هيجسيث عن “ولائه” التام لترامب، وفي أحد أجزاء الكتاب، يصف محادثة دارت بينهما بعد أن أصدر ترامب، بناءً على إلحاح هيجسيث ، عام ٢٠١٩م عفوًا عن ثلاثة عسكريين اتُهموا أو أُدينوا بارتكاب جرائم حرب في العراق وأفغانستان. ويقول هيجسيث إن ترامب اتصل به قبل العفو، وانتهت المكالمة “بإطراء لي لن أنساه أبدًا وقد أضعه على شاهد قبري: ‘أنت محارب بحق يا بيت. محارب بحق’. شكرته على شجاعته، فأغلق الخط”!
- يكتب أن الإسلام “استولى عليه الإسلاميون بالكامل تقريبًا واستغلوه”. ويدّعي الكتاب، دون دليل، أن الإسلاميين يشكلون 25% من سكان العالم الإسلامي، وأن مهمتهم هي إجبار بقية العالم على الخضوع أو الموت!
ثالثًا: عرض ملخص أفكار الأبواب الثلاثة للكتاب، مع قراءة نقدية:
وصف الكتاب:
يقع الكتاب (352 صفحة) في ثلاثة أبواب تضم أربعة عشر فصلًا:
الباب الأول: لحظة حاسمة:
- 1. حملتنا الأمريكية.
- 2. 2020: موت، طلاق، أم بزوغ فجر؟
- 3. الأمركة الآن، الأمركة إلى الأبد.
الباب الثاني: اليسارية:
- 4. اليسارية: كيف هَجَر الديمقراطيون أمريكا؟
- 5. العولمة: أسوأ مواطني العالم.
- 6. الجندرية: الأنوثة السامة وذكور بيتا.
- 7. الاشتراكية: هل ستنجح هذه المرة؟
- 8. العلمانية: إبعاد الإله عن أمريكا.
- 9. حماية البيئة: الحرب على الطقس.
- 10. النخبوية: سمّ الصوابية السياسية.
- 11. التعددية الثقافية: عنصرية متعددة.
- 12. الإسلاموية.
الباب الثالث: القتال:
- 13. خطوط المواجهة: التعليم وإسرائيل.
- 14. لنجعل الحملة الصليبية عظيمة مجددًا.
عرض الباب الأول: لحظة حاسمة:
الفصل الأول: (حروبنا الصليبية الأمريكية):
افتتح هيجسيث كتابه بالدخول مباشرة في صلب رسالته وهدفه من الكتاب، وتحديد الصراع الذي يدور حوله. يقول في مطلع الكتاب (ص 6):
“توقف للحظة لتتأمل دورك في معجزة انتخابات عام ٢٠١٦م (يقصد انتخاب ترامب)؛ التاريخ الذي صنعناه كأبناء وبنات الحرية. بالنسبة لليسار، عزّزت تلك الهزيمة المُذلة عزمهم على تحقيق هدفهم الأسمى: محو روح أمريكا وثقافتها ومؤسساتها. نحن من نقف في طريقهم، وقد استُهدفنا بالإبادة.
نحن الشعب يجب أن نفهم هذه اللحظة. أنتم تشعرون بها. أنا أشعر بها. جميعنا نشعر بها. الجانب الآخر – اليسار – ليس صديقنا. لسنا “زملاءً محترمين”، ولا مجرد خصوم سياسيين. نحن أعداء. إما أن نفوز، أو يفوزوا – هذا الشيء الوحيد الذي يمكن أن نتفق عليه!
الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك الاقتصاد والجيش الأقوى في العالم، لكن مؤسساتنا الثقافية والتعليمية – روح أمريكا – قد استسلمت للفساد اليساري.
القوة العسكرية والثروة الدنيوية وحدها لا تكفيان للحفاظ على مبادئنا التأسيسية، ولا حتى المعجزات الانتخابية التي لا تتكرر إلا مرة واحدة في كل جيل، مثل انتخابات عام ٢٠١٦. إن وجودنا المستقبلي كأبناء وبنات للحرية يتطلب تحقيق هدف واحد أسمى: الهزيمة الساحقة لليسار. لا تستطيع أمريكا، ولن تستطيع، البقاء بخلاف ذلك.
هذه المرة في تاريخنا تستدعي حربًا صليبية أمريكية. نعم، حربًا مقدسة من أجل قضية الحرية الإنسانية العادلة.
قبل ألف عام، وبعد سنوات من التنازل عن الأراضي لجحافل المسلمين الغازية، أمر البابا أوربان الثاني بحملة عسكرية لإنقاذ أوروبا. كانت عبارة (Deus vult الله يشاء) هي الهتاف الحاشد للفرسان المسيحيين وهم يسيرون نحو القدس!
قبل مائتين وخمسين عامًا، عندما عزز الملك جورج الثالث سلطته على المستعمرين في أمريكا الشمالية، ثاروا وصرخوا: “أعطني الحرية أو الموت!”، وُلدت أمريكا ثم صقلتها المعارك.
إن لم يكن القرن الحادي والعشرون قرنًا تهيمن عليه أمريكا، فلن يكون قرنًا حرًّا. قوى الاستبداد والجماعية والإسلامية والعولمة تتقدم. الصين تتوسع. أوروبا مكتظة ديموغرافيًّا وثقافيًّا، وأمريكا شعاع حرية خافت على تلة محاصرة!
أهم شعار في عصرنا – “لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا” أو MAGA – حفّز معجزة سياسية مماثلة في الأهمية والنتائج، صادمة لدرجة أنها لا تزال تُحيّر من أعلنوها. كما كان الحال مع الصليبيين والوطنيين في الماضي، يُظهر تمرد دونالد ترامب “القبعة الحمراء” أن “الهجوم دون خجل أو اعتذار هو الاستراتيجية الوحيدة المجدية للدفاع عن جمهوريتنا. محاطين باليسار، ومع وجود كل الظروف ضدنا، لن يكون هناك سوى حملة صليبية جديدة.
بحشدنا للنصر، سننقذ الجمهورية في عام ٢٠٢٠م وما بعده. لكن المعركة ليست للضعفاء أو المساكين. أولئك الذين يختلقون الأعذار التي تَصرف الانتباه عن النصر السياسي الحاسم – مثل المظالم التافهة بشأن تغريدات الرئيس ترامب، أو معايير اللباقة الزائفة، أو التفكير البالي القائم على الوضع الراهن – ليسوا جديرين بالانضمام إلى صفوف الصليبيين. نحن بحاجة إلى وطنيين مُطلعين، مُلهَمين، لا يعتذرون عن أفعالهم، ونحن بحاجة إليهم الآن.
وكي لا ننسى، الولايات المتحدة الأمريكية هي أعظم تجربة حرية في تاريخ البشرية. الأكثر حرية، والأكثر عدلًا، والأكثر تسامحًا، والأكثر مساواة، والأكثر قوة. يجب ألا نعتذر عنها أبدًا. إذا كنت لا تُوافق على هذا القول، فأنت في أحسن الأحوال جاهلٌ تمامًا بالتاريخ البشري؛ وفي أسوأ الأحوال، أنت عدوٌّ مُتعمّدٌ للحرية – ولأمريكا!”.
ويتابع:
“إنّ كارثة اليسار في عام ٢٠١٦م هي فرصتنا، ولذلك تتطلب خطواتٍ عاجلة وجذريةً لتحقيق النصر في عام ٢٠٢٠م ونقش هذا النصر في روح أمريكا. وبينما نُطلق العنان لهذه القضية النبيلة، تذكّروا الخطة التي وضعها اليسار لكم – وهي الإبادة الكاملة – واستعدوا للوقوف صفًّا واحدًا مع إخوانكم الأمريكيين دفاعًا عن هدفنا المشترك البسيط والمقدس: الحرية”!
ويبدأ مباشرة بعدها في عقد مقارنة طويلة بين عُمَرين: عُمر السامرائي (من العراق)، وعمر الصومالية (النائبة الأمريكية إلهان عمر)، بين عمر يحب أمريكا ويعشق حريتها ويعترف لها بالجميل في إنقاذ بلاده من صدام حسين ثم من تنظيم القاعدة، وبين جحود إلهان عمر التي احتضنتها أمريكا من خيام اللاجئين في كينيا، ومنحتها المأوى والتعليم وانتخبتها لمجلس النواب، ثم هي الآن جاحدة لكل هذا، تهاجم أمريكا وتكرهها. مثالان لاثنين من الأمريكيين، ويقول: إن أمريكا لا تتسع إلا لأحدهما!
يختم هيجسيث فصله الأول بهذه الخلاصة:
“أخيرًا، إن لم يكن القرن الحادي والعشرون قرنًا تهيمن عليه أمريكا، فلن يكون قرنًا حرًّا. قوى الاستبداد والجماعية والإسلامية والعولمة تتقدم. الصين تتوسع. أوروبا مكتظة ديموغرافيًّا وثقافيًّا، وأمريكا شعاع حرية خافت على تلة محاصرة!
حان الوقت لأمريكا. فإلى جانب نجاحها السياسي، يعتمد مصيرها على طرد شبح اليسار المسيطر على التعليم والدين والثقافة – حرب مقدسة شاملة من أجل قضية الحرية الإنسانية العادلة.
وكما قال أبراهام لنكولن: “فلسفة المدرسة في جيل ستكون فلسفة الحكومة في الجيل التالي“. هذه الجبهات غير السياسية هي المكان الذي سنقاتل فيه لضمان استمرار انتصاراتنا السياسية لعصر كامل.
في الفصول التالية، سنواجه كل عدو يهدد أمتنا ونخضع لتدريب أساسي في النضال من أجل الحرية: الحملة الصليبية الأمريكية. هدفنا الأول هو إعادة انتخاب دونالد ترامب في 2020. أيها الصليبيون، أهلًا بكم في عشرينيات الحرب!”.
الفصل الثاني (2020 الموت أو الطلاق أو البعث):
يقصد المؤلف بهذا العنوان المثير انتخابات 2020م، فإما يخسر ترامب فتموت أمريكا، أو يحصل طلاق كامل داخل المجتمع الأمريكي بين اليسار واليمين، ليس خلافًا سياسيًّا ولكن طلاقا بين الطرفين، أو يفوز ترامب ويستمر بزوغ فجر الحرية في أمريكا!
تحت هذا العنوان الهائج المتحفز، يحكي المؤلف رحلته من رفضه الكامل وكراهيته لترامب إلى تحوله 180 درجة ليصير من أشد مؤيدي ترامب، ويسمي هذا التحول كأنه تحول ديني، أو كأنه انتقل من دين إلى دين آخر! يقول هيجسيث: إنه نشأ نشأة محافظة، يؤيد حزب المحافظين ويتطلع إلى عودته إلى الحكم بعد سنوات أوباما العجاف كما يراها.
يقول: “في عام 2015م كان قليلون يرون ترامب كمرشح جاد للرئاسة. هذه القلة كانت قلة مباركة، ولم أكن منها على أي حال. كنت أتطلع لرؤية مرشح يشبه الصورة الذهنية التقليدية للرؤساء المحافظين. في بدايات الانتخابات التمهيدية في 2015 دعمت ماركو روبيو (الذي أصبح لاحقًا في 2025 وزيرًا للخارجية!) في حملة ترشحه، وتبرعت له ولكن فجأة وجدته ينسحب من السباق. بعد ذلك دعمت تِد كروز وكنت أراه صادقًا في تمسكه بالدولة وإيمانه بالمؤسسين الأوائل لأمريكا وبمواقفه في الكونجرس إلى آخره، لكن بعد قليل انسحب كروز أيضًا من السباق، وأصبحت فرص ترامب أكبر في أن يصير هو مرشح الحزب”.
في يناير 2016 يذكر هيجسيث أن مجلة ناشيونال ريفيو جعلت غلاف المجلة في كلمتين فقط: “ضد ترامب“! وجعلت عددًا خاصة لهذا وجمعت له كبار المفكرين من الحزب الجمهوري ومن المؤسسة الجمهورية لتقف كلها خلف مهاجمة ترامب وترشُّحِه. يقول: لدرجة أنه بعد صدور هذا العدد، سارع بإرسال رسالة للمجلة، يقول فيها: إنه يستطيع أن يستثمر في هذه المجلة بعد هذا العدد الرائع الذي هاجمت فيه ترامب. إلى هذه الدرجة كان يقف ضد ترامب.
يقول: “وكان أكثر ما ينفرني منه لغته الفجة وإهانته لكل السياسيين؛ سواء من الديمقراطيين أو من الجمهوريين، كان يهاجمهم بشدة ويزدريهم ويهينهم ويطلق عليهم أوصافًا. كان يتنمر على الجميع ولا يخاف أحدًا ولا يحترم أحدًا، وكنت أتساءل في نفسي: ما هي بوصلته ووجهته؟ ماذا يريد؟ ثم خطرت لي فكرتان تأثرت بهما:
الأولى: ما رأيته من شدة كراهية اليسار له، وخوفهم منه وكأنهم في حرب ضده!
والثانية: كانت ما رأيته على التليفزيون في تجمع انتخابي لترامب في إبريل 2016م في جنوب كاليفورنيا.
كانت هناك مظاهرات شديدة جدًّا ضده، حتى اضطر الأمن أن يُدخلوا ترامب ومعاونيه من الأبواب الخلفية للملعب الذي كان سيلقي فيه خطابًا أمام مؤيديه، مع تحليق مكثف لطائرات هليكوبتر فوق الملعب.
كان اليسار سعيدًا جدًّا بحالة الطوارئ التي جعلت ترامب لا يستطيع أن يصل بسهولة إلى مكان التجمع الانتخابي، بل ورأيت بعض الناس يرفعون الأعلام المكسيكية معترضين عليه وأخذوا يواجهون رجال الشرطة.
يقول: “لأول مرة أصبحت أفكر أن انتخابات 2016م لم تكن حول أي حزب سيفوز ولكن أي دولة ستفوز. أصبحت أفكر الآن أن خسارة ترامب ستكون خسارة لأمريكا وستكون خسارة للمستقبل. أصبحت أفكر الآن أنني في تحولي من كراهية ترامب إلى دعمه كأنني أتحول من دين إلى دين جديد! وأصبحت أحدث نفسي أننا في حاجة شديدة ليس لرئيس جديد ولكن لقائد أعلى لحروب صليبية جديدة!
ترامب لم يكن مجرد سياسي يتكلم أو يغرد على منصات التواصل، بل رجل يتكلم عن أشياء أساسية جدًّا. إنه يريد أن يضع أمريكا أولًا، ويريد لهذا البلد أن يتم إنقاذه بعد تدهور شديد لعدة عقود، ليس بسبب الرؤساء الديمقراطيين السابقين فقط، ولكن حتى الجمهوريين السابقين!
لقد درست أن الجمهوريات تعيش غالبًا من 220 – 270 سنة، وعليه فإن أمريكا التي عمرها 245 سنة على وشك الأفول والانتهاء، إلا أن ينقذها من يبعثها من جديد وهذا الذي أظنه الآن في ترامب! هو الوحيد القادر على أن ينقذ أمريكا من مصير يبدو محتومًا للبعض لكننا نرى فيه أنه جاء لينقذ أمريكا مرة أخرى بعد عقود من الاستسلام للثقافة اليسارية وللتعليم اليساري ولموجة الجندرة.
كان الجمهوريون والديمقراطيون في السابق أصحاب سياسات متقاربة. قد يختلفون قليلًا في قدر الضرائب التي يريدون أن يفرضوها، أو بعض التعديلات هنا وهناك، لكن منذ عقود أصبح الخلاف شديدًا جدًّا بين الطرفين، لا يحله إلا الطلاق؛ ولذلك كانت الأسئلة المثارة من ترامب أسئلة أصيلة وأساسية، من قبيل:
- هل تؤمن بضرورة وجود حدود آمنة للدولة أم لا ؟
- هل تؤمن بسيادة القانون أم لا؟
- هل تدعم قوات الشرطة أم لا؟
- هل تدعم نشيد الاستقلال الوطني أم لا؟
- هل تدعم الأسواق الحرة أم الاشتراكية؟
- هل تؤمن بوجود جيش قوي وضخم أم لا؟
- هل تؤمن بتوفير الرعاية الصحية للمقاتلين السابقين أم لا؟
- هل تؤمن بالله أم لا؟
لقد ظهر ترامب وأنقذ البلاد في خلال سنوات حكمه، والآن نحن نقترب من انتخابات 2020م. لو سقط ترامب ستسقط البلاد وسيسقط الدين. بعض الناس يتطلع إلى بابا الفاتيكان، وبابا الفاتيكان لا يستطيع أن يفعل أي شيء الآن. البابا أصلًا رجل يساري يوافق على المثلية والجندرية! البابا ليس مقاتلًا.
فالآن نحن وأمريكا على المحك. الآن أتذكر أنني بعد عودتي من العراق أردت التقدم للانتخابات التمهيدية للحصول على تذكرة ترشح الحزب الجمهوري في انتخابات مجلس الشيوخ في 2012م في ولايتي مينيسوتا. كانت أمامي فرصة جيدة للفوز، كمقاتل سابق في أفغانستان وفي العراق، وفي مينيسوتا وفي أمريكا عمومًا يُحترم المقاتلون، وبالإضافة لذلك كنت حصلت على شيء من التعليم في هارفارد، لكني كنت أتمسك بالعقلية القديمة التقليدية التي تتبنى أفكار مراكز الدراسات والسياسيين التقليديين، وقد أدى هذا بي إلى خسارة مزرية، بل إن الجمهوري الذي خسرت أمامه خسر بدوره خسارة مذلة أمام منافسه الديمقراطي!”.
أكد هذا كله لهيجسيث أن الطريق الذي يسلكه الحزب الجمهوري التقليدي سيؤدي إلى خسارة أمريكا كلها، لذلك يرى انتخابات 2020 أنها ستشكل مستقبل أمريكا؛ إما إنقاذها من التدهور الحتمي الذي تسير فيه، وإما أن يظهر فجر جديد بفوز ترامب، أو الاحتمال الثالث أن يحصل انقسام مجتمعي لا يمكن له أن يلتئم مرة أخرى بين اليمين واليسار والذي قد لا يحله إلا العنف. ويقول هيجسيث مرة بعد مرة: “إنني لا أدعو إلى العنف، ولكن هذا هو الواقع الذي علينا أن نواجهه”!
في الفصل الثالث (الأمركة): كلام طويل حول ما أطلق عليه هيجسيث “الأمركة Americanism” وحاول أن يصل إلى أنها الأساس الذي قامت عليه أمريكا. وتكلم عن “إعلان الاستقلال” بأنه روح الأمركة، وأن الدستور هو التطبيق العملي للإعلان، ويربط هذا كله بحماية الحدود وضبط الهجرة. ثم يطلق صيحة عجيبة في مهاجمة مفهوم “الديمقراطية” فيقول:
“الديمقراطية الآن؟!
في سياقٍ ذي صلة، وهو أمرٌ جوهريٌّ في النزعة الأمريكية، علينا أن نتوقف عن وصف بلدنا بـ”الديمقراطية”. لأنها ليست كذلك! قد يبدو الأمر مجرد دلالات لفظية، ولكنه جوهريٌّ في هذه الحملة. لقد حذّر جيمس ماديسون (الرئيس الرابع للولايات المتحدة 1809 – 1817 ويعرف بأنه أبو الدستور) قائلًا: “لطالما كانت الديمقراطيات مسرحًا للاضطرابات والنزاعات؛ ولطالما وُجدت متعارضةً مع الأمن الشخصي أو حقوق الملكية؛ ولطالما كانت قصيرة العمر بقدر ما كانت عنيفةً في موتها”. إنه مُحق. ومن هنا جاءت حقيقة أن كلمة “ديمقراطية” غير موجودة لا في إعلان الاستقلال ولا في الدستور، ولكنك ستسمعها كل خمس دقائق من الديمقراطيين، ووسائل الإعلام الجاهلة، ومعظم الأكاديميين.
لقد رفض آباؤنا المؤسِسون فكرة “الديمقراطية”؛ لأن الديمقراطيات تُحكم بنظام الأغلبية البسيطة. من يحصل على أكبر عدد من الأصوات هو من يضع القواعد، بما في ذلك إلغاء الحقوق التي نفترض أنها ثابتة. بدلًا من ذلك، إذا كنت تؤمن بالحقوق الممنوحة – وهو ما نؤمن به نحن كما في إعلان الاستقلال – فإن الديمقراطية النقية تتناقض مع تفكيرك!
تتطلب الأمة الحرة ضوابط وتوازنات مؤسسية ضد دوافع الأغلبية – وهي أغلبية، إذا قررت استهداف الأقلية، ستصبح في النهاية طاغية. انظر فقط إلى مدى عدم تسامح ما يُسمى باليسار المتسامح اليوم – إنه يرغب في تطبيق نفس هذا التسامح الزائف على كل جانب من جوانب حياتك. يريدك أن تمتثل، وفقًا لقواعده السياسية الصحيحة. في الوقت الحالي، الدستور هو الذي يعيق طريقه.
بدلًا من ذلك، اختار المؤسسون أن يجعلوا شكلنا ونظام الحكم جمهورية دستورية، أي أننا ننتخب أشخاصًا لتمثيلنا في الحكومة، وفقًا لخارطة الطريق التي وضعها الدستور. لا نصوت مباشرةً على القوانين الفيدرالية؛ بل يقوم ممثلونا بذلك. نحن لا “ننتخب الرئيس”، بل الهيئة الانتخابية هي التي تنتخبه. لا يحق لممثلينا إقرار أي قانون يريدونه؛ يجب أن يكون متوافقًا مع دستورنا. هناك ضوابط وتوازنات ضد طغيان الأغلبية. ونتيجةً لذلك، تضمن جمهوريتنا بطبيعتها الحقوق التي وهبها الله للفرد، بغض النظر عن رأي الأغلبية أو دوافع أصحاب السلطة التنفيذية الحكومية.
بالطبع، الدستور ليس مثاليًّا؛ فلا يمكن لأي وثيقة من صنع الإنسان أن تكون كذلك. لهذا السبب عُدِّلَ بشكل صحيح ودستوري سبعًا وعشرين مرة، وسيُعَدَّل بالتأكيد في المستقبل – بما في ذلك، على أمل، من خلال مؤتمر تعديلي للمادة الخامسة من شأنه أن يقلص سلطة الحكومة الفيدرالية، وأن يُعقد بدعوة من الشعب.
(لمزيد من المعلومات، تفضلوا بزيارة مؤتمر الولايات على الموقع www.conventionofstates.com).
ومهما كانت العملية، يجب أن يرتبط أي تعديل بالمبادئ الثابتة وغير القابلة للتعديل والمستنيرة لوثيقتنا التأسيسية الحقيقية: إعلان الاستقلال. كما أشرتُ سابقًا، يُعدُّ المجمع الانتخابي مثالًا رائعًا على كيفية توزيع جمهوريتنا نفوذ المواطنين من جميع أنحاء البلاد، بحيث لا تخضع الانتخابات الوطنية لسيطرة معاقل المدن الكبرى النخبوية واليسارية مثل نيويورك وكاليفورنيا.
ورغم عدم وجود كاليفورنيا وقت تأسيسنا، إلا أن هذا المبدأ قد تلاشى تدريجيًّا. أراد المؤسسون ضمان شمول الولايات الصغيرة والريفية دائمًا، وعدم هيمنة الولايات الأكثر اكتظاظًا بالسكان عليها. وبالتالي، وبالمثل، يوجد عضوان في مجلس الشيوخ الأمريكي لكل ولاية، مما يمنح ولاية كارولينا الجنوبية نفس القدر من النفوذ في مجلس الشيوخ مثل كاليفورنيا.
مع ذلك، إذا كنتَ يساريًّا، فأنت تريد “الديمقراطية” لأنك رفضتَ بالفعل إعلان الاستقلال، وتعتقد أن الدستور المزعج الذي يُوجّه جمهوريتنا ليس سوى عائق أمام التغييرات الفورية والجذرية التي تريد إجراءها.
بالنسبة لليساريين، تُمثّل دعوات “الديمقراطية” رفضًا تامًّا لنظامنا. راقبوا كم مرة يستخدمون الكلمة. إنهم يكرهون أمريكا، لذا يكرهون الدستور، ويريدون حشد ٥١٪ من الأصوات بسرعة لتغييره. إنهم الحزب الديمقراطي، في نهاية المطاف. ولهذا السبب يريدون إلغاء المجمع الانتخابي. ولهذا السبب يريدون تصويتًا شعبيًّا وطنيًّا، دون الحاجة إلى إثبات هوية الناخب”. (ص 48).
قراءة نقدية في الباب الأول: لحظة حاسمة:
- يرسم المؤلف في هذا الباب بفصوله الثلاثة بطريقة جذرية وحماسية معتقدَه السياسي، الذي يستند فيه إلى أُسس توراتية، ثم يدعمها ما استطاع من شواهد انتقائية من تاريخ الولايات المتحدة، خاصة زمن الاستقلال والتأسيس. ويمكن تلخيص معتقده هذا في نقاط محددة حادة لا رتوش فيها، فهو:
- يرى أن إعلان الاستقلال هو الأساس الذي قامت عليه الولايات المتحدة، وينبغي التمسك بروحه ونصوصه بشكل صارم، ولم يقل مقدَّس لكنه بالفعل يرفعه لهذه المنزلة!
- الدستور هو الترجمة العملية الإجرائية لإعلان الاستقلال، وينبغي احترامه، لكنه قابل للتعديل.
- الديمقراطية لم يُنصَّ عليها لا في إعلان الاستقلال ولا في الدستور، ومصائبها أكثر من فوائدها، لأنها تُولي الأمر إلى الأغلبية التي قد ترى تحت تأثير ما ما يناقض الأسس التي قامت عليها الدولة.
وفي حقيقة الأمر، فإن المبدأ القائم على التمثيل الذي يتبناه، يتم من خلاله اختيار الممثلين عن طريق الانتخاب المباشر أيضًا، وهو يرفع مكانة هؤلاء الممثلين لمكانة تقارب مكانة أهل الحل والعقد عندنا، إلا أن اختيارهم لازال يعاني من نفس النقائص التي يتبناها النظام الديمقراطي!
موضوع التركيز على التمثيل هذا يعكس خشية اليمينيين من أن أعداد الأمريكيين الذين ليسوا من أصول بيضاء، أو لا يتبنون القيم الدينية، في ازدياد، مما قد يعني استحالة وصول اليمينيين للسلطة في المستقبل إذا جرى تبني مبدأ التصويت المباشر الذي يسميه “الديمقراطية”. ربما يكون هذا هو سبب التركيز على هذه النقطة.
- اليسار شرٌّ كله، وقد تبوأ كل منابر التأثير التعليمية والثقافية والإعلامية، ما أدى إلى حالة استبداد فكري تهدد مستقبل البلاد.
- يرى أن انتخابات 2016 جاءت بترامب في لحظة حاسمة لتغيير مسار البلاد، وتوقع أن يكون العقد التالي من 2020-2030 عشرية الحرب الصليبية الأمريكية.
- هناك شيء من التخبط حول مفهوم ونطاق الحرب الصليبية الأمريكية التي يدعو إليها الكتاب، فمن جهة يشير في أكثر من موضع إلى العدو الداخلي؛ (اليسار وحلفائه ومفاهيمه)؛ ما يشير إلى أنه يقصد حربًا داخلية بالأساس، ولكن تحديده لخط المواجهة الأمامي (كما سيأتي في الباب الأخير من الكتاب) لهذه الحرب بأنه يقوم على دعامتين: التعليم، ودولة إسرائيل، يربك هذا المفهوم.
- نحت معتقده السياسي بكلمة “الأمركة”، وهي وصف وشعار يداعب مشاعر القوميين، ويمنحهم شيئًا من العظمة والاستعلاء الذي يجعل كل “من ليس معنا فهو ضدنا”، فلا حلول وسط.
- هذا المعتقد السياسي المتطرف يرسم طريقًا لانقسام داخلي لا يمكن التئامه، بل هو يصرح بأن الفجوة بين المحافظين واليساريين لا يمكن حلها بصناديق الانتخابات وحدها، وإن كان حلها بالقوة لم يحن وقته بعد. وفي الجهة الأخرى من المشهد، فإن مشكلة الديمقراطيين إزاء هذا اليمين المتطرف الزاعق، تتمثل في عجزه أن تكون له قيادة مُلهِمة، أو أصوات لها شعبية.
وما نراه الآن مثلًا من جولات شعبية لبيرني ساندرز أمام حشود ضخمة، هو في حد ذاته إعلان عن إفلاس الحزب، لأن ساندرز يمثل أقلية محدودة داخل الحزب.
ومن جهة أخرى لا يكاد الديمقراطيون يفهمون هذه المعتقدات اليمينية المتطرفة، ولا يحاولون الاشتباك معها فكريًّا (ودينيًّا)، وإنما يكتفون بالنظر إليها بدونية على أنها كتلة صماء من الأفكار الرجعية المتطرفة والخطيرة.
إن العزوف عن الاشتباك معها (وحتى من قِبل المسلمين) يعطيها مسوَّغًا وفرصة ليس للبقاء فحسب، ولكن للنمو والانتشار أيضًا!
إن أحداث اقتحام الكونجرس في 6 يناير 2021 بقدر ما مثل صدمة سياسية غير مسبوقة للولايات المتحدة، فإنه أعطى إشارات واضحة لا لبس فيها عن هذه الحاضنة الشعبية لليمين المتطرف، واستعدادها للذهاب بعيدًا من أجل تحقيق ما تؤمن به، وأنها لا تبالي بالثوابت والأدبيات التي تسير عليها النخب السياسية في واشنطن.
- وأخيرًا فإن افتتاحية المؤلف عن عمر السامرائي والنائبة إلهان عمر، تقدم السقف الأعلى الذي يمكن لهذا اليمين فيه قبول الصوت المسلم وهو الخضوع الكامل، والذوبان التام في “الأمركة”، وأن أي اعتراض فمعناه كراهية أمريكا ونكران وجحود نعمائها!
- تحاشى المؤلف في هذا الباب إظهار الأصول التوراتية التي يستند إليها، واكتفى بعبارات عامة عن احترام الدين والارتباط به، فهدفه الأول كان حشد الأصوات لانتخابات 2020، لكنه تخلى عن هذا في البابين التاليين، عندما أراد أن يصل لرفضه للعلمانية والديمقراطية والاشتراكية.
- يؤكد المؤلف أن الخلاف مع الحزب الديمقراطي ليس مجرد خلاف سياسي يمكن التفاهم حوله بحلول وسط، إنما هو خلاف جذري عقدي لا يمكن حله بصندوق الانتخابات، فهذه ليست خصومة سياسية وإنما عداوة أصيلة، ما يشي بأن مآلها انقسام مجتمعي لا سبيل لرتقه، وقد ينتهي إلى حرب أهلية.
- إن تعبير المؤلف عن فرصة ولاية ترامب بأنها “اللحظة الحاسمة”، يشبه من زاوية ما “اللحظة النماذجية للمتتالية العلمانية” والتي بين فيها د. المسيري أن المنظومة العلمانية الغربية تُحقق نموذجها بشكل واضح كامل في لحظات تاريخية مفاجئة تمثل “لحظة الصفر العلمانية”. وفي حقيقة الأمر إن لحظة اليمين المتطرف الحاسمة، تتكشف فيها القيم والأخلاق الحقيقية التي تحكمه وتشكل عقيدته وفكره. عندما يصف المؤلف المسلمين بأنه لا سبيل للتفاهم معهم وأن مكانهم ينبغي أن يكون تحت الأرض لا فوقها، فهو يُذكرنا باللحظة النماذجية النازية!
- إن ما كشفه المؤلف يمثل رؤية داخلية لمُكون مهم من الإدارة الحاكمة في أمريكا حاليًّا، والتي تستدعي إعادة النظر في مقارباتنا للحالة الفلسطينية والسورية، كما سيأتي في ختام هذا العرض.
عرض الباب الثاني: اليسارية:
استغرق هذا الباب بفصوله التسعة معظم الكتاب، وعنوانه: “اليسارية”، حشد تحته المؤلف قائمة بمعسكر الشرِّ من أعداء أمريكا، وإن كانت القائمة طويلة إلا أن المؤلف يراها كلها تحت مظلة اليسارية. قائمة الأعداء التي جعل لكل منها فصلًا مستقلًّا في هذا الباب تشمل:
- اليسارية.
- العولمة.
- الجندرية.
- الاشتراكية.
- العلمانية.
- حماية البيئة.
- النخبوية.
- التعددية الثقافية.
- الإسلاموية.
يبدأ الباب باقتباسين:
الأول للمُنظر السياسي الأمريكي شاول ألينسكي[2]، من كتابه (قواعد الراديكاليين: دليل عملي للراديكاليين الواقعيين)، يقول فيه: “الشيطان هو أول راديكالي معروف تمرَّد على المؤسسة الحاكمة، ونجح في ذلك لدرجة أنه على الأقل حاز على مملكته الخاصة”.
والثاني اقتباس من إيلي مستال وهو معلق سياسي وكاتب أمريكي، يصف فيه مؤيدي ترامب بقوله: “لا تتفاوض مع هؤلاء الناس، بل دمرهم!”.
الفصل الرابع (اليسارية: كيف هجَر الديمقراطيون أمريكا)؟
يشن هيجسيث في هذا الفصل حملة مريرة على الليبراليين (أو كما يصرُّ على تسميتهم في الكتاب كله باليسار)، ويشرح جذور هذه الكراهية منذ نشأته، ويقول:
“شعلة ميداس[3]:
لم أدرس الرياضيات جيدًا في جامعة برينستون، لكنني أعرف معادلاتٍ حاسمة عندما أراها:
اليسارية + أي شيء = دمار (وتبعية، ويأس، وموت).
هذا يعني أن اليسارية + أمريكا = مستقبل بائس لا أريد تخيله.
اليسارية تُشبع المرء بهديةٍ تُضاهي هبة الملك ميداس الأسطوري. فبدلًا من أن يتحول أي شيء يُلمس إلى ذهب، يتحول إلى قذارة. أمريكا لديها “لمسة ميداس”، واليساريون لديهم “شعلة” تحرق ما تمسه، الثقافة، والدين، والتعليم، وجودة الحياة، والحكومة. اليسارية تُدمر كل ما تلمسه. يُحب اليساريون الأمريكيون تسمية أنفسهم “تقدميين” – وهو اسمٌ مُناقِضٌ للتقدم. ومثل كل ما تُنادي به اليسارية، حتى هذا الاسم كذبة. اليساريون في الواقع “رجعيون”، مُصرّون على فرض رؤيتهم الطوباوية الزائفة للإنسانية علينا جميعًا؛ يُجبروننا على نسيان الحقائق الخالدة – ناهيك عن تجاهل منطقنا السليم. ثم ندفع جميعًا ثمن ذلك. نواياهم الطيبة تُعفيهم من الواقع والنتائج. إنهم يهتمون أكثر منك، ألا تعلم ذلك؟
ولكن ما اليسارية تحديدًا؟ قبل أن أجيب على هذا السؤال، دعونا نوضح بعض الحقائق القاسية:
أولًا: لليسار رؤية واضحة جدًّا للعالم؛ رؤية هدامة، لكنها واضحة.
ثانيًا: اليساريون قادرون على صياغة حُججهم بطرق تلقى صدى لدى الجماهير. كثير من الناس يُصدقون أكاذيبهم فعلًا.
ثالثًا: يُطبقون أفكارهم – كل دقيقة من كل يوم. اليساريون خطرون لأنهم جبارون. اعرف عدوك، ولا تستهن به”. (ص ٥٩)
ويقول بعدها بقليل:
“إن المبدأ الأساسي لليسارية هو رفض الفرد، وبصورة أعم، رفض الأسر الفردية. النفوس الفردية، والقيم الفردية، والأحلام الفردية. بالنسبة لليساريين، الفرد هو مجرد نقطة بيانات تُجمع في مجموعة: أسود، أبيض، جندر، مثلي، مغاير، غني، فقير. الجماعة – “الجمهور” ككتلة من المجموعات المصنفة – هي محور الاهتمام.
بالنسبة لليساريين، بدلًا من أن تكون فردًا، أنت مجرد أداة في يد الدولة، رقم يُحسب، أو عامل في عملية حسابية، كل ذلك “من أجل الصالح العام”. اليساريون مولعون بمصطلحات التعاون والوعي والعدالة الاجتماعية – وكلها رموز لـ “افعل ما نقول: الآن.. وإلا”.
ويصف رؤيتهم للمسيحية بقوله:
“إن سبب رغبة اليساريين وقدرتهم على الترويج لرؤية طوباوية للعالم هو رفضهم التام للنظرة التوراتية للعالم. يجب أن يكون اليسار ملحدًا، لأن الحكومة هي إلههم. يروي الكتاب المقدس، الغني بالحكمة والتاريخ، قصة تلو الأخرى عن ضعف الإنسان، والسعي وراء غاية أسمى، ونعمة الفرد. كما أنه يضع مبادئ – مثل الوصايا العشر وعظة الجبل – التي نفتقر إليها جميعًا، لكنها تبقى نبراسًا خالدًا لحياتنا المعيبة. الكتاب المقدس، وخاصةً عند اقترانه بالتقدم المستنير لأثينا وروما، هو أساس الحضارة الغربية. يرفض اليساريون كل هذا صراحةً. الله أقوى منهم؛ إنه تهديد. بدلًا من ذلك، يروجون لنظرة مناقضة للواقع، مفادها أن البشرية قابلة للكمال، ولو فقط من أجل سياسات اجتماعية أفضل وتدخل حكومي أكبر. في أحسن الأحوال، الله مجرد فكرة ثانوية تقتصر على أيام الأحد؛ وفي أسوأ الأحوال، هو خيال خطير.” (ص 63).
يمضي المؤلف ليصف بمرارة كيف استطاع “اليسار” إقصاء الدين عن التعليم والثقافة، فيقول:
“ترسخت اليسارية في أمريكا في ستينيات القرن الماضي. بدأت في الثقافة، وسرعان ما انتقلت إلى المحكمة العليا. في أوائل الستينيات، قوضت أحكامٌ متعددة التراث الكتابي لمقاطعتنا. اعتُبرت الصلاة في المدارس الحكومية غير دستورية عام ١٩٦٢، وكذلك قراءة الكتاب المقدس عام ١٩٦٣.
بعد سنوات، منعت المحكمة العليا أيضًا عرض الوصايا العشر في الفصول الدراسية. تم إخراج الله من مدارسنا الحكومية وساحاتنا العامة أسرع مما يُدركه أحد!
ونتيجةً لذلك، أصبح ما بدأ كثورة ثقافية هو القاعدة السياسية في بلدنا. بعد عقد من الزمان، تم تشريع خطيئة الإجهاض في أمريكا ودعمها من قبل اليساريين – مسوَّغًا بحكم قانوني يعتبره حتى المدافعون عن قضية “رو ضد وايد”[4] ضعيفًا من الناحية الدستورية. والنتائج؟ واحد وستون مليون حالة إجهاض، وانخفاض قيمة الحياة البشرية لدى الشباب. لقد انتُزعت روح بلدنا – المُعبّر عنها في إعلان الاستقلال – من الدستور، تحت أنوفنا.
بالحديث عن قضية “رو ضد وايد”، هل تساءلتم يومًا عن سبب كون جماعات الضغط المؤيدة للإجهاض – مثل منظمة تنظيم الأسرة – أقوى جماعة مصالح لدى اليساريين؟ السبب في كون ما يُسمى بالحق في الإجهاض قضيةً راسخةً لدى اليساريين هو أنه يُمثل استبدالًا نهائيًّا للحكومة بالله. عندما تسمح الحكومة الأمريكية قانونيًّا للأفراد باختيار قتل حياة بريئة، فإنها تُلغي مبدأ الحقوق التي وهبها الله.
الفصل الخامس “العولمة”:
يتساءل في أوله:
“ما “المواطن العالمي“؟ لست متأكدًا؟ اسأل طفلك ذا التسع سنوات أو حفيدك ذا الاثني عشر عامًا. أو ابن جارك المراهق. قد لا يستطيعون تعريفه بدقة، لكنهم يعرفون الإجابة. لقد قيل لهم إنهم مواطنون عالميون – في مكان ما، من قِبل شخص ما أو من قِبل الجميع – في مدرستهم العامة، في الرسوم المتحركة، في الثقافة الشعبية، أو في كنيستهم. كوكب الأرض، في حاجة إلى الإنقاذ والتنوير، يحتاج إلى “مواطنين عالميين” – ألا تعلم؟ إنه بحاجة إلى بشر يتجاوزون الحواجز القديمة للحدود واللغة والثقافة – وكما قال جون لينون: كل ما علينا فعله هو “تخيل” عدم وجود دول أو دين!
من أين جاء شعار اليساريين الجديد: “لا يمكن لأي إنسان أن يكون غير قانوني”؟ فكرة أن عبور حدودنا بشكل غير قانوني حق من حقوق الإنسان، وأنه يجب إلغاء إدارة الهجرة والجمارك، وأنه يجب توفير ملاذ آمن للمهاجرين غير الشرعيين؟ لم يخترعوه؛ لقد جاء من فكرة أننا جميعًا مواطنون عالميون، وبالتالي نستحق أيًا كانت الحماية التي نرغب بها، أينما وكيف نعيش. بالطبع، من السهل المطالبة بذلك في أمريكا، حيث الحقوق منتشرة في كل مكان، لكن ليس بهذه السهولة في أماكن مثل إيران أو الصين. لكن اليساريين يغفلون حقيقة أن المواطنة العالمية طريق ذو اتجاه واحد، يسهل استغلاله من قبل أعداء الحرية. إن التعصب المحلي لتغير المناخ خير مثال على نفاقهم.
بمجرد إدراكك لذلك، ستجد أن فكرة المواطنة العالمية منتشرة في كل مكان في المجتمع الأمريكي – خفية في الغالب، وأحيانًا جريئة ومباشرة. إنها تغمر سنوات تكوين شبابنا. تُظهر استطلاعات الرأي أن الشباب الأمريكي، أكثر من أي وقت مضى، يُعرّف أكثر من نصفهم أنفسهم بأنهم “مواطنون عالميون” بدلًا من كونهم مواطنين أمريكيين. إذا كنت تعيش في منطقة ليبرالية، فقد تم تلقين أطفالك هذه العقلية”.
وبعد سخرية طويلة من تخلي أوروبا عن حدودها الداخلية ما أفقد حكوماتها قدرتها على حماية أمنها، يدعي المؤلف أن هذا المستقبل “المظلم” ينتظر أمريكا إن لم تحم حدودها من غزو محتمل، ويحاول إثبات كلامه بما فعله المسلمون في ولايته مينيسوتا، فيقول:
“مساجد مينيسوتا:
أتظن أن هذا لا يمكن أن يحدث في الولايات المتحدة؟ يكفي أن تنظر إلى ولايتي مينيسوتا. بعد حرب أهلية وحشية في الصومال، فتحت مينيسوتا أبوابها للاجئين الصوماليين. بفضل دولة الرفاهية السخية والخدمات الاجتماعية اللوثرية اليسارية، أصبحت مينيسوتا نقطة جذب للاجئين الصوماليين. منذ ذلك الحين، اتخذ أكثر من 100 ألف مسلم صومالي، وربما أكثر من ذلك بكثير، مينيسوتا موطنًا لهم!
ظاهريًّا، تبدو قصة رائعة عن أمريكيين كرماء يفتحون أبوابهم للاجئين المعذبين. لكن الواقع مختلف تمامًا. “بدلًا من احتضان مينيسوتا والثقافة الأمريكية، حافظ معظم المسلمين الصوماليين على حياة منعزلة للغاية. وكما ذكرت فوكس نيوز – وكما رأيت بنفسي خلال رحلات متعددة إلى مينيابوليس لبرنامج فوكس آند فريندز – بالنسبة للسكان الصوماليين في الأحياء الحضرية الكبيرة، من الممكن ممارسة أعمالهم اليومية دون التفاعل مع أي شخص غير صومالي. تجوّلتُ في شوارع “مقديشيو الصغيرة” في مينيابوليس لساعات، والتقيت بمسلمين صوماليين، يعيش الكثير منهم في مينيسوتا منذ سنوات، ومعظمهم لا يجيد الإنجليزية. عندما سألتُ مراهقًا صوماليًّا محليًّا عما إذا كانت مدرسته الإسلامية تُدرّس القانون الأمريكي والدستور الأمريكي، بدا عليه الحيرة وقال: “في الواقع، ليس لديّ أدنى فكرة عن ذلك”. وعندما سُئل عما إذا كانت تُدرّس الشريعة الإسلامية، أجاب بسرعة: “نعم، الشريعة الإسلامية”.
تُموّل المملكة العربية السعودية وجماعة الإخوان المسلمين العديد من المساجد في مينيسوتا – كما خمّنتَ -. هذه ليست مصادفة، إنها حملة. لقد تعلّم الشباب المسلمون في هذه المساجد أنهم ضحايا الإمبريالية الأمريكية، وليسوا من أنقذتهم أمريكا.
كيف يُمكن تفسير التطرف الإسلامي المُتفشي في ولاية مينيسوتا الشمالية؟ أمام أعيننا، لا يُجيز الديمقراطيون في مينيسوتا هذه الأفعال فحسب، بل يدعمونها أيضًا. وقد وبخ حاكم مينيسوتا السابق، مارك دايتون، وهو ديمقراطي، مواطني مينيسوتا نيابةً عن المهاجرين الصوماليين المسلمين، قائلًا: “على كل من لا يقبل حقكم في التواجد هنا، وهذه مينيسوتا، أن يبحث عن ولاية أخرى”. بعبارة أخرى، على الأمريكيين المغادرة، لا اللاجئين الذين يُغذّون التطرف!
بعد رحلة قمتُ بها مؤخرًا إلى مول أمريكا، شرح لي أحد أفراد عائلتي بالتفصيل كيف عَرضت ثلاث عارضات أزياء أمام قسم النساء في متجر ميسي، اثنتان منهما ترتديان الحجاب الإسلامي في مول أمريكا. وبالحديث عن الحجاب، منحته الهيئة التشريعية في مينيسوتا مؤخرًا وضعًا خاصًّا أيضًا. عندما أُقرّ مشروع قانون جديد للهواتف المحمولة “بدون استخدام اليدين” – والذي يحدّ من استخدام سائقي مينيسوتا للهواتف المحمولة أثناء القيادة – أُضيف استثناء خاص: “استخدام الوشاح أو الحجاب أو أي قطعة ملابس أخرى لحمل الجهاز بدون استخدام اليدين” مسموح به. لا يمكنني وضع هاتفي المحمول في قبعة البيسبول، لكن الحجاب حلال! أيّد الديمقراطيون في مينيسوتا مشروع القانون، لكن صوّت لصالحه أيضًا العديد من الجمهوريين “الضعاف” في مينيسوتا – قائلين: إنهم يريدون فقط أن يكونوا “شاملين”!
هذه هي الثقافة السائدة، ولكن هناك أيضًا الإرهاب. قبل صعود داعش، كانت هناك بالفعل مشكلةٌ تتمثل في ذهاب المسلمين الصوماليين في مينيسوتا للقتال مع حركة الشباب، الجماعة الإسلامية التي تقاتل في الصومال. في البداية، اعتقد الكثيرون أن هذه الحقيقة تستند فقط إلى صلة محلية بالصراع. ولكن بعد صعود داعش في العراق وسورية، قاد شباب مسلمون في مينيسوتا حملة الانضمام إلى “دولة الخلافة”. لم ترسل أي ولاية أمريكية المزيد من سكانها للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية. كيف تفسر ذلك؟ الحقيقة هي أن مينيسوتا انعكاسٌ شبه مثالي لأوروبا: منفتحةٌ تمامًا، ومعتذرةٌ تمامًا، وجاهلةٌ عن عمد، ومتسامحةٌ بشكلٍ غبي. يدعو أئمة مساجد مينيسوتا إلى التطرف المتعصب، بينما تواجه النساء الصوماليات في مينيسوتا اضطهادًا دينيًّا قاسيًّا مثل تشويه الأعضاء التناسلية القسري (يقصد الختان). ينظر اليساريون في مينيسوتا إلى الاندماج في القيم الأمريكية على أنه تعصب، مما يؤجج العداء لأمريكا.”
وفي وقت مبكر يشرح هيجسيث بشيء من التفصيل نظرة المعسكر المحافظ للتجارة العالمية وبعض جذور فكرة التعريفات الجمركية التي عصف بها ترامب مؤخرًا بأسواق العالم التجارية والمالية. يقول:
“خيانة اقتصادية؟
هل أمازون شركة أمريكية؟ ماذا عن أبل؟ أو جوجل؟ أو نايكي؟ عناوين مقراتها الرئيسة تقول ذلك، لكن أفعالها تقول غير ذلك. اليوم، لا يُطلب من الشركات التي تأسست وتعمل وتربح في أمريكا – أو حتى تُشجَّع – على إظهار أي ولاء لاقتصاد السوق الحر الذي عزز نموها. تستفيد هذه “الشركات متعددة الجنسيات” الآن من مناخ أمريكا الداعم للأعمال، ثم تبيع أرواحها لدول أجنبية، بينما “تُظهر استخفافًا” بالبلد التي أنجبتها. والأسوأ من ذلك، أنها تُشجع أعداءنا، وعلى رأسهم الصين. الولاء الوطني لا يُهم كثيرًا في وول ستريت ووادي السيليكون.
يريد أصحاب العولمة الشركاتية نفس نظام السيطرة المركزية كما هو الحال في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، واستراتيجيتهم هي إخضاع العامل الأمريكي مقابل العمالة الرخيصة من الصين الشيوعية ودول المخدرات مثل المكسيك. هذا يُضعف النسيج الاجتماعي الأمريكي بطرد الطبقة الوسطى من العمل، بينما يبني الطبقات الحاكمة في الدول المعادية. يضغط أصحاب العولمة الشركاتية على الجمهوريين والديمقراطيين لمنع المنافسة في هذا البلد، مما يُبقي نفوذهم معزولًا عن قوى السوق الحرة. يُمثل هذا التدفق الحر لرأس المال خارج أمريكا خطرًا أمنيًّا جسيمًا، وهو ما ترحب به وول ستريت ووادي السيليكون، اللذان لديهما مصالح مالية في هذه الأسواق الناشئة. لا شك أن العولمة الشركاتية هي اشتراكية دولية. نايجل فاراج، أحد قادة حركة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يتحدث كثيرًا عن امتيازات “الشركات متعددة الجنسيات”، التي نمت هيمنتها لدرجة أنها “أصبحت أقوى من الدول التي تقيم فيها”.
في بعض الحالات، تتحايل الشركات بالفعل على قدرة الدولة على الدفاع عن نفسها من التهديدات. أمازون وأبل وألفابت (جوجل) هي أكبر الأمثلة المتورطة في نقل التكنولوجيا وبيانات المراقبة والعقود الأجنبية التي تتعارض مع مصالح وأمن الولايات المتحدة. إنهم يوقعون حرفيًّا عقودًا مع حكومات أجنبية – وخاصة الصين – تمكنهم من التحايل على الضرائب والمنافسة الأمريكية مع إثراء أكثر الأنظمة استبدادًا في العالم.
كانت اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا) أيضًا بمثابة عولمة متخفية تحت ستار “التجارة الحرة” – وهي صفقة مربحة لليسار. ومثل معظم/جميع اتفاقياتنا التجارية المبرمة مع مجموعات من الدول، كانت صفقة خاسرة للولايات المتحدة ورابحة لكندا والمكسيك. كما أشار الرئيس على تويتر عام ٢٠١٨، “تفرض كندا على الولايات المتحدة رسومًا جمركية بنسبة ٢٧٠٪ على منتجات الألبان. لم يخبروك بذلك، أليس كذلك؟ هذا ليس عدلًا لمزارعينا!” إن مثل هذه الساحات التجارية غير المتوازنة هي السبب وراء إعادة الرئيس ترامب التفاوض على اتفاقيات التجارة متعددة الأطراف (بين العديد من الدول) التي أضرت باقتصادنا – أو ببساطة الانسحاب منها – ودخوله بدلًا من ذلك في اتفاقيات تجارية ثنائية (بين دولة ودولة) كلما أمكن ذلك.
كانت اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ (TPP) التي تم رفعها الآن ستمنح مزايا هائلة للدول الأخرى، وإذا ثبت أن هذه الدول تنتهك واجباتها بموجب الاتفاقية، فيمكنها فعل ذلك دون عقاب. إن الصفقات التي لا تترتب عليها عواقب على الغش هي مجرد سجون أحادية الجانب للدول، مثل أمريكا، التي تلتزم وتتعامل وفقًا للقواعد.
لم يقتصر فيروس العولمة على إصابة قطاع التكنولوجيا فحسب؛ بل إن المؤسسات الأمريكية الشهيرة تنحني أمام العولميين والشيوعيين من أجل المشاركة – حرفيًّا ومجازيًّا. خذ الرابطة الوطنية لكرة السلة (NBA)، على سبيل المثال. في أكتوبر 2019، غرّد داريل موري، المدير العام لفريق هيوستن روكتس في الرابطة، دعمًا للمتظاهرين المناهضين للصين والمؤيدين للحرية في هونج كونج، قائلًا: “ناضلوا من أجل الحرية. قف مع هونج كونج”!
قد يظن المرء أن هذا شعورٌ عادل في بلدٍ حر. لكن بدلًا من ذلك، انقضّت صيحات العولمة عليه وعلى الرابطة الوطنية لكرة السلة (NBA) بقوةٍ ساحقة. سارع موري إلى حذف التغريدة واعتذر قائلًا: “لم أقصد من تغريدتي الإساءة إلى جماهير روكتس وأصدقائي في الصين. كنتُ أُعبّر عن فكرة واحدة، بناءً على تفسير واحد، لحدث مُعقّد. لقد أتيحت لي فرصٌ كثيرة منذ تلك التغريدة لسماع وجهات نظر أخرى والنظر فيها.
تعرّض لاعبو دوري كرة السلة الأمريكي للمحترفين، بقيادة فلاسفة مثل ليبرون جيمس، لضغوط لدعم الصينيين، قامعين طواعيةً حريتهم في التعبير. هؤلاء اللاعبون أنفسهم حاربوا دوري كرة السلة الأمريكي للمحترفين – وانتصروا – من أجل تعزيز قضايا العدالة الاجتماعية الخاصة بهم قبل بضع سنوات فقط!
ولكن عندما يتعلق الأمر بالصين، رضخ دوري كرة السلة الأمريكي للمحترفين وشركة نايكي. لماذا؟ لأنه في عام 2018، قُدّرت أعمال دوري كرة السلة الأمريكي للمحترفين في الصين بنحو 4 مليارات دولار. أما تجارة الأحذية الرياضية في الصين فهي أكبر من ذلك، حيث حققت نايكي وحدها أكثر من 6 مليارات دولار من المبيعات الصينية في عام 2018.
العديد من الشركات تخشى الصينيين، وباسم الوصول إلى جمهور أوسع، تتخلى عن المزايا التي اكتسبناها بشق الأنفس والتي نعتز بها.
من المهم الإشارة إلى أن كبح جماح الشركات الأمريكية العالمية الخارجة عن السيطرة لا يعني بالضرورة سيطرة الحكومة على تلك الكيانات. بل على العكس تمامًا. يجب منع شركات مثل أمازون، التي تقدم خدمات سحابية للجيش الصيني، من الحصول على عقود لخدمات السحابة من وكالات استخباراتنا وجيشنا. والأفضل من ذلك، يجب منعها من القيام بأي عمل يعود بالنفع على الصين الشيوعية وجيشها. يمكن للشركات الأمريكية تصنيع الأجهزة في الصين، ولكن عليها دفع الضرائب في أمريكا والولاء للدولة التي أغنتها. هذا منطق سليم. يجب منح عقود الحكومة الأمريكية فقط للشركات التي تُظهر وطنية اقتصادية مؤيدة لأمريكا. لا يمكن لمؤيدي السوق الحرة أن يكونوا متشددين إلى هذا الحد في هذه القضية. لا يمكننا أن نعتبر هراء مراكز الأبحاث المحافظة في واشنطن العاصمة حول “مخاطر” الرسوم الجمركية أداة للتفاوض أمرًا مسلمًا به. لقد قيدتنا النخب العالمية بالصين الشيوعية، ثم سمّتها حرية و”تجارة حرة”. لحسن الحظ، أثبت ترامب أن الرسوم الجمركية أداة فعّالة لتنبيه خصومنا وإطلاق العنان للتجارة الحرة الحقيقية. من الصين إلى المكسيك وصولًا إلى الاتحاد الأوروبي، يُنذر شركاءنا بأن اتفاقيات التجارة غير العادلة قد انتهت، وأن العمال والصناعات الأمريكية ستحظى بالحماية!
الحلم الصيني:
هل يعتقد أي أمريكي عاقل أن الصين الشيوعية صديقة لنا؟ أي شخص؟ بالطبع لا!” (ص 89)
وفي إشارة مبكرة أخرى (في عام 2019) يتعرض المؤلف لخطورة شح المعادن النادرة اللازمة للصناعة الأمريكية، فيقول:
“على الصعيد العسكري، تعتمد العديد من أسلحتنا عالية التقنية على معادن “أرضية نادرة” مستوردة من الصين. كنا نستخرج هذه المعادن هنا في الولايات المتحدة، ولكن بسبب اللوائح البيئية، أصبحت التكاليف باهظة. شكرًا أيها الديمقراطيون! في مايو 2019، حذرت الصين الولايات المتحدة صراحةً من أنها ستنظر في تعطيل إمدادات هذه المعادن. نشرت صحيفة الشعب اليومية افتتاحية بهذا السطر: “ننصح الجانب الأمريكي بعدم الاستهانة بقدرة الجانب الصيني على حماية حقوقه ومصالحه التنموية. لا تقل إننا لم نحذرك!”. إنها قضية أمن قومي ضخمة؛ حالة طوارئ حقيقية. يقول الرئيس ترامب كثيرًا، وبعبارات صريحة: “إذا لم تتمكن من صنع الفولاذ، فلن يكون لديك دولة”. إذا كنت تعتمد على دول أخرى في بناء الإنشاءات المعقدة والتصنيع والحرب، فأنت في ورطة. ما لم نتمكن من دعم شبكة الكهرباء لدينا هنا، وتوليد طاقتنا هنا، وبناء سفننا ودباباتنا وطائراتنا هنا، فإننا مدينون لدول أخرى، دول غير حرة. تصدير التصنيع يضر باقتصادنا؛ إنه شكل آخر من أشكال الانتحار الوطني.
لحسن الحظ، من خلال سياساته المؤيدة للأعمال، أعاد الرئيس “العصا السحرية” للتصنيع الأمريكي، والنتائج تتحدث عن نفسها.
بفضل السياسات الأمريكية العالمية الساذجة والحمقاء، تتقدم الصين بالفعل على بلدنا في العديد من التقنيات الحيوية: طائرات مقاتلة من الجيل التالي، ونقل البيانات عالي السرعة، والصواريخ بعيدة المدى، وتسليح الفضاء. على سبيل المثال، في عام 2016، أطلقت الصين القمر الصناعي (Aolong-1 Roaming Dragon-1)، والذي يتميز بذراع آلية قادرة على التقاط الأشياء في المدار.” ص 92.
يخوض هيجسيث بعد ذلك في أدلة كثيرة على عداوة الصين الظاهرة والباطنة، وتغلغلها العميق في كل المؤسسات الأمريكية، من الجامعات إلى الصناعة والترفيه، ويختم بقوله:
“على أراضينا، وصلت معاهد كونفوشيوس – “المراكز الثقافية” الصينية – إلى الجامعات الأمريكية بوتيرة مذهلة؛ ستة وثمانون مركزًا، جميعها تأسست خلال الخمسة عشر عامًا الماضية! تمول الحكومة الصينية هذه المراكز تحت ستار تعزيز التفاهم المتبادل وإعداد الطلاب للتعامل مع الاقتصاد المعولم بشكل متزايد. وصف لي تشانغ تشون، المسؤول الحكومي الصيني، هذه المراكز بعبارات أكثر دقة: “يُعدّ معهد كونفوشيوس علامةً جذابةً لتوسيع ثقافتنا في الخارج. لقد أسهم إسهامًا مهمًّا في تعزيز قوتنا الناعمة. تتمتع علامة “كونفوشيوس” بجاذبية طبيعية. وبذريعة تدريس اللغة الصينية، يبدو كل شيء معقولًا ومنطقيًا”. إنهم لا يخفون ذلك حتى – لأن جامعاتنا “المتنوعة” تتملقهم.
مرة أخرى، اليساريون يساعدون زملاءهم اليساريين. هل لي أن أسأل: أين مراكز “واشنطن” أو “لينكولن” في الجامعات الصينية؟ أنت تعرف الإجابة. لقد أتقنت الصين فن المعايير المزدوجة للعولمة: انفتحوا لنا، لكننا لن ننفتح لكم. يمكننا شراء أرضكم، لكن لا يمكنكم شراء أرضنا. سنأخذ أموالكم بكل سرور، لكننا لن نحتضن حريتكم أبدًا!
“العولمة” بالنسبة للصين هي حرب متنكرة في زي السلام: حرب تكنولوجية، وحرب ثقافية، وحرب تجارية، وحرب عسكرية. لدى الصين حلم – يُطلق عليه الحلم الصيني – وينتهي بإعادة تأسيس الإمبراطورية الصينية السابقة.
لهذا السبب يصف الرئيس ترامب سياساتنا التجارية والسيادية بأنها “غبية” – لأنها كذلك. إذا لم نقف في وجه الصين الشيوعية الآن، فسنقف للنشيد الوطني الصيني يومًا ما!”.
وحتى نظرة “أمريكا الجديدة” إلى الناتو وأوروبا وتركيا وأردوغان والتحالفات الدولية “الشكلية” تراها هنا أيضًا مبكرًا (في 2019) بنفس الازدراء والتعالي. يقول في فقرة مطولة عن الناتو والتحالف الدولي من خمسين دولة في أفغانستان:
“العولمة الحمقاء:
عندما خدمتُ في أفغانستان، كان ذلك ضمن مهمة تابعة لحلف شمال الأطلسي (الناتو). كنتُ جزءًا من قوة المساعدة الأمنية الدولية (إيساف). على زيّي العسكري المموه، كنتُ أرتدي العلم الأمريكي على أحد كتفيَّ وشارة إيساف على الآخر. كانت النكتة الشائعة بين القوات الأمريكية في أفغانستان أن شارة إيساف ISAF ترمز في الواقع إلى عبارة “رأيتُ أمريكيين يقاتلون”.
كما ترون، ارتدى عسكريون من خمسين دولة تلك الشارة، لكن قلة منهم فقط قاتلوا فعليًّا. كانت هناك قوات أمريكية في كل مكان، وعدد قليل من القوات البريطانية والكندية والأسترالية أيضًا. حتى في ذلك الوقت، منعتهم القيود السياسية للدول الأخرى في ساحة المعركة من خوض قتال متواصل؛ وفي بعض الحالات، لم يخوضوا أي قتال على الإطلاق. قاتل الأمريكيون، بينما كان “حلفاؤنا” في الناتو في الغالب غير راغبين أو غير قادرين على المساعدة.
في مناسبات قليلة، سافرتُ عبر مقر قوة المساعدة الأمنية الدولية في كابول، وهي قاعدة جميلة ومترامية الأطراف في قلب دولة من دول العالم الثالث. لكن كل ذلك كان خدعة. كان الجميع يعلم أنها حرب الولايات المتحدة تقريبًا، بتسعة وأربعين جنديًّا. خمسون راية، وجيش واحد.
“كان لدى المنغول في قاعدتنا ثلاث مهام يوميًّا: القيادة إلى قاعة الطعام لتناول الإفطار والغداء والعشاء – في عربات همفي كنا مجبرين على إعطائهم إياها. لم يغادروا السلك أبدًا، ولم يقاتلوا أبدًا. دول أخرى قدمت أقل. كنا نمزح بشأن ذلك آنذاك، لكنه خطير للغاية اليوم.
الناتو ليس تحالفًا؛ إنه ترتيب دفاعي لأوروبا، تموّله وتؤمّنه الولايات المتحدة. ولكن ماذا لو تغيّر العالم؟ ماذا لو لم تُعِد الدول الأوروبية بناء جيوشها بعد الحرب العالمية الثانية؟ ماذا لو تفكك الاتحاد السوفيتي؟ ماذا لو ظهر أعداء أكبر؟ ماذا لو قررت دولة عضو في الناتو أن تصبح إسلامية وتأخذ أوروبا رهينة بدلًا من ذلك؟ لقد حدث كل هذا السيناريو. ما الذي ندفع ثمنه؟ وكيف يخدم التحالف أمريكا؟ كان الناتو فكرة رائعة آنذاك، وهو – في أحسن الأحوال – مجرد تشتيت للانتباه اليوم. لم يُجدِ نفعًا عندما قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاستيلاء على شبه جزيرة القرم قبل بضع سنوات. لا تستطيع أوروبا الدفاع عن نفسها – وهذا ليس ذنبنا بعد سبعين عامًا من الحرب العالمية الثانية.
سيقول النقاد، وأنا أسمعهم الآن: “أنتم مخطئون تمامًا! ربما لم تكن المهمة في أفغانستان مثالية، لكن الناتو لا يزال مهمًّا جدًّا في احتواء روسيا العدوانية. الناتو ليس عولمةً، إنه تحالف طوعي بين دول متشابهة التفكير”.
لقد سمعت كل هذا من قبل. لكن قول هذه الأشياء لا يجعلها كذلك. تأسس حلف شمال الأطلسي (الناتو) بعد الحرب العالمية الثانية لتوفير الأمن الجماعي ضد الاتحاد السوفيتي. كان تحالفًا فريدًا ومميزًا ذا أهمية بالغة. لعب الناتو دورًا كبيرًا في كبح جماح الاتحاد السوفيتي حتى هُزم في النهاية وتفكك – في الوقت الحالي – إلى روسيا وعدد من الدول الأصغر.
في الواقع، كان رونالد ريجان والبابا يوحنا بولس الثاني ورئيسة الوزراء البريطانية مارجريت تاتشر هم من أسقطوا الاتحاد السوفيتي معًا، ولكن من يُحسب له حساب؟ اليوم، يُعد الناتو مثالًا رائعًا على العولمة الحمقاء.
يدّعي “خبراء” الأمن القومي أن الناتو لا غنى عنه. حقًا؟ لمن؟ لقد سمحت أوروبا لنفسها بالغزو بالفعل. اختارت عدم إعادة بناء جيوشها، مُرضعةً بسعادة ثدي أمريكا استعدادها للقتال والفوز في الحروب.
والأسوأ من ذلك، خذ تركيا، العضو الكامل في حلف شمال الأطلسي منذ عام ١٩٥١. اعتقد خبراء السياسة الخارجية آنذاك أن السماح لها بالانضمام إلى النادي سيُقرّب حكومتها من الغرب وقيمنا الغربية! نجح الأمر لفترة من الوقت، لكنه انهار اليوم. بدلًا من ذلك، وكما حدث مع الصين، حدث العكس: قرر الرئيس رجب طيب أردوغان رفض التقليد العلماني لمؤسساته. ففكك الجيش الذي دربته منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) والذي حافظ طويلًا على المؤسسات العلمانية في تركيا. وتجاهل الانتخابات الشعبية، ويحلم علنًا باستعادة الإمبراطورية العثمانية. إنه إسلامي ذو رؤى إسلامية للشرق الأوسط. ومع ذلك، تعهد أعضاء الناتو بالدفاع عن نظامه؟ في آخر مرة تحققت فيها، لم يكن هذا هو هدف الناتو.
لقد لخص وزير الخارجية مايكل بومبيو الأمر بشكل جيد في خطاب ألقاه في مايو 2019: “أصبحت أمريكا أيضًا منفلتة من عقالها، ومنفصلة عن المنطق السليم. لقد انحرفت المؤسسات، المؤسسات التي بنيناها للدفاع عن العالم الحرِّ ضد التهديد السوفيتي، عن مهمتها الأصلية. في الواقع، أصبح بعضها معاديًا بشكل مباشر لمصالحنا، بينما التزمنا الصمت.
لقد وقعنا على اتفاقيات تجارية ساعدت في تفريغ الطبقة الوسطى لدينا. لقد ضحينا بالقدرة التنافسية الأمريكية من أجل إشادات الأمم المتحدة ونشطاء المناخ. وانخرطنا في صراعات دون إدراك واضح لرسالتنا. انتهى الأمر.” (ص 96).
الفصل السادس “الجندرة: الأنوثة السامة والذكور بيتا”[5]:
يصف المؤلف نظرته الدينية والسياسية لهذا “العدو الداخلي” على النحو التالي:
“إن نسبة من يدعمون التمييز الجندري بشكل كامل ضئيلة في الواقع، لكنهم يشغلون مناصب نافذة في مدارسنا وثقافتنا وحكومتنا. ولذلك، يستخدمون الخوف من أن يُنظر إليهم على أنهم “تمييزيون” كوسيلة لإسكات ذوي النوايا الحسنة، والذين قد يختلفون اختلافًا طفيفًا حول أدوار ووظائف الرجال والنساء. وهنا يأتي دور المنطق السليم؛ فالرجال والنساء مختلفون، ويستغلون هذه الاختلافات التي وهبها الله لهم، لكن اليوم يُطلب منا ألا نعترف حتى بهذه الاختلافات. والأسوأ من ذلك، وخلافًا لكل منطق سليم، يُطلب منا محو الجنس كتعريف للإنسان، “لأن بعض الخصائص ببساطة ليست ذات قيمة لليساريين في القرن الحادي والعشرين”!”.
تحذير: التقاطع[6] قادم:
لنخطو خطوة أخرى خطيرة وغير منطقية إلى الأمام. هل تريد معادلة جندرية مُربكة؟ جرب هذا لتكتشف:
النسوية + اليسارية + العنصرية = “التقاطعية” أو النسوية التقاطعية.
بصراحة، لا أريد حتى أن أعطي قيمة لهذه المصطلحات، لكنها في صدارة المشهد السياسي اليساري اليوم. لقد أشار جميع الديمقراطيين في انتخابات 2020 إليها في وقتٍ ما. إذا لم تسمعوا بمصطلح “التقاطعية”، فتابعونا – ستسمعونه قريبًا يُردد بتجهمٍ ونبرةٍ فكريةٍ مصطنعةٍ أكثر فأكثر.
إليكم مقتطفًا حديثًا من تعريفٍ من ويكيبيديا (والذي من المؤكد أنه قد تغير مئات المرات منذ أن نسخته): “التقاطعية، وتُسمى أيضًا النسوية التقاطعية، هي فرعٌ من النسوية يؤكد كيف تتداخل أو (تتقاطع) جميع جوانب التمييز على أساس الهويات الاجتماعية والسياسية؛ (الجنس، العرق، الطبقة، التوجه الجنسي، الإعاقة، إلخ) – على سبيل المثال، العرق مع الجنس في حالة المرأة السوداء.
“تحلّ بالشجاعة:
لا أعتذر عن ذكر حقيقة بيولوجية بسيطة – جنسان، ذكر وأنثى – لأنه لا يوجد أي كراهية أو أحكام في هذا التصريح. أنا متسامح مع الطريقة التي يريد الناس أن يعيشوا بها وكيف يريدون تحديد هويتهم؛ لكنني لست مضطرًا لتغيير حياتي باستمرار حتى لا أسيء إلى اليسار وهو يغير مساره نحو الإساءات. وبالتأكيد لست مضطرًا للاعتذار عن كوني أنا. هذا هو تعريف التسامح. لا كراهية هنا، فقط المنطق السليم. عندما ننكر الحقائق الأكثر وضوحًا، فإننا نؤذي كلًا من الأولاد والبنات – وخاصة الأولاد. أمريكا بحاجة إلى رجال ذوي رجولة أكثر من أي وقت مضى.
عبّر عن رأيك، واحضر اجتماعات مجلس إدارة المدرسة، والتقِ بمديرك، وتحدث إلى أطفالك، وهيئهم لجنون الجنس. قدّم حججًا منطقية مع احترام خصوصية الناس وحقهم في الحياة والحرية والسعي وراء السعادة.
كآباء – حتى لو كنت تعيش في عالم مقلوب – فأنت لا تزال تحكم منزلك. ارفض التجاوزات الثقافية، وعلّم أولادك أن يكونوا رجالًا وبناتك أن يكنَّ نساءً – واحرص على رعاية نقاط القوة التي وهبها الله لهم وشخصياتهم الفريدة. لا تُدللهم ولا تُضعفهم.
هذه معركة حاسمة للمناضلين الأمريكيين. كن ذلك الوالد الذي يعترض في اجتماع رابطة أولياء الأمور والمعلمين. نظّم آباءً ذوي تفكير مماثل. إذا كنت تعيش في منطقة ذات أجواء زرقاء داكنة من البلاد (أي ولايات ديمقراطية)، ففكّر في التعليم المنزلي مع عائلات أخرى. أصرّ على النسوية السليمة والذكورة السليمة. قاتل وانتصر. (ص 118).
الفصل السابع: “الاشتراكية: هل ستنجح هذه المرة”؟
يفتتحه باقتباسين:
الأول لوينستون تشرشل: “الاشتراكية هي فلسفة الفشل، وعقيدة الجهل، وإنجيل الحسد.”.
والثاني لمارجريت تاتشر: “مشكلة الاشتراكية هي أنها ستستنفد في النهاية أموال الآخرين.”.
ثم يتساءل: “هل كان المسيح اشتراكيا”؟
هذا ملخص رده الطويل عن هذا السؤال، ليصل إلى أن الاشتراكية تتعارض جوهريًّا مع المسيحية، فيقول:
“الاشتراكية هي تركيز السلطة في أيدي النخب الحكومية لتحقيق الأغراض التالية: التخطيط المركزي للاقتصاد وإعادة التوزيع الجذري للثروة. لم يدعُ يسوع قط إلى أيٍّ من ذلك. لا يدعو المسيح في أي موضع من العهد الجديد الحكومة إلى معاقبة الأغنياء، أو حتى استخدام أموال الضرائب لمساعدة “الفقراء”. كما أنه لا يروج لفكرة ملكية الدولة للشركات أو التخطيط المركزي للاقتصاد، …
دعني أقرأ لك قراءة موجزة من الكتاب المقدس، اعتبرها درسك لهذا اليوم. في إنجيل متى، الإصحاح ٢٥، يروي يسوع، وهو يعظ على جبل الزيتون خارج القدس، ضاربًا هذا المثل:
“كرجل مسافر، دعا عبيده وسلمهم ثروته. فأعطى أحدهم خمسة أكياس من الذهب، وآخر كيسَين، وثالثًا كيسًا واحدًا، كلٌّ حسب طاقته، ثم انطلق في رحلته.
فذهب الرجل الذي حصل على خمسة أكياس من الذهب فورًا، واشتغل بأمواله، فربح خمسة أكياس أخرى. وهكذا أيضًا، ربح صاحب الكيسين اثنين آخرين.
أما الرجل الذي أخذ كيسًا واحدًا، فحفر حفرة في الأرض، وأخفى مال سيده. وبعد زمان، عاد سيد هؤلاء العبيد وحاسبهم؛ فأحضر الرجل الذي أخذ خمسة أكياس من الذهب الخمسة الأخرى. وقال: “يا سيدي، لقد أوكلت إليّ خمسة أكياس من الذهب. انظر، لقد ربحت خمسة أخرى”. فأجاب سيده: “أحسنت أيها العبد الصالح الأمين! كنت أمينًا في القليل، وسأجعلك مسؤولًا عن الكثير. تعال وشارك سيدك فرحته!”
“وجاء الرجل ذو الكيسين من الذهب أيضًا وقال: “سيدي لقد عهدت إليّ بكيسين من الذهب؛ انظر، لقد ربحت اثنين آخرين.” أجاب سيده، “أحسنت أيها العبد الصالح والأمين! لقد كنت أمينًا في القليل؛ سأجعلك مسؤولًا عن أشياء كثيرة. تعال وشارك سيدك في فرحه!”
ثم جاء الرجل الذي أخذ كيسًا واحدًا من الذهب وقال: “سيدي كنت أعرف أنك رجل قاسٍ، تحصد حيث لم تزرع وتجمع حيث لم تبذر البذور. لذلك خفتُ وخرجت وأخفيت ذهبك في الأرض. انظر، تفضل هذا مالك.” أجاب سيده، “أيها العبد الشرير الكسول! هل عرفت أنني أحصد حيث لم أزرع وأجمع حيث لم أبذر البذور؟ حسنًا، إذًا، كان ينبغي لك أن “تودع مالي عند الصيارفة، حتى إذا رجعت استرده مع الفائدة”.
ثم قال المسيح: “خذوا منه كيس الذهب وأعطوه لصاحب العشرة أكياس. فمن كان عنده يُعطى أكثر، فيزداد. ومن ليس عنده، يُؤخذ منه حتى ما عنده. وألقوا ذلك العبد الباطل خارجًا في الظلمة، حيث يكون البكاء وصرير الأسنان”!”.
وفي إنجيل متى أيضًا، ضرب يسوع مثل العمال في الكرم، حيث يروي قصة صاحب أرض استأجر عمالًا لكرمه. كان يدفع للعمال في الصباح أجرًا معينًا (دينارًا واحدًا)، ولكن مع مرور اليوم، كان يستأجر عمالًا آخرين بنفس الأجر، مع أنهم كانوا يعملون لوقت أقل. تذمر العمال الأوائل لصاحب الأرض قائلين: “هؤلاء الذين استُؤجروا آخرًا عملوا ساعة واحدة فقط، وقد ساويتهم بنا نحن الذين تحملنا ثقل العمل وحرّ النهار. وبدلًا من أن يشعر بألمهم، نقل يسوع رسالة صاحب الأرض بهذه الطريقة، إذ أجاب أحدهم: “أنا لا أظلمك يا صديقي. ألم ترضَ أن تعمل بدينار؟ خذ أجرك واذهب. أريد أن أعطي الذي استُؤجر مؤخرًا نفس ما أعطيتك إياه. أليس من حقي أن أفعل بمالي ما أشاء؟ أم أنك تحسدني لأني كريم؟!”.
مع أن هذه الرسائل في جوهرها رسائل خلاص، إلا أن يسوع فيها يُقرّ بالإطار الرأسمالي المنبثق من القانون الطبيعي، تمامًا “كما فعل العهد القديم (للمزيد حول ذلك، انظر كتاب جون لوك “رسالتان في الحكومة”).
ومن أهم هذه المبادئ الاعتراف بالملكية الخاصة والدخول الطوعي في عقود مباشرة بين صاحب العمل والموظف.
ومن المواضيع الأساسية الأخرى في الأخلاقيات القائمة على القانون الطبيعي/الرأسمالية: العمل الفردي الجاد، والفائدة، وعائد الاستثمار، ومحاربة الكسل، وقانون العرض والطلب.
وقال المسيح أيضًا: “أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله”. بهذه الجملة الواحدة، أرسى الشكل الصحيح للفصل بين الدين والدولة، وهو ما شكّل منذ ذلك الحين ركيزةً أساسيةً في الغرب، سياسيًّا واقتصاديًّا. علّم يسوع أنه ينبغي لنا، كأفراد، أن نكون أخيارًا وكرماء ومتسامحين، وأن نهتم بالفقراء. لكنه لم يُعلّم قط أن على الحكومة أن تقوم بهذه الأمور نيابةً عنا؛ فعمل قيصر هو عمل قيصر”.
ويختم إجابته بالطريقة الشعبوية المعتادة:
“ببساطة، لمساعدة الأقل حظًّا، تبرع بأموالك الخاصة، لا بأموال الآخرين.
مهما كان تفسيرك للأمر، فإن الاشتراكية تتعارض جوهريًّا مع تعاليم يسوع. لذا، لا، لم يكن يسوع اشتراكيًّا. بل كان رأسماليًّا، مُدركًا تمامًا أن الثروة يُمكن إساءة استخدامها، وأن حب المال مُفسد للروح. قال: “أقول لكم مرة أخرى: إن مرور الجمل من ثقب إبرة أيسر من دخول الغني ملكوت الله”. إذا سمحت لثروتك أن تُعيق إيمانك، فهذه مشكلتك.
المعادلة التي تعرف بها إذا كنت تعيش في نظام اشتراكي:
الاقتصاد + اليسارية = اشتراكية.
كما أن العكس هو:
الاقتصاد + الحرية = رأسمالية.” (ص 125).
الفصل الثامن: “العلمانية: إبعاد الإله عن أمريكا”:
يبدؤه المؤلف بهذه القصة:
“بعد انتخاب دونالد ترامب عام ٢٠١٦، كان من أقوى الأحداث التي شهدتها بلادنا – ولي شخصيًّا – اعتناق مغني الراب كاني ويست المسيحية. هل كان اعتناق مغني راب للمسيحية لحظة مؤثرة في أمريكا وفي حياتي؟ نعم، كان كذلك.
في البداية، مثل كثيرين غيري، كنت متشككًا في صدقه. هل هذه حيلة علاقات عامة؟ لكن عندما شاهدت كاني ويست مباشرةً واستمعت إلى أغانيه، اقتنعت تمامًا. إنه يحب المسيح، ويريد أن يشارك حبه مع العالم. والأفضل من ذلك، أنه بذل قصارى جهده، ولم يكتفِ بحياة إيمانية خاصة لحماية صورته الرمزية. يا لها من جرعة أدرينالين للفريق المحلي! إذا كان كاني ويست معنا، فمن ضدنا؟
كاني ويست رجل متحول للدين، لكنه ليس رجلًا بلا ذنوب. وكما يحدث غالبًا – عبر التاريخ وفي بلدنا – يصبح أكثر الناس نقصًا أفضل الدعاة إذا تحولوا إلى الدين.
أحد مقومات الإيمان ما يشير إليه كاني من حقيقة أن والديه ربياه في الكنيسة وعلماه الكتاب المقدس. لقد اختار – كما يفعل الكثير منا – تجاهل الكثير منه ورسم مساره الخاص. لكن الأساس كان موجودًا. كان يعرف القصص والإنجيل والحقيقة. مثل الابن الضال، استغرق الأمر بعض الوقت ليعود إلى المنزل. اليوم يغني، “الله ملك، نحن الجنود”. آمين، أخي كاني. لدينا جميعًا مسارات ملتوية. الخطاة يخلصون بالنعمة فقط. يعمل الله حسب تقديره وحكمته. أشكر والديّ كل يوم على إعطائي نفس الأساس.
من بين جميع الأولويات التي وضعها والداي لتربيتي وإخوتي، كان الإيمان بيسوع المسيح في المقدمة والمركز – صباح الأحد، ومساء الأربعاء، وكل يوم بينهما. بالنسبة لي، كانت “الكنيسة” مملّةً ونمطية في الغالب – لكنها ظلت عالقة في قلبي. لقد عرّفوني على يسوع، وفي سن مبكرة تم تعميدي. كنت مسئولًا عن الخيارات الدنيوية التي اتخذتها بعد ذلك؛ لكن مهما يكن، لطالما لامسَت حقائق الإيمان قلبي.
عندما كنت مراهقًا، قُدِّر أن تأتي حملة بيلي جراهام الدعوية إلى المدينة عام ١٩٩٩. كانت إحدى التجمعات الكبرى التي أقامها بيلي جراهام في جميع أنحاء أمريكا وحول العالم لعقود، جالبًا ملايين الناس إلى المسيح. دربت كنيستنا المحلية المؤمنين ليكونوا سفراء، مُهيئين لاستقبال والصلاة مع من تقدموا لقبول المسيح مخلصًا لهم.
اصطحبني والداي معهما للتدريب، وكنت في ملعب مترودوم في مينيابوليس عندما ألقى بيلي جراهام خطابه – إنها حملة صليبية أمريكية إن رأيتها من قبل. لا أتذكر العظة، لكن المشهد كان تجمعًا إنجيليًّا لترامب”.
بعد تقديم طويل لفهم هيجسيث للدين، ينتهي بطرح سؤال مباشر: ما العلمانية؟ ويقدم كعادته إجابتين شعبويتين، فيقول:
“المعادلة هي: أمريكا – الله + اليسارية = علمانية.
بدون الله، أمريكا ليست أمريكا. أضف إلى ذلك الأيديولوجية اليسارية، وستجعل العلمانية الحكومة إلهًا.
يعتقد البعض أن العلمانية هي مجرد غياب الدين عن الحكومة. “فصل الدين عن الدولة” هو المفهوم الشائع. هذه العبارة البالية لا تتوافق مع الهدف الحقيقي لقانون الحقوق، الذي ينص على أنه “لا يجوز للكونجرس إصدار أي قانون يتعلق بإقامة دين، أو منع حرية ممارسته”.
ليس لدينا كنيسة تديرها الدولة في أمريكا، ولا ينبغي أن يكون لدينا كنيسة تديرها الدولة. للأمريكيين حرية العبادة كيفما شاؤوا أو لا يمارسونها إطلاقًا. إن مجرد غياب الدين ليس ما أتحدث عنه. العلمانية – كما يقودها اليسار اليوم – أشبه بجهاد ضد المسيحيين واليهود.
تؤمن كنيسة العلمانية في نهاية المطاف بأن اليسار قادر على حل مشاكل البلاد، وبأنه قادر على تكوين آرائه الخاصة حول الصواب والخطأ – بمعزل تام عن التاريخ والكتاب المقدس والحقوق التي كفلها الله.
الحكومة هي الفاتيكان بالنسبة للعلمانيين، والسياسيون المحترفون هم قديسوهم. إنجيلهم الخالي من الرب يتم التبشير به في أرقى “جامعات” أمريكا. أعماهم إيمانهم الجارف بأنفسهم، فعيبهم القاتل هو الكبرياء. الإيمان بالذات وحدها نقيض التواضع، مما يجعل العلمانيين أكثر اليساريين كِبرًا.
يسعى العلمانيون إلى هدم الروابط التاريخية والحديثة بالإيمان في بلدنا، مما يؤدي إلى تفكيك النسيج المجتمعي الذي يحتاجه الأمريكيون ليظلوا شعبًا حرًّا ومستقلًّا ومكتفيًا ذاتيًّا.
“فصل الدين عن الدولة” هو الحجة الرئيسة التي يستخدمها العلمانيون لطرد الإله من كل شبر من بلادنا. ولكن كما لم يعد الكثير من الأمريكيين يعرفون، فإن عبارة “فصل الدين عن الدولة” لم يتم النص عليها لا في إعلان الاستقلال ولا في الدستور. إنها مجرد فولكلور يساري أصبح، بعد سنوات من التلقين والتكرار، عقيدة راسخة!”. (ص 142).
إن ازدراء إدارة ترامب بأوروبا له أيضًا أسباب دينية قوية عند جماعة ترامب وهيجسيث، وهذه الأسباب مرتبكة، فمن ناحية تحاول أن تثبت بتكلف شديد أن أمريكا أُسست على أصول توراتية، وأن الآباء المؤسسين لأمريكا كانت لديهم رؤية واضحة حول التأسيس الإنجيلي لأمريكا (ويستدل بشواهد من شعارات الجامعتين اللتين درس فيهما: برينستون وهارفارد وكيف كان شعار كل منهما مسيحيًّا صرفًا، ثم تحول مع الوقت إلى أجواء العولمة العلمانية).
يعكر على هذه الرؤية وضع أوروبا (والتي منها جاء هؤلاء الآباء المؤسسون)، ويحاولون أن يوفقوا بين الأمرين بأن أمريكا بشعار مثل (روما والقدس أو أثينا والقدس). يحاول هيجسيث شرح هذه المقاربة قرب نهاية الفصل الثامن بقوله:
“نحن بحاجة إلى أثينا والقدس:
سمعتُ مصطلح “أثينا والقدس” لأول مرة من البروفيسور جيفري هارت في كتابه الرائع “الابتسامة في وجه الكارثة الثقافية: نحو إحياء التعليم العالي”. هذا المفهوم، الذي استُخدم لقرون، هو استعارة تاريخية تصف التوتر والتوازن بين الفكر اليوناني والإيمان التوراتي، وقد دَرَّسَت جامعتا برينستون وهارفارد كليهما. تُمثل أثينا نهجًا فكريًّا، بينما تُجسِّد القدس الإيمان بقوة عليا.
في التطبيق العملي – والحكومي – تتعارض هاتان النظرتان أحيانًا، لكنهما تُحققان أيضًا توازنًا ضروريًّا للغاية. لقد أنتج لنا هذان التراثان أبطالًا غربيين مثل أخيل[7] وموسى وسقراط وعيسى. كم طالبًا اليوم يُمكنه إخبارك بما فعلوه ولماذا هم متميزون؟!
استطاع مؤسسونا الإجابة على هذه الأسئلة، ولذلك تتبنى وثائقنا التأسيسية كلًّا من شكل الحكومة التي أنشأها الإغريق والرومان والدور الأساسي للحضارة الغربية.
أدرك مؤسسونا أن دوافع الحكومة تسحق الفرد دائمًا تقريبًا، لأن الحكومات تتكون من… البشر الساقطين. “القدس” هي الاعتراف بأن الإيمان بشيء أعظم منك هو التوازن الذي يحتاجه الفرد والمجتمع. عندما تجمع بين الحرية الفردية والبوصلة الأخلاقية، تحصل على ما يشار إليه بأخلاقيات العمل البروتستانتية – وهي روح اعتنقها كل أمريكي تقريبًا، بغض النظر عن العرق أو اللون أو الدين.
الحكومات الاستبدادية تسحق الدين، والحكومات الدينية تسحق الأفراد في النهاية. الحكومات التي تحتضن التوتر بين الاثنين تخلق مساحة للناس للازدهار.
تكمن مشكلة الإسلام في أنه دين وحكومة في آن واحد. المسيحية، على عكس الإسلام، ليست نظامًا سياسيًّا. بالطبع، كان للعالم الغربي علاقات عابرة مع شبه الثيوقراطيات في العصور الوسطى وما بعدها؛ مارست الكنيسة الكثير من السلطة في أوروبا لفترة طويلة، وأصبحت قمعية للكثير من الناس. في نهاية المطاف، ما إن سمع محبو الحرية بـ”عالم جديد” حيث يمكنهم العبادة والتحدث بحرية والتجمع بحرية وحكم أنفسهم، حتى خاطروا بحياتهم هربًا من تلك الأنظمة القمعية. وما زال الناس يفعلون ذلك.
الكتاب المقدس: حجر الأساس لأمريكا:
لستُ عالم لاهوت، لكنني أزعم أن معرفتي بالكتاب المقدس تفوق معرفة أستاذ الدراسات الدينية في رابطة الجامعات الثمانية المرموقة (أو ما تعرف بالـ Ivy League).
من بين مواضيع الكتاب المقدس العديدة الحرية: حرية إسرائيل، والتحرر من العبودية، والتحرر من الخطيئة.
يستمد إعلان استقلالنا أركان الحياة والحرية والسعي وراء السعادة من الكتاب المقدس – وليس من كونفوشيوس أو القرآن أو بوذا.
ينظر العلمانيون إلى الكتاب المقدس على أنه تهديدي، مُصدر أحكام، قمعي، ومُقيّد. العكس تمامًا هو الصحيح، بالنسبة لمن يقرأ النص فعليًّا، تبرز مواضيع متكررة كالغفران، والفداء، والحرية، والعدالة، والمحبة؛ إنها مُحررة.
كتب أبراهام لنكولن عن الكتاب المقدس: “فيما يتعلق بهذا الكتاب العظيم، لا يسعني إلا أن أقول: إنه أفضل هبة وهبها الله للإنسان. كل الخير الذي وهب المُخلِّص للعالم قد نُقل من خلاله. لولاه لما كنا لنميز الصواب من الخطأ. كل ما هو مرغوب فيه لخير الإنسان، في الدنيا والآخرة، مُصوّر فيه”.
هل شكّل الكتاب المقدس قناعات الرئيس لنكولن حول الحرية والعبودية؟ بالتأكيد! في خطابه الافتتاحي الثاني، المنقوش على نصب لنكولن التذكاري، أشار إلى العبودية على أنها تستحق دينونة الله”.
ويختم المؤلف الفصل بسؤالين لافتين:
لقد كبح الرئيس ترامب جماح العلمانية، على الأقل في الوقت الحالي. فهو يدعم الإيمان بلا خجل، ويقاوم التيارات العلمانية السائدة في المجتمع الأمريكي منذ زمن طويل. عيد ميلاد مجيد! لقد شجع المسيحيين، بمن فيهم القساوسة، على المشاركة بشكل أكبر في السياسة وثقافتنا. لقد ألهم الصليبيين! ولكن هل يستطيع عكس مسار العلمانية السائدة؟
في أغسطس 2019، أقرت اللجنة الوطنية الديمقراطية قرارًا يتبنى قيم الأمريكيين “غير المنتمين دينيًّا” باعتبارهم “أكبر مجموعة دينية داخل الحزب الديمقراطي”.
وقد دُفع بهذا الاقتراح الرمزي من قِبل التحالف العلماني من أجل أمريكا، الذي يضغط لصالح المهووسين بالعلم والملحدين. وجاء في القرار جزئيًا: “يتشارك الأمريكيون غير المنتمين دينيًّا بأغلبية ساحقة قيم الحزب الديمقراطي“، وشجع اللجنة الوطنية الديمقراطية على تعزيز “سياسة عامة عقلانية قائمة على العلم السليم والقيم الإنسانية العالمية”.
هذا يُلخّص إلى حد كبير وضع الحزب الديمقراطي في عام ٢٠٢٠، بما في ذلك جوقة المرشحين لمنافسة الرئيس ترامب. لقد همّشوا الإيمان تمامًا، وخاصةً تعاليم الكتاب المقدس. بدلًا من ذلك، كما يقولون، يُركّزون على العلم و”القيم الإنسانية“. أرجوكم، هل يشرح لي أحدٌ ما معنى ذلك؟ ومن يُحدّد المعايير والنتائج؟”. (ص 152).
ويؤكد المؤلف مرة بعد مرة وصم الديمقراطيين بالعلمانية، وأن الحرب الصليبية الأمريكية ستكون العلمانية أول أهدافها، ويقول:
“الحملة الصليبية ضد العلمانية:
تتطلب هزيمة كنيسة العلمانية من المؤمنين الدفاع بشجاعة عن إيمانهم – بطرق كبيرة وصغيرة، علنية وسرية. تمامًا مثل كاني! تُقدم نهاية هذا الكتاب طرقًا أكثر مباشرة للمواجهة، ولكن إليكم مثالًا حديثًا جاء من مكان غير متوقع.
في مايو 2019، خلال احتفال باليوم الوطني للصلاة في حديقة الورود بالبيت الأبيض، تأمل الحاخام يسرائيل جولدشتاين، الذي أصيب في إطلاق نار في كنيسه اليهودي في كاليفورنيا، في هذا الحدث المروع قائلًا: “الأطفال لا ينشأون على القيم التي أرساها آباؤنا المؤسسون. يبدو أن هناك خطًّا جوهريًّا عندما ينشأ جيل من الأطفال وهم يفعلون ما يفعلونه”.
وأضاف جولدشتاين: “علينا العودة إلى المبادئ الأساسية وإدخال لحظة صمت في جميع المدارس الحكومية، حتى يدرك الأطفال منذ الطفولة المبكرة أن هناك خيرًا أكثر في العالم، وأنهم ذوو قيمة، وأن هناك مساءلة، وأن كل إنسان خُلق على صورة الله. إذا كان هناك خير سينتج عن هذا الحدث الرهيب، فلنُعِد لحظة صمت إلى نظام مدارسنا الحكومية.”
آمين يا حاخام! لقد ألهمني حينها، وهو يلهمني الآن. بدلًا من استغلال تلك اللحظة لمجرد التذمر من غياب الله في مدارسنا، اقترح حلًّا. في الوقت الحالي، لسنا قادرين على إعادة الصلاة الدينية إلى المدارس (مع أننا ربما سنفعل يومًا ما)، لكن “لحظة صمت” ممكنة. إنها مسوَّغة. إنها بسيطة. وستُحدث فرقًا كبيرًا في حياة أطفالنا.” (ص 154).
الفصل التاسع: “المناخية: الحرب على الطقس”:
يشن المؤلف حملة ضارية على “المناخيين” الذين يصف أجندتهم بأنها مالية اقتصادية وليست بيئية، ويدافع بطبيعة الحال عن قرار ترامب “الحكيم الجريء” بالانسحاب من معاهدة باريس للمناخ، ويُذكر الناس بفيلم “حقيقة مزعجة” لنائب الرئيس السابق آل جور (والحاصل على جائزة نوبل للسلام بالمناصفة مع اللجنة الدولية للتغيرات المناخية في 2007) احتفالًا بيوم الأرض.
كان الفيلم قد عُرض عام 2006 وأثار جدلًا واسعًا. يرى المؤلف في ذلك الفيلم صناعة لهيستيريا “تغير المناخ”، وأنه بعد كل هذه السنوات لم تتحقق نبوءات الفيلم التي أثارت الذعر، لكن المسألة التي ركز عليها المؤلف هي: كيف تم عرض فيلم “يساري” في كل المدارس الحكومية الأمريكية على أنه حقيقة علمية ثابتة؟ يقول المؤلف:
“صوّر فيلم آل جور مساحاتٍ شاسعة من فلوريدا وقد غطتها مياه المحيطات المرتفعة سريعًا. استخدم مشاهد من إعصار كاترينا للإيحاء بأن تغير المناخ هو سبب الأعاصير الأقوى والأكثر تواترًا. تنبأ جور قائلًا: “في غضون عقد من الزمن، لن يكون هناك المزيد من ثلوج كليمنجارو!”.
ها نحن في عام 2020، ولم يتحقق أي من هذه الهستيريا.
عندما واجه علماء قلقون آل جور بشأن تأطيره “الليبرالي” لأبحاثهم، أجاب باستخفاف: “أحاول توصيل جوهر [الاحتباس الحراري] باللغة البسيطة التي أفهمها”.
هذه الحقائق المزعجة لا تهم اليساريين. لم يعتذر آل جور، ولن يعتذر؛ لأنه حقق مهمته: أولًا: شراء منزل مساحته 10,000 قدم مربع يستهلك طاقة تعادل واحد وعشرين ضعفَ طاقة المنزل الأمريكي العادي. وثانيًا: التأكد من أنه غرس في أذهان الأطفال فكرة أن محرك الاحتراق الداخلي يشكل تهديدًا أكبر للبشرية من هتلر. لم يعد آل جور بحاجة إلى أن يكون في المقدمة، لأن كل من ينتمي إلى اليسار أصبحوا الآن تلاميذه.
وعلى حد تعبير النجمة اليسارية العالمية و”شخصية العام” لمجلة تايم لعام 2019، جريتا ثونبرج، البالغة من العمر ستة عشر عامًا، فإن التقاعس عن العمل بشأن تغير المناخ “سرق أحلامها وطفولتها… نحن في بداية انقراض جماعي”. صرخت قائلة: “افعلوا ذلك من أجل الأطفال”. اقتحموا شواطئ نورماندي – في يخت خالٍ من الكربون”. (ص 158).
ثم يستعرض الكتاب أمثلة كثيرة من عناوين أغلفة المجلات والصحف، منذ عام 1989 والتي تنبأت بكوارث بيئية قادمة، ثم يقول:
“تُعلن وسائل الإعلام اليسارية والسياسيون الديمقراطيون أن كل معلومة تُقدم هي دليل كاف على تدمير الإنسان للكوكب. وبدلًا من التحقيق في هذه الادعاءات، اكتفى من يُسمون أنفسهم بالصحفيين – المتعصبين لقضايا المناخ – بتضخيم التحذيرات المُقلقة. يقولون: إن المناخ يتغير، سواءً كان حارًّا أو باردًا أو ممطرًا أو ثلجيًّا أو رياحًا أو حتى هادئًا، وأننا المسؤولون عن ذلك. لم تتحقق أيٌّ من توقعاتهم! يُطلب من أولئك الذين يُشيرون إلى سجلهم المُضحك أن يصمتوا ويتجاهلوا تحذيراتهم المُقلقة السابقة.
يحاول السياسيون الديمقراطيون، والمحللون على قنواتهم التليفزيونية، وأساتذة الجامعات المتطرفون إثارة الهستيريا فينا، لكنهم لا يُحاسَبون أبدًا على أعمالهم وتقاريرهم المُضللة. ومع ذلك، يُصرّون هذه المرة على أنه يجب علينا أن نُنصت. يجب أن نتوب عن خطايانا المناخية ونستسلم لحلولهم”!
الفصل العاشر: “النخبوية: سمُّ الصواب السياسي”:
والمقصود بالصواب السياسي، هو ادعاء النخبة السياسية أنها تعلم دائمًا ما السياسات الصواب في أي موضوع أو أزمة، ما يبلغ بها إلى حد الطغيان، لكن بأسلوب رشيق هادئ.
يحكي المؤلف عن أول لقاء له بترامب ونائبه مايك بنس أواخر عام 2016 بعد انتخاب ترامب، وخصص هذا الفصل للعدو التالي: النخب السياسية، التي في رأيه سممت الحياة السياسية في واشنطن، ونصَّبت نفسها فوق طبقات المجتمع، فهمًا وعلمًا وحكمة ونزاهة وذكاء.
ويرى أن أسلوب ترامب الساخر الهازئ بهذه النخب هو الوحيد القادر على تحجيمهم وكشفهم وهزيمتهم. يشرح الكتاب ما يعنيه بهذه النخب السامة بقوله:
“لكل مجتمع نُخب، ولكن مع صعود ترامب، انكشفت بشاعتهم الحقيقية في أمريكا. تكره وسائل الإعلام النخبوية ترامب – وبالتالي كل من يدعمه – كراهية شديدة. كل غرفة أخبار في مانهاتن ولوس أنجلوس، باستثناء فوكس نيوز، تعجّ بالنخب اليسارية فقط. يلتحقون بنفس مدارس “الصحافة” (التي تُسميها النخب “كلية الصحافة”)، ويعيشون في نفس المجمعات السكنية المغلقة، ويرتادون نفس النوادي، ويصوتون بنفس الطريقة. يُطلقون على أنفسهم اسم صحفيين، لكنهم في الواقع مُنظّرون مُتعصبون!
وطبقة “نخبوية” جديدة – أوليغارشية التكنولوجيا في وادي السيليكون – تستخدم نفوذها على وسائل التواصل الاجتماعي لتمكين حشدٍ من دعاة العدالة الاجتماعية يكره أمريكا بشغفٍ مُستمرٍّ من نشطاء الجامعات. كما أنهم يُسكتون الأصوات المحافظة، أو غير الصحيحة سياسيًّا من وجهة نظرهم.
في العقود الماضية، كانت النخب الأمريكية مختلفة. كانوا ليبراليين – وليسوا يساريين. حتى لو أرادوا ضرائب أعلى ودولة رفاهية أوسع، أحبّ الليبراليون القدامى أمريكا. أما اليوم، فهم يكرهونها. تُصرُّ نخبنا على أن أمريكا هي المشكلة، ويؤكدون هذه الرسالة في كل خدمة بثّ، ومواقع إلكترونية، ومنصات تواصل اجتماعي، ونشرات أخبار، وأفلام، وكتب دراسية تقريبًا. على الرغم من أن وسائل التواصل الاجتماعي قد وسّع نطاق الحوار، مع تغيير حساب الرئيس ترامب على تويتر قواعد اللعبة تمامًا، إلا أنهم يفرضون رؤيتهم للعالم على تلك المنصات أيضًا.
تتمتع نخب وسائل التواصل الاجتماعي بسلطة حظر الحسابات، ونبذ الأفراد، والرقابة على التعبير، وإخفاء المحتوى، وتوجيه حركة المرور، وتدمير حياة الناس. وكما هو متوقع، فإن عواقب هذه الأفعال تقع في الغالب على المحافظين.
في ديسمبر 2019، هاجم طيار عسكري سعودي ثلاثة طيارين أمريكيين شجعان وقتلهم في قاعدة بحرية في بينساكولا بولاية فلوريدا. كنتُ أُقدّم برنامج “فوكس آند فريندز” عندما ظهرت التقارير الأولية. سرعان ما اتضح أنه هجوم إرهابي إسلامي، خاصة بعد الكشف عن تغريدات تُظهر أن المهاجم يدعم أسامة بن لادن والقاعدة والإخوان المسلمين. أُرسلت إحدى هذه التغريدات قبل دقائق فقط من وقوع الهجوم. بعد برنامجي يوم السبت، التقطتُ لقطة شاشة لتغريدة الإرهابي التي أظهرت بوضوح دوافعه الإسلامية. “دون أن أُبالي بالأمر – وخاصةً لأن هذه المعلومات كانت جديرة بالنشر – غرّدتُ بصورة للإرهابي بيانٌ قصيرٌ، يقول: “هذا إرهابٌ إسلامي. لا داعي للتهويل. يجب محاسبة السعودية”.
بعد ثماني ساعات، أغلق تويتر حسابي. وطالبني بحذف التغريدة وإلا سيُحذف حسابي. كنتُ أحرس إسلاميين في خليج غوانتانامو بكوبا. وقُدتُ فصيلةً في العراق تُقاتل إرهابيي القاعدة. وسحبتُ جثثًا أمريكية من ناقلة جنود في أفغانستان بعد تفجير سيارة انتحارية. والآن، بسبب مُشاركتي دوافع إرهابي إسلامي، حُظرتُ من تويتر!
لماذا؟
لأن تويتر – كأي مؤسسة أخرى تُسيطر عليها ما يُسمى بالنخب – هو بؤرةٌ لإنفاذ العدالة الاجتماعية، خلقت طبقاتٍ افتراضيةً محمية.
“ما النخبوية؟
كيف تُميّز النخبوي؟ هل سبق لك أن قابلت شخصًا كان الأقل اطلاعًا على الطبيعة البشرية، ولكنه الأكثر إصرارًا على أيديولوجيته؟ لقد قابلتَ إما جيل الألفية أو نخبويًّا، أو كليهما.
المعادلة هي: الغطرسة + اليسارية = نخبوية.
في كل عصر من عصور المجتمع البشري، كان هناك أناسٌ أكثر ثراءً أو مكانةً اجتماعيةً أعلى – أو “الطبقة العليا” إن صح التعبير. يرتادون مدارسَ أفضل، ويبنون محافظَ استثماريةً أفضل، ويقضون عطلاتهم في أماكن أفضل، ويبدو أن لديهم فرصًا أفضل منا. ليس هذا ما أتحدث عنه. النخبوية تتجاوز مفهوم السلطة والثروة، إنها اعتقاد النخب بأنهم أفضل مني ومنك، وأنهم يستحقون قيادتنا. غطرستهم، مقترنةً بـ”التلقين اليساري” المُستحث ذاتيًا، يجعلهم نخبويين. هم أذكياء؛ أنت جاهل. هم أقوياء؛ أنت لا تُهم. هم متطورون؛ وأنت بائس.
كما قال الفيلسوف المفضل لدي، بازوكا جو[8]، ذات مرة: “حافظ على عقلٍ منفتح، ولكن ليس منفتحًا لدرجة أن يسقط عقلك”. نعم، قرأتُ هذا المثل على غلاف علكة، وعلق في ذهني. النخبويون ثملون للغاية لدرجة أنهم يفضلون رمي حكمة العصور في سبيل أحدث المظالم أو الصيحات اليسارية.
من الأسهل بكثير أن تغضب مما لا تملكه من أن تشكر ما تملكه. كانت نخب الماضي مجرد أشخاص متغطرسين، لكنهم كانوا ليبراليين أيضًا. استغلوا مكانتهم ليصعدوا بسرعة الصاروخ إلى قمة الهيكل الاجتماعي الأمريكي، واستخدموا نفوذهم للبقاء هناك. أما نخب اليوم، فتستغل مكانتهم لتمزيق النسيج الاجتماعي الأمريكي.” (ص 181)
وبطبيعة الحال يقر المؤلف أن من الطبيعي أن يكون في كل مجتمع نخبة من المتميزين أصحاب المواهب المختلفة في مجالات الأدب والفنون والرياضة وغيرها، لكنه يستثني من هؤلاء “نخبة اليسار”، ويحدد من وجهة نظره صفاتهم وملامحهم على النحو التالي:
“ما يوحد جميع النخب اليسارية هو السلطة والامتياز والمكانة الاجتماعية. يمتلكون السلطة، ويرغبون في المزيد منها، ويستخدمونها لمصلحتهم الخاصة، ويدعمون أي قضايا يعتقد رفاقهم اليساريون أنها مهمة في الوقت الراهن.
اليوم، تتركز هذه المعتقدات بشكل كبير على هدم البلد الذي مكّنهم من الصعود. يدفعهم امتيازهم إلى الاعتقاد بأنهم يلعبون وفقًا لقواعدهم الخاصة، قواعد وضعها أصدقاؤهم في السلطة. مكانتهم الاجتماعية وحدها تعني لهم كل شيء. مَن يعرفون، وأين يقضون الصيف، ومَن يعيشون بجوارهم، كل ذلك مهم جدًّا لهم. يتبادلون الجوائز فيما بينهم لإثبات جدارتهم. أي شخص يتحدى هذه الرموز الثلاثة للمكانة الاجتماعية هو عدوهم الأول – ولهذا السبب يكرهون دونالد ترامب بشدة.
يكره النخبويون ترامب بقدر ما كانوا يحبون باراك أوباما – لأن أوباما جاء من فكرهم الجماعي. كمرشح، وصف أوباما الأمريكيين المحافظين قائلًا: “ليس من المستغرب إذن أن يشعروا بالمرارة، وأن يتمسكوا بالسلاح أو الدين أو الكراهية تجاه من يختلفون عنهم أو المشاعر المعادية للمهاجرين أو التجارة… استخدم ترامب المشاعر كوسيلة لشرح إحباطاتهم. ثم عيّن نخبًا من مراكز أبحاث وجامعات ومنشورات إخبارية مختلفة في إدارته”.
ويرى المؤلف أن أسوأ ما في نخب اليسار احتكارهم للصوابية السياسية، فهم الأساتذة الذين يحددون ويقررون معايير الصواب والخطأ في كل شأن من شئون الحياة العامة. يقول:
“الصوابية السياسية خير مثال على تحول أحلام نخب اليسار إلى كابوس لنا جميعًا. تخيّلوا أن تُحددوا شروط كل نقاش لصالحكم، ولتذهب حرية التعبير إلى الجحيم. شخص ما يُقرر أي الكلمات جيدة وأيها سيئة، وأي الأفكار أفضل وأيها أسوأ، ومن على صواب ومن على خطأ. يا له من توفير للوقت!
منذ ستينيات القرن الماضي، أرست ما يُسمى بالجامعات النخبوية، والصحف، ووسائل الإعلام، وشركات الترفيه، والشركات ذات التوجه اليساري، القواعد الأساسية بفعالية. هذا ما يريدون فعله على أي حال. وهم ينجحون”.
ويرى المؤلف أن شخصية ترامب وطريقته هي التصدي الأمثل لهذه الصوابية السياسية، فيقول:
“إن تقويض ترامب الصريح لـ”قواعد” الصواب السياسي يُمهد لنا جميعًا طريقًا واضحًا للتعبير عن آرائنا بحرية دون الاكتراث بتقييم اليساريين لدوافعنا. وقد وصل في الوقت المناسب تمامًا. لقد وصلنا إلى مرحلة أصبح فيها التعبير عن آرائنا والتشكيك في الثقافة السائدة أمرًا مزعجًا؛ فنحن مُجبرون على همس الحقائق المنطقية لبعضنا البعض، رغم أن غالبية السكان تُشاركنا نفس الشعور. كل يوم، يُجبَر مُحبو أمريكا والحس السليم والحضارة الغربية على الصمت والتوافق اللفظي بسبب شرطة الصواب السياسي “الواعية”. بمجرد أن يُصنفوك، لا توجد إدارة يُمكنك اللجوء إليها لإزالة هذا التصنيف. ليس بالضرورة أن يكون التصنيف صحيحًا، ولا يحتاج اليسار حتى إلى إثباته.
قبل ترشح دونالد ترامب ورئاسته، كانت الثقافة الأمريكية على وشك الخضوع لسيطرة النخبة السياسية. هل شعرتَ بالخوف من التعبير عن إيمانك أو سياساتك الوطنية؟ هل كنتَ خائفًا من تجاهل أصحاب السلطة؟ كثيرٌ منا فعل ذلك، ولم يعرف كيف يردّ. مهد ترامب الطريق لاستعادة حرية التعبير، مُحررًا ملايين الوطنيين في هذه العملية. ولعلّ هذا أعظم إنجازاته”.
الفصل الحادي عشر: “التعددية والتنوع الثقافي”:
يتناول فيه الكتاب الهدف التالي لحربه الصليبية، ويعتبره سلاح اليسار المسلط على رقاب الأمريكيين المخلصين. تعرض المؤلف في هذا الفصل عدة مرات لحادثة مظاهرات” شارلوتسفيل” التي وقعت في أغسطس 2017 في ولاية فيرجينيا إبان ولاية ترامب الأولى، وهي مظاهرة دعت لها أطياف اليمين المتطرف تحت عنوان: “توحيد اليمين”، وكانت عبارة عن تجمع عنصري، لاقى دعم مجموعات متطرفة وجماعات كارهة للأجانب، ورفعوا أعلامًا نازية وكونفدرالية ورموزًا معادية للسامية والإسلام.
هدف المحتجين المعلن كان الدفاع عن التماثيل الكونفدرالية ضد قرارات إزالتها، وقد تميزت التظاهرة بالعنف والصدام مع المعارضين.
خرجت مظاهرة مقابلة معترضة على هذه المظاهرة، فقام رجل باقتحامها بسيارته فدهس المتظاهرين، فقتل امرأة، وأصاب ثلاثين آخرين، وكان ذلك عملًا متعمدًا.
ردود فعل القيادة السياسية، خاصة الرئيس ترامب، كانت مثيرة للجدل، حيث اكتفى بإدانات عامة وعبارات فضفاضة، وأظهر ترددًا في إدانة الكراهية والعنصرية، مما أدى إلى انتقادات دولية. أثرت الأحداث على المجتمع الأمريكي بشكل عميق، وأسفرت عن إزالة العديد من تماثيل الكونفدرالية، وعودتهم لخطاب أكثر رفضًا للعنصرية والكراهية، بينما استمرت التحقيقات القانونية والمدنية.
جاءت سردية المؤلف عن التعددية الثقافية على النحو التالي:
“حملةٌ صليبية ضد التعددية الثقافية:
لنكفّ عن هذا الهراء؛ فالتنوع ليس قوتنا.
قوتنا تكمن في تأسيسنا، وجيشنا، وازدهارنا، والمواطن الأمريكي العادي – من جميع الخلفيات – الذي يُسهم في نجاح البلاد. كل ما يفعله اليسار يهدف إلى إضعاف هذه الصفات، ويفعل ذلك بنشر كذبة مفادها أن الناس ما زالوا يُعاملون معاملةً غير عادلة – بعد خمسة وخمسين عامًا من قانون الحقوق المدنية الذي وضعه الجمهوريون، ورغم عقود من برامج العمل الإيجابي.
قد يكون التنوع قوة، على سبيل المثال، تنوع الأسلحة النووية لمختلف أنواع النزاعات – التكتيكية، والصواريخ الباليستية العابرة للقارات، والنووية الحرارية، وما إلى ذلك، لا أن تكون مبادرات التنوع مجرد خطط اليسار لإعادة التوزيع ووسيلة للسيطرة على الخطاب العام.
في بلدٍ يتمتع بحماية التعديل الأول من الدستور، يشبه الأمر فرض نظام غذائي نباتي علينا جميعًا ثم حظر الخضراوات. إنه نظامٌ قائم على سياسات الهوية، ومراجعة التاريخ، والشتائم التي تجعلنا أضعف!
لا بأس أن أمريكا تأسست على يد مجموعة من البيض. لا بأس أن الأوروبيين البيض وسّعوا أمريكا. ولا بأس أن أربعة وأربعين من رؤسائنا الخمسة والأربعين كانوا بيضًا وواحدًا نصف أبيض. هذه كلها حقائق لا تُمحى – على الرغم من أنكم هدمتُم آثارًا تاريخية أكثر مما هدمه تنظيم الدولة الإسلامية. ما هو غير مقبول هو استخدام مرآة خلفية أخلاقية مُعدّلة لإدانة هذا البلد بالموت. لقد أحرزت الولايات المتحدة تقدمًا كبيرًا في المساواة بين البشر على مر الزمن – أعظم من أي دولة عرفها العالم. ماضينا موجود للتعلم منه والبناء عليه، ولا يمكننا أن نتسامح مع استخدامه كأداة معادية لأمريكا.
لو أن التعددية الثقافية جعلت أمة أفضل، لكنتُ أؤيدها تمامًا. لو أن التركيز الأكبر على الاختلافات العرقية جعل مجتمعًا أقل عنصرية، لكنتُ قدتُ المسيرة. لكن هذا لا يحدث.
أتساءل مجددًا: إذا كانت الدول الأخرى قد فهمت كل شيء، فلماذا لا يحزم جميع اليساريين الساخطين وغير الممتنين أمتعتهم وينتقلون إلى مكان آخر؟!
لأنهم في قرارة أنفسهم، يعلمون أن أمريكا هي أكثر دول العالم تنوعًا وحريةً ومساواةً. قارنوها بالجنة، وستجدون فيها عيوبًا كثيرة. قارنها بأفغانستان، والصين، وفرنسا، وألمانيا، وروسيا، والمملكة العربية السعودية، وأي دولة أخرى، وستجدها تتفوق عليهم جميعًا.
ومع ذلك، عندما تُشارك هذه الحقائق، ستُهاجَم. أقول مجددًا: اتبع قيادة الرئيس ترامب – خاصة بعد يوم مأساوي مثل يوم شارلوتسفيل. إن الاستسلام يعني التملق والتبسيط والمراوغة من أجل “التوافق” مع اليسار – أولئك الذين استهدفوك بالإبادة. هذه هي اللحظات المناسبة لكشف أيديولوجياتهم المتطرفة التي تُزيد من تفريقنا. الشجاعة لا تُحسب إلا عندما تكون العواقب حقيقية.
لا تخف من أن تكون مُهينًا متكافئ الفرص. لقد وجدنا أنفسنا جميعًا حيث يقول صوت السياسيين داخل رؤوسنا: لا يمكنك قول ذلك لأنها سوداء. أو لأنني أبيض (أو أيًا كان)، لا يمكنني الإدلاء بهذا التعليق. هذا الصوت داخل رؤوسكم وُضع هناك من قِبل اليساريين الذين يريدون مراقبة خطابكم وإبقاءنا منقسمين. تمامًا كما فعل ترامب. لقد سحق منافسيه السياسيين البيض خلال انتخابات عام ٢٠١٦، كما سحق منافسيه السياسيين من جميع الأطياف خلال فترة رئاسته. إنه يتصدى لغباوة ماكسين ووترز[9] وتطرف إلهان عمر، تمامًا كما يتصدى لاشتراكية بيرني ساندرز وجو بايدن النائم. أسود، أبيض، ذكر، أنثى – إن ترامب يطبق مبدأ تكافؤ الفرص!
هذا هو النقيض التام للعنصرية؛ هدفنا هو معاملة الناس على قدم المساواة بناءً على محتوى أفكارهم، وليس على لون بشرتهم أو جنسهم.
قبل عشرين عامًا، في خطاب عن العرق والتحيز، استخدم الرئيس جورج دبليو بوش عبارة “التعصب الأعمى الناعم للتوقعات المنخفضة”. لا تزال هذه الديناميكية قائمة في أمريكا اليوم، يُبقيها دعاة التعددية الثقافية على قيد الحياة. يُخبروننا أن بعض الأعراق والأجناس والفئات السكانية تستحق معاملةً معينةً تحديدًا بسبب تصنيفها. يُخبر هذا التعصب فئاتٍ معينة من الناس أن سماتهم الفردية – عقولهم وأرواحهم وقلوبهم – ليست هي المهمة. بدلًا من ذلك، يُخبرهم اليسار أن السمة التي لا يمكنهم تغييرها – عِرقهم – هي التي تُميزهم.
هذه العقلية مُفسدة وشريرة. لقد خضنا حروبًا لنُحرر أنفسنا والآخرين منها. والآن يفعل اليسار بنا الشيء نفسه. الجواب الوحيد على هذا التعصب هو أبسط إجابة: جوهر شخصيتنا هو المهم، ووحدتنا كأمريكيين هي قوتنا.” (ص 206).
الفصل الثاني عشر: “الإسلاموية”:
يعتبر المؤلف “الإسلاموية Islamism” العدو الأخطر في قائمة الأعداء الذين يجب أن تستهدفهم الحملة الصليبية الأمريكية، ويبدأ هذا الفصل برؤيته وتجربته الشخصية فيقول:
“كان عصمت الله أحدَ مترجمينا الفوريين خلال فترة خدمتي في أفغانستان. كنا نتحدث لساعات متواصلة، وغالبًا حتى وقت متأخر من الليل. أصبحنا أصدقاء وكنا صريحين مع بعضنا البعض. لم يكن “عصمت”، كما كنت أناديه، “متطرفًا” ولا “إسلاميًّا”. كان شابًا مسلمًا عاديًا من كابول، لديه طموحات حياتية عادية – بما في ذلك الزواج من فتاة صغيرة منعته عائلته من قضاء الوقت معها. تحدثنا كثيرًا عن ذلك. كان يرغب في حياة طبيعية لكنه كان محاطًا بالحرب. كان يعود إلى منزله كل يوم على دراجته النارية، ويحرص على سلوك طريق مختلف في كل مرة لأن طالبان كانت تراقب الجميع – وكان يعلم ذلك. براتبه، كان يعتني بوالديه وإخوته. كان عصمت شابًّا صالحًا؛ كنت أثق به.
خلال إحدى تلك المحادثات، قال عصمت، بكل بساطة: “بالطبع سيحكم الإسلام العالم يومًا ما – لقد تنبأ النبي [محمد] بذلك. سنرزق بعشرة أطفال، وأنت سترزق بواحد”.
يعتقد المسلمون العاديون مثله أن قَدَر الإسلام هو السيطرة على العالم، وبإنجابهم الكثير من الأطفال، فإنهم يسهمون في “هذه القضية”. لهذا السبب أراد الزواج لتكوين أسرة. تحدث عصمت بلهجة حتمية. لم تكن مشحونة بتهديدات بالعنف أو الاستعباد، بل مجرد رؤيته للقدر. كان شابًّا أفغانيًّا عاديًّا، يُكرر ما تعلمه في مدرسته الإسلامية ومسجده – لا يختلف كثيرًا عما يتعلمه مليارا مسلم آخرون.
عصمت مسلم، وليس إسلاميًّا. بالنسبة له، إنه فرق كبير، ولكن في الإطار الأوسع، يصبح مثل هذا التمييز أقل أهمية. مع تنامي تأثير الإسلام، يستغل الإسلاميون جدية إخوانهم المسلمين لتعزيز رؤيتهم الأكثر تطرفًا. وهم يجدون منهم المساعدة.
هناك سبب لاختياري هذا الموضوع لإغلاق قسم “اليسارية”: لأنه لا توجد “حركة” تستفيد من اليسارية أكثر مما تستفيده “الحركة الإسلامية”. ولا توجد “حركة” أخطر على الحرية من “الحركة الإسلامية”. مشتقة مباشرة من الإسلام، أي حياة محمد، ونصوص القرآن. تُعتبر الإسلاموية أكثر النظريات العالمية تماسكًا وتبشيرًا وعدوانيةً على كوكب الأرض اليوم. اسمحوا لي أن أكرر هذا، لأتأكد من استيعابه: الإسلاموية هي أكثر الأيديولوجيات تماسكًا وتبشيرًا وعدوانيةً “في العالم اليوم”.
ويكرر المؤلف مرة بعد مرة إيمانه بأن المشكلة في الإسلام وليست في غالبية المسلمين، وأنه مهما حاول “المعتدلون المسلمون” فلن ينجحوا؛ لأن الإسلام نفسه في صف الإسلاميين المتشدِّدين! هذه فقرة تلخص اعتقاده وموقفه المشحون من الإسلام، إذ يقول:
“ما الإسلاموية؟
بغض النظر عن كيفية ترويج المعتدلين السلميين لخطابهم، يستغل المسلمون المتطرفون – الإسلاميون – كل جانب تقريبًا من جوانب الإسلام السائد لخدمة قضيتهم. المسلمون المعتدلون لا يحاربون الإسلاميين فحسب، بل يحاربون أيضًا الجزء الأعظم من العقيدة والتاريخ والتقاليد الإسلامية. لقد خسروا معركة إعادة عظمة الإسلام على مدى 1300 عام، كما يتضح من سهولة استغلال الإسلاميين للإسلام “المعتدل” لخدمة قضيتهم.
الاستنتاج المنطقي: إن جوهر الإسلام الحقيقي “أقرب إلى الإسلاميين منه إلى المعتدلين” – وهي مشكلة جسيمة ينبغي أن تكون بمثابة جرس إنذار يُسمع خمس مرات يوميًا.
عند الاقتضاء، أحرص على فصل المسلمين المعتدلين عن العناصر المتطرفة. في أحيان أخرى، يمكن استخدام كلمتي “مسلم” و”متطرف” بالتبادل كشيء واحد. وهذا يؤكد الحقيقة الصعبة المتمثلة في أن المسلمين “المعتدلين” – وأعدادهم كبيرة – إما متواطئون في توسع الإسلاموية أو عاجزون عن عكس مسارها؛ نتيجةً لذلك، أصبح الإسلام – أسرع الأديان نموًّا في العالم – مُستَحوَذًا عليه بالكامل تقريبًا بأيدي الإسلاميين الذين يعتقدون أن رسالتهم هي نفسها رسالة مؤسسهم. قاد محمد الجيوش، واستعبد أو قتل خصومه، وسعى إلى قهر الجميع. الإسلاميون المعاصرون، بالطبع، لديهم الهدف نفسه.
الإسلام دينٌ يعتنقه مليارات الناس. تُعرَّف الإسلاموية بأنها الاعتقاد بفرض الإسلام على الآخرين، بالعنف والسلم، ويمارسها مئات الملايين. حتى لو أخذنا تقديرًا منخفضًا لنسبة المسلمين في العالم الذين يمكن وصفهم بالإسلاميين (حوالي 25%)، فإننا لا نزال نتحدث عن عدد سكان “أكبر من عدد سكان الولايات المتحدة بأكملها”. هذه ليست حركة هامشية صغيرة. ولكن مهما حاولنا التمييز بعناية، فإن الإسلام والإسلاموية فرعان من نفس الشجرة اللاهوتية.
الإسلاموية هي تفسير واسع الانتشار للإسلام يعتمد على نص كتاب المسلمين المقدس، القرآن الكريم، الذي يروي قصة قائد، بتمكين من ربه، نشر العقيدة الإسلامية بالاستعباد والسيف. هذه حقيقة، سواء أزعجتك أم لا. يمكنك بالفعل سماع صوت الأذان عبر مكبرات الصوت في وسائل الإعلام: “الإسلام دين السلام!” لا تذعنوا لهذا النداء. نعم، ملايين المسلمين مسالمون. هذا إخلاء مسؤولية إلزامي. لكن، لا، الإسلام ليس دين سلام، ولم يكن كذلك قط!
الإسلام ليس دين سلام ولا دين عنف؛ إنه دين استسلام. كلمة الإسلام نفسها تُترجم إلى الإنجليزية بـ “الاستسلام” – الاستسلام للرب (الله)، والاستسلام لكتاب الرب (القرآن)، والاستسلام لحياة وتعاليم نبي الله محمد (كما وردت في الحديث).
بالنسبة لأولئك الذين يتبعون الدين بدقة، فإن “نص القرآن وتعاليم محمد” معصومة من الخطأ، وغير مرنة، ولا تقبل الشك – مما يجعل نص الإسلام هو التحدي الحقيقي. يكبر كل طفل مسلم تقريبًا وهو يستمع إلى القرآن ويتعلم القراءة منه. قارن هذا بمدارسنا الأمريكية العلمانية – التي لا يوجد فيها أي مكان للكتاب المقدس – وستفهم لماذا نظرة المسلمين للعالم أكثر تماسكًا من نظرتنا.” (ص 212).
بقية هذا الفصل تحريض وتعبئة ضد الإسلام والإسلاميين، ويتم تغليفها بتاريخ مؤلَف. يلخصه قول هيجسيث:
“التهديد الذي لا يموت:
منذ أن بلغ محمدٌ من القوة ما يكفي لبناء جيشه الأول، انتشر الإسلام بحد السيف. كان الشرق الأوسط بأكمله يومًا ما يضمّ شعوبًا يهودية ومسيحية مزدهرة. يا للهول! رحلوا. كانت لشمال إفريقيا جذور مسيحية نابضة بالحياة. رحلوا. مع حلول القرن الحادي عشر، وجد الأوروبيون أنفسهم يتعرضون بشكل متزايد للمعاناة والحصار والغزو من قِبل الإسلاميين. حتى أن إسبانيا أصبحت معقلًا للمسلمين. ثم قرر الأوروبيون الرد. دخل الصليبيون. خرج الإسلاميون – لبضع مئات من السنين.
حتى أمريكا لها تاريخ طويل مع الإسلاموية. كما كتب صديقي وزميلي في فوكس آند فريندز، برايان كيلميد، في كتابه الأكثر مبيعًا “توماس جيفرسون وقراصنة طرابلس: الحرب المنسية التي غيرت التاريخ الأمريكي”، في أواخر القرن الثامن عشر، تعرضت السفن التجارية الأمريكية لهجوم من قِبل قراصنة مسلمين من شمال إفريقيا، كانوا يستولون على بحارتنا ويحتجزونهم كعبيد.
أخبر دبلوماسيون توماس جيفرسون وجون آدامز أن المهاجمين كانوا يعتقدون أنه كُتب في القرآن أن جميع الأمم التي لم تعترف بسلطانهم آثمة، وأن من حقهم وواجبهم شنّ الحرب على من يجدونه، واستعباد كل من يستطيعون أسره، وأن كل مسلم يُقتل في المعركة سيدخل الجنة حتمًا. وكما أدركت أوروبا أخيرًا الخطر وشنت حملة صليبية، واجهت أمريكا مفاجأة مماثلة.
قال آدامز: “لا ينبغي لنا أن نقاتلهم إطلاقًا إلا إذا عزمنا على قتالهم إلى الأبد“. كان مُحقًا في جميع الجبهات. لقد حاربتهم الولايات المتحدة آنذاك وانتصرت، وما زلنا نحاربهم حتى اليوم.
اليوم، عاد الإسلام والتطرف الإسلامي، يطرقان أبواب أوروبا. لكن هذه المرة، على الأقل في الوقت الحالي، تختلف تكتيكات الإسلاميين.
في الأوساط الإسلامية، هناك مبدأ يُعرف باسم “الهجرة”. يشير هذا المصطلح إلى الاستيلاء السلمي على بلد غير مسلم. “الهجرة” هي استيلاء ثقافي، ومادي، ونفسي، وسياسي، وفي النهاية ديني. التاريخ حافل بأمثلة على ذلك؛ ولأن التاريخ لم ينتهِ بعد، فإنه يحدث في أكثر الأماكن غرابة الآن. خذ المملكة المتحدة على سبيل المثال لترى كيف استولى الإسلاميون على مدنها وثقافتها، وتحكمت الشرطة الدينية على كثير من المناطق”!
ويصل هيجسيث في نهاية الفصل إلى نتيجة قاتمة، فيقول:
“لحظة حملتنا الصليبية:
حالتنا الراهنة تُشبه إلى حد كبير القرن الحادي عشر. لا نريد القتال، ولكن، كما فعل إخوتنا المسيحيون قبل ألف عام، علينا ذلك. نحن بحاجة إلى حملة صليبية أمريكية. نحن المسيحيين – إلى جانب أصدقائنا اليهود وجيشهم العظيم في إسرائيل – علينا أن نحمل سيف النزعة الأمريكية غير المسوَّغة وندافع عن أنفسنا. علينا أن ندفع الإسلاموية إلى الوراء – ثقافيًّا وسياسيًّا وجغرافيًّا، وفي حالة الشرور مثل تنظيم الدولة الإسلامية، ندفعهم عسكريًا.
الخطوة الأولى في هذه الحملة الصليبية هي التحلي بالشجاعة والصدق الفكري تجاه العدو. لم يتوقف الإسلاميون ولن يتوقفوا، ما لم نقاومهم. ما يُسمى بالتسامح يُشبه الاستسلام للإسلاميين، لأنه كذلك.
لقد أمرنا يسوع أن نُدير الخد الآخر، لكنني متأكد تمامًا أنه لم يكن يَنصح وزير دفاع آنذاك. يُمكن للناس أن يصفعوني على تويتر بسبب إيماني، وسأدير رأسي وأبتسم. لكن إن تُشهر سيفًا على ممتلكاتي، في مجتمعي، وتُهدد ثقافتي، وبلادي، سأُهاجمكم بكل سلاحٍ في يدي.
لقد جعلتنا اليسارية سلبيين، لا يمكننا حتى أن نتخيل، كما فعل الناس قبل ألف عام، رفع سيفٍ وحمل درعٍ عليه صليبٌ – أو علمٌ أمريكي! لكن هناك ملايين الإسلاميين الذين يعتقدون أنهم في حربٍ معنا ومستعدون للموت في سبيل هذا الاعتقاد، يُعلّمون أطفالهم أن الانتحاريين أبطال؛ إنهم مستعدون للقتل من أجل ما يؤمنون به.
تُقتل المجتمعات المسيحية في الشرق الأوسط بحد السيف. تموت الدول المسيحية في أوروبا موتًا مؤلمًا بألف جرحٍ ثقافي. متى نواجه الواقع ونتعامل مع حقيقة أن الثقافة الأمريكية والمسيحية تتعرض للهجوم وأن النتيجة بعيدة كل البعد عن اليقين؟!
أمريكا أعظم دولة على وجه الأرض، لكن اليوم – بسبب ما يفعله اليساريون بنا – لسنا قريبين حتى من الإسلام في تماسكنا أو عزمنا. قد تكون الإسلاموية أشياء كثيرة، لكنها ليست ضعيفة. (ص 223).
قراءة نقدية في الباب الثاني: اليسارية:
- اللافت في موقف المؤلف من اليسارية هو التزامه الثابت بأن اليسار عدو وليس خصمًا سياسيًّا. بهذا التوصيف يفسر سياسات الحزب الديمقراطي وخططه ومعتقداته، والحزب عنده ليس عدوًّا لليمين المحافظ وحسب، ولكنه عدوٌّ لأمريكا، وللأسس التي قامت عليها!
إن وصف المؤلف لليبراليين بهاتين المعادلتين البسيطتين يلخص موقفه العدائي بشكل سافر، إذ يقول:
- اليسارية + أي شيء = دمار (وتبعية، ويأس، وموت).
- اليسارية + أمريكا = مستقبل بائس لا أريد تخيله.
- إنه ينقل الصراع الداخلي من دائرة التنافس السياسي والخصومة السياسية، إلى دائرة العداء الذي يفضي إلى ما قاله: (إما نحن أو هم)؛ أي أنه في نظره صراع صفري، وأن أمريكا لا تتسع إلا لأحدهما.
هذا بطبيعة الحال ينقض العقد الاجتماعي الذي قامت عليه الولايات المتحدة، ويهدم بناءها من أساسه.
لقد سبق أن قدمنا في مركز رؤيا عرضًا لتقرير حكومي كندي بعنوان: “الاضطرابات في الأفق – ٢٠٢٤“، دراسة استشرافية للاضطرابات التي يُتوقع حدوثها خلال السنوات العشر القادمة. ولتقييم هذه الاضطرابات، قاموا بجمع وتحليل مدخلات من حوالي 500 من المتخصصين وخبراء الاستشراف عبر حكومة كندا وخارجها، وكان من اللافت أن يسجل التقرير اضطرابًا مُحتملًا باندلاع حرب أهلية أمريكية، خلال ٦ سنوات، ما يوجب على الحكومة الكندية أن تفكر في الاستعداد لتداعياتها!
لاحظ أن هذا التقرير صدر قبل شهور من انتخاب ترامب! جاء وصف هذا الاضطراب المحتمل في كلمات قليلة:
- “تصاعد الانقسامات الأيديولوجية في الولايات المتحدة، والتآكل الديمقراطي، والاضطرابات الداخلية، مما يؤدي إلى إغراق البلاد في حرب أهلية”؛ إن حدة الكراهية والانقسام المجتمعي التي يتناولها الكتاب تؤيد وترفع من قدر هذا الاحتمال.
- يرى اليمين الجديد أن اليساريين ملحدون، لأن الحكومة هي إلههم، وأن فكرة الرب خيال خطير، وأقصى ما يقبلونه أن يكون الربُّ مجرد فكرة ثانوية تقتصر على أيام الأحد داخل الكنائس.
إن تصوير الأمر على هذا النحو قد يكون صحيحًا أو معبرًا، لكن الإشكال الذي يترتب عليه هو أن هذا اليمين المتطرف ليس لديه أيضًا تصور عن دور الحكومة التي يريدونها!
لا يكفي أن تكون رافضًا لوضع قائم حتى تتبنى بديلًا واضحًا، خاصة لو كنت في سُدَّة الحكم، لأنك لا يمكن أن ترفض العولمة – وهي منتج أمريكي بامتياز – وتفتخر بنفس الوقت أنك أقوى جيش في العالم لأنك تمتلك قواعد عسكرية في مشارق الأرض ومغاربها!
- إن تلميح الكتاب بشكل مستمر إلى الهجوم على المحكمة العليا وانتقادها واتهامها بأنها كانت السبب في تراجع الحريات وإقصاء الدين وتشريع الإجهاض وإفساد التعليم، يوحي بصدام محتمل بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية. إن لهجة الاستخفاف المتكررة في الكتاب عند الحديث عن المحكمة العليا يتبناها بالفعل بعض أركان إدارة ترامب الحالية.
- بالغ المؤلف في المخاوف الأمنية والمجتمعية التي تسببها العولمة للولايات المتحدة. وقد ساق الكتاب مثالين تناولهما بالتفصيل. أما المخاوف الأمنية التي ضرب لها مثلًا بالاتحاد الأوروبي الذي ألغى تقريبًا الحدود بين بلاده، وأصبحت كل دولة لا قدرة لها على حماية حدودها.
إن هذا المثال في الواقع ضد الجدلية التي يثيرها الكتاب، فالأمن الداخلي لدول الاتحاد أعلى بمراحل من نظيره الأمريكي، وحركة التهريب والمخدرات عبر الحدود الأوروبية لا تقارن بمثيلتها الأمريكية المرتفعة!
وأما المثال الذي تناوله عن الجالية الصومالية في ولاية مينيسوتا، وانغلاقها على نفسها ففيه نظر أيضًا؛ فلقد عرفت الولايات المتحدة منذ نشأتها تجمعات المهاجرين في أحياء خاصة، من الصينيين أو الإسبان أو الإيطاليين أو الأفارقة وغيرهم، ثم من الجيل الثاني والثالث بدأ انفتاحهم أكثر على سائر الجاليات.
فما يحدث للصوماليين في مينيسوتا ليس بدعة أمريكية، ولكنه التكلف الانتقائي من المؤلف. وإن قصة النائبة إلهان عمر التي أثارها الكتاب في مقدمته، في واقع الأمر تدحض روايته عن مينيسوتا، فهذه النائبة من أبناء الجيل الأول لم تكن لتصل إلى الكونجرس إلا بانفتاح كبير على المجتمع الأمريكي كله بطبيعة الحال.
- إن هجوم الكتاب على العولمة في طبعتها التجارية الذي يرى فيه ظلمًا ونهبًا للولايات المتحدة، وهو بالضبط ما استند إليه ترامب مؤخرًا في الرسوم الجمركية التي أحدثت اضطرابات هائلة في أسواق المال والأعمال؛ هذا الهجوم يحمل أيضًا مغالطات هائلة!
إن حرية التجارة ورفع الحواجز الحمائية من صميم الليبرالية الغربية، وفي نفس الوقت ضد الاشتراكية واليسارية التي يهاجمها الكتاب!
يبدو أن محاولة التخلي عن حرية التجارة العالمية ستبوء بالفشل، أولًا لشدة تداخل وارتباط التجارة العالمية، وثانيًا لأن الاقتصاد الأمريكي أصبح معتمدًا على هذا النظام القائم لدرجة لا يمكنه التنصل منها إلا بخسائر هائلة.
إن أكبر الشركات الأمريكية تعتمد بشكل كلي تقريبًا على سلاسل التوريد الأجنبية؛ (خاصة من الصين)، أو لتصنيع مكوناتها أو استيراد موادها الخام من خارج الولايات المتحدة!
لو أخذنا مثالين: شركتي بوينج وأبل، لرأينا أن الولايات المتحدة تقوم تقريبًا فقط بعملية التجميع النهائية لكلا المنتجين!
إن الفكرة الأساسية من الكتاب عبارة عن محاولة الاستفادة القصوى من النظام العالمي القائم، مع التنكر لأي تكاليف في المقابل. إن هذه النظرة الجشعة لا يمكن سترها بالسردية التي ساقها المؤلف ضد العولمة التجارية القائمة.
- يعاني المؤلف من شيء من الاضطراب والتشويش في معنى ومفهوم العولمة، ويراها نقيضًا للأمركة وخصمًا وهدمًا لها!
صحيح أن مصطلح (العولمة) فيه شيء من الغموض على الرغم من كثرة الكتب والدراسات التي كتبت فيه، ومع ذلك هناك رأي سائد عند جملة من الساسة والمفكرين يعتبر مصطلح (العولمة) قرينًا لمصطلح (الأمركة)، أو أنهما وجهان لعملة واحدة!
وهذا ما أشار إليه مؤلفا كتاب (فخ العولمة) عندما قالا: (إن ثمة جهودًا خارقة تبذل لكي يتخذ العالم صورة واحدة؛ ولا ريب في أن المحصلة النهائية لمثل هذا التطور ستكون في المجال الثقافي كما يتبناها ابن نيويورك الفنان «كورت روي ستون» بسيادة الصراخ والزعيق الأمريكي بمفرده في العالم أجمع)[10].
- واللافت هنا أن مخاوف المؤلف من تأثر الثقافة الأمريكية بالعولمة، هي بالضبط ما يشتكي منه الأوروبيون وبعض الآسيويين من أن العولمة جعلتهم يستسلمون أمام الغزو السينمائي والتلفزيوني الأمريكي، ولم يحمهم شعار الاستثناء الثقافي الذي رفعه بعضهم، حتى قال وزير الخارجية الكندي: (لئن كان الاحتكار أمرًا سيئًا في صناعة استهلاكية؛ فإنه أسوأ إلى أقصى درجة في صناعة الثقافة؛ حيث لا يقتصر الأمر على تثبيت الأسعار، وإنما تثبيت الأفكار!).
فالعولمة هي التي حققت الرفاه الاقتصادي الذي تنعم به أمريكا حاليًّا، ونقلها نقلة واسعة في الثلاثين سنة الأخيرة، والعولمة هي التي أعطت الريادة للثقافة الأمريكية عبر هوليوود أولًا، وعبر منصات التليفزيون المدفوع (نيتفليكس وأخواتها) لاحقًا، وأخيرًا عبر منصات التواصل الاجتماعي، وربما مستقبلًا عبر نماذج الذكاء الاصطناعي!
- إن مهاجمة العولمة في الرياضة التي سخر منها المؤلف طويلًا، هي أيضًا مثال صارخ على نفس النظرة الجشعة. إن النموذج الأمريكي هو الذي حول الرياضة الوطنية والعالمية إلى تجارة واحتراف نقل الرياضة من هوايات جميلة، إلى تجارة شرسة!
هذه التجارة كانت سببًا لرفاهية شركات أمريكية كبرى، اضطرت معها لنقل قاعدتها التصنيعية إلى آسيا؛ (إلى الصين وبنجلاديش وفيتنام وغيرها) من أجل العمالة الرخيصة التي تزيد من أرباح تلك الشركات!
هذه الاستفادة الهائلة من العولمة لا يمكن أن تتنكر معها لأن تعمل هذه الشركات أو الاتحادات الرياضية بما يراعي مصالحها التجارية في تلك البلاد. وإذا كانت دولة الولايات المتحدة لا تبالي بالانتهاكات الصينية في هونج كونج ولا الإيغور من أجل مصالحها التجارية، فكيف يتصور المؤلف أن تقف شركة (نايكي) موقفًا مبدئيًّا أخلاقيًّا ضد الصين بصرف النظر عن مصالحها الهائلة في السوق الصيني؟!
- موضوع (أو أزمة) المعادن النادرة التي كثر الحديث عنها مؤخرًا، تعرض لها المؤلف – بحقٍّ – منذ سنوات، ونبه على خطورتها ووصفها بدقة على أنها “قضية أمن قومي ضخمة؛ وحالة طوارئ حقيقية“.
ولذلك يمكن القول إن جهود ترامب الحالية للاستحواذ على المعادن النادرة في أوكرانيا وجرينلاند، ربما تبدو متأخرة، ولكنها في كل الأحوال لا غنى عنها نظرًا لأهميتها البالغة في كثير من الأسلحة عالية التقنية، ومعدات الطاقة لبنية الذكاء الاصطناعي ونقل البيانات عالي السرعة، والصواريخ بعيدة المدى، وتسليح الفضاء، والبطاريات للسيارات الكهربائية وغيرها.
وربما يؤدي هذا الاستعجال الأمريكي لسياسات طائشة سواء في الحرب الأوكرانية أو مع الصين وجنوب أفريقيا وغيرها.
- إن نظرة اليمين المتطرف إلى العولمة السياسية والعسكرية، تتسم أيضًا بالجشع البالغ، وهي نظرة عوراء ترى بعين واحدة. المؤلف يسخر من تجربة التحالف الدولي في أفغانستان (الإيساف) وأن الولايات المتحدة فقط هي التي كانت تخوض العمليات القتالية، بينما الآخرون يكتفون بالمشاهدة والتشجيع! وهذا كان حقيقيًّا ولا شك -اللهم إلا عمليات قتالية محدودة للبريطانيين-، لكن الذي أغفله المؤلف، أن الولايات المتحدة هي التي اخترعت هذا التحالف غطاء سياسيًّا لغزوها واحتلالها لأفغانستان لعشرين سنة، وأن الولايات المتحدة هي التي جرجرت قوات رمزية من خمسين دولة لتثبت لشعبها وغيرهم أنها تقود مهمة أخلاقية يدعمها العالم أجمع!
- دفع التطرف المؤلف للوقوع في تناقضات صارخة، ففي سياق هجومه الشرس على العولمة ومؤسساتها، سوَّغ دعوته لتفكيك حلف الناتو بأن مهمته قد انتهت، وأشار إلى تركيا كمثال، فبعد أن تم ضمها للناتو عام 1951 لتكون سياجًا علمانيًّا في الشرق، وبعد أن أدت هذا الدور لفترة؛ إذا بحكم أردوغان بميوله الإسلامية يتنكر للعلمانية وللجيش الذي تم تأسيسه مدافعًا عنها. يقول المؤلف هذا بينما ينكر بعدها بقليل أي علاقة لأمريكا بالعلمانية، بل وأن العلمانية هدف رئيس في مرمى الحرب الصليبية الأمريكية!
- الفصل الذي عقده المؤلف عن الجندرة وخطورتها، فيه فوائد مهمة للعرب والمسلمين، في تعاملهم مع هذه الثقافة المدمرة بوسائل وآليات أهلية فعالة، خاصة في مجال التعليم. ودعوة المؤلف لليمين في الولايات الديمقراطية، بأن يُلزموا أبناءهم بالتعليم المنزلي، حتى ينجوا من غسل عقولهم بالشذوذ والتحول الجنسي، فيه مفاتيح مهمة للتصدي المجتمعي لهذه اللوثة الثقافية.
- المؤلف محقٌّ في تفنيده لدعاوى اليسار بأن المسيح كان اشتراكيًّا، ولكنه وقع في تطرف مقابل عندما حاول إثبات أن المسيح كان رأسماليًّا!
وبصفة عامة فإن التأسيس “الشرعي” لدعاوى المؤلف الدينية ضعيف متهافت. خذ مثلًا فهمه لما يُنسَب للمسيح في العهد الجديد من قوله: “أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله”، وتعليقه عليها بأنه بهذه الجملة الواحدة، أرسى الشكل الصحيح للفصل بين الدين والدولة، وهو ما شكّل منذ ذلك الحين ركيزةً أساسيةً في الغرب!
طبعًا هذا القول المنسوب للمسيح يتفق أكثر مع دعوى اليسار بإقصاء الدين عن إدارة الدولة وحكمها، وهو التعبير اللائق بالعلمانية التي يهاجمها المؤلف ويريد أن يشن عليها حربًا صليبية جديدة، وإن الحرب الصليبية الأولى كان البابا يأمر – باسم لله – كل قيصر في أوروبا آنذاك أن يشارك في الحرب لتتحقق مشيئة الله!
- إذا افترضنا صدق الكاتب في دعواه ضد العلمانية، وأنها إقصاء للإله عن أمريكا، وأن العلمانية ينبغي أن تكون أول أهداف نيران الحرب الصليبية الأمريكية، فإن هذه الدعوى العريضة لابد لها من طرح نظام سياسي بديل، يتبنى الحريات التي يدعو لها اليمين، ويُنهي قبضة الحكومة الإله كما يصفون، وهذا ما لم يحدث.
يمكن دائما نقد سردية الخصم والتفتيش في عيوبه ونقائصه، لكن الصراحة في عرض البديل بعيدًا عن الإطلاقات ولي أعناق التاريخ والنصوص الدينية، يبدو كله غائبًا في الخطاب اليميني الشعبوي.
إن محاول تقديم ثنائية غامضة مثل أثينا والقدس (ومن قبلهم بعض آباء الصهيونية: روما والقدس) بخلط وجه ليبرالي مع مسحة دينية، هي وصفة مريحة للضمير الغربي؛ لأنها توفر وجهًا أخلاقيًّا أو روحيًّا، ولكن ترجمة هذا إلى نموذج عملي أمر بعيد! والمؤلف لا يستبعد أن يصل الانقسام المجتمعي إلى حرب أهلية (أو كما سماها حربًا صليبية)، وهذا قريب أيضًا مما يلوح في الأفق في إسرائيل، كلما حاول أقصى اليمين فيها أن يتمسك بما يراه حقائق توراتية.
- يمكننا أيضًا ملاحظة أحد أسباب حملة ترامب العاصفة على جامعة هارفارد وأخواتها، فالمؤلف يندد مبكرًا في كتابه بجامعات النخب التي يراها عدوًّا للدين، فيقول: الحكومة هي الفاتيكان بالنسبة للعلمانيين، والسياسيون المحترفون هم قديسوهم. إنجيلهم الخالي من الرب يتم التبشير به في أرقى “جامعات” أمريكا. إن هذه الطائفة المسيحية ترى هذه الجامعات المرموقة رأس حربة فكرية لليسار وإلحاده.
- السردية التي يتبناها الكتاب حول التغير المناخي هي التي يتبناها ترامب وجماعته، وخلاصتها: أن هذا التغير المزعوم هو ادعاء زائف تم فبركته من اليسار، والسبب في ذلك – في نظرهم – أن اليساريين، اختطفوا الحركة البيئية! وبما أن اليسار لم يعد يؤمن بالله، فعليه أن يؤمن بشيء آخر يُرشد حياتنا من السماء. ولندخل في ذلك مسألة تغير المناخ. إن النسخة اليسارية من الحركة البيئية هي دين فاسد – أو طائفة دينية متطرفة. إنها تستغل العلم لمصالح مالية وتجارية!
لهذه الدرجة يتم تأويل أي حراك ليبرالي، مما يعزز الريبة في كل كلمة أو حركة، وبالتالي يفاقم من الانقسام المجتمعي لنقطة اللاعودة! لذلك يصف الكتاب “أسطورة التغير المناخي بأنها العمود الأساس في الكنيسة العلمانية اليسارية“.
هؤلاء يعتقدون بقوة أن الأمر لا يتعلق بالمناخ إطلاقًا! بل يتعلق بإعادة توجيه جذرية لحياة الأمريكيين على نهج اشتراكي، ومن شأنه أن يزيد اعتمادهم على الحكومة، ويسلب السلطة من الأفراد ويضعها في أيدي “خبراء” غير منتخبين وغير مسؤولين يعيشون في واشنطن وبروكسل وباريس.
ويبلغ التطرف مداه في ادعاء المؤلف أن الرأسمالية هي وحدها القادرة على حماية البيئة، وأن حماية الحدود من المهاجرين غير الشرعيين هي التي تسهم في المحافظة على البيئة!
- هجوم المؤلف على “النخب” عمومًا وعلى النخب السياسية بوجه خاص، فيه بعض الحقيقة، من ناحية تعالي بعض النخب على سائر المجتمع، ونرجسيتها في محاولة فرض مفاهيمها ومصطلحاتها وما هو صواب وما هو خطأ.
لكن الحدة التي يتكلم بها تعبر أيضًا عن فقدان تيار اليمين المتطرف للمتميزين من العلماء والمفكرين والأدباء ونجوم هوليود والإعلاميين ونجوم الرياضة ونحوهم، وكثرتهم في نفس الوقت لدى الليبراليين (اليسار)، وربما يكون هذا سبب المبالغة في التنديد بفكرة النخب من أصلها! والتعصب دائمًا أعمى، فالمؤلف عندما أراد أن يثبت تحرره من أسر النخبوية، ذكر تجربته الشخصية، وكيف أنه برغم نشأته النخبوية فإنه سارع للتطوع في الجيش، وكانت أول خدمته في خليج جوانتنامو لحراسة “الأوغاد الإسلاميين”! وكيف أنه التقى هناك بالأمريكيين الحقيقيين الذين يستحقون لقب “النخب”، ويقول عنهم: “بعد تخرجي من برينستون، أُرسلتُ لمدة عام إلى خليج جوانتانامو في كوبا مع الحرس الوطني من نيوجيرسي. حرسنا حثالة الإسلاميين لمدة عام. كانت مهمة طويلة ومملة. لكن بصفتي قائد فصيلة، تعرفتُ على حياة رجالي عن كثب. كانوا رجالًا مجتهدين، يخافون الله، محبين لأمريكا، من الطبقة المتوسطة. مثل الشباب الذين نشأتُ معهم في مينيسوتا. أحبوا بلدهم وعائلاتهم ومشروباتهم. انتقلتُ من الاحتفال مع أصحاب الملايين في برينستون إلى النوم في علبة صفيح مع أصحاب المائة في جوانتانامو. والحمد لله أنني فعلتُ ذلك.” ا.هـ.
وبرغم ما صار معلومًا من السياسة بالضرورة أن جوانتنامو كانت بؤرة للمهانة والتعذيب والظلم، إلا أن التطرف دائمًا يرى بعين واحدة، ويدفع الأمور إلى حوار الطرشان، وهو ما يعزز الانطباع العام أن الانقسام المجتمعي بالولايات المتحدة خرج تمامًا عن إطار الخلاف السياسي!
- إن اعتراض المؤلف على الديمقراطية وتمسكه بالتمثيل النيابي (والمجمع الانتخابي) لعامة الشعب، يتعارض مع تنديده بوجود نخب سياسية، وما النواب إلا نخب سياسية تختارها دوائرها الانتخابية!
- النظرة التي يرى بها اليمين الجديد المتطرف التنوع الثقافي في أمريكا، يملؤها الغل والكراهية. يخوض المؤلف بتكلف شديد في محاولته للتفرقة بين التعددية كواقع؛ حيث كل الأمريكيين – بلا استثناء – مهاجرون قبل أن يكونوا أمريكيين، وبين أن تكون هدفًا للمجتمع؛ لأن هذا تمامًا ضد الأمركة!
وفي حقيقة الأمر أن الواقع أقوى من محاولة هذا التيار اليميني التملص منه؛ فوفقًا لتقرير صدر عام ٢٠١٩ عن المركز الأمريكي لدراسات الهجرة[11]، استنادًا إلى بيانات مكتب الإحصاء الأمريكي، فإن “٦٧.٣ مليون أمريكي يتحدثون لغة أجنبية في منازلهم، وهو رقم قياسي، وأكثر من ٥٠٪ منهم في ٩٠ مدينة كبيرة”، و”في تسع ولايات، يتحدث واحد من كل أربعة سكان لغة أخرى غير الإنجليزية في منازلهم“.
هذا الواقع يرفض المؤلف وجماعته تأثيره، ويرون أن اللغة الإنجليزية، هي لغة أمريكا – لغة ثقافتها، وحياتها المدنية، وأعمالها، وبالتالي لا يجب الاستسلام أو تشجيع هذا التعدد والتنوع!
ويجادل المؤلف بأن قبول التعددية كهدف وغاية يحولها إلى “عنصرية تعددية”! ويؤدي حاليًّا إلى عنصرية ضد البيض! وبالتالي يرى أن أحد أهداف الحرب الصليبية الأمريكية هو إنهاء فكرة “قوتنا في تعددنا وتنوعنا” ليكون مكانها “قوتنا في مؤسسينا وفي جيشنا وقدراتنا”!
هذه الجرأة الشديدة في تحدي مفاهيم حاولت أن تسود عند الدوائر الحاكمة في أمريكا، هي جرأة لافتة ولا تتوفر عادة إلا لأصحاب عقيدة يمكنهم السباحة ضد التيار بعزم وحماسة.
ومع هذه الجرأة، لابد للقارئ أن يشعر بأن المؤلف يكتم أكثر مما صرح به، مراعاة ومواءمة للواقع الذي يرفضه، وإذا صدق هذا الحدس، فإن خطورة اليمين المتطرف قد تكون أكبر بكثير مما يبدو. سنعود لهذه النقطة لاحقًا في تقدير هنتنجتون لتأثير ضعف الهوية الأمريكية على الانحطاط الوطني.
- في أحيان نادرة حاول المؤلف أن يتلطف مع بعض معارفه وزملائه من المسلمين، لكن عاطفته الجياشة الكارهة للإسلام طغت على عقله وفكره … وكلماته، ولعل هذا من فوائد هذا الكتاب.
- إن المؤلف يقدم فهمه وقناعاته بصراحة شديدة، وينبغي بالفعل أن يؤخذ كلامه على محمل الجدِّ حين يعبر عن فهمه الشخصي وفهم تياره الذي ينتمي إليه عن الإسلام. هذه فقرة كاملة تعبر عن هذا الوضوح الذي لا لبس فيه، إذ يقول (في الفصل الثاني عشر):
- “في كتابي الأول، “في الساحة”، كتبتُ بإسهاب عن خطر الإسلاموية. يعيش معظم الأمريكيين، وخاصة اليساريين، برؤية رومانسية للإسلام والإسلاموية، أشبه بنظرة لورنس العرب. يقولون: إن الإسلام “دين سلام”، ينبغي أن يعتنقه الغرب المتسامح! تُغرس هذه المقولة في أذهاننا في المدارس، ثم تُكرر حتى الغثيان في ثقافة عقلية القطيع ووسائل الإعلام الإخبارية التي تُصر على الصوابية السياسية.
إن رواية “الإسلام = السلام” هي رؤية عالمية ساذجة وجبانة، لأن البديل هو مواجهة حقيقة تهديد يكاد يكون مُرعبًا لدرجة يصعب إدراكها. على مدار معظم تاريخ أمريكا، حظينا بالراحة والحظ السعيد لحماية أنفسنا من تأثير الإسلاموية؛ فقد كانت في قارات أخرى، تُهدد شعوبًا أخرى، بعيدًا عن شواطئنا. ثم سقط برجان في مانهاتن، وخاض جيل كامل من الأمريكيين – بمن فيهم أنا – الحرب وحصلوا على مقعد في الصف الأمامي لحقيقة الإسلاموية.
- لقد قضيتُ وقتًا لا بأس به في العالم الإسلامي والعالم العربي، بالتأكيد أكثر من معظم الأمريكيين. لقد جُبت ساحة المعركة مع المسلمين ومعهم، ضدهم. قضيت ساعات في حوارات دينية وفلسفية عميقة مع مسلمين من مختلف مناحي الحياة – من عامة الناس، متدينين وغير متدينين، ومحترفين متعلمين في الغرب، وأئمة مساجد متطرفة و”معتدلة”، وجميع فئات المسلمين السنة والشيعة بينهما. أفهم تمامًا الفرق بين المسلمين “المسالمين” والمسلمين المتدينين. لديّ العديد من الأصدقاء الأعزاء المسلمين – بمن فيهم تكساس عمر وعائلته وزملاؤه في قناة فوكس نيوز. إنهم أشخاص رائعون، يعملون ويقاتلون – في رأيهم – لإنقاذ دين يحاصره المتطرفون. لا أتفق مع هذا التقييم، لكنهم يحبون أمريكا، لذا أحترمهم كثيرًا. لكنهم محاصرون.
إلى جانب الشيوعيين الصينيين وطموحاتهم العالمية، تُعدّ الإسلاموية أخطر تهديد للحرية في العالم. لا يمكن التفاوض معها أو التعايش معها أو فهمها؛ بل يجب فضحها وتهميشها وسحقها!
ومثل الصليبيين المسيحيين الذين صدّوا جحافل المسلمين في القرن الثاني عشر، سيحتاج الصليبيون الأمريكيون إلى حشد الشجاعة نفسها ضد الإسلاميين اليوم.
- ما الإسلاموية؟ بغض النظر عن كيفية ترويج المعتدلين السلميين لخطابهم، يستغل المسلمون المتطرفون – الإسلاميون – كل جانب تقريبًا من جوانب الإسلام السائد لخدمة قضيتهم. المسلمون المعتدلون لا يحاربون الإسلاميين فحسب، بل يحاربون أيضًا الجزء الأعظم من العقيدة والتاريخ والتقاليد الإسلامية! لقد خسروا معركة إعادة عظمة الإسلام لمدة 1300 عام، والدليل على ذلك سهولة استغلال الإسلاميين للإسلام “المعتدل” لخدمة قضيتهم.” ا.هـ.
- وبعيدًا عن المغالطات الفجة التي لا ترى التشويه الدائم للإسلام والمسلمين في الغرب عمومًا، حتى أطلقوا بأنفسهم على هذا الظاهرة: إسلاموفوبيا، إلا أن المؤلف يرى أن حالة من التجميل الكاذب للإسلام يجري غرسها في العقل الأمريكي والثقافة الأمريكية والتعليم الأمريكي!
- واللافت هنا أن المؤلف يعبر عن عدائه للإسلام نفسه كعقيدة وتاريخ، ثم يسكب على هذا مغالطات فجة حول الواقع الظاهر الواضح، فتكون النتيجة هذا الانحراف الفكري المتطرف، الذي إذا امتلك سلطة وقوة فلا سقف لتوقع ما يمكن أن يُحدث!
- نحتاج كعرب ومسلمين أن ننظر إلى الصورة الكبيرة للمشهد الأمريكي لنرى أين يتموضع هذا الفكر اليميني المتطرف. ربما يفيد في هذا استدعاء السؤال المهم الذي أثاره هنتنجتون قبل موته “من نحن؟ “، وسؤاله كان لافتًا وهو نفسه صاحب نظرية “صراع الحضارات” التي استبق بها معركة الولايات المتحدة مع الإسلام، وزعم أن الحروب المستقبلية لن تكون بين الدول، بل بين الثقافات، وأن الحضارة الإسلامية سوف تصبح التهديد الأعظم للهيمنة الغربية على العالم.
هنتنجتون عاد بعد ذلك ليولي وجهه شطر الداخل الأمريكي ليرى فيه التهديد الحقيقي بطرحه لسؤال الهوية الأمريكية. لقد سلط الضوء على أمريكا – أو بالأحرى، أمريكا كما يعتقد أنها يجب أن تكون.
قدم هنتنجتون في كتابه الأخير جدلًا حادًّا، حجته المحورية – أن أمريكا، في جوهرها، كانت، ويجب أن تظل، من نواحٍ عديدة، دولة مسيحية ذات مركزية إنجليزية (أنجلوساكسونية)، وسعى مطولًا إلى إثبات أن العقيدة الأمريكية، التي يُعرّفها بأنها أيديولوجية متأثرة بالبروتستانتية، مُصمَمة على غرار النظام البريطاني، وأنها كانت النية الأصلية للآباء المؤسسين لأمريكا، ولا تزال أفضل مسار لأمريكا.
ونلاحظ أنه انتقل إلى العديد من المواضيع التي يتشبث بها كتاب الحروب الصليبية، مثل اللغة الإنجليزية المُهدَدة (لصيقة الصلة بسؤال الهوية)، ومخاطر الهجرة والتعددية الثقافية – لإثبات وجهة نظره.
واللافت أنه توقع (وقت صدور كتابه عام 2004) بأن الانقسام المتزايد بين الطبقة العاملة الوطنية و”النخب المُجرّدة من الهوية الوطنية” سيؤدي إلى انقسامات داخلية.
تنبأ هنتنجتون في كتابه أيضًا بحركة قومية بيضاء، ورأى هذه الحركة، وإن لم “تدافع عن تفوق العنصرية البيضاء”، إلا أنها لا تزال تعتقد أن “اختلاط الأعراق، وبالتالي تعدد الثقافات، هو الطريق إلى الانحطاط الوطني“.
والكتاب مشوه أيضًا بعدد من التناقضات؛ شبيهة بتناقضات كتاب هيجسيث. والشاهد هنا، أن هذه الحركة اليمينية بنسختها الترامبية، ليست مجرد طلقة طائشة، بل إن إرهاصات داخلية عميقة أسهمت في إفرازها وتشكلها، وقد كونت لها “عصبية” بحاضنة شعبية لديها استعداد كبير للمواجهة.
يمكن أيضًا اعتبار كتاب “من نحن” لهنتنجتون، دليلًا معقولًا لفهم هذا اليمين.
الباب الثالث والأخير من الكتاب بعنوان: القتال:
وفيه فصلان:
الفصل الثالث عشر: الخطوط الأمامية: التعليم ودولة إسرائيل:
يشرح هيجسيث في مقدمته الخطوط العريضة للمعركة مع الأعداء داخل الولايات المتحدة، فيقول:
“خذوا لحظةً للتأمل في الأدلة الدامغة الواردة في هذا الكتاب، والتي أمام أعيننا، على الفساد اليساري المستمر والفعَّال. بصفتي كاتبًا صادقًا وعاقلًا، اسألوا أنفسكم إن كان هذا تهديدًا يمكن تجاهله أو إدارته أو التفاوض بشأنه. هل كان الفوز في انتخابات عام ٢٠١٦ كافيًا لضمان استمرار أمريكا حرة ومزدهرة؟ أم أن الفوز في انتخابات أخرى عام ٢٠٢٠ سيكون كافيًا؟
في قلوبكم، تعرفون الإجابة. وتعلمون أن وقتنا قد حان. هذا الجزء من الكتاب حيوي لأنه يحدد الاستراتيجية التي يجب أن نتبعها “لهزيمة أعداء أمريكا الداخليين“. على الرغم من أهميتها، إلا أن الاشتباك مع الليبراليين على وسائل التواصل الاجتماعي، والتبرع للمرشحين، والتصويت، ليست كافية. بصفتنا محاربين أمريكيين نريد النضال والفوز، فمن أين نبدأ؟
اسمحوا لي أن أقترح إجابة من ثلاث كلمات: التعليم، التعليم، التعليم.
لم يفت الأوان أبدًا لجعل التعليم محور اهتمامكم. إنه شيء يمكنكم التأثير فيه أينما كنتم. لا يوجد عمر لا يمكن بلوغه، ولا مدرسة، ولا مدير، ولا معلم بمنأى عن المساس، ولا ساحة ضيقة جدًّا. السبب الذي يجعل اقتحام مجال التعليم يبدو تافهًا للغاية هو أنه كذلك بالفعل. فنحن نقضي وقتًا طويلًا في التركيز على غضب اليوم لدرجة أننا نغفل عن المعركة ذاتها التي قد تُحدث تحولًا جذريًّا في حياة الأجيال القادمة. نعم، أتحدث عن التعليم في الفصول الدراسية، ولكن ليس في هذا المكان فحسب؛ بل أتحدث أيضًا عن التعليم في منازلنا، وفي ثقافتنا… وفي كنائسنا”.
ويرى الكاتب أن إنشاء كارتر لوزارة فيدرالية للتعليم كان خطوة هدامة وخطيرة لاتخاذ التعليم سلاحًا بيد اليسار لتشكيل عقول الأجيال الجديدة واستحواذ أصواتها الانتخابية إذا نشأت على أفكار اليسار، ويُثني على رونالد ريجان من مخاوفه من هذه الوزارة ومحاولته المبكرة في إلغائها. أمريكا تنتصر عندما تُدرّس قصتها – لأنها مبنية على الحقيقة، والفطرة السليمة، والطبيعة البشرية.” (ص 238).
كلام هيجسيث عن التعليم وخطورته، واعتباره في خط المواجهة الأول في معركته السياسية أمر مفهوم، لكن الغريب أن يجعل إسرائيل هي الدعامة الثانية المهمة معه على خط المواجهة في حربه الصليبية التي يروج لها!
ويبادر ليشرح هذه السردية العجيبة فيقول:
“قد تسأل، ما علاقة دولة إسرائيل بكل هذا؟ أنا أعيش في الولايات المتحدة؛ لماذا تُعتبر إسرائيل على “خط المواجهة”؟
ببساطة: إذا كنت لا تفهم أهمية إسرائيل وكونها محورية في تاريخ الحضارة الغربية – وأمريكا هي أعظم تجلياتها – فأنت لا تعيش في التاريخ. قصة أمريكا مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالتاريخ اليهودي المسيحي ودولة إسرائيل الحديثة!
يمكنك أن تحب أمريكا دون أن تحب إسرائيل – لكن هذا يُشير إلى أن معرفتك بالكتاب المقدس والحضارة الغربية ناقصة تمامًا. إذا كنت ستخوض حربًا صليبية، فأنت بحاجة إلى معرفة رسالتك كاملةً.
هذا القسم الموجز ليس المقصود منه تقديم دفاع كامل عن إسرائيل؛ ولكن بصفتك “صليبيًّا” أمريكيًّا طموحًا، اعتبره واجبًا دراسيًّا منزليًّا!
نقطة انطلاق رائع لك هي المنصة الإعلامية PragerU لتشاهد مقاطع فيديو مثل: “لماذا لا تدعم إسرائيل؟”، و”التأسيس القانوني لإسرائيل”، و”لماذا تنفق أمريكا كل هذا المبلغ على إسرائيل؟” بعد ذلك، اقرأ كتاب “سلام دائم: إسرائيل ومكانتها بين الأمم” لبنيامين نتنياهو؛ ستدرك سريعًا عمق الصلة بين التعليم وإسرائيل والنزعة الأمريكية.
إذا كنت تحب أمريكا، فعليك أن تحب إسرائيل. نتشارك التاريخ، ونتشارك الإيمان، ونتشارك الحرية. نحب الشعوب الحرة، وحرية التعبير، والأسواق الحرة. وبينما تتمتع أمريكا بمحيطين كبيرين وجميلين لحمايتها، فإن إسرائيل محاطة من جميع الجهات بدول سعت، أو لا تزال، إلى محو الأمة من على الخريطة.
إسرائيل هي العدو الأول لكل من الإسلاميين واليساريين الدوليين – وهذا سبب وجيه لحبها. السبب الكامن وراء كراهيتهم هو معاداة السامية. تذكروا أن الفاشية والنازية والاشتراكية لم تكن يومًا أيديولوجيات “يمينية”؛ بل كانت، وستظل دائمًا، تعبيرات عن اليسار.
لكراهية اليهود تاريخ طويل بين اليساريين، والإسلاميون متعهدون بإخضاع وقتل أي يهودي يجدونه. لقد تعلمتُ هذا الدرسَ بنفسي في أعقاب تفجير المسجد الذهبي عام ٢٠٠٦ عندما كنتُ أخدم في العراق. في أول دوريتنا في المدينة بعد هجوم القاعدة، كانت مكبرات صوت المسجد تُذيع رسالةً واحدة: لقد قصف الأمريكيون – واليهود – المسجد. أتذكر أنني فكرتُ: “لا يوجد يهوديٌّ واحدٌ ضمن نطاق خمسمائة ميل من سامراء – ومع ذلك يُلامون؟”.
أهلًا بكم في الشرق الأوسط والجامعات! اليوم، كما في سامراء، لا تزال معاداة السامية حيةً وبصحة جيدة بين “نخب” بلدنا وهم يشنون حملةً لا هوادة فيها لمقاطعة دولة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها.
تأسست حركة المقاطعة (BDS)، المُقنّعة باسم حملة من أجل “حقوق الإنسان”، من قِبل منظمات إرهابية فلسطينية رئيسة عام ٢٠٠١ كوسيلة “غير عسكرية” للقضاء على إسرائيل. الهدف واحدٌ دائمًا: القضاء على الدولة اليهودية. تعجّ الجامعات الأمريكية بالجماعات التي تُروج لأجندة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات.
وتدور المعركة على الأراضي الإسرائيلية أيضًا. مع كل رحلة أقوم بها إلى إسرائيل لصالح قناة فوكس نيشن، وفي أوقات فراغي، أكتشف طريقة جديدة يسعى بها الإسلاميون وداعموهم اليساريون إلى إنكار التاريخ والتراث اليهودي.
اليوم، يحاول الإسلاميون في القدس الادعاء بأن الهيكل المقدس الذي بناه الملك سليمان وأعاد هيرودس بناءه لم يكن موجودًا قط. يبدو أنهم يريدوننا جميعًا أن نصدق أن اليهود – من إبراهيم إلى عيسى – لم يضحّوا أو يبنوا أو يعبدوا في تلك القطعة من الأرض تحديدًا. إنكار الهيكل هو أداة أخرى يسعون من خلالها إلى محو اليهود والدولة اليهودية.
وإذا لم يكن هذا وهمًا كافيًا، فقد اكتشفت في رحلة قمت بها مؤخرًا إلى بيت لحم – مسقط رأس عيسى – أن الفلسطينيين يدّعون الآن أن عيسى لم يكن يهوديًّا في الواقع، بل فلسطينيًّا. جرّب هذا لتكتشف ذلك – أو شاهد فيلميّ الوثائقيين اللذين أعددتهما على قناة فوكس نيشن حول هذا الموضوع: “معركة في المدينة المقدسة” و”معركة في بيت لحم”. ولكن إذا كنت لا تعرف الكتاب المقدس أو تاريخك، فقد تغريك هذه الادعاءات.
كما أدرك مؤسسونا، فإن الحرية بدون إيمان لا تُطاق ولا تُستدام، وإن خطوط المواجهة الأمريكية هي خطوط المواجهة لإيماننا – وهي القدس وإسرائيل.
لقد زرتُ إسرائيل سبع أو ثماني مرات، وفي كل مرة أزداد تعلقًا بمركزيتها الكتابية وأهميتها المعاصرة”.
ويستجيش ما أمكن من المشاعر الدينية، للحث على حبِّ إسرائيل والدفاع عنها، ويختم هذا الفصل قائلًا:
“بعد معاناة أهوال المحرقة الأوروبية – التي قُتل فيها أكثر من ستة ملايين يهودي على يد الاشتراكيين الألمان – أُعيد تأسيس دولة إسرائيل أخيرًا. ومنذ ذلك اليوم، تُهاجم إسرائيل من جميع الجهات. إذا قرأت الكتاب المقدس، ستعرف أن الشعب اليهودي بعيد كل البعد عن الكمال. الله يوضح ذلك جليًّا. لكنه أيضًا يقف مع شعب إسرائيل ضد أعدائهم ويبارك من يبارك إسرائيل (سفر التكوين ١٢: ١-٣).
تواصل إسرائيل هزيمة أعدائها الإسلاميين – بفضل جدارها العظيم الجميل وجيشها الجبار. أولئك الذين يقاتلون على الجانب الخطأ، الإسلاميون، يتعرضون للضرب باستمرار – وهم يحتقرون الشعب اليهودي لدفاعه عن نفسه.
يجب على أمريكا أن تقف مع إسرائيل؛ لأننا نكرم الله ونحب الحرية. إسرائيل رمز للحرية. بل أكثر من ذلك، إنها تجسيد حيّ ونابض للحرية. إسرائيل هي خط المواجهة للحضارة الغربية، وشهادة على كيف يمكن للحياة والحرية والسعي وراء السعادة أن تُغير منطقة مُحاصرة وتوفر معيارًا… من حياة لا مثيل لها في أي مكان آخر في الشرق الأوسط.
وهذه الحقيقة تُرعب اليساريين الذين يكرهون أمريكا وإسرائيل؛ ولذلك في أذهانهم يجب إدانة الأمة وتدميرها؛ لأن الأحرار، الذين يهتدون بالإيمان، هم عكس ما يريده اليسار تمامًا.
بالنسبة لنا، كصليبيين أمريكيين، تُجسد إسرائيل روح حملتنا الصليبية الأمريكية – “لماذا” و”ماذا”. الإيمان، والأسرة، والحرية، والمبادرة الحرة؛ إن كنت تحب هذه الأشياء، فتعلم أن تحب دولة إسرائيل. “ثم ابحث عن ساحة للقتال من أجلها”.
بعد تحديد الخطوط الأمامية، دعونا نُطلق حملة صليبية أمريكية شاملة.” (ص 242).
الفصل الأخير: “لنجعل الحملة الصليبية عظيمة من جديد”:
يحدد المؤلف فيه استراتيجية حربه الصليبية المقدسة بعد أن حدد قبلها دعامتي الخطوط الأمامية للجبهة: التعليم ودولة إسرائيل.
اللافت أو المهم في هذا الفصل، هو الشرح التفصيلي لنظرتهم للتاريخ عمومًا، ولتاريخ المسيحية والإسلام تحديدًا. هذه فقرة مطولة تشرح قناعاتهم التاريخية. يقول:
“سواءً شئتَ أم أبيتَ، فأنتَ “كافر” – غير مؤمن – وفقًا للدين اليساري الزائف. أنت مُعرَّض للفناء. ومثل الإسلام السياسي، يمكنكَ الاستسلام الآن أو لاحقًا؛ أو يمكنكَ القتال.
هل تستمتع بالحضارة الغربية؟ الحرية؟ العدالة المتساوية أمام القانون؟ اشكر صليبيًّا.
لنجعل الحملة الصليبية عظيمة من جديد.
منذ البداية، قبل ألفي عام، جلب ربنا ومخلصنا يسوع المسيح السلام. كانت رسالته – ولا تزال – المحبة. لم يكن قوله في إنجيل متى ١٠:٣٤: “لا تظنوا أني جئتُ لألقي سلامًا على الأرض. ما جئتُ لألقي سلامًا بل سيفًا” دعوةً إلى حمل السلاح، بل إشارةً إلى الخلاف الذي يواجهه المسيحيون عندما يُعبِّرون عن إيمانهم. انتشرت المسيحية من خلال الوحي الإلهي، والإقناع العقلي، والرحمة الإنسانية، والسفر الإنجيلي، تلتها قرون من الاضطهاد المميت للمؤمنين.
لم يعتنق زعيم أقوى إمبراطورية في العالم الدين المسيحي، وحملت المسيحية سيفها إلا في القرن الرابع الميلادي. بعد أن اعتنق الإمبراطور الروماني قسطنطين الكبير المسيحية في القرن الرابع الميلادي، أصبحت تلك القوة العظمى فعليًّا الإمبراطورية الرومانية المقدسة. وُلدت المسيحية رسميًّا، وبنى الرومان قوة عسكرية لتعزيز نفوذهم، وأصبح المسيحيون الآن آمنين خلف درع الإمبراطورية. كان للمسيحية جيش – للدفاع عن نفسها.
بعد قرون، وُلد دين الإسلام. كان محمد، مؤسسه، نقيضًا تمامًا ليسوع. كان محمد محاربًا بكل معنى الكلمة. لم يجلب الإسلام السلام، بل اكتسب القوة بالإكراه والحرب. بنى محمد جيشًا شرسًا وقاده، وذبح أعداءه، “واعدًا أتباعه الذين ضحوا بحياتهم من أجل الإسلام بالجنة”.
لم يحتج الإسلام يومًا إلى جيش، لأنه جيش. منذ نشأته، ودون انقطاع تقريبًا، وغَذَّى الجهاد توسعه. كان أمام “الكفار” مثلي ومثلك، ثلاثة خيارات عند مواجهة المسلمين: اعتناق الإسلام، أو دفع الجزية، أو القتال حتى الموت. (اليسارية أيضًا تقدم هذه الخيارات الثلاثة). منذ القرن السابع – وحتى اليوم – كان الإسلام في موقف هجومي.
بحلول القرن الحادي عشر، كانت المسيحية في منطقة البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك الأماكن المقدسة في القدس، محاصرة بالإسلام لدرجة أن المسيحيين كان أمامهم خيار صعب: إما شن حرب دفاعية أو الاستمرار في السماح بتوسع الإسلام ومواجهة حرب وجودية في أوطانهم في أوروبا. كان يساريو اليوم سينادون بـ”الدبلوماسية”، بإرسال السير جون كيري[12] إلى القدس للتوسط في السلام بالعزف على الجيتار مع جيمس تايلور. نعلم كيف كانت ستؤول الأمور.
اختار البابا والكنيسة الكاثوليكية والمسيحيون الأوروبيون القتال – وولدت الحروب الصليبية. حثّ البابا أوربان الثاني المؤمنين على قتال المسلمين، رافعًا شعاره الشهير: “الله يشاء!“. تطلبت هذه اللحظة من أتباع المسيح أن يحملوا “السيف دفاعًا عن إيمانهم وعائلاتهم وحريتهم”.
بعد قرون من القتال، انقلبت الموازين. نجا المسيحيون في أوروبا، وحُرّرت القدس، ولم يسعَ المسيحيون إلى خوض حرب أخرى مع المسلمين.
خلال حياته على الأرض، كان يسوع محاربًا روحيًّا؛ ولكن بعد ألف عام من صلبه، أُجبر أتباعه على حمل السيف لحماية عائلاتهم ودفاعًا عن حقهم في عبادته بحرية وسلام. خلافًا لما يروج له العديد من العلماء اليساريين والديمقراطيين، لم يُعلّم يسوع قطّ شيئًا ضدّ الدفاع عن النفس.
مرة أخرى، هل تستمتع بالحضارة الغربية؟ بالحرية؟ بالمساواة في العدالة؟ شكرًا للصليبيين. لولا الحروب الصليبية، لما كان هناك إصلاح بروتستانتي ولا نهضة. لما كانت هناك أوروبا ولا أمريكا. لكن حتى بعد أن أوقفتهم الحروب الصليبية، لم يتوقف المسلمون عن القتال والتوسع، بعنفٍ وسِلم. استمر جهادهم واتسع. في هذه الأثناء، تخلّت الكنيسة الأوروبية عن جهادها. ومع ازدياد علمانية القارة، تلاشى عزمها على الدفاع عن نفسها. اليوم، لم يعد موطن الحروب الصليبية كنيسةً نابضةً بالحياة أو جيشًا مهيبًا. أنقذت أمريكا أوروبا مرتين في حربين عالميتين، ويقود البابا اليوم صلواتٍ بين الأديان.
لحسن الحظ، في القرنين السادس عشر والسابع عشر، بدأ جيش مسيحي آخر بالإبحار إلى قارة جديدة هربًا من اضطهاد الكنيسة التي فسدت. أسس هؤلاء المسيحيون والمفكرون الأحرار أمةً جديدةً قائمةً على الإيمان والحرية والعدالة المتساوية. منذ البداية، كان على هذه الأمة المسيحية أن تكافح من أجل حقها في الوجود، هازمةً أقوى إمبراطورية في العالم منذ الرومان – المملكة المتحدة – أولًا من أجل الاستقلال، ثم مرةً أخرى في حرب عام ١٨١٢. اليوم، تمتلك أمريكا الجيش الوحيد القوي، المؤيد للحرية، المؤيد للمسيحية، المؤيد لإسرائيل في العالم. الجيش الوحيد.
وكما أثبتنا في الحرب العالمية الأولى، والحرب العالمية الثانية، ومنذ ذلك الحين، ليس لدينا أي مصلحة في الاستيلاء على دول أخرى لصالحنا. أطلق الجنرال أيزنهاور على جهودنا لتحرير أوروبا اسم “الحملة الصليبية الكبرى”، ملمحًا بشكل صحيح إلى أنها كانت حرب دفاع وإنقاذ.
نحن في الولايات المتحدة لا نحاول تحويل أعدائنا بالقوة؛ فبعد هزيمتهم هزيمة نكراء، نعيد بناءهم. نحن لا نقاتل لأننا نكره أعداءنا ونعتبرهم أقل من البشر كما يفعل الإسلاميون؛ نحن نقاتل لأننا نحب حرياتنا التي وهبها لنا الله!
هاجمنا الإسلاميون في 11 سبتمبر وفي مناسبات أخرى لا حصر لها، وتسللوا إلى أوروبا، ويشقون طريقهم إلى أمريكا – بفضل اليساريين. وبالمثل، يتعرض المسيحيون في جميع أنحاء العالم للهجوم والقتل والاضطهاد وإجبارهم على الفرار – بفضل الإسلاميين.
ولم يكترث اليساريون على الإطلاق؛ بل يعتقدون أن المسيحيين يستحقون ما حدث. ها نحن ذا مرة أخرى، تمامًا كما كان الحال بعد محمد، عندما كان المسيحيون المسالمون حول العالم بلا جيش. نحن محاصرون، لكن لدينا خيار. بعد ألف عام، لا نريد القتال، لكن علينا ذلك. نحن بحاجة إلى حملة صليبية أمريكية. على المسيحيين – إلى جانب أصدقائنا اليهود ومحبي الحرية في كل مكان – أن يدافعوا عن إيمانهم، ويدافعوا عن حريتنا، ويهزموا اليسار بجميع أشكاله، بما في ذلك الإسلاموية.” (ص 248).
قراءة نقدية في الباب الثالث: القتال:
- انتباه المؤلف لخطورة ملف التعليم ومحوريته لهوية البلاد أمر جيد ويغرد به خارج اهتمامات النخب السياسية بحق، لكن اعتباره إنشاء جيمي كارتر لوزارة التعليم خدمة لليسار وإقصاء الدين عن التعليم، لا يخلو من تناقض، فإن من العجيب أن يعتبر كارتر مروجًا لليسارية رغم أن كارتر إنجيلي أكثر من ريجان (ومثل بوش على الأقل)! وقس مبشر كرس حياته للتعليم الكنسي، بل هو أصولي، وأعلن كارتر أنه ولد من جديد مثل بوش الابن. القضية في حقيقتها هنا أجندات حزبية بغلاف ديني متناقض!
- تعتمد الأفكار المتطرفة عادة على تخويف أتباعها وإلقاء الرعب في قلوبهم إذا تقدم خصومهم، لأن الخوف كثيرًا ما قد يدفع الخائفين إلى تسليم زمام قيادهم دون تردد!
في خاتمة الكتاب قدم هيجسيث نبوءة كاذبة لجماعته حول ما سيحدث إذا خسروا انتخابات 2020 – وما بعدها. فقال بجرأة لا يحسد عليها:
“ماذا لو خسرنا كليهما؟ سأختصر، لأنه مُدمرٌ للغاية لدرجة يصعب استيعابها. لقد رأينا بالفعل لمحاتٍ عمّا ستجلبه خسارة هذه الحملة الصليبية (انتخابات 2020):
- ستمحو العولمة حدودنا وسيادتنا وهويتنا الوطنية.
- ستحول الجندرية، مجازيًّا وحرفيًّا، أولادنا إلى فتيات وبناتنا إلى فتيان.
- ستخنق الاشتراكية اقتصادنا وتُفلس أمريكا – في جيل واحد.
- ستدفن العلمانية الرب تحت وطأة الحكومة، مُغلقةً بذلك مصيرنا الثقافي.
- ستُغلق البيئة المزيد من مصانعنا، وستجعل كوكبنا أسوأ.
- ستخنقنا النخبة السياسية بأستاذيتها السياسية المزعومة حتى تُصبح مجرد أفكارنا جريمة.
- ستُضخم التعددية الثقافية اختلافاتنا، مُفرّقةً إيانا ومُضعِفة لنا.
- ستنمو الإسلاموية وتنمو حتى تُصبح قويةً بما يكفي للاستيلاء على كل شيء.
- ستُدمر اليسارية… استعبدونا جميعًا بالحكومة الكبيرة حتى تُستعبد من قِبل الإسلاموية.
- سيُطبّق التعديل الأول من الدستور فقط على نقاط النقاش اليسارية الصحيحة سياسيًّا، وسيختفي التعديل الثاني. “سيتم إجهاض الأجنة بأعداد قياسية، وستُعلّم مدارسنا الأطفال أن كل هذا أمر جيد وضروري”.
- ستتراجع أمريكا وتموت.
- سينشأ طلاق وطني.
- سيقاوم محبو الحرية الذين يفوق عددهم اليساريين عددًا. سيُجبر الجيش والشرطة، وكلاهما معقل للوطنيين المُحبين للحرية، على اتخاذ قرار.
- لن يكون الأمر جيدًا. نعم، سيكون هناك شكل من أشكال الحرب الأهلية. إنه سيناريو مروع لا يريده أحد، ولكن سيكون من الصعب تجنبه. إذا انقسمت أمريكا، فلن يكون للحرية جيش.
- ستنهض الصين الشيوعية – وتحكم العالم. ستستسلم أوروبا رسميًّا. سيحصل الإسلاميون على أسلحة نووية وسيسعون إلى محو أمريكا وإسرائيل من على الخريطة.
- ستتلاشى الحرية، وسيظهر الطغيان.
ويؤكد في ختامها: هذا ليس خيالًا، هذه بروفة!
- بعد خمس سنوات من نشر الكتاب، وبعد خسارة ترامب انتخابات 2020، لم يحدث شيء مما توقعه المؤلف وأرهب به اليمين القومي المسيحي، بل وأكثر من ذلك لمن يتأمل في تلك المخاوف والتهديدات الستة عشر التي ذكرها هيجسيث، قد بدأ بعضها يلوح في الأفق بالفعل مع الشهور الأولى لولاية ترامب الثانية!
- عنوان الكتاب وهدفه، هو الدعوة لحرب صليبية أمريكية، على غرار الحملة الصليبية القديمة. وكان من المؤسف جدًّا هذه المحاولة الساذجة لإعادة كتابة التاريخ بتمجيد الحملات الصليبية القديمة، ورسم صورة وردية إيمانية تحررية لها!
والمؤلف يعرف كما يعرف غيره، النظرة الغربية العامة لتلك الحروب، وأنها كانت لأغراض سياسية واقتصادية بحتة، وتدثرت بالدين لحشد الفلاحين وعامة الناس للقتال!
والمؤلف يعرف كما يعرف غيره، أن القدس كانت بأيدي المسلمين لعدة قرون، وتمتع خلالها اليهود والنصارى بالأمن وحرية العبادة، كما يعرفون أن شرارة شن الحملات الصليبية كانت معركة ملاذكرد بين الإمبراطورية البيزنطية والسلاجقة المسلمين (عام 1071)، وانتصر فيها السلاجقة وامتد حكمهم إلى الأناضول وأرمينيا في غرب آسيا، ولم يكن لهذا علاقة من قريب أو بعيد بالأماكن المقدسة.
- ويعرفون أيضًا أن اليهود كانوا أول ضحايا الحملات الصليبية في أوروبا أولًا ثم في فلسطين؛ حيث تعرضوا لمذابح ومحارق يصعب حصرها على أيدي الصليبيين.
- صحيح أن المؤلف كتب استدراكًا قصيرًا على سرديته المزورة لتاريخ الحملات الصليبية (ربما ليوهم بشيء من التوازن العلمي!)، فجاء استدراكه القصير ناسفًا للصورة الملكوتية التي صور بها تلك الحملات الغاشمة، إذ قال:
“أنا لا أُبالغ في وصف الحروب الصليبية؛ فقد كانت دموية ومليئة بالفساد والظلم والمآسي التي لا تُوصف، وخاصةً ضد أصدقائنا اليهود. لقد قرأتُ التاريخ الكامل للحروب الصليبية؛ لقد كانت معقدة، وخاطئة، وغير واضحة المعالم. لكن البديل – الاستسلام – كان ليكون مروعًا لمليارات البشر حول العالم”!
وللقارئ أن يتصور المؤلف يصف قراءته “للتاريخ الكامل للحروب الصليبية” (وطبعًا من المصادر الغربية)، فوجدها معقدة، وخاطئة، وغير واضحة المعالم، ومع ذلك يدعو الشعب الأمريكي لحملة صليبية جديدة!
- في رؤيته التاريخية، لم يتعرض المؤلف بكلمة عن مآسي القرن العشرين (وتوثيقها تاريخيًّا أقرب وأكثر دقة)، والتي أسقطت عشرات الملايين من القتلى في حربين عالميتين، كانتا حصرًا نتاج الحضارة الغربية، وكانت كلتاهما لا علاقة لهما من قريب ولا بعيد بالإسلام و”الإسلاميين”!
ولم يتعرض بكلمة عن المذابح التي طالت اليهود بعد الحملات الصليبية، وكلها حصرًا كانت نتاج الحضارة الغربية؛ سواء في روسيا أو أوروبا عبر سبعة قرون كاملة على الأقل!
هذا القفز على حقائق التاريخ، واصطناع سردية يتم تفصيلها على مقاس أفكار وقوالب معدة سلفًا، من الصعب جدًّا أن يكون – أو يظل – مقنعًا.
- ظهرت هذه الرؤية التاريخية المغلوطة في وصفه لمحارق اليهود في الحرب العالمية الثانية على يد “الألمان الاشتراكيين”!، رغم أن هتلر كان يمينيًّا و”نيتشاويًّا” ويحمل عصا نيتشه ويخطب بها!
رابعًا: استشراف تأثير الفكر اليميني المتطرف على سياسة الولايات المتحدة تجاه العرب والمسلمين:
العرض السابق للكتاب والقراءة النقدية لأهم أفكاره تعين على استشراف سياسات الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه العرب والمسلمين، وخاصة في القضايا الساخنة في فلسطين والسودان وسورية.
وقبل تناول هذا الجانب، نضيف هنا مسألة بعيدة عن محتوى الكتاب، وهي الجانب الشخصي للمؤلف خاصة لما يؤثر به في منصبه الحالي خاصة إذا بدت بوادر تدخل أمريكي عسكري في المنطقة العربية أو غيرها.
لقد تم التصديق على تعيين هيجسيث كوزير للدفاع بصعوبة بالغة كما تقدم، وخلال جلسات الاستماع بمجلس الشيوخ كانت هناك كثير من المعلومات والبيانات المفيدة.
في 6 يناير 2025 أرسلت السيناتور إليزابيث وارن رسالة من 33 صفحة، إلى بيت هيجسيث، تشرح له الأسئلة التي ستوجهها له في جلسة الاستماع للتصديق على ترشحه لمنصب وزير الدفاع. الرسالة حافلة بالمعلومات والبيانات، وهي متاحة بالكامل على موقع مجلس الشيوخ[13].
وهذه بعض النقاط المختصرة ذات العلاقة بهذه المراجعة لكتاب الحروب الصليبية الأمريكية:
- تناولت الرسالة سلسلة من المخاوف والانتقادات الموجهة إلى هيجسيث، استنادًا إلى سجلّه الشخصي والمهني المشوب بالمشاكل السلوكية والأخلاقية المروعة، ومنها سوء إدارة منظماته السابقة.
تذكر السيناتور وارن أن هيجسيث أُجبر على التنحي من قِبل كلتا المنظمتين غير الربحيتين اللتين أدارهما (وهما: قدامى المحاربين من أجل الحرية VFF، وقدامى المحاربين المعنيين بأمريكا CVA) في مواجهة مزاعم خطيرة بسوء الإدارة المالية، والاعتداءات الجنسية. هذه فقرة عن بعض تلك المخالفات:
- “سرعان ما تراكمت على المنظمة ديون هائلة، وتشير السجلات المالية إلى أنها بحلول نهاية عام ٢٠٠٨، لم تتمكن من سداد ديونها، حتى أن المانحين الرئيسيين لـ VFF “أصبحوا قلقين من أن أموالهم تُهدر على نفقات غير مناسبة؛ فقد سرت شائعات عن حفلات “يمكن وصفها بأدب بأنها لقاءات غرامية”.
- لقد تفاقم سوء إدارة هيجسيث لشؤون VFF المالية لدرجة أن مانحي المجموعة وضعوا خطةً للاستيلاء على السيطرة منه، بعد تعيين محاسب جنائي لمراجعة شؤون المنظمة المالية، وهو ما وجده ممثلو المانحين “مروعًا”.
في يناير 2009، أرسل هيجسيث خطابًا بنفسه “إلى المانحين يعترف فيه بأنه حتى ذلك اليوم، كان لدى المجموعة أقل من ألف دولار في البنك و434,833 دولارًا في الفواتير غير المدفوعة”. كما تراكمت لديه “ديون بطاقات ائتمان تصل إلى خمسة وسبعين ألف دولار” من خلال المجموعة.
لقد “تحمل هيجسيث المسؤولية الكاملة عن الفوضى، ولكنه أضاف أنه ما لم يقدم له المانحون المزيد من الأموال، فإن VFF لن تتمكن من سداد ديونها، وسيتعين عليه تقديم طلب إفلاس وإغلاق.”
رتب المانحون لإنقاذه من خلال دمج VFF مع منظمة أخرى لتولي معظم إدارتها. وقد أشار استراتيجي جمهوري عمل في VFF بين عامي 2008 و2009 إلى أن VFF كانت منظمة صغيرة جدًّا، “ولم يستطع هيجسيث القيام بإدارتها بشكل صحيح – لا أعرف كيف سيدير وزارة بميزانية تبلغ 857 مليار دولار وثلاثة ملايين فرد”!
- هذه ليست التقارير الوحيدة عن سوء إدارة هيجسيث، والإنفاق الباهظ، والسلوك غير اللائق. فعندما كان المدير التنفيذي لـ CVA، عيّن ودفع 108000 دولار لأخيه، فيليب، “الذي لم يكن لديه خبرة مهنية”، لمنصب في العلاقات الإعلامية. على الرغم من أن أحد أمناء CVA قد صرح بأن هيجسيث استقال طواعية، فقد أشار آخرون تابعون لـ CVA إلى مخاوف أكثر جدية بشأن القيادة هي التي دفعت رحيله.
في عام 2012، ساعد في إطلاق لجنة العمل السياسي، مينيسوتا باك (MN PAC)، “التي اشتهرت بإنفاق ثلث أموالها البالغة 15,000 دولار على حفلات عيد الميلاد للعائلات والأصدقاء”!
في سياق أحواله الشخصية، هذه فقرة أخرى مختصرة عن تقارير عن الإفراط في الشرب والسُكر وبعض السلوكيات المشينة:
- “وقعت ما لا يقل عن إحدى عشرة حادثة منفصلة وُصف فيها هيجسيث بالإفراط في الشرب أو بشكل غير لائق في الأماكن العامة، بالإضافة إلى تقارير من زملاء سابقين وحاليين في فوكس تفيد بأنه “في أكثر من اثنتي عشرة مناسبة… شموا رائحة الكحول عليه قبل ظهوره على الهواء”. في أي لحظة، يمكن استدعاء وزير الدفاع لتقديم نصائح أمنية وطنية حاسمة للرئيس. ولكنه وُجهت إليه اتهامات متكررة بممارسة نمط من تعاطي الكحول.
وبينما يجب على المجتمع دعم الأفراد الذين يعانون من اضطرابات تعاطي المخدرات، لا يمكننا أن يكون لأمريكا وزير دفاع، مكلف باتخاذ قرارات أمنية وطنية أساسية وحاسمة تتعلق بالحياة والموت، يعاني أيضًا من تعاطي الكحول!
وفقًا لمحادثات أجرتها NBC News مع 10 موظفين حاليين وسابقين في Fox News، فإنك “شربت بطرق أثارت قلق زملائك في Fox News وقال أحد هذه المصادر إنهم “شمّوا رائحة الكحول عليه حتى الشهر الماضي [نوفمبر 2024] وسمعوه يشكو من صداع الكحول هذا الخريف”.
وصرح أحد هؤلاء الموظفين السابقين في Fox بأنه “لا ينبغي أن يكون وزيرًا للدفاع. يجب أن يكون شربه وحده سببًا في عدم أهليته”، وقال آخر: “من أجل الأمن القومي، آمل حقًا أن يكون قد توقف عن الشرب”.
ووصف موظف حالي واثنان سابقان شعورهم بأنهم “كانوا بحاجة إلى ‘رعايتك’ بسبب شربك وسهرك”، واصفين كيف “كان علينا الاتصال به للتأكد من أنه لم ينم أكثر من اللازم لأننا كنا نعلم أنه سيخرج للاحتفال في الليلة السابقة”.
كما يتضمن تقرير المبلغين عن المخالفات من فترة رئاستك لـ CVA من عام 2013 إلى عام 2016 تفاصيل نمط مُقلق من الإفراط في الشرب. يصفك هذا التقرير، الذي جمعه العديد من الموظفين السابقين، “بأنه كان في حالة سُكر متكرر أثناء عمله الرسمي – لدرجة أنه كان بحاجة إلى إخراجه من فعاليات المنظمة”. في إحدى المناسبات المهنية، وُصف هيجسيث بأنه كان “في حالة سُكر تام” ويحتاج إلى أن يُحمل إلى غرفته حملًا.
وفي حادثة أخرى، “أغمي عليه” في الجزء الخلفي من حافلة حفلات، ثم تبول أمام فندق كان يقيم فيه فريق CVA حيث كان “في حالة سُكر تام في مكان عام” بعد فعالية في كليفلاند، و”شعر العديد من الشخصيات البارزة” في الفعالية “بخيبة أمل كبيرة لرؤية هذا النوع من السلوك العلني”.
قدم موظف سابق آخر في CVA خطاب شكوى منفصلًا وصف فيه هيجسيث بأنه “يهتف وهو في حالة سُكر: “اقتلوا جميع المسلمين!” “اقتلوا جميع المسلمين!” في حانة أثناء جولة رسمية في ولاية أوهايو لصالح إدارة شؤون المحاربين القدامى… إلخ.
وقد ذكر هيجسيث هذا النمط في كتابه “الحملة الصليبية الأمريكية”، واعترف بالإفراط في الشرب عندما كتب: “هناك سببٌ وراء إصابة العديد من الجنود العائدين من القتال بالاكتئاب. أنا فعلتُ ذلك. كنتُ أشربُ كثيرًا ولم أكن أرغب في مغادرة الأريكة.”
وتعلق وارن على هذه الحالة المزرية بهذه القصة: “في عام 1989، عندما رشّح الرئيس جورج بوش الأب جون تاور لمنصب وزير الدفاع، كشف تحقيقٌ لمكتب التحقيقات الفيدرالي عن مزاعمٍ خطيرةٍ بأن السيد تاور كان “سكيرًا ومحبًا للنساء”. ردًا على هذه المخاوف، تعهّد السيد تاور بعدم شرب أي مشروبات كحولية خلال فترة ولايته كوزير للدفاع، وبالاستقالة إذا فعل ذلك. ومع ذلك قرر مجلس الشيوخ في النهاية أن مخاطر ترشيح السيد تاور مرتفعة للغاية، فرفض ترشيحه.
أما عن تهم الاعتداء والتحرش الجنسي، فتقول السيناتور وارن موجهة كلامها لهيجسيث:
- “في ديسمبر 2024، أرسلتُ رسالةً مع عددٍ من أعضاء مجلس الشيوخ أسأل فيها فريقَ انتقال الرئيس المنتخب ترامب عن مزاعم الاعتداء والتحرش الجنسيين الموجهة إلى هيجسيث، ويشمل ذلك مزاعم وردت في مذكرةٍ تلقاها فريق انتقال ترامب، مفادها أنكم “اغتصبتم موظفةً في جماعةٍ محافظةٍ تبلغ من العمر 30 عامًا آنذاك [جين دو] في غرفتكم بعد شرب الكحول في حانةٍ فندقية” في 8 أكتوبر 2017.
كما تتضمن تقارير تفيد بأنكم، أثناء رئاستكم لجمعية CVA، قمتم أنتم وأعضاءٌ آخرون في فريق إدارتكم “بملاحقة موظفات المنظمة جنسيًّا، واللواتي قسمتمهنَّ إلى مجموعتين – “فتيات الحفلات” و”غير الحفلات”.
كما تجاهلتم أنتم وفريقكم اتهاماتٍ خطيرةً بسوء السلوك، بما في ذلك ادعاءٌ من موظفةٍ بأن موظفًا آخر في فريقكم حاول الاعتداء جنسيًّا “عليها” في نادٍ للتعري.
وذكر أحد التقارير أن “الخوف من الانتقام يخيم على كل امرأة مرتبطة بالمنظمة”.
هذه الادعاءات والتقارير التي تشير إلى إخفائكِ هذه المعلومات عن فريق ترامب الانتقالي تثير تساؤلات جدية حول شخصيتكِ ونزاهتكِ.
وأضافت وارن: “لا تزال وزارة الدفاع تُبلغ عن مستويات عالية من الاعتداءات الجنسية والتحرش الجنسي، والتي من المرجح أن تكون أعلى نظرًا لنقص الإبلاغ المنهجي. وجدت أحدث إحصاءات البنتاغون أن حوالي 29000 جندي في الخدمة الفعلية – بما في ذلك 6.8% من الإناث في الخدمة الفعلية و1.3% من الذكور في الخدمة الفعلية – تعرضوا لاتصال جنسي غير مرغوب فيه في عام 2023.
وتشير دراسة أجرتها جامعة براون إلى أن المعدلات الفعلية أعلى من ذلك بمرتين إلى أربع مرات. من واجب وزير الدفاع المقدس حماية موظفيه وإرساء الاحترام. تثير سلوكياتكِ السابقة المزعومة مخاوف جدية بشأن قدرتكِ على قيادة وكالة مُكلفة بحماية الأمريكيين بمهنية واحترام”… إلخ.
هذه التفاصيل المقززة، من العجيب أن تُوجَّه لرجل تبوأ منصبًا له خطورة عظيمة على أمريكا والعالم.
والشاهد هنا أمران يتعلقان بالكتاب الذي بين أيدينا:
الأول: هذه السلوكيات بحد ذاتها، كافية لإثارة مخاوف عظيمة من إدارة ترامب والفريق القابع على قمته، وهو ما بدأ يطفو على السطح مبكرًا، فأطاح ترامب سريعًا بمستشاره للأمن القومي مايك والتز، ويبدو منصب هيجسيث أيضًا مهددًا، بسبب الرعونة والخِفة التي تعامل بها هيجسيث وباقي فريق ترامب في فضيحة “مجموعة السيجنال” بشأن الحرب على الحوثيين باليمن، وأظهرهم جميعًا كمجموعة من الهواة.
إن التهديد الموجه لمنصب هيجسيث، وإن بدا متعلقًا بموضوع السيجنال، إلا أن حقيقته مختلفة، ويمكن إرجاعها لسببين:
الأول: ما قيل عن أنه غير متحمس لضرب إيران أمريكيًّا لما يحمله ذلك من مخاطر، ما حدا بالضاغطين الصهاينة في الإدارة لتلقينه درسًا بطرد مساعديه المقربين الذين كان قد عينهم، ولم يستطع أن يفتح فمه لحمايتهم!
السبب الثاني: ربما يأتي من ضغوط عتاة جنرالات البنتاجون؛ نظرًا للطريقة التي يتخذها هيجسيث في “تطهير” وزارة الدفاع.
الثاني: الإشارة إلى اختلاف مفهوم “الالتزام والتدين” عند عامة المسلمين، وعند هذا اليمين المسيحي الأمريكي. صحيح أن كل مسلم – بل كل إنسان – يقع في أخطاء وذنوب وأن كل ابن آدم خطَّاء، لكننا هنا نلاحظ مستوى مختلفًا عند شخصية ناشطة بحماس في الدعوة للالتزام والتدين حتى للأطفال الصغار، فإذا بها تقع في هذه السلوكيات العلنية المقززة، بل وتشتهر بها. والأعجب من ذلك – خلال جلسات الاستماع – أن أحدًا لم يُشر لهذه المفارقة، وكأن الثقافة العامة لا تستنكر وقوع هذا من “المتدينين” ولا حتى تستوقفها لتتساءل!
استشراف تأثير الفكر اليميني المتطرف على سياسة الولايات المتحدة تجاه فلسطين:
هذا هو الجزء الأصعب في العرض، لأن مسألة الاستشراف في خضم تغيرات ضخمة وسريعة، تكون شاقة وتتطلب حذرًا في الاقتراب منها، لولا أنها ضرورة.
إن الخلاف الأمريكي الإسرائيلي محدود أو تكتيكي أو يتعلق بإيران فقط؛ فإن لافتة الحروب الصليبية التي يتبناها المؤلف، من الطبيعي أن تكون فلسطين أول أهدافها!
الزاوية التي نتناول بها ما نتوقعه في حرب غزة والحالة الفلسطينية عمومًا ستكون العلاقات الأمريكية الإسرائيلية أثناء حكم ترامب. وكما تقدم معنا فإن شريحة مؤثرة من إدارة ترامب لها علاقة عقائدية بإسرائيل، وترى قوتها وسيطرتها ضرورة كتابية لانتصار المسيحية وهيمنتها.
وإذا كانت العلاقة بين أمريكا وإسرائيل علاقة استراتيجية، فإن إضافة البعد العقدي سيُحدث فارقًا من أربع جهات:
الأولى: أن إدارة ترامب ستكون أكثر جرأة وفجاجة وسلطوية في دعم إسرائيل، وقد رأينا في ولاية ترامب الأولى كيف نقل سفارة بلاده إلى القدس، وضغط لإبرام اتفاقيات إبراهام، ونكل بالسلطة الفلسطينية.
ورأينا في بداية ولاية ترامب الثانية يطالب بتهجير الفلسطينيين من غزة، وشراء غزة، واستغلالها وتحويلها لمنتجع سياحي!
كل هذا يَشي بأنهم سيوفرون دعمًا عسكريًّا وسياسيًّا واستخباريًّا بدرجة أعلى بكثير من إدارة بايدن.
وحتى المآسي والكوارث الإنسانية داخل القطاع، سيكون الموقف منها أكثر لؤمًا ووحشية وعدم اكتراث، وربما يتم التضييق الأمني على الجمعيات الأمريكية القليلة التي تقدم مساعدات لغزة، كما تم التضييق بالفعل على نشطاء الداخل الأمريكي المؤيدين للحقوق الفلسطينية، ووجهت لبعضهم تهم تتعلق بالإرهاب، وقامت الإدارة بخطوات غير مسبوقة في مواجهة الجامعات التي كانت لها مواقف معقولة تجاه الحرب!
هذا سيجعل أيضًا المواقف العربية أكثر تخاذلًا وتراجعًا وانسحابًا عما هي عليه بالفعل، وربما تسمح لاحقًا بخطة لتهجير الفلسطينيين إليها!
الثانية: قد يتطور الموقف الأمريكي إلى مساحات أفضل من الناحية الفلسطينية، ذلك لأن العلاقة العقدية التي تقدم الحديث عنها، كثيرًا ما تغفل المآلات الاستراتيجية وتركز على المصالح الآنية، ولذلك إذا استطاع الفلسطينيون أو بعض العرب إلحاق بعض الضرر بالإدارة الأمريكية، سياسيًّا أو اقتصاديًّا فقد تتصرف بطريقة انتهازية بصرف النظر عن مصالح إسرائيل.
لقد رأينا في حوارات “مجموعة السيجنال”، نقاشًا بين أركان إدارة ترامب عن الجهة التي “ستدفع لنا” تكاليف قصف الحوثيين، ودار حولها نقاش مطول!
إن حملة قصف الحوثيين عالية الكلفة، ويكفي أنها شغلت لعدة أسابيع حاملتي طائرات من إجمالي إحدى عشرة حاملة تملكها الولايات المتحدة، وكانت النتائج العسكرية محدودة، مما حدا بإدارة ترامب لهذا التفاهم مع الحوثيين وأشعل غضبًا ومخاوف داخل إسرائيل! وهذا السيناريو قابل للتكرار، ربما في قضية الرهائن أو إطالة أمد المقاومة، أو بعض الملاحقات الحقوقية القانونية هنا وهناك.
الثالثة: لقد بلغت معاناة الشعب الفلسطيني في غزة مراحل في غاية الحرج والصعوبة، وتتم استباحته بلا أي خطوط حمراء، ولكل إنسان أو جماعة بشرية حدود للتحمل لا يمكن أن تتعداها. كلما طال هذا الضغط المروع، ضاقت خيارات المقاومة، وتحتاج بالإضافة إلى الصبر والتحمل والاحتساب حلولًا خارج الصندوق لمواساة شعبها والتخفيف عنه. وإذا بقيت خيارات المقاومة محدودة، فإن دعمًا وإسنادًا شعبيًّا جارفًا يمكن أن يصنع الفارق.
الرابعة: إن وجود هذه “الجماعة الدينية” قريبة من رأس السلطة في أمريكا وإسرائيل يوجب على العلماء والدعاة فتح ملف التصدي لدعاواهم “الشرعية” وهي في الواقع ضعيفة ومتهافتة أصلًا. إن وجود استراتيجية “استغراب” لتفنيد وخلخلة الموقف الشرعي لهؤلاء وهؤلاء يمكن – بالإضافة لكونه واجبًا شرعيًّا – أن يُحدث فارقًا كبيرًا في تماسك هذا الحلف الديني.
استشراف تأثير الفكر اليميني المتطرف على سياسة الولايات المتحدة تجاه سورية:
بشكل عام يتعامل اليمين الديني في الولايات المتحدة بانزعاج وقلق من وجود إسلاميين سُنة في سُدة الحكم في سورية، ويشاركون إسرائيل في هذا القلق مهما أكد النظام الجديد في سورية عدم رغبته في أي مواجهة مع إسرائيل!
تثير إسرائيل أيضًا مخاوف من توسع السيطرة والهيمنة التركية في سورية، وترى فيه تشجيعًا لمد إسلامي على حدودها، وأظهرت انفعالها الشديد من فكرة إقامة تركيا لمنصات دفاع جوي في سورية.
أما إدارة ترامب فقد أظهرت تقلبات في تعاملها مع سورية الجديدة، فبعد أن أعلن ترامب في ديسمبر 2024 أن “سورية في حالة فوضى، ولا ينبغي للولايات المتحدة أن يكون لها دور فيها”، ثم انتظر حتى إبريل 2025 ليعلن عن نيته خفض عدد قواته في سورية من ألفين إلى ألف.
وقد أعلنت إسرائيل مخاوفها من الانسحاب الأمريكي ومن احتمال تمدد تركي في هذا الفراغ، بينما أبدى ترامب استعداده لحل الخلافات التركية الإسرائيلية في سورية. ثم جاء قرار ترامب المفاجئ برفع كل العقوبات الاقتصادية عن سورية، وذلك خلال رحلته الخليجية في مايو 2025.
الكتاب الذي بين أيدينا لا يوضح موقف اليمين المتطرف من سورية، لأنه كُتب عام 2019، ولم يخطر وقتها ببال أحد هذا التحول الكبير الذي سيحدث في سورية. المناسبة الوحيدة التي تعرض لها المؤلف لسورية كان في سياق تنديده بالعولمة التي جذبت الشباب المسلمين في ولايته مينيسوتا للتطوع في قوات الدولة الإسلامية (داعش) في سورية والعراق.
لكن بعد سقوط نظام الأسد، سارع بعض رموز هذا التيار للتأكيد على أن “سورية حقنا منذ ألفي عام“، وسلّطوا الضوء على دور سورية كمهدٍ للمسيحية، حيث دُعي تلاميذ المسيح مسيحيين لأول مرة، وأنها أرضٌ غذّت شخصياتٍ قديسةً ذات إشعاعٍ عالمي، مثل القديسين يوحنا الذهبي الفم، ويوحنا الدمشقي، وسمعان العمودي.
وأعادوا التذكير بأن المسيحية في سورية تعود إلى بدايات الكنيسة المسيحية في القرن الأول، وأن سورية تنتمي إليهم بقدر ما تنتمي إلى أغلبيتها المسلمة!
في الوقت الحالي، يبدو أن ترامب متردد في طريقة التعامل مع سورية الجديدة، والسبب هو أن إدارته تعاني من جدل داخلي حادٍّ، حيث تنقسم إلى معسكرين تقريبًا حول هذه القضية. أحدهما يُفضل حوارًا متفائلًا مع الحكومة الجديدة، والآخر يميل أكثر إلى إبقاء دمشق بعيدة سياسيًّا، وفي مرمى السلاح الإسرائيلي أمنيًّا.
تقود المعسكر الرافض مديرة الاستخبارات الوطنية تولسي جابارد ومدير مكافحة الإرهاب سيباستيان جوركا، ويرفضان أي حوار مع الإدارة السورية الجديدة، ويصفونها بأنها امتداد لمنظمة إرهابية سُنية.
في المعسكر الآخر، وزير الخارجية ماركو روبيو ووكالة الاستخبارات المركزية، حيث يرون أدلة كافية على فوائد التقارب مع النظام الناشئ في دمشق.
هذا الانقسام يتيح مساحة للتأثير الإسرائيلي، الذي قد يصل إلى تأييد بقاء القوات الروسية لتُوازن الوجود التركي المتصاعد. ترامب يميل أكثر إلى معسكر روبيو.
المشكلة أن العقوبات الاقتصادية الأمريكية كانت تعيق معظم الجهود لإصلاح معاش الناس والخدمات الأساسية، في ظل نظام مالي عالمي ظالم تهيمن عليه الولايات المتحدة، ويخشى البعض من أن قرار رفع العقوبات ربما يكون مصحوبًا بثمن أمريكي غير معلن!
هذه التعقيدات توجب على الإدارة السورية مقاربات خارج الصندوق، وقلة اعتماد على التنازلات والتي وإن بثت رسائل طمأنة دولية، إلا إنها تُضعف الموقف السوري التفاوضي، وقد تجعله رهينة للضغط الأمريكي.
لا شك أن قرار ترامب رفع العقوبات عن سورية، يفتح آمالًا في إعادة بناء سورية وتعزيز استقرار المنطقة، ولكن هناك تحديات وشكوكًا حول تنفيذ هذا القرار بشكل استراتيجي وفعّال. ومن الضروري الوقوف على المصالح التي جعلت ترامب يرفع العقوبات بشكل مفاجئ وكامل، وماذا كانت مطالبه في المقابل، وهل يمكن أن تكون هذه المطالب ذريعة لإعادة العقوبات مرة أخرى؟
يقول وائل الزيات[14] عن تجربته في وزارة الخارجية الأمريكية لعقد من الزمان:
“خلال فترة وجودي في الحكومة، أتذكر تجاهل كبار مسؤولي إدارة أوباما انفصال هيئة تحرير الشام عن تنظيم القاعدة. وبدلاً من ذلك، كرروا شعار أن إدلب “مُشبّعة” بالقاعدة لثنيهم عن التعاون مع المتمردين – ناهيك عن تقديم دعم فعّال لهم.
في النهاية، أنهت إدارة ترامب الأولى برنامجًا لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) كان يقدم الدعم لمجموعات مُدقّقة. ونظرًا لتجاهلهم للصورة الاستراتيجية الكبرى وخوفهم من اتهامهم بالتساهل مع الإرهاب، اكتفى صانعو السياسات الأمريكيون بالسماح بالإغاثة الإنسانية مع التركيز حصريًّا على دعم وجود قوات سورية الديمقراطية (قسد) في الشمال الشرقي.
ثم، في ديسمبر 2024، تغير كل شيء. هرب الأسد على متن طائرة إلى روسيا، منهيًا بذلك الحكم الدموي الذي بدأه والده قبل 53 عامًا، حيث دخلت الميليشيات المتحالفة العاصمة السورية دون مقاومة تُذكر. خرج الناس من منازلهم فرحين.
ما حدث منذ ذلك الحين كان مذهلًا بكل المقاييس؛ أحمد الشرع، زعيم تنظيم القاعدة السابق في سورية ورئيس النظام الجديد، هو الآن الرئيس المؤقت لسورية!
من الرياض إلى أنقرة، إلى ميونيخ، إلى نيويورك، إلى باريس، سعت القيادة السورية الجديدة إلى طمأنة العالم بأن ماضيها المسلح كان وسيلةً لتحقيق غاية، وليس جهادًا لا نهاية له ضد الغرب.
ومنذ توليه منصبه، دعا الشرع إلى مؤتمر حوار وطني، وأجرى اتصالات مع مختلف الطوائف الدينية والعرقية في سورية، ووعد بإجراء انتخابات، وبإعادة بناء البلاد واقتصادها المنهار، بدلًا من الانتقام من مؤيدي نظام الأسد.
ومع وجود أكثر من 12 مليون سوري نازح داخليًّا وخارجيًّا، وتدمير مئات الآلاف من المنازل، وشبكة كهرباء لا تُنتج سوى ساعتين من الاحتياجات اليومية، فإن تركيز الشرع عمليٌّ لمعاش شعبه بأولوية لا مناص عنها” اهـ.
مهما كانت الخطوات السياسية، إذا لم يلمس السوريون تحسنًا في حياتهم اليومية، فإن شهر العسل بين الشعب والإدارة الجديدة سينتهي.
كما تواجه الحكومة الجديدة بالفعل تحدياتٍ من فلول النظام السابق، والأقليات المضطربة، وتردد عربي في دعمها، بالإضافة إلى الهجمات شبه اليومية وعمليات الاستيلاء على الأراضي من قِبل إسرائيل. هذه القضايا، إلى جانب الوضع الاقتصادي المتردي، يمكن أن تُسقط النظام الجديد وتُفاقم تجزئة البلاد. في حال حدوث ذلك، يُمكن لجماعاتٍ مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أن تعود للظهور بسهولة، بينما يُمكن لإيران وحزب الله استعادة موطئ قدمهما السابق.
وهذه الصورة القاتمة المحتملة، يمكن الحديث عنها (أو التلويح بها)؛ لأنها ستكون الأسوأ لليمين الأمريكي الجديد، والمؤثر جزئيًّا على القرار الأمريكي الحالي.
سورية تحتاج لمساحة تتنفس من خلالها ريثما تقوم بترميم الجبهة الداخلية. وهذه المساحة يمكن توفيرها إذا تصرفت الإدارة الجديدة واثقة من أهمية سورية جيوسياسيًّا، بحيث تتفاهم وتتفاوض من موقع قوة لا من موقع طلب أو استجداء!
فهذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 25 مليون نسمة، والذي يمتلك احتياطياتٍ مؤكدة من الغاز والنفط، ويتمتع بمنفذٍ على البحر الأبيض المتوسط، يمكنه أن يُصبح بوابةً رئيسةً للتجارة والطاقة إلى أوروبا، ومركزًا للمواهب البشرية الريادية والمتعلمة.
الخطاب السياسي ينبغي أن يتحلى بهذه الرؤية، وأن يقدم لأمريكا ما يريده ترامب من إبعاد المنطقة عن الصراع وترسيخ المصالح الأمريكية وعدم اكتساب عداوات جديدة.
لا شك أن رفع العقوبات خطوة جيدة، لكنّ المشكلة تكمن في التفاصيل – وفي سرعة تطبيق الجهاز البيروقراطي في واشنطن لقرار ترامب. سيكون المفتاح أيضًا هو قدرة ترامب على كبح جماح نتنياهو، الذي يبدو أنه جعل من مهمته الشخصية إلغاء التحول التاريخي في سورية!
استشراف تأثير الفكر اليميني المتطرف على سياسة الولايات المتحدة تجاه السودان:
بعد قيام ميليشيا الدعم السريع مؤخرًا بقصف مفاجئ لمطار بورتسودان وبعض المنشآت المدنية بالميناء، في تصعيد لم يحدث منذ بدء الحرب الأهلية، قامت الحكومة السودانية بإغلاق سفارتها في أبو ظبي، واتهام الإمارات رسميًّا بأنها تسلح وتمول الدعم السريع في هذا التخريب المتعمد.
حتى الآن، ظلت بورتسودان بمنأى عن الصراع، ولم تكن عاصمةً للحكومة القائمة بحكم الأمر الواقع فحسب، والتي انتقلت إليها عندما أصبحت الخرطوم ساحةً للمعارك، بل كانت أيضًا نقطة دخولٍ حيويةٍ للمساعدات في بلدٍ يُعاني من أزمةٍ إنسانية مروعة.
وقد ذكر مُتتبّع الصراعات العالمية التابع لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكية مؤخرا[15]: “مع دخول الحرب الأهلية عامها الثالث، لا يزال الفصيلان المتحاربان في السودان عالقين في صراعٍ مُميت على السلطة.
وتتفاوت تقديرات أعداد القتلى بشكل كبير، حيث يُشير المبعوث الأمريكي السابق إلى السودان إلى مقتل ما يصل إلى 150 ألف شخص منذ بدء الصراع في أبريل 2023. ونزح أكثر من 14 مليون شخص، مما أدى إلى أسوأ أزمة نزوح في العالم”.
وكتب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية: “إن ما يقرب من ثلثي سكان السودان في حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية، بما في ذلك 16 مليون طفل. وقد وصل انعدام الأمن الغذائي الحاد إلى مستويات تاريخية، مع تأكيد ظروف المجاعة في أجزاء مختلفة من البلاد وملايين المعرضين لخطر المجاعة”.
وعلى عكس ما بدا سيناريو محتملًا في نهاية مارس 2025 – عندما استعاد الجيش السوداني السيطرة على الخرطوم، بأن تكون نهاية الحرب وشيكة، إلا أن ميليشيا الدعم السريع لا تزال قائمة خاصة في دارفور وكردفان، بل وأعلنت في منتصف إبريل 2025 عن تشكيل حكومتها الخاصة.
ولعل المخرج من هذه الحرب المدمرة يكون بأحد اتجاهين:
- لقد أصبح السودان ضحية لجشع القوى الأجنبية التي تحرض على استمرار الحرب بالوكالة مما يُغذي تهديدات حقيقية بتفتيت وتجزئة البلاد. وإذا كان النفوذ الأوروبي ضعيفًا، فإن تراجع القوى الإقليمية عن إذكاء نيران الحرب يمكن فقط أن يتحقق بنفوذ أمريكي ضاغط، وهذا لا يُتوقع إلا إذا أدركت إدارة ترامب أن لديها مصلحة في إسكات الأسلحة في السودان.
- المخرج المحتمل الآخر – وربما الأوجه – هو الحسم العسكري بأن يمضي الجيش السوداني بخطة طويلة النفس لاستعادة السيطرة على باقي البلاد دون الاستجابة لحملات الدعم السريع التي ترمي إلى تشتيت وبعثرة قوات الجيش. كما يمكن تنسيق حملات دبلوماسية وحقوقية تستفيد مما قام به بايدن قبيل انتهاء ولايته، بتصنيف الدعم السريع منظمة إرهابية.
استشراف تأثير الفكر اليميني المتطرف على سياسة الولايات المتحدة تجاه تركيا:
عبَّر المؤلف في كتابه عدة مرات عن الحنق الشديد الذي يشعر به تجاه تركيا ورئيسها، ويرى أنها تحاول تغيير المنطقة من منظور إسلامي، وأن الجيش التركي الذي كان علمانيًّا بفضل ضم تركيا للناتو، تقوم الإدارة التركية الحالية بتغيير هويته.
وتقابل هذه المواقف الحادة لغة وديعة ومتوددة من الرئيس ترامب تجاه تركيا ورئيسها، ويبدو أن الأتراك لا ينخدعون بلغة ترامب العاطفية تجاههم، ولا ينسون أن ترامب في ولايته الأولى كان من أهم أسباب ضرب الاقتصاد التركي!
سيتعين على الأتراك الانتباه جيدًا لوجود مقربين من ترامب لا تريحهم فكرة وجود علاقات أمريكية تركية جيدة.
من ناحية أخرى، يمكن لتركيا أن تبني على عوامل القوة التي توفرت لها في السنوات العشرين الأخيرة، مع تراكم الخبرة الإقليمية والدولية، وزيادة نفوذ تركيا الجيوستراتيجي بشكل كبير.
ولقد أدى انتقال العالم من نظام القطب الواحد الأمريكي، إلى نظام متعدد الأقطاب، إلى أهمية وجود دولة متوسطة الحجم نشطة بقوة في موقع جغرافي بالغ الأهمية، ألا وهي تركيا.
لقد أنهت تركيا تقريبًا تمرد حزب العمال الكردستاني، وقد تُنهي أيضًا الحكم الذاتي لما يعرف بقوات سورية الديمقراطية (قسد)، وأمامها فرصة كبيرة لتكوين علاقة متميزة واستراتيجية مع سورية. كل هذا يؤهل تركيا للتعامل مع أي تمدد إسرائيلي محتمل، كما يؤهلها للتعامل بروية إذا نشب صراع أمريكي إيراني.
[1] يمكن مشاهدة وثائقية للقس دوركين عن حياة المسيح (على قناة فوكس) لفهم أكبر لعلاقته وتأثيره على هيجسيث (تعريف بالحلقات: https://www.foxnews.com/video/6317412808112)
[2] شاول ألنسكي ناشط يهودي مجتمعي وفيلسوف سياسي أمريكي (1909-1972)، عُرف بجهوده في تنظيم المجتمعات الفقيرة وتحدي السلطة
[3] كان ميداس ملكًا اليونان القديمة يرتبط اسمه بالعديد من الأساطير، ومن أبرزها أسطورة لمسة ميداس، حيث يُقال إنه كان لديه القدرة على تحويل كل شيء يلمسه إلى ذهب.
[4] قضية شهيرة أقامتها امرأة تريد إجهاض حملها، ولكن المحكمة في تكساس رفضت طلبها، وتم الاستئناف أمام المحكمة العليا والتي أباحت الإجهاض في يناير 1973.
[5] تشير مصطلحات “الفا ذكر” و”بيتا ذكر” إلى تصنيفات ذكورية مستمدة من علم السلوك الحيواني، حيث تُستخدم لوصف الأدوار الاجتماعية والقيادية. “بيتا ذكر” يشير عادةً إلى الذكر الذي يتبع أو يخضع للذكور “الفا”، وغالبًا ما يفتقر إلى الصفات القيادية أو السيطرة التي يتمتع بها “الفا ذكر”.
[6] التقاطعية من المصطلحات الجديدة التي يحاولون بها إرباك “الهوية”. التقاطع في الهوية هو إطار تحليلي لفهم كيف تتفاعل هويات الفرد الاجتماعية والسياسية لتنتج تركيبات فريدة من التمييز والعيوب. يقولون بناء على ذلك: إن للإنسان هويات متعددة (مثل العرق، الجنس، الطبقة، إلخ.) تتداخل وتتفاعل، مما يؤثر على تجاربه وظروفه بطرق معقدة، فمثلًا: تجربة امرأة سوداء تختلف عن تجربة امرأة بيضاء أو رجل أسود، بسبب تقاطع العرق والجنس.
[7] أخيل، أو أخيلوس، هو بطل أسطوري يوناني، ابن بيليوس ملك فثيا، وثيتيس حورية البحر. يُعرف أخيل بشجاعته في حرب طروادة، خاصةً في الإلياذة لهوميروس، حيث كان المحارب الأقوى في الجيش الإغريقي.
[8] قوله: “فيلسوف” هو من باب السخرية، وإلا فإن شخصية جو بازوكا، هو بطل كوميدي كرتوني يظهر على الصور الموجودة على قطع العلكة، ومن أكثر الشخصيات الإعلانية شهرة في أمريكا في القرن العشرين، حيث تجسد روح الدعابة الموجهة للأطفال وتنقل رسائل ترويجية لمنتجات الشركة.
[9] ماكسين ووترز سياسية أمريكية مخضرمة (87 سنة) ونائبة ديمقراطية في مجلس النواب عن ولاية كاليفورنيا منذ عام 1991، وتشتهر بمواقفها الحادة ضد تقليص حجم وزارة الخارجية وتقليل القيادة العالمية للولايات المتحدة، خاصة في أفريقيا.
[10] يتناول كتاب “فخ العولمة” (صدر عام 1996 من تأليف الألمانيين: هانس بيتر مارتن وهارالد شومان) تحليلًا نقديًّا لقضية العولمة وتأثيرها على الديمقراطية والرفاهية، معتبرًا إياها اعتداءً على مبادئ الحرية الاجتماعية والاقتصادية من خلال الهيمنة الإعلامية والاقتصادية التي تفرضها القوى العالمية على الدول النامية والمتقدمة على حد سواء. يؤكد الكتاب على أن العولمة ليست مجرد ظاهرة اقتصادية، بل تهديد لسيادة الشعوب وهويتها الثقافية، ويُحذر من استغلال المؤسسات الكبرى لهذه الظاهرة لتحقيق مصالحها على حساب المجتمعات، مما يؤدي إلى تزايد الفجوة الاقتصادية وتقويض الديمقراطيات الوطنية.
[11] https://cis.org/Immigration-Statistics-Data-Portal
[12] المرشح الرئاسي السابق، ووزير خارجية أوباما لاحق.
[13] https://www.warren.senate.gov/imo/media/doc/letter_to_mrpetehegseth.pdf
[14] خبير أمريكي سابق في شؤون الشرق الأوسط، عمل في وزارة الخارجية الأمريكية لعقد من الزمان. وهو زميل مشارك في معهد الشرق الأوسط والرئيس التنفيذي لشركة إمغيج.
[15] https://www.cfr.org/global-conflict-tracker/conflict/power-struggle-sudan