بحوثمشاريع

المصالحة بين الشعوب العربية

أنا منذ خمسين عاما

أراقب حال العرب

وهم يرعدون ولا يمطرون

وهم يدخلون الحروب ولا يخرجون

وهم يعلكون جلود البلاغة علكا

ولا يهضمون

كتبها نزار قباني في قصيدته “متى يعلنون وفاة العرب”

مقدمة:

يحتاج العرب اليوم إلى مراجعة علاقاتهم ببعضهم البعض حكاما وشعوبا؛ فوحدة الأرض والدين واللغة والمصير الواحد والمستقبل المشترك لا يمكن الفكاك منه رغم ما وصل الحال إليه بالأمس قبل اليوم، وكأننا نحتاج على إثرها إلى مصالحة بين الشعوب العربية بل وبين الشعب الواحد. كما يحتاج العرب اليوم بعد قرون من الهيمنة الأوروبية والغربية إلى مراجعة علاقاتهم مع الغرب؛ فالتاريخ المشترك بينهم هو تاريخ دماء وثأر وصراع متواصل لا ينقطع. خاصة بعد ما صار الغرب يتكئ على دور الدول العربية والإسلامية كلما اشتد به الوهن ودب في أعماقه الضعف، بفضل القيادات والحكام العرب الذين تولوا زمام الأمور إثر انتهاء الاحتلال العسكري لدولهم، والتي بقيت وفية لهذا الاحتلال حرصا منها على مصالحها وووجودها.

فالواجب والضرورة ومصلحة الأوطان ومستقبل الشعوب العربية والإسلامية، كل ذلك يفرض مراجعة جذرية لهذه العلاقة مع الغرب، والتي لم تتوقف حملات الكراهية والعداء الغربي الممنهجة للشعوب العربية والإسلامية منذ إخراج الرومان من الشام ومصر على يد العرب المسلمين، حتى بلغت أعلى درجاتها من الكثافة والتنظيم والتعبئة لحملات العداء ضد الإسلام والعرب والمسلمين بعد أحداث ١١ سبتمبر المصحوبة بالغزو العسكري؛ فهو أمر لم يحدث إلا في زمن الحروب الصليبية بحسب تصريحات مسئولين أمريكيين وغربيين، أسهمت بفعالية في إشعال نيران الغضب وتعميق الكراهية ومضاعفة ضرورة المواجهة والعنف، ومن أشهر هذه التصريحات تصريح الرئيس الأمريكي بوش الابن عن الحروب الصليبية، وتصريح الرئيس الإيطالي برليسكوني عن تخلف وهمجية الحضارة الإسلامية، وتصريح السكرتير العام لحلف الأطلنطي عن خطر الإسلام، وأسماء المشاركين في حملة التعصب والكراهية لم تنته بعد، حتى بعد أن أعلن الجنرال الأمريكي وليام بوبكن وهو واقف على أحد منابر الكنائس المعمدانية في “أوكلا” أنه محارب مقدس، ومهمته الأولى حماية الأمة المسيحية من المسلمين، وأنه مفوض من الرب لمحاربتهم. وهكذا تتوالى حملات الكراهية الممنهجة وتزداد ضخامة وشراسة على جميع المستويات والأصعدة وبكل الإمكانيات والوسائل المتاحة. لذا من الأهمية معرفة المحاولات التاريخية للإيقاع بين الشعوب العربية، وبث الفرقة والكراهية بين شعوبها، والأدوات والوسائل التى استخدمت لتحقيق ذلك، وكيف تكون المواجهة.

المحاولات التاريخية للإيقاع بين الشعوب:

شكل الوطن العربي منذ أواسط القرن التاسع عشر منطقة صراع استراتيجي بين القوى الدولية، إذ أصبح هدفاً لسيطرة هذه الدول لاستغلال موقعه وثرواته، وقد احتلت كل من بريطانيا وفرنسا أجزاء كبيرة من الوطن العربي، إذ قسمت اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 بلاد المشرق العربي إلى مناطق نفوذ بين الدولتين، وسخرت بريطانيا سياستها ونفوذها لإرساء حجر الأساس للدولة الصهيونية. من ينظر إلى الحدود السياسية القائمة بين الدول الإسلامية والعربية يجد أن معظمها لم يكن قائما قبل الحرب العالمية الأولى. لقد أنشئت هذه الكيانات الصغيرة وأمست دولا خلال نصف القرن التالي لهذه الحرب من أواسط آسيا والهند حتى بلدان ما يسمى بالشرق الأوسط بتقسيمات فرضها الاستعمار. هناك سمة أساسية في سياسات الغرب [1]وهى تفتيت البلدان الآسيوية والإفريقية. والتفتيت يعني إزهاق عوامل التوحيد وهذا لا يتأتى بضرب تلك العوامل من خارجها. فقد يكون هذا الضرب من الخارج حافزا ينبه الناس إلى ما يراد بهم فيدفعون عن تلك العوامل غوائل الاجتثاث ويؤكدونها في ذواتهم. إنما يتأتى إفساد عوامل التوحيد بإثارة التناقض بين بعضها البعض واصطناع المعارك بينها. يروج في التعبيرات السياسية لفظ” الفتنمة” . فبدلا من أن يقاتل الأمريكيون الفيتناميين يثيرونهم ليقاتل بعضهم بعضا . هذا الأسلوب الذي يجري في جبهات القتال يجري أيضا في جبهات الفكر وميادين الحركة السياسية. وإثارة عوامل التوحيد ضد بعضها البعض مما يؤدي إلى التفتيت كما حدث بين العروبة والإسلام في بلاد الشام. فقد كانت الجامعة السياسية تتصل بالإسلام وتضم الترك والعرب وغيرهم في الدولة العثمانية، ثم قامت حركة التتريك والحركة العربية كانسلاخين قوميين فيها . فلما صفيت الدولة العثمانية بعد الحرب الأولى وانقسمت على أساس قومي اقتسمت القوى الفرنسية والإنجليزية أرض العروبة وقاموا بتقسيم آخر أساسه ديني مذهبي. فقسمت سوريا خمس دويلات، وظهرت الصهيونية في فلسطين وعانى لبنان من ألوان المعاناة. وهكذا عندما تكون الجماعة الإسلامية قائمة على أساس من الدين أثير العنصر القومي كعنصر مفتت وعندما يؤتى أثره يثور من جديد عنصر الدين كعنصر مفتت في داخل الكيانات المنقسمة. وإذا توجه الإسلام ضد الاستعمار أثيرت النزعة القومية لتشتت حركته والعكس صحيح.. هكذا تتفاعل تفاعلا سلبيا لتتدنى بها الأوضاع إلى أدنى مدى. وقد حدث مثل ذلك في دويلات إفريقيا عندما تستغل عوامل الدين والتكوين القبلي والتكوين اللغوي ضد بعضها البعض. هكذا خلق الاستعمار مشاكل حدودية وقام هو بحلها حلا يبقى المشاكل نائمة. العرب بفضل مستشاريهم الأجانب سنوا قوانين لا تسمح لعربى بدخول بلد عربى آخر إلا بتأشيرة، وصار العربى الخليجى وبعد اكتشاف النفط فى بلاده يعتبر نفسه الأفضل والأرقى، وبسبب النصائح من المستشارين الأجانب، أصبحت دول الخليج تستعين بعمالة غير عربية، وزُرع الكيان الصهيونى لإبقاء الفرقة بين العرب.

الإسلام والعروبة وبث العداء بينهما

من أخطر الانقسامات التي تعاني منها الحركة الوطنية في أقطارنا هو الانقسام بين التيار الوطنى العلماني وبين تيار الإسلام السياسي، وهو يمارسه الكثير دون أن يدرك غرابته ولا خطورته. لم يكد يظهر العراك بين العروبة والإسلام قبل منتصف القرن العشرين إلا في بلاد الشام، ولم يكن كل العروبيين فيها طالبي انسلاخ من الجامعة الإسلامية. بدا غالبهم طالبي مساواة في إطار الدولة العثمانية وطالبي إصلاح لشأن الجامعة الإسلامية لا يكاد يشذ عن ذلك إلا أمثال نجيب عازوري والذي وضحت في كتابه “يقظة الأمة العربية” واتصاله بالفرنسيين وممالأة الإنجليز. أما رواد العربية بمعناها الاستقلالي فلم تظهر دعوتهم كانسلاخ عن الجامعة الإسلامية إلا بعد انقلاب جمعية الاتحاد والترقي ١٩٠٨ . ظهرت الجمعيات العربية بعد هذا التاريخ وتنامت نزعتها الانفصالية بتنامي حركة التتريك في الدولة العثمانية وبعض هؤلاء تعاون مع الإنجليز في الثورة العربية سنة ١٩١٦ ضد الدولة العثمانية انخداعا بوعود الإنجليز ثم أدرك بعد الحرب وإعلان اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور إلى أي مدى استغلت الحركة العربية ودفعت أشرعتها رياح ليست من ريح الشرق وكان من هؤلاء رشيد رضا. على أن الحركة العربية في بلاد الشام بدأت تعتدل في مسار توحيدي واضح منذ العشرينات إذ كان الإنجليز والفرنسيين تقاسموا أرض العرب وقطعوها . سوريا وحدها صارت خمس دويلات . هنا استقام للحركة ثلاثة أمور أولها الارتباط بالحركة الوطنية المكافحة للاستعمار الأوروبي وثانيا قيامها كحركة توحيد لأقطار مجزأة وليست حركة انسلاخ من جامعة أعم وثالثا مواجهة التقسيم الطائفي الذي أجرته فرنسا في سوريا ولبنان وزكته إنجلترا في فلسطين. هذا بالنسبة لما يتعلق بالمدخل الإفريقي والمصري للتوجه العربي والمدخل الشامي لهذا التوجه. بقي الجنوب العربي وهو يشمل الجزيرة العربية والسودان ولا يكاد يظهر أم كان للدعوة العربية أثر فعال فيهما قبل النصف الثاني من القرن العشرين. إنما كانت الصفة الإسلامية هي الغالبة، وقد ظلت السودان تحت الظل الظليل لمحمد أحمد المهدي وللميرغني وكانت دعوة وحدة وادي النيل دعوة توحيد قطري ولم تستقطب في أي من اتجاهي الإسلام والعروبة. وظلت الجزيرة العربية في غالبها في إطار الدعوة السلفية لابن عبد الوهاب والوجود الزيدي في الجنوب وهذه أرض العرب الأولى لم تصدر عنها دعوة العروبة فيما عدا حركة الشريف حسين سنة ١٩١٦. إن الحركة الإسلامية أو الفكر السياسي الآخذ عن الإسلام في الشمال الإفريقي عامة وفي مصر خاصة لم يستشعر خطرا على نفسه من التوجه العروبي بل لعل هذا التوجه ظهر أول ما ظهر في أحضان الإسلامية السياسية. وهى لم تعاركه ولم تحذر منه بل لعلها دافعت عن هذا التوجه ودعمته عندما ظهر وليدا في الثلاثينيات.

الأزمات في مصر

عندما طرح عبد الناصر تصوراته السياسية بعد قيام ثورة ٢٣ يوليه رسم في فلسفة الثورة دوائره الثلاث للنشاط السياسي المصري، وقال إنه لا يمكن تجاهل الدائرة العربية ولا القارة الإفريقية ولا العالم الإسلامي. وقد أولى الدائرة العربية أخص اهتمامه ولكنه لم ينس دور مصر في حماية التراث والحضارة الإسلامية . ولكن لم تلبث الدائرة الإسلامية أن صارت أكثر الدوائر خفوتا في مجمل الخمسينات والستينات . ولكن يظل صواب النظرة قائما بحسبانها دائرة موجودة وإن أضمرتها الظروف التاريخية حينا. ولكن طغت الممارسات القمعية من حملات الاعتقالات للإخوان المسلمين وللمثقفين والكتاب والعلمانيين وكل معارض لممارساته السياسية. بعد انفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة عام 1961، كان عبد الناصر يريد استرجاع هيبته بعد انفصال سوريا. وكان انتصارا عسكريا سريعا وحاسما، يمكن أن يعيد قيادته للعالم العربي. فكان قرار عبد الناصر للدخول فى الحرب لدعم الانقلاب على الحكم باليمن عام ١٩٦٢ فكان هذا أحد الأسباب لدخوله الحرب. ويشير المؤرخون العسكريون المصريون إلى حرب اليمن باعتبارها “فيتنام مصر”. وكتب المؤرخ الصهيوني ميخائيل أورين أن “مغامرة” مصر العسكرية في اليمن كانت كارثة لدرجة أنه “يمكن مقارنتها بحرب فيتنام”. وليس هناك اتفاق رسمي على عدد الذين سقطوا من الجنود المصريين في تلك الحرب ففي حين يرى وجيه أبو ذكري الذي كان يشغل منصب- رئيس قسم الشؤون العربية بمجلة آخر ساعة- في كتابه “الزهور تدفن في اليمن” أنهم كانوا عشرين ألف قتيل، وترى مصادر أخرى أنها بين 10000 إلى 15000 جندي، ومصدر ثالث يقول إنهم 5000 فقط. ولكن كان أكبر الخسائر ما أحدثه التدخل العسكري في اليمن من بث الكراهية والعداوة بين الشعبين اليمني والمصري بل والشعوب العربية كلها.

وبعد فترة كامب ديفيد وفعلها في السياسات المصرية والعربية وفى الانقسام بين الشارع العربي والمصري ما بين مؤيد ورافض لها .وهى من جانب آخر فترة تبلور المعارضة السياسية في تيارات شعبية وفترة ظهور المعارضة السياسية الإسلامية في العديد من التنظيمات والتوجهات الفكرية وتواكب ذلك مع قيام الثورة الإيرانية. في ظل هذه الأوضاع تفجرت الحرب العراقية الإيرانية واستمرت وتطاول أمرها الزمني بدم يسيل على الجانبين تغوص فيه أو تختفي محاولات التقارب والتلاقي بين جامعتي الإسلام والعروبة، في ظل هذه الأوضاع تعمق الحرب الطائفية في لبنان فلا تستبين عدوا من صديق وفي ظلها تصطنع المعارك الفكرية الداخلية حول الشريعة الإسلامية والحدود الشرعية، وحرب الخليج تضرب فيها التقارب الإسلامي العربي وموضوع حقوق المرأة والذي أريد له أن يضرب التقارب الإسلامي التقدمي كما لو أن الشريعة الإسلامية ضد التقدم وحقوق المرأة. فمن يتصور أن التناقضات الثانوية التي يساء التعامل معها تصير تناقضات أساسية؛ ففي خضم المشاكل الجسام التي ينوء المجتمع والوطن تحت عبئها، تتقدم قضية فرعية في قانون الأحوال الشخصية لتحظى بكل هذا الضجيج والحدة، ولكن السبب لا يعود إلى محض الخطأ أو إساءة التعامل، إنما يعود إلى عزم مسبق للإيقاع بين التيارات الوطنية بعضها ببعض، وتوجيه الضربة الأساسية إلى التيار الإسلامي، وبهذا تُغلق الحدود الفكرية بين الأطراف المتحاربة ويُمنع تسرب أفكار كل طرف إلى الطرف الآخر، ويصير الحديث المتبادل تراشقا بالأفكار على الجانبين وأقوالا هي أقرب للدعاية.

حرب الخليج الثانية

ظلت منطقة الخليج -منذ أن خرج منها الاستعمار البريطاني بالتدريج إثر الحرب العالمية الثانية- منطقة حساسة بالنسبة للحسابات الإستراتيجية الأميركية، وكان الغزو العراقي للكويت (حرب الخليج الثانية) إحدى المحطات التي تبين جانبا من طبيعة التدخل الأميركي في هذه المنطقة. فقد كانت الولايات المتحدة تتخوف من السياسة العراقية في المنطقة لا سيما بعد خروج العراق شبه منتصر في الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988 (حرب الخليج الأولى)، وامتلاكه أثناءها خبرات علمية وعسكرية صناعية قد تقوده في المستقبل إلى حيازة برنامج تسليح متطور يهدد المصالح الأميركية بالمنطقة المتمثلة في النفط وأمن إسرائيل. وقد برز إلى السطح منذ انتهاء الحرب مع إيران توتر شديد في علاقات العراق ببعض دول الخليج وخاصة الكويت، وتجلى ذلك في القمة العربية الاستثنائية التي عقدت في بغداد يوم 28 مايو 1990 واتهم فيها صدام حسين الكويت بـ”سرقة نفط حقل الرملة العراقي” على الحدود بين البلدين. كما اشتكى العراق من أن الكويت زادت إنتاجها النفطي على الحصة المقررة لها من طرف منظمة أوبك، وهو ما سيؤثر على اقتصاد العراق ويخفض أسعار النفط التي كانت بغداد تطمح لارتفاعها إلى 25 دولارا للبرميل، لكي تجني موارد مالية أكبر تمكنها من إعادة إعمار ما دمرته الحرب. ولذلك سلمت بغداد يوم 16 يوليو 1990 مذكرة إلى جامعة الدول العربية تتضمن شكواها بهذا الشأن. وفي 17 يوليو 1990 ألقى صدام خطابا -في ذكرى “ثورة يوليو” 1968- جدد فيه اتهام الكويت بالضلوع في “مؤامرة نفطية” ضد العراق، وهدد باستخدام “رد مناسب” ضدها. وفي حين نفت الكويت الاتهامات العراقية وطالبت العراق بسداد الديون التي أقرضته إياها خلال حربه مع إيران والمقدرة بمليارات الدولارات. وقد دفع السجال بين الطرفين الملك السعودي آنذاك فهد بن عبد العزيز إلى دعوتهما لعقد مباحثات في جدة للتوصل إلى حل بشأن خلافاتهما؛ فعُقدت مباحثات يوم 29 يوليو 1990 بين وفد كويتي يرأسه ولي العهد حينها الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح ووفد عراقي برئاسة نائب الرئيس العراقي عزة الدوري، ولكن هذه الجهود الدبلوماسية ونظائرها لم تثمر في تخفيف حدة التوتر بين البلدين. واتخذت واشنطن سياسة مزدوجة لاستغلال هذا التوتر، حيث شجعت ضمنيا السفيرة الأميركية لدى العراق يومئذ أبريل غلاسبي صدام حسين على تنفيذ تهديداته للكويت، وذلك حين قالت له -خلال لقائهما يوم 25 يونيو 1990- إن حكومة بلادها “ليس لها رأي بشأن الخلافات العربية/العربية”. لكن أميركا تزعمت لاحقا التحالف المناهض للعراق عندما غزا الكويت. سببت حرب العراق إيران مزيد من الطائفية الدينية بين السنة والشيعة لدى الشعوب، وأدى غزو العراق للكويت مزيدا من الانقسام والتمزق العربي ليس بين الشعبين وحدهما بل بين الشعوب العربية كلها.

هجمات ١١ سبتمبر

هجمات بطائرات مختطفة استهدفت أبراجا تجارية ومباني رسمية في الولايات المتحدة، قتل فيها وأصيب آلاف البشر، وأعقبتها حروب أطاحت بنظامي الحكم بأفغانستان والعراق، وأعمال عنف أخرى؛ ففي صباح يوم 11 سبتمبر/أيلول 2001 فوجئ العالم بنقل حي على شاشات التلفزة لصور طائرتين مدنيتين مختطفتين تخترقان جدران برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك فتسويانهما ومن فيهما بالأرض، وبطائرة أخرى تصدم أحد أجنحة مبنى وزارة الدفاع (البنتاغون) في واشنطن فتلحق به أضرارا بالغة. وكان من تداعيات هذه الهجمات -التي قتل فيها ما يقارب ثلاثة آلاف شخص من جنسيات كثيرة وعرقيات متعددة، وأعلن تنظيم القاعدة لاحقا مسؤوليته عنها- سلسلة أحداث سياسية وعسكرية غيرت مجرى تاريخ شعوب بأكملها، وأثارت دوامات من الحروب وأعمال العنف الدموية ذهب ضحيتها ملايين البشر بين قتيل ومصاب ومعتقل ومشرد. فبعد أيام من وقوع الهجمات أصدر الكونجرس الأميركي متعجلا قانون “التخويل باستخدام القوة” الذي يمنح رئيس البلاد سلطة “استخدام كل القوة الضرورية والمناسبة ضد الدول والمنظمات والأشخاص الذين خططوا وأعطوا الإذن وارتكبوا أو ساعدوا في الهجمات التي وقعت في 11 سبتمبر، أو من هم مثل هذه المنظمات أو الأشخاص”. وبما أن الكونجرس لم يحدد لهذا القانون تاريخ انتهاء صلاحية أو حدودا جغرافية، فقد اتخذته الإدارة الأميركية غطاء لشن عدة حروب بدءا بأفغانستان ومرورا بالعراق وليس انتهاء بهجمات الطائرات بلا طيار في باكستان واليمن والصومال، إضافة لارتكابها خروقا واسعة لحقوق الإنسان شملت التنصت على المكالمات الهاتفية دون إذن قضائي، وتعذيب المتهمين بارتكاب “أعمال إرهابية” أثناء استجوابهم. كان لأحداث سبتمبر أثر كبير على تشكيل صورة العرب لدى الغرب، فقد تجاوزت هذه الصورة من مرحلة التشويه التي كانت سائدة قبل أيلول إلى احتمالات الإقصاء؛ إذ انطلق فكر الصراع ثانية وظهرت أفكار قديمة جاءت من عصور سحيقة بهدف خلق صدام وهمي مع الإسلام على اعتبار أن الإسلام (مصدر للإرهاب)، وذلك في محاولة لخلط الأوراق على الساحة الدولية؛ فقد استندت الحملة الضارية التي تستهدف الإسلام والعروبة وتحاول التشهير بهما وتشويه صورتهما، إضافة إلى الحملات السياسية المشبوهة التي تحاول ابتزاز بعض الدول العربية وعلى الأخص مصر والسعودية من خلال هجوم إعلامي تدعمه بعض الدوائر المعادية في الولايات المتحدة.

إن تأثر العلاقات العربية الأمريكية بعد أحداث أيلول 2001 وما نتج عن هذه الأحداث من تغيرات في الموقف الأمريكي، أثارت اتجاهات انتهازية واستخفافا وتحاملا على الأمة العربية، فقد حاولت إدارة بوش الابن التقرب من العرب بعد هذه الأحداث في سبيل الدعم لإطار الحرب الأمريكية ضد الإرهاب، وكان نجاح الحملة العسكرية الأمريكية على أفغانستان أحد أهم الأسباب في تغيير الموقف الأمريكي؛ إذ لم تعد الإدارة الأمريكية بحاجة إلى تأييد الدول العربية في الحرب ضد الإرهاب، وعادت تستخدم لغة الغطرسة والاستعلاء ضد العرب، ورافقت ذلك حملة إعلامية وسياسية محكمة التنظيم ضد كل من السعودية ومصر. أما بالنسبة للجانب العربي فقد زاد سخطه على السياسة الأمريكية نتيجة اتجاه أمريكا للتخطيط لضرب العراق متذرعة بحجج واهية وذرائع وهمية، ومحاولة بذلك تلفيق التهم إلى العراق وتحميله مسؤولية هجمات 11 أيلول، للانتقام من العراق لمصلحة إسرائيل والسياسات الأمريكية في المنطقة. وعليه فإن الرأي العام العربي يرى أن السياسة الأمريكية لا تفكر إلا في اختلاق الذرائع لضرب العراق، في حين تطلق العنان للكيان الصهيوني للتصرف كما يشاء؛ مما ولد شعوراً لدى الرأي العام العربي أن التحالف الأمريكي الإسرائيلي يشن حرباً شاملة ضد الأمة العربية بهدف إذلال هذه الأمة وفرض الهيمنة الأمريكية – الإسرائيلية عليها والتحكم في مصير شعوبها.

الربيع العربي

بعد مرور عدة أعوام على انطلاق الربيع العربي في أوائل العام 2011، نظَّم مركز الجزيرة للدراسات سلسلة من الندوات الحوارية للوقوف على مسارات الثورات العربية وإنجازاتها وإخفاقاتها، وأدوار الفاعلين المحليين التقليديين وغير التقليديين الذين خرجوا إلى الساحات والميادين مطالبين بالحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وكذلك أدوار ومسؤوليات اللاعبين الدوليين، وبحث آفاق وسيناريوهات مستقبل حركة التغيير بعد الموجة الارتدادية التي قادتها الثورة المضادة ووصول رموزها إلى السلطة. وخَلص المتحدِّثون إلى أن الفاعلين (التقليديين وغير التقليديين) في حركة التغيير لم يستطيعوا بلورة مشروع سياسي مناسب للحظة التاريخية، بل أخذت القوى التقليدية المبادرة فزاد الانقسام والصراع السياسي، ثم انتكست تجربة التحوُّل السياسي بعد تدخل الدولة العميقة التي سعت منذ اليوم الأول لهندسة المرحلة الانتقالية وتهيئة مشهد الانقلاب (نموذج الحالة المصرية واليمنية)، واتسع نطاق الصراع أفقيًّا وعموديًّا في الحالة الليبية، وتحوَّل بعضها الآخر إلى صراع عابر للحدود الوطنية صراع إقليمي ودولي (التجربة السورية)، بينما تمكَّنت تجارب أخرى من العبور إلى شاطئ الأمان وتأسيس نظام ديمقراطي ناشئ (التجربة التونسية)، رغم ما يتهدَّدها من مخاطر أمنية وضغوط اجتماعية واقتصادية تجعلها مفتوحة على سيناريو الانتكاسة، خاصة إذا لم يُعمق الإصلاح ويُكبح جماح إرادة التحكم (التجربة المغربية).

انقسام شعبي وتراشق سعودي مصري

شهدت مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة تويتر، انقساما حاداً بشأن قضية جزيرتي “تيران وصنافير”، سواء بين المصريين والسعوديين، أو بين المصريين أنفسهم. ووصل الأمر إلى حد اتهام الطرف المدافع عن مصرية الجزر بأنه “عميل وخائن ويتلقى أموالاً من قطر وتركيا لاحراج النظام المصري”، فيما يُتهم الطرف المدافع عن سعودية الجزيرتين بأنه “خائن باع الأرض مقابل المال والمكاسب السياسية”. فقد أطلق الطرف المؤيد للحكومة المصرية وسماً (هاشتاج) بعنوان #دولتنا_لم_تفرط_في_ارضنا شن فيه حملة ضد من أسماهم بالخونة وعملاء الخارج واتهمه بتشويه صورة الجيش المصري ورئيس البلاد. فيما أطلق الطرف المعارض لتسليم الجزر للسعودية وسماً آخر تحت عنوان #تيران_وصنافير_مصرية وهو الوسم الذي أطلق قبل فترة وكثافة التفاعل معه وضعته في المركز الأول عالميا. وقامت وسائل الإعلام المصرية الحكومية والخاصة على اختلاف أنواعها بنشر ما يدعم موقف الحكومة وضرورة اتباعه وتأييده بهدف حشد التأييد الشعبي خلف قرار الدولة بتسليم الجزر للسعودية. وقضية الجزر لم تتسبب في انقسام الشارع المصري وحسب بل سممت الأجواء بين مصر والسعودية على المستوى الشعبي.

حصار قطر

باغتت السعودية وحليفتاها الإمارات والبحرين العالم فجر الخامس من يونيو ٢٠١٧ بإجراءات غير مسبوقة ضد قطر جارتهم، والتي يرتبطون معها بروابط أخوة ودين ودم في مجلس التعاون. حدث ذلك بمشاركة مصر على خلفية مزاعم بتمويل الإرهاب وتوجيهه. واتخذت تلك الإجراءات صيغة المقاطعة الدبلوماسية والحصار الاقتصادي والحظر الذي كان ضحيته الأولى آلاف الأسر الخليجية المقيمة في هذه الدول والأسر العربية بها. وردت قطر على الهجمة بالتزام ضبط النفس والدعوة إلى التعقل ورفض الاتهامات الكيدية، وسط استنفار دبلوماسي دولي لإيجاد مخرج للأزمة. وانفردت تركيا بإعلانها تفعيل اتفاقية سابقة للتعاون العسكري مع قطر إلى جانب عرضها التوسط لحل الخلاف، وهو ما حقق التوازن -وفق أحد المحللين- بالنظر إلى استقواء الأطراف الفاعلة في حصار قطر بإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب. توالت الأحداث والتطورات منذرة بتصعيد خطير، فمن الحملة الشرسة التي شنتها وسائل إعلام سعودية وإماراتية على دولة قطر، إلى الوثائق المهمة التي كشفتها الرسائل المسربة للسفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة، وصولا إلى قطع دول خليجية علاقاتها الدبلوماسية مع الدوحة. أغلقت السعودية والإمارات والبحرين ومصر مجالها الجوي وأجبرت الخطوط الجوية القطرية على تغيير مسار رحلاتها عبر إيران وتركيا وسلطنة عمان.

الأدوات والوسائل:

دور الإعلام الصهيوني في تصعيد الخلافات

استغل الإعلام الصهيوني أحداث سبتمبر لتنفيذ حملة إعلامية مستخدما وسائل الإعلام الأمريكية التي تسيطر عليها الدوائر الصهيونية، وعلى مدى شهور كان للإعلام الصهيوني عدة اتجاهات:

  •  الاتجاه الأول تصوير العرب كإرهابيين وقتلة، وأن ما حدث في أميركا ليس إلا من فعل العرب المسلمين الحاقدين على الحرية والديموقراطية.
  •  الاتجاه الثاني كرس الإعلام نفسه لدفع الإدارة الأمريكية والشعب الأمريكي لشن حرب مدمرة على كافة الدول التي تؤوي الإرهابيين على حد زعمه، مستغلاً بذلك الوضع النفسي الأمريكي.
  • الاتجاه الثالث ربط الإعلام الصهيوني ما حدث في أميركا بما يجري في فلسطين، وحاول بشتى السبل إظهار الفلسطينيين إرهابيين وقتلة.
  •  الاتجاه الرابع صور الإعلام الصهيوني الصهاينة بأنهم أكثر حرصاً على مشاركة أميركا عسكرياً في الحملة العسكرية ضد أفغانستان، وكان يقصد من ذلك إطلاق الحرية الكاملة للكيان الصهيوني لتنفيذ أكبر عملية تصفية للفلسطينيين، ولتنفيذ بعض الضربات القاسية على لبنان والدول العربية.

* وفي دراسة جرت في 26 و27 اكتوبر/تشرين أول 2001 اشترك فيها عشرون طالبا من طلاب برنامج فولبرايت مع عدد مماثل من طلاب جامعة ماريلاند، أبدى عدد من الطلاب الأمريكيين أن انطباعاتهم الأولى من العرب أوجدتها وسائل الإعلام وأفلام هوليوود ولقطات أخبار التلفزيون والاحتجاجات العادية لأميركا، كما أبدى الطلاب العرب أن انطباعاتهم عن الأمريكيين كانت هي أيضاً من وسائل الإعلام. وفي البحث الذي قدمه الكاتب الصحفي عماد ناصف تحت عنوانه ” إعلام الموت .. مليون قتيل والفاعل معلوم” الإعلام العربي على طريق الكراهية” عرض فيه المشكلة والحلول لحرب الكراهية وكيف زحف خطاب الكراهية إلى الصحف والفضائيات والإذاعات العربية؟

http://ruyaa.cc/Page/5734

بث الكراهية عبر الأغنية

لم تعد الأزمة المفتعلة ضد قطر تقتصر على حصار الدوحة سياسياً واقتصادياً وإغلاق الحدود في وجوه القطريين براً وجواً وحرمانهم من التواصل مع أقاربهم في الرياض وأبوظبي والمنامة ذهاباً وإياباً، بل تبع كل هذه الإجراءات التعسفية استخدام وسائل غير مألوفة وانتهاج سلوكيات ليست معـروفة في العلاقات الخليجية، من بينها الدعاية التحريضية. فوظفت الرياضة والدين في حربها ضد قطر، ولم تتردد في تحويل الفن إلى بوق سياسي لتوجيه الاتهامات والتهديدات ضدها، وإنفاق ملايين الدولارات على أغاني تسيء إلى شعوب عربية شقيقة. فتقويض الأمن والأمان عبر خطاب فيه بث للكراهية وتفريق الشعوب بما يقدم من أعمال غنائية فيها تحريض وإساءة وتطاول على قيادة وشعوب هذه الدول لا شك أنه يأتي في إطار الإسفاف والسقوط الفني كالأغنية التي طرحت بعنوان “ما عرفنا يا قطر” وقبلها “علم قطر” وأغنية “قولوا لقطر”. لقد وضعت الأغنية المسيئة التي كتبها تركي آل الشيخ، وتلقى «المكافأة الملكية» عليها بتعيينه رئيساً للهيئة العامة للرياضة في السعودية ــ المتلقي في حيرة وتناقضات وأوقعته في متاهات وتساؤلات لا مخرج منها، فكيف يمكن للمستمع أن يصدق المطرب عبدالمجيد عبدالله والمشارك بالغناء وهو يتحــدث عن «مؤامرات قطر»، في حين أنه صاحب أغنية «والله أحبك يا قطر»؟ وتشكل الأغنية المذكورة النموذج الصارخ على خطاب الكراهية الغارق في العـدائية، المحرض على العـدوانية عبـر التهديد والوعيد والسباب، والتلويح بالعودة إلى شريعة الغاب. ومن المعيب تسييـــس العمـل الفـني واستغلال الأغنية لأغراض سياسية محضة، من أجل اقتياد الجماهير مثل «المطايا» لتحقيق أيديولوجية دول الحصار المناهضة إلى قطر. وما من شك في أن العمل الفني الخاضع للأيديولوجية السياسية هو عمل وقتي مصيره النسيان، وغالباً ما يُضحى خلاله بالقيمة الإبداعية أو القيم الفنية في سبيل تحقيق المصلحة السياسية. وكان من الأولى توظيف الفن لدعم القضايا الإنسانية العربية، وتقديم عمل غنائي غني بالمشاعر الصادقة يدعو لإيقاف الحرب الخاسرة في اليمن في إطار دعمهم لقضايا المواطن العربي المنكوب المسلوب المغلوب على أمره. لقد حفلت الأغنية المسيئة ضد قطر بالكثير من الرسائل الهابطة التي أراد صاحبها تمريرها في زمن اخـتلفـت فيـه القيـم الحقيقية بـل اختفت منه القيمة الإبداعية، فأضحى الغناء مطية الدعاية السياسية وأصبحت «الدعاية التحريضية» هي التي تحرك الفنان في وقت يفتـرض أن يعلـو فيـه الرمز الفني بفنه ويسمو بسـلوكه ووعيه احتراماً لنفسه ولجمهوره. والمؤسف أن هذا النوع من الغناء الهابط يصدر من فنانين كانوا يعتبرون قدوة في مجال فنهم، إذ تتجه إليهم أنظار المعجبين بهم وتهفو إليهم نفوس متابعيهم. أما النموذج الواضح والصارخ لتقسيم الشعوب وتمزيقها كانت أغنية “إحنا شعب وانتوا شعب لينا رب وليكوا رب” للمطرب على الحجار ومؤلفها مدحت العدل، والتي ما إن تسمعها إلا وتحاول أن تلملم فرقة وتقسيم هذا الشعب، والأسى على ما فعله الفن ودوره في التمزيق على خلاف دوره الحقيقي.

استراتيجيات المواجهة

الروابط والخصائص الجمعية للأمة العربية

هناك عدد كبير من الخصائص الجمعية، وكل منها يصلح أن يكون معيارا لتصنيف ما، وكل منها يتلاءم مع نوع المواجهة المطلوبة لشكل معين في ظرف تاريخي أو اجتماعي خاص [2]. وهناك خصائص عديدة تشكل مقوماتنا الفكرية والحضارية وينمو بعضها إزاء بعض عندما يثور من الأمور ما يقتضي نمو الخصائص لمواجهة أمر ما. ويجب أن نولي كل خصيصة القدر المعلوم من الاهتمام الذي تصلح به الجماعة الوطنية ويصلح به قيامها وبقاؤها.

في إطار الروابط الجمعية فهناك:

  •  عامل الدين .. كعامل جمعي
  •  عامل اللغة
  •  الرباط الإقليمي
  •  علاقات الجوار.. التي يقوم على أساسها عدد من الروابط المحلية الثانوية.
  •  علاقات القرابة والنسب.. التي يقوم عليها عدد من التكوينات الاجتماعية كالأسرة والعائلة أو التكوينات الاجتماعية شبه السياسية كالعشيرة والقبيلة.

هذا كله أمر قائم وليست المشكله في قيامه، ولكن المشكلة هي:

  •  تحديد نطاق الفاعلية لكل من هذه الروابط وحساب ممكناتها الجمعية.
  • وضع هذه العوامل إزاء بعضها البعض بما يضمن الفاعلية الإيجابية لها.
    •  التغذية المتبادلة بينها في إطار الهدف الحاكم في ظرف تاريخي محدد. أو توضع بصورة تثير التناقض والتنافي بين بعضها البعض.

 

  • وهناك مثال واضح لذلك في صدر الإسلام بالنسبة للجامع السياسي. لقد قضى الإسلام على العصبية الجاهلية وأقام رابطة الانتماء العقيدي للإسلام وأقام دولته على هذه الرابطة، ولم يجر ذلك بطريق ضرب الجماعة القبلية وهدمها هدما تاما بل إنه أبقى على العنصر الجمعي فيها من حيث هو علاقة نسب وقرابة تضم المئات، ثم نزع عنصر الامتناع الذى أسسه العصبية الجاهلية واستطاع بهذا أن يرتب العوامل الجمعية ترتيبا غير متناف؛ بل يغذي بعضه بعضا ويقيم بينها ترابطا وتدرجا من الخصوص إلى العموم حتى يصل إلى الجماعة الإسلامية الكبرى. هذا أسلوب ومنهج في التفكير وفي العمل، وهو ذاته الأسلوب الذي تقوم عليه العلاقة بين عدد من الكيانات الجمعية في مجتمعنا المعاصر من الوحدات الاجتماعية الدنيا “كالأسرة والعائلة والحي والإقليم” إلى الوحدات الأكبر “كالعشيرة والمهنة وغيرهما”، إلى الوحدات الاجتماعية شبه السياسية “كالدويلات والولايات في إطار علاقاتها بالدولة الأم”، إلى الوحدات الأوسع “كالمنظمات الدولية والإقليمية وغيرها” وللدولة علاقة بكل ذلك.  إن أي عامل من العوامل السابقة يمثل قوة جمعية. ولكن قوته تتأتى بقدر مايكون هذا العامل هو الأكثر ملاءمة لمواجهة التحديات المطروحة وبقدر ماتنتظم علاقته مع القوى الجمعية الأخرى بما يتيح التغذية المتبادلة لا بما يثير التنافي. وإن أية قوى يمكن أن توضع إزاء بعضها البعض وضع إضافة فتستقوى ويشد بعضها بعضا ووضع سلب فتتلاشى ويضرب بعضها بعضا.

أهم وجوه الاتفاق والخلاف

من الأهمية إيجاد صيغة للعلاقة بين الجامعتين العربية والإسلامية أو بالأقل نحدد أهم وجوه الاتفاق بينهما وأهم وجوه الخلاف وأن نتبين عناصرالتنافي بينهما للعمل على إزالتها.

أهم وجوه الاتفاق

كلاهما يقود إلي الوحدة وكلاهما يقود إلى فلسطين والقدس ويزد الاتفاق بينهما من الاحتواء الإسلامي للعروبة من حيث الأغلبية السكانية الغالبة ومن حيث الهيمنة الحضارية والفكرية والتاريخية، هيمنة دامت حتى القرن التاسع عشر فلا تكاد تميز بين ما يُعد فكرا وحضارة إسلامية، وبين ما يعد منها عربيا إلا من حيث عموم الأولى وخصوص الثانية.

أهم وجوه الاختلاف بين الجامعتين

فالجامعة الأولى تدور مع العقيدة وتشمل العرب وغيرهم والجامعة الثانية تدور في الأساس مع اللسان العربي وتضم المسلمين وغير المسلمين؛ فالدائرتان لا تتطابقان ولا تستوعب إحداهما الأخرى استيعابا كاملا وهو أمر يقتضى جهدا توفيقيا في جانبين أساسيين:

    • أولهما الإطار التنظيمي الذي يحدد العلاقات المتبادلة بين الجامعتين ” دولة واحدة ، ولايات متحدة، اتحاد دول، جامعة دول، جامعة شعوب… الخ”

 

  • ثاني الجانبين يتعلق بمبدأ المواطنة، أي إيجاد صيغة للمساواة التامة بين المسلمين وغير المسلمين من أبناء الوطن الواحد وذلك في إطار الجامعة الإسلامية، وإمكان إيجاد صيغة مماثلة بين العرب وغير العرب من مواطني العالم العربي كالأكراد والبربر والزنوج وغيرهم.

إن الإنجاز التاريخي للحركة القومية سواء الحركة العربية أو حتى الحركة المصرية الإقليمية في العشرينات، كان في أنها أوثقت الروابط بين المسلمين وغير المسلمين من أبناء أوطاننا، وكفت أذى الانقسام من هذه الزاوية وكفت احتمالات المداخلة من الدول الكبرى والقوى الطامعة بين أبناء الوطن الواحد. ومن جانب آخر فإن الفكر الإسلامي هو الخليق بضمان حقوق المواطنة للأقليات غير العربية.

أهم وجوه التنافي بين الجامعتين

هو الوضع العلماني الذي قامت عليه وروجته عروبة الشام ومصرية ١٩١٩، ويبدو أن محك الصدام بين الإسلام والقومية هو في هذا الجانب العلماني. والقومية قريبة من الإسلام ما ابتعدت عن العلمانية، بعيدة عنه ما اقتربت منها؛ قلا تجتمع علمانية وإسلام إلا بطريق التلفيق وصرف أي منهما على غير حقيقة معناه. وإن الدعوة الإسلامية تقوم أول ما تقوم على مبدأ تطبيق الشريعة الإسلامية واعتبارها الإطار المرجعي ومصدر الشرعية والحاكمية في المجتمع. وهذا وجه التنافي للعلمانية معها. وثمة عديد من وجوه التنافي لا تتعلق بالجانب النظري ولكنها لا تتعلق بما يمكن أن يسمى المسلك الفكري أو السياسي وبأوجه النشاط في هذين المجالين. فهناك مثلا هذا الهجوم المبالغ فيه من جانب الحركة الإسلامية في تصديها للفكر القومي وللحركات القومية. وفي الوجه المقابل محاولات لدي العروبيين تبدأ باقتناص التاريخ لصالحهم أي تخليصه من الروح الإسلامية، منها المبالغة والتركيز على إضافة العصر الجاهلي كمكون أساسى للتاريخ لتبدو العروبة أصلية طرأ عليها الإسلام، ومنهم من يزعمون أن الإسلام بجمعه كله فكرا وعقيدة وحضارة هو مجرد إفراز عربي أو عروبي، ويتجاهلون في ذلك بإصرار أن الدعوة الإسلامية رغم نزولها بين العرب فقد وجهت للناس كافة وأنها انتشرت بين غير العرب؛ فلا يمثل العرب من المسلمين ما يتجاوز السدس. وإن أية دعوة إنما تقاس عموميتها بهذين المعيارين: إلى من وجهت؟ ومن الذين آمنوا بها؟ وهذان الأمران يؤكدان عالمية الإسلام وأنه أنزل للناس كافة .

ومع ذلك يصر بعض من العروبيين على إخضاع الإسلام للعروبة وحصره في النطاق القومي العربي. ويقول مالك بن نبي إن الفكر الإسلامي فكر مجرد وكذلك الفكرة القومية فكرة مجردة، ولكن اشتعال القتال بين الفكرتين مال بأنصار كل منهما إلى تشخيص الفكرة المخاصمة ليسهل ضربها من خلال ضرب المشخص لها فردا كان أو دولة أو مؤسسة. وهكذا يصنع القوميون عندما يصبون الفكرة الإسلامية في وعاء الدولة العثمانية وينسبون إليها كل نقيصة، ويميلون إلى ربط الأثار السلبية فيها بخفوت العروبة وإلى القول إن انهيار الدولة حرر العرب، وبهذا تنضاف كل سوءات الدولة العثمانية إلى المعنى المتضمن المضمر وهو الدولة الإسلامية. وإذا كان صحيحا أن انهيار الدولة العثمانية قد حرر العرب كما يزعمون فلماذا انهارت وتفتت العرب وتناثرت دويلات شتى لم تجتمع حتى هذه الساعة، وسقوط الدول العربية أكثر فأكثر فريسة الاستعمار الأوروبي والغربي. ويبقى الوجه المقابل وهو ما تصنعه الحركة الإسلامية من تشخيص للفكرة القومية في جمال عبد الناصر ونظامه. لذلك ينبغي مناقشة مسألة التوجه العلماني للقومية العربية في عهد عبد الناصر . لأن الفكرة العربية في مصر ظلت قريبة من التيار الفكري والسياسي الإسلامي منذ الثلاثينيات، ثم جاءت المخالفة بينهما في الخمسينيات واضحة ولعل وراء ذلك عدد من العوامل منها:

    •  أن كارثة فلسطين زكت الوجه العربي المشرقي في مصر وصبغته بصبغة أهل المشرق العربي، لأن مصر التفتت بشدة منذ ١٩٤٨ إلى جاراتها العربيات المشرقيات تحاول معها احتواء التهديد الصهيوني

 

    •  حدة الصراع بين النظام الناصري وبين الإخوان المسلمين، جاءت بنتيجة سياسية ملازمة وهى استبعاد الإسلامية السياسية عامة والحذر منها مطلقا. وكان هذا الاستبعاد يزداد حدة مع شعور النظام بأن أمنه التنظيمي مهدد أكثر ما يتهدد من جانب الحركة الإسلامية خاصة ومع غياب الإسلامية السياسية تحل العلمانية. وقد مكن لهذا الإحلال وأسرع به أن الفكر الماركسي بادر بدعم هذا التوجه وعمقه، وحاول أن يحل عقيدته محل العقيدة الإسلامية في السياسة، فكان أثرها كبيرا في تعميق الخلاف بين التوجهين القومي والإسلامي .

 

    • يبدو أن هناك امتناعا عن مطالعة الهموم الفكرية للطرف الآخر وامتناعا عن محاولة تفهم السياق الداخلي لأفكاره وآرائه، وينصرف الجهد لا إلى البحث عن مجالات الالتقاء أوالتقارب، ولكن إلى التفتيش عن وجوه الخلاف والتركيز عليها باعتبارها الحدود الفاصلة، وثمة حرص لا إلى الاعتراف بنواحي القوة لدى الطرف الآخر ولكن حرص في التنقيب عن نقاط الضعف والعمل على توسيعها والنفاذ منها والتشنيع على الخصم بها، وثمة بحث عن أمراض الطرف الآخر لا لمداواتها ولكن للطعن عليه بها ومحاولة قتله منها والهدف في النهاية هو التصفية والإبادة. فالعلماني القومي من الأهمية أن يعيد النظر إلى نفسه والتلفت حولها. فليس له الحق في أن يزعم لنفسه وجودا أكثر شرعية أو أكثر أصالة من غيره. وعليه أن يدرك أن أحقيته في هذه الديار على أحسن الفروض لا تجاوز أحقية هذا الغير فيها ولأن بناء مستقبل وطنه ليس وقفا عليه وحده وليس حكرا على تصوراته السياسية والاجتماعية. وأنه في علاقته بالإسلامية الوطنية . وإذا نظرنا إليه بمعيار الأرجحية العددية فهو ليس براجح وإذا نظرنا إلي مدى كفايته في التصدي للتحديات فقد وقع على يدى العلمانى الوطني من تجارب الإخفاق ما لا بد أن يحعله يعاود النظر في وضعه وموقفه وما يقنعه بأنه لا يملك مفاتيح الصواب ولا موازين الحق وقوائم البناء. وهى أولى خطوات الطريق لمواجهة ملامح الانقسام التي تصدع بناء الجماعة السياسية. على العلماني بدل أن يعمل من مواقع المسئولية إزاء التكوين الشامل للجماعة الوطنية على تنمية أواصر الجامعة الوطنية وهى مهمة تقع على عاتق جميع الفرق الوطنية. وعلى التيار الإسلامي بذل الجهد لطمأنة المسيحيين على حقوقهم داخل الجماعة الوطنية وتحقيق ذلك بالتفاهم والتفاعل المتبادل وليس بالوقيعة والتشنيع. ويتعين ملاحظة أن الفكر الإسلامي وحركاته يرى تناقضه مع العلمانية التي تنفى صلة الإسلام بنظام الحياة، ولا يرى هذا التناقض مع المسيحيين والشرقيين منهم على وجه الخصوص.

 

  •  هناك مسألة في قلب التحديات التي تواجه الحركة السياسية العربية . أنه يتعين على التيار العلماني في حركة التحرير العربي أن تعيد النظر في موقفها من التيار الإسلامي. بعدما صارت العلاقة بين التيارين تتجاوز حدود القطيعة وتصل إلى حد الغربة والوحشة وتتجاوز حدود الخصام والإبعاد والإقصاء وتصل إلى حد العجز عن الفهم. كيف لمواطنين يحيون في بلد واحد يصلون لهذا الحد حتى صار البلد بلدين وكاد الشعب أن يصير شعبين أو جماعتين سياسيتين. ونكاد أن نسقط من حسابنا هذا الصداع الكبير بين ما يمكن أن نسمية الوطنية العلمانية والوطنية الإسلامية وأدى الوضع في المجتمع إلى تباعد هذين التيارين. ولا يكفى هنا أن نكون على إدراك مخاطره علينا جميعا بل نكون عازمين على بناء الجسور بين هذين التيارين. وقد شاهدنا بأعيننا وعايشنا بأنفسنا عندما كان الاتفاق بينهما وبين جميع القوى السياسية تحققت ولو لفترة نجاج ومطالب ثورة ٢٥ يناير وعندما التُف حولهما أدى إلى إضعاف جميع القوى السياسية مما أدى إلى إجهاض وإسقاط الثورة والانقلاب على إرادة الشعب باختيار رئيسها.

يلاحظ أن العلاقة بين التيارين الإسلامي والعلماني في مجتمعنا تظهر فيها ملامح الموقف الطائفي الواحد منها تجاه الآخر؛ فالعلمانيون يتحدون معا في مواجهتهم للتيار الإسلامي رغم الاختلافات الكبيرة بين العلمانيين بعضهم وبعض بحكم اختلافهم في المواقف السياسية والاجتماعية. والظاهرة نفسها نلحظها لدى التيار الإسلامي في مواجهته للعلمانيين. رغم اختلاف فصائل هذا التيار تعبيرا عن المواقف السياسية والاجتماعية المتباينة. بلغ الأمر إلى حد الغلو من بعض العلمانيين إذ يشير أحدهم في بحث قدمه لندوة أن التحديث مع الاستعمار أفضل من التخلف مع الاستقلال، وكذلك زيارة أحد كبار المثقفين المصريين لإسرائيل بمبادرة منفردة من جانبه بعد معاهدة كامب ديفيد . بعض العلمانيين في صراعه مع التيار الإسلامي يعمل على استغلال وضع غير المسلمين ليواجه به الحركات الإسلامية بدل أن يواجه معركته الفكرية بنفسه فقط.

  • ولعل واحدا من المهام التي تواجهنا في هذه الفترة وهى البحث عن صيغة فكرية للعلاقة بين التيار الإسلامي وتيار الوحدة العربية، وإن أخطر ما يواجه هذه العلاقة هو موضوع الجامعة السياسية وموضوع الشريعة الإسلامية، ويجب أن يبذل أهل الفكر والساسة من الفريقين كل في ميدانه ما يستطيع من جهد لرأب هذا الصدع وإقامة جسور الالتقاء وتقديم الصياغات الفكرية اللازمة له. الأمر يحتاج إلى نوع من الجراحات الفكرية لدى أهل الفريقين إقرارا عاما ومتبادلا للأصل المرجعي العام للشريعة الإسلامية كنظام قانوني حاكم يهيمن على الشرعية في المجتمع، وإقرارا عاما ومتبادلا أيضا لحركة التجديد في الفقه الآخذ من الشريعة بما يثبت أصولها ويدفع أحكامها في مجال الاستجابة لتحديات العصر الذى نعيش، ويقيم منها بصفة خاصة درعا لحماية الجماعة السياسية وترابطها بين المواطنين عامة وحقوق المواطنة التي يتمتع بها الجميع في ظله وإن اختلفت أديانهم .

هل يمكن إيجاد صيغة للتقبل المتبادل بين العروبة والإسلام؟ صيغة تمكن الجامعة الإسلامية من أن تحتضن الكيان العربي كواحد من مكوناتها، وتمكن العروبة من أن تستشرف آفاق الجماعة الإسلامية، للأسف يغلب على القائم الآن الإنكار المتبادل وليس الاعتراف المتبادل، وأن عوامل الاستبعاد والنفي تغلب عوامل التمثل والدعم. وعن إمكانية أن تقوم التغذية المتبادلة بينهما بدلا من التنافي؛ فالأمر كله يتوقف على الطريقة في طرح المسألة سواء إسلاميين أوعروبيين. فالغرب «يتنافس ولا يتصارع»، فلو أننا فعلنا الأمر نفسه في المنطقة العربية ومن المؤسف أن الشعوب العربية لا نستطيع الاشتراك في أي شيء جامع، لذلك من الأهمية وجود قيادة توحده وتستطيع وضع أولويات ورؤية مستقبلية واضحة، هناك قيادات من التاريخ المعاصر مثل مهاتير محمد الذي تحدث عن الرؤية المستقبلية في ماليزيا، بالرغم من الاختلاف العرقي بين مكونات المجتمع الماليزي؛ فالشعور أن هناك عدالة اجتماعية يخلق نوعاً من التماسك بين القوميات المختلفة.

مراحل الأمم

الأمم بشكل عام كالأفراد، تنتابها حالات الصحة والمرض والوفاة، ولها أعمار وآجال. وحين تمضي الأمم في مراحل الصحة والمرض والموت، فإنها تسير طبقاً لقوانين محددة ومراحل مقدرة، تحكمها الأسباب والنتائج، وتصاحبها الأعراض والمضاعفات، حتى تنتهي الأمة إلى أجلها ولمصيرها المحتوم .[3]

المرحلة الأولى : مرحلة صحة الأمة وعافيتها “مرحلة الدوران في فلك الأفكار”.

هو أن يكون الولاء للرسالة هو محور الأنشطة التي تكرس خلالها طاقات الأشخاص ومقدرات الأشياء في الأمة، في سبيل تطبيق أفكار الرسالة في الداخل ونشرها في الخارج. وفي حالة الصحة تستمد عناصر الأمة، أي عناصر الإيمان والهجرة والجهاد والإيواء والنصرة والولاية محتوياتها من أفكار الرسالة، وتستثمر في سبيل تطبيقات الرسالة ونشرها. نتيجة لذلك تصبح معادلة تكوين الأمة: أفكار الرسالة – أفراد مؤمنون – وهجرة ومهجر لأفكار الرسالة  – جهاد في سبيل الرسالة – إيواء حملة الرسالة – نصرة الرسالة. والنتيجة العملية لهذا التكوين هو الولاء للأمة، وهذا الولاء هو مظهر صحة الأمة وعافيتها. المظاهر والتطبيقات العمليها لها:

    • رقي مستوى الخبرات الاجتماعية والكونية

 

    • رقي مستوى التفاعل مع الرسالة “رقي شبكة العلاقات الاجتماعية”

 

  • رقي مستوى القدرات العقلية

في بيئة الولاء لأفكار الرسالة تشيع حركات التفكير والتعبير والعمل والاختيار، ويتفاعل أصحاب القدرات العقلية ببعضهم مع بعض، الأمر الذي يساعد على نمو هذه القدرات وبلوغها أقصى مداها، ابتداء بالقدرة على الحفظ، ومرورا بقدرات الفهم والتحليل والتركيب والتأليف والتطبيق والتقويم، حتى القدرة على العمل والنشر. واستثمار جميع المقدرات الفكرية والبشرية والثقافية والمادية بهذا التجرد والتناسق والتكامل يمنح الأمة الناشئة عافية وقدرات هائلة؛ فهو أولا يرفع درجة القدرات التسخيرية عند الأفراد ويبعث إراداتهم العازمة، وثانيا يشبع في الأمة التجانس الثقافي، في القيم والعادات والأخلاق والممارسات الاجتماعية والثقافية والفنية ونماذج التعبير والتطبيق، بما يتفق مع محور الولاء الذي يتغذى من دائرة أفكار الرسالة، الأمر الذي يدفع الأمة إلى نجاحات وانتصارات تدفع بالمجتمعات المعاصرة لأمة الرسالة إلى فتح قلوبها لبعوث الرسالة والإقبال على دراستها والتفاعل معها واعتناق عقيدتها وتطبيقاتها.

المرحلة الثانية: مرحلة مرض الأمة “مرحلة الدوران في فلك الأشخاص”

تتحول الأمة إلي هذه المرحلة، حين تصبح حقيقة المثل الأعلى الذي يوجه الحياة فيها هي دوران الأفكار والأشياء في فلك الأشخاص، ويتغير مفهوم حمل أفكار الرسالة فيصبح مكاسب يسعى أشخاص العصبيات القوية إلى إجبار الآخرين على الاعتراف لهم بملكيتها والتمتع بثمارها في الجاه والمال والنفوذ بعد أن كانت مسئولية وأمانة . مما يهيء لانحسار عناصر الأمة من دائرة الأفكار إلى دائرة الولاء لأشخاص، واستبدال محتوياتها الفكرية بمحتويات شخصية وتكون المحطة النهائية لتفاعلاتها هي الولاء للأشخاص. والولاء للأشخاص له دوائر بعضها أضيق من بعض؛ فهناك الولاء للقوم والولاء للإقليم، ثم الولاء للعشيرة أو الطائفة أو الحزب، ثم الولاء للأسرة، ثم ولاء الفرد لنفسه. وأخيراً لابد من الانتباه إلى:

    • سلسلة الانحسارات المتوالية التي تمر بها الأمة تحدث بدرجة متفاوتة عند أفراد الأمة وجماعاتها؛ فقد يكون أناس على دائرة الولاء للأفكار، في الوقت الذي يكون آخرون على دائرة الولاء للقوم. وتتأثر الأكثرية على دوائر الولاء للعشيرة والعائلة والطائفة والفرد، وفى هذه الحالة يعاني الذين يعيشون على الدوائر الواسعة من الاغتراب الفكري والاجتماعي، ولا يكون لهم أثر في الأحداث أو إيقاف السرطانات الاجتماعية التي تؤدى بالأمة إلى الوفاة.

 

    • ليس حتميا أن تتوالى الانحسارات حتى تنتهى بالأمة إلى الوفاة؛ فقد تكون حركات مراجعة ترد للأمة قسطا من العافية، أو تمنع زيادة الانحسار لمدة، وتنقلها من المرض إلى الصحة.

 

  • يمكن المحافظة على عافية الأمة وصحتها إذا كان هناك رقابة دورية وترميم لظواهر الاختلال أو مقدمات المرض، والقيام بهذه المهمة يحتاج إلى مؤسسات متخصصة، تضم عددا كافيا من الخبراء المتخصصين، يتناسب عددهم مع عدد الأمة . الدول الغربية انتبهت وأقامت المؤسسات المتخصصة التي تفحص نشاطات الأمة بمختلف الوسائل العلمية؛ كالبيانات الاستطلاعية والدراسات الإحصائية والاستفتاءات والتنقيب في ثمار الخطط وتقويم المشروعات، وفي جميع هذه الوسائل توفر لها حرية النقد والتعبير والتشخيص؛ لأنه بدون هذه الحرية لا يمكن أن يكون هناك تقويم وتصحيح.

المرحلة الثالثة: مرحلة وفاة الأمة “مرحلة الدوران في فلك الأشياء”.

تنتهي الأمة إلى حالة الوفاة حين تصبح حقيقة المثل الأعلى الذي يوجه الحياة فيها هي دوران الأفكار والأشخاص في فلك الأشياء. والتجسيد العملي لها هو تمركز شهوات الحياة ومتعها في محور نظام القيم السائدة، وتكريس المقدرات الفكرية والبشرية لتوفير هذه الشهوات والمتع، ونسيان ماعداها من قضايا النشأة والحياة والمصير. والمحصلة النهائية لهذا التبديل في القيم هي بروز إنسان أناني تدور اهتماماته حول ملكية الأشياء، والعض عليها بكل الأنياب المادية والنفسية؛ كقوة السلاح والتآمر والغش والظلم والاغتصاب، دن اعتبار للآخرين ومصائرهم. تبقى الأمة الميتة بعد حدوث الوفاة فترة من الزمن تكون خلالها كالعمارة الضخمة المتصدعة التي تظل قائمة ما دامت لم تهب الرياح التي تقوض أركانها، أو لم تعمل فيها آلات الهدم التي تهدم حيطانها. ويقدم القرآن للأمم الميتة مثلا من جثة سليمان عليه السلام التي ظلت زمنا بعد وفاته تخيف العاملين تحت إمرته، فلما أكلت دابة الأرض المنسأة أو العصاة التي تستند إليها الجثة وخرت إلى الأرض قال العاملون تحت إمرته من الجن والإنس لو كنا نعلم وفاته ما لبثنا زمنا طويلا في عذاب العمل وتنفيذ الأوامر . وكذلك أنظمة الحكم الجائرة والأمة حين تموت تبقى زمنا تتكئ على منسأتها من أجهزة الأمن ويخيل للرازحين تحت ظلمها أنها حية قائمة حين يبعث الله انقلابية من الداخل أو قوة غازية من الخارج فتأكل المنسأة وتخر الأمة وتعلن الوفاة، وحينئذ يتبين الرازحون تحت ظلمها أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا زمنا في العذاب المهين.

توصيات

    • من الأهمية معرفة وسائل وحدة الصف والتأكيد عليها والعمل بها ومنها [4]:

 

    • إدراك أهمية وحدة الصف.

 

    • تقوية الأواصر والصلات.

 

    • الموازنة بين قول الحق ووحدة الصف.

 

    • الاعتدال في الحكم على الأخطاء.

 

    • الفصل بين الأشخاص والمواقف.

 

    • الحد من تسلط الأعمار.

 

    • الحذر من الاشتغال بعيوب الناس.

 

    • التوقير والاحترام وتقدير المخالف.

 

    • البعد عن تضخيم الخلاف.

 

    • التفريق بين الخلاف في الرأي واختلاف القلوب.

 

    • الخلاف لا بد منه.

 

    • فتح المجال للحوار وإشاعة أخلاقياته.

 

  • السعي لرأب الصدع وتدارك الخلاف.

– من الأهمية أن يكون قرارنا في أيدينا، ومن ثم لا نكون أتباعا للغرب يحددون مصائرنا بأيديهم، وهذا يستلزم تضافر كل الجهود حكاما وشعوبا.

– لا بد لنا من تربية علمية سائرة جنبا إلى جنب مع تربية دينية[5]

بعض الناس تنادي وتقول إن النهضة لا ينبغي أن تكون دينية بل وطنية قومية كما هي نهضة أوروبا.. والإجابة أن المقصود هو النهضة سواء كانت وطنية  أم دينية وهل يظن من ينادي بذلك أن نهضة من نهضات أوروبا جرت دون تربية دينية؟ وهل جرت نهضة اليابان دون تربية دينية؟ أفتوجد جامعة في ألمانيا أو إنجلترا أو غيرهما من دون أن يكون فيها علم اللاهوت المسيحى؟ ثم أنهم عندما يقولون: في أوروبا نهضة وطنية أو نهضة قومية أو جامعة وطنية أو قومية لا يكون مرادهم بالوطن التراب والماء والشجر والحجر، ولا بالقوم السلالة التي تنحدر كلها من دم واحد، وإنما الوطن والقوم عندهم تدلان على وطن وأمة بما فيهما من جغرافيا وتاريخ وثقافة وحرث وعقيدة ودين وخلق، وعادة مجموعا ذلك معا وهذا الذى يناضلون عنه ويستبسلون كل هذا الاستبسال من أجله.

– من أعظم أسباب تأخر بل وانحطاط المسلمين وبالتالي المنطقة العربية في العصر الأخير فقدهم كل ثقة بأنفسهم، وهو من أشد الأمراض الاجتماعية وأخبث الآفات الروحية، لا يتسلط هذا الداء على إنسان إلا أودى به، ولا على أمة إلا ساقها إلى الفناء. الهزيمة من الداخل في الأمة العربية والإسلامية من أخطر الآفات؛ فيجب الثقة في قول الله عز وجل: {كنتم خير أمة أخرجت للناس}.

– أصبح المسلمون يعتقدون أنه ما من صراع بينهم وبين الغرب إلا وسينتهي بمصرع المسلم والعربي ولو طال كفاحه.

– لن يتم للمسلمين ولا للأمة العربية ولا لأمة من الأمم نجاح ولا رقي إلا بالتضحية.

فإذا أرادوا بعث العزائم وأن يبلغوا مبالغ الأوربييين والأمريكيين واليابانيين من العلم والارتقاء وأن يبقوا على دينهم كما بقي أولئك على أديانهم:

١- إيجاد مؤسسات تشمل المدارس والمعاهد والجامعات ومؤسسات البحث العلمي لتقوم:

*بمراجعة تربوية جريئة مستقلة من التأثيرات الأجنبية.

*ممارسة الاجتهاد الذي يؤدي إلى ظهور علوم سياسية وإدارية واقتصادية واجتماعية، تبلور مفهوم الأمة المسلمة ومحتويات عناصرها.

*تحويل ثمار الاجتهاد المقترح إلى خطط ومناهج وطرق تربوية، يستطيع الإنسان من خلالها أن يعيش مضامين العناصر المكونة للأمة فكرا وعملا، ويكون من ثمارها تنمية الولاء للأمة والعمل على إخراجها من جديد، والقضاء على الولاءات العصبية التي تتعارض مع هذا الولاء وتضعفه.

*تقويم الاجتهادات النظرية والتطبيقات العملية الخاصة بمفهوم الأمة تقويما مستمرا، في ضوء الحاجات المتجددة والتغييرات الحاصلة في الزمان والمكان

٢- تطوير المؤسسات اللازمة للقيام بمسئولية تنفيذ المشروعات المقترحة وتزويد هذه المؤسسات بأعلى المؤهلات وأرقى الأجهزة والأدوات، ومتابعة جهودها بالتقويم المستمر ويراعى تنوع هذه المؤسسات إلى أقسام تتطابق مع مسئولية الأمة المسلمة كأن تكون كما يلى:

١- مؤسسات تمارس الاجتهاد والنظر في آيات الوحي بغية بلورة نموذج المثل الأعلى، الذي تتطلبه حاجات الزمان والمكان.

٢- مؤسسات تنظر في الخبرات الاجتماعية والكونية في العالم كله، بما في ذلك دراسة الثقافات العالمية المختلفة وأنماط التفكير السائدة فيه، لبلورة وسائل تحقيق المثل الأعلى.

٣- مؤسسات وظيفتها رسم الاستراتيجيات اللازمة للتفاعل مع المجتمعات العالمية في ضوء معطيات المثل الأعلى، الذي تفرزه المؤسسات ونتائج شهود الخبرات الاجتماعية والكونية التي تفرزها المؤسسات.

والواقع أن الأزمة الرئيسية في العمل الإسلامي هي عدم تقدير دور المؤسسات وعدم إعطائها ما تستحقه من عناية، خاصة في ميدان السياسة والاقتصاد، وفي الأدب والفنون خاصة، وترك المشروعات والإدارات للجهود والمبادرات الفردية، وتوقع قيام الفرد القائد بدور النبي المرسل المؤيد بوحي السماء ونصرته، سواء على مستوى الدول أو الجماعات. لذلك كانت وما زالت حركة اليقظة ومشروعات الإصلاح حركات فردية موقوتة، تعتمد على كفاءات الفرد القائد أو الفرد المصلح وعلى قدراته الشخصية خلال حياته، وغياب الفرد عن مسرح الحياة قد ترد الأمة إلى نقطة الصفر أو تحولها في السير في الاتجاه المعاكس.

٣- ضرورة تكامل التعليم ومؤسساته مع التنظيم ومؤسساته، أو تكامل عمل المدارس والجامعات مع الأحزاب والمؤسسات والجماعات. فلقد دأبت الحركات الإسلامية على اعتماد الوعظ الجماهيري بدل التعليم المنظم، تاركة التعليم والتربية للمدارس والمعاهد والجامعات التقليدية التي انحدرت من عصور الجمود والانحطاط، أو تلك التي أنشأتها البعثات التبشيرية، أو تلك التي أنشأتها الحكومات الرسمية بتوجيه خبراء التعليم الأجانب، ولقد كانت لهذه الظاهرة آثارها السلبية القاتلة. ذلك أن ترك التعليم في أيدي مؤسسات أجنبية ومحلية بنت فلسفتها وأهدافها ونظمت مناهجها وتطبيقاتها، حول قيم العصبيات القبلية والطائفية والأقليمية، أفرز أحزابا وجماعات متأثرة بهذه القيم مما أشاع التنافر في علاقاتها وجعلها في ولاءاتها قبائل من لاقبيلة له أو طوائف من لا طائفة له.

٤- تحتاج الأمة الإسلامية خاصة الحركات الإسلامية الجديدة أن تضع في قمة أساليبها بناء مؤسسات القراءة والانطلاق من القراءة في كل عمل أو نشاط، والمقصود بالقراءة قراءة كل ما يتعلق بالأمم التي تسكن العالم، ونشاطاتها وثقافاتها وأنماط تفكيرها، ولا بد من توفير وسائل القراءة، وتوفير القراء المتخصصين المتفرغين الذين يتوزعون ويتكاملون حسب موضوعات القراءة وميادينها ووسائلها. إن آفة المسلم والعربي التقليدي أنه يناصر ويخاصم بدون قراءة، وهو إن قرا فقراءاته سطحية لا تتصف بالإحاطة والرسوخ.

٥- نحتاج إلى شجاعة ووعي لفك الارتباط بين العمل الإسلامي وأزمات العصبيات القبلية والإقليمية المتتالية في مزق الأمة الإسلامية .

٦- أهمية خلق مشروع وطني يجمع بين قوى الوطن المختلفة.

ويطرح المستشار طارق البشري في “كتابه نحو تيار أساسي للأمه” سؤالا هاما، كيف يمكن أن نخلق مشروعا وطنيا يجمع بين قوى الوطن المختلفة؟ كيف نجمع بين التيارات السياسية كالتيار الإسلامي والليبرالي والاشتراكي، وبين الأديان المختلفة كالإسلام والمسيحية، وبين المذاهب والطرق المختلفة داخل الدين الواحد، وبين الأقليات العرقية، وبين طبقات المجتمع المختلفة كالأغنياء والفقراء؟

كيف نجمع كل هؤلاء حول مشروع واحد، وفي نفس الوقت لا يمسخ هويتهم ويحافظ على اختلافهم؟

لكي نجيب عن هذا السؤال علينا أن نعود قليلا إلى الماضي قبل ثورة 1952 كانت هناك قوى مختلفة في المجتمع. حزب الوفد ينادي بإخراج الإنجليز وبناء حكم دستوري نيابي قائم على تعدد الأحزاب ..والحزب الوطني ينادي بجلاء المستعمر. والإخوان المسلمون ينادون بالاستقلال العقائدي والحضاري مع الاستقلال السياسي والاقتصادي مع التأكيد على الهوية الإسلامية والدعوة للتشريع الإسلامي، والحركة الاشتراكية تطالب بقدر أكبر من العدالة الاجتماعية. كان هناك صراع شديد بين هذه التيارات المختلفة .. مع مرور الوقت .. في عامي 1950 – 1951 بدأت حدة الصراع تهدأ وظهر شعور أننا من الممكن أن نتكامل بدلا من أن نختلف. لو تكاملت هذه التيارات فإن مصر كانت أمام فرصة كبيرة لتكوين مشروع وطني يجمع بين الوطنية والاستقلال والديمقراطية والمرجعية الإسلامية والعدالة الاجتماعية في نضالها السياسي. ماذا كان الشعب المصري يريد أكثر من هذا. وفي عام 1951 بدأ هذا المشروع في الظهور، لكن تطورت الأمر فيما بعد بشكل حال دون حدوثه. إذن .. فتكوين مشروع وطني يجمع مختلف أطياف الأمة يعني أن نبحث عن العوامل المشتركة بين القوى المختلفة ونصوغ منها مشروعاً جامعاً لكل أفرادها.

لكن، كيف نصوغ هذا المشروع الوطني؟ ومن يصوغه؟ وهل نساوي بين التيارات المختلفة ولو تباينت قوتها؟ هل يشارك الحزب الفعال بنفس درجة مشاركة الحزب الغير فعال؟

المشروع الوطني هو الخطوط العامة التي يتفق أهل جيل معين أو مرحلة تاريخية معينة على إنجازها، ويعتبرونها أهم ما يمكن تحقيقه في هذه الفترة، ولكي نحدده، يجب أن ننظر إلى الحركة الفكرية السياسية والاجتماعية في المجتمع، ننظر إلى صناديق الاقتراع والمجالس التشريعية والنقابات والمنتديات الفكرية والصحف والتجمعات والمسيرات والاعتصامات وغيرها. ننظر ونسأل.. ما هي الخطوط العامة التي يتفق الجميع عليها، والتي من الممكن أن تشكل مشروعا وطنيا عظيما، بالتالي هذا المشروع الوطني لا تؤلفة جماعة واحدة، وهو ليس نصوصا دستورية ولا أحكام قانون .. بل نستخلصه من واقع الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية التي يمارسها الشعب نفسه. هناك نقطة هامة: قد تؤدي وسائل الإعلام إلى تكوين صورة غير صحيحة للحالة الفكرية السياسية والاجتماعية التي يمر بها المجتمع. مثلا: قبل عام 1982 كانت القضايا الكبرى المسيطرة على الساحة والتي يدور حولها النقاش هي اتفاقية كامب دافيد والصلح مع إسرائيل وقضية فلسطين وقانون محكمة القيم وقضية المحكمة الدستورية واعتبار الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع .. وقضايا الهوية مثل عروبة مصر أو فرعونيتها. كان المناخ مناسباً للحوار بين الطوائف المختلفة حول القضايا المصيرية، وهذه هي البيئة الصالحة لصياغة المشروع الوطني . بينما بعد عام 1984 انشغل الرأي العام بقضايا مثل خروج النصوص الأدبية على الدين مثل قضية سلمان رشدي، ورواية أولاد حارتنا. ومثل موضوع شركات توظيف الأموال وموضوع تعديل قانون الأحوال الشخصية. في هذا المناخ انشغل المجتمع بالحوار حول مواضيع ليست ذات أهمية كبيرة. استنزفت هذه القضايا الكثير من وقته وجهده. فما هو الحجم الحقيقي لقضية الزوجة الثانية في المجتمع لكي تشغل كل هذه المساحة. أدت سطحية القضايا المطروحة إلى سطحية الحوار بين القوى المختلفة، فاشتعل الخلاف بينهما وأدى إلى خلق بيئة لا تصلح لصياغة مشروع وطني. وهو ما عانى المجتمع المصري بسببه لسنوات طويلة. يجب أن يكون هذا المشروع الوطني:

    • قادرا على إيجاد التوازن بين كل التيارات والقوى المختلفة في المجتمع.

 

    • يضمن تعددها وتنوعها.

 

    • يضمن اختلافها وعدم تفرد قوة واحدة بصناعة القرار.

 

    • يجب أن يكون كل تيار ممثلا في هذا المشروع بحسب قوته الفعلية في المجتمع.

 

    • لا يمكن أن يتجاهل المشروع الوطني وجود قوة معينة.

 

  • لا يمكنه كذلك أن يخلق قوة غير ممثلة في الواقع.

بهذه الطريقة نضمن أن يكون المشروع الوطني ممثلاً لكل أطياف المجتمع، حتى نضمن عدم تفرد أي قوة بصناعة القرار، وتحد كل قوى من هيمنة الأخرى؛ فلا يسيطر حزب واحد على كل شيء، ولكي نضمن صحة هذا المشروع الوطني فإننا يجب أن نتأكد من ثلاث نقاط رئيسية هي:

  • استقلال الذات الحضارية للجماعة .

يجب أن يكون المشروع معبرا عن روح الوطن الحقيقية، لا عن تأثر شكلي بحضارات أخرى.

  • الاستقلال السياسي وتحرر الإرادة السياسية من الضغوط الخارجية.

حتى يعبر المشروع عن المصالح الحقيقية للوطن.

  • الاستقلال الاقتصادي الذي يضمن تجنب قدر كبير من الضغوط الخارجية.

 

 

[1] بين الإسلام والعروبة المستشار طارق البشري

[2] بين الإسلام والعروبة المستشار طارق البشري

[3] إخراج الأمة المسلمة وعوامل صحتها ومرضها

[4] وحدة الصف ضرورة د. محمد عبد الله الدويش

[5] لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم شكيب أرسلان

زر الذهاب إلى الأعلى