قراءة الحدثوطني

“إعلام “المرأة الحديدية” ..قراءة في صفقة بيع “إعلام المصريين

وكأنها صور كرتونية، يعاد فكها وتركيبها بكل سهولة ويسر.. خريطة الإعلام المصري.. من جديد يعاد تشكيلها بصورة أصبحت عصية على التكهنات والتوقعات.

فكما فوجئ الجمهور قبل عام بأحمد أبو هشيمة يدخل على خط الإعلام بديلاً لنجيب ساويرس، بشراء “أون تي في” وعدد من المؤسسات الإعلامية، فوجئ أيضاً الاثنين ١٨ ديسمبر ٢٠١٧ بدخول داليا خورشيد وزير الاستثمار السابق – بصفتها العضو المنتدب لشركة إيجل كابيتال – عالم الإعلام،  بصفقة شراء مجموعة إعلام المصريين من رجل الأعمال  أحمد أبو هشيمة؛

فما هي حكاية الصفقة الجديدة؟ وهل قام أحمد أبو هشيمة “بتجميع” هذا العدد الهائل من وسائل الإعلام، ليتم في النهاية تسليمها لداليا خورشيد بهذه السهولة؟ وهل هناك رابط بين لقاء طارق عامر محافظ البنك المركزي زوج داليا خورشيد برئيس الجمهورية، قبل إتمام الصفقة بساعات؟ وما مدلول القرار الأول لداليا خورشيد بتعيين أسامة الشيخ رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون الأسبق رئيساً لمجلس إدارة إعلام المصريين بمالكيها الجدد؟

..في محاولة لتفكيك لغز هذه الصفقة.. نحاول الإجابة على هذه التساؤلات وغيرها

أحمد أبو هشيمة، داليا خورشيد، طارق عامر، أسامة الشيخ، أربعة أسماء قفزت إلى الساحة الإعلامية والاقتصادية مؤخراً مع الإعلان عن صفقة بيع مؤسسة إعلام المصريين، التي تضم أكثر من عشر مؤسسات إعلامية لشركة إيجل كابيتال

الصفقة المفاجأة
أول لقاء للإدارة الجديدة لإعلام المصريين

أعلنت المجموعة الاستثمارية “إيجل كابيتال” مساء الاثنين ١٨ ديسمبر ٢٠١٧، في أول صفقة تجارية لها، الاستحواذ على حصة رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة، في مجموعة “إعلام المصريين”، المالكة لعدد من الصحف والمواقع الإخبارية، بالإضافة إلى مجموعة قنوات ON الفضائية، والمجموعة تترأسها داليا خورشيد  وزير الاستثمار السابقة، وحرم طارق عامر محافظ البنك المركزي لتنتقل ملكية عدد من المؤسسات الإعلامية  إلى الشركة الجديدة.

والصفقة وفقاً لمصادر إعلامية تشمل نحو 60% من الشركة، بمبلغ مالي قيمته وفقاً لما أعلن في الساعات الأولي للصفقة  600 مليون جنيه وفقاً لمصادر و٧٥٠ مليون جنيه وفقاً لمصادر إعلامية  أخرى   ، تدفع على عامين، مع احتفاظ شركة “إعلام المصريين” بحصتها في شركة “بريزنتيشن” التي تمتلك حقوق إذاعة الدوري المصري.

لغز “تجميع” المؤسسات

ادارة إف اى بى كابيتال تقود إعلام رجل الأعمال أبو هشبمة

في سبتمبر ٢٠١٦ وقعت مجموعة إعلام المصريين اتفاقًا مع مجموعة “إف إي بي” كابيتال، للقيام بدور المستشار الحصري للمجموعة التي أُسست  لتكون كياناً قوياً بمجال الإعلام.

وجرى توقيع عقد الاتفاق بمقر “إف إي بي” كابيتال، بحضور رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة، رئيس مجلس إدارة مجموعة إعلام المصريين، وعبد الله الشاهين، رئيس مجلس إدارة “إف إي بي” كابيتال،  وعُمر المغاوري، المدير التنفيذي والعضو المنتدب.

وقتها صرح  رجل الأعمال أحمد أبوهشيمة – خلال توقيع الاتفاق – أن “اختيار إف إي بي كابيتال جاء بناءً على وضعها الراسخ، وكونها من أقوى بنوك الاستثمار بالسوق المصري”.

وقال عُمر المغاوري، العضو المنتدب لمجموعة إف إي بي كابيتال إن ”الاتفاق يتضمن قيام إف إي بي كابيتال بعملية الهيكلة المالية لمجموعة إعلام المصريين، وكافة الشركات التابعة لها بغرض تحقيق التكامل بين الأنشطة في الشركات المختلفة، وتحقيق وفورات مالية، تمهيدًا للقيام بطرح المجموعة بالبورصة المصرية”.

وبدأت شركة إعلام المصريين ومعها إف إي بي كابيتال في الاستحواذ على أكبر عدد من المؤسسات الإعلامية، ومنها: شبكة قنوات ON، والتي تضم قنوات “ONE وON Live وON Sport وON Drama”.​ والتي استحوذ عليها من رجل الأعمال نجيب ساويرس.

وصحف “اليوم السابع”  و”صوت الأمة”، ومجلات “عين” و”إيجيبت توداي” و”بيزنس توداي”، ووكالة “بريزنتيشن سبورت” وهى واحدة من أكبر الوكالات العاملة في مجال تسويق الحقوق الرياضية في مصر، والتى تضم تسعة أفرع،

وشركة “مصر للسينما” وهي شركة إنتاج سينمائي، مملوكة مناصفة بين مجموعة إعلام المصريين المملوكة لرجل الأعمال أحمد أبو هشيمة، بالإضافة إلى رجل الأعمال كامل أبو علي. وأيضاً شركة “سينرجي” للإنتاج والإعلان، وشركة “POD” المتخصصة في العلاقات العامة، وموقع “انفراد”، وموقع “دوت مصر”، وشركة “هاشتاج” المتخصصة في التسويق عبر مواقع السوشيال ميديا، وأيضاً شركة “سبيد” المتخصصة في التصميم والجرافيك والتسويق الرقمي، ومعها شركة “إيجيبشان أوت دور” المتخصصة في إعلانات الطرق، وشركة “داينو” المتخصصة في مجال تنظيم الأنشطة التسويقية للشركات.

الإعلام المصري بين الأرباح والسيطرة

 المدهش أنه بعد أن استحوذت الشركة على أكثر من مؤسسة إعلامية بينها قنوات الأون تي في.. فجأة يصدر بيان بصفقة بيعها

ومع استمرار استحواذ إعلام المصريين على المزيد من المؤسسات الإعلامية، أكد عمر المغاوري العضو المنتدب والمدير التنفيذي لمجموعة FEP Capital التي تولت مسؤولية إدارة إعلام المصريين اقتصادياً خلال مشاركته في جلسات الملتقى الإعلامي العربي الرابع عشر، الذي انعقد بدولة الكويت في مايو ٢٠١٧، أكد أن الإعلام عبارة عن صناعة مثل كل الصناعات

وأكد خلال الجلسة التى أدارتها خلود العميان رئيسة تحرير مجلة فوربس العربية، وشارك فيها نبيل الحمر المستشار الإعلامي لملك البحرين، وقيس المسقطي الرئيس التنفيذي لمجموعة فيرست إيكويتي بارتنرز البحرينية، أنه بالنسبة للإعلام كاستثمار فإنه ينقسم إلى نوعين، هناك مستثمر ينظر إلى القيمة التأثيرية والمردود أكثر من النظر إلى الأداء المالي، وهذا استثمار لا ينتظر الربحية ولا نتعامل فيه (والكلام لا زال لعمر المغاوري)، لكننا نتعامل مع المؤسسات الإعلامية القائمة على الربح ولها خطط وميزانيات مالية ومكاسب، ولو نظرنا إلى مؤسسة كبيرة مثل مجموعة إعلام المصريين ونحن مستشار مالى لها وخلال عام استحوذت على العديد من المؤسسات الإعلامية.

وقتها أكد في جلسة حضرها كاتب هذا التقرير أننا نعد مجموعة المصريين لتكون أول مجموعة إعلامية تطرح بالبورصة، وهذه المجموعة تعتبر كياناً اقتصادياً ضخماً، فهي تضم 18 شركة جميعها تعمل في مجال الإعلام، بالإضافة إلى تعاونها مع مؤسسات إعلامية دولية مثل أبوظبي للإعلام.

والمدهش أنه بعد أن استحوذت الشركة على أكثر من مؤسسة إعلامية بينها قنوات الأون تي في.. فجأة يصدر بيان بصفقة بيعها

للشركة الجديدة.

المرأة الحديدية 

المرأة الحديدية ..ودور جديد

وقبل قراءة مدلول الصفقة ، نقترب من شخصية داليا خورشيد  ”

داليا حازم جميل خورشيد “المرأة الحديدية” بحسب وصف مجلة “فوربس التي اختارتها في عام  2016،  ثاني أقوى سيدة في القطاع الحكومي بالشرق الأوسط

ولدت في أبريل 1974  وتخرجت من  الجامعة الأمريكية  بالقاهرة وعملت بالعديد من المؤسسات الاقتصادية والمالية مثل البنك التجاري الدولي و نائب رئيس “سيتي بنك ،ثم شركة  “أوراسكوم للإنشاءات”  ، وتدرجت في المناصب بها حيث تولت منصب أمين الصندوق  ، والمدير التنفيذي لشركة أوراسكوم القابضة للإنشاءات

وفي ٢٣ مارس ٢٠١٦ تولت حقيبة وزارة الاستثمار فى حكومة المهندس شريف اسماعيل حتى تركت منصبها في فبراير ٢٠١٧ ، ويبدو أنها كانت تعد لمهمة خاصة ، لترأس شركة إيجيل كابيتال التى إستحوذت على حصة إعلام المصريين من رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة،وإن كان زواجها من محافظ البنك المركزي الحالي طارق عامر ، من أهم محطاتها الخاصة، العامة ، فى ٢٠١٧

مدلول صفقة “آخر السنة”

 وماذا عن  مدلول هذه الصفقة التى ودع بها الإعلام المصري ٢٠١٧ ؟

    • 1- قيمة الصفقة المعلنة ٦٠٠ مليون جنيه  ، وهي أقل من ٣٥ مليون دولار، وهي قيمة يمكن وصفها بالعادية اقتصادياً وخاصة أنها تشمل ما يزيد عن ١٨ مؤسسة إعلامية، بينها مجموعة قنوات أون تى في، في الوقت الذي بيعت فيه قناة الحياة من رجل الأعمال السيد البدوي إلى شركة تواصل للإعلام قبل شهور بما يعادل ١٠٠ مليون دولار، إذن لا يوجد أى إغراء مالي في الصفقة  وبالتالي نستبعد الرغبة في الربح المادي؛ بل ربما – في حالة دقة الرقم المعلن  تنطوي هذه الصفقة على خسائر أو ما يمكن تسميته بالمجاملة.
    • 2- شركة إيجيل كابيتال شركة يحيطها الغموض، فرئيس مجلس إدارته داليا خورشيد وزيرة سابقة للاستثمار، وقبلها كانت تتولى منصباً قيادياً في مجموعة شركات نجيب ساويرس، ثم إنها كما دخلت حكومة إسماعيل وسط علامات استفهام، فهي خرجت منها أيضاً وسط علامات استفهام، ثم زواجها المفاجئ من الرجل رقم واحد في الجهاز المصرفي المصري طارق عامر محافظ البنك المركزى، وعندما يعلن عن الشركة الوليدة بصفقة بهذا الحجم دون أي تاريخ في مجال الإعلام ودون أي إرهاصات للصفقة، وهو ما يقودنا إلى وجود رابط ما بين الدولة المصرية والمؤسسة الجديدة.
    • 3- وما يؤكد هذا الفرض وإن كان وحده لا يكفي، هو استقبال رئيس الجمهورية فى قصر الاتحادية محافظ البنك المركزى طارق عامر زوج داليا خورشيد قبل الإعلان عن الصفقة بساعات، وهو ما يمكن اعتباره من قبيل الصدفة ولكن أيضاً لا يمكن تجاهله وسط الحديث عن اتجاه الدولة المصرية إلى مزيد من إحكام السيطرة على الإعلام، وبصورة تتعدى السيطرة غير المباشرة لرجال الأعمال القريبين من الدولة.
    • 4- إسراع شركة إعلام المصريين ومعها إف إي بي كابيتال والإعلان أكثر من مرة عن الاستمرار في تقوية مركزهم في الإعلام المصري، واستحواذهم بالفعل على أكثر من ١٨ مؤسسة إعلامية، يجعل البيع المفاجئ لغزاً يعزز فرضية أنه جاء بتوجيه من أجهزة ذات صلة بالدولة المصرية.
    • 5- تصريح رئيس الجمهورية قبل أسابيع أن الدولة في سبيلها لإنشاء قناة تلفزيونية إخبارية ضخمة بمقاييس عالمية، وأن ذلك يتطلب تمويلاً ضخماً ، هذا اللقاء  مع هذه الصفقة، يقودنا إما إلى تفرغ أحمد أبو هشيمة لمهمة جديدة بعد نجاحه في الاستحواذ على هذا الكم من المؤسسات الإعلامية، أو قيام داليا خورشيد ومؤسستها الوليدة العملاقة بهذا الدور، وهو ما ستكشف عنه الأيام القادمة.
    • 6- أن يكون القرار الأول لداليا خورشيد هو تولي المهندس أسامة الشيخ الرئيس الأسبق لاتحاد الإذاعة والتلفزيون رئاسة مجلس إدارة إعلام المصريين في إدارتها الجديدة، وهو يعد من أطول من تولى هذا الموقع خلال حكم حسني مبارك ، إلا أنه قبل أسابيع أعلن عن مشروع إعلامي، -برنامج متكامل للإعلام المصري يضم ستة مشاريع-، كما نشر بصحيفة المصرى اليوم في ١٦ مارس ٢٠١٧. فيما يخص استثمار التجهيزات الهندسية، واستثمار الكوادر البشرية، وتحديث البنية الأساسية، وإعادة هيكلة قطاعات الإذاعة والتليفزيون.
    • وهو ما يعطي إشارة إلى أن المهندس أسامة إسماعيل سيضطلع بدور في رسم الخريطة الأحدث ربما يتعدى مجرد إدارة إعلام المصريين.
    • 7-     لقد تدرجت الحكومة في تعاملها مع الإعلام في الفترة الأخيرة، من رجال الأعمال الذين يدورون في فلكه، مثل السيد البدوي ومحمد الأمين ونجيب ساويرس وحسن راتب وأحمد بهجت، إلى مؤسسات تتعامل مباشرة مع أجهزته، مثل دى ام سى وطارق إسماعيل وفالكون وتواصل، ثم إيجل كابيتال وداليا خورشيد.
    • 8- رجل الأعمال نجيب ساويرس أكد  عند بيع قنوات «أون تي في» أنها أصبحت «مصدراً للصداع له بصفة شخصية، ففي الآونة الأخيرة قبل بيعها كان يتلقى النقد والشكوى الدائمة من جميع الأطراف وبينهم النظام والمعارضة، كلهم على حد السواء كانوا غير راضين. وكان يتلقى اللوم الدائم، مما سبب له هو شخصياً الضيق».. وهو ما دفعه للبيع، فهل تعرض أبو هشيمة للأمر نفسه؟
    • 9-     خريطة الإعلام الأحدث في طريقها للتشكل بصورتها النهائية والمنتظر أن تنتهي فى الشهر الأول من ٢٠١٨ وقبل الانتخابات الرئاسية القادمة، ومن المنتظر أن تطال الخريطة الجديدة تغييرات قد تصل قناتي المحور ودريم، مع الانتهاء من الملف الكامل للتلفزيون المصري بقنواته المتعددة.
    • 10-وقالت داليا خورشيد في تصريحات صحفية الاثنين:١٨ ديسمبر٢٠١٧ “هذا الاستحواذ يمثل باكورة الصفقات الاستثمارية للشركة، وهو ما يعكس اهتمامنا بذلك القطاع الاستراتيجي الذي يمس حياة المواطن بشكل يومي”..هذا التصريح يدلل أن مهمة الشركة الجديدة التي تقودها “خورشيد؟ لن تتوقف عند هذه الصفقة.
    • 11-هناك تصريحات إعلامية تبرر الصفقة بالخسائر التي منى بها “إعلام المصريين – وإخفاق الشركة في التسجيل بالبورصة لافتقادها الشروط اللازمة لذلك وهو ما دعى بأبو هشيمة للبيع وهو مايتناقض مع تصريحات سابقة لأبو هشيمة نفسه .
    • 12-المدهش في المشهد هو استمرار التعامل مع رسم خريطة الإعلام بعيداً عن الإعلاميين، وصناع الإعلام، والمؤسسات والنقابات المعنية بهذه المهنة وهذه الصناعة ، وهو ما بستوجب أن تعيد المؤسسات ذات الصلة مثل نقابتي الإعلاميين والصحفيين ، والجهاز الوطني لنظيم الإعلام النظر في ضرورة وجود دور في مثل هذه الصفقات ، ولو استوجب الأمر استحداث تشريع جديد لمعالجة هذا الأمر.
    • 13-الزواج بين السلطة ورأس المال يمكن أن يمثل خطورة كبيرة على الصالح العام ،وهو يمثل بيئة خصبة لتعاظم الفساد وازدهاره
    • 14-  ضرورة تدخل جهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار ،في مثل هذه الصفقات ، بوصف الإعلام صناعة جديدة، فلا يعقل !!حماية المنافسة في “صناعة الحديد” وتركها في الاعلام

الخريطة الجديدة للإعلام يعاد تشكيلها من جديد  ، وماهذه الصفقة إلا مرحلة من مراحل هذا التشكيل ومن المتوقع أن تكتمل  قبل نهاية يونيه ٢٠١٨ .

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى