ملفـاتوباء كورونا

وقفة حول تعطيل الجمع والجماعات بسبب الوباء

الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده.

وبعد:

فإنَّ البلاء العام إذا نزل بالأنام، فقد تأكَّد تجديدُ التوبة، والإقلاعُ عن الذنوب الظاهرة والباطنة، والتضرُّع إلى الله تعالى في الأوقات الفاضلة، والفزع إلى الاستغفار، وطلب العفو والعافية.

قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ﴾ [الأنعام: 42]، وقال سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ﴾ [المؤمنون: 76].

وقد يكون معذورًا من لم يفزع إلى الدعاء والتضرع من غير المسلمين! أما من أنزل الله عليهم ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: 43] فلا يعذرون! فإن ترك المسلمون التضرع والدعاء والاستغفار فتلك أمارة قسوة القلوب، وعلامة عقاب عاجل! ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام:43].

وإن الأحكام الشرعية لهذا الوباء يسأل عنها أهل الذكر، وهم الفقهاء الذين يرجعون في الجوانب الواقعية والفنية للخبراء من الأطباء، وليس لدى طبيب غير متشرع أهلية الفتيا، وليس للفقيه أن يتجاهل رأي الخبراء في الشأن الواقعي، وإلا أخطأت الفتيا مواقع الصواب والرشد.

وإن من النوازل التي يرجع فيها لأهل العلم والفتيا في شأن هذا الوباء: ما تداعى له البعض من الأمر ‏بتعطيل الجمع والجماعات، وإغلاق المساجد دون أهلها؛ خشية انتشار المرض بين المصلين.

والمساجدُ خيرُ البقاع، وأحبُّها إلى الله تعالى، وهي مُتنزَّلُ الرحمات، وموطنُ البركات، وعُمَّارها أهلُ الإيمان بالله من البشر والملائكة، والجمعةُ والجماعاتُ من شعائرِ الإسلامِ الظاهرة الواجبة المتواترة، وإن تعطيل جميع المساجد في المصر الواحد عن الجمع والجماعات تحريمه شديد، والاجتراء عليه ليس قرارًا طبيًا ولا سياسيًا فحسب؛ بل هو شرعيٌّ قبل كل شيء.

ولا يبيح مثل هذا القرار إلا الضرورات القاهرة، والإجراءاتُ الاحترازيةُ من العدوى لا تبلغ أن تُعطِّل هذه الشعائرَ، وعَبْر تاريخ الأمة الطويل لم يقع أن تَدَاعى الحُكَّامُ والعلماءُ إلى تعطيل المساجد عن الجُمَع والجَمَاعات لأجل الوباء!

ومَنْ كان مريضًا، أو ظهرت عليه علامات الإصابة، فيَحْرم عليه الذَّهاب إلى المساجد، ومَن كان ضعيفًا أو خائفًا، فله عذرٌ في التخلُّف عن الجمعة والجماعة، ولا يُكلِّف الله نفسًا إلا وُسْعها.

و‏في تعدد الجمع والجماعات، وتقليل الأعداد، والصلاة في الأماكن المفتوحة، مع أخذ الاحترازات كافة- مندوحةٌ عن تعطيل الجمع والجماعات في البلد الواحد.

و‏الفرق شاسع واسع بين امتناع المصر بأكمله عن صلاة الجمعة والجماعة لأجل ما يخشى من وجود من هو مريض أو حامل للمرض، ‏وبين منع المريض ومن يُظَنُّ أنه حامل للمرض من شهود الجمعة والجماعة!

‏وقياس إغلاق المساجد على منع من أكل ثومًا أو بصلًا من المسجد للأذى.. قياس فاسد!

والجُمعةُ تنعقد بالثلاثة فمن فوقهم من المُصلِّين عند بعض أهل العلم، والجماعةُ تنعقد باثنين فمن فوقهما من المُصلِّين، فليُحَافظ على الجُمع والجماعات حيث ينادَى بها.

وليتَّخذ المسلمون أسبابهم الشرعية، وليتوكَّلوا على ربِّ البريَّة.

قال تعالى: ﴿ وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ۚ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [يونس: 107].

وقال تعالى: ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [التوبة: 51].

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين

 

زر الذهاب إلى الأعلى