إقليميتقدير موقف

قِراءَةٌ في آثارِ أَطرافِ الأزمةِ السوريَّةِ الأبرزِ، وأبعادِهَا الدوليَّةِ

      تُعنَى دراسَةُ العلاقاتِ الدوليَّةِ بالتفاعل-في المجال الدوليّ-بين فاعلين دوليين: دولاً، وفاعلين مؤثرين، منظَّماتٍ وأفراداً وشركاتٍ؛ أمَّا النظامُ الدوليُّ، فيُعنَى بنمط ذلك التفاعل، وبوصفه.

      ما يعنينا -في هذا الإطار- أن يكونَ توصيفُ أدوار الفاعلين في الأزمة السورية، مبنيَّاً على علمٍ بما يجري في العالَمِ، وأثره في الصراع -الدوليّ- في إطار الأزمة السورية؛ وبهذا يكونُ تحليل الأزمةِ السوريَّةِ مجالاً، لتلمُّس أدوار الأَطراف المعنية فيها، وتسهم الأزمةُ نفسُهَا بالكشف عن ملامح نمط النظامِ الدوليّ، وتحديدِ أبعادِهِ، وإسهام الفاعلين في العلاقات الدولية برسمه كذلك.

     وبغضِّ النظر عن الظروف الخاصَّةِ بالداخل السوريِّ، التي دَفَعَتْ الشعبَ السوريَّ، إلى تفجيرِ ثورتِهِ؛ فإنَّ الثورة السوريَّةَ، وسوريَّا نفسَهَا، تاثَّرَتْ بثورات الربيعِ العربيِّ، الذي يحكي هو الآخرُ قصَّةَ الشعوبِ، ومظالمَهَا، وتُفصِحُ عن غيابِ شرعيَّةِ الأنظمةِ الحاكمةِ، وعن مشروعيَّتِهَا، التي جاءت الثوراتُ تعبيراً عنها، بوصفها عَمَلاً موجَّهاً من المحكومين إلى مستبدِّيهم.

      وما محاولاتُ “الإصلاح”، التي شرعَ بمباشَرَتِهَا النظامُ السوريُّ -عقبَ الثورةِ- إلاَّ محاولاتٌ، تؤكِّدُ أنَّ الثورة تستندُ إلى مبرِّراتٍ موضوعيَّةٍ؛ جاءَت صياغةُ دستور العام 2012، وإقرارُهُ في سياق إصلاحاتٍ -منها فَرْزُ بابٍ كاملٍ، يُفَصِّلُ ما يتَّصلُ بالحقوق والحريَّات العامَّة- عدَّتها المعارضةُ السوريَّةُ ترقيعيَّةً، تخلو من الجدِّيَّة، ولن تبرحَ الجانب النظريِّ، والوعود المكتوبة المكذوبة، التي لا تمُتُّ لما سيكونُ بِصِلَةٍ؛ وتعجزُ عن ملامسة المعلاجات الجذريَّةِ لمعاناتهم، في كلِّ المجالاتِ والمستويات؛ في ظلِّ أقليَّةٍ حاكمةٍ، وحزب واحدٍ، لا تلغي-تلك الحلول والإصلاحات- تحقُّقَ هيمنتهما على مفاصلِ الحكمِ عقوداً ممتدَّةً؛ في ظلِّ تهجير شريحةٍ، لا يُستهان بعديدها، لم تزلْ منذ ما يقرب من ثُلُثِ القرنِ، رهناً بمهَاجِرِها خارج سوريَّا الأسد؛ تعصفُ بها ريحُ معاداةِ التنظيمات الإسلامية، ذات الطابعِ التربويّ.

       ومع ذلك؛ فلثوراتِ الربيعِ العربيِّ خيوطُهُ، التي ربطته بالنظام الدوليِّ، وإِنْ في إطار “التأثيرِ، والتأثُّرِ” ناهيكَ عن محاولةِ إدارةِ دفَّتِها، والتحكُّمِ بوجهاتِهَا، بعد أن جُوبهَتْ ثوراتُ الربيعُ العربيِّ بالحديدِ والنار؛ وهذا كلُّهُ يدفع لقراءةِ مواقفَ أطرافِ الصراعِ “الأبرزِ” بعنايةٍ، تُراعي تَعَدُّدَ أبعاد مفهوم النظام الدوليِّ، واختلافِه من:القوَّة، والمصلحة الوطنية، وتوازن القوى، والأمن والسلام، والفوضى، والاعتماد المتبادل، والتعاون، وتأثير فاعليَّة المنظمات الدولية، وأثر طبيعة الأنظمة السياسية؛ وفقاً لاختلاف النظريَّاتِ، ولتعدُّدِ مرجعيَّاتِها، أعني: منظوراتٍ، ونماذِجَ نُظُمٍ معرفيَّة.

      ويطيبُ التأكيدُ أنَّ ما يرادُ بحثُهُ، وتسجيلُهُ في هذا الإطار: أمرٌ يكشفِ بجلاءٍ، عن المؤثِّرات الأساس، في مواقف الأطراف المعنية بالأزمة السوريةِ، وليس المُرادُ استعراضُ تأريخَهَا إزاءَهَا، ولا تفصيلُ مجرياتها.    

أولاً: الموقف الأمريكيّ من الأزمة السوريّة:

     جاءَت التغييراتُ، التي أثمرَتْ جُزءَهَا ثوراتُ الربيعِ العربيِّ، لتُشَكِّلَ قضايا، يمكنُ عَدُّهَا متغيِّراتٍ، تستدعي تدخُّلَ الولايات المتَّحدةِ الأمريكيَّةِ، ومحاولَةَ توجيهِهَا؛ بما يحوِّلُها عن كونِها تهديداً لمصالِحِهَا، ومصالِحِ أطرافٍ أخرى، لها معها علاقاتٌ مباشرةٌ، ترقى إلى التحالُفِ، والدعم لها بوصفها من أذرُعِهَا، بغضِّ النظر عن أثر الولايات المتَّحدةِ، في الربيع العربيِّ، وفي تأجيج ثوراتِه، وفقَ مَنْ يعتقدُ أنَّه مِنْ صنعها، أو بعلمها، ومباركتها.

     والولاياتُ المتَّحدةُ معنيَّةٌ بما يجري في المنطقةِ، وبكلِّ ما يمكنُهُ التأثيرُ على أبرز مصالحها في مجالَي:الإقتصادِ، والطاقةِ، وفي المجال الاستراتيجيِّ، المعنيِّ: بأمنِ إسرائيل، ثمَّ بأمنِ الخليجِ العربيِّ، الذي أولاهُ “مبدأ كارتر” قبل أكثر من ثُلُثِ قرنٍ، أهميَّةً قصوى.[1]

      وكانَ موقف الولايات المتَّحدة من الأزمة السورية، بدايةَ الأزمةِ ميَّالاً إلى الإبقاء على النظامِ دونَ تغييرِهِ، مع أنَّهُ عُدَّ عدوَّاً لإسرائيل، وإنْ ظاهراً وَحَسْب؛ ولا سيَّما خلالَ إدارةِ “أوباما”، الذي دعا بداية الأزمةِ إلى تنحِّي الأسدِ، وفسح المجالِ لتشكيل حكومةٍ ائتلافيَّةٍ، تسمحُ للشعب السوريِّ بقولِ كلمتهِ في مستقبله؛[2] لكنَّ كوابِحَ التفكير بإزالةِ النظامِ، أثارَ مخاوُفِ تَمَدُّدِ هيمنة المعارضة، لا سيَّما “الإخوانيةَ” الصبغةِ منها، وما يشكِّلُهُ من تغيير خارطة القوى السياسية، وجعل الإخوان قوَّةً بارزةً بينها، باستحضارِ وجودهم، وأثرهم الواضح في: تركيا، ومصر، وتونس، وسوريا، وسواها.

     وما لبث الموقف الأمريكيّ من النظام أن تغيَّرَ، ليكون حازماً معه؛ في ظلِّ دخول فواعل خارجيِّين في الأزمة، وتحديداً: إيران، وروسيا؛ لكنَّه لم يبلُغْ حدَّ تغييره، بل شهدَ دعمها للمعارضةِ تراخياً ملحوظاً -أثارَ تساؤلاً- أسهمَ في تفاقُمِ الأزمةِ السورية،[3] وقدْ أحجمتْ عن دعمِ فصائل المعارضة بالسلاح لأسباب،[4] من أبرزها:

  1. أنَّ دعم المعارضة بالسلاح، يسمح بانتشاره في المجموعات الراديكاليَّةِ، في ظلِّ غياب هيمنة السلطة المركزية، فتفضي إلى فوضى، قد لا يُسَيْطَر عليها بيسر.
  2. أنَّ هذا الأمرَ سيُقلقُ أمنَ إسرائيل، ويجعل أسلحةً كثيرة، يمكن أن تطالَها؛ يجعلُ إعادة النظر في الأزمة السورية، أمراً لا بدَّ منه.

     وعقبَ ذلك، اتَّجه الموقف الأمريكيُّ، لمحاولةِ التهدئةِ، والتعاملِ بحذر مع الأزمة السورية، ولاسيما عقب تَكَاُلبِ الفواعل الدوليين فيها، فصارت ميَّالةً للقيام بدورٍ سياسيٍّ/دبلوماسيٍّ، ومحاولة تجميع جهود الداعمين للمعارضة السورية، في إطار”أصدقاء سوريا”، والتضييق على النظام السوريِّ، ومحاولةِ تغييره، ولملمة أطراف الأزمةِ، دون توسُّعها في المنطقة، والتصدِّي للتيارات الجهاديَّةِ، التي تصفها الولاياتُ المتَّحدةُ بالمتطرِّفةِ، وفق تصنيفاتها، التي تتطوَّرُ بتطوُّرِ رؤيتها الاستراتيجية، ومصالحها.[5]

     ومن ذلك يتبيَّنُ أنَّ من المصلحة الأمريكية، التأثير في سياسات النظام السوريِّ، بما يلبِّي مقتضياتِ مقاصِدِ رؤيتها، ولاسيَّما ما يتَّصل بإعادة النظر في علاقة النظام السوريِ بإيرانَ، بما يُحدُّ من أثرِ إيرانَ في الأزمة؛ ومن ناحيةٍ أخرى تَغَيُّر موقف النظام السوري من الصراع -العربي/الإسرائليّ- وقبوله بمساعي التطبيع؛ زيادةً على الحدِّ من مسوِّغات الوجود الروسي بكثافة، وما يتَّصلُ بإعادة وضبط التوازنات الإقليميةِ، بما يوافق مصالحَهَا، ومصالِحَ حلفائِها، ويحدُّ من مخاطِرِ التحالُفِ:الإيرانيِّ-الصينيِّ، والإيرانيِّ-الروسيِّ.[6]

     ولمْ يقف الأمر عند تلكم المؤثرات، بل امتدَّت لتشملَ المبادرة في الفعل، كقتال الفصائل  “الإرهابية”، والعمل على إنهائها، وفي إطار ردِّ الفعل، كالموقف من تنامي القوة التركية، ما دفعها للعمل على إنشاء قوات كرديةٍ، موالية للولايات المتحدة، تسمح لها بالتالي بالانسحاب، دون التورط المباشر بقواتها، وما قد يصيبها، في ظلِّ “إدارة ترامب”.[7]

ثانياً: الموقف الروسيّ من الأزمة السورية:

      يتأسس الموقف الروسيُّ إزاء الأزمةِ السورية، على تقاربٍ أيديولوجيٍّ؛ بنى معاهدات دفاع مشترك، في ظلِّ النظام السوفيتي السابق، وما تمتَّع به الروس، من تواجد في طرطوس، تطلُّ من خلاله روسيا على البحر المتوسط، وتقترب من دوائر التأثير على توازنات المنطقة، ومن بينها منافسة امتداد النفوذ الأمريكي، ومخاطره على سوريا ونظامها، وتمتُع روسيا بدفء مياه البحر الأبيض المتوسِّط، ومنافِعِه.

     ولعلَ ما تريده روسيا من ذلك كلِّه: الحفاظ على مصالحها في المنطقة، وفي سوريا تحديداً، وليكون داعماً ومعزِّزاً للدور الإيراني -في البداية- والذي شكَّلَ عاملَ جذبٍ لروسيا، ومضاعفة فاعليَّتها في الأزمة السورية، ودخول المنطقةِ، تحتَ مظلَّةِ قتال الإرهاب، والتصدِّي لتناميه في المعارضة السورية، التي عدَّتها روسيا جزءاً من الفصائل الإرهابية، المبرِّرة لتواجد قواتها، ولتنامي دورها؛ وهذا مبرِّرُ يُحرِجُ الأمريكانَ وحلفاءَهم الأوربيين، دونَ رفض التواجُدِ الروسيِّ، تحتَ حُجَّةِ قتال الإرهاب والتصدِّي له؛ فهم كذلك موجودون لهذه المبرّرات؛ وإظهارُ خلافِ ذلكَ منهم، يظهرُ نواياهم، التي تعرِّي حقيقةَ مقاصدهم، من التأثير في الأزمة السورية، ومن إطالةِ أمدها.

     ولمْ يكن الدافع الاقتصاديُّ بعيداً عن ذلك، فقد شهد الوضع الإقتصاديّ الروسيّ حالاً أقربَ من الترديّ إلى الانهيارِ، ما جعلها تسعى إلى نقل تبعاتِ ذلك، إلى خارج حدودها، وإلى نقل عبء أزمةِ اقتصادها، إلى ما تتبنَّاهُ إيران، من تعهُّدِهَا بدفع فاتورة الدفاع عن النظام السوريِّ حليفها، والاستعانة بدعم العراق الماليِّ، بحجَّةِ حماية حدودِهِ من الإرهاب، وبناء علاقات متينة، ترقى إلى مستوى التحالف، وتوطيد العلاقة بروسيا، بما يدعم اقتصادها، بعقد صفقات تسليح، تقوِّي التحالف: العراقي/الإيراني/السوري، وتزيدُ من علاقة العراق بروسيا، بما يحقِّقُ بصورةٍ غير مباشرةٍ، الحدَّ من غلوُّ التأثير الأمريكي، في واقِعِ العراق ومستقبله.

     دفع ذلك، روسيا بالزجِّ بقواتها، بشكل واضح بدايات العام 2015، وتركَّزت بصورة ضرباتٍ جويَّةٍ، أواخر ذلك العام؛ والتي استهدفتْ التنظيماتِ المُتطرِّفَةَ -وفق وصفهم- والتي تمتدُّ قواتُهُم على الشريط المقابل لقوات النظام السوريّ، بما يُطَمْئِنُ الولايات المتحدة، والأطراف الأخرى المعنية بالأزمة السورية؛ ويلبي تلكم المقاصد، التي أُشيرَ إليها ضمناً أعلاه.[8]

     وشيئاً فشيئاً، تمكَّنت روسيا من فرضِ وجودِها، وتأثيرها في الأزمة السورية، فباتت رقماً لا يمكن بحالٍ تجاهُلُهُ، في وضعِ الصراع داخلَ سوريا، ولا في تسويتِه في المحافل الدولية.

    وقد لا يكونُ من المبالغةِ، القول: أنَّ روسيا قد انطلقتْ، نحوَ تبوُّءِ مكانتها، في الساحة الدوليةِ، وبروزها منافساً للولايات المتحدة الأمريكية، وتأكيد وجود قوى فاعلةٍ، في السياسة الدولية، انصلاقاً من دَورِ روسيا في سوريّا، خلافاً لمن يُعْتَقَدُ خَطَأً، وجود ملامح أحاديةٍ قطبيَّةٍ؛ بل ترجِّحُ تعدُّدَ الأقطاب، والفواعل الكبرى، ذات التأثير الواضح فيها.

     وتمكَّنت روسيا، من تحويل النظر إلى قتال “الإرهاب”، بدلاً عن إسقاط النظام السوريِّ، وإثبات دوره البارز، بوصفه شريكاً للتحالف الدوليّ، المتَمَثِّل بقتال الإرهاب؛ فباتَ مقبولاً بقاءُ النظامِ السوريِّ، بعد أن كانَ تغييرهُ أمراً محتوماً، تفرضه الفواعل الأخرى، لاسيَّما المعارضةُ، التي تجعل الخروجَ على النظام أمراً مبرَّراً، ومن يؤيِّدُها من القوى الإقليمية والدولية.

     فروسيا -إذن- تراعي مصالحها العليا،[9] في موقفها وأثرها في الأزمة السورية، التي تُجمَلُ في:

  1. التخفيف من إحكام”الطوق الاستراتيجي” الذي يشكِّلُه حلف الناتو، على روسيا، وعلى تواجدها العسكريّ، في منطقة البحر الأبيض المتوسِّط.
  2. تعي روسيا أنَّ نجاحَ الثورةِ السوريةِ، وتغيير نظامها، يجعلها تخسرُ وجودَها على شاطئ البحر المتوسِّطِ؛ فينحسرُ نفوذُها لصالح النفوذ الأمريكيّ والأوربّي في المنطقة؛ ما يفاقم أزمتها الاقتصادية، ويفوِّتُ فرصَ تسويق أسلحتها للمنطقة.
  3. إضافَةُ الملَفِّ السوريِّ، إلى أجندة روسيا، في إطار تفاوضها مع الغرب، يضفي لموقفها ميِّزةً، تُحسَبُ لصالِحها، وتستحقُّ مساومتها مع الغرب.
  4. الظهور بمظهر المتصدِّي، لما عُرِفَ “تَجَنِّيَاً بالإرهاب الإسلاميِّ” الذي صاغَتْهُ قراءةٌ عوراء، لا يفارقها التحيُّزُ، ضدَّ قضايا الأمة الإسلاميَّة، وأنَّ روسيا تقوم -وفق رؤيتها- بواجب الدول المسيحيَّة كلِّها.
  5. وتبرِّرُ روسيا استخدامَ حقِّها في النقض، لصالح سوريا، باحترام سيادَةِ سوريا، وحقِّها في درءِ التدخُّل الدوليِّ ضدَّها، ومحاولةِ إنهائِه.

ثالثاً: الموقف التركيّ من الأزمة السورية:

     مع ما شهدته العلاقات التركية/السورية، من تحوُّلاتٍ ملحوظةٍ، نقلتها من الأزمة النفسيَّةِ، عقب الاستقلال، والاختلاف على شرعيَّةِ احتفاظ تركيا بلواء الاسكندرونة، إلى ما شهدته من محاولاتٍ ناجحةٍ، لإحداث التقاربِ بينهما، ولا سيما خلال العقد الأخير من القرن العشرين؛ فصارت تركيا دولةً صديقةً لسوريا، ولها من الرعايةِ، ما يُنشِّطُ التبادُل السلعي، ويفعِّلُ علاقاتِ حُسْنِ الجوار.

     وكان من الملفتِ للنظرِ صدَى الأزمة السورية، في إحداثِ ردودِ أفعالٍ تركيَّةٍ، حالَ اشتعالِ فتيل الثورة السورية، وتصدِّي النظام السوريِّ لها بعنف؛ فلمْ  تلبثْ تركيا كثيراً، لتعلنَ موقفها الداعي، لتنحِّي الأسد، ورحيل النظام بكلِّيَّتِهِ؛ بما عُدَّ انحيازاً واضحاً من تركيا، لفصائلِ المعارضة، التي شكَّلَ “الإخوانُ” جزءَهَا؛ إلاَّ أنَّ ما نراهُ مبرِراً، لموقفها المتعجِّلِ، تَقِفُ وراءَهُ أمورٌ واقعيَّةٌ، تبرِّرُهَا رغبةُ تركيا، وسعيها لصيانَةَ أمنِها من أيِّ تهديد، بوجود احتمال نشوب صراعٍ مسلَّحٍ، لا يَبْعُدُ شَرَرُهُ كثيراً عنها، ويهدِّدُ أمنَهَا، ويؤثِّرُ على اقتصادِها سلباً.

     ولدى تركيا ما يكفيها، من الأزمات المحتملة مستقبلاً، والتي لا يحتاجُ إشعالُ فتيلِها، إلاَّ لمزيدِ اضطرابٍ في المنطقة، واختلالِ الجوامع الوطنيَّةِ في دولها؛ التي تنذرُ بتمزيق الأنسجة الوطنية لدول المنطقة، والتي لو تفكَّكت، لأورثَتْ المنطقة نزاعاتٍ وخَلَلاً-في ظلِّ ضعف الوحدة الوطنية-لصالح الانتماءات الضيِّقة، التي تضيق باستيعاب الآخرين ذرعاً، وتستدعي -بالنتيجة- استعْدَاءَ بعضِهِمُ البعضَ.

     ومع ذلكَ؛ فقد كانَ تحرُّكُ تركيا، إزاء الأزمة السورية، من بناء منطقة عازلة آمنة، وتحوُّلِ موقفها، الذي يسوِّغُ التدخُّل العسكريَّ فيها،[10] جاء متواضعاً وقتَهَا-قياساً بقوَّتها-فلم يخرجْ عن كونِه ردودَ أفعالٍ، تعالِجُ خطراً ما، ودفاعاً لم يكن مدفوعاً بمطامعَ لها بسوريا؛ إذ لا يحقِّقُ وجودُ قوَّاتها في سوريا، ما يحقِّقُهُ لإيران ولروسيا؛ وهذا الموقف المتأنِّي من تركيا، رشَّدَتْه:سماتٌ، ومؤثِّراتٌ، ومقاصدُ، أبرزها:

  1. أنَّ تركيا تأخَّرتْ بشكلٍ ملحوظٍ، قبل تدخُّلِها المباشرِ، ولا سيَّما بدخولِ قوَّاتِها الأراضي السورية؛ بما يعكسُ حينَها النهجَ السلميَّ، الذي تُفضِّلُهُ تركيا إزاء الأزمات، ما لمْ تُلْقِ الأزماتُ بظلالِها، على ما يَمسُّ أمنها -بشكلٍ مباشرٍ-ومصالحَها العليا، أو يشكِّلُ خطراً واضحاً يتهدَّدُهَا.
  2. ولم تُرِدْ تركيا تفويتَ فرصَتِهَا، للدخول في الاتحاد الأوربي حينها، ولم ترغب في اتخاذ مواقف تحول دون تحقيقها؛ ولم يكن دخولها سوريا عسكرياً مقبولاً، من حلف الناتو، ما لم تتعرَّض لعدوان أو خطرٍ طارئ، يستحقُّ الردَّ السريعَ، دون انتظار قرارٍ مشتركٍ، أو ردٍّ من الناتو؛ وقد فاقتْ رغبة حلفاء تركيا، في عدم دخولها سوريا لتحاشي تعقيد الأزمة، فاق رغبة أولئك الحلفاء في تواجد حليف مثل تركيا، يُحِدِّ من تنامي التدخُّل الروسيّ فيها؛لكنَّ تركيا تعاملت بحذرٍ، دون تحقيق رغبة أطرافٍ من الناتو، خشيةَ تورُّطِها في مستنقع سوريا.
  3. تميَّزت تركيا -عن دول جوار سوريا- باحتضانِ الملايين من مهاجري سوريا ومهجَّريها، وتميَّزت نشاطاتُ تركيا الإغاثيَّةُ بتميُّزِها، وبقيت في أطرٍ إنسانيَّةٍ، لا تبلُغُ التدخُّلَ في الأزمة، ولا التأثير فيها مباشرةً.
  4. واتَّخذت تركيا من الطرق الدبلوماسية، والوسائل السلمية منهجاً، يدفعُ باتّجاه تسوية الأزمة السورية، والاحتفاظ لنفسها بالقيام برعاية الفصائل، المتواجدةِ قياداتُهَا في تركيا.
  5. ولم تتدخَّل تركيا في الشأن السوريِّ، إلاَّ عقبَ تفاقم الأزمة، وتعاظم الدور الخارجيِّ الموجِّه لها، ولا سيَّما من إيران وروسيا، ولهذا تأخَّر دخولها المباشر، على ما يربو على خمس سنين من اشتعال الأزمة؛ زيادةً على ما لاحظته تركيا من الموقف الأمريكي، الذي تراه مراوغاً، وخاطئاً، بشأن تعامله مع تطلُّعات الشعب السوريّ، بالخلاص والتحرُّر.[11]
  6. جاءَ تدخُّل تركيا عسكريَّاً، بدافع إنسانيِّ ابتداءً، رافق عمليَّات الإبادة والتهجير، في ظلِّ سياسة الأرض المحروقة، التي اتَّخذها النظام السوري وحلفاؤُه، إزاء حمص وحلب؛ ويسجِّلُ”مزيداً من اقتراب شُرور الحرب، وشَرَرِهَا من تركيا، بتقدُّم قوّات النظام وروسيا وإيران، وكذلك تنظيم”داعش”شمالاً؛ ينتج عنه مزيداً من المهاجرين لتركيا، في ظلِّ تلكُّؤ الدعم الدوليِّ لتركيا، وقد بذلت مليارات الدولارات.
  7. وما يستحقُّ التسجيلَ: تحوُّلُ الموقف التركيِّ، من الضغط على الدور الروسي والإيراني المساندين للنظام، إلى التعاون من أجل حلِّ الأزمة سلمياً، عقب التقارب معهما، لأمرين بارزين، هما: مؤتمر الاستانة، وشروع الولايات المتحدة الأمريكية، بتجاوز أصول التحالُفِ في ظلِّ الناتو، بعدم القيام بممارسات، تضرُّ بحليفٍ كتركيا؛ بإنشاء الوحدات الكوردية، وتخصيص نصف مليار دولار لدعمها؛ بما يفضي إلى تقسيم سوريا، ومنحِ الكورد إقليماً، يتاخم حدودَ تركيا برَّاً وبحراً؛ ورغبة الولايات المتحدة به، خلافاً لرغبةِ روسيا وإيران والنظام السوري؛ وهذا الأمر يكشف “سرِّ التحوُّل في التحالفات، والتوافقات، والاتفاقات”، بشأن الأزمة السورية، ويسمحُ بتوقُّع المزيد منها مستقبلاً؛ على أساس من:
  • توافق المصالح المتوقَّعة.
  • الحدِّ من الدور الدولي، في حلِّ أزمات المنطقة، لصالح فاعليها الإقليميين.

رابعاً: الموقف الإيرانيّ من الأزمة السورية:

     من المسلَّم به؛ أَنَّ امتداد شَرَر ثورات الربيع العربي إلى سوريا، أدَّى داخليَّاً إلى انفجار الصراع، بين:المعارضة، والنظام السوريِّ؛ وهو أمرٌ لمْ يبتعد كثيراً عن توقُّع مَن يستحضِرُ، ما شنَّه النظام على معارضيه ومدن سوريا، لاسيَّما أوائل ثمانينيّات القرن الماضي، وما شهدته “حماة” وأخواتُهَا، من تجاوز حدود المقبول، باستخدام القوة المفرطة، لرفضهم منح النظام الولاء والمشروعية ومقاومته.

     هذه الصبغة للصراع بين السلطة والمعارضة، ألقَتْ بظلالها على العلاقات الاستراتيجية: الإيرانية/السورية، بحكم التقارب المذهبيِّ، الذي كان من بين أبرز الدوافعِ، التي جعلت النظام السوريَّ ميَّالاً إلى جانب إيران، في صراعها ضدَّ العراق، في حربهما التي دامت ثماني سنوات بدايةَ ثمانينيات القرن الماضي؛ زيادةً على كونهما على خلافٍ عميق مع النظام العراقي؛ ولهذا توطَّدت العلاقة بين: إيران، وسوريا؛ حتَّى بلغت حدَّ التحالف الاستراتيجيِّ؛ ولا سيَّما عقبَ تفكُّك الاتحاد السوفيتيّ.

     وشكَّلتْ الأزمة السوريَّةُ عاملَ استقطابٍ ولا سيَّما عقب غزو العرراق، وتوافق إيران وسوريا في كثيرٍ من المواقف والمصالح، وانحازت إيران للنظام، وعدَّت الثورةَ عملاً خارجاً عن الشرعيَّةِ، واستهدافاً خارجيَّاً، ويستوجبُ كبحَه، وأمدَّت النظام السوريَّ بمساعدات ماليةٍ، وإمدادات عسكريَّةٍ، وشرعت بنشر الحرس الثوريِّ، للحفاظ على النظام وقوَّته فكانت وجهةُ الأزمة تتصاعدُ من المستوى الداخلي السوري، فالإقليمي؛ فالمستوى الدوليّ.

     واختلف المعنيّون بشأن سوريّا وأزمتها، في وصف الدور الإيرانيّ، وفقاً لمواقفهم المعيارية:

=الموقف الأوَّل: يرى فيه “تدخُّلاً” لا يبرِّرُه عذرٌ مقبول، وأنَّه تجاوزٌ للمحيط العربي، ولتركيبة الشعب السوريّ وانتماءاته، ومواقفه من النظام، في إطار منحه الشرعية، أو حجبها عنه.

=الموقف الثاني:يرى في موقف إيران، وتواجدها عسكريَّاً، تعبيراً عن ولائها للمذهب، والتزامها بالاتفاقات الاستراتيجية، مع النظام السوري، في الدفاع عنه ضدَّ ما عُدَّ “إرهاباً”، وعُدَّ ملأً لفراغٍ استراتيجي، تَحَسُّباً من ملئه بقوات خارجية، تتذرّعُ بالإرهاب وقتالِه، وبالنظام وتجاوزاته؛ بل أكَّدوا أنَّ إيرانَ حاضرةٌ بقوَّة، في المشهد السوري قبل الثورة، ولها أثرها في التوازن بين إسرائيل والعرب، بإسنادها الموقف السوريّ، وإنشاء “حزب الله”؛ كما أنَّ لسوريا فضلاً في تخفيف وطأةِ الحصار الدولي على إيران؛يستدعي دعمها.

=الموقف الثالث: يرى تحرُّكَ إيران، حركةً ضمن مشروعها الاستراتيجيِّ في المنطقة، لرسم هلال شيعيِّ، وجعل الصراع المستقبليّ صراعاً طائفيَّاً، يوفِّرُ للقوى الدولية، وأقطابها فرصةَ استغلاله، للشروع بمشاريع التفتيت، وإعادة رسم الحدود في المنطقة: بسايكس/بيكو جديد.

     ولا يخفى أنَّ لإيران دوراً فاعلاً، لدفع روسيا -إلى جانب دوافعها- في التدخُّل في الشأن السوريِّ، ووعدتْ بتحمُّل فاتورتها، والغايةُ: الإبقاء على وحدةِ سوريا، فيما تعلنه، مع ما شهدته محاولات التهجير الطائفيّ، الذي يمكن أن يأخذ مظهرين، يعبِّران عن احتمالات،منها:

  1. أن يكونَ عملاً تكتيكيَّاً، يحاول حصر قوات المعارضة، في مناطق يسهلُ بناء حواجز عسكرية أمام تمدُّدها، إلى مناطق الاستقرار الأمني، التي يسيطر عليها النظام؛ بما يحقِّقُ قبولَ بقائِه، وعدِّه رقماً، لا يمكنُ استثناؤه، من مشاريع التسوية السلمية للأزمة السورية.
  2. أن يكون التهجيرُ جزءاً من عمليَّةِ الإسهام بمشروع التقسيم، لو أصرَّت القوى الفاعلة الدولية على تطبيقه، مع الإبقاء على الأسد ونظامه، في إقليم يضمنُ هيمنتهُ على منطقة استراتيجية، ولها إطلالة بحرية، تجعلها الأفضل بين الأقاليم السورية المحتملة.
  3. ضمان الهيمنة على مناطق غنيةٍ بالنفط والغاز، والأماكن المقدسة، التي يسهلُ التحكُّمُ بمستقبلها، ولا سيَّما بعد ما كان من الفصام بين: سوريا، والجامعة العربية وجُلِّ أعضائها.
  4. أن يكون ما قد أشيعَ من بناء إقليم للكورد بمنطقةٍ، يسهلُ مستقبلاً حصرها، بين:تركيا، والإقليم النصيريّ، والعراق، وكلُّها ترتبط بعلاقات مباشرةٍ متينة مع إيران.

     ويُلاحَظُ على الدور الإيرانيّ، امتدادُه إلى مناطق عديدةٍ، بما يثيرُ تساؤلات، عن إمكانيَّةِ تحوُّلِهَا إلى قوَّةٍ إقليميةٍ صاعدة، هي الأقوى تأثيراً، وفق ما يشهدُ به واقعُ تمدُّدها إلى:لبنانَ، فالعراق،فسوريّا،فاليمن، إلى الحدِّ الذي دفعَ رأسَ سلطتها التشريعية “لارجاني”، للتصريح بأنَّ إيران تسيطر على أربع عواصم عربيةٍ، وعُدَّ الدفاعُ عن سوريَّا أَوْلَى من الدفاع عن بعض محافظات إيران، بعد توطُّدِ علاقاتهما فترة الرئيس “نجاد”؛ وممَّا يدفعها لمزيدِ تمدُّد؛ أمورٌ:

  • ما تعانيه إيرانُ من مشاكل اقتصاديةٍ، يكون الاندفاع إلى ما حولها من المناطق، محاولةَ إنعاش لاقتصادٍ متردٍ، وخزينها النفطيِّ أوشك على النفاد.
  • أنَّ إيران تخشى من تمدُّدِ عدوى الربيعِ العربيِّ إليها، وهي تخضَعُ لأقليَّةٍ قوميةٍ، لا تقرُّ بحقوقهم، وفي مقدِّمتهم:الكورد، والعرب، يعدَّان إيرانَ محتلَّةً لكوردستانَ، وللأهواز.
  • أنَّ إيران قدْ تمكَّنت من عقدِ تفاهمٍ إستراتيجيٍّ، مع الولايات المتحدة الأمريكية المحتلَّة للعراق، لاسيَّما عقب ما كانَ من تسهيل مهمَّة احتلاله، جعلها مرشَّحةً للإحلال محلَّ القوات الأمريكية، التي كانت أحوج ما تكون للتغطية الإيرانية، لتأمين انسحابِ جُلِّ قواتها، بعد اشتداد وطأة المقاومة ضدَّ وجودها؛ وأثار-حينها-حفيظة السعودية، بتصريح وزير خارجيتها، العام 2006، بأنَّ الولايات المتحدة الأمريكية، تقدِّم العراق لإيران على طبقٍ من ذهب؛ بعدَ تمنُّع الدول العربية، وتركيا،من إرسال قواتهم للعراق؛ أَهَّل إيران لدور إقليميٍّ فاعلٍ، يحظى بقبول أطرافٍ دولية كبرى، وأكسب إيران خبرةً في التعامل معها، وفتحَ لها آفاق التفاهم.
  • أدركت إيران صعوبة بقاء قوة دولية، محتلَّة في المنطقة، دفعها للتمدُّدِ في المناطق التي:
  • شهدت ثورةً ربيعيَّةً.
  • يكون لإيران فيها مصلحةٌ إستراتيجية مباشرة، أو غير مباشرة يقويها عامل آخر.
  • يكون لإيران أذرعٌ، أو امتدادٌ مذهبيّ، أو جماعة ترتبط بإيران، بأكثر من رابط، وهو ما جرى في: لبنان، والعراق، وسوريا، واليمن.

     ومع أنَّ إيران قدْ تشعَّبَ وجودها، إلاَّ أنَّها تَعدُّ سوريا، ذات أولويَّة استراتيجية لها، بعد العراق؛ في حين تبقى اليمنُ، ورقةَ تفاهم ومساومة، تسهم في إبقاءِ الوضع في سوريا ونظامِهِ، وفق ما تشتهيه غاياتها العليا؛ لأنَّ اليمنَ يشرفُ على خاصرة الخليج والسعودية، التي ستكونُ غاياتها في تهدئة وضع اليمن، وإعادة استقراره، مسألة وجود؛ ما جعل تعاظمَ الدور السعودي في الأزمةِ السوريةِ، غير مسموح به، فهو يورثها تهديداتٍ مباشرةٍ، ولا سيَّما في ظلِّ قدرةِ إيران على إضعافِ مجلس التعاون، وتفتيت وحدته، بأدوات عديدةٍ.

خامساً: الموقف الإسرائيليِّ من الأزمةِ السوريَّة:

     لإسرائيل حدودٌ مع سوريَّا، يجعلُهَا معنيَّةً بما يجري في إطارِهَا، وما يمكنُ وصفُهُ أَنَّهُ أزمةٌ، فما بالكَ فيما يكونُ أزمةً وصراعاً مسلَّحاً، وقد طالت آماده؟

    ويمكنُ وصفُ موقف إسرائل من الأزمة السوريَّةِ، في نقاطٍ هي الأبرز، ممَّا يعبِّرُ عن موقفها منها؛ والتي تنبني على قضيَّةٍ عامَّة، تخصُّ أمنها القوميَّ: صيانةً، أو تهديداً، وتندرجُ في:

أولاً: الموقف العام والدائم من النظام السوؤيِّ: ينطلقُ من أنَّ النظامَ السوريَّ – عقبَ فشلِهِ في تحقيقِ نصرٍ في حرب أكتوبر 1973، واحتلال مرتفعات الجولان-

لمْ يَعُدْ يُشَكِّلُ خطراً، يهدِّدُ إسرائيلَ، ولمْ يكنْ ليُعِدَّ العُدَّةَ لإعادة الجولان؛ ولا سيَّما عقبَ ما كانت تعانيه ماكنته الحربيَّةُ من التردِّي، وتمويلُهُ العسكريُ من الإهمال، وفقدان سوريَّا أيَّةَ إمكانيَّاتٍ وقدراتٍ على إعادة بناء جيشها، وتطويره، بما يجاري الجيوش المتطوِّرة ويهدِّدُ إسرائيل؛ إلاَّ ما ربطهُ من معاهدات بالاتحاد السوفيتي، وروسيا وريثته من بعدُ، والتي تربطها بإسرائيل علاقاتٌ ودّيَّة، ومصالحُ عريضةٌ.

     وكانت إسرائيل تعلنُ أنَّ النظام السوريَّ، لا يشكِّلُ خطراً محتملاً عليها؛ ويدلُّ على استمرار ذلك -وبرغم ما تلقَّته القواتُ المواليةُ للنظامِ السوريِّ لمرَّتين- في مايو 2018، والغارات التي سبقتها بأسابيع؛ إلاَّ أنَّ المراقبين، يدركون أنَّ ما يجري، يخصُّ إسرائيلَ، وإيرانَ، ولا يمتدَّ لسوريَّا، ولا لروسيا، التي بُلِّغَتْ بنيَّة إسرائيل بتوجيه ضربةٍ، ضدَّ المنصَّات الصاروخيةِ، والقواعد الإيرانية المحدودة في سوريا؛ فعقبَ توجيه الضربة في مايو، طالبت شخصيات مسؤولة إسرائيلية من النظام السوريّ، إبعاد القوات الإيرانية من سوريَّا، ما يبرِّئ النظام من تهمةِ بمعاداةِ إسرائيل.

ثانياً: لَمْ تردْ إسرائيل الدخولَ طرفاً، في الصراع بسوريَّا، وألاَّ تكونَ داعمةً لطرفٍ ضدَّ آخر، وهو ما تتجنَّبُهُ إسرائيل، لعدم التورُّط بمستنقع الأزمة السورية؛[12] فيبقى هدفها “صيانَةُ أمنها”، وضمان بقائها في الجولان، بغضِّ النظر عمَّن ستؤول له الأمور في سوريَّا، مع أنَّ سفنَهَا تشتهي ما قدْ جرَّبتْ صمتَه عن وجودها في الجولان، لما يتجاوز أربعين عاماً.

ثالثاً: موقفُ إسرائيل في ظلِّ احتمال تقسيم سوريَّا: لمْ تكن إسرائيل لتحرصَ على وحدةِ سوريَّا، إلاَّ لما يطمئنها من موقف نظامها، المهادن لها، البعيد عن تهديدِ أمنها، وبعيد عن المطالبة بالجولان؛ إلاَّ أنَّ إسرائيل تعرفُ-قبلَ غيرها-أنَّ إعادةَ تقسيم المنطقة، وإعادة رسم خارطتها، يمنح إسرائيل مزيداً من التمدُّدِ، والعناية بتطوير المجالات غير العسكرية فيها، بما يمنحها دفعةً، من العنايةِ بشؤونها، وتخفيف العبء العسكريِّ والتمويل العسكريِ؛ لغياب قدرة البلدان الجديدة، والدويلات الفتية عن تهديد أمن إسرائيل، إن لم تكن مواليةً لها، وللولايات المتحدة الأمريكية، والقوى الأوربية، التي تجعل أمن إسرائيل قضيَّةً غير قابلة للنقاش، ولا المساس به.

      من هذه الاعتبارات، جاءت علاقات إسرائيل، بالقوى الفتيَّة، ولا سيما التي تشكَّلتْ على عين الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، كالقوى الكوردية، والتي تربطها بإسرائيل علاقات ودِّيَّة، ترى إسرائيل أنَّهم قوميَّةٌ، أقربَ في اضطهادهم لليهود في العالَم.

رابعاً: المؤثِّر الآخر على موقف إسرائيل من الأزمة السورية، يتمثَّلُ في تخوُّفاتها من الفصائل الإسلاميَّة المتشدَّدة السنيَّةِ، يجعل حيازتها على سلاحٍ يتهدَّدُ أمن إسرائيل؛ فلا يُقبَلُ تمريرُهُ؛ ولهذا قبلت إسرائيل بدور إيرانيٍّ محدود، يعادلُ-طائفيَّاً واستراتيجياً-الفصائل السنيَّة، التي يخشى أن تتحوَّل إلى “قسَّام” آخر؛ ولهذا يبقى النظام، وتبقى وحدةُ سوريَّا، بضماناتٍ روسيَّةٍ، هي الأفضل لإسرائيل وأحفظُ لأمنها من سواها؛ إلاَّ أنَّ “حالة الفوضى التي تعيشها سوريا قد سمحت بإدخال أعداد كبيرة من الجواسيس من كل الجنسيات بما فيها جواسيس اسرائيل، بالإضافة إلى العديد من المتطوعين والمناصرين الذين يقاتلون أو يرسلون لإسرائيل التقارير في مختلف المجالات والميادين وبالتحديد المجالين العسكري والاستراتيجي.”[13]

خامساً: المؤثّر الآخر في موقف إسرائيل، يتَّصل بما يتهدَّدُ أمنها، ويستدعي تدخُّلَها المباشر؛ بضربِ أيَّةِ أهدافٍ تتهدَّدُ أمنها؛ وهي إستراتيجيةٌ ثابتةٌ-وإنْ عُدَّ تحوُّلاً في تعاملها مع الأزمة السورية[14] وتقرُّ بها القوى الدوليَّةُ، وتخضعُ لأثرها القوى الإقليميةُ، ولهذا عُدَّ ردُّ القوات الإيرانية بسوريا على الغارات الإسرائيليَّةَ بداية مايو 2018 استفزازاً لها، حتَّى من القوى الأوربية، كفرنسا، وألمانيا، عقب انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي الإيراني؛ في محاولةٍ لرأبِ الصدعِ الذي أصابَهُ، ولملمة المشكلةِ، دون تمدُّدها، لتشملَ المنطقةَ كلَّها، والمناطق التي تتمدَّدُ إيران فيها؛ ولهذا أقرَّت إيران -معتذرةً- أنَّ من أطلق الصواريخ، والقذائف صوب الجولان، هو النظام السوريُّ، وليست قوَّات إيران.

سادساً: الموقف الخليجي من الأزمة السورية:

      يأتي دعمُ دول الخليج-عموماً-للثورة السوريَّةِ، عقبَ الفتور العلاقات الخليجية/ السورية، عقب تولِّي بشار الأسد السلطة، وما شهدته فترته من تقوية العلاقات السورية/الإيرانية، وما تعنيه من إثارةِ تحسُّس الخليج منها، وما تمثِّله من تحدِّيات؛ وقد كان موقف السعودية وقطر أوضحَ مواقف دول الخليج من الأزمة السورية، مع أنَّ المجلس قد عقد بضعةَ عشر لقاءً، يناقش الأزمة السورية منذ العام 2011؛ فقد تبنت الدولتان تجميد العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوريّ، كما تبنَّتا رفع الأزمة إلى المحافل الدولية ومجلس الأمن؛ ويلاحظ على موقف دول الخليج إزاء الأزمة السورية، ما يأتي تحت مبرِّرات،منها:

أوَّلاً: أنَّ توطيد علاقة سوريا بإيران، يسمحُ بتنفيذ مخطَّط التمَدُّد الإيرانيِّ الطائفيِّ، الذي حذَّرَ منه “عبد الله الثاني” ملك الأردن، يتَّصل بالهلال الشيعيِّ، وبدء مرحلةِ صراعٍ طائفيٍّ في المنطقة.

ثانيا: يعدُّ التقاربُ السوري/الإيرانيّ، من أسباب منافسة التأثير السعوديّ في لبنان، ومزاحمة دورها في توجيه دفَّتِه، وإنهاء أزمته؛ والذي  تعاظم بتعاظُم دور “حزب الله” بلبنان.

ثالثاً:  ويترتَّبُ عليه: تهديدُ أمن الخليج، وتهديد نسيجه الاجتماعيّ، وتعريض بعض دوله -كالبحرين- ومناطق السعودية -كالإحساء- لعدم الاستقرار، وتهديد الأنظمة وبقائها في السلطة.

رابعاً: وممَّا دفع “بقطر” لإسناد الثورة، ميلُها الداعم للحركات الإسلامية بسوريَّا، ذات الجذور الإخوانية، التي تعرَّضت حاضنتها الاجتماعية في ثمانينيات القرن الماضي، للاضطهاد والتهجير.

خامساً: بقي الدور الأبرز للخليج في الأزمة السورية، في إطار المساعدات الإنسانية، والدعم اللوجستيّ للثورة، والتسليح المتواضع، وتحدَّد بما لا يهدِّدُ الطائرات الروسية، ولا يقلق إسرائيلَ.

      ونتيجةً لذلك، فتحت إيران جبهةً جديدً، تقلق خاصرةَ الخليج والسعودية، من اليمن، عقب ترتيب الخليج قضيَة تنحِّي الرئيس السابق، “علي عبد الله صالح”؛ فنجحت إيران باستمالته، ليتحالفَ مع أذرعها الحوثيين، فيمسك بخناق الخليج؛ لتخفيف الضغط عن تواجدها في سوريا، وعن النظام السوريّ؛ وما استدراجُ الروس -وفق رؤية إيران- إلاَّ خطوةً لتحقيق ذلك المقصد الإيرانيّ الأبرز؛ وبالنتيجة؛ أدَّى إلى تغيُّرٍ ملحوظٍ في الموقف الخليجيِّ، يبرِّره:

1.التقارب القطري/الإيراني، نتيجة الحصار الخليجي المفروض عليها؛ لتخفيف وطأته على قطر واقتصادها؛ في حين يعدُّ الأطراف الأربعة: السعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر، الحصارَ نتيجةَ لتقارب قطر  وإيران.

  1. أرادت السعوديةُ تخفيف الضغط عن النظام، والتحول من إصرارها على تغييره، إلى إمكانية بقائه، مقابل أن تخفِّفَ إيران ضغطها على خاصرتها في اليمن.
  2. أمَّا الإمارات، فترسم لنفسها مواطئ قدم، توفِّرَ لها السيطرةَ على الألسن والموانئ والخلجان البحرية، لتهيمن على مفاصلَ تجارية عالمية، تجعلها رقماً صعباً في التجارة الدولية، والرقمَ الأصعب في القوى الإقليمية تجاريَّاً؛ جعلها تربطُ موقفها من الأزمة السورية، بالموقف الأمريكيّ.
  3. اكتملت قناعات دول الخليج، بأنَّها لا بدَّ أن تبني علاقات متينة مع إسرائيل، تقوّي بها علاقاتها الاستراتيجية بأمريكا، وتستقوي بها على التمدُّد الإيرانيّ، الذي صارَ الخطرَ الأولَ، على مصالحها، وعلى وجودها، ونسيجها الاجتماعي، جملةً واحدةً.

      وبذلك، لم يعد النظام السوريُّ، مستهدفاً تغييرهُ، وتراجعت عن كلِّ ما تسبَّبَ بدفعهم إلى مقاطعته من قبل جامعة الدول العربية، والذي أسهم بدوره في دفع سوريا إلى أحضان إيران، دونما تردُّد أو عَودة؛ وزادَ تخوُّف السعوديّة، وتخويف الإمارات لها من الإخوان المسلمين، وأنَّهم خطرٌ محدقٌ، ساهم في تغيير موقفهم من النظام السوري، ومن الأزمة السورية بالكلية؛ وأجهض مستقبل ثورة الشعب السوريِّ، وأنهى آمالهم في الخلاص.

 

نظرة استشرافية، للأزمة السورية:

     مؤشِّراتٌ كثيرةٌ، تُرَجِّحُ انَّ الأزمة السوريَّةَ، باتتْ تستشرفُ نهاياتِها؛ يستدعي جنيَ الثمراتِ، بوضعِ نهاياتٍ موجَّهةٍ، تخدمُ أطرافها الرئيسةَ وحلفاءَها؛ وأبرزُ المؤشِّرات:

أوَّلاً:ما يتَّصل  بالولايات المتَّحدة الأمريكيَّةِ، وتصريحِ رئيسها عن قرب انسحاب قوَّتِها من سوريَّا؛ يؤكِّدُ أنَّ المهمَّةَ، التي اتُخِذَتْ ذريعةً للتواجُدِ في سوريَّا قدْ انتهتْ، والمرادُ بها “قتال داعش”، ويؤكِّدُ ذلك: مؤشِّرٌ آخر، يتَّصل بقرار الاتحاد الدولي لقتال الإرهابِ، بإغلاق مكتبه في العراق، الخاص بهذه الغاية.

ثانياً:ما يتَّصلُ بالموقف الروسيِّ؛ الداعِمِ لتفعيل مباحثات السلام، المتَّصلة بالأزمة السوريَّةِ، والتعجيل بها، ولا سيَّما عقبَ تأزُّم الموقف بين: إيران، وإسرائيل؛ ما يفرغ الساحةَ لروسيا لجني ثمراتِ الأزمة السوريَّةِ، والاستئثارِ بها، في وقتٍ لا تقوى فيه إيران على منافستها في جني الثمار، لحاجتها الماسَّةِ لروسيا،ولصوتها الدائم في مجلس الأمن، ودعم الاتفاق النوويِّ من روسيا، لدعم الموقف الأوربيِّ،والتصدِّي لتبعات الانسحاب الأمريكيِّ منه؛فإيران باتتْ تحتَ التهديد المباشر؛ ولاسيَّما عقبَ ما كانَ من تسوية الولايات المتحدة الأمريكية خلافاتها مع كوريا الشمالية، وإمكانية سحب قواتها الاستراتيجية، صوب المنطقة، قريباً من إيران ومصالحها، ومن تواجد فيلق القدس خارج إيران.

ثالثاً: ما يتَّصلُ بالموقف الإسرائيليّ؛ فقد تطوَّرَ من الرغبةِ في الإبقاءِ على النظامِ السوريِّ، إلى تبنِّي تغييره؛ما يلوِّحُ للنظام السوريِّ، ولروسيا بإمكانية خسارتهما، إذا ما تصدَّيا للإرادة الأمريكية لحماية إسرائيل وصيانة أمنها، أمام مصالح إسرائيل، التي تشعرُ بتعرُّض أمنها للخطر، بمجرَّد تواجد قوَّات إيرانية، وعزمها إنشاء قواعد لها بسوريّا، فوضعت أمريكا وإسرائيل: النظامَ ومصالحَ روسيا في كفَّةٍ، وإيران وتواجدها في روسيا في كفَّةٍ أخرى؛ فصارَ أن تخلَّتْ روسيا عن دعم إيران، وما بدا تغَيُّراً واضحاً في التحالفات،وفقاً لما يستجدُّ من مصالح أطرافها، ولاسيَّما لقرب نهاية الأزمة السورية؛ ولهذا لمْ تمانع روسيا من ضرب إسرائيل قواعدَ إيران؛ لأنَّها تهدِّد إسرائيل، وهو ما لا يرضي روسيا؛ ولهذا السبب تعهَّدت روسيا لإسرائيل-على هامش زيارة نتنياهو لها، بداية الأسبوع الثاني من مايو 2018 بعدم تزويد النظام السوري، بصواريخ S 300) (؛ يؤكِّدُ وجود تفاهمات “أمريكية إسرائيلية”/”روسية”، حول مستقبل الوضع في سوريا، الذي لا يمانع النظام الاستمرار، على ما كان عليه قبل الأزمة إزاء إسرائيل؛ وهو سيناريو تُرجِّحُهُ هذه الورقة، على إمكانية تغيير النظام، ولاسيما في المستقبل المنظور، لأنَّه أمرٌ -لو تحقَّقَ- لأوقعَ الضرر بروسيا، وبمستقبل تحالفاتها، مع القوى الإقليمية، التي لن تثق بدعمها مستقبلاً.

رابعاً: ما يتَّصل بالمواقف الأمريكية/الأوربية: فقد بدا أنَّ ثمَّةَ اتفاقاً بينهما، بما لا يدعُ مجالاً للشكِّ، صرَّحتْ به الدول الأوربية، وسارعتْ إلى إعلانها التأكيد على أهمية صيانة أمن إسرائيل، فعدَّت فرنسا، وألمانيا، وبريطانيا، أنَّ إيران هي من استفزَّ إسرائيل، بضربها صواريخ تجاه الجولان، مع أنَّ ذلك جاء في إطار ردِّ الفعل على الغارات الإسرائلية؛ لأنَّ الأطراف تعي:

  1. أنَّ تواجُدَ إيران لم يكن له ما يشرِّعه.
  2. أنَّها تحاولُ تهدئة الأمور في المنطقة، خشية انزلاقها إلى حربٍ واسعة، تأتي ابتداءً على مصالح الدول الغربية: الفرنسية، والألمانية، والبريطانية في إيران، واستثماراتها فيها.
  3. لاتريد الدول الأوربية ان يتقوَّض الاتفاق النووي، رغم انسحاب الولايات المتحدة الأمركية؛ بل أنَّ تلك الدول تعي أنَّ ما في جعبة الولايات المتحدة الأمريكية الكثير ضدَّ إيرانَ، بما يبرِّرُ ما قد صرفته دول الخليج لها، مقابل ما يضيِّق على إيران تواجدها، وينهي قدراتها بتهديد جيرانها.

خامساً: ما يتَّصل بموقف دول الخليج العربي: فقد شهد تحوُّلاً ملحوظاً؛ فقد كانت دول الخليجِ تهمُّ باتخاذ مواقف، تتحكَّم بدول الجوارِ، وبتمديد تأثيرها إليها؛ وهو ما أرادت تطبيقه إزاء الأزمة اليمنية، والتي أفلحت دول الخليج في نزع فتيلها، إلاَّ أنَّها اخفقت في إدامة تحكُّمها بخيوطها، نتيجة تراخيها إزاء ملف إعمار اليمن، وحلِّ مشكلاته الاقتصادية.

     ولم يكن إخفاق دول الخليج، في تعامله إزاء الأزمة عن ذلك ببعيد؛ فقد تنامى في سوريا الدور الإيرانيُّ، بمسوِّغاتِ التدخُّل الخليجيّ، غير المرغوب من النظام السوري، على عكس الدور الإيراني، الذي هو موضع ترحيب ذلك النظام؛ وبالنتيجة فقد فشلت دول الخليج في تدخُّلها في الأزمة السورية، وكانت نتيجتها: استهداف السعودية بصواريخ إيرانية، يطلقها الحوثيون، تحت ستار الدفاع عن اليمن ضدَّ هجمات التحالف العربي بقيادة السعودية؛ وإقلاق البحرين، والمنطقة الشرقية في السعودية، وتهديد المناطق السعودية من مليشيات عراقية موالية لإيران؛ ما جعل دول الخليج تدركُ أنَّها لا تمتلك ناصيةَ التأثير الإقليمي الفاعل؛ فأعادها إلى أفلاك الأمريكان مجدَّداً؛ وتحت عباءتها.

سادساً: ما يتَّصل بمستقبل القوَّات المواليةِ لإيران في سوريَّا؛ فإنَّ هذه الورقةَ ترى إمكانيَّةَ قبول إيران بسحبها من سوريَّا، من أجل إبعاد شبح توجيه ضربة أمريكية إسرائيلية لها؛ دلَّ على ذلك: انسحاب قوات “حزب الله” إلى الحدود اللبنانية، من الأراضي السورية؛ وكذلك: تصريح إيران بأنَّ الصواريخ التي وُجِّهتْ صوبَ الجولان، كانت سوريَّة، وليست إيرانية.

    وفي المقابل، تماهى الموقف القطريُّ مع الموقف الإيراني، بدافعِ الإبقاء على النظام القطريِّ، ومع الموقف التركيّ؛ بما يسجِّلُ حالةَ تصدُّع؛ بغضِّ النظر عن وضعها في ميزان الحقِّ والباطلِ، أو الخطأ والصواب.   

    وبعد؛ فقد جاءت هذه القراءة، لتحلِّلَ عوامل  تفاقم الأزمة، في إطار صلتها بالنظام الدولي، تأثيراً وتأثُّراً، يكشف بالنتيجة عن توقِّعُ ما يمكن أن يسهم في حلِّ الأزمة السورية، وقد طالت حبالها؛ بمعرفة مقاصد تأجيجها، وما في سوريا من عوامل جذب للقوى المتنافسة، التي يمكننا من خلال قراءاتها توقُّعُ ما يمكن أن يكون في المنطقة كلِّها، ولا يقف عند سوريَّا؛ التي جاءت أزمتها في إطار أزمات، ولا يكون حلُّها إلاّ في تثبيت حدود المنطقة، وفق خارطته المراد رسمها.


[1] مبدأ كارتر، من المبادئ الاستراتيجية، المتصلة بأمن الخليج، والذي عدَّ أيَّ مساسٍ بأمن الخليج ودوله مساساً بأمن أمريكا نفسها، صدر العام 1980.

[2] هنري كيسنجر، النظام العالمي، تأملات حول طلائع الأمم ومسار التاريخ، ترجمة: د.فاضل جتكر، بيروت: دار الكتاب العربي، 2015، ص129.

[3] وهو ما يؤيِّدُ من ذهبَ إلى أنَّ للولايات المتحدة دوراً في تأجيج ثورات الربيع العربي، ومحاولةِ حرف مسارها.

[4] عزمي بشارة، سورية: درب الآلام نحو الحرية (محاولة في التاريخ الراهن)،بيروت:المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات،2013، ص 461-480.

[5]  جاوان محمد عطا، مصدر سابق، ص 54-57.

[6] ينظر: أحمد سالم محمد أبو صلاح، تطور الأزمة السورية ومعضلة تسويتها في ضوء الاستقطابات الإقليمية والدولية،www. dspace.up.edu.

[7] زيادةً على ما تخطِّطُ لهُ من قضايا، تكون تلكم الفصائل من أطرافِ رسمها، ومن مؤثري تحقيقها؛ وهذا أمرُ يؤكِّدُهُ حجمُ ما رُصِدَ لها من تمويل وتسليح من الولايات المتحدة الأمريكية، بلغ مئات الملايين من الدولارات، وفوقها دعم قد تكون وراءه أطرافٌ إقليمية، تتبنى دفعها.

[8]  جاوان محمد عطا،مصدر سابق، ص58، نقلاً عن: مازن جبور، تقييم حالة الحراك الروسي في الازمة السورية، دمشق: مركز دمشق للابحاث والدراسات، ص2.

[9] جاوان محمد عطا، مصدر سابق، ص57 وما بعدها.

[10] تطورات الموقف التركي في سوريا، موسوعة الجزيرة، 21/1/2018، http://www.aljazeera.net.

[11] الدور التركي في الأزمة السورية، محمد زاهد جول، موقع آراءء حول الخليج، العدد 98،. http://araa.sa

[12]  إسرائيل والأزمة السورية، د.صبحي عسيلة، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، http://acpss.ahram.org.eg/News، 5/1/2017؛ نقلاً عن صحيفة معاريف الإسرائيلية.

[13] الدور الإسرائيلي في الأزمة السورية، إحسان مرتضى، موقع الجيش اللبناني،قضايا إقليمية، العدد 337، تموز 2013، www.lebarmy.gov.lb.

[14] أبدت إسرائيل رغبتها في توجيه مزيد من الضغط على النظام السوري لأسباب، من بينها: استضافته لأجنحة سياسية للمقاومة، ينظر:  لماذا غيرت إسرائيل موقفها من سوريا، الجزيرة نت، 20/6/2012، http://www.aljazeera.net .

زر الذهاب إلى الأعلى