كتبمراجعات

مفهوم المؤسسية

يعتبر مفهوم المؤسسية من المفاهيم ذات الطابع الشبكي، التي تتداخل مع جملة من الحزم المفاهيمية، تتعلق بالوسائل والآليات والتفعيل، وتصب في مفاهيم أعلى ترتبط بقيم الاستخلاف والعمران والعدل والشرعية. هذه المنظومة المتلاصقة لمفهوم المؤسسية تشير إلى خريطة من الأسئلة تتعلق بكيفية التحقيق والإنجاز، مسار التنفيذ، أدواته، نسق قيمه السارية، كيفية التقييم، والقياس.

هذا الطابع الشبكي يشير إلى دواعي التعاطي والبناء للمفهوم علي صعيدين:

  • الصعيد النظري والمعرفي: يتعلق بجملة الأسئلة التي تطرحها شبكة المفهوم، واتساع مداخل التناول المتعلقة به من مجالات تخصص مختلفة، تتكامل فيما بينها في طرح رؤية متكاملة للمفهوم وأدوات تفعيله علي المستويات الأكاديمية، والتشغيل علي مستوى الحركة والممارسة. كما أن التناول الغربي للمفهوم في الآونة الأخيرة شهد تطورًا على صعيد ما سمي بالمدخل المؤسسي في العلوم الاجتماعية منذ الثمانينيات، للدرجة التي سمحت بظهور كتابات تتعامل مع ذلك المدخل أو الاقتراب كنظرية مستقلة تمر بمرحلة مراجعة وحاجة للربط بين روافدها المتنوعة. هذا التطور لم يشهد تناولًا واضحًا على صعيد الكتابات والأدبيات العربية، التي ارتكزت على تناول ونقد ما قدمه صموئيل هانتجتون فقط، على الرغم من أنه يشكل أحد روافد النظرية المؤسسية، أو تناول المفهوم في ضوء مجال إدارة الأعمال، إلا أن هذا لا ينفي وجود العديد من الكتابات والإسهامات التي تركز على واقع ومشكلات المؤسسات في العالم العربي والإسلامي وأسباب هذا الواقع.
  • الصعيد التطبيقي والعملي: يرتبط بجملة المشاكل التي تعاني منها النظم والمؤسسات في العالم العربي والإسلامي، وضرورة تشغيل المفهوم ودلالاته النظرية على صعيد تلك الأبنية والمؤسسات، أو إيجاد أبنية ونظم بديلة تعكس التمايز الخاص بتلك المجتمعات.

استنادًا إلى ذلك.. فالورقة المقدمة تمثل محاولة للتعاطي مع مفهوم المؤسسية في ضوء جملة من العناصر والمفاصل الرئيسية دون تفصيلاتها، ومن ثم فمحاولة بناء المفهوم المقدمة هي محاولة مبتسرة تتطلب المزيد من التفصيل على صعيد المداخل محل التناول والرؤى المقارنة.

ويتم الطرح في ضوء ثلاثة عناصر رئيسية هي:

    • تسكين المفهوم في ضوء مداخل التناول المختلفة: يتضمن ذلك توصيف المفهوم والرؤية الشبكية المفاهيمية الخاصة به، ثم رؤية مفصلية موجزة لمداخل تناوله في مجالات التخصص المختلفة.
    • المفهوم بين الرؤية الغربية والإسلامية.
  • المدخل المقاصدي: تم تطبيق عدد من العناصر التي تتضمنها العشرية المقاصدية، تمثلت في المجالات الحضارية والعمرانية لتشغيل المفهوم، منظومة العلاقات والقيم السارية، الأولويات المؤسسية، الوسائل، المآلات، ومدخل سد الذرائع.

أولًا: تسكين المفهوم في ضوء مداخل التناول المختلفة

يدخل مفهوم المؤسسية في جملة المفاهيم المتعلقة “بالوسائل والآليات”، و”العمليات”. فالمفهوم “عملية” تتمثل في تحول القواعد الرسمية وغير الرسمية إلى محددات للفكر والسلوك والحركة في ضوء تفاعل حزمة من المفاهيم. وتتجسد تلك العمليات في أبنية وهياكل تجد تجلياتها الواقعية في مفهوم “المؤسسة” على تنوع تجلياتها المادية – بدءًا من الفرد – التنظيمات الاجتماعية المختلفة، وصولًا إلى المؤسات السياسية والدولية.

ومن ثم فالمفهوم يدور وسط حزمة من المفاهيم تتداخل فيها مجالات التخصص، والتناول بين علوم الإدارة، الاقتصاد، السياسة، الاجتماع، وعلم النفس، وهو ما يمكن الإشارة إليه في ضوء الآتي:

  • وفي محاولة استكشاف الأدبيات المختلفة التي تناولت المفهوم، نجد العديد من المداخل، البعض منها يركز على الأبنية والهياكل من حيث التصنيف وتحديد جملة الحقوق والواجبات المرتبطة بها كما في حال المدخل (الإداري القانوني)([1])، أو التركيز على آليات التفاعل الداخلي وما يرتبط بها من مفاهيم تتعلق بالتخطيط، الاستراتيجية، قياس الكفاءة والفاعلية، ثقافة المؤسسة، القيادة، الهياكل التنظيمية والإدارية، الموارد البشرية… إلخ في ضوء (المدخل الإداري)([2])، إلا أن ذلك المدخل شهد تداخلًا مع علم الاجتماع والنفس، خاصة فيما يتعلق بمفاهيم القيادة، وكيفية التعامل مع الموارد البشرية، وثقافة المؤسسة، في إطار ما يعرف بسوسيولوجيا العمل والتنظيم، هذا بالإضافة إلى إسهامات المدرسة البنائية الوظيفية في ذلك المجال([3]). من ناحية أخرى (فالمدخل الاقتصادي) ركز على المؤسسة باعتبارها وسيلة وأداه للنشاط الاقتصادي([4]).

أما بالنسبة للاهتمام بدراسة المؤسسات في مجال العلوم السياسية؛ فقد شهدت تطورًا بدءًا من ظهور مدرسة “المؤسسية القديمة” Old Institutionalism في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، التي ركزت على دور الأطر الرسمية والإدارية لمؤسسات الدولة الحديثة في التأثير على السلوك السياسي، وقد شهدت هذه المدرسة تداخلًا بين العلوم القانونية والإدارية، إلا أن معظم إسهاماتها تميزت بطبيعة وصفية للهياكل والمؤسسات الحكومية للدولة([5]). وقد امتدت إسهامات هذه المدرسة لمجال العلاقات الدولية مع الحديث عن دور المؤسسات الدولية في حفظ الأمن والسلم الدولي، وهو ما شكل الإطار النظري لنشأة عصبة الأمم([6]). وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية تراجع الاهتمام بدور المؤسسات وبدء التركيز على الجوانب غير الرسمية والتوزيع غير الرسمي للقوة في المجتمع، وذلك من خلال التركيز على سلوك الفرد دون المؤسسة، في إطار سيادة المدرسة “السلوكية” التي نظرت للمؤسسات باعتبارها بمثابة صدفة خالية empty shell يقوم الأفراد بشغلها عن طريق أدوارهم المختلفة، ومن ثم فالتفسير السياسي يخضع لحسابات الأفراد ومصالحهم، أكثر من القيود التي تفرضها الواجبات والالتزامات([7]).

ومع مطلع الثمانينيات عاد الحديث مرة أخرى عن أهمية الدور الذي تلعبه المؤسسات كعامل تفسيري للظواهر السياسية وهو ما تمثل في ظهور “المؤسسية الجديدة” New Institutionalism، والتي ارتبط ظهورها بأكثر من دافع يتعلق بسياقات الواقع والتي تمثلت في:

    • تجدد الاهتمام بدراسة الدولة في إطار المدرسة التي سميت بـstatism
    • الاستجابات المختلفة التي قدمتها الدول في التعامل مع التحديات والأزمات الاقتصادية خلال الـ 70 و80، والتي لعبت المؤسسات دورًا كبيرًا فيها.
  • مراجعة السياسات العامة للدول الكبرى خلال الـ80، وما تطلّبته من الحديث حول إعادة البناء المؤسسي، وأثر ذلك على دور الدولة وإصلاح القطاع العام([8]).

وقد قدمت المؤسسية الجديدة أو ما يسمى أيضًا بالنظرية المؤسسية Institutional theory عددًا من الروافد المختلفة التي تتداخل مع علم الاجتماع والاقتصاد والقانون والإدارة معًا.

ففي إطار النظرية المؤسسية توجد 4 اقترابات مختلفة هي:

    • المؤسسية الاجتماعية Sociological Institutionalism ، أو ما يعرف بالاقتراب الثقافي لدراسة المؤسسات.
    • Rational Choice Institutionalism ، أو نموذج الاختيار الرشيد في دراسة المؤسسات.
    • المؤسسية التاريخية Historical Institutionalism.
  • المؤسسية الأمبريقية Empirical Institutionalism ، والتي تطورت من التركيز على الجدال حول الفرق بين مزايا النظم الرئيسية والبرلمانية، إلى التعامل مع المؤسسات بصورة عامة كحلقة وصل بين متطلبات المجتمع وقدرة النظام السياسي على الاستمرارية والتطور، وذلك في ضوء الإسهامات التي قدمها صموئيل هانتجتون([9]).

وعلى صعيد العلاقات الدولية عاد الاهتمام مرة أخرى بدور المؤسسات، سواء من خلال إسهامات المدرسة الليبرالية الجديدة واقتراب الاقتصاد السياسي خلال فترة السبعينيات، أو في ضوء مراجعة حالة علم العلاقات الدولية مع نهاية الحرب الباردة، وإعادة الحديث حول التداخل بين الأبعاد الداخلية والخارجية للسياسة الدولية([10]).

ومن ثم هناك اقترابات ومجالات تناول مختلفة لدراسة مفهوم المؤسسية، يمكن إجمالها في الآتي:

ثانيًا: المؤسسية رؤية مقارنة بين المنظور الغربي والمنظور الإسلامي

 أولاً: المنظور الغربي:

بالنظر الى جملة التعريفات التي تتناول مفهوم المؤسسية من رؤى وكتابات غربية، يمكن إجمال أكثر من عنصر:

    • مجموعة القواعد الرسمية وغير الرسمية، التي تحدد السلوك الإنساني وسلوك المنظمات والمنشأت داخل المجتمع([11]).
    • هذه القواعد من شأنها ضمان استمرارية وصلابة النظام المجتمعي.
    • تتكون المؤسسة من جماعة من الأفراد – البنى (الرسمية وغير الرسمية)، الإجراءات؛ لتحقيق هدف معين.
  • النظر للمؤسسات باعتبارها وسيلة لإدارة الصراع داخل المجتمع.

    • نشأة المؤسسة:
    • ارتبط بمرحلتين رئيسيتين: المرحلة الأولى ترتبط بإشباع الحاجات الضرورية عند الإنسان، والمرحلة الثانية تتعلق بتقسيم العمل ونشأة الدولة بمؤسساتها([12]).
    • أنماط النشأة:
    • نشأة سلمية، بحكم حاجة المجتمع وتطورة.
    • عن طريق الثورة، على المؤسسات القائمة، واستبدالها بمؤسسات جديدة.
  • التخطيط المدروس لتجديد المؤسسات، وإنشاء مؤسسات جديدة([13]).
    • ارتباط مفهوم المؤسسية بمفهوم الاستقرار والاستمرارية والاستقلال المؤسسي، وفي هذا السياق تأتي إسهامات صموئيل هانتجون، الذي يحدد أن مستوى التطور المؤسسي يعتمد على أربعة معايير هي:
    • التكيف: يتحدد وفقًا لطول عمر المؤسسة، تغير القيادة فيها بما يسمح بإدخال عناصر ودماء جديدة، تغير الوظائف لتتكيف مع البيئة.
    • التعقيد:- تعدد المؤسسات والبنى الفرعية، الأهداف، الأدوار، والوظائف.
    • الاستقلال: عدم خضوع المؤسسة لتأثيرات أي جماعة خارجية تؤثر على أدائها لعملها.
  • التماسك المؤسسي:- يرتبط بالقدرة على حل الخلافات، طبيعة الخلافات وأسلوب إدارتها، وولاء الأعضاء للمؤسسة.

وفي السياق نفسه يطرح (بريبنتي)  عناصر تتفق في العديد من جوانبها مع ما يقدمه هانتجتون؛ حيث يتحدث الأول عن الاستقلال المؤسسي، الاستقبال وإعادة التركيب، وكلاهما يرتبط بفكرة (التكيف)، الاتفاق، والكفاءة الداخلية، والتي ترتبط بفكرة التماسك المؤسسي. لكن (بريبنتي) يطرح فكرة تحقيق (التوازن) بين أهداف المؤسسة الخاصة والمصالح العامة، على أن تنجح المؤسسة في التكيف مع البيئة بما يمكنها من تحقيق أهدافها المستقلة. كذلك يطرح فكرة (التوافق وعدم التوافق) و(الأدوار)، ويشير إلى التوافق بين ما تقوم به المؤسسة على أرض الواقع وبين أهدافها المعلنة، وبين ما يقوم به الأفراد داخلة وبين الأدوار المحددة لهم سلفًا([14]).

على صعيد أخر نجد (ماري دوجلاس) و(روبرت هيوارد)، يتحدثان حول فكرة تقريب الفجوة بين المصالح الخاصة للأفراد ومصالح المؤسسة العامة (ثنائية الخاص والمؤسسة)([15]).

ثانيًا: المؤسسية فى المنظور الإسلامى :

يتحرك مفهوم الموسسية فى الرؤية الإسلامية فى ظل نسق قيمى ومرجعى، يرتبط بالرؤية الخاصة بدور الإنسان فى الأرض، والمرتكزة إلى (العبادة والاستخلاف/ العمران) :

  • القرآن كمدخل للتحليل:

يمكن استخراج عدد من الدلالات المرتبطة بمفوم المؤسسية من قوله تعالى: { لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا ۚ لمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ ۚ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ۗ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) } ([16])

فالنص القرآنى يطرح أكثر من أمر :

    • تنوع وعموم أشكال التأسيس، حيث لم يرد تحديد معين للبنيان، فالبنيان هنا قد يرتبط بنفس الفرد وبنيتها، وصولًا لمؤسسات الدولة على تنوعها، كما ان إحدى الدلالات اللغوية لفظة “أسس” تشير إلى (قلب الإنسان)؛ مما يفتح المجال أمام رؤية أرحب لأشكال التأسيس، تأخذ فى مركزها صلاح الفرد وبنيانه، دون أن تتعامل معه بشكل جزئي يفصل تفاعلاته الحياتية والإنسانية عن مثيلتها في الأطر المؤسسية المختلفة، وفى ذلك قول الرسول (ص): “… ألا وإن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب”.
    • معيار التقييم والتميز بين المؤسسات يستند إلى مقصدها وبواعثها، حتى وإن تشابهت الهياكل والبنى، فمسجد (ضرار) كان متكامل الأركان كمسجد للصلاة، إلا أن باعث إنشائه كان التفرقة بين المسلمين.
    • ربط التأسيس بقيمة “التقوى”، وهو ما يشير إلى الإطار القيمي لعملية البناء المؤسسي، فالتقوى ترجمة لمنظومة القيم التي منبعها الايمان والتوحيد، على صعيد الفعل والحركة والممارسة.
  • {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} استخدام الأفعال المضارعة ولفظ الطهارة ذاته، يشير إلى أكثر من دلالة تتعلق بمفاهيم التنمية البشرية المستدامة، التجديد، التطوير، والتقويم، وهى كلها من العناصر المطلوبة لضمان فاعلية الفرد الذى يحرك المؤسسة، من ناحية أخرى فهو يرتبط بمنظومة القيم المضادة للفساد المؤسسي.
  • نشأة المؤسسات تدخل فى إطار فرض الكفاية، كما أن الرؤية الإسلامية تعطي اهتمامًا للمؤسسات غير الرسمية، باعتبارها إشارة على جامعية/ فاعلية/ مسئولية الأمة، و تتحدد نشأة المؤسسة بدورها في تحقيق المقاصد الخمسة للشريعة، والمتمثلة في حفظ الدين، العقل، النسل، النفس، المال.

–  المؤسسات كأبنية ووسائل ترجى لضمان فعل الاستخلاف والعمران، ويرتبط ذلك بنظرة للعلاقات الإنسانية تقوم على مفهوم (التدافع): { وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ }([17]).

 

– غياب التنافى بين المصالح الفردية الخاصة والمصالح المؤسسية؛ حيث يتم النظر إليهما فى ضوء خط واصل يرتبط بالعبادة والعمران والمسئولية الدينية والدنيوية.

– التكامل المؤسسي؛ بحيث يرتبط مفهوم الاستقلال فى تصوراته بإجراءات وآليات التنظيم الداخلي، وليس تنازع الأهداف بين مصلحة مؤسسة ما ومصالح مؤسسات المجتمع الأخرى؛ بل يتم النظر إلى مؤسسات المجتمع ككل متناغم، وذلك فى قول رسول (ص): “مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.

  • استمرار وبقاء المؤسسة يرتبط بالمقصد والوظيفة التي تقوم بها، ومن ثم بانتهاء الوظيفة ينتهى دور المؤسسة. ([18])

رؤية مقارنة بين المنظور الغربي والمنظور الإسلامي

وجه المقارنة المنظور الغربي المنظور الإسلامي
رؤية العالم

(سياق / بيئة التفاعل )

تقوم على الصراع والتوزيع غير المتساوي للقوة. رؤية تجمع بين الصراع والتعاون، وتقوم على مفهوم التدافع.
الهدف من وجود المؤسسة إدارة الصراع (حلقة وصل بين المدخلات والمخرجات أو المطالب والنظام السياسى) تحقيق العمران والاستخلاف .
منظومة العلاقات

ثنائية الخاص والمؤسسة

ثناية المؤسسي والمجتمعي (العام).

التكافل والاتصال بين الفرد والمؤسسة، وبين المؤسسة وبقية المؤسسات الأخرى.
معيار التقييم الفاعلية والإنجاز وفقًا للأهداف المحددة، والتي ترتبط بالقدرة على تحقيق التكيف مع الأطر الثقافية والاجتماعية والاقتصادية . الفاعلية والإنجاز في ضوء تحقق مقاصد الشريعة.
استمرارية المؤسسة ترتبط بالتكيف والاستقلال المؤسسي والتعقيد الوظيفي. ترتبط بأداء الوظيفة المبتغاة في ظل تكافل مؤسسات المجتمع.
البنى والمكونات – تنوع المؤسسات (سياسية- اقتصادية- قانونية…)

– النظر للثقافة باعتبارها مؤسسة في ذاتها.

– الجمع بين المكونات المادية والبشرية كمدخل في ظل نظرة جزئية للإنسان تركز على سلوكه داخل المؤسسة دون النظر بشكل أرحب لتفاعلاته المجتمعية.

– عموم البنى والأشكال (الفرد- الأسرة- المؤسسات السياسية/الاقتصادية..)

–       الجمع بين المكونات المادية والبشرية مع إيجاد نظرة شاملة ومتصلة للتفاعلات البشرية في دوائرها المؤسسية والمجتمعية المختلفة.

ثالثا :- المدخل المقاصدى في بناء مفهوم المؤسسية

  • المجلات الحضارية والعمرانية لتشغيل المفهوم :

وهى مجالات خمس تتمثل في :

مؤسسات حفظ الدين مثل : دار الافتاء، مدارس التعليم الدينية – المساجد…

مؤسسات حفظ النفس: وتنقسم إلى نوعين: النوع الأول يرتبط بترقية النفس وتهذيبها وحمايتها؛ مثل مؤسسات التعليم، المسجد، الإعلام، القضاء… والنوع الآخر يتداخل مع مؤسسات حفظ النسل؛ مثل مؤسسات الصحة وحماية البيئة.

مؤسسات حفظ العقل: مثل التعليم، الإعلام…

مؤسسات حفظ المال: المؤسسات والهيئات الاقتصادية؛ كالبنوك …

  • منظومة العلاقات والقيم السارية :

3– الأولويات المؤسسية :

ترتبط بتقسيم المؤسسات إلى :

المؤسسات الضرورية: كالتعليم- الصحة- الصناعات الغذائية والزراعية.

المؤسسات الحاجية: المؤسسات الإعلامية، مؤسسات الاتصالات، وتكنولوجيا المعلومات.

المؤسسات التحسينية: كالمؤسسات التي تتولى رعاية الشباب والرياضة – السياحة ..

4– الوسائل :

ترتبط بـ:

    • أدوات الإنتاج ( وفقًا لوظيفة المؤسسة )
    • اللوائح والاجراءات المنظمة ( الأطر الرسمية والتفاعلات غير الرسمية داخل المؤسسة )
    • الموارد البشرية ( الكفاءات – عملية مستمرة تنظر في المنظومة القيمة والتعليمية )
    • الأبنية والهياكل .
  • الموارد المادية والمالية.

5- المآلات ومدخل سد الذرائع :

تقييم المؤسسة وتحديد دورها ووظائفها يرتبط بالمقصد المبتغى من ورائها، والمآل أو الأثر والنتيجة المترتبة على ممارستها لدورها، ومن ثم فإن تقييم ذلك الأثر يرتبط بمدخل سد الذرائع، بمعنى النظر إلى ما إذا كان وجود هذه المؤسسة يستجلب مصلحة (حفظ إيجابي) أو يدفع مفسدة (حفظ سلبي). الحكم على مآل الفعل لا يتوقف عند مرحلة التأسيس؛ بل هو عملية مستمرة تنظر في نتاج المؤسسة طوال فترة بقائها.

ومن ثم فإن ذلك المدخل يرتكز إلى ثلاثة عناصر هي:

    • ربط مقصد (باعث) المؤسسة بمآلها.
    • أن يقع المآل في إطار مفهوم الحفظ، بجانبه السلبي أو الايجابي.
  • النظر إلى عملية التقييم كعملية مستمرة لا تقتصر على مرحلة التأسيس ([19]).

([1]) انظر تصنيفات التعامل مع المؤسسات باعتبارها مؤسسات عامة ومؤسسات خاصة من موجب هذا المدخل في: ناهد محمود عرنوس، “المؤسسية في النظام السياسي الإسلامي”، رسالة ماجيستير، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 1993، صـ38.

([2]) انظر التعريفات المختلفة للمؤسسة من منظور مدخل العملية الإدارية والمتمثلة في:

“مجموعة أنشطة تهدف إلى تحقيق هدف معين”، “أنماط عامة ومجموعة من الأنشطة والترتيبات والإجراءات الرسمية وغير الرسمية”، “مجموعة من الأنشطة التي تعنى بتوجيه الجهود البشرية لتحقيق مجموعة من الأهداف وفق أسلوب أو أساليب تشبع غايات محددة من تحقيق هذه الأهداف بكفاءة وفاعلية”، إنشاء وإرساء إجراءات متفق عليها ولابد من اتباعها في استخدام الأجهزة وأداوات الإنتاج بواسطة الأفراد العاملين بها”، مذكور بالمرجع السابق، صـ39.

أيضًا انظر تعريف المؤسسة على أنها “نظام اجتماعي نسبي، وإطار تنسيقي عقلاني بين أنشطة مجموعة من الناس تربطهم علاقات مترابطة ومتداخلة يتجهون نحو تحقيق أهداف مشتركة وتنتظم علاقاتهم بهيكلية محددة في وحدات إدارية وطيفية ذات خطوط محددة السلطة والمسئوولية”، في: محمد أكرم العدلوني، “العمل المؤسسي”، بيروت، دار ابن حزم، 2002، صـ14.

([3])  انظر الاسهامات المختلفة للبنائية الوظيفية فيما يتعلق بدراسة (المؤسسة) في: بلقاسم سلاطينة، إسماعيل قبرة، “التنظيم الحديث للمؤسسة التصور والمفهوم”، الجزائر، دار الفجر، 2008.

([4]) انظر تفاصيل الرؤية الاقتصادية في النظر للمؤسسات كأداة اقتصادية أو كنسق مفتوح لتبادل المواد الخام والمنتجات مع البيئة في: بلقاسم سلاطينة، اسماعيل قيرة، المرجع السابق صـ27 – 31.

أيضا في إطار المقارنة بين دراسة النظم الدستورية وعلم السياسية والاجتماع للمؤسسات انظر: طارق البشري، “مدخل النظر في النظم السياسية”، القاهرة، دار الشروق، 2007، ص 38.

(5) Stephan Bell, “Institutionalism old and New”, available on: http://espace.library.uq.edu.au/eserv/UQ:9699/Institutionalism, pdf.

([6])  Christer Jönsson and Jonas Tallberg, “Institutional theory in International Relations”, available on:

http://www.uni-muenster.de/Politikwissenschaft/Doppeldiplom/docs/IIR.pdf

((7) G. David Garson, 6/4/08, ” Institutional Theory”, available on: http://faculty.chass.ncsu.edu/garson/PA765/institutionalism.htm. (3)

([8])  Stephan Bell, “Institutionalism old and New”, OP.Cit.

([9]) في إطار تفاصيل الاقترابات المتنوعة داخل المؤسسية الجديدة وأهم مقولات كل اقتراب وأوجه الاختلاف والتشابه بينهم انظر:

Guy peter, “Institutional Theory: Problems and prospects”, Reihe Politikwissenschaft, Political Science Series 69 ,available on:- www.ihs.ac.at/publications/pol/pw_69.pdf, see also: Seven Steinmo,”The New Institutionalism”, in Barry Clark and Joe Foweraker (eds.), London,The Encyclopedia of Democratic Thought, July 2001, pp. 1-5.

([10])  Christer Jönsson and Jonas Tallberg,Op.Cit.

([11])  Burki, Shaheed Javed and Guillermo E.perry, ” beyond the Washington consensus: Institutions Matter”, New York, world Bank, 1998, p11 .

([12]) الحديث حول المرحلة الثانية ارتبط بإسهامات (ماكس فيبر) حول البيروقراطية، و(كارل ماركس) التي ارتكزت إلى التقسيم الطبقي للمجتمع، و(دركهايم) عن تقسيم العمل.

([13]) ناهد محمود عرنوس، “مرجع سابق”، صـ 47 – 49.

([14]) المرجع السابق، صـ 54 – 57.

([15]) المرجع السابق، صـ 75، صـ78.

([16]) سورة التوبة الآية 108 -109.

([17]) سورة البقرة الآية 251.

([18]) فى تفاصيل مفهوم المؤسسية في الرؤية الإسلامية انظر: سيف الدين عبد الفتاح، “التجديد السياسي والخبرة الإسلامية نظرة فى الواقع العربي المعاصر”، رسالة دكتوراة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 1987، ص327، 337. انظر أيضًا: نصر محمد عارف، “نظريات التنمية السياسية: دراسة نقدية مقارنة في ضوء المنظور الحضاري الإسلامي، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، هيرندن، فيرجينيا، الولايات المتحدة الأمريكية، 1993، ص353 -365، وانظر أيضًا: ناهد محمد عرنوس، مرجع سابق، ص96 -150.

[19] انظر: سيف الدين عبد الفتاح، مرجع سابق، ص339 – 340.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى