إقليميتقدير موقف

النفوذ الإماراتي في اليمن: حدوده وأهدافه

المقدمة:   

لم تكن الأهداف الإماراتية من المشاركة في التحالف العربي في اليمن واضحة المعالم، إلا بالقدر المعلن منها، وكانت كل المؤشرات المقترنة بالحملة العسكرية التي بدأت في السادس والعشرين من آذار/مارس عام 2015م توحي بأن الهدف الرئيس من الحملة ليس فقط عودة الشرعية والحيلولة دون الانهيار الكامل للبلاد وسقوطها بيد الحوثيين وحليفهم صالح، بل كذلك في رأي البعض يتمثل في تأسيس توازن قوى سياسي وعسكري جديد في الشرق الأوسط، ومنع إيران من التدخل في شؤون جيرانها، في ضوء التصريحات العدائية التي أطلقها القادة السياسيون والعسكريون الإيرانيون في المرحلة الزمنية السابقة لعاصفة الحزم، والتي تتمثل في الامتداد الإيراني في المناطق العربية[1] باعتباره جزءاً من مشروعها التوسعي.

إلا أن تسارع الأحداث وتطوراتها وتعقيداتها أثبت أن للإمارات دوراً لا يصب في تحقيق هذا الهدف المعلن، بل أظهرت الوقائع على الأرض أن الدور الإماراتي في اليمن شهد تصاعداً تدريجياً باتجاه استثمار وجوده العسكري مع القوات اليمنية الموالية له في تحقيق أهداف مغايرة تماماً عن تلكم الأهداف المستهدفة أساساً من الحملة العسكرية، وفي ضوء ذلك يحاول هذا التقدير الوقوف عند تجليات الدور الإماراتي في اليمن، وبيان أهدافه الحقيقية في سياق مظاهره السافرة التي أضحت واضحة للعيان داخل اليمن وخارجها، وقراءة مساراته في أطرها الإقليمية والدولية الفاعلة في الداخل اليمني، ومدى تأثيره على بنية التحالف العربي، خاصة مع ظهور متغيرات مؤثرة على المشهد السياسي ليس فقط في سياقه اليمني بل كذلك في سياقه الإقليمي والدولي، ذلك أن الصراع في اليمن منذ بدايته تجاوز أبعاده المحلية إلى قسيماتها الإقليمية والدولية[2]، وهو الذي أشار إليه المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، حيث أكد على أن هناك أطرافاً إقليمية تسعى إلى استغلال اليمن ومحاولة بسط نفوذها الإقليمي في المنطقة[3].

 تسارع الأحداث وتطوراتها وتعقيداتها أثبت أن للإمارات دوراً لا يصب في تحقيق هذا الهدف المعلن، بل أظهرت الوقائع على الأرض أن الدور الإماراتي في اليمن شهد تصاعداً تدريجياً باتجاه استثمار وجوده العسكري مع القوات اليمنية الموالية له في تحقيق أهداف مغايرة تماماً عن تلكم الأهداف المستهدفة أساساً من الحملة العسكرية

الإمارات وشواهد الهيمنة:

جاءت مخرجات عاصفة الحزم عن تقاسم الأدوار بين ركني التحالف، المملكة العربية السعودية والإمارات، وقد أنيطت بالإمارات مسؤولية الإشراف على عدن وباقي المحافظات الجنوبية، بحكم مساهمتها العسكرية الأكبر في جانبها البري، وعلى خلاف ما قصده أرباب التحالف من أهداف في الظاهر، رسمت أبو ظبي لنفسها مساراً مغايراً لهم، خاصة مع احتفاظها بعلاقات مع علي عبدالله صالح ونجله الذي يقيم في أبو ظبي، وفي المقابل يستثني صالح الإمارات من عدائه ويمنع منافذه الإعلامية من مهاجمة الإمارات[4]، وعلى الأرض أفرزت المرحلة التي أعقبت تحرير عدن من أيدي الحوثيين ما يسمى باستراتيجية الهيمنة الإماراتية على الموقف في المناطق المحررة، وأقرب توصيف يسعها ما عبر عنه أحد خبراء التحليل الاستراتيجي بأنها “استراتيجية عسكرية أكثر عدوانية في جميع أنحاء الشرق الأوسط في محاولة للحد من الفوضى التي أطلقتها الثورات العربية”[5]، وقد تجلت تلكم الهيمنة باتخاذ الإمارات جملة من الإجراءات على الأرض، كلها تتناقض مع مساعي التحالف في إرجاع الشرعية إلى اليمن، أبرزها:

أولاً: التواجد العسكري الإماراتي بمختلف مظاهره في الجزر والموانئ الجنوبية، ومع تطورات الأحداث أضحت السواحل اليمنية، وبعض الجزر، على طول البحر العربي حتى سواحل حضرموت والمهرة، وخليج عدن، والبحر الأحمر، حتى ميناء المخا، تحت السيطرة والإشراف الفعلي للقوات الإمارتية، ولا تزال حتى اللحظة حيث توقفت العمليات العسكرية للتحالف، عند ميناء المخا منذ مطلع مايو/أيار 2017م، في ظل نفوذ غير متكافئ للقوات الأماراتية على حساب السلطة الشرعية للرئيس هادي[6].

ثانياً: تشكيل قوات موالية لها تكون أداة في بسط هيمنتها، وهي: قوات الحزام الأمني في عدن، وقوات النخبة في كل من شبوة وحضرموت، وقد مارست هذه القوات أنشطة تصب في مسار الهيمنة الإماراتية، ولعل أخطرها حادثة مطار عدن بين الحرس الرئاسي وقوات الحماية الأمنية لمطار عدن المدعومة من الإمارات[7]، هذا فضلاً عن دورها في تأجيل الحسم في معركة تعز ضد الحوثيين؛ لكون المقاومة المسلحة فيها ذات مرجعية إخوانية في أغلبها[8].

ثالثاً: استقطاب سياسيين ومعارضين للرئيس هادي وحكومته في كيفية إدارة شؤون البلاد، خاصة بعد إقالة خالد بحاح نائب الرئيس ورئيس الوزراء، وعزل محافظ عدن عيدروس الزبيدي، وهاني بن بريك وزير الدولة، وكلهم مقربون من الإمارات، وقد تبلور هذا الاستقطاب بتشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي في أيار/مايو عام 2017م؛ لإدارة شؤون المحافظات الجنوبية، في مسعى ظاهر كما يقول المراقبون لدعم الانفصال الجنوبي عن اليمن[9].

رابعاً: إقامة شبكة سجون ومعتقلات سرية في المناطق الجنوبية، وخاصة بعدن وحضرموت، وظيفتها الاعتقال والاحتجاز والتعذيب طالت كثيراً من أتباع حزب التجمع اليمني للإصلاح ذي التوجه الإخواني، وكذلك الشخصيات السلفية التي تتعاطف مع الإخوان، فضلاً عن غيرهم من المعارضين للسياسة الإماراتية في اليمن[10].

دوافع ومسوغات التواجد الإماراتي في اليمن:

الوقوف على الأهداف الحقيقية للتواجد الإماراتي في اليمن بعيداً عن الأهداف المعلنة للتحالف العربي ليس من السهولة بمكان، ولئن كان بالإمكان الوقوف على مظاهر الاستهداف بحكم شواهده في الأرض، فإن معرفة مكنوناته تحتاج إلى قراءات متشابكة تسع الدور الإماراتي ومجالات تحركها الجغرافي، والنظرُ في الخارطة الجغرافية للتحرك الإماراتي تثير كثيراً من الشكوك حول حقيقة دورها، وعلى الرغم من كون الإمارات في مسيرتها التاريخية كانت اهتماماتها في الإطار الخارجي تدور حول ممارسة الوساطة الإقليمية، والالتزام بالقضايا العربية والإسلامية، إلا أنها شهدت تغيراً كبيراً أضحت بموجبه دولة مساهمة، وليس فقط مستهلكة في نسيج البنيات الأمنية ليس في الخليج العربي فحسب، بل وعلى نطاق أوسع في منطقة الشرق الأوسط[11].

وعند تأمل التحرك الإماراتي في هذه المنطقة، فإنه يشمل بالإضافة إلى اليمن منطقة القرن الإفريقي الذي جاء التواجد الإماراتي فيه عقب التدخل في اليمن، وشهد جملة من الخطوات، منها: الاستثمار الكبير في دول المحيط الهندي مثل سيشل ومدغشقر وجزر القمر ومالديف وموريشيوس، حيث قامت بتطوير علاقاتها مع شرق أفريقيا خاصة في مجال الغاز الطبيعي والموانئ والأمن الغذائي، فحصلت هيئة موانئ دبي العالمية على حق إدارة ميناء بربرة لمدة 30 عاماً وتوسيعه كمركز نشاطات إقليمي، وأدى هذا التعاون التجاري إلى جر الإمارات لتعاون أمني مع عدد من دول القرن الأفريقي ومواجهة -وفق منظورها- مخاطر “التطرف الإسلامي” والفوضى، كما وسعت من دعمها وتدريبها لوحدات مكافحة الإرهاب والمخابرات وافتتحت مركز تدريب بالعاصمة مقديشو[12].

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق: كيف يسع دولة صغيرة بحجم الإمارات أن يكون لها مثل هذا الدور على حساب دول أخرى فاعلة على المستوى الدولي والإقليمي لولا وجود منظومة حاضنة محفزة؟

كيف يسع دولة صغيرة بحجم الإمارات أن يكون لها مثل هذا الدور على حساب دول أخرى فاعلة على المستوى الدولي والإقليمي لولا وجود منظومة حاضنة محفزة؟

    وهنا يعرض مستوى من التحليل الجامع بين البعدين العسكري والسياسي يقف عند محفزات الدور الإماراتي سواء في اليمن أو القرن الإفريقي، ليقرر بأن هذا الدور:

أولاً: يصب في سياق التعاون العسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية، حتى أن الواشنطن بوست وصفت الإمارات في أحد تقاريرها بأنها: “إسبرطة الصغيرة“، في إشارة إلى الدور العسكري الذي باتت تضطلع به، ليكون أحد وجوه العلاقة التي وصفتها بأنها أقوى علاقة تحتفظ بها الولايات المتحدة في المنطقة.

وثانياً: يستهدف إظهار القوة الإماراتية في مناطق تواجدها، ويدل على هذا ما قام به الإماراتيون من تحركات في القرن الإفريقي وشرق إفريقيا ومنطقة المحيط الهندي، قاصدة في كل هذا استثمار مخزونها المالي وتنميته، وبناء قوتها الذاتية وتأمين تحركاتها الخارجية، وفي سياق أكثر أهمية في مرحلتها الراهنة مواجهة ما تسميه بالإرهاب والتطرف الإسلامي[13]، وهذا المدخل فيما يبدو هو المنفذ الرئيس الذي استثمره الإماراتيون في إقناع الإدارة الأمريكية بأن يكونوا الشريك المناسب لمكافحة الإرهاب في أماكن التواجد الإماراتي، وما يؤكد ذلك أن موقع “تاكتيكال ريبورت” المختص في الشؤون الدفاعيّة وشؤون الشرق الأوسط، نشر تقريراً قال فيه إن وليّ عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان كشف أمام قادة عسكريين إماراتيين رغبته في تعزيز دور البحرية في “حماية وتأمين ساحل اليمن”، وذلك في خطوة تأتي ضمن خطة “الرجل القوي” الاستراتيجية لتوسيع الانتشار العسكري في مضيق هرمز وباب المندب حتى سواحل القرن الأفريقي، ووفق الموقع الاستخباري، فإن ابن زايد على اتصال دائم بوزارة الدفاع الأميركية لدراسة توسيع دور البحرية، الذي بدأ بالفعل بإنشاء قواعد عسكرية في كل من اليمن وإريتريا وجبيوتي والصومال، إضافة إلى استئجار عدد من الموانئ، لاستخدامها للتصدير والاستيراد، أو حتى تعطيلها[14].

ويثار في هذا الإطار تساؤل إشكالي حول الدور الإماراتي ومسار التغير الذي تلبس به في المرحلة الراهنة بخلاف مظهره السابق الذي عرف به، والإمارات لا تختلف عن مكونات المنظومة الخليجية الأخرى تحاول أن تستقطب رضى الدول الكبرى في الولايات المتحدة وأوربا، بل ترى فيها الولايات المتحدة شريكاً أساسياً لا يقل أهمية على أرض الواقع عن السعودية، خاصة وأن الإمارات تأخذ المنحى العلماني البعيد عن القيود الدينية في تعاملاتها وقوانينها وتجاراتها، وحتى في كتبها التعليمية، وتطبقه في قوانينها وتدرسه في مدارسها، لذا يرى الغرب إجمالاً بأن التعاطي مع الإمارات أضمن وأكثر سلاسة، لذا فالضغط على الإمارات سيقابله ضغط أمريكي على السعودية التي تتحاشى التوتر في العلاقات مع أمريكا خصوصاً بعد إقرار قانون “جاستا”، العصا التى تهدد فيها أمريكا حكام السعودية بين الحين والآخر، وبعد التلميحات الأمريكية للسعودية بدعم الإرهاب وأن الفكر الوهابي هو منشأ الجماعات المتطرفة والإرهابية.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن للإمارات العربية أهمية اقتصادية كبرى كونها واجهة بحرية تستقطب موانىء مهمة كميناء جبل علي وميناء زايد وغيرها، فهي بوابة ترانزيت مهمة للكثير من دول العالم، كما أن مطار دبي يعد من أكبر مطارات العالم، ما يعني أن للإمارات ثقلاً اقتصادياً كبيراً بغض النظر عن مخزونها الاستراتيجي من النفط، ثقل يعطيها غطاء يمنع المضايقات السعودية، على الرغم من أن الخلاف بين الدولتين قائم منذ اتحاد الإمارات السبع التي تشكل دولة الإمارات وخلافها مع السعودية على ترسيم الحدود منذ سبعينات القرن الماضي[15].

هذه الأسباب وغيرها تشكل مظلة للإمارات تحميها من الحصار كما يحصل مع قطر، وقد استفادت الإمارات من هذه المظلة ونقلت نشاطها إلى خارج حدودها فكان لها أدوار رئيسة في العديد من الانقلابات والأحداث العسكرية، التي تحمل بمعظمها طابعاً اقتصادياً إلى جانب سعيها في مسلك الزعامة الخليجية شيئاً فشيئاً، وهي لم تستثن من نشاطاتها حتى إسرائيل في أكثر من محطة، والشواهد كثيرة[16] [17].

وفي سياقها اليمني الذي أضحى بطبيعة الحال مقدمة لهذه التحركات، تطرح جملة من الرؤى بحثاً عن مسوغات ودوافع نفوذها وهيمنتها في اليمن ومحيطها الخارجي الموازي لها، وشواهد الهيمنة تفتح المجال على مصراعيه للحديث عن أهدافها واستراتيجتها، وهنا يمكن الإشارة إلى ثلاثة أهداف رئيسة تتداخل وتتشابك أبعادها[18]:

الأول: في البعد السياسي، يؤمن امتدادها وتحركها داخل اليمن ومحيطها الخارجي نجاح حملتها السافرة في القضاء على فكر الإخوان وأجنحته السياسية بمختلف صورها ومظاهرها، وفي اليمن تحديداً حزب التجمع اليمني للإصلاح، بل والقضاء على التيارات الإسلامية المتعاطفة معه، كما هو الحال بالنسبة لجمعيتي الإحسان والحكمة وجناحيهما السياسيين، واستقطاب تيارات سلفية مغايرة ذات مرجعية مدخلية  كما هو الحال في تيار هاني بن بريك في عدن، ونجاحها في حملتها ضد “الإرهاب الإسلامي” -وفق منظورها- لا شك يجعلها مقربة من منظومتها الحاضنة الولايات المتحدة الأمريكية ومرضية عندها، هذا من جهة ومن جهة أخرى إضعاف السلطة الشرعية وإسقاط هيبتها، والحيلولة دون الحفاظ على مقومات الوحدة، والدفع باتجاه الانفصال في سياق الدعم والتحريض، كما تجلى ذلك في دعم السياسيين المعارضين للرئيس هادي، ودعم المجلس الانتقالي الجنوبي، وساعدها في ذلك النقمة الشديدة لدى الجنوبيين في المراحل الزمنية السابقة لأزمة الصراع.

الثاني: في البعد الجيواقتصادي، ينظر الإماراتيون إلى سواحل البحر العربي وموانئه وبخاصة عدن نظرة طامعة كما يصفها البعض، باعتبارها امتداداً طبيعياً للمرافق الساحلية لدبي، وهو ما سوف يمنحهم سهولة الوصول إلى المحيط الهندي، وبديلاً لمضيق هرمز الذي تتشاركه هي ودول الخليج الأخرى بصعوبة مع إيران[19]، خاصة وأن للإمارات تجربة فاشلة في إدارة ميناء عدن بعد إلغاء الرئيس هادي اتفاقيات عامي 2007م و2008م المبرمة مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وأما سواحل البحر الأحمر وخاصة في باب المندب والجزر القريبة منه، فإن الهيمنة الإماراتية تضمن لها تحكماً في حركة السفن التجارية مع حلفائها الدوليين والإقليميين، فضلاً عن تحكمها في ستة قطاعات نفطية بحرية، ثلاثة قبالة سواحل البحر الأحمر، وثلاثة في خليج عدن.

ثالثاً: في البعد العسكري، وبالنظر إلى البعد الجغرافي للتحرك الإماراتي، نقف على ثلاثة محاور:

الأول: من جهة باب المندب بجهتيه الإفريقية والآسيوية، فمن الجهة الإفريقية سعت الإمارات إلى تطوير علاقة عسكرية أوثق مع مصر والسودان للسعى لبناء قواعد عسكرية قريبة من الدولتين وكانت البداية مع بناء قاعدة عسكرية في إريتريا هي قاعدة عصب، وقد نجحت الإمارات في توقيع عقد إيجار للاستخدام العسكري لمدة 30عامًا، مع مدرج بطول 3500 متر، يمكن لطائرات النقل الكبيرة الهبوط عليه، وهو ما ساعد في تحول هذه المنطقة إلى قاعدة عمليات رئيسة للقوات الإماراتية المشاركة في الحرب اليمنية، وأما من الجهة الآسيوية، فقد حولت الإمارات جزيرة ميون الواقعة في قلب باب المندب إلى قاعدة عسكرية دون علم الحكومة اليمنية الشرعية، وقامت ببناء مدرج للطائرات بطول 3200م، والمحور الثاني: بلدة “ذو باب” القريبة من باب المندب حولها الإماراتيون إلى قاعدة عسكرية يتحكمون فيها بالكامل، وهجروا جميع سكان البلدة، والمحور الثالث: ميناء المخا حيث حوله الإماراتيون إلى قاعدة عسكرية لهم، ووضعوا فيها نحو أربعمئة من قواتهم ومنعوا اليمنيين من الاقتراب منها، وأصبح الميناء حكراً عليهم تصل إليه سفنهم الحربية وإمداداتهم العسكرية[20]، بالإضافة إلى السيطرة العسكرية المباشرة من خلال أذرعها الحزام الأمني وقوات النخبة في كل من عدن وشبوة وحضرموت، وهذا التواجد العسكري للإمارات في محاوره المختلفة كما يرى الكثير من المحللين والمراقبين لا يمكن توجيهه إلا في سياق أخذ الوكالة الأمريكية، ولعب دور صناعة الملوك في نزاعات المنطقة الإقليمية[21].

النفوذ الإماراتي وحسابات الأقلمة:

لا يخفى على أحد أن ما تقوم به الإمارات من دور في اليمن ومحيطها الخارجي، لا يمكن أن يكون بعيداً عن الحسابات الإقليمية، وعلى رغم المحددات التي أشرنا إليها في توجيه الدور الإماراتي في اليمن والقرن الإفريقي، إلا أنها بالضرورة ستكون متأثرة ومؤثرة في ذات الوقت في الدائرة الإقليمية، وعند النظر إلى منطقة الشرق الأوسط، وإذا استثنينا مصر التي أضحت تتماهى مع صناع القرار الإماراتي، وتركيا التي خشيت من التمدد الإيراني في المنطقة في كل من العراق وسوريا واليمن، بالإضافة إلى إنشغالها بحماية أمنها القومي على حدودها، لم يجعل لها كما هو ظاهر اهتماماً كبيراً بالأزمة اليمنية إلا بالقدر الذي يفضي إلى حل الأزمة في سياقها السياسي وليس في غيره[22]، فلا يتبقى من الفواعل في هذا السياق سوى المملكة العربية السعودية وإيران.

أما بالنسبة للمملكة، فإن للمتغيرات ببعديها الداخلي والإقليمي دوراً على صناع القرار السعودي في التقارب مع الرؤية الإماراتية في سياقها اليمني، أو على الأقل غض الظرف عن مساراتها في العمق وتحديداً في المناطق الجنوبية، وقد رأى بعض المراقبين المختصين أن الذي جعل المملكة تتغاضى عن الدور الإماراتي في اليمن، أمران: الأول: على مستوى الأزمة اليمنية نجد الانشغال الكبير للمملكة بحماية حدودها الجنوبية من الهجمات الحوثية[23]، والثاني: اجتماع الرؤى حول الأزمة القطرية، خاصة وأن التناغم ما بين محمد بن سلمان ومحمد بن زايد في توجهاتهما في السياسات الخارجية للبلدين، كما هو الشأن في الأزمة الخليجية والموقف من ثورات الربيع العربي، بل وكذلك في المرحلة الراهنة في المواقف من الحركات الإسلامية، يساعد على تجاوز الخلافات فيما بينهما حول اليمن ومآلات أزمته، بل قد تفضي إلى توحيد المواقف حول مستقبل الرئيس هادي وشرعيته[24]، ولا شك أن إقامته بالرياض تجعل رئاسته فاقدة لكثير من صلاحياتها ومقوماتها.

وبالنسبة لإيران، فلا يخفى أن الهدف المعلن من التحالف العربي في اليمن، هو تحجيم الدور الإيراني فيه؛ باعتباره خطراً على الأمن الخليجي برمته، ولكن مع تطورات الأزمة في اليمن، أبرزت المواقف الإماراتية تناقضاً تجاه إيران، بصورة لا يمكن توجيهها وتأطيرها إلا في إطار السياسات النفعية بين البلدين، ولا توجد كلمة أصدق في ظننا من عنوان المقال الذي نشره موقع المساء برس في توصيف الإمارات وإيران في اليمن: “الإمارات تتبادل تجارياً مع إيران، وتحاربها في اليمن”[25]، وما يلزم بيانه في هذا الإطار أن الدور الإيراني في اليمن، لا يقرأ بنفس السياق الذي عليه قسيمه في العراق وسوريا، فإيران في الأخيرتين سياقها سياق وجود، بخلاف إيران في اليمن، فإن سياقها سياق نفوذ يسع المخالفين، وعند النظر إلى مستوى الدعم الإيراني في اليمن لا يرقى إلى مستواه في العراق وسوريا[26]، وبحكم التغاير الذي أبدته الإمارات في مواقفها تجاه الأزمة اليمنية وإبرازها لحملتها في محاربة الإرهاب الإسلامي على حساب إرجاع الشرعية، كما أن مناطق نفوذها في المناطق الجنوبية بعيداً عن الشمال، كل هذا يخفف من المواجهة الإماراتية مع إيران في السياق اليمني.

الخاتمة:

بالنظر إلى كون اليمن ذا طبيعة جغرافية مختلفة عن غيرها من البلدان، فإن لهذا أثره في أي تواجد أو تدخل أو هيمنة في عمقه، ولن يستطيع أن يحقق مقاصده وأهدافه إلا بالقدر الذي تسمح به مصالحه الذاتية، بل وكذلك في سياق المكاسب النسبية المشتركة، خاصة وأن الدلائل التاريخية تشير إلى أن أي تدخل عسكري مباشر حدث في اليمن، فإن مآله الضعف والتآكل والخروج، والأنموذج البريطاني والمصري من التدخلات، لم تكن مآلاته ذات جدوى، وما ينطلق على النماذج التاريخية بموجب القراءة السنية، ينطبق كذلك على الأنموذج الإماراتي، وإلا فإن الإمارات فيما يظهر لنا يبقى استمرار نفوذها في اليمن مرهوناً بالإبقاء على مهمة الدور بالوكالة من منظومتها الحاضنة الولايات المتحدة، واستقطاب النخب السياسية والعسكرية النافذة في البلاد المفضي إلى إضعاف دور الشرعية، خاصة وأن استمرار الحوثيين في الهيمنة على الشمال، ونجاح الحراك الجنوبي وأمثاله في استقطاب الجنوبيين لتحقيق مقاصدهم في الانفصال، يساعد كثيراً في جعل الدور الإماراتي يحقق أهدافه، ولا شك أن اليمن فيها الكثير من مؤهلات التفكك التي برزت في مرحلة ما بعد الوحدة عام 1990م، وإلا فإنه يستلزم منه لمواجهة هذا النفوذ وإضعاف تأثيره في عمقه الداخلي القضاء على الأسباب الجالبة لكل نوع من أنواع النفوذ سواء الإماراتي أو الإيراني … إلخ، وتفعيل العوامل الحافظة للحمة الداخلية باستيعاب مكوناته، وكذلك استقطاب تأييد دولي وإقليمي يتعامل معه على أنه يمن واحد بغض النظر عن شكل نظامه السياسي، وإلا فإنه مرشح ليس فقط إلى يمنين بل أكثر بحكم عوامل قابلية التفتيت.


[1] غسان شبانة، عملية عاصفة الحزم: الأهداف والمخاطر، مركز الجزيرة للدراسات: https://goo.gl/LFg3Tj، 22/4/2015م.

[2] محمد فوزي حسن، تطورات الأزمة اليمنية، القاهرة، دورية آفاق عربية، الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، العدد الأول، مارس 2017م، ص130.

[3] أنور الخطيب، ولد الشيخ: أطراف إقليمية تستغل اليمن لبسط نفوذها في المنطقة، العربي الجديد: https://goo.gl/Vk5XCt، 14/5/2017م.

[4] طه حسين، الإمارات في اليمن .. أهداف اقتصادية بغطاء عسكري، الشرق: https://goo.gl/6Ysfjf، 30/7/2017م.

[5] علي الذهب، دوافع الدور الإماراتي في الحرب اليمنية ومخاطره، مركز الجزيرة للدراسات: https://goo.gl/Vpxzph، 10/7/2017م.

[6] المرجع السابق.

[7] مستقبل التطورات في عدن وتداعياتها على عاصفة الحزم وأمن المملكة، وحدة الرصد والتحليل، مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات: https://goo.gl/psGWkY، 12/5/2017م.

[8] معركة تعز تحيي خلاف الإمارات والإصلاح، العربي الجديد: https://goo.gl/6B5QWH، 25/11/2017م.

[9] ميساء شجاع الدين، الإمارات في اليمن والأدوار المثيرة للجدل، السفير العربي: https://goo.gl/st2yQi، 25/5/2016م.

[10] اليمن: الإمارات تدعم قوات محلية ترتكب انتهاكات، هيومان رايتس ووتش:  https://goo.gl/rJ8ati، 22/6/2017م.

[11] كريستيان كوتس أولريخسن: الإمارات العربية: تحولات القوة والدور، مركز الجزيرة للدراسات: https://goo.gl/HnSeDC، 8/6/2017م.

[12] إبراهيم درويش، تقرير إعلامي أمريكي: الإمارات تجمع بين القوة الناعمة والقوة العسكرية للتأثير على منطقة غرب قناة السويس، القدس العربي: https://goo.gl/2MXgis، 5/9/2016م.

[13] المرجع السابق.

[14] رنا حربي، الإمارات في اليمن: لنا الجزر والموانئ .. ولكم الخراب والسجون، موقع الأخبار: https://goo.gl/droxji، 26/7/2017م.

[15] سيطرت السعودية على ساحل بطول حوالي 50 كم يفصل بين قطر والإمارات بعد اتفاقية جدة عام 1974م.

[16] أبرزها فشل الانقلاب التركي، إسقاط الرئيس مرسي، النفوذ في اليمن الذي نستعرضه هنا، استقطاب ولاءات قبلية شمال سلطنة عمان، القرن الإفريقي، وأخيراً فلسطين.

[17] الإمارات وسياسة اللعب بالنار ما وراء الحدود، الوقت: https://goo.gl/tdAfqu، 18/8/2017م.

[18] الإمارات تطوق باب المندب ب 3 قواعد عسكرية لفرض هيمنتها على المنطقة، اليمن نت:  https://goo.gl/y62RCU، 8/7/2017م، الوصاية خطة الإمارات للسيطرة على اليمن وثرواته، برنامج: للقصة بقية، الجزيرة نت: https://goo.gl/8qkaya، 21/8/2017م، علي الذهب، دوافع الدور الإماراتي في الحرب اليمنية ومخاطره، مرجع سابق.

[19] بيل لو، ما الذي تفعله الإمارات في اليمن بالتحديد؟، نون بوست: https://goo.gl/XKaK81، 17/3/2016م.

[20] القواعد العسكرية الإماراتية: تحكم الخناق على باب المندب، نون بوست: https://goo.gl/DoBXAi، 17/7/2017م.

[21] Alexandre Mello and Michael Knights, West of Suez for The United Arab Emirates, The Washington Institute, https://goo.gl/TGFeXY, 2/9/2016.

[22] محمود سمير الرنتيسي، الموقف التركي من عاصفة الحزم .. الأسباب والتطورات، الجزيرة نت: https://goo.gl/HcSePZ، 30/3/2015م.

[23] انظر: ما قاله ياسين التميمي في برنامج: ما وراء الخبر: أطماع الإمارات في اليمن، قناة الجزيرة: https://goo.gl/HkNhxv، 16/7/2017م.

[24] كشفت دورية إنتلجنس أونلاين الفرنسية المختصة بشؤون الاستخبارات، عن مخطط سعودي إماراتي يسعى للإطاحة بالرئيس هادي، وجعل أحمد علي عبدالله صالح بديلاً عنه، وكجزء من الإجراءات على الأرض أشارت الدورية إلى أن اللواء أحمد عسيري نائب رئيس المخابرات العامة السعودية سافر إلى أبو ظبي في 27/6/2017م لمقابلة أحمد علي صالح، وإن كانت التصريحات الرسمية قد نفت ذلك قطعياً، ويبقى الخبر في دائرته، ومآله مرتبط بالواقع على الأرض. انظر: دورية فرنسية: مخطط سعودي إماراتي للإطاحة بهادي، الجزيرة نت: https://goo.gl/SDxQSZ، 8/7/2017م، وانظر أيضاً:

Abo Dhabi tries to convince Riyadh to make up with Saleh clan, Intelligence Online: https://goo.gl/hbXAhR, 5/7/2017.

[25] الإمارات تتبادل تجارياً مع إيران وتحاربها في اليمن، المساء برس، https://goo.gl/3wPLW7، 22/4/2017م.

[26] اليمن: عام على عاصفة الحزم، تقدير موقف، التلفزيون العربي: https://goo.gl/re6jdt، 15/6/2016م.

زر الذهاب إلى الأعلى