ملفـاتوباء كورونا

يا أصحاب الأعمال والعقارات: أمهلوا المعسرين والمدينين

وأبشروا بظل الرحمن يوم القيامة

حالة الكساد التي دخلها الاقتصاد العالمي بسبب وباء كورونا بدأت تؤثر على كل البلاد، وأول من بدأ يتأثر بها الفقراء ومحدودو الدخل. في هذه الأيام العصيبة يفزع المؤمنون لنجدة المحتاجين والمعسرين. وأكثر ما يحتاجه هؤلاء مسكنهم وطعامهم.

نناشد كل من عنده سعة من أصحاب الأعمال أو العقارات المؤجرة أن يُسقطوا الديون أو الإيجارات عن المحتاجين من المستأجرين ولو لثلاثة أشهر، تعطي متنفسا لهؤلاء المعسرين حتى يأتي الله بفرج من عنده، والله تعالى في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومَن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته.

 

واعلم رحمك الله أن إمهالك للمعسر أو إبراءك له وإسقاطك الدين عنه من أفضل الصدقات، وقد قال الله تبارك وتعالى (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون)، فسمى إبراء المعسر والوضع عنه صدقة. قال ابن كثير في تفسيره: ثم يندب إلى الوضع عنه، ويعد على ذلك الخير والثواب الجزيل، فقال (وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون) أي: وأن تتركوا رأس المال بالكلية وتضعوه عن المدين.

 

وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم ورغب ترغيبا كثيرا جدا في فضل إنظار المعسر وثوابه عند الله تعالى، وها هنا خمسة أحاديث منها ليتأملها كل قادر على مد يد العون للمدينين والمعسرين:

 

الأول: عن أبي قتادة رضي الله عنه أنه طلب غريمًا له فتوارى عنه (أي كان هذا المدين يختبئ منه)، ثم وجده،

فقال: إني معسر،

قال أبو قتادة: آلله (يعني استحلفه بالله)،

قال: آلله،

قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من سرَّه أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه” (رواه مسلم).

 

الثاني: عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تلقت الملائكةُ روحَ رجلٍ ممن كان قبلكم (يعني قبل الإسلام)،

فقالوا: عملتَ من الخير شيئًا؟

قال: لا،

قالوا: تذكَّر،

قال: كنت أداين الناس فآمر فتياني أن يُنظِروا المعسر، ويتجوزوا عن الموسر،

قال الله تعالى: تجاوزوا عنه” (رواه البخاري ومسلم).

وللحديث روايات أخرى، منها في رواية لمسلم وابن ماجة عن حذيفة أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم: “أن رجلًا مات فدخل الجنة،

فقيل له: ما كنت تعمل؟

قال: فإما ذَكرَ وإما ذُكِّرَ،

فقال: كنت أبايع الناسَ، فكنت أُنظر المعسرَ، وأتجوز في السَّكة، أو في النقد فغفر له” (يعني كان يتسامح عند اقتضاء الدين، ويقبل ما فيه نقص). وفي رواية للبخاري ومسلم عنه أيضًا قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن رجلاً ممن كان قبلكم أتاه الملك ليقبض روحه،

فقال هل عملت من خير؟

قال: ما أعلم،

قيل له: انظر،

قال: ما أعلم شيئًا غير أني كنت أبايع الناس في الدنيا، فأُنظر الموسر، وأتجاوز عن المعسر، فأدخله الله الجنة”.

وفي رواية أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “حُوسب رجل ممن كان قبلكم، فلم يوجد له من الخير شيءٌ، إلا أنه كان يخالط الناس، وكان موسرًا، وكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر، قال الله تعالى: نحن أحق بذلك، تجاوزوا عنه” (رواه مسلم).

 

الثالث: وفيه قصة عجيبة مؤثرة عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحي من الأنصار قبل أن يهلكوا فكان أول من لقينا أبا اليسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم (وهو كعب بن عمرو الأنصاري) ومعه غلام له معه ضمامة من صحف وعلى أبي اليسر بردة ومعافري وعلى غلامه بردة ومعافري،

فقال له أبي: “يا عم إني أرى في وجهك سفعة من غضب”،

قال أبو اليسر: أجل كان لي على فلان بن فلان الحرامي مال فأتيت أهله فسلمت، فقلت: ثم هو؟ (يعني هل هو موجود بالبيت؟) قالوا: لا

فخرج علي ابن له جفر فقلت له: أين أبوك؟

قال الغلام: سمع صوتك فدخل أريكة أمي!

فقلت: أخرج إلي فقد علمت أين أنت

فخرج فقلت: ما حملك على أن اختبأت مني؟

قال: أنا والله أحدثك ثم لا أكذبك، خشيت والله أن أحدثك فأكذبك وأن أعدك فأخلفك وكنتَ صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنتُ والله معسراً

قال قلت: آلله

قال: الله، قلت: آلله، قال: الله قلت: آلله، قال الله (يعني استحلفه ثلاث مرات)

قال: فأتى بصحيفته فمحاها بيده (يعني ورقة الدَين الذي عليه)

فقال: إن وجدت قضاء فأقضني وإلا أنت في حِل.

فأشهد بصر عيني هاتين ووضع إصبعيه على عينيه وسمع أذني هاتين ووعاه قلبي هذا وأشار إلى مناط قلبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول من أنظر معسراً أو وضع عنه أظله الله في ظله. (رواه ابن حبان وابن ماجة والحاكم، وصححه الألباني).

 

الرابع: حديث عظيم الشأن أرجو أن نحفظه عن ظهر قلب، وفيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من نفَّس عن مسلم كُربةً من كُرب الدنيا، نفس الله عنه كُربةً من كُرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسر في الدنيا، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر على مسلمٍ في الدنيا ستر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه” (رواه مسلم).

 

الخامس: عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “أظل الله عبداً في ظله يوم لا ظل إلا ظله أنظر معسراً أو ترك لغارم” (رواه الإمام أحمد في المسند).

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى