اغتيال حسن نصر الله … في ضوء السنن الإلهية
أدى اغتيال زعيم حزب الله حسن نصر الله، إلى موجة حادة من الجدل السياسي والفكري والعقدي. وبصرف النظر عن القناعات الدينية أو السياسية؛ فإن حالة من الضيق والحزن أصابت جموعًا من المسلمين لرؤيتهم حالة النشوة والغطرسة التي ظهر بها قادة إسرائيل، وانتقالهم من مطالبهم إعادة المستوطنين إلى شمال فلسطين، إلى حديثهم عن آفاق تغيير واقع الشرق الأوسط برمته.
حالة الضيق والحزن كانت أيضًا، لظنهم أن مقتل الرجل، سيؤثر على المقاومة الفلسطينية، لأن الاشتباكات بين حزب الله وإسرائيل حتى في مستوياتها الدنيا من مناوشات محدودة، مثَّلت ضغطًا على إسرائيل، وإنهاكًا لها وبالتالي تخفيفًا عن جبهة غزة، ولشعورهم أن كل إسناد للمقاومة – مهما كانت نواياه ودوافعه – له تأثير وسط حالة الخذلان العربي المريرة.
زاوية أخرى يمكن النظر من خلالها إلى اغتيال حسن نصر الله، وهي السنن الإلهية التي تتجلَّى فيها أقدار الله. ومدخلنا في هذا هو اليقين أن كل هذه الأحداث وقعت وتقع وستقع بقدر الله تعالى، وتحت تدبيره وحكمته، سواء تجلَّت هذه الحكمة لنا أو خفيت عنا.
من المفيد أن نحاول “تلمس” هذه الحكمة لنهتدي بها في فهمنا، وبالتالي في تعاملنا مع هكذا أحداث.
إن سياق واقعة الاغتيال ربما تشير إلى طرف من حكمة الله تعالى في سنة التدافع، على النحو التالي:
- لا شكَّ أن قوة حزب الله وصدامه مع إسرائيل هو شيء إيجابي، بصرف النظر عن دوافعه ونواياه.
- حسن نصر الله ظل زعيمًا للحزب منذ عام ١٩٩٢، أي لأكثر من ثلاثين عامًا!
- إن طول أمد شخص في القيادة لعقود، من شأنه أن يُضعف قدراته وقيادته، وكانت لهذا علامات واضحة في حالة نصر الله:
- انطفأ وهج بلاغته وخطابه الذي تميز به قبل وأثناء حرب ٢٠٠٦م، وأصبح مؤخرًا خطابًا يدعو للملل، بل وإلى السخرية أحيانًا، وتحوَّلت عباراته الحاسمة والملهمة لأتباعه، إلى جمل باردة مكررة!
- قدرات نصر الله القيادية وجرأته على اتخاذ قرارات مهمة، ظهرت في انخراطه المبكر في الحياة السياسية في لبنان ودخول حزبه البرلمان، ورشاقة أفكاره خلال وبعد حرب ٢٠٠٦م. هذه القدرات تراجعت مع طول الأمد في الرئاسة، وانحدرت إلى مستنقع الخوض في دماء المسلمين في سوريا، وظهرت بوضوح علامات ترهلها وإعاقتها في الشهر الأخير قبل اغتياله. عندما بدأت إسرائيل تصعد من حملتها على حزب الله، فاغتالت رجله الثاني (فؤاد شكر) لم يفعل نصر الله شيئًا، وارتجفت يداه أن يتخذ أي قرار سوى انتظار الوقت والمكان المناسبين!
- تمادت إسرائيل واغتالت إسماعيل هنية في قلب طهران، ثم اغتالت عشرات أو مئات من مقاتلي حزب الله بتفجير أجهزة النداء والاتصال، فلم يفعل شيئًا. تمادت إسرائيل أكثر واغتالت عددًا من القادة الكبار (إبراهيم عقيل ورفاقه) فلم يفعل نصر الله شيئًا، وظهر في خطابه الأخير في صورة ضعيفة مرتبكة.
- بعد اغتيال نصر الله بساعات ظهرت عناوين ضخمة في المجتمع الإسرائيلي من قبيل “إسرائيل تنتصر”، “أمة متحدة لقيادة شرق أوسط جديد”، “ذراعنا ستضرب في أي مكان في العالم”… إلخ.
- تصور عدد كبير من الناس أن الحزب ذاب وانهار وانتهى، وأصبح في خبر كان.
- بعد ثلاثة أيام من اغتيال نصر الله ظهر أخيرًا نائبه السبعيني (نعيم قاسم)، فكان لافتًا أن الرجل – برغم بساطة وحتى سذاجة كلمته – ظهرت أفكاره مرتبة ورصينة. بعده، بدأنا نسمع عن مسئول إعلامي لحزب الله (محمد عفيف) تصدر منه بيانات متتالية، تميزت أيضًا بالسرعة والدقة، مقارنة ببيانات لا طعم لها ولا معنى كانت تصدر منذ ٧ أكتوبر.
- من المبكر الحكم على الاشتباكات البرية على الحدود اللبنانية، لكن الأخبار الأولية توحي بقدر من تماسك الحزب وفاعلية السيطرة والقيادة.
المقصود أن اغتيال نصر الله لعله – بعكس الظاهر – يزيد من صلابة الحزب وقدرته على المواجهة، بدفع دماء جديدة لصدر القيادة التي ترهلت وتيبست وأصبحت سببًا مباشرًا في ضعف الحزب. هذه القيادات الجديدة ربما تحاول سريعًا لملمة منظومتها، والتعلُّم من الاختراقات الفاضحة في صفوفها، وتكون ندًّا ينهك إسرائيل ويربك خططها، ويعيد حالة الانقسام المجتمعي الذي أخذ بشعبها منذ انطلاق طوفان الأقصى.
لقد حققت إسرائيل إنجازًا أمنيًّا كبيرًا باغتيال حسن نصر الله، لكنها ربما تدرك لاحقًا أنها كانت غلطة استراتيجية كبيرة، أن أزاحت عن رأس الحزب قيادة ضعيفة مرتبكة مخترقة، تمكنت في وجودها من النيل من الحزب بشكل سريع وموجع.