حرائق لوس أنجلوس بين الانحياز للاحتلال وتجليات الأقدار الإلهية
“أبواب الجحيم سوف تُفتح في الشرق الأوسط” بهذه الكلمات تحدث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب متوعدًا مقاومة غزة قبيل إتمام صفقة المفاوضات مع الاحتلال الصهيوني، إلا أن أبواب الجحيم الأرضي لم تلبث أن فُتحت داخل الولايات المتحدة، حيث اندلعت حرائق هائلة في لوس أنجلوس، وبلغت شدتها أن وصفها ترامب نفسه بأنها “أشبه بضربة نووية” لم تكن هذه الكلمات مجرد وصف لحدث بل انعكاس لمدى قوة تلك النيران، وما أحدثته من صدمة في الشارع الأمريكي.
وقد أدت هذه الحادثة إلى موجة من الجدل الحاد حول التوصيف الشرعي لهذه الحرائق، فبينما ذهب البعض إلى اعتبارها عقابًا إلهيًّا، رأى آخرون أنها جزء من سنن الله في الكون التي تعم الجميع، مؤكدين ضرورة الحذر من التسرع في إصدار الأحكام الشرعية حول هذه الحوادث.
لكن وبصرف النظر عن هذا الخلاف الشرعي حول توصيفها، فإن شعورًا بالراحة وجد طريقه إلى قلوب كثير من المسلمين وهم يشهدون الدولة التي لم تتوقف يومًا عن دعم الاحتلال بالأسلحة والقرارات السياسية المنحازة، تمر بهذه الكارثة وتلك الصدمة، فقد رأوا فيها مشهدًا من عدالة الله، فكان هذا ترجمة صادقة لشعور بالغبن ظل يتراكم نتيجة الانحياز الأمريكي السافر لجرائم الاحتلال.
الدور الأمريكي في دعم الاحتلال:
إن هذا الحادث من الصعب فصله عن السياق السياسي الأمريكي، فلطالما كانت السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط منحازة بشكل صارخ لصالح الاحتلال الإسرائيلي، منذ بداية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث قدمت الولايات المتحدة دعمًا ماليًّا وعسكريًّا مهولًا للاحتلال، وبصفقات تسليح تجاوزت قيمتها 3.8 مليار دولار سنويًّا وفق اتفاقية المساعدات العسكرية لعام 2016 في عهد باراك أوباما، كما تضاعف الانحياز الأمريكي لصالح الاحتلال خلال فترة رئاسة ترامب السابقة ، حيث اعترف ترامب رسميًّا بالقدس عاصمة لإسرائيل، ودعم ترامب بشكل علني التوسع الاستيطاني على أراضي الفلسطينيين.
حرائق لوس أنجلوس الكاشفة:
في خضم هذه السياسات الجائرة، أتت حرائق لوس أنجلوس لتظهر ضعف القوة البشرية أمام إرادة الله، فالتقارير تشير إلى أن الحرائق اشتعلت بفعل تراكم الحشائش التي نمت نتيجة أمطار غزيرة، لتصبح وقودًا يغذي النيران، وزادت الرياح العاتية الأمر سوءًا، إذ بلغت سرعتها مستويات قياسية، ويُرجّح أنها أشعلت النيران عندما مرت بشرارة من خطوط الكهرباء، وكأن هذه الرياح جاءت بأمر إلهي، تحمل رسالة ربانية إلى من كان لهم النصيب الأوفى في إراقة دماء أهل غزة بدعمهم آلة القتل والدمار الصهيونية!
ولعله من تصاريف الأقدار أن حاكم الولاية قرَّر مؤخرًا تخفيض ميزانية إدارة مكافحة الحرائق خلال الشتاء وذلك قبيل اندلاع الحرائق، على اعتبار أنه فصل لا يشهد الحرائق التي اعتاد اندلاعها في فصل الصيف، لتأتي تلك القارعة وتكشف قصر نظر الإدارة الأمريكية، ولتجد نفسها عاجزة عن احتواء الكارثة، مما اضطرها إلى إجلاء مئات الآلاف من السكان، في مشهد مقارب لما أصاب الفلسطينيين المحاصرين في غزة من المُهجَّرين بسبب العدوان الإسرائيلي المدعوم أمريكيًّا!
حين بكت هوليوود ولم تجد من يواسيها:
مشهد آخر يستحق التوقف عنده وسط هذه الحرائق، فبالأمس القريب، كان الممثل الأمريكي جيمس وودز يسخر من مأساة أهل غزة، داعيًا إلى استمرار العدوان وحرق المدينة الفلسطينية المنكوبة، متجاهلًا معاناة الأطفال والنساء والمظلومين تحت الحصار، ثم ظهر عقب الحرائق على الشاشات، عاجزًا باكيًا حزنًا على منزله في لوس أنجلوس، وقد التهمته ألسنة النيران في مشهد يحمل رسالة لكل شامت في معاناة الأبرياء بأنه قد يجد نفسه في ذات دائرة الألم، فيرى بعينه عاقبة ظلمه ودعمه للطغيان، لم يكن منزل وودز هو الوحيد الذي التهمته النيران من ممثلي هوليوود، وكأن هذه النيران جاءت لتكشف زيف تلك الصورة الأمريكية التي تنقلها عدسات هوليوود، والتي طالما صدَّروها للعالم، ولتُذكّر الجميع بأن القوة المادية مهما بلغت، تبقى عاجزة أمام قدرة الخالق، وقاهرية إرادته الغالبة.
إرادة الله غالبة:
في الختام، تتجلى مع هذه الحادثة حقيقة ثابتة، كشفتها هذه الحرائق وهي أن الولايات المتحدة وحكامها، والذين لا يرون إلا الجانب المادي حاكمًا للحياة قد تهاوت سرديتهم المادية، فإنهم ليسوا بمنأًى عن قدرة الله، وإرادته الغالبة على كل الأسباب المادية، وأنه ما من طغيان إلا ويعقبه خزي، وكما زادت الرياح من اشتعال النيران في لوس أنجلوس، وسط تحذيرات من رياح “عاتية” جديدة قد تعمَّق الكارثة، فإن هذه الحادثة الكاشفة، قد حملت رسالة ربانية لكل من توهَّم أنه يمسك بزمام الأرض، وظن أنه قادر عليها، لتذكره أن مقاليد الأمور بيد الله وحده سبحانه.