العلاقات الإسرائيلية الأمريكية: إلى أين؟

تناول كثير من المفكرين المسلمين والعرب طبيعة العلاقات الإسرائيلية الأمريكية، وقد تراوحت أفكارهم حول ثلاثة تصورات:
الأول: أنها علاقة وظيفية، تستخدم فيها الولايات المتحدة إسرائيل لتحقق مصالحها الاستراتيجية في المنطقة العربية وما حولها. وقد تبنى هذا الرأي الدكتور المسيري في موسوعته المتميزة عن الصهيونية، واعتبر إسرائيل مجرد حاملة طائرات أمريكية متقدمة.
الثاني: أن إسرائيل تمتلك عن طريق الجالية اليهودية الأمريكية نفوذًا وجماعات ضغط نافذة، توفر قواعد هذه العلاقة الاستثنائية.
أيديولوجية الاستيطان هي التي أسست فكرة “أميركا”، ومن بعدها “إسرائيل”، على أرضية بروتستانتية تقوم على: احتلال أرض الغير؛ واستبدال شعب بشعب؛ واستبدال تاريخ بتاريخ، وبالتالي فإن كلا منهما مشروع إبادة قائم بذاته.
الثالث: أن قيمًا عميقة راسخة تربط أمريكا وإسرائيل، وعلى رأسها أن كلًا منهما كيان استيطاني إمبريالي إحلالي توسعي يقوم على ثلاثية الصراع والنفي والإبادة، وتستتر بنفس الخلفيات الدينية والتاريخية، فأيديولوجية الاستيطان هي التي أسست فكرة “أميركا”، ومن بعدها “إسرائيل”، على أرضية بروتستانتية تقوم على: احتلال أرض الغير؛ واستبدال شعب بشعب؛ واستبدال تاريخ بتاريخ، وبالتالي فإن كلًا منهما مشروع إبادة قائم بذاته، يتجمل ببعض الأفكار البروتستانتية التي تروج للفكرة الصهيونية، وربط هجرة اليهود إلى فلسطين بنبوءات آخر الزمان وعودة المسيح ومعركة “أرمجدّون” الفاصلة، ويستعيرون كثيرًا من نصوص العهد القديم وسردياتها وأبطالها ورموزها وقيمها .. ووعودها الغيبية.
لكلِّ تصورٍ من هذه الثلاثة حججُه وشواهده من الماضي والحاضر، وقد تكون طبيعة وحقيقة العلاقة الأمريكية الإسرائيلية مزيجًا من هذه التصورات جميعًا. وفي كل الأحوال، فإنه يغيب عنا التصور الإسرائيلي الفكري لهذه العلاقة، ومن المفيد أن نرى كيف يفكر الإسرائيليون في أسس هذه العلاقة وعوامل قوتها وازدهارها أو ضعفها وانهيارها.
كتب شمعون شتاين[1]، الباحث بمعهد دراسات الأمن القومي دراسة تقدير موقف في يونيو 2025، تحت عنوان: (إسرائيل – الولايات المتحدة: من علاقات استثنائية إلى علاقات؟)، يطرح فيها تساؤلات مثيرة عن التغيرات الحادة التي وقعت في الشهور الأخيرة منذ تولي ترامب عهدته الرئاسية الثانية، وهل من المحتمل أن تعيد تشكيل طابع العلاقات الإسرائيلية – الأمريكية؟ ويتساءل أيضًا إن كان رصيد إسرائيل سيظل يتفوق على العبء الذي تشكله على الولايات المتحدة الأمريكية؟
يرى الكاتب أن الإجابة عن هذه التساؤلات المصيرية تتطلب استحضار عناصر هذه العلاقة الاستثنائية بما فيها الشراكات الاستراتيجية والتحالفات الأمنية، وكذلك الرابط العاطفي الذي يجمع بين المجتمع اليهودي الأمريكي وإسرائيل، وهي عناصر لم تعد بديهية كما كانت في الماضي. ويرفض شتاين قناعات بعض شرائح المجتمع الإسرائيلي التي يُريحها أن تستند إلى ما تراه بديهيات غير قابلة للنقاش، وأن هذه العلاقة المتينة الراسخة بين إسرائيل وأمريكا ستظل أبدًا كما كانت دائمًا!
يستدعي الكاتب اقتباسين يحذر بهما من هذه البديهيات المخدِّرة:
الأول: ما قاله رئيس وزراء بريطانيا في القرن التاسع عشر، اللورد بالمر ستون: “لا يوجد لبريطانيا أعداء دائمون ولا أصدقاء دائمون، لكن توجد مصالح دائمة وهذه تتغير بتغيّر الأوضاع”.
الاقتباس الثاني للكاتب الأمريكي إرنست همنجواي: “كيف تسير نحو الإفلاس؟ بطريقتين: بالتدريج، ثم فجأة”.
في جوهر هذا القول، تكمن الفرضية القائلة إنّ العمليات تحدث على مدى زمني طويل، ويمكن تتبّعها، أو من ناحية أُخرى، تجاهُلُها، لكن عندما تنضج هذه العمليات، تنتهي بما يبدو وكأنه حدث مفاجئ، وفقط في تلك اللحظة تُطرح الأسئلة بشأن أسبابه، وإن كان من الممكن منعه.
بنى الكاتب دراسته على تحديد الركائز أو الدعائم التي تقوم عليها هذه العلاقة، ثم النظر في كل واحدة منها لنفهم إلى أين تتجه هذه العلاقة المهمة أو الوجودية بالنسبة لإسرائيل.
يعتقد الكاتب أن كلًّا من القيادة السياسية وشرائح من الشعب الإسرائيلي يفترضون أن التحولات الجيوسياسية أو السياسية الداخلية لا تملك القدرة على تغيير طبيعة العلاقات بين أمريكا وإسرائيل، وهكذا، يمكن لإسرائيل أن تستمر في تحدّي الولايات المتحدة، بل وحتى الإضرار بمصالحها في الشرق الأوسط، من دون أن تتخلى الإدارة الأمريكية عن دعمها المبدئي لها!
على مدى أعوام طويلة، كان من الممكن دعم هذه التقديرات، ومع ذلك، يُطرح السؤال: هل ستتمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها في المستقبل إذا ما سعت لها بطريقة يمكن أن تمسّ بالأولويات الاستراتيجية للإدارة الأمريكية، ومن دون أن تُلحق الضرر بأساس العلاقات بين الدولتين؟
بنى الكاتب دراسته على تحديد الركائز أو الدعائم التي تقوم عليها هذه العلاقة، ثم النظر في كل واحدة منها لنفهم إلى أين تتجه هذه العلاقة المهمة أو الوجودية بالنسبة لإسرائيل.
يرى الكاتب أن العلاقة الأمريكية الإسرائيلية تقوم على ثلاث ركائز:
- الركيزة الأولى هي القيم المشتركة، وفهم الولايات المتحدة لذاتها كأمة ذات رسالة عالمية تسعى للخير، ويتجلّى ذلك، على سبيل المثال، في دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الأولى، كما قال الرئيس وودرو ويلسون، من أجل جعل العالم آمنًا للديمقراطية. ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وبصورة أوضح منذ نهاية الحرب الباردة، أصبحت الولايات المتحدة زعيمة العالم الغربي وقائدة للنظام الليبرالي/الرأسمالي، مسترشدة بمبادئ المحافظة على النظام الديمقراطي، وسيادة القانون، وحقوق الإنسان، وقد اعتُبرت إسرائيل دولة تستلهم قيمًا مشابهة لتلك التي توجه المجتمع الأمريكي الديمقراطي، وجزءًا من العالم الغربي، ومن هنا جاء الاستعداد الأمريكي لدعمها ومساندتها.
يسارع الكاتب إلى التشكيك بقوة في بقاء هذه الركيزة في عهدة ترامب الرئاسية الثانية، إذ تعبر إدارة ترامب عن توجه مختلف تمامًا عن ذلك الذي ساد في معظم الإدارات الأمريكية السابقة، وجوهر هذا التوجه الجديد هو التخلي عن النظام الليبرالي، وعدم الإيمان بقيم الديمقراطية (ويؤكد بعض أركان إدارته أن الليبرالية والديمقراطية لم ينص عليهما الدستور الأمريكي ولم يُذكرا في إعلان التحرير الأمريكي!). بالإضافة إلى التشكيك في أهمية التحالفات الدولية، ورفْع شعار أمريكا أولًا، (وفي الوقت ذاته رفع شعار ترامب أولًا!).
إلى جانب ذلك، أدخل ترامب تغييرات جوهرية في أداء الإدارة الأمريكية، تعكس سعيًا داخليًّا متعجلًا وحثيثًا لتقويض النظام الديمقراطي وتوجيهه نحو نظام سلطوي – شعبوي، وفي إسرائيل، يُلاحَظ مسارٌ مشابه لدى اليمين الحاكم يهدد بتقويض أسس الديمقراطية، في اتجاه مشابه لما يحدث في الولايات المتحدة.
بمعنى آخر: حدث تآكل في الأساس القيمي الليبرالي، الذي كان يُعتبر إحدى الركائز الأساسية في العلاقات بين الدولتين، ويُضاف إلى ذلك التآكل المتواصل في دعم إسرائيل داخل الحزب الديمقراطي، وتحوُّل الدعم الأمريكي لإسرائيل من قضية إجماعية إلى مسألة خلافية، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى السياسات الإسرائيلية التي تعكس انحيازًا إلى الحزب الجمهوري.
- الركيزة الثانية هي المصالح المشتركة، التي تشكّلت خلال فترة الحرب الباردة والصراع بين الكتلتين، وقد تميزت تلك المرحلة بتطابق في المصالح أمام عدو مشترك؛ الاتحاد السوفياتي وشركاؤه في الشرق الأوسط، الذين سعوا لتدمير إسرائيل.
وفي ذلك الوقت، نظرت الولايات المتحدة إلى إسرائيل كحليف في الجهد الإقليمي والعالمي لطرد نفوذ الاتحاد السوفياتي، ومع انتهاء الحرب الباردة وزوال التهديد السوفياتي، ظهر تهديد مشترك جديد: الإرهاب في الشرق الأوسط والإرهاب الدولي، وقد ظلت إسرائيل، التي كانت مصمّمة على محاربة الإرهاب، ذات صلة بالمصالح الأمريكية.
غير أن الدعم الإيراني لحماس، وحزب الله، وميليشيا الحوثي، وميليشيات أُخرى مدعومة من إيران، اعتُبر تهديدًا مباشرًا لإسرائيل، أكثر مما هو تهديد مباشر للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.
إن الغموض وعدم الوضوح الراهن بشأن الموقف الأمريكي من قضية تخصيب اليورانيوم، بالتوازي مع سعي ترامب لتعزيز صفقات اقتصادية وتكنولوجية وعسكرية من دون استخدام القوة، يُشكّل مصدر احتكاك مع إسرائيل.
ونفس الشيء فيما يتعلق بإيران، فإن التهديد يبدو على السطح مشتركًا، وإن كان محدودًا، ولكنه في حقيقته مختلف، فبينما ينظر كثيرون في إسرائيل إلى التهديد الإيراني على أنه تهديد وجودي، فإن الأمر مختلف في الولايات المتحدة، إذ ترى الولايات المتحدة في إيران تهديدًا لحلفائها في المنطقة، ومن هنا، تهديدًا غير مباشر لمصالحها.
والتهديدات الثلاثة التي تنبع من إيران تجاه إسرائيل: النووي، والصاروخي، والتخريبي، ويُعتبر الملف النووي هو الأهم بالنسبة إلى واشنطن، سواء من منظور منع انتشار السلاح النووي عمومًا، أو من ناحية تداعيات وجود سلاح نووي إيراني على المستوى الإقليمي.
إن الغموض وعدم الوضوح الراهن بشأن الموقف الأمريكي من قضية تخصيب اليورانيوم، بالتوازي مع سعي ترامب لتعزيز صفقات اقتصادية وتكنولوجية وعسكرية من دون استخدام القوة، يُشكّل مصدر احتكاك ممكن مع إسرائيل، التي تسعى إلى عرقلة المشروع النووي الإيراني بصورة كبيرة (إذ لا يمكن تدميره بالكامل).
وهناك محور خلاف إضافي يتمثَّل في القضية الفلسطينية، التي اكتسبت مؤخرًا بُعدًا جديدًا من الإلحاح في ظل الحرب في قطاع غزة وخطط الرئيس ترامب بعيدة المدى لإعادة تشكيل الشرق الأوسط على أساس علاقات محسّنة مع دول الخليج، لخدمة المصالح الاقتصادية لعائلته، كما تجلّى ذلك خلال زيارته للخليج في مايو 2025.
وتشكّل الحرب المستمرة في غزة، وخصوصًا قضية الأسرى الإسرائيليين المحتجَزين لدى حماس، عقبة أمام مساعي ترامب لتأسيس واقع جيوسياسي جديد في المنطقة، يتمثل في ائتلاف مؤيد لأمريكا، ويشكّل ثقلًا مضادًا لإيران وحلفائها، بما في ذلك روسيا والصين.
أحد الأهداف المرحلية لهذا المشروع هو تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، غير أن رفْض إسرائيل اتخاذ خطوات نحو تطبيق حل الدولتين يُعتبر العقبة الأساسية أمام تحقيق هذا الهدف، وبهذا المعنى، فإن إسرائيل، في الوقت الراهن، تعرقل مساعي ترامب لتوسيع دائرة “اتفاقيات أبراهام”، وقد عبّر ترامب عن ذلك بنفسه خلال زيارته إلى السعودية، حين أشار إلى أنه قرر تأجيل هذا الهدف في الوقت الحالي.
وعلاوة على ذلك، فإن المكانة المحورية للسعودية في سياسة ترامب في الشرق الأوسط يمكن أن تؤدي إلى تآكل مكانة إسرائيل بصفتها الحليف الأهم في المنطقة، وإذا تعمّدت إسرائيل إعاقته عن إنهاء الحروب، كوسيلة تسهّل عليه دفع الصفقات الاقتصادية، فربما يُقرر ببساطة تركها وشأنها. وأحد الاختبارات الحاسمة لأهمية إسرائيل الاستراتيجية في نظر الإدارة الأمريكية سيكون القرار الذي ستتخذه بشأن المساعدات الأمنية لإسرائيل في الأعوام القادمة.
- الركيزة الثالثة للعلاقات هي الجالية اليهودية في الولايات المتحدة، والتي يُنظر إليها كجسر بين المجتمعين والدولتين، غير أن هذه الركيزة أيضًا تشهد في الفترة الأخيرة تصدعات؛ إذ أثار تحوُّل “إسرائيل” إلى قضية خلافية بين الحزبين انقسامات داخل الجالية اليهودية نفسها، والتي مازالت أغلبيتها تصوّت لمصلحة الحزب الديمقراطي، على الرغم من مواقفه النقدية من سياسة إسرائيل فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. والجالية بِأَسْرِهَا تواجه اليوم ضرورة التصدي لتصاعد معاداة السامية منذ 7 أكتوبر واندلاع الحرب في قطاع غزة، في ظل اتجاه مقلق يتمثل في تزايد انكفاء الجيل الشاب في الجالية عن دعم إسرائيل.
خلاصة دراسة شتاين:
- الواقع الأمريكي الداخلي، والإقليمي، والعالمي يشهد في هذه الأيام تحوّلات دراماتيكية، فهل ستبقى العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة محصَّنة أمام هذه التحوّلات وتبعاتها المتعددة؟
وهل سيظلّ ما كان هو ما سيكون” (على الرغم من التعديلات الظرفية)؟
وهل ستظلّ قيمتها الاستراتيجية تفوق العبء الممكن الذي يمكن أن تُشكّله بالنسبة إلى الولايات المتحدة؟
- في الإجابة عن هذه الأسئلة، فإن التآكل الواضح في الركائز الثلاث للعلاقات الاستثنائية؛ أي القيم المشتركة، والمصالح المتبادلة، والاتجاهات السياسية داخل الجالية اليهودية الأمريكية – كلها لا تنبئ بخير.
تعقيب من “رؤيا” على سبيل الخاتمة:
- إن المنهج الذي اتبعه الكاتب في دراسته جيد وعملي، إذ ابتعد عن الخوض في “طبيعة” العلاقة الأمريكية الإسرائيلية، إلى تحديد دعائم متانتها، ثم أخذ يفحص ما تتعرض له هذه الدعائم من تصدعات ظاهرة بسبب التحولات السياسية والمجتمعية في الولايات المتحدة.
- الكاتب محقٌّ عندما تخوف من التغيرات السياسية الكبيرة التي أصابت ركيزة “القيم المشتركة” بتنكر الإدارة الأمريكية لقيم الليبرالية والديمقراطية، وإذا تسببت هذه التغيرات في حالة الجفوة (التي بلغت حد الازدراء والاستخفاف) في تعامل أمريكا مع أوروبا على النحو الذي نشهده، فلا شك أن هذا سيصيب إسرائيل في مرحلة ما.
الفارق الذي غفل عنه الكاتب، هو القاسم الديني المتطرف الذي يمثل قيما مشتركة حاليًا بين أمريكا وإسرائيل والتي في القلب منها تيار “ماجا” الذي يمثل النواة الصلبة لقاعدة ترامب الشعبية.
إن هوس شريحة كبيرة من هذا التيار بفكرة “إسرائيل” يبدو أكبر من التباعد القيمي السياسي الذي يخشاه الكاتب، خاصة وأن اليمين الإسرائيلي يتنكر أيضًا لقيم الليبرالية والديمقراطية ولا يبكي عليها بكل تأكيد.
- إن قول الكاتب: (ومع انتهاء الحرب الباردة وزوال التهديد السوفياتي، ظهر تهديد مشترك جديد: الإرهاب في الشرق الأوسط والإرهاب الدولي) مغاير للواقع، إذ قد تم عمدًا افتعال تهديد مشترك جديد وهو الإرهاب، وقد أصبح واضحًا الآن أن هذا التهديد المفتعل كان سببًا لإبقاء أهمية إسرائيل في الاستراتيجية الأمريكية، وأن الإلحاح الإسرائيلي على هذا المعنى من أول ضرب المفاعل النووي العراقي إلى التحريض على غزو أفغانستان ثم العراق، يصب كله في الحفاظ على وهج المصلحة الاستراتيجية المشتركة بين أمريكا وإسرائيل.
إن المشاهد البشعة التي يراها العالم كل يوم لما ترتكبه إسرائيل في غزة والضفة، سيبقى في الذاكرة الجمعية الشعبية في الغرب والشرق، لكن تأثيره الإضافي على اليهود في أمريكا سيثير فزعهم من احتمالات تحولهم لأقلية منبوذة.
وقد حاول الديمقراطيون في عهدة أوباما الثانية رسم استراتيجية جديدة بالتركيز على التهديد الصيني، لكن تم جرجرة الولايات المتحدة مرة بعد مرة للاشتغال بالشرق الأوسط.
- بالنسبة للركيزة الثالثة للعلاقات وهي الجالية اليهودية في الولايات المتحدة، فبالإضافة لما أشار إليه الكاتب من “تصدعات” في هذه الجالية المهمة ليس فقط لهذه العلاقة، بل لوجود إسرائيل، فإن مؤشرات كثيرة تدل على تراجع شرائح من هذه الجالية عن أي ارتباط في هويتها مع إسرائيل، وقد يبدو هذا تحولًا دراماتيكيًّا، لكن تاريخ هذه الجالية له سوابق أشد براجماتية.
فقد قررت الجالية اليهودية في أمريكا قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية الاصطفاف مع الحكومة الأمريكية آنذاك في رفض استقبال المهاجرين اليهود الفارين من تهديدات هتلر، وقد ظل آلاف المهاجرين اليهود على ظهر سفنهم الراسية أمام نيويورك، قبل أن ييأسوا من محاولات دخولهم للولايات المتحدة واضطرارهم للذهاب إلى أمريكا اللاتينية.
والمقصود أن الجالية اليهودية في أمريكا ستفضل في نهاية الأمر مصالحها على مصالح إسرائيل لو رأت ثمة تعارض بينهما (وللمزيد حول هذه النقطة: اقرأ تقرير “تسونامي معاداة اليهود في الغرب” على موقع رؤيا)[2].
إن المشاهد البشعة التي يراها العالم كل يوم لما ترتكبه إسرائيل في غزة والضفة، سيبقى في الذاكرة الجمعية الشعبية في الغرب والشرق، لكن تأثيره الإضافي على اليهود في أمريكا سيثير فزعهم من احتمالات تحولهم لأقلية منبوذة، وبالفعل قد سارع هذا في نأي الشباب اليهودي بنفسه عن ارتباط هويته بإسرائيل، وإذا كان هذا واضحًا إبان الاحتجاجات الجامعية في أمريكا في 2024، فإن ما يمكن رصده حاليًا على منصات التواصل الاجتماعي يؤكد هذا المنحنى وربما يظهر بصورة جلية في انتخابات التجديد النصفي في أمريكا في 2026.
[1] شمعون شتاين: باحث أول في معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، رأس السلك الدبلوماسي الإسرائيلي في ألمانيا من عام 2001 حتى 2007، وشغل مناصب مهمة في وزارة الخارجية الإسرائيلية، منها نائب مدير عام لشؤون رابطة الدول المستقلة وأوروبا الشرقية، ومدير قسم مراقبة انتشار الأسلحة والحد من التسلح. التحق بالخدمة الدبلوماسية عام 1974، وعمل في مراكز دبلوماسية في واشنطن وبون وبرلين، وشارك في مفاوضات التسلح متعددة الأطراف ومن ضمنها معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية.