السعودية تعلن حربا شاملة على أسواق النفط
أسواق النفط تخرج عن السيطرة
في إجراء صادم، قررت السعودية شن حرب شاملة على أسواق النفط العالمية على جبهتين: زيادة الإنتاج وتخفيض الأسعار. هذه الحرب المفتوحة ربما تدفع أسعار النفط إلى الهبوط الحاد وربما تصل إلى ٣٠ وحتى إلى ٢٠ دولارا فقط للبرميل خلال فترة قصيرة.
جاء القرار السعودي في أعقاب فشل اجتماع ٦ مارس ٢٠٢٠ لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وروسيا، شريكتها الرئيسة ضمن تحالف «أوبك +»، حيث أخفقوا في التوصل إلى اتفاق.وكانت أوبك قد اقترحت على روسيا خفضاً جماعياً إضافياً بـ 1.5 مليون برميل يومياً مع استمرار الخفض الحالي للإمدادات والبالغ 1.7 مليون برميل، بحيث لا يؤدي تفشي فيروس كورونا إلى تقويض ما تم التوصل إليه منذ 2017، من الحفاظ على أسعار مستقرة، في سوق يشهد أصلا فائضاً في الإنتاج.
وكانت أوبك قد اقترحت على روسيا خفضاً جماعياً إضافياً بـ 1.5 مليون برميل يومياً مع استمرار الخفض الحالي للإمدادات والبالغ 1.7 مليون برميل، بحيث لا يؤدي تفشي فيروس كورونا إلى تقويض ما تم التوصل إليه منذ 2017، من الحفاظ على أسعار مستقرة، في سوق يشهد أصلا فائضاً في الإنتاج.
رفضت روسيا الاقتراح، وفشل الاجتماع وبعده بساعات قليلة هبط سعر برميل برنت القياسي إلى 45 دولارا، وهو الأدنى منذ أربع سنوات. لكن الأسوأ جاء بعد ذلك سريعا، حيث هبطت أسعار النفط يومي ٨ و ٩ مارس بأكثر من ٣٢٪ وهو أكبر هبوط خلال يومين في تاريخ تصدير النفط، وهبط برميل برنت إلى أقل من ٣٥ دولارا.
نقلت رويترز وبلومبيرج عن مسئولين سعوديين عزم بلادهم زيادة إنتاجها من مستواه الحالي البالغ حوالي 9.7 مليون برميل في اليوم ، إلى ١١ مليون برميل أو أكثر (القدرة الإنتاجية السعودية تصل إلى ١٢ مليون برميل) مما يعني أن 1.3 مليون برميل يوميًا قد تغمر السوق في إبريل ٢٠٢٠، في الوقت الذي يتلقى الطلب على النفط ضربة كبيرة من التداعيات الاقتصادية لوباء فيروس كورونا العالمي.تسعى السعودية على ما يبدو في ظل هذه الانهيارات في أسواق النفط، إلى الحفاظ على حصتها السوقية بصرف النظر عن مستوى الأسعار! لذلك قررت خفضا حادا في أسعار البيع الرسمية (OSPs) لشهر أبريل،حيث تم تخفيض مستوى OSP لـ “أرامكو السعودية” من الدرجة العربية الخفيف بمقدار 6 دولارات للبرميل للعملاء الآسيويين
تسعى السعودية على ما يبدو في ظل هذه الانهيارات في أسواق النفط، إلى الحفاظ على حصتها السوقية بصرف النظر عن مستوى الأسعار! لذلك قررت خفضا حادا في أسعار البيع الرسمية (OSPs) لشهر أبريل،
(الذين يمثلون حوالي ٦٥٪ من صادرات المملكة)، وهو أكبر تخفيض شهري منذ أكثر من عقدين. قامت السعودية أيضا بتخفيض سعر OSP العربي الخفيف لشمال غرب أوروبا بمقدار 8 دولارات للبرميل، وحصلت الولايات المتحدة على تخفيض قدره 7 دولارات للبرميل لشهر إبريل أيضا.
لم يتأخر الرد الروسي على الإجراء السعودي، ففي مساء نفس اليوم ٨ مارس، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتحدٍ وإصرار أن أسعار النفط الحالية قابلة للاستمرار للاقتصاد الروسي، مضيفًا أن روسيا لديها الأدوات اللازمة للرد على أي نتائج سلبية لانتشار فيروس كورونا على المناخ المالي العالمي. وقال بوتين في اجتماع مع مسؤولي الطاقة الروس “أريد أن أؤكد أنه بالنسبة للميزانية الروسية واقتصادنا، فإن مستوى أسعار النفط الحالي مقبول”. ربما يكون الرد الروسي موجها أيضا إلى الولايات المتحدة مستهدفا منتجي الصخر الزيتي في الولايات المتحدة والرد على الولايات المتحدة لاستهداف خط أنابيب الغاز Nord Stream 2 الذي يربط بين روسيا وألمانيا.هذه الإجراءات كانت لها آثار وارتدادات فورية على أسواق المال العربية والعالمية، فهبطت الأسواق العربية بأكبر وتيرة يومية منذ الأزمة المالية العالمية عام ٢٠٠٨، وهبط سهم شركة أرامكو في السوق السعودية، إلى ما دون سعر الطرح، وهو 32 ريالاً سعوديا، لأول مرة منذ الإدراج.
إلى أين يمضي الاقتصاد السعودي؟
يرى مراقبون أن السعودية كانت مضطرة إلى اتخاذ “إجراء ما” بعد التعنت الروسي وفشل اجتماع أوبك وروسيا، وأن السعودية أرادت بخفض الأسعار وزيادة الإنتاج إرسال رسالة قوية لروسيا مفادها: إن تمديد وتوسيع القيود المفروضة على الإنتاج كانت فكرة جيدة، وكان من مصلحة جميع المنتجين الاستمرار في تماسكهم. الآن وقد تفكك تحالف أوبك بلس، وسرت موجات الهلع
هذه الإجراءات كانت لها آثار وارتدادات فورية على أسواق المال العربية والعالمية، فهبطت الأسواق العربية بأكبر وتيرة يومية منذ الأزمة المالية العالمية عام ٢٠٠٨، وهبط سهم شركة أرامكو في السوق السعودية، إلى ما دون سعر الطرح، وهو 32 ريالاً سعوديا، لأول مرة منذ الإدراج.
في أسواق النفط، تسعى كل دولة مصدرة منفردة إلى الاحتفاظ – على الأقل – بحصتها الحالية في السوق. الرد الروسي جعل الإجراء السعودي لا يمكن التراجع فيه – على المدى القصير على الأقل – وهو ما يعني خروج أسواق النفط عن السيطرة!
إذا رأت السعودية عدم قدرتها على تحمل ضغوط انهيار أسعار النفط (مصحوبة بضغوط سياسية من الغرب) فربما تحاول استرضاء الروس للعودة لاتفاق جديد للربع الثاني أو الثالث من هذا العام. أما إذا استمرت حرب الأسعار التي اشتعلت منذ يومين، فإن ثمن التراجع لاحقا سيكون أعلى وأكثر مرارة.
الآثار المباشرة المتوقعة:
أولا: على الاقتصاد السعودي، ستزداد معاناته الحالية وتزيد الشكوك القائمة حول “رؤية ٢٠٣٠”، فقد قدرت الحكومة السعودية في موازنتها لعام 2020، بإجمالي نفقات متوقعة تبلغ 1.02 تريليون ريال (272 مليار دولار)، أن تعاني من ارتفاع العجز وتراجع احتياطات الحكومة المالية. وكانت السعودية قد بررت ارتفاع العجز بتقلبات أسعار النفط وتقييد الإنتاج على تطبيق موازنة المملكة، واللتين تضافان إلى تباطؤ الاقتصاد العالمي، وكانت التقديرات المتشائمة أن يظل برميل النفط حول مستوى الـ ٦٠ دولارا. إن الهبوط الحاد الحالي لأسعار النفط واحتمال استمراره لأسابيع أو شهور، من شأنه أن يطيح بنسبة كبيرة (قد تصل إلى ٣٠ أو ٤٠٪) من الإيرادات النفطية التي بنيت عليها الموازنة.
ثانيا: بالنسبة لباقي الدول العربية المصدرة للنفط، ستمثل الأزمة الحالية ضغوطا أكبر عليها، وخاصة أنها لا تملك القدرة لرفع مستوى إنتاجها الحالي، وقد تكون هذه الضغوط مؤلمة أكثر بالنسبة للعراق وليبيا. لن يكون أمام هذه الدول – إزاء الإجراء السعودي – إلا التحرك على المدى القصير المتمثل في خفض الأسعار أيضا، والأمل في أن يقوم المستوردون بالفعل بشراء المزيد من النفط الخام، أو تبديل وتنويع مورديهم استجابةً للنفط الرخيص.
ثالثا: الأزمة تمثل أخبارا جيدة للمستهلكين، وخاصة شركات التكرير الآسيوية التي من المرجح أن تستفيد من التراجع الكبير في تكاليف الخام. من المتوقع أيضا في أجواء الهلع الحالية، أن تنخفض الأسعار الفورية بدرجة أكبر من الأسعار الآجلة، مما سيشجع على تخزين النفط!
إذا بدأ بالفعل تخزين صهاريج النفط قريبًا، ستكون الصين قادرة على زيادة مخزونها الاستراتيجي بشكل فعال أكثر من غيرها. لكن ستواجه الصين مشكلة سياسية أكبر، لأنها من المفترض أن تشتري كميات ضخمة من الخام الأمريكي كجزء من التعهدات في الهدنة التجارية الأخيرة بينها وبين الولايات المتحدة. ربما يعطيها تفشي فيروس كورونا مساحة للمناورة، ولكن من الصعب عليها الإخلال باتفاقها مع الولايات المتحدة، ومن الصعب أيضا عدم اقتناص فرصة تهاوي أسعار النفط دون السعي إلى تخزينه.
د. محمد هشام راغب
٩ مارس ٢٠٢٠
لتنزيل البحث: اضغط هنا