وباء كورونا مرآة صادقة لطبيعة النظم السياسية الحاكمة وعلاقاتها بشعوبها ومدى قدرتها على إدارة الأزمات
العراق
التوصيف وكيفية التعاطي مع الوباء من قبل الطبقة السياسية
لم يكن العراق بمعزل عن وباء الكورونا الذي اجتاح ربوع المعمورة؛ ليكون من المناسب توصيفه بأنه جائحة من قبل منظمة الصحة العالمية، وفي هذا التقرير نحاول أن نستعرض مسار هذا الوباء في العراق منذ بدايته وحتى هذه اللحظة، ومن المهم الوقوف على كيفية تعاطي الطبقة السياسية في ظل عدم الاستقرار السياسي الذي يستحكم بالعراق منذ أشهر، والعراق يدار بحكومة تصريف أعمال، وهي ذاتها الحكومة المستقيلة برئاسة عادل عبدالمهدي، ولم تستطع النخبة السياسية في العراق ممثلة بالسلطة التنفيذية والسلطة التشريعية الاتفاق على اختيار حكومة تتوافق مع المطالب الشعبية الجماهيرية، إذ رشح لتشكيل الحكومة أشخاص عدة لم تكن مقبولة لدى الشارع العراقي الثائر؛ لنقمته على الطبقة السياسية كلها حكومة ومعارضة، ومرجع ذلك كما لا يخفى على المتابع للشأن العراقي انسداد الأفق السياسي في ظل تحكم المليشيات والتبعية المطلقة لإيران، فضلاً عن حجم الفساد المستشري في مفاصل الدولة كلها[1].
يأتي انتشار هذا الوباء في العراق متزامناً مع تدهور الواقع الصحي والتراجع في الخدمات الصحية في مؤسساته المتخصصة منذ عام 2003م، وقد كشفت التقارير المالية في عام 2017م أن هناك ضعفاً في البنية التحتية لهذه المؤسسات بمختلف صورها، كاستمرار التلوث في المستشفيات، وغياب الرقابة والنظافة، ونقص المعدات والأجهزة اللازمة[2]، وقد أكد هذه الحالة تقرير وزير الصحة العراقي الدكتور علاء الدين العلوان في حكومة عبدالمهدي في آيار 2019م، فقد أشار إلى معاناة النظام الصحي في العراق من شحة التمويل وتدني الأولوية الممنوحة للصحة في الموازنة الحكومية. وأكد التقرير على أن عدم اعتماد الصحة والبيئة أولويات أساسية في برامج الحكومات المتعاقبة أسهم إلى حد كبير في تدهور الوضع الصحي، وأوضح أن إجمالي الموازنة الحكومية للعام 2019م بلغ نحو 133 تريليون دينار، إلا أن التخصيص المقدم لقطاعي الصحة والبيئة مجتمعين يبلغ 6 تريليون فقط، أي بنسة 4.5% وهي نسبة متدنية، وفي لغة الأرقام الأخرى مما له تعلق بالبنية التحية للواقع الصحي العراقي[3]:
- عدد المراكز بنوعيها الرئيسي والفرعي يبلغ 2765، منها 1336 رئيسي، و1429 فرعي، والحاجة بحسب بيانات وزارة الصحة إلى نحو 3000 مركزاً صحياً رئيسياً.
- عدد المستشفيات بنوعيها (الخدمات الثانوية والثلاثية) يبلغ 281 مستشفى، ويشكل مجموعها نسبة 0.7 لكل 100 ألف نسمة، وهي نسبة قليلة جداً.
- يشير التقرير إلى وجود أعداد كبيرة جداً من النازحين في المخيمات وداخل المدن العراقية، وخاصة شمال العراق، وتقدر وزارة الهجرة والمهجرين عدد الأسر النازحة حالياً بأكثر من 708 آلاف أسرة، في حين تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى وجود مليون وسبعمائة ألف نازح.
- أكد التقرير على أن عدم كفاءة أداء عدد من البرامج الصحية الوقائية، وخاصة المتعلقة بالأمراض المعدية، وغير الانتقالية المزمنة، مع عدم وجود تحسن في التغطية باللقاحات الأساسية ومكافحة الأمراض المعدية لدى الأطفال، إذ لا تزال هذه التغطية تتراوح بين 60-70%، مقارنة بأكثر من 95% في إيران والأردن.
- أظهر التقرير حقيقة النقص المزمن في عدد كبير من الأدوية الأساسية طيلة العقدين الماضيين، ولكنه اشتد أكثر منذ عام 2014م، ووصل ذروته عام 2018م حيث تبين أن 12% فقط من الأدوية الأساسية توفرت بشكل كامل خلال العام الماضي 2018م، أما الوضع الدوائي في القطاع الخاص فهو خطير وغير منضبط، حيث أن نسبة كبيرة جداً قد تصل إلى 60-70% من الأدوية المتداولة في الصيدليات الخاصة والمذاخر قد لا تستوفي متطلبات التداول من حيث عدم إقرارها أو تسجيلها أو إخضاعها لفحوصات الرقابة الدوائية.
العدد الإجمالي للإصابات[4]: عدد الوفيات: 10، عدد الإصابات: 124، عدد الذي شفوا: 26.
خريطة وباء الكورونا في العراق: الأحمر حالات مؤكدة، والأزرق مشكوك بها.
الخط الزمني للإصابات[5]:
24 فبراير | إعلان أول إصابة في النجف لطالب دين إيراني، تعطيل المدارس حتى إشعار آخر. |
25 فبراير | 4 إصابات في محافظة كركوك ضمن عائلة واحدة عادت من إيران، تخصيص صحة المثنى 500 مليون دينار لشراء مستلزمات طبية. تعطيل الدوام في المدارس في جميع محافظات العراق. إيقاف الرحلات السياحية في محافظات الشمال. |
27 فبراير | إصابتان في بغداد وكركوك لرجلين عائدين من إيران. |
28 فبراير | إصابة في بغداد. |
29 فبراير | 5 إصابات: 4 في بغداد، و 1 في بابل. تركيا تعلق رحلات الطيران مع العراق وتغلق المعابر البرية. |
1 مارس | 6 إصابات: 2 في بغداد، 4 في السليمانية وجميعهم عادوا من إيران. |
2 مارس | 6 إصابات: 3 في بغداد، 1 في ميسان، 1 في النجف، 1 في السليمانية. |
3 مارس | 5 إصابات: 1 في بغداد، 1 في كربلاء، 1 في النجف، 2 في واسط (عادوا من إيران). |
4 مارس | إعلان أول وفاة في السليمانية، وأول وفاة في بغداد، وتسجيل 3 إصابات: 2 في ديالى، 1 في النجف. |
5 مارس | 3 إصابات: 2 في كركوك، 1 في واسط (يعمل في الحدود مع إيران). |
6 مارس | 9 إصابات: 5 في بغداد، 2 في السليمانية، 1 في كربلاء توفيت فيما بعد، 1 في أربيل. |
7 مارس | 9 إصابات: 7 في بغداد، 1 في النجف (عادت من إيران)، 1 في أربيل (عادت من إيران). |
8 مارس | 2 حالة وفاة: 1 في بابل، 1 في ميسان (عاد من إيران). 9 إصابات: 1 في المثنى، 1 في الأنبار، 1 في ذي قار، 1 في كربلاء، 1 في بغداد، 1 في ديالى، 1 في أربيل (عادت من إيران)، 2 في السليمانية (عاد من إيران). |
9 مارس | حالة وفاة في البصرة، 5 إصابات: 2 في النجف، 2 في أربيل، 1 في السليمانية. |
10 مارس | 18 إصابة: 11 في بغداد، 4 في كركوك، 1 في البصرة، 1 في السليمانية، 1 في أربييل. |
11 مارس | وفاة حالة في كربلاء، إصابة أحد أفراد عائلة القنصل الإيراني في النجف، 3 إصابات في أربيل. |
12 مارس | حالة وفاة في البصرة، 6 إصابات: 5 في بغداد، 1 في النجف. |
13 مارس | حالة وفاة في النجف. 19 إصابة: 8 في السليمانية، 5 في بغداد، 2 في واسط، 1 في بابل، 1 في كربلاء، 1 في أربيل. |
14 مارس | حالة وفاة في واسط (عاد من إيران). 5 إصابات: 3 في بغداد، 1 في ذي قار، 1 في كربلاء. |
15 مارس | 15 إصابة: 9 في بغداد، 1 في ميسان، 1 في الديوانية (عادت من إيران)، 1 في ديالى، 2 في النجف (أحدهما عاد من إيران والثاني اتصل بشخص مريض عاد من إيران). |
16 مارس | لم تسجل إصابة جديدة حتى كتابة هذا التقرير، إعلان حظر التجوال في العراق منذ ليلة 17/مارس. |
الاستنتاجات:
1.الملاحظ أن أكثر الإصابات وخاصة في بدايات انتشار الوباء جاءت من إيران، وهذا يؤكد كون إيران بؤرة لانتشار المرض في منطقة الشرق الأوسط.
2.اتخذت السلطات العراقية إجراءات صارمة لمنع انتشار الوباء أو التقليل من آثاره، خصوصاً في المناطق التي تكثر فيها السياحة الدينية، وأغلقت المدارس والجامعات وكل الأماكن التي فيها تجمعات، كدور السينما والمطاعم والأماكن العامة، كما أوقفت الرحلات الجوية مع الدول التي ينتشر فيها الوباء.
3.بالرغم من هذه الإجراءات الصارمة من قبل السلطات العراقية، إلا أن هناك تعبيراً من عدم الثقة بها لدى الشارع العراقي؛ لسوابق من الفشل الذي أصاب الإدارات السياسية المتعاقبة على حكم العراق، فضلاً عن العجز الذي تعاني منه المؤسسات الصحية سواء في عدد الأطباء والموظفين أو في المعدات الصحية أو الأدوية بحسب تقرير وزير الصحة أعلاه.
4.يظهر أن المؤسسات الرسمية تحاول جاهدة الحد من انتشار الوباء باتخاذ جملة من القرارات من خلال خلية الأزمة، في ضوء تزايد حالات الإصابة، فضلاً عن تأثرها بالواقع الدولي المتعلق بتداعيات انخفاض أسعار النفط العالمية وهذا يترك أثره على الموازنة العامة للدولة.
[1] انظر: الربيع العربي في موجته الثانية: خبرات متراكمة وحراك لا يهدأ، مركز رؤيا للبحوث والدراسات، تاريخ النشر: 4/فبراير/2020م.
[2] الواقع الصحي في العراق .. تدهور متصاعد وأمراض متزايدة، وكالة يقين للأنباء، تاريخ النشر: 8/مارس/2018م.
[3] تقرير وزير الصحة العراقي الدكتور علاء الدين العلوان تحت عنوان: الوضع الصحي في العراق … التحديات وأولويات العمل، ص40 فما بعدها.
[4] Worldometer, Worldometers.info/coronavirus/
[5] جائحة فيروس كورونا في العراق، ويكيبيديا العربية، تاريخ الاقتباس: 16/مارس/2020م.