العلاقات الأمريكية الإسرائيلية بعد طوفان الأقصى
مقدمة
في أعقاب اندلاع معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023م، سارعت الولايات المتحدة بإرسال سفنها وطائراتها الحربية إلى المنطقة، داعمة إسرائيل بكل ما تحتاجه من السلاح والعتاد، ووعدت بتقديم المزيد من المساعدات العسكرية لها وانحازت سياسيا إلى جانبها؛ برفض القرار الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 27 أكتوبر 2023، الداعي إلى وقف إطلاق النار والسماح بوصول المساعدات إلى غزة.
جاء هذا الدعم الأمريكي الوافر في أعقاب فترة توتر على المستوى الدبلوماسي بين الطرفين قبل الحرب، ليتجلى طوفان الأقصى باعتباره متغيرا جديدا في إطار تقييم مستقبل العلاقات بينهما، مما يستدعي تحليلا يعرض الأسس التي تقوم عليها العلاقات التاريخية بينهما، وبيان أهم محددات تلك العلاقات، وأثر المعركة الأخيرة في غزة عليها؛ للخروج بتقدير صحيح بشأن مستقبل العلاقات الأمريكية الإسرائيلية خلال المرحلة المقبلة خاصة مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات الأمريكية في نوفمبر من العام الجاري 2024م.
نشأة الرعاية الأمريكية لإسرائيل وطبيعتها:
تعود أصول العلاقات الأمريكية – الصهيونية إلى ما قبل إعلان دولة اسرائيل على أرض فلسطين عام 1948م، وما تبعها من الاعتراف الأمريكي المبكر بدولة الاحتلال، إذ هيأت الحركات البروتستانتية الأمريكية أرضية خصبة لنشاط الحركة الصهيونية اليهودية، ودعت الصهيونية المسيحية المتمركزة في أمريكا إلى توطين اليهود في فلسطين لاستعادة “مملكة إسرائيل” تمهيدا لعودة “مملكة المسيح الألفية”. ( )
كان سند التأييد الأمريكي لإسرائيل في ذلك الوقت راجعا لهذه الاعتبارات الأيديولوجية والذي امتد إلى بداية القرن العشرين، وفي هذا الإطار أوصى تقرير لجنة الخبراء الأمريكية الموجه إلى الرئيس الأمريكي ويلسون في يناير 1919 م بأن: “يتم توجيه الدعوة إلى اليهود للعودة إلى فلسطين والاستيطان فيها وتقديم جميع المساعدات اللازمة. ( )
توطدت العلاقات بين الطرفين مع الوقت، ورفعت أمريكا حظر السلاح عن إسرائيل، ثم بدأت العلاقات منذ العام 1964 تزداد قوتها، خاصة خلال حرب يونيو 1967، والتي ظهر خلالها تفوّق إسرائيل العسكري على العرب، بعدما وظّفت إسرائيل ميل بعض الدول العربية للاتحاد السوفيتي؛ من أجل الحصول على المزيد من الدعم العسكري الأمريكي.
تطورت العلاقات بينهما بصورة أكبر خلال السنوات التي تلت حرب 1973، ورفعت أمريكا حظر بعض الشركات النفطية عن إسرائيل، كما أثمرت الجهود الأمريكية توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979م.
مع مرور السنوات وصلت العلاقات إلى حدود الحلف الاستراتيجي، الذي جعل من المصلحة الإسرائيلية، أولوية أمريكية، وتعتبر المساعدات الأمريكية الخارجية لإسرائيل أحد أهم ركائز العلاقات بين البلدين، فمنذ عام 1985، تتلقى إسرائيل من الولايات المتحدة دعما سنوياً يقارب 3 مليارات دولار أمريكي.
علاقات البلدين في عهدي أوباما وترامب
فَتَرت العلاقات الأمريكية الإسرائيلية في عهد باراك أوباما، والذي سعى خلال فترة حكمه لتفعيل رؤيته العملية القائمة على قاعدة دولتين لشعبين، وكانت أبرز مظاهر هذا الفتور والتوتر في العلاقات على منصة الأمم المتحدة، عدم نقض أمريكا قرار مجلس الأمن عام 2016م؛ بإدانة عمليات الاستيطان الإسرائيلية في الضفة الغربية، ومن جانبها اعتبرت حكومة الاحتلال الإسرائيلي الاتفاق النووي الذي أبرمه أوباما مع إيران نقطة خلاف بارزة، ورأت فيه مجازفة كبيرة بالأمن الإسرائيلي، غير أن هذا التوتر في العلاقة ما بين نتنياهو وأوباما، لم ينعكس على الدعم الأمريكي الكبير لإسرائيل، فقد ارتفع مقدار المساعدات الأمريكية لتصل إلى 3.5 مليار دولار ونصف سنوياً، بدلا من 3 مليارات دولار، كما ارتفع حجم التبادل التجاري بين الطرفين، وقفز بنسبة 10%، متجاوزاً 15 مليار دولار، وفي بداية عام 2017م، وقبل انتهاء مدة حكم باراك أوباما، عقدت واشطن اتفاقا مع إسرائيل؛ تُقدم به 38 مليار دولار للجيش الإسرائيلي على مدى سنوات عشر، وهي الأموال التي استفادت منها إسرائيل في تطوير ترسانتها العسكرية التي استخدمتها ضد أهالي فلسطين في حروبها منذ ذلك الوقت.
احتفت إسرائيل بوصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وعقدت عليه الآمال، فقدم خلال فترة حكمه دعما غير محدود لإسرائيل، توجه بإعلان القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية للقدس، إضافة لانسحابه من الاتفاق النووي مع إيران، وإطلاق يد إسرائيل لاستهداف الأراضي السورية والقوّات الإيرانية بها.
طبيعة الدعم الأمريكي لإسرائيل
تتصف علاقة الولايات المتحدة مع إسرائيل بأنّها استراتيجية، وتعتبرها إسرائيل أكثر العلاقات استقراراً إذ تُعتبر الولايات المتحدة الداعم الأبرز والأكبر لها، ليس فقط من الناحية الأمنية، والاقتصادية، بل على مستوى الساحة العالمية، فمن الناحية الأمنية والعسكرية، تقدم أمريكا دعماً متزايداً لإسرائيل تحصل به على 61% من قيمة الدعم العسكري؛ الذي تقدمه أمريكا للدول المختلفة، إلى جانب ذلك فإنّ لها الحق في الحصول على فائض التجهيزات العسكرية من الولايات المتحدة، وقد تدخلت الولايات المتحدة عسكرياً؛ ضد التنظيمات التي كان من المُمكن أن تُهدد أمن إسرائيل، مثل تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة إلى جانب تصنيفها لتنظيمات المقاومة كحماس على أنّها منظمات إرهابية، ومن ناحية المساهمة الاقتصادية فمنذ العام 1949، وحتى العام 2018، قدمت الولايات المتحدة دعماً مالياً بلغ نحو 34.3 مليار دولار (غير الدعم الأمني والعسكري المُقدر بثلاث مليارات دولار سنويا)، ومن ناحية دعم مكانة إسرائيل الدولية استخدمت الولايات المتحدة حق النقض الفيتو مرارا لمنع إدانة إسرائيل، أبرزها في عام 2011م بنقض قرار كان سيعتبر كل مستوطنات إسرائيل في الضفة الغربية غير قانونية، كما استخدمت حق النقض الفيتو، ضد قرار كان يُطالب بمنع إقامة مُمثليات دبلوماسية للدول في القدس، كما يتعاظم دور أمريكا في مواجهة الحركات والمنظمات التي تسعى لسحب شرعية إسرائيل، حيث تمنع الولايات المتحدة أي تمويل عن أي مؤسسة دولية تابعة للأمم المتحدة، تتعامل مع فلسطين على أنّها دولة.( )
وقد وصلت العلاقات بين الطرفين مع مرور السنين إلى حد اعتبار إسرائيل حليفا لأمريكا، يقدم دورا استراتيجيا يحفظ مصالحها، ومصدرا موثوقا للمعلومات عن كل المنطقة، وقد هيأت أمريكا الرأي العام الأمريكي لهذا التعامل، ولقبول ما يُقدم لإسرائيل من دعم عسكري وسياسي، لتصبح تلك المساعدات مصلحة ذاتية للولايات المتحدة الأمريكية.
محددات العلاقة الأمريكية الإسرائيلية قبل حرب السابع من أكتوبر
تميزت العلاقة الأمريكية – الإسرائيلية في العقود الماضية، بثبات في دعم واشنطن السياسي والمالي لإسرائيل وبحرص الطرفين على حلّ كل المشكلات العالقة بينهما.
ولا يمكن حال تحليل ماهية محددات العلاقة بين الطرفين والدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل أن يُختزل سببها في المصالح المشتركة فقط، بل هناك أسباب عديدة لمتانة هذه العلاقات بداية من البُعد الأيديولوجي لوجود إسرائيل، مرورا بالتشابك الثقافي بين البلدين ويتمثل ذلك بوجود شريحة واسعة من النخب الفكرية الأمريكية التي ترى في إسرائيل انعكاسًا لثقافة أمريكا بالشرق الأوسط، وانتهاءً بما ترتب على هذا التحالف من مصالح حقيقية للولايات المتحدة على المستوى السياسي في منطقة الشرق الأوسط، فالعلاقات الأمريكية الإسرائيلية ترتكز على هذه المحاور جميعا، والتي يعد من أهم نتائجها الدعم العسكري الأمريكي الدائم، والذي يسمح لها بالحصول على أسلحة أمريكية أكثر تقدمًا.
وتصل العلاقة بينهما إلى حد وصفها بـأن “الشراكة الأمريكية الإسرائيلية متينة جداً” كما جاء في بعض الوثائق الرسمية الأمريكية:
- لا يتزعزع التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل وبالاستقرار الإقليمي، ويتضمن قانون تخصيصات السنة المالية 2022 مبلغ مليار دولار إضافي لنظام دفاع القبة الحديدية الإسرائيلي … ولا يزال التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل صارما وحظي بدعم من الحزبين منذ فترة طويلة، وستواصل الولايات المتحدة وإسرائيل العمل معا لمواجهة مجموعة من التهديدات الإقليمية.
- لا تزال الولايات المتحدة ملتزمة بضمان تفوق إسرائيل العسكري والنوعي بما يتوافق مع القانون الأمريكي.
- العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الولايات المتحدة وإسرائيل قوية وترتكز على تجارة ثنائية تصل إلى حوالى 50 مليار دولار من السلع والخدمات سنويا.( )
وتُظهر هذه البنود -السابق ذكرها- من سجلات الوثائق الأمريكية، ومن عوامل النشأة الأولى؛ متانة العلاقات بين الطرفين وفق محددات راسخة وهي:
1 –تعد إسرائيل حليفا استراتيجيا للولايات المتحدة بالشرق الأوسط في حدود عدم التعارض مع المصالح الأمريكية الاستراتيحية.
2 – تعتبر إسرائيل قاعدة إمبريالية أمريكية متقدمة في المنطقة العربية خاصة فيما يخص أمن الممرات وطرق نقل الطاقة.
3- تشعر الولايات المتحدة بالتزام ديني – أخلاقي تجاه الدولة اليهودية.
ورغم كل هذه المرتكزات الوطيدة بين الطرفين إلا أن الولايات المتحدة، أعربت قبل الحرب عن قلقها إزاء العديد من تصرفات وسياسات الحكومة الإسرائيلية فيما يخص إصلاح النظام القضائي، وتشكيل تحالف مع اليمين المتطرف، معتبرة أن الحكومة الجديدة تضم أكثر الأعضاء تطرفًا كما انتقد البيت الأبيض مساعي الحكومة الإسرائيلية لتوسيع مستوطنات الضفة الغربية، فقد انتهجت سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ تولي نتنياهو رئاسة الحكومة سياسات تخالف رؤية الولايات المتحدة في المنطقة التي تعتمد على إستراتيجية خفض التصعيد من أجل التفرغ لكل من الصين وروسيا، غير أن محل الخلاف الأكبر بين الطرفين كان الملف الإيراني والذي يعد أبرز نقاط الخلاف ومبعث قلق المحتل الإسرائيلي، ” وإن كان لم يصل الخلاف بينهما إلى حد إعادة تقييم العلاقات”. ( )
إن الولايات المتحدة حافظت دوما على بقاء مستوى من العلاقات المتماسكة مع حكومة الاحتلال رغم وجود الخلافات لأن الوجود الآمن لإسرائيل يجعلها بمثابة قاعدة أمامية متقدمة للولايات المتحدة، ويؤدي لتعزيز استقرار المصالح الأمريكية في المنطقة، في ظل التحديات الكبرى التي تشغل الولايات المتحدة. تلك التحديات التي دفعت الولايات المتحدة للسعي لخفض التصعيد بها عبر استكمال ملفات التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل، بجانب العودة للاتفاق النووي الإيراني، وإلغاء تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية( )، من أجل التفرغ للصين ومعالجة الأزمة الأوكرانية خاصة عقب انضمام السعودية إلى منظمة شنغهاي للتعاون، والتي تضم روسيا والصين ليكون هذا الاتفاق في التصور السعودي بمثابة درع صيني يحصن المملكة ضد أي اعتداء إيراني في المستقبل، وهو الأمر الذي يقلق الولايات المتحدة بشأن موقف حلفائها التقليديين من المعسكر الصيني الذي يتمدد نفوذه السياسي، وتتصاعد قوته الاقتصادية .
صدمة طوفان الأقصى وأثرها على الموقف الأمريكي
انبثقت المحددات السابق ذكرها من الرؤية الاستراتيجية للولايات المتحدة، والتي سادت منذ أواسط القرن العشرين، والتي حددت ثلاث مناطق حيوية حول العالم، يجب أن يكون الحضور الأمريكي فيها قويا، لحماية مصالحها من أجل أن تبقى القوة العظمى الكبرى في العالم، وهذه المناطق الثلاثة هي: أوروبا والشرق الأوسط (خاصة منطقة الخليج العربي) ومنطقة شرق وجنوب شرق آسيا.
ففي أوروبا استطاعت الولايات المتحدة -عقب انهيار الاتحاد السوفيتي- توسعة حلف الناتو، إذ ارتفع عدد الدول المنتمية له خلال نحو ثلاثة عقود من 16 عضوًا إلى 30 دولة أوروبية، وأمّا بالنسبة للوضع الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط والخليج، فإنّ أمريكا تعتبر أنّ سياسات إيران وحلفائها في المنطقة هي أهمّ تهديد لمصالحها، وقد سعت في ظل قرارها بتخفيف وجودها العسكري المباشر في المنطقة، لإعادة ترتيب المنطقة عن طريق رعاية تحالف بين إسرائيل والأنظمة العربية المتحالفة معها، لا سيما مع مصر والأردن والإمارات والسعودية، كل هذا للتفرغ للتهديد في المنطقة الثالثة في شرق آسيا.
جاء هجوم السابع من أكتوبر ليزعزع جوانب من هذه الاستراتيجية بعد أن عصف من حيث التخطيط والتنفيذ بصورة الجيش الإسرائيلي الذي كان يدّعي بأنّه لا يقهر، وكان الدعم الأميركي السريع واللامحدود للكيان الصهيوني، من أجل هزيمة وسحق المقاومة في غزة، لاستعادة هذا التحالف الذي أرادت إنشاءه في المنطقة عبر اتفاقات التطبيع، ولكن نتيجة لدعمها الكامل للقصف الإسرائيلي، وتخلي الولايات المتحدة عن كل الشعارات التي ادعتها ورفعتها، فقد ظهرت لدى الرأي العام العربي والعالمي، في صورة الشريك في كل جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة مما يؤثر على مسار التطبيع.
ورغم الخلافات السياسية مع حكومة الاحتلال قبل الحرب، فقد تحركت الولايات المتحدة بسرعة لنقل حاملة طائراتها الأكبر حجماً والأكثر تقدماً، إلى أقرب مسافة من شواطئ إسرائيل، وفيما يتعلق بالمساعدة الأمنية، تسعى إسرائيل إلى إعادة إمداد منظومة “القبة الحديدية” بالصواريخ الاعتراضية، وتبادل المعلومات الاستخبارية بشأن التهديدات الإقليمية في لبنان وسوريا وبحسب دراسة أجراها «معهد الشرق الأوسط» في واشنطن فإن إدارة بايدن تجري تحوّلاً في سياستها بوضع الشرق الأوسط في مرتبة أعلى على أجندة الأمن القومي لإدارة بايدن مشيرة إلى أن تعامل بايدن مع الحرب الجديدة حظى بتأييد من الحزبين معا( )، وإن كانت رؤية الحزب الديموقراطي متمسكة بأن تحافظ الولايات المتحدة على عدم الانجرار إلى صراع إقليمي واسع.
مدى تطابق المواقف عقب طوفان الأقصى
يبدو أنه ليس هناك تطابق تامّ في المواقف بين الجانبين الإسرائيلي والأمريكي على الرغم من الاتفاق على مبدأ مواجهة حركة حماس على المستويين السياسي والعسكري، إلا أن الجانب الأمريكي لم يعد يرى في هذه الحرب واقعية الطرح الذي تراه دولة الاحتلال بإمكانية القضاء على الحركة عسكريا وشعبيا؛ إذ سيتطلب ذلك ثمنًا ثقيلًا ليس بمقدور الولايات المتحدة دفعه لعدة عوامل أبرزها تزايد احتمالات تفجر أزمة إقليمية، تهدد أمن الممرات الملاحية، وتهدد القواعد الأمريكية العسكرية في سوريا والعراق إلى جانب تآكل مخزون السلاح الأمريكي، بالإضافة إلى انخفاض الدعم الشعبي الأمريكي لإسرائيل، لتعود حالة التوتر بين إدارة جو بايدن وحكومة بنيامين نتنياهو مع استمرار المعركة وطول مدتها، بسبب رفض نتنياهو بعض المطالب الأمريكية لمرحلة ما بعد الحرب، والتي تأتي لا حباً في الفلسطينيين، بل نتيجة لتزايد الدعم الشعبي الأمريكي للفلسطينيين، إذ يتزامن قيام الاحتلال بمذابح في غزة مع بدء الحملة الانتخابية الأمريكية المقرر عقدها في نوفمبر من هذا العام، ويرجع الرفض الإسرائيلي لهذه المطالب لأنها تمهد إلى زيادة الضغط على الاحتلال للشروع في عملية سلام في إطار مبدأ حل الدولتين، إذ ترى أمريكا ضرورة وجود فترة انتقالية تديرها حكومة فلسطينية من التكنوقراط تمهد لانتقال الحكم إلى السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة.
ملامح السياسة الأمريكية المتوقعة في 2024 (عام الانتخابات الأمريكية)
الأصل العام يُشير إلى أنّ العلاقة بينهما هي علاقة استراتيجية فوق الحلف الطبيعي، يصعب تراجعها، لكنّ هذا التصور من الممكن أن يتغير ليس على المستوى القريب، إنّما على المستوى المتوسط والبعيد، وقبل أن ندلف لاستشراف مستقبل العلاقات بينهما، والذي سنذكر معه تتمة تتعلق بنتائج ما بعد الانتخابات الأمريكية، لابد أن نذكر إطارا مهما يساعدنا على تصور هذا المستقبل، وهو أن الدعم العسكري الأمريكي في هذه الحرب يرجع لكون الأهداف الاستراتيجية العليا لأمريكا حاكمة على متغيرات واقع العلاقات، ويمكننا الوقوف على أبرز الأهداف الاستراتيجية للطرفين في فلسطين ومنطقة الشرق الأوسط كالآتي:
أبرز الأهداف الاستراتيجية لإسرائيل:
أ. الاحتفاظ بالقدر الأكبر من أراضي الضفة الغربية والقدس، مع تخفيض السكان الفلسطينيين.
ب. القضاء كل بؤر المقاومة المسلحة الفلسطينية والإقليمية ضد” إسرائيل”.
أبرز الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة:
أ. إنجاز تسوية تضمن لإسرائيل أكبر قدر من الضمانات الأمنية.
ب. تفعيل اتفاقات إبراهام للتطبيع بين الاحتلال والدول العربية في إطار تخفيض التصعيد بالمنطقة.
ج. توظيف المنطقة في إدارة صراعاتها الدولية القادمة (الصين).
ولذلك فإن ملامح العلاقة بينهما وقف هذه الأهداف تستدعي التفريق بين الجانب الاستراتيجي منها والجانب الحالي كالآتي:
1–شكل العلاقات الثنائية “بين الطبيعة الاستراتيجية والعلاقات الآنية والقريبة”:
من خلال التدقيق في المتغيرات الطارئة على سياسة الولايات المتحدة الهادفة لتخفيض التصعيد؛ يمكننا الوقوف على فارق ملحوظ بين حقيقة العلاقات الاستراتيجية والتي تتسم بطابع التحالفية، وبين طبيعة العلاقات القريبة لاسيما في عام 2024 م إذ تبدو أمامنا مؤشراتٌ لنقاط من الخلاف في مستقبل العلاقات القريبة بينهما.
أولها يتعلق بالتراجع الأمريكي في المكانة الدولية، والذي يدفه يدفع السياسة الخارجية الأمريكية إلى نوع من التكيف؛ في ملفات (الاتفاق الإيراني و حل الدولتين) بما يمس علاقتها مع إسرائيل.
ويبدو أن العلاقات القريبة ستتسم بقدر من الخلاف والتوتر مع استمرار الحرب على غزة، ومن المرجح أن تنمو الخلافات في أعقاب الحرب، إذ من المتوقع أن يضغط البيت الأبيض على إسرائيل لتقليل مخاطر الصراعات المستقبلية التي قد تجر الولايات المتحدة مرة أخرى إلى الشرق الأوسط، مما يعني أن الإدارة الأمريكية سوف يستمر حرصها على الاتفاق النووي الإيراني، وستعمل أمريكا على تقوية السلطة الفلسطينية، ومنع انهيارها سعيا نحو حل دولة فلسطينية دون جيش ولا سيادة حقيقية.
بالنسبة للعلاقات الصينية الإسرائيلية وأثرها على العلاقات بينهما، والتي شهدت في السنوات الأخيرة نموا في الاهتمام الصيني المتزايد بالتكنولوجيا الإسرائيلية، وإسهاما للشركات الصينية في مشاريع البنية التحتية في إسرائيل، فستضغط أمريكا على دولة الاحتلال في هذا الملف للحد من نمو هذه العلاقات لأن ذلك يتعلق بأحد أهم أهداف أمريكا الاستراتيجية.
وبالنسبة لحدود التعاون العسكري بينهما، فإن التداعيات السياسية للصراع في غزة قد تجعل من الصعب فعليًا على الولايات المتحدة أن توقع اتفاقية دفاع مع إسرائيل، نظرا لعدة عوامل لعل أبرزها هي حالة الاستقطاب ضد إسرائيل داخل المجتمع الأمريكي إذ أصبح الناخبون الشباب يعبّرون عن تأييدهم للقضية الفلسطينية أكثر من إسرائيل، فقد تغير الرأي العام الأمريكي بشأن إسرائيل على مدى العقد الماضي مدفوعًا بالتحولات بين الأجيال إذ أظهر استطلاع شركة “غالوب” الأمريكية خلال نوفمبر 2023م أن 67 بالمئة من الشباب لا يؤيدون الهجمات الإسرائيلية، وهو ما يؤكد حقيقة ثابتة في هذا الصراع هي أن الضغوطات الأمريكية على الاحتلال الإسرائيلي لا تنجم عن انعطافة أيديولوجية تجاه الفلسطينيين، ولا عن وعي أخلاقي وحقوقي أمريكي مفاجئ، وأنها لا تأتي إلا عندما يزداد الضغط على واشنطن على المستوى الشعبي الداخلي، نتيجة الوضع الميداني في غزة، مما يبرز قدر وأهمية المقاومة الشاملة لدولة الاحتلال.
2–الشكل المتوقع للعلاقات الثنائية على المدى الأطول عقب الانتخابات الأمريكية:
من المتوقع أن تتباين أشكال وصور العلاقات المستقبلية بين أمريكا وإسرائيل، وذلك تبعا لنتائج الانتخابات الأمريكية المقبلة، والمزمع إجراؤها في نوفمبر القادم؛ بحسب الفائز فيها وذلك على النحو التالي:
أولا النتائج المتوقعة في حال فوز ترامب :
تعزيز العلاقات بين الطرفين وزيادة دعم نتنياهو (إن كان لا زال في السلطة):
من المرجح أن يؤدي فوز ترامب بالانتخابات القادمة إلى تعزيز العلاقات الإسرائيلية الأمريكية بشكل كبير، وسيكون ترامب داعمًا قويًا لإسرائيل وسيزيد هذا الدعم من قوة نتنياهو في تنفيذ سياساته هو وحكومته المتطرفة.
زيادة سياسة الاستيطان:
من المرجح أن يؤثر فوز ترامب بالانتخابات القادمة على سياسة الاستيطان في إسرائيل، بتوسع عمليات الاستيطان للأراضي الفلسطينية المحتلة، كما سيؤثر فوزه على موقف القدس ومستقبلها عاصمةً موحدة لإسرائيل.
زيادة التصعيد الأمني في فلسطين
سيؤدي فوز ترامب بالانتخابات القادمة إلى زيادة التوترات الأمنية في فلسطين مع تغول حكومة الاحتلال عقب الحرب وفوز ترامب، مما يزيد تفاقم الأوضاع الإنسانية السيئة في الأراضي الفلسطينية.
التأثير على اتفاقات التطبيع الإقليمية:
من المتوقع أن يؤثر فوز ترامب بالانتخابات القادمة على تطورات اتفاقات التطبيع الإقليمية مع الدول العربية خاصة السعودية، جراء دعمه الكبير لسياسات الحكومة الإسرائيلية، مما سيسهم في زيادة علاقاتها بالمعسكر الصيني.
ثانيا النتائج المتوقعة في حال فوز بايدن:
تطور مسار التطبيع مع الدول العربية
من المتوقع في حالة فوز بايدن بالانتخابات القادمة، تسارع وتيرة اتفاقات التطبيع إذ سيتبنى بايدن سياسات أكثر توازنًا وحيادًا في التعامل مع قضايا الاستيطان والقدس، مما يمكن أن يؤدي إلى تخفيف التوترات وزيادة الدبلوماسية في التعامل مع القضايا الإسرائيلية الفلسطينية.
أثر فوزه على الاستيطان والقدس:
قد يسعى بايدن إلى تطبيق مواقف أكثر اعتدالًا فيما يتعلق بالاستيطان والقدس، حيث قد يدعم جهود التسوية السياسية والدبلوماسية، مما يمكن أن يؤدي إلى تحسين العلاقات مع الدول العربية وتحقيق التوازن في تلك العلاقات.
أثر فوزه على حل الدولتين:
قد يؤثر فوز بايدن بالانتخابات على زيادة جهود بايدن لتحقيق حل الدولتين من خلال دعم المفاوضات بين السلطة الفلسطينية ودولة الاحتلال الإسرائيلي، ويمكن أن يقدم الدعم الأمريكي القوي لهذا النهج دفعًا قويًا للطرفين في هذا الملف.
مستقبل صفقة الأسرى في ظل تباين وجهتي النظر بين أمريكا وإسرائيل
أبدت الحكومة الإسرائيلية تعنّتًا واضحا خلال الشهر الماضي، فيما يتعلق بإفساح المجال أمام إتمام صفقة للإفراج عن الأسرى المحتجزين لدى حركة حماس، خصوصًا من ذوي الجنسية الأميركية، أو السماح بدخول المساعدات الإنسانية، مما حفز إدارة بايدن لتصعّد نبرتها تدريجيًا، والضغط على حكومة نتنياهو للانضمام إلى عملية دبلوماسية مرحلية، تبدأ بالإفراج عن الرهائن، وتؤدي في النهاية إلى انسحاب القوات الإسرائيلية، وإنهاء الحرب في غزة وهي الرؤية التي تتبناها الولايات المتحدة.
يرجع رفض نتنياهو والذي تمثل في محاولاته المتكررة للمماطلة في عقد تلك الصفقة إلى رغبته في استغلال ورقة تبادل الأسرى للإبقاء على الحكومة أكبر قدر ممكن، إرضاء لليمين المتطرف في حكومته وعلى رأسهم بن غفير والذي يرفض هذه الصفقة، ويريد استمرار الحرب بأي شكل، ولذلك توالى رفض بنيامين نتنياهو لأي شروط ضمن مقترح لصفقة تبادل الأسرى طلبتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وعلى رأسها توقف العدوان على غزة.
من جانبها تسعى إدارة بايدن إلى تحقيق هدنة إنسانية طويلة الأمد، وضمان وصول المساعدات الإنسانية الإضافية المنقذة للحياة إلى المدنيين المحتاجين في جميع أنحاء غزة، وذلك عقب التهديدات التي تتعرض لها المصالح الأمريكية في البحر الأحمر والعراق وسوريا والأردن إذ يدرك بايدن ومساعدوه؛ أن اتساع هذه العمليات إلى جانب زيادة عدد القتلى المدنيين في غزة، يؤثران على قاعدته الديمقراطية في الانتخابات القادمة لذلك يصمم جو بايدن على إبرام صفقة الأسرى التي تؤدي إلى وقف إطلاق نار طويل الأمد.
ويبدو أن الخطوات التي قامت بها الولايات المتحدة؛ لتحقيق جولة أخرى من إطلاق الأسرى المحتجزين يؤخرها إصرار إسرائيل، رغم ما أحرزته أمريكا حتى الآن من تقدم في هذا الملف، لكن من المرجح في نهاية المطاف التوصل لصفقة تبادل أسرى بين حماس وإسرائيل عقب إتمام التفاوض بشأن الشروط الخاصة بالمقاومة؛ إذ تطالب حماس بوقف كامل للحرب، وبانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي من القطاع وضمانات دولية للحفاظ على حكمها، وذلك مقابل إطلاق سراح الأسرى، ومن الملاحظ أن نتائج جولة المفاوضات الأخيرة في باريس قد حظيت بإجماع واسع، إذ أظهرت توافقًا بين المقاومة الفلسطينية والوفد العربي من جهة، والولايات المتحدة الأمريكية وباريس والوفد الإسرائيلي الذي شارك في المفاوضات من جهة أخرى، ويعتقد الجانب الأمريكي والإسرائيلي المشارك في المفاوضات أن هذه الصفقة تمثل أهمية بالغة في تخفيف التوترات الداخلية في إسرائيل، خاصة بين ذوي الأسرى والمعارضة، والتي بدأت تزداد وتمثل ضغطًا كبيرًا على نتنياهو وحكومته، لاسيما وأنه لا يزال من غير المعلن حتى الآن عدد الجنود الإسرائيليين المحتجزين كرهائن في غزة، الأمر الذي يمثل وضغطا متصاعدا من جانب أهالي الأسرى والذين بلغت فعالياتهم أن قاموا مؤخرا باقتحام الكنيست، وأصبح قادة الرأي العام، ووسائل الإعلام الإسرائيلية وأغلبية المجتمع الإسرائيلي، يقبلون عقد هذه الصفقة، بل إن استطلاعات الرأي الإسرائيلية الأخيرة؛ تشير إلى أن الأغلبية ستؤيد إنشاء دولة فلسطينية منزوعة السلاح؛ إذا كان ذلك جزءاً من صفقة شاملة بجانب اتفاقات التطبيع السعودي.
هذا الاتفاق المبدئي على إتمام هذه صفقة الأسرى بين الوفود في باريس، يأتي في ظل دعم أمريكا لإتمامها عقب الضغوط الداخلية والخارجية، التي أزعجت واشنطن كثيرًا، وبات بايدن في مواجهة مباشرة مع نتنياهو لتخفيف ما تعرضت له إدارته من الخسارة الشعبية بسبب الحرب الحالية، ويُنظر إلى مشاركة رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز في الاجتماع على أنه دليل على أن الولايات المتحدة تضع ثقلها خلف هذه الصفقة.
المحادثات على ما يبدو تسير في اتجاهها رغم معارضة زعماء اليمين المتطرف في حكومة نتنياهو، وعلى رأسهم بن غفير الذي يخشى من الإفراج عن مجموعة أسرى المقاومة، ومنهم عسكريون شاركوا في العمليات ضد إسرائيل، بالإضافة لخوف نتنياهو نفسه، على مستقبله السياسي إذ أنه يخشى أن يتعرض للسجن بتهم فساد، في حال تفككت حكومته وخرج من السلطة، وهو الأمر الذي سيكون له تداعيات كبيرة أيضا على الواقع السياسي الداخلي في إسرائيل وسيؤثر بشكل مباشر على الأحزاب السياسية المختلفة، ومن المتوقع أن تكون من آثاره على أهم الأحزاب الإسرائيلية ما يلي:
- 1. حزب الليكود (Likud):
قد يواجه حزب الليكود تحديات كبيرة في التوجه السياسي بعد خروج نتنياهو من المشهد السياسي خاصة لو تعرض للإدانة في تهم الفساد، إذ يُعتبر نتنياهو وجهًا بارزًا للحزب ورمزًا لليمين في إسرائيل، وقد يؤدي دخوله السجن إلى تقليص شعبية الحزب وضعف موقعه في الساحة السياسية الداخلية.
- 2. حزب العمل (Labor Party):
قد يستفيد حزب العمل من تراجع شعبية الليكود ونتنياهو بسبب قضايا الفساد المرتبطة به، مما قد يؤدي إلى زيادة دعم الناخبين للأحزاب اليسارية مثل حزب العمل.
- 3. حزب معسكر الدولة:
قد يزداد تأثير حزب معسكر الدولة الذي يقوده بيني غانتس في ظل تراجع شعبية حزب الليكود، ويمكن أن يكون له دور مهم في تشكيل الحكومة القادمة.
الآثار السياسية لإجراء انتخابات إسرائيلية مبكرة
عقب مرور نحو 120 يوما (حتى كتابة هذه الدراسة) على الحرب على غزة تشهد إسرائيل جدلا متصاعدا في اتجاهين مركزيين:
الاتجاه الأول يمثله أصوات التطرف الداعية لاستمرار الحرب، وتعزيز الضربات، وتشديدها أكثر على قطاع غزة المحاصر. أما الاتجاه الثاني فيتمثل في حملة عائلات الرهائن الصهاينة في قطاع غزة، والتي تشهد دعما شعبيا كبيرا وتصاعدًا في أصواتها المنتقدة لبقاء حكومة بنيامين نتنياهو.
ورغم صعوبة حصول انتخابات مبكرة في إسرائيل عبر حجب الثقة عن حكومة نتنياهو لأن قرار الانتخابات بموجب القانون الإسرائيلي، في يد غالبية النواب الـ 120 والذي يشترط له موافقة 61 نائبا، وهذا أمر صعب، فالائتلاف الأساسي لحكومة نتنياهو يرتكز على 64 نائبا، وهو ائتلاف متماسك حتى الآن، لكن تظاهر مئات الإسرائيليين، ضد حكومة بنيامين نتنياهو، والمطالبة بـإجراء انتخابات مبكرة الآن، وإعادة الأسرى المحتجزين في قطاع غزة، قد تؤثر على بعض الأطراف في تحالف كتلة الليكود مما يؤدي لتفكك حكومة نتنياهو، والتي تشكلت من الأصل بصعوبة بانتخابات عام 2021، وكانت حكومة توافقية بين أحزاب متعددة مع بنيامين نتنياهو رئيسا للوزراء، مما يجعلها عرضة للتوترات الداخلية نتيجة عدم الاتفاق خاصة في ملف الأسرى، وقد يوصل هذا التفكك إن وقع لحصول انتخابات مبكرة.
وبحسب استطلاعات رأيٍ إسرائيلية، فإنه من المرجح لو جرت انتخابات جديدة إن يحصل معسكر نتنياهو على 46 مقعدا مقابل 69 للمعسكر الرافض لرئاسة نتنياهو للحكومة، تنتمي نسبة كبيرة من الرافضين للأحزاب الليبرالية الاشتراكية، وفي حال حصول تلك الانتخابات فمن المتوقع أن تكون تداعياتها السياسية كالتالي:
1- ملف الاعتراف الدولي بفلسطين:
قد تزيد فرص دعم أمريكا للاعتراف الدولي بدولة فلسطينية مستقلة عقب الانتخابات المبكرة، إذ قد تستغل أمريكا هذا الحدث فرصةً لتعزيز التفاوض والحوار الدولي بشأن الاعتراف بدولة فلسطينية منزوعة السلاح، يشير إلى ذلك المسار ما دلت عليه الأنباء من أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أصدر تعليماته للمسؤولين في وزارته؛ بالعمل على دراسة إمكانية الاعتراف الأميركي والدولي بدولة فلسطين في إطار الرؤية الأميركية لمستقبل القضية الفلسطينية في “اليوم التالي للحرب”.
2-ملف عملية السلام:
قد يؤثر خروج نتنياهو من المشهد السياسي على جهود التفاوض في عملية السلام في الشرق الأوسط في ظل وجود حكومات ليبرالية اشتراكية متقاربة مع الولايات المتحدة في هذا الملف، ويمكن أن يؤدي إلى تحول في موقف إسرائيل من التفاوض، مما يؤدي إلى تقدم في التوصل إلى اتفاقات جديدة مع الفلسطينيين بجانب مساعي الاعتراف بدولة فلسطينية.
3-اتفاقات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية:
من المتوقع أن تزيد دوافع السير في هذا المسار بعد الانتخابات المبكرة في إسرائيل، إذ يعتبر تطبيع العلاقات قرارًا وطنيًا يتجاوز التغييرات الحكومية والتحالفات السياسية الجديدة؛ لما تحققه الاتفاقات من تعزيز الفرص الاقتصادية لإسرائيل مع العرب من خلال التبادل التجاري، والاستثمارات والتعاون في المجالات التكنولوجية والزراعية والسياحي، غير أن ما أحدثه طوفان الأقصى قد يؤثر على ثقة الدول العربية في قدرة إسرائيل على الالتزام بالاتفاقيات الموقعة، مما سيؤدي لحدوث حالة من التريث في وتيرة التطبيع على المستوى الرسمي مع استمرار الطبيع والتعاون البيني في شقه الاقتصادي.
خاتمة لأبرز الخلاصات والنتائج
- قدمت الولايات المتحدة في أعقاب بدء عملية طوفان الأقصى كل وسائل الدعم العسكري والسياسي والمالي واللوجستي والإعلامي غير المشروط للكيان الصهيوني، وأعلنت الولايات المتحدة عن رؤيتها لمستقبل غزة في أواخر أكتوبر، والتي تتلخَّص في رفض إعادة احتلال غزة، ورفض استخدام غزة منطلقًا لهجمات حماس ضدَّ إسرائيل، وتبنَّت الولايات المتحدة فكرة إعادة توحيد غزة والضفة في هيكل واحد، ليصبح الحكم في نهاية المطاف في يد سلطة فلسطينية في إطار حل الدولتين.
- تخشى الولايات المتحدة من نشوب حرب إقليمية، لأن ذلك سيتطلب إعادة التمركز العسكري في الشرق الأوسط، عقب تقليص وجودها الدفاعي في المنطقة، وقد كان هدف أمريكا من نشر بعض القطع العسكرية في الشرق الأوسط عقب بداية الحرب هو الردع وليس الاشتباك، حيث يتطلَّب الاشتباك إرسال المزيد من القوات، والذي لن يتم إلا على حساب منافستها للصين في شرق آسيا، وفق استراتيجيتها المعلنة في 2022 باعتبار الصين تمثل التهديد الاستراتيجي الأكبر للولايات المتحدة.
- تخشى إدارة بايدن من التداعيات الانتخابية لاستمرار التصعيد العسكري، خاصة في ظل الانقسامات الداخلية وتصاعد حدة الانتقادات، داخل الإدارة الأمريكية في عدة مؤسسات رسمية، مثل وزارة الخارجية، تلك الانتقادات التي تنامت أيضا داخل صفوف الحزب الديمقراطي وعموم الرأي العام الأمريكي.
- رغم الخلاف بين الطرفين في ملفات إيران وحل الدولتين؛ ترى الإدارة الأمريكية أن النهج الأمثل هو في بقائها حليفا عسكريا وداعمًا لإسرائيل، لكونها أفضل طريقة لانتزاع تنازلات من نتنياهو في الملفات الخلافية، ومن المرجح أن وضع الشرق الأوسط سيكون في مرتبة أعلى على أجندة الأمن القومي الشاملة لإدارة بايدن خلال السنة الجارية، غير أن هذا سيصاحبه ضغط على الحكومة الاسرائيلية مع تصاعد الانتقادات داخل الرأي العام الأمريكي ضد دولة الاحتلال خاصة من قبل الشباب.
- والمحصلة الإجمالية التي يمكن الوقوف عليها بشأن مستقبل العلاقات القريب بينهما، عقب هذا العرض أنه رغم التحالف الاستراتيجي بينهما، إلا أنه من المتوقع أن تضغط أمريكا خلال الفترة القريبة على إسرائيل؛ لتغيير سياساتها الاستيطانية في الضفة الغربية، وتفعيل دور السلطة الفلسطينية، وعدم جرها لحرب إقليمية تشمل إيران، والتي سوف تعمل الولايات المتحدة على استمرار التفاهمات معها، بشأن قواعد الاشتباك على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، ومنع المليشيات العراقية الموالية لطهران من الهجوم على الأهداف الأمريكية في العراق وسوريا، وتأمين حرية الملاحة في باب المندب والبحر الأحمر؛ للحيلولة دون تكرار الهجمات الحوثية على السفن فمن غير المرجح أن تؤدي الضربات الجوية والبحرية إلى إضعاف قدرات الحوثيين بشكل كبير، وستضغط على حكومة الاحتلال في هذه الملفات للالتزام بهذه السياسات الكلية للولايات المتحدة في عام 2024 م.