حدث ورؤية

تعليق عمل الوكالة الأمريكية للتنمية

بين التطرف السياسي والتطرف الديني

كتب إيلون ماسك، الذي يرأس جهود كفاءة الحكومة في عهد ترامب، في وقت مبكر يوم ٣ فبراير، إنه بصدد إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) بمباركة شخصية من ترامب. وقال:

“لقد تحدثت مع ترامب بالتفصيل، ووافق على إغلاقها”،

“ولقد راجعت الأمر معه عدة مرات وقلت: هل أنت متأكد؟، وكانت إجابة ترامب: نعم”. وقال ماسك: “لذا فإننا نغلقها”.

بعد ذلك وقعت إجراءات أشبه بما يحدث في الانقلابات العسكرية بجمهوريات الموز:

  1. أُبلِغ موظفو الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أن مقر الوكالة في واشنطن سيغلق بدءا من يوم ٣ فبراير وسط الاضطرابات الحالية.
  2. في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى الموظفين في وقت مبكر من نفس اليوم، قالت قيادة الوكالة: “سيعمل موظفو الوكالة المكلفون عادة بالعمل في مقر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية عن بُعد … باستثناء الموظفين الذين لديهم وظائف أساسية في الموقع وصيانة المباني والذين يتم الاتصال بهم بشكل فردي من قبل القيادة العليا.”
  3. في خضم الاضطرابات، استقال مات هوبسون، رئيس موظفي الوكالة الأميركية للتنمية الدولية والمعين سياسيا.
  4. خلال الأيام القليلة الماضية، شتم ماسك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية مرارًا وتكرارًا دون تقديم دليل على أن العاملين هناك فاسدون، ووصف الوكالة الحكومية العريقة بأنها “شريرة” و”عش أفعى للماركسيين اليساريين المتطرفين الذين يكرهون أمريكا”. وأضاف “إن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية منظمة إجرامية. لقد حان الوقت لكي تموت”. وأضاف: “يجب أن ترحل. إنها لا يمكن إصلاحها”.
  5. منذ يومين تم إغلاق حساب الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية على موقع X، مع ظهور رسالة تقول إن الحساب “غير موجود”. كما تم إغلاق حساب الوكالة على موقع  Instagram
  6. تم إغلاق الموقع الرسمي للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية على الإنترنت.
  7. أشار ترامب أيضًا إلى أن إقالة مسؤولي الوكالة الأميركية للتنمية الدولية كانت مبررة، وقال للصحفيين: “لقد أدارها مجموعة من المجانين المتطرفين. ونحن نخرجهم”.

 

خلفية الحدث:

  • تأسست الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في عام 1961 على يد الرئيس جون كينيدي، وتشرف الوكالة على مجموعة واسعة من البرامج المصممة لتوفير الإغاثة الإنسانية ومكافحة الفقر ودعم الصحة العالمية. في عام 2023، تمكنت الوكالة من إدارة مخصصات بقيمة 40 مليار دولار، وفقًا لدائرة أبحاث الكونجرس. وتتواجد الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية حاليا في أكثر من 100 دولة، ويبلغ عدد موظفي الوكالة أكثر من عشرة آلاف موظف، أغلبهم خارج الولايات المتحدة. على الرغم من كون الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID إحدى وكالات الحكومة الأمريكية المستقلة من الناحية الفنية، إلا أنها تخضع لتوجيهات السياسة الخارجية لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية ووزير الخارجية ومجلس الأمن القومي.
  • طالب ماسك في خضم تأييده لحملة ترامب الانتخابية، أن يتم تعيينه لإدارة وزارة جديدة لإدارة الكفاءة الحكومية (DOGE)، ولأن إنشاء وزارة فيدرالية جديدة يحتاج لتشريعات وموافقة الكونجرس، عين ترامب ماسك رئيسًا لمكتب إدارة الموارد البشرية، وهو مكتب حكومي جديد وُعِد في البداية بتمشيط البيروقراطية الفيدرالية بأكملها بحثًا عن تخفيضات عميقة في الإنفاق. ومنذ ذلك الحين، سعى ماسك إلى ممارسة سيطرة شاملة على الأعمال الداخلية للحكومة الأمريكية، وتعيين بدلاء لهم منذ فترة طويلة في العديد من الوكالات، بما في ذلك مكتب إدارة موظفي الدولة، الذي يتعامل بشكل أساسي مع الموارد البشرية الفيدرالية، وإدارة الخدمات العامة، التي تدير العقارات. يقع مكتب DOGE الآن في مكتب بالبيت الأبيض كان يُعرف سابقًا باسم الخدمة الرقمية الأمريكية ولكنه يُطلق عليه الآن خدمة DOGE الأمريكية ولديه رؤية واسعة النطاق للتكنولوجيا في جميع أنحاء الحكومة.
  • جاء تحرك الإدارة لطرد كبار المسؤولين الأمنيين في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بعد يوم واحد من حصول مساعدي ماسك في DOGE على إمكانية الوصول إلى نظام حساس لوزارة الخزانة مسؤول عن تريليونات الدولارات من مدفوعات الحكومة الأمريكية بعد أن أطاحت الإدارة بمسؤول مهني كبير في الوزارة.
  • بدأت العاصفة الأخيرة عندما دخلت مجموعة من ثمانية مسؤولين من وزارة الطاقة مبنى الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، وطالبوا بالوصول إلى كل باب وطابق، على الرغم من أن القليل منهم فقط لديهم تصاريح أمنية، وعندما حاول موظفو الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية منع الوصول إلى بعض المناطق، هدد مسؤولو وزارة الطاقة والموارد الطبيعية باستدعاء ضباط الشرطة الفيدراليين. وفي النهاية، سُمح لمسؤولي وزارة الطاقة والموارد الطبيعية بالوصول إلى “أماكن آمنة” بما في ذلك مكتب الأمن. تبين لاحقا أن كبار المسؤولين من مكتب الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وأغلب الموظفين في مكتب الشؤون التشريعية والعامة التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية تم إجازتهم، ولم يتم إخطار بعضهم ولكن تم تعليق وصولهم إلى محطات الوكالة.

 

ليس من الواضح ما ستؤول إليه الوكالة الأمريكية للتنمية، وهي أكبر مزود للمساعدات الغذائية في العالم، لكن من الواضح نية التصرف بقوة لجعل جهاز السياسة الخارجية الأمريكية يتماشى مع نهج ترامب “أمريكا أولاً” في التعامل مع العالم. ستقع بالتأكيد تجاذبات صاخبة في الكونجرس حول الإجراءات الأخيرة، وسيكون هناك توتر شديد بسبب تعليق أو تجميد مساعدات خارجية لها حساسية سياسية، خاصة لأوكرانيا، ومناطق في أفريقيا. من المتوقع أن يحاول ترامب إلغاء الوكالة أو ربما دمجها في وزارة الخارجية، بشكل يتماشى مع وجهة نظر الإدارة الجديدة الأقل تعاملاً مع المشاركة العالمية وتصميمها على إعادة تركيز الإنفاق العام على الأنشطة التي تحقق تأثيرات مباشرة وملموسة للمواطنين الأميركيين.

من المهم الإشارة أن الوكالة الأمريكية لا يقتصر عملها على جهود الإغاثة، بل إن جزءا من عملها يتعلق بالجهود الأمريكية للتدخل والتأثير – أو السيطرة – على أنظمة الحكم في دول عديدة، عبر تمويلها لمنظمات أهلية ولمنصات إعلامية.

 

لقد توقع مراقبون حدةً وتطرفا في بعض سياسات الإدارة الجديدة، لكن قليلا منهم من انتبه إلى كون هذا التطرف له جذور عقدية دينية، ولعل الخشونة والسطوة التي تم التعامل بها مع وكالة فيدرالية تمثل أحد أهم أذرع القوة الناعمة الأمريكية، يمثل منعطفا مهما لفهم عقلية ودوافع الإدارة الأمريكية الجديدة. إذا كانت الإدارة الجديدة لديها الجرأة والهوس للتعامل مع إدارة فيدرالية بهذا الشكل، فإنه من الصعب تخيل ما يمكن أن تقدم عليه مع مؤسسات أهم وأخطر، مثل مؤسسات الأمن والقضاء. لقد أعطت أحداث اقتحام الكونجرس في ٦ يناير ٢٠٢١ فكرة عما يمكن أن يقدم عليه ترامب، بعيدا تماما عن أوسع خيال للسياسيين. إن حالة الانقسام الداخلي والاستقطاب السياسي الحاد داخل الولايات المتحدة يمكن تفهمه، ولكنه الآن يدور تحت مظلة من التطرف الديني والتطرف العلماني، وهذه الحالة ربما تكون غير مسبوقة في تاريخهم.

لقد حدث في تاريخ أمريكا أن ترأس البيت الأبيض بعض قليلي الخبرة السياسية، ولكنهم أحاطوا أنفسهم بمستشارين من الوزن الثقيل، لكن في الحالة الراهنة، فإننا إزاء رئيس قليل الخبرة وأحاط نفسه بمجموعة أغلبها عديمة الخبرة السياسية، وفي نفس الوقت سمح لمجموعة من رجال الأعمال شديدي النهم لتمدد أعمالهم، أن يتحكموا في مفاصل كل المؤسسات الفيدرالية لبلد بحجم الولايات المتحدة، مما ينذر بعواقب غير متوقعة على الإطلاق، مهما كانت قبضة وسطوة الدولة العميقة.

زر الذهاب إلى الأعلى