
المؤرخون الجدد في الكيان الصهيوني هم نخبة قليلة من باحثين أكاديميين وكتاب وصحفيين شذت عن تقاليد البحث التاريخي التي رسختها المؤسسة الصهيونية الرسمية في الأوساط الجامعية والبحثية الإسرائيلية، وقدموا دراسات تبتعد كثيرا عن رواية أو أساطير التأسيس وتقترب أكثر من تاريخ نكبة فلسطين ومنظورها الحقيقي.
ارتبطت ظاهرة “المؤرخين الجدد” برفع السرية عن محفوظات ووثائق إسرائيلية عائدة لأحداث حرب 1948، أواخر سبعينيات القرن الماضي، وبتأثير الغزو الإسرائيلي للبنان في صيف 1982 والانتفاضة الأولى في الضفة العربية وقطاع غزة المحتلين أواخر 1987.
دحض أساطير الرواية الرسمية الإسرائيلية
دحض هؤلاء “المؤرخون الجدد”، مثل توم سيغيف وسيمحا فلابان وبني موريس وآفي شلايم وإيلان بابيه، كثيرا من أساطير الرواية الرسمية الإسرائيلية حول حرب 1948:
– أسطورة “خطر الإبادة”، التي تعرض لها التجمع الاستيطاني اليهودي في فلسطين جراء “تفوق” العرب عدداً وعدة في حرب 1948؛
– أسطورة أن العرب “رفضوا”، منذ سنة 1948، يد السلام التي مدّتها إسرائيل إليهم؛
تولى هؤلاء الأكاديميون مراجعة فصول مختلفة من تاريخ إسرائيل الرسمي، للتحقق من صحة أحداثه أو أنها “أساطير سياسية” خلقتها المؤسسة الصهيونية لدعم أهدافها.
– أسطورة “حرب الاستقلال” وأن التجمع الاستيطاني اليهودي في فلسطين خاض حربا ضد الانتداب البريطاني لتحقيق الاستقلال، وأجبر البريطانيين على الخروج من فلسطين؛ ومن ثَمّ أقام دولة إسرائيل؛
– أسطورة أن الفلسطينيين نزحوا بمعظمهم عن أرضهم خلال الحرب “طوعيًا” أو بتأثير “دعاية” الجيوش العربية التي حثتهم على الهجرة؛
– أسطورة الاستيطان اليهودي المثالي الرومانسي.
الأهمية والتأثير
تكمن أهمية ما يطرحه المؤرخون الجدد، أو ما يطلق عليهم أحياناً مدرسة “التأريخ الإسرائيلي الجديد”، من أفكار في تحديها لكثير من الأساطير التي بنيت عليها مخيلة الكيان الصهيوني تجاه عدد من القضايا الأساسية قبل تأسيس الدولة وبعدها.
انصب قدر معتبر من دراسات المؤرخين الجدد على إثبات أن المنظمات العسكرية الصهيونية، والتي شكلت الجيش الإسرائيلي قبيل الحرب، انخرطت في برنامج تهجير واعٍ للفلسطينيين بهدف طردهم من فلسطين، انسجامًا مع الفكرة الصهيونية الأساسية حول الـ”ترانسفير” وضرورة إخلاء الأرض للمهاجرين اليهود وعدم إمكانية وجود شعبين في البقعة ذاتها.
والحقيقة أن التشكيك في الرواية التاريخية الرسمية لتأسيس الكيان الصهيوني، ليس بجديد ويمكن العودة إلى سنوات الستينيات من القرن الماضي، وتحديدا إلى الفيلسوفة الأميركية يهودية الأصل حنا أرنت. ففي كتابها حول محاكمة النازي اليهودي، أدولف أيخمان، أوردت أرنت مدى التواطؤ الذي طبع علاقات الحركة الصهيونية الألمانية بالسلطات النازية.
وقد شددت أرنت على سياسة بن غوريون الرامية إلى تأسيس هالة خرافية حول شخصيته الكاريزمية التأسيسية. وبالفعل فإن أول الرموز التي سقطت مع أعمال المؤرخين الجدد في إسرائيل هو رمز بن غوريون بوصفه قائدا وطنيا مؤسسا. إذ تحمله أغلب هذه الدراسات الجديدة المسؤولية المباشرة على بلورة وصياغة وتنفيذ مخطط دالي الرامي ظاهريا إلى حماية اليهود عن طريق تعليمات تبرر القتل والتهجير.
وفي نفس السياق، تحدث الكاتب الإسرائيلي ألبرت ميمي مبكرًا في كتابه “المُستعمِر والمُستعمَر”، الصادر في 1957، حول كيفية طمس المسْتعمِرين لإنسانية المستعمَرين. يقول ميمي: “إنسانية المُستعمَر، التي يرفضها المُستعمِر، تصبح مطموسة. ومن العبث، كما يُصر المُستعمِر، أن تحاول التنبؤ بأفعال المُستعمَرين. ويخيل لدى المُستعمِر أن هناك نوازع غريبة ودوافع مقلقة تسيطر على المُستعمَر. ولا بد أن الأخير هو بالفعل غريب أو شاذ جداً، خاصة إذا ما استمر غامضاً جداً بعد سنوات من العيش مع المُسْتعمِر”.
الذاكرة التاريخية: ظهور المؤرخين الجدد
يرصد إيلان غريلزَمر (يهودي فرنسي)، المؤرخ وأستاذ العلوم السياسية بجامعة بار إيلان، ظهور المؤرخين الجدد في إسرائيل نهاية الثمانينيات، كظاهرة فكرية بدأها أكاديميون شباب بمجالات التاريخ والاجتماع والأنثروبولوجيا والاقتصاد، في التشكيك في الأفكار الأساسية التي كان المجتمع الإسرائيلي يعتبرها حتى ذلك الحين “حقيقة” كاملة.
تولى هؤلاء الأكاديميون مراجعة فصول مختلفة من تاريخ إسرائيل الرسمي، للتحقق من صحة أحداثه أو أنها “أساطير سياسية” خلقتها المؤسسة الصهيونية لدعم أهدافها.
بدأ النقاش الرئيسي حول نزوح الفلسطينيين بيني موريس مؤلف كتاب “ولادة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين 1947ـ1949”. ويعترف بارتباط ولادة هذه المشكلة بسياسة التهجير القسري التي اعتمدتها الحركة الصهيونية، مؤكدا على الجانب التخطيطي لهذه السياسة منذ بداية أربعينيات القرن الماضي. كان كتاب موريس الصادر في 1988 أول حدث ثوري في هذا الجدل على مستوى الرأي العام؛ وأثارت الأسئلة التي طرحها “المؤرخون الجدد” جدلا فكريا كبيرا في إعلام الكيان الصهيوني. تلقى هؤلاء الأكاديميون الدعم حينًا أو انتقادات شديدة أحيانا.
وقد خصص غريلزَمر، لشرح أهمية هذا الجدل في سياق المجتمع الصهيوني، كتابه الصادر بالفرنسية بعنوان، “تاريخ إسرائيل الجديد: مقال عن الهوية الوطنية”.
يرى غريلزمر أن حرب يوم الغفران (6 أكتوبر 1973) كانت مصدر إعادة تقييم شاق وعسير لـ”المرحلة الذهبية” في تاريخ الكيان الصهيوني. وبسبب نتائجها، فَقَدَ حزب العمل السلطة، وهو الحزب الذي ظل حائزاً على إجماع الإسرائيليين على مدى خمسين عاماً. هذا على المستوى السياسي. أما على المستوى الثقافي والفكري، فقد برزت مجموعة من الجامعيين والباحثين والمؤرخين والأدباء أبدت رغبة في إعادة النظر فيما سُمي «المرحلة الذهبية»، باحثة عن الثغرات والسلبيات التي طبعتها.
وعقب غزو لبنان في صيف 1982، تعمّقت الحركة النقدية للتاريخ الإسرائيلي، وبشأنها احتدم الجدل خاصة عند ظهور من أصبحوا يسمّون منذ ذلك الحين «المؤرخون الجدد». وعن هؤلاء يقول غريلزمر إنه بالنسبة لهؤلاء المؤرخين الجدد، ليس هناك شيء مُحرّم. وكل ماضي “دولة إسرائيل” لا بد أن يُوضع تحت مجهر البحث والتمحيص، فليس هناك تاريخ حقيقي، وآخر مُزور. وأما التاريخ الرسمي فقد ألقي به في سلّة المهملات! بالإضافة إلى كل هذا، لم تعد هناك فكرة واحدة بالنسبة لهؤلاء المؤرخين مثلما كان الحال في “المرحلة الذهبية”.
كما لم تعد هناك أيديولوجية تأسيسية، بل هناك فقط وقائع وأحداث تمّ العثور عليها في خزائن الأرشيف تُقدّمُ للقارئ الذي يستطيع أن يفعل بها ما يشاء وما يريد. ويضيف إيلان غريلزَمر: «لجأ المؤرخون الصهاينة إلى استعمال كل الوسائل الممكنة وغير الممكنة لكي يغلّفوا الماضي بغطاء أسطوري وميثولوجي. وهو غطاء كاذب ومُلفّق بطبيعة الحال».
و«خلافاً للتاريخ القديم (الرسمي) قُدّمت قراءة جديدة للواقع والأحداث. وقد تبيّن من خلال ذلك أن الكثير من (الأبطال) الذين تحوّلت حياتهم إلى أساطير عجيبة غذّت خيال أجيال من الإسرائيليين، كانوا في الحقيقة قتلة ومجرمين وسفّاكي دماء. أما قادة طلائع الصهاينة الذين احتلوا الأراضي العربية فقد كانوا استعماريين عنصريين».
ويشير إيلان غريلزمر إلى أن «حرب الاستقلال» التي خاضها الإسرائيليون ضد شعب فلسطين كانت فرصة لكثير من العسكريين لاقتراف مجازر فظيعة في القرى والمدن بهدف إجبار سكانها على إخلاء بيوتهم وأراضيهم.
استيطان يهودي رومانسي
من القضايا التي عمل المؤرخون الجدد على تفكيكها: الصورة المثالية الرومانسية للتجمعات الاستيطانية في فلسطين في العشرينات والثلاثينات التي رسمتها الرواية الرسمية، حيث زرعت في عقول أجيال الإسرائيليين صورة بطولية لمهاجرين مثابرين لا هم لها إلا إصلاح الأرض اليباب! وكيف كانت علاقة هذه التجمعات فيما بينها غاية في التعاون، وعلاقتها مع جيرانها العرب غاية في التسامح، لكن العرب بادروا بالعداء.
هذه التجمعات تظهر في كتابات المؤرخين الجدد، سيمحا فلابان وتوم سيغف، عدائية تجاه بعضها البعض وتجاه العرب واستفزازية قائمة على الكراهية. بل تبيّن أن «اليهود القادمين من جحيم معسكرات الاعتقال النازية لم يحظوا بالعناية، ولم يستقبلوا بحفاوة بالغة كما كان يُعتقد، بل تعرّضوا للكثير من المظالم، ولاقوا الإهمال والحيف».
يمكن القول إنه منذ 1947 التي شهدت الإعلان عن تأسيس إسرائيل إلى 1973 التي اندلعت فيها حرب رابعة بينها وبين الجيوش العربية، وفيها ذاق جيشها طعمَ الهزيمة المرة للمرة الأولى، عرفت دولة إسرائيل في تلك المرحلة تماسكاً حديدياً، وتضامناً قوياً بين مختلف فئاتها وطبقاتها الاجتماعية القادمة من مختلف أنحاء العالم.
وهو أمر أثار إعجاب الكثير من المفكرين والفلاسفة الغربيين الذين جنّح الخيال بهم بعيداً ليتوهّموا أن إسرائيل، هي «جمهورية أفلاطون» التي طالما حلموا بها. وقد ازداد إعجابهم بها لما شرع شعبها في خوض معركة ضد الجفاف ومصاعب الطبيعة، مُعيداً الاخضرار والحياة إلى الصحراء القاحلة، ومُهيّئاً مدناً وقرى لأعداد كبيرة من اليهود الذين كانوا يعيشون في الشتات.
ومن خلال المدارس والجامعات ووسائل الإعلام ومراكز البحث والفكر، تمكّنت دولة إسرائيل من غرس “المبادئ” التي قامت عليها في قلوب وعقول أطفالها وشبانها، وأن تقنعهم بأنهم «شعب الله المختار»، وأن الأساطير اليهودية القديمة حقائق تاريخية لا يمكن دحضُها أو التشكيك فيها، باسطة أمام عيونهم المفعمة بالدهشة والذهول، بطولات اليهود وتضحياتهم الجسيمة في معسكرات الاعتقال النازية والحروب التي خاضوها ضد العرب.
أمّا المجازر التي ارتُكبت ضد الفلسطينيين، وطردهم من أراضيهم، وتشريدهم في الصحراء، وتزوير تاريخهم، فقد كان كل هذا ولا يزال يدخل ضمن «حق إسرائيل في الدفاع عن وجودها». ولكي تؤكد لأطفالها وشبابها أن الأرض التي استولت عليها «أرض يهودية»، ابتكرت إسرائيل قصة أغرب من الخيال.
تقول هذه القصة إن يهودياً يُدعى أليعازر بن ياعير قال وهو يُقبّلُ الأرضَ قبل أن يلفظ أنفاسه بعد أن أصابته رصاصة من عربي في بداية تدفق اليهود إلى فلسطين: «إنه لشيء رائع أن يموت واحد مثلي من أجل أرض اليهود المقدسة».
وقد حاول مثقفون يهود انتقاد بعض العيوب في الإعلام وفي مناهج التدريس، والإشارة إلى بعض الأكاذيب، إلا أن أصواتهم ضاعت في جلبة الانتصارات التي كانت إسرائيل تحققها في حروبها ضد العرب الذين تمسكوا بمواقفهم، فوجدوا أنفسهم متهمين بـ«تزوير التاريخ وقلب الحقائق».
وقد ظل الأمر كذلك حتى حرب أكتوبر 1973. ففي نهاية تلك الحرب القصيرة، استيقظ سكان «الجمهورية المثالية» ليجدوا أنفسهم على حافة الهاوية، وليكتشفوا وهم في ذهول وهلع خواء أسطورة «الجيش الذي لا يُقهر»، وأكاذيب الحكام الذين يؤكدون لهم على مدار الساعة أنهم قادرون على تأمين السلام والأمن والرفاهية لهم.
أسطورة ميلاد إسرائيل
الرواية الصهيونية الرسمية لتاريخ التأسيس الإسرائيلي ألفها الإسرائيليون واستساغها الإعلام الرسمي الغربي معتبرا غير ذلك ضربا من ضروب “اللاسامية”. إنها رواية المنتصر. تقول هذه الرواية إن الدولة اليهودية الناشئة في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي، كانت وليدة مقاومة بطولية قادتها قوة التحرر الصهيوني في وجه الاحتلال البريطاني وفي وجه جيوش عربية جرارة تفوق اليهود عددا وعدة في “حرب الاستقلال”.
وبطبيعة الحال لا بد لهذه الرواية من تفسير وضع مئات آلاف المهجرين الفلسطينيين الذين أجبروا على مغادرة أراضيهم. في هذه الحالة تقول رواية التأسيس الصهيوني الرسمي، إن جموع الفلسطينيين العزل غادروا أراضيهم تلبية لطلب القادة العرب المنخرطين في الحرب، بمغادرة ساحة المعارك مؤقتا والعودة بعد تحقيق النصر.
وتضيف الرواية كذلك أن الإسرائيليين حاولوا فيما بعد البحث عن سبل للسلام لكنهم لم يجدوا طرفا جادا يبادلهم نيتهم السلمية. لا نتحدث هنا عن أرض بلا شعب مقابل شعب بلا أرض لأنها لم تنطل حتى على الإسرائيليين أنفسهم منذ البداية.
في كتاب بعنوان «حدث ذلك في فلسطين أيام شقائق النعمان»، يُقدّمُ توم سيغيف الصحافي في «هآرتس» قراءة جديدة للسياسة البريطانية في فلسطين زمن الانتداب محاولاً الإجابة عن أسئلة مفتاحية: لماذا أراد البريطانيون احتلال فلسطين؟ ولماذا أصدروا وعد بلفور؟ ولماذا أصرّوا على سياسة الاحتلال رغم رفض السكان المحليين لهم؟ ولماذا قرروا أخيراً ترك فلسطين؟
جاءت أجوبة توم سيغيف عن الأسئلة المذكورة مثيرة للدهشة، فهو يثبت بعكس التاريخ الرسمي أن العصابات الصهيونية المسلحة مثل «الهاغاناه» و«أرغون» و«شتيرن» لم تلعب أي دور في إخراج بريطانيا من فلسطين، وأنها فعلت ذلك بمحض إرادتها حين اتضح لها أنه لا هدف استراتيجيًا من البقاء في فلسطين. ويضيف توم سيغيف أن القوة الوحيدة التي أجبرت البريطانيين على الانسحاب من فلسطين هم العرب.
وما يبقى مهماً ومثيراً للجدل بحسب المهتمين بظاهرة «المؤرخين الجدد» في إسرائيل هو أن هذه الظاهرة تعكس تيارات جديدة بدأت تخترق المجتمع الإسرائيلي منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي. وقد كان يُتوقع أن تتعزز في المرحلة الحالية التي يشهد فيها المجتمع الإسرائيلي تمزقات رهيبة لم يسبق لها مثيل. كما أن الحركات والمجموعات اليمينية المتطرفة ستجد نفسها عاجزة هذه المرة عن نشر الأكاذيب والأساطير. ثم إن العلمانيين المستقرين بالمدن الكبيرة، على ساحل المتوسط، ويرغبون في حياة غربية الطراز أظهروا خلال الفترة الأخيرة نفوراً واضحاً من تمدد اليمين الديني المتطرف المتحالف مع بنيامين نتنياهو وسياسات الاستقطاب والانقسام.
التطهير العرقي في فلسطين
في 2006، أصدر إيلان بابيه الأستاذ بجامعة حيفا وأحد أهم المؤرخين الجدد، كتابه المفصلي: “التطهير العرقي في فلسطين”. يكشف الكتاب كيف جرت عمليات التطهير العرقي في فلسطين سنة 1948، وكيف كان الترحيل والتطهير العرقي جزءاً جوهرياً من استراتيجية الحركة الصهيونية. ينقض بابيه الرواية الإسرائيلية عن حرب 1948 ويورد إثباتات من وقائع الأرشيف الوطني الإسرائيلي وأرشيف الجيش الإسرائيلي. كذلك أجرى تحليلات مهمة لوقائع وأحداث ذكرت في يوميات أعضاء الحركة الصهيونية مثل بن غوريون بشكل يظهر التخطيط المسبق والتنفيذ لهذا التطهير.
وهذا يؤكد أن طرد الفلسطينيين لم يكن وفقا للرواية الإسرائيلية مجرد هروب جماعي وطوعي للسكان بل خطة مفصلة جرى وضع اللمسات النهائية عليها في اجتماع عقده دافيد بن غوريون في تل أبيب يوم 10 مارس 1948 بحضور عشرة من القادة الصهاينة.
وتضمنت أوامر صريحة لوحدات الهاغاناه باستخدام شتى الأساليب لتنفيذ هذه الخطة ومنها: إثارة الرعب، وقصف القرى والمراكز السكنية، وحرق المنازل، وهدم البيوت، وزرع الألغام في الأنقاض لمنع المطرودين من العودة إلى منازلهم. وقد استغرق تنفيذ تلك الخطة ستة أشهر. ومع اكتمال التنفيذ كان نحو 800 ألف فلسطيني قد أُرغموا على الهجرة إلى دول ومناطق مجاورة، ودُمِّرت 531 قرية وبلدة، وأخلي أحد عشر حياً مدنياً من سكانه. وهذه الخطة، بحسب وصف بـابيـه، تعتبر، من وجهة نظر القانون الدولي، “جريمة ضد الإنسانية”.
خلال حرب فلسطين عام 1948، من بين 900 ألف عربي فلسطيني كانوا يعيشون في الأراضي الفلسطينية التي احتلت في 1948 وأصبحت إسرائيل، فرّ أو طُرد أكثر من 720 ألف فلسطيني عربي من منازلهم. أسباب هذا الترحيل مثيرة للجدل وناقشها المؤرخون. وأراد إيلان بابيه تقديم “نموذج التطهير العرقي” كنموذج تفسيري في نقاشه لهذه الأسباب واستخدمه ليحل محل “نموذج أحداث وظروف الحرب” كأساس للبحث العلمي والمناقشات العامة حول أحداث 1948-1949.
أطروحة الكتاب هي أن نقل الفلسطينيين قسرا إلى العالم العربي كان هدفا لـلحركة الصهيونية وضرورة للشخصية المرغوبة للدولة اليهودية. ووفقًا لبابيه، فإن نزوح الفلسطينيين عام 1948 نتج عن تطهير عرقي مخطط لفلسطين نفذه قادة الحركة الصهيونية، بن غوريون و”مجموعته الاستشارية”. يؤكد الكتاب أن التطهير العرقي قد جرى تنفيذه من خلال عمليات طرد ممنهج لأكثر من 500 قرية وبلدة عربية، والهجمات الإرهابية التي نفذتها عصابات الأرغون والهاغاناه اليهودية المسلحة ضد السكان المدنيين. يشير بابيه أيضًا لخطة داليت وإلى ملفات القرية كدليل على عمليات الطرد المخطط لها.
في كتاب “أكبر سجن على الأرض: تاريخ الأراضي المحتلة”، الصادر في 2017 في ذكرى مرور خمسين عاماً على عدوان يونيو 1967، بيّن بابيه، استناداً لوثائق أرشيفية جديدة، أن حرب 1967 لم تُفرض على إسرائيل، بل استعدّت لها منذ 1963، عندما “التحقت شخصيات من الجيش الإسرائيلي والسلطات القضائية والمدنية بدورة في الجامعة العبرية بالقدس لوضع خطة شاملة لإدارة أراضي ستحتلها إسرائيل، والتي كان يعيش فيها نصف مليون فلسطيني”، وأنه في مايو 1967، قبل أسابيع قليلة من اندلاع حرب 1967، تلقى قادة الجيش “تعليمات قانونية وعسكرية للسيطرة على البلدات والقرى الفلسطينية”.
وفي مقابلة مع موقع “ميدل إيست آي”، أكد إيلان بابيه أن كتابه هذا امتداد لكتابه “التطهير العرقي في فلسطين”، ذلك أن المشروع الصهيوني، في تقديره، مسلسل أحداث، وليس حدثاً واحداً. أي أنه في 1948، “كانت هناك خطة واضحة للغاية هدفها محاولة طرد أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين من أكبر جزء ممكن من فلسطين”؛ بيد أن هذه الخطة لم تنجح تماماً، واعتقد بعض صنّاع السياسة الإسرائيليين “أن بإمكانهم أن يفعلوا في 1967 ما فعلوه في 1948، لكن الغالبية العظمى منهم أدركوا أن حرب 1967 كانت حرباً قصيرة جداً، وأن الصحافة والتلفزة كانتا حاضرتين وأن العديد من الأشخاص الذين أرادوا طردهم كانوا بالفعل لاجئين من سنة 1948”.
لذلك لجأوا إلى “التطهير العرقي التدريجي، وفي بعض الحالات طردوا حشوداً من السكان من مناطق معينة مثل أريحا وقلقيلية وحي المغاربة في البلدة القديمة بالقدس. لكن في معظم الحالات، قرروا أن إقامة حكم عسكري لحصار وحصر الفلسطينيين في مناطقهم سيكون مفيداً مثل طردهم”.
كذلك، تشير كتابات بني موريس لوجود فكرة الـ”ترانسفير” في قلب المشروع الصهيوني؛ وأورد موريس اقتباسات عن بن غوريون تؤيد الـ”ترانسفير” باعتباره الحل العملي الوحيد للحصول على دولة يهودية بغالبية يهودية كاسحة. وينقل موريس عن بن غوريون في خطاباته أمام الوكالة اليهودية والمؤتمرات الصهيونية، خاصة عام 1937 وبعد نشر تقرير بيل لتقسيم فلسطين، قوله “إننا لا نريد تبديل مكان سكن الفلسطينيين [داخل فلسطين] لكننا نريد تهجيرهم”، مشيرا إلى أن هناك مساحات واسعة من الأرض عند العرب ويمكنهم أن يستقبلوا الفلسطينيين فيها. وفي 1938 قال بن غوريون بوضوح إنه يدعم فكرة التهجير الإجباري ولا يرى أي شيء غير أخلاقي فيها.
في المحصلة، تنقض دراسات المؤرخين الجدد حول تهجير شعب فلسطين أسطورة التأسيس التي تزعم نزوح الفلسطينيين طوعيا وتقترب أكثر من الحديث عن نكبة فلسطين من منظورها التاريخي الحقيقي، حيث ينفي هؤلاء المؤرخون وجود دليل على كون الفلسطينيين غادروا أرضهم طوعا أو تلبية لنداء قادة عرب. إذ لا وجود لأي قرار رسمي عربي مكتوب، كما أن معاينة التسجيلات الإذاعية، التي أتاحها فتح الأرشيف الإسرائيلي، أظهرت أن أغلبها “مفبرك” وبعضها لا يرقى إلى مستوى الدعوة الرسمية لمغادرة الأرض. بل على العكس بعضها يجرِّم التفكير في ذلك.
وقد درس هؤلاء المؤرخون حالة القرى العربية التي تم محوها أو تهويدها وعددها 400 ليخلصوا إلى أن نحو نصفها تم إخلاؤه جراء أعمال عنف وقتل ارتكبت مباشرة ضد سكانها العرب. في حين لا نجد إلا حالات قليلة غادر فيها السكان لأسباب غير مؤكدة حسب هذه الدراسات.
أفول ظاهرة “المؤرخين الجدد“
رغم إعادة النظر في أساطير التأسيس، حافظ بعض هؤلاء المؤرخين على مواقف سياسية متضاربة أحيانا مع نتائج أبحاثهم. لكن ينبغي التأكيد على أهمية بداية السقوط الرمزي لأسطورة التأسيس الإسرائيلي التي أسست لحالات شاذة من التكلس الفكري والمعرفي شملت بلدان الغرب ذاتها.
لم يؤسس المؤرخون الجدد في إسرائيل لمنظومة فكرية داخلية قادرة على إثمار البحث التاريخي في الواقع السياسي. ولم يشكّل هؤلاء المؤرخون مجموعة متجانسة، لا منهجياً ولا أيديولوجيًا، بل تنوّعت آراؤهم السياسية ومواقفهم تجاه الصهيونية.
فمن بين جميع مؤرخي هذه “المدرسة”، يُعرّف بابيه نفسه صراحة بأنه “مناهض للصهيونية”، بينما يدّعي آخرون، بدرجات متفاوتة، أنهم صهاينة. وكما كتب المؤرخ والصحافي الفرنسي دومينيك فيدال، مرّ رائدهم، بيني موريس، “بتطور سياسي دفعه، بعد فشل قمة كامب ديفيد في يوليو 2000، إلى دعم أوضح لسياسات أريئيل شارون.
ففي مقابلة مدوية مع صحيفة “هآرتس” اليومية في 8 يناير 2004، ذهب إلى حد الدفاع عن التطهير العرقي، قائلاً: “لم يكن من الممكن إقامة دولة يهودية دون اقتلاع 700 ألف فلسطيني، لذلك كان لا بدّ من اقتلاعهم”.
وفضلاً عن عدم تجانسهم، عانى هؤلاء المؤرخون من قصور معرفي وإدراك مشوّه للواقع، نجما عن اعتمادهم الحصري، بحسب إيلان بابيه، على المحفوظات الرسمية الإسرائيلية، التي نُظِر إليها باعتبارها تنطوي على “الحقيقة المطلقة”، وعدم رجوعهم إلى كتابات المؤرخين العرب ولا إلى التاريخ الشفوي، لا سيما التاريخ الشفوي العربي.
والواقع، أن انتكاس موقف بيني موريس كان تعبيراً عن انطفاء ظاهرة “التأريخ الجديد”، التي سعى أريئيل شارون، بعد وصوله إلى السلطة في 2001، إلى قتلها في مهدها، خصوصًا بعد إطلاق مقولته الشهيرة بأن “حرب الاستقلال” التي خاضتها إسرائيل في 1948 “لم تنتهِ بعد”. وقد تأكد انطفاء هذه الظاهرة مع قيام إيلان بابيه بترك جامعة حيفا التي كان يدرّس فيها ومغادرة إسرائيل، في سنة 2007، إلى بريطانيا، حيث راح يدرّس في جامعة أكستر، وذلك جراء تعرضه لملاحقات ومضايقات صهيونية ومحاولات لنزع الشرعية عن أبحاثه العلمية.
وكان قد سبق ذلك ارتباط اسمه بـ “قضية” طالب الدراسات التاريخية في جامعة حيفا، تيدي كاتس، الذي أعدّ أطروحة ماجستير كشفت عن أحداث المجزرة التي ارتكبت في قرية “الطنطورة” سنة 1948، وحصلت الأطروحة على علامة استثنائية ( 97\100)، وذلك استناداً إلى 135 شهادة شفوية عن الأحداث، نصفها يهودية ونصفها عربية، جمعها وسجّلها على مدى أكثر من 140 ساعة تسجيل.
وفي تلك الرسالة الجامعية، أظهر تيدي كاتس أن قرية الطنطورة الساحلية المزدهرة الواقعة إلى الجنوب من حيفا، التي بلغ عدد سكانها 1600 نسمة، تعرضت للهجوم ليلة 22-23 مايو 1948 من قبل لواء من ألوية القوة الضاربة في الهاغاناه المعروفة باسم “بلماخ”، أسفر عن استشهاد ما بين 200 و250 فلسطينياً وطرد سكانها الآخرين إلى قرية الفريديس المجاورة.
وقد أثيرت تلك القضية، بعد أن نشرت صحيفة “معاريف” اليومية في 21 يناير 2000 مقالاً استند إلى بحث تيدي كاتس، فقام الضباط والجنود السابقون في لواء “بلماخ” برفع دعوى قضائية ضده بتهمة التشهير، وبدأت محاكمته في ديسمبر 2000، ما دفعه إلى التوقيع على تراجع يفيد بأن بحثه لم يتوصل إلى نتيجة تفيد بوقوع “مجزرة” في القرية المذكورة؛ ومع أنه ندم في اليوم التالي على ما قام به، وطلب من المحكمة السماح له بمواصلة دفاعه ضد التشهير المزعوم، إلا أن القاضية رفضت ذلك، ثم قامت الجامعة “بتعليق” رسالته الجامعية.
بيد أن منتج الأفلام الإسرائيلي، آلون شوارتز، تمكن، في 2021، من إعادة تسليط الضوء على مجزرة قرية الطنطورة، من خلال فيلم وثائقي أعدّه بعنوان طنطورة Tantura، مثبتاً “أن خنق التاريخ لا يمنع أبداً الحقيقة من شق طريقها، مهما كانت متعرجة وطويلة”. فقد بيّن شوارتز، في هذا الفيلم، أن تيدي كاتس قال الحقيقة، وأنه سجل بأمانة ما وقع من أحداث في 1948، وتمكن بفضل “تكنولوجيا متقدمة من الكشف عن القبور الجماعية، ومن حث القاضية التي كانت تترأس المحاكمة الأصلية على الاعتراف بأنها لم تستمع إلى الأشرطة المسجّلة من قبل؛ وبعد استماعها إلى شريط منها، من ضمن ما ورد في الفيلم، أقرت القاضية بأن ما أصدرته محكمتها من حكم كان يمكن أن يكون مختلفاً”.
خاتمة وتقييم
ظهر المؤرخون الإسرائيليون الجدد كنخبة قليلة شذت عن تقاليد البحث التاريخي التي رسختها العقلية الصهيونية الرسمية في الأوساط الجامعية والبحثية، وقدموا دراسات تبتعد كثيرا بل تنقض رواية التاريخ الرسمي الإسرائيلي وأساطير التأسيس وتقترب أكثر من وقائع النكبة ومنظورها التاريخي الحقيقي. وارتبطت هذه الظاهرة في إسرائيل برفع السرية في نهاية سبعينيات القرن الماضي عن الوثائق الإسرائيلية حول أحداث 1948.
يضم “المؤرخون الجدد” أسماء مشهورة مثل توم سيغيف وسيمحا فلابان وبني موريس وآفي شلايم وإيلان بابيه، وأسماء أقل شهرة مثل: سيلفان سيبل، وآدم راز، وإيلان غريلزمر، وزئيف ستيرنهيل، وألبرت ميمي، وأنيتا شابيرا، وغيرهم. دحض المؤرخون الجدد أساطير رئيسية حكمت الرواية الرسمية الإسرائيلية حول أحداث حرب 1948.
تولى هؤلاء الأكاديميون مراجعة فصول مختلفة من تاريخ إسرائيل الرسمي، للتحقق من صحة أحداثه أو أنها “أساطير سياسية” خلقتها المؤسسة الصهيونية لدعم أهدافها، ودرسوا الطبيعة الاستعمارية للمشروع الصهيوني والتواطؤ الصهيوني الأردني قبل حرب 1948 و”الجدار الحديدي” الرافض لمحاولات السلام مع العرب.
وتناولوا بالنقد والنقض والتمحيص أساطير التاريخ الرسمي الإسرائيلي: أسطورة خطر الإبادة؛ أسطورة رفض العرب لعروض السلام الإسرائيلية؛ أسطورة حرب الاستقلال؛ أسطورة نزوح الفلسطينيين طوعيا؛ أسطورة الاستيطان اليهودي المثالي الرومانسي.
لكن كيف يمكن أن نقيم عمل هذه النخبة من المؤرخين الجدد؟ ينبغي تناول أي محاولة للتقييم بالبحث التاريخي المعرفي والموقف السياسي المتعلق بتبعات الحدث.
تبقى الموضوعية التاريخية للمؤرخين الجدد في إسرائيل منقوصة وعقيمة بسبب عدم اعتماد هؤلاء المؤرخين على مصادر غير المصادر الرسمية الإسرائيلية. فمن غير المعقول مثلا عدم الاعتماد على المصادر العربية حول أحداث النكبة وكذلك المصادر الرسمية البريطانية، فمن غير المعقول تصور كتابة تاريخ أحداث زمن النكبة الفلسطينية مع تغييب المصادر الشفهية الفلسطينية.
إذ كيف يُكتب تاريخ فاعلين تاريخيين ما زالوا أحياء دون اعتبار وجهة نظرهم. قد يفهم ذلك في السياق السياسي الحالي، بما أن اللاجئين المهجرين خارج فلسطين، لكن هذه الحجة تسقط إذا ما اعتبرنا عرب 1948 الذين يمكن لأي مؤرخ إسرائيلي الحصول على شهاداتهم. هذا يعني أننا لم نخرج تماما من مرحلة كتابة التاريخ بعيون المنتصر. وكأن جوهر التحول تمّ على مستوى المصادر لا على مستوى المنهج.
معرفيا، لا بد من التأكيد على إيجابية الخروج من بوتقة القراءة الرسمية لتاريخ فلسطين والاستيطان اليهودي. ففي هذا التزام أكيد بالمنهج التاريخي الذي لا يعترف بالحقائق الرسمية. مثل هذا التحول ينتج تحديًا داخليًا أكيدا لخطاب النخبة العسكرية السياسية الإسرائيلية التي تحتكر لنفسها حق الحديث عن الآخر الفلسطيني والعلاقة معه.
ورغم إقراره بتفكك ظاهرة المؤرخين الجدد، يلفت سيلفان سيبل، مؤلف “دولة إسرائيل ضد اليهود” (2020)، لتزايد أعمال “خلفائهم” من “مؤرخين وصحافيين وصناع أفلام وثائقية وشهود أو مشاركين في الجرائم التي ارتكبتها دولة إسرائيل”، وفي نفس السياق.
ربما لا تغير دراسات هؤلاء المؤرخين شيئا لدى قارئ عربي تحصن من أساطير التأسيس الصهيونية لكن أثرها الحقيقي في نمو الوعي المساند لحقوق شعب فلسطين في الغرب.
* د. مازن النجار
باحث في التاريخ والاجتماع
مصادر:
– Ilan Greilsammer, The New Historians of Israel and their Political Involvement:
https://journals.openedition.org/bcrfj/6868?lang=en
– Ilan Greilsammer, La Nouvelle histoire d’Israël : essai sur une identité nationale (Paris: Gallimard, 2012).
– Tom Swgev, Days of the Anemones: Palestine During the Mandatory Period (Keter, 1999; Hebrew), توم سيغيف، أيام شقائق النعمان: فلسطين خلال فترة الانتداب (بالعبرية)
– https://www.palestine-studies.org/ar/node/1653930
– https://www.ajnet.me/opinions/2009/5/16/المؤرخون-الإسرائيليون-الجدد-من
– https://aawsat.com/ثقافة-وفنون/4821411-المؤرخون-اليهود-الجدد-يفنّدون-التاريخ-الرسمي
– https://www.ajnet.me/knowledgegate/2004/10/3/فبركة-التاريخ-الإسرائيلي-المؤرخون
– ماهر الشريف، القضية الفلسطينية في الكتابة التاريخية العربية، هل هناك حاجة إلى تأريخ جديد؟، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 55، صيف 2003.