أجواء الحرب الهندية الباكستانية إلى أين؟!

من سيناريوهات الأهداف المرجحة حتى الآن وتناغمًا مع الظروف الدولية وتوجهات إدارة أمريكا الجديدة وطبيعة تركيبتها، يبرز سيناريو استهداف منشآت وبنية (الممر الصيني) الاقتصادي في (باكستان) وصولاً إلى مينائها (جوادر)، فيما لو كان الاستهداف الهندي جديًّا وواسعًا، لا سيما من جهة البحر حيث تتفوق البحرية الهندية، وبعيدًا عن الحدود الكشميرية الصينية وضغط الصين العسكري المباشر على جبهة كشمير وقرب راداراتها من مسرح العمليات القريب منها وتشويشها الإلكتروني.
وفيما لو حصل هذا السيناريو، وربما سيكون (بنكهة أمريكية)، سيُعدُّ اعتداءً سافرًا على مشاريع (الصين) الحيوية.
- ما موضوع الهدف الهندي الاستراتيجي (المحتمل) من أي هجومٍ واسعٍ وجدي من هذا النوع الآن وكيف قد يتحقَّق؟
لعل الإجابة على أبعاد ذلك فيما لو تم -حسب العديد من القراءات- سيكون في المكامن والعوامل والمحددات التالية، ثم ما سيليها بالترابط كذلك:
– الممر التجاري ومرافقه واستثماراته الضخمة كجزء حيوي من طريق الحرير عبر ميناء (جوادر) الباكستاني المنافس لبومباي وربما دبي.
– استثمارات الصين في بنى تحتية وطاقة وكهرباء لخدمة الممر في باكستان، وتقدر بحوالي 70 مليار دولار؛ هذا بعد تقليصها من مبالغ أعلى بسبب ضغوطات أمريكا مع مجيىء حكومة شهباز!
– ومن وراء ذلك الطريق إلى استثمارات الصين في أفغانستان وإيران وغيرها، والممر الاقتصادي الحريري ذاته.
– تزايد دلائل وجود اكتشافات نفطية ضخمة على سواحل باكستان. وظهر المزيد منها في المياه الإقليمية الباكستانية في العام الماضي. ومحاولة الهند إجهاض جدوى تطويرها عالميًّا من طرف شركات النفط من خلال التوتير الأمني الشديد، واحتمالية ضرب باكستان ضربة مؤثرة.
- دلالات رغبة الهند القوية في التصعيد وتوقيتها، والموقف الأمريكي المحتمل والمخاطر العامة:
– قد يكون هذا أفضل توقيتٍ للهند دوليًّا وفي حضرة الإدارة الأمريكية الجديدة وأولوياتها في كبح (الصين) وجموح رغبات (نتنياهو) الواسعة، ولكن قد يتناقض ذلك مع ملف المنطقة من ناحية أولويات ترمب الأخرى في الملف (الإيراني)، فضلاً عن التوتر الاقتصادي الذي سيجلبه لاستثمارات (دول الخليج) التي يطمح إليها (دونالد ترمب)، وهو ما قد يكون السبب المهم في اتصالات المملكة العربية السعودية بواشنطن كي لا يتدحرج الأمر إلى ما لا يحمد عقباه.
– ولا يُعرف كذلك مدى جدية اتصالات (ماركو روبيو) وزير خارجية الويات المتحدة مؤخرًا بالهند وباكستان ودعوته إلى تخفيف حدة التوتر ولجم الاحتمال النووي.
– فيما تفكر بحذر جهات عديدة في الإدارة الأمريكية ووزارة الخارجية في خطر الدحرجة نحو (الانزلاق النووي) وسياسة حافة الهاوية المرعبة للعالم.
– وكذلك تفكيرها في توسع القتال، واضطراب سوق الملاحة والتأمينات وبالتالي ارتفاع تكاليف البضائع والتضخم واضطراب سلاسل التوريد معها، ما يصعب مهمة (ترمب) الاقتصادية أكثر داخليًّا.
– مع ملاحظة أن الهند تشعر بثقة أكبر من خلال وجود أقوى لوبي لها حاليًا داخل أي إدارة سابقة في الولايات المتحدة، مدعومة بمجموعة المصالح “إيباك” الضاغطة واليمين الإنجيلي، ورغبات (نتنياهو) بالتدويل.
– كما أن هناك رغبة أمريكية لإجبار باكستان على فرملة برامجها الصاروخية البالستية المتطورة، وقد بدأت أمريكا فعلًا بعقوبات عليه، لا سيما الصواريخ العابرة للقارات.
– ناهيك عن حالة احتقان باكستان الاجتماعي والسياسي وضعفها الاقتصادي؛ ما قد يجعلها تقبل بشروط أمريكية لإنقاذها مقابل تقليص آخر لاتفاقيات الممر الصيني، أو التطبيع مع الكيان، أو برامج السيطرة على برامج أخرى حساسة.
– وأيضًا قبل تمكن باكستان من سدِّ ثغرة منظومة الدفاع الجوي والتزود كذلك بطائرات J35 ستيلث الصينية المتفوقة الجاري العمل عليها، واستكمال التجهيز بطائرات ٌقاان التركية المتقدمة وإنشاء مصنع لها في باكستان.
– خاصة أن هذا يأتي مع وصول الهند عدة منظومات S400 الدفاع المتقدمة جدًّا وذات قدرات الرصد الدقيقة ومقاومة التشويش، لا سيما ضد الطائرات غير الشبحية ذات تقنية (ستيلث)، فيما لا تملك باكستان بعد طائرات J35 الستيلث الصينية المزمع الحصول عليها.
– في المقابل لم تحصل بعد باكستان على منظومات دفاع جوي مكافئة من (الصين)، لكن الهند أيضًا ترسانتها في طائرات الشبح ستيلث ضعيفة.
– عامل الوقت سيكون في صالح باكستان لسدّ هذه الفجوات وربما التفوق على صعيد الطيران الصيني والتركي المزمع تجهيزه.
– إلا أنّ باكستان لديها بعض الميزات الأخرى على صعيد تفوق منظومتها الصاروخية البالستية.
– وتستطيع نوعًا ما تجاوز منظومات إس400 من خلال ترسانتها المميزة من المسيرات التركية أكنجي، والبراق الباكستانية، وربما بمساعدة أطقم تركية.
- لمَ الصين ثم تركيا معنية فيما قد يجري بدرجةٍ كبيرة، وهل هي مستهدفةٌ أيضًا؟
– احتمال العزم على مثل هذا العمل، فضلًا عن التصعيد العام المتشدد، ستقرؤه الصين على أنه رسالة بعدم جدوى الاستثمار في الممر الاقتصادي عبر باكستان على الأقل.
– وهو كذلك رسالة إلى تركيا كذلك بعدم جدوى إنشاء مصنع لإنتاج طائرات KAAN المتقدمة بالشراكة مع باكستان هناك، فضلًا عن الشراكات الأخرى.
- عقبات هندية محتملة، وحضور صيني لازم:
ما قد يعزز سيناريو الهجوم الرئيس من البحر صاروخيًّا وبالطيران المحمول وغير المحمول فيما لو تمّ هجومٌ واسعٌ واستهدف منشآت الممر الصيني (في باكستان)، هي مشكلة لوجستيات الجيش الهندي وتحدي التشويش الصيني وراداراته وحربه السيبرانية.
فالجيش الهندي مضطرٌ دومًا لوضع قرابة 500 ألف جندي فقط في كشمير قبالة حدود الصينيين والباكستانيين من الجهتين، ولضبط الداخل المسلم الثائر هناك.
وهو لا يستطيع كذلك الاندفاع نحو (آزاد كشمير) الباكستانية بسبب صعوبة (الطوبغرافيا) والتضاريس.
ففي معارك (كارغيل) الشهيرة عام 1999 عجز الجيش الهندي وتأخر ضد مئات سابقًا، قبل تعليق العمليات من الطرفين وانسحاب الباكستانيين.
لذا، تتجه الأنظار إلى احتمالية ضربات مهمة – إن كانت واسعة وغير كلاسيكية خارج المعتاد – عبر البحر بصواريخ وطائرات محمولة من البحر أو محلقة من جهة سواحل الهند.
مع لزوم مناورات ومشاغلات مهمة في كشمير.
وإسهام الطيران من محور مشاغلة كبير آخر وسط البلاد حدوديًّا.
لكن تبقى مسألة التشويش والحرب الإلكترونية والسيبرانية مركزية للنجاح في وجه (الصينيين) المتفوقين جدًّا في ذلك والذين غالبًا سيتدخلون كما هو متوقع، وقد ينجحون في شلِّ عقد اتصالات مركزية في الهند.
- عوامل مهمة وعواقب:
1- قرب الانتخابات الولاياتية الهندية.
2- خطورة تدويل قضية كشمير على الهند؛ لاسيما لو حاولت احتلال أجزاء كشمير الحرة.
فقرارات الأمم المتحدة القديمة هي إجراء استفتاء تقرير مصير للسكان وهو الذي تتهرب منه الهند.
3- حساسية الموقف السياسي وضعفه شعبيًّا لشهباز شريف، وكذلك قائد الجيش عاصم منير، وتحسس قواعد الجيش عمومًا، لاسيما المكون البشتوني داخل الجيش الباكستاني بسبب سياساتهما، والموقف من عمران خان كذلك.
4- سوء التقدير من طرف حكومة شهباز من خلال التضحية بحسن علاقات الجوار مع أفغانستان، فضلاً عن (القبائل البشتونية) التي يوجد جزءٌ أكبر منها داخل باكستان وتشكل عصبًا قتاليًّا كأفرادٍ مهم جدًّا، وهم ما يسمون تاريخيًّا (بالهندوكوش)؛ أي قتلة الهندوك في الحروب لشدة بأسهم وتحملهم، علمًا أن هناك حدودًا أفغانية تلتف شمال كشمير.
5- ويذكر أن عمران خان ينتمي إلى القبائل البشتونية، ويحظى بدعمٍ شبه مطلق في مقاطعة خيبر بختون الباكستانية، حيث تحكم المقاطعة حركة إنصاف الأوسع شعبيةً في باكستان، وهي شبه محلولة من الحكومة.
يبقى السؤال المحير:
من قام بهذا الهجوم سبب الأزمة؟! أهو خرق هندي أم هي مغامرة سياسية باكستانية تدحرجت؟ أم هو تصرف مستقل؟!