إسرائيل من الداخل

ملامح العقل السياسي الإسرائيلي.. أثناء فترة الحرب مع إيران

ملخص تنفيذي:

في هذا التقرير رُصدت أربعة أوراق بحثية متعلقة بفترة الحرب بين إسرائيل وإيران، وذلك من أجل توفير فهم معمق للرؤية من داخل إسرائيل، حيث قدمت تلك المراكز البحثية الإسرائيلية تحليلات تفصيلية في أثناء الحرب.

مع بداية الحرب، ركزت الدراسات على تقييم أثر العمليات العسكرية الإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية وعلى قدرة النظام في طهران على مواصلة برنامجها النووي، وأظهرت التحليلات أن الضربات استهدفت بشكل فعَّال مواقع حيوية، مما أدى إلى تراجع ملحوظ في القدرات النووية الإيرانية حسب تقديرها، مع الإشارة إلى استمرار إيران في محاولة تعزيز طموحاتها رغم الضغوط، كما رصدت الأوراق ردود الفعل الإيرانية ومحاولتهم تقوية تماسك النظام داخليًّا، رغم الخسائر المادية والمعنوية التي تكبدها.

وعلى ذلك يمكن الوقوف على أبرز المحاور التي جاءت في التقرير كما يلي:

  • الدعم الأمريكي والتحفظ التكتيكي:

واشنطن دعمت العملية علنًا مع تحفظات على توقيتها، وهددت بتدخل مباشر إذا تجاوزت إيران “الخطوط الحمراء” مثل الانسحاب من معاهدة الحدِّ من انتشار الأسلحة النووية.

  • الهدف الإستراتيجي: تقويض النظام الإيراني:

الأوراق شددت على أن الهدف يتجاوز الردع، ليصل إلى إسقاط النظام أو إضعافه بعمق سياسي واقتصادي.

  • تحذير من حرب استنزاف:

تخوف تلك المراكز من تحوّل المعركة إلى مواجهة طويلة تُنهك إسرائيل وتمنح إيران هامش مناورات ميداني وسياسي.

  • الخيارات الإيرانية المحتملة:
  1. استنزاف طويل الأمد.
  2. تسوية سياسية مشروطة.
  3. تصعيد نووي محفوف بمخاطر التدخل الأمريكي.

1-مقال تحليلي بعنوان: “العملية ضد إيران: الدعم الأمريكي ومعضلات ترامب” كتبه “ألداد شافيط” و”تشاك فرايليخ” ([1]) ، الباحثان بمعهد دراسات الأمن القومي، بتاريخ (16 يونيو 2025):

المضمون:

نشر الباحثان ألداد شافيط وتشاك فرايليخ من معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي مقالًا تحليليًّا بعنوان: “العملية ضد إيران: الدعم الأمريكي ومعضلات ترامب”، تناول أبعاد العملية العسكرية الإسرائيلية ضد إيران، والتي أُطلق عليها اسم “الأسد الصاعد”، وذلك بعد مرور أكثر من أربع وعشرين ساعة على بدايتها.

يشير الباحثان إلى أن الموقف الأمريكي، منذ اللحظات الأولى للعملية، اتّسم بالدعم السياسي العلني لإسرائيل، إذ لم تتوانَ الإدارة الأمريكية عن تأكيد حقِّها في “الدفاع عن النفس”، وهو التعبير الذي طالما استخدم في تسويغ الدعم الممنوح لإسرائيل في مواجهاتها مع إيران أو وكلائها في المنطقة!

جدَّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تأكيده أن إيران هي التي جلبت هذه العملية الإسرائيلية لنفسها، بعد اتخاذها مواقف متصلبة خلال جولات المفاوضات التي جرت بينها وبين الولايات المتحدة، ومع ذلك، حرص على الإشارة إلى أنه لايزال هناك وقت أمام إيران للتوصل إلى اتفاق يمكن أن يوقف التصعيد العسكري، وقد عبَّر ترامب عن أمله في أن تُسهم هذه العملية في تسريع الوصول إلى اتفاق جديد مع إيران بشأن برنامجها النووي، يعالج إخفاقات الاتفاق السابق.

وشدَّد المندوب الأمريكي، خلال جلسة طارئة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، على أن الولايات المتحدة ستواصل السعي لحلّ دبلوماسي يضمن ألّا تمتلك إيران سلاحًا نوويًّا يومًا ما، وألّا تشكل تهديدًا لاستقرار المنطقة.

كما أوضح المندوب أن الرئيس ترامب جاء إلى البيت الأبيض بأجندة تُعزِّز السلام، وتتجنَّب الدخول في حروب طويلة! في إشارة إلى إخفاقات إدارات سابقة.

أشار الكاتب إلى أنه منذ بدء العملية، يدعم ترامب إسرائيل بشكل علني، ولا يفوِّت فرصة للتفاخر بنجاح التكنولوجيا الأمريكية التي دمجها في العملية الإسرائيلية، على الرغم من أن الإدارة تكرر، مرارًا، أن هذه العملية كانت خطوة أحادية الجانب من إسرائيل، وقد أوضح مسؤولون أمريكيون أن واشنطن أُبلغت مسبقًا بنيّة إسرائيل تنفيذ الهجوم، لكنها لم تشارك فيه ميدانيًّا.

في حديث مع الصحفي باراك رافيد، نفى مسئول في البيت الأبيض مزاعم مصادر في القدس تقول: إن ترامب عبَّر عن دعمه الكامل للعملية، وأوضح أن الرئيس الأمريكي أعرب عن تحفُّظه على توقيتها الحالي، وأشار كذلك إلى أن الولايات المتحدة لا تنوي في هذه المرحلة الانضمام إلى الهجوم، ويعكس هذا التصريح التباين بين الدعم السياسي والتورط العسكري، وهو خط دقيق تسير عليه الإدارة الحالية.

وعلى الرغم من أن المعارضة في أوساط حركة MAGA لا تزال محدودة حتى الآن، بدأت تُسمع أصوات معارِضة لتوسيع الانخراط الأمريكي في هذه المواجهة، ومع ذلك، من المتوقع أن تضطر الإدارة الأمريكية قريبًا إلى اتخاذ قرار إستراتيجي بشأن سياستها في المرحلة المقبلة، من جهة، هناك رغبة واضحة في تجنُّب التورط العسكري المباشر في المواجهة مع إيران، باستثناء تقديم المساعدة في الدفاع ضد الصواريخ الإيرانية الباليستية والمجنحة التي تُطلق في اتجاه إسرائيل، ومن جهة أُخرى، يزداد الإدراك أن التهديد الأمريكي المباشر بالتدخل العسكري، بل الانضمام الفعلي إلى المعركة، قد يكون العامل الوحيد القادر على دفع إيران إلى قبول الاتفاق، بما يتماشى مع الهدف الأساسي للرئيس ترامب.

ويتوقف تغيُّر الموقف الأمريكي على مجموعة من العوامل الإستراتيجية الطارئة، في مقدّمتها: استهداف مباشر للمصالح الأمريكية في المنطقة، سواء ضد القوات أو البعثات الدبلوماسية، أو تعرُّض إسرائيل لهجمات كبيرة تؤدي إلى خسائر فادحة، أو إخفاق الضربات الإسرائيلية المتواصلة في إلحاق ضرر جوهري بالبنية التحتية النووية الإيرانية.

تشير المعلومات الأولية التي قدَّمتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن الضربات دمَّرت المبنى العلوي لمنشأة نطنز، حيث يتم التخصيب بنسبة 60%، دون أن تُصيب المنشآت تحت الأرض، بينما تعرَّضت منشأتَي فوردو وأصفهان لهجوم لم تُعرف أبعاده بعد، وقد يكون الضرر في شبكة الكهرباء قد عطَّل أجهزة الطرد المركزي جزئيًّا، لكن من المبكر تحديد تأثيره الدائم.

إن قرار إيران بشأن إنهاء رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولا سيما إذا أعلنت انسحابها من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT)، سيُعتبر خطًّا أحمر في الساحة الدولية، ومثل هذا القرار سيعزز الاتجاهات المطالبة في واشنطن بالتدخل، ويزيد الضغط على الإدارة.

المرجَّح أن تتطلب المعركة مسارًا سياسيًّا، سيكون للإدارة الأمريكية الدور القيادي فيه، وتعتمد قدرة الولايات المتحدة على التأثير في نتائجه بدرجة كبيرة على كيفية إدراك إيران حجم الضرر الذي لحِق ببرنامجها النووي، ومدى عزم الإدارة الأمريكية على الانخراط الناشط في المعركة العسكرية، إن هذا الانخراط قد يكون، في نظر بعض الإستراتيجيين ضروريًّا لترجمة العمل العسكري إلى مكاسب تفاوضية ملموسة. ([2])

2-مقال تحليلي بعنوان: “حملة إزالة التهديد الإيراني يمكن أن تثمر إنجازات إستراتيجية مهمة” كتبه “يوسي كوفرفاسر” ([3]) ، رئيس معهد القدس للإستراتيجية والأمن، بتاريخ (16 يونيو 2025) ([4]):

المضمون:

في هذا المقال، والمنشور بتاريخ 16 يونيو 2025، أكد الكاتب أن إسرائيل افتتحت بنجاح كبير الحملة التي أعدّت لها على مدار أعوام طويلة، بهدف إزالة التهديد الإستراتيجي الإيراني قبل تحوُّله إلى تهديدٍ وجوديٍّ، وأكد الكاتب أن تحقيق حرية العمل الجوي في غرب إيران ووسطها، واستغلال عنصر المفاجأة لضرب علماء البرنامج النووي وكبار قادة المنظومة العسكرية الإيرانية، وفَّرا ظرفًا مواتيًا لشنِّ حملة عسكرية متواصلة تستهدف البنية التحتية للبرنامج النووي الإيراني ومنظومة الصواريخ الباليستية بعيدة المدى.

وأشار إلى أن الثمن الذي لا مفرَّ منه في هذه الحملة هو تعرُّض الجبهة الداخلية الإسرائيلية للضرر، والذي كان من الممكن أن يكون أكبر لولا الأضرار الجسيمة التي ألحقتها إسرائيل مسبقًا بحزب الله.

كما أوضح الكاتب أن القدرة على الحفاظ على حرية العمل طوال الفترة الزمنية اللازمة لإتمام المهمة تعود جزئيًّا إلى انتظار التوقيت المثالي والذي اختارته إسرائيل، والذي ضمن دعمًا أمريكيًّا ضمنيًّا، وقبولًا صامتًا من دول أوروبا الغربية الكبرى مثل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا.

ويضيف أن الادعاء الإسرائيلي بأن إيران اقتربت من إنتاج سلاح نووي، تسارع قبوله بعد التقارير الواردة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA)، والتي أثبتت أن إيران رفعت تخصيب اليورانيوم إلى 60%، مما يعني إمكانها الوصول لمستوى التفجير النووي خلال أيام، بالإضافة إلى بدء عمليات التسليح، وهو ما منح إسرائيل الشرعية الدولية لشنِّ الهجوم.

وزاد من ذلك أن إيران رفضت العرض الأمريكي خلال المفاوضات، إلى جانب التقرير الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي أكد أن طهران أخلَّت بالتزاماتها بموجب معاهدة عدم الانتشار النووي ([5]) ، وأدارت برنامجًا منظمًا لتطوير السلاح النووي، ما دفع مجلس محافظي الوكالة لإدانة إيران وإحالة الملف إلى مجلس الأمن، وفي ظل الدعوات المتكررة من النظام الإيراني للقضاء على إسرائيل، حصلت تل أبيب على شرعية دولية لحملتها العسكرية.

ويشدد الكاتب على أن حرية العمل العملياتي والفترة الزمنية المتاحة لإسرائيل هما العنصران الحاسمان لمعالجة مكونات البرنامج النووي الإيراني، والتي تشمل عددًا كبيرًا من المنشآت المنتشرة في أنحاء البلاد، بعضها تحت الأرض. وقد هاجمت إسرائيل حتى الآن جزءًا صغيرًا منها وألحقت بها ضررًا كبيرًا، إلا أن المهام الكبرى لا تزال قائمة، مثل مهاجمة منشأة التخصيب في نطنز ومصنع تحويل اليورانيوم في أصفهان، إضافة إلى مخازن اليورانيوم، ومنشآت إنتاج أجهزة الطرد المركزي، ومناجم اليورانيوم، ومصانع أوكسيد اليورانيوم، وحتى منشأة التخصيب تحت الأرض في فوردو، ويرى الكاتب أنه في حال استغلت إسرائيل الوقت المتاح ونفّذت ضربات منهجية لجميع هذه العناصر الحيوية، فإن تحقيق أهداف الحملة وإزالة التهديد النووي والصاروخي لعدة أعوام يصبح ممكنًا، خاصة إذا انضمت الولايات المتحدة إلى الضربات، لا سيما ضد منشأة فوردو، رغم أن واشنطن قد تتجنب المشاركة مادام لم تستهدف إيران مصالح أمريكية مباشرة.

ولضمان نتائج طويلة الأمد، يفضّل أن تؤدي الحملة إلى تقويض النظام الإيراني إلى حد إسقاطه، إذ إن الضربات التي يتلقاها النظام حاليًا مؤلمة ومحطمة للهيبة، وقد تضاف إلى الضائقة الاقتصادية والمشكلات الداخلية، مع ازدياد الضغط الدولي، خاصة إذا قررت بعض الدول الغربية تفعيل آلية “سناب-باك” لإعادة فرض العقوبات، وعلى الرغم من أن فرص تغيير النظام ضئيلة حاليًا، إلا أنها غير مستحيلة في ظل المعطيات الراهنة، ويتوقف الكثير على تفاعل الشعب الإيراني.

وفي حال لم يتحقق تغيير النظام، لا يزال بالإمكان ضمان الأهداف عبر اتفاق شامل بين إيران والولايات المتحدة، يُخضع النشاط النووي الإيراني لرقابة أمريكية دائمة ومن دون قيود زمنية، ويمنع إيران من امتلاك أو تخصيب اليورانيوم، مقابل تخفيف تدريجي للعقوبات، لكن فرص التوصل لهذا الاتفاق محدودة، لذلك قد تضطر إسرائيل إلى الاعتماد على الحفاظ الدائم على حرية العمل العملياتي، كما هو الحال في لبنان.

ويؤكد الكاتب أنه إذا تمكنت إسرائيل من بلوغ أهدافها، فإن العملية ستعيد رسم المشهد الإستراتيجي الإقليمي بالكامل، إذ ستعمل إسرائيل على إسقاط المحور الإيراني، وستكرّس نفسها كقوة مركزية بالتنسيق مع الولايات المتحدة، وتسهم في تأسيس نظام إقليمي قائم على التعاون الاقتصادي والاستقرار، وقد يؤدي ذلك إلى إضعاف حزب الله، وزيادة فرص تحقيق أهداف الحرب في غزة، وتشجيع النظام السوري الجديد على اتباع نهج متزن تجاه إسرائيل، كما يمكن أن يسهم في توسيع اتفاقيات أبراهام، وبالتالي، من الضروري فهم أن عملية “الأسد الصاعد” لا تقتصر فقط على مواجهة التهديد الإيراني، بل تحمل أبعادًا إقليمية واسعة.

ويختتم كوفرفاسر بالقول: إن النظام الإيراني يعتبر الهجوم تهديدًا وجوديًّا، وسيسعى لإفشاله بكل السبل، عبر إلحاق الضرر بإسرائيل وردع الولايات المتحدة من دون الانجرار إلى مواجهة مباشرة، وعلى إسرائيل أن تحبط هذه المحاولات بكل قدراتها، لضمان نجاح إستراتيجيتها الشاملة.

3- ورقة بحثية بعنوان: “هكذا تستطيع إسرائيل إسقاط نظام الملالي في إيران” كتب يوني بن مناحيم ([6]) ،محلل الشئون الشرق أوسطية، بالمعهد الأورشاليمي للشئون الخارجية والأمنية نُشرت بتاريخ 18 يونيو 2025([7]):

المضمون:

هكذا تستطيع إسرائيل إسقاط نظام الملالي في إيران:

جاء في هذه الورقة البحثية التي كتبها “يوني بن مناحيم”، محلل الشئون الشرق أوسطية في المعهد الأورشاليمي للشئون الخارجية والأمنية، بتاريخ 18 يونيو 2025، أن إسرائيل باتت أمام فرصة تاريخية لا تقتصر على ردع إيران، بل تغيير الواقع الإستراتيجي بالكامل، وربما إسقاط النظام الإيراني.

هدف مزدوج: الردّ، أو تغيير النظام:

تُظهر التقديرات في الأوساط السياسية الإسرائيلية، ودوائر إدارة ترامب، أن الحملة الإسرائيلية الحالية قد تمتد لعدة أسابيع، في ظل سعي أمريكي للعودة إلى مفاوضات جديدة بشأن البرنامج النووي الإيراني من موقع القوة، ومع ذلك يحذر كبار المسؤولين الأمنيين من خطورة الانزلاق إلى حرب استنزاف طويلة قد تصبّ في مصلحة إيران، وانطلاقًا من هذه القراءة، فإن المطلوب — بحسب الورقة — هو تغيير نموذج المعركة: من الاستنزاف إلى استهداف النظام نفسه.

إيران قوة مجروحة، لكنها ما تزال خطِرة:

تشير الورقة إلى أن إيران فوجئت بقوة الهجوم الإسرائيلي وتكبّدت خسائر فادحة عسكريًّا ومعنويًّا. ومع ذلك، فهي لا تزال قوة إقليمية عقائدية وعنيدة، تمتلك قدرات تدميرية معتبرة، وعلى الرغم من أربعين عامًا من العقوبات والاضطرابات الداخلية، لا يزال النظام الإيراني يضع البقاء كأولوية قصوى، ويعتمد على تكتيك “التنقيط” من خلال هجمات متقطعة على العمق الإسرائيلي، بهدف إنهاك المجتمع والاقتصاد في إسرائيل.

إستراتيجية إسقاط النظام: لم يعد خامنئي محرّمًا:

يؤكد مسؤولون أمنيون أن الوقت قد حان لـ إزالة الحصانة السياسية عن علي خامنئي، الذي يوصف في الورقة بـ”رأس أخطبوط الإرهاب العالمي”، ويرى هؤلاء أن بقاء القيادة العليا في طهران يعني استمرار الخطر الإقليمي؛ لذلك فإن استهداف خامنئي ودائرته الضيقة لم يعد مجرد احتمال، بل ضرورة إستراتيجية، لضرب البنية المركزية للنظام.

نظام تحت الضغط بين الاغتيالات والاحتجاجات الشعبية:

تستند الورقة إلى تقديرات استخباراتية ترى أن غالبية الشعب الإيراني ترغب في زوال النظام، وبناء على ذلك فإن عملية عسكرية مركّزة على قادة النظام، مع تجنّب الإضرار بالمدنيين الأبرياء، قد تكون عاملًا حاسمًا لتفجير الداخل الإيراني وتقويض شرعية الحكم.

هل البرنامج النووي هدف بعيد المنال؟!

ترى الورقة أن تدمير البرنامج النووي الإيراني بالكامل قد يتطلب تدخلًا أمريكيًّا مباشرًا، وهو أمر غير مضمون، ومع ذلك، فإن ضرب القيادة، إلى جانب استهداف البنية الاقتصادية الحيوية — مثل قطاع الطاقة، البنوك، والبنية التحتية — قد يؤدي إلى شلِّ قدرة النظام على الصمود أو تمويل برنامجه النووي.

فرصة إستراتيجية نادرة… يجب اقتناصها:

تختم الورقة بالإشارة إلى أن أحداث 7 أكتوبر شكّلت نقطة تحوّل لا رجعة عنها في إدراك إسرائيل للتهديد الإيراني، وترى أن الشراكة الحالية مع إدارة ترامب تمثِّل نافذة ذهبية لإحداث تغيير إستراتيجي عميق، ولا ينبغي لإسرائيل الاكتفاء بالردع، بل التحرك الجريء الآن، قبل الانجرار إلى صراع طويل مع عدو عنيد.

4- ورقة بحثية بعنوان: “المعركة ضد إيران: صورة الوضع، المعضلات، الدلالات” كتب “راز تسيمت”([8]) ، الباحث بمعهد دراسات الأمن القومي، نُشرت بتاريخ 19 يونيو 2025([9]):

  المضمون:

تشير الورقة إلى أن الضربة الافتتاحية الإسرائيلية أصابت القيادة العسكرية العليا الإيرانية، بما في ذلك رئيس الأركان، وقائد الحرس الثوري، وقادة في الاستخبارات وسلاح الجو، وهو ما أدى إلى خلخلة فعلية في منظومة القيادة والسيطرة، وأثّر على قدرة النظام على إدارة المعركة بفعالية في ظل غياب عدد من القيادات المبرزة.

يضيف تسيمت أن سلاح الجو الإسرائيلي واصل خلال الأيام التالية توجيه ضربات دقيقة وفعالة، أدت إلى إلحاق أضرار ملموسة في البرنامج النووي الإيراني، من خلال استهداف منشأة نطنز (ولو بشكل جزئي)، واغتيال أكثر من عشرة علماء نوويين ممن يُعتقد أنهم يشكلون عنق زجاجة حاسمًا في المشروع النووي الإيراني، كما شملت الضربات مقرات للقيادة ووحدات الصواريخ والدفاع الجوي، وجهاز الاستخبارات التابع للحرس الثوري، إضافة إلى بعض البنى التحتية الحيوية في قطاع الطاقة.

تشير الورقة إلى أن استمرار هذه الضربات قد يؤدي إلى إضعاف عميق في المنظومة الأمنية والعسكرية الإيرانية، وربما يُقوّض قدرة النظام على التعامل مع الضغوط الداخلية لاحقًا، الأمر الذي يُضاعف من مستوى التهديد الذي يواجه استقرار الجمهورية الإسلامية.

في المقابل، يرى تسيمت أن القيادة الإيرانية تمكنت من تحقيق بعض الإنجازات المحدودة، لكن الضرر الذي أصاب البرنامج النووي لا يُعد حرجًا، لا سيما في ظل بقاء منشأة فوردو دون استهداف، إلى جانب غياب تهديد فوري لاستقرار النظام، الذي لا يزال يُظهر تماسكًا وتنظيمًا في التعامل مع التهديد الخارجي، كما يعكس الشارع الإيراني، رغم استيائه من عجز السلطات عن حماية المدنيين، ميلًا إلى التضامن الوطني، في ظل مشاهد الدمار التي تخلّفها الهجمات الإسرائيلية.

توضح الورقة أن إيران نجحت في إلحاق بعض الأضرار بالجبهة الداخلية الإسرائيلية، وإن بقيت هذه الأضرار محدودة نسبيًّا، غير أن الإعلام الإيراني يسعى إلى توظيف هذه الصور لإبراز قدرة طهران على إلحاق الضرر بإسرائيل وصمودها في وجه الهجمات.

في ضوء هذه المعطيات، تذهب الورقة إلى أن إيران تقترب من اتخاذ قرارات مفصلية بشأن إدارة المعركة وإستراتيجية الخروج منها، وأنها على الأرجح تسعى إلى الحفاظ على ثلاثة مكاسب أساسية:

أولًا: بقاء النظام، وهو الهدف الأعلى للجمهورية الإسلامية في مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية.

ثانيًا: استمرار البرنامج النووي، الذي يمثل “وثيقة تأمين” إستراتيجية لبقاء النظام.

ثالثًا: بقاء المنظومات الإستراتيجية الحيوية، مثل وحدات الصواريخ، وجهاز الاستخبارات، ومنظومة القيادة والسيطرة، بشكل يسمح بالتعامل مع التحديات الأمنية المستقبلية.

تشير الورقة إلى أن هذه الأهداف ستُحدّد طبيعة القرار الإيراني حول استكمال المعركة أو إنهائها، وفي هذا السياق، تطرح الورقة ثلاثة سيناريوهات رئيسة محتملة:

الخيار الأول: الاستمرار في المعركة بصيغتها الحالية، من أجل استنزاف إسرائيل لأطول فترة ممكنة.

الخيار الثاني: محاولة إنهاء المعركة عبر تسوية سياسية، شريطة موافقة إسرائيل وربما الولايات المتحدة على شروط طهران.

الخيار الثالث: التصعيد النووي، إما من خلال الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، أو الاندفاع نحو تطوير سلاح نووي سرّي، لدفع المجتمع الدولي إلى التدخل لوقف الحرب.

لكن الورقة تؤكد أن التصعيد النووي يحمل في طياته إمكانية التدخل الأمريكي المباشر، وهو ما تسعى إيران لتجنبه، كما تشير إلى أن القدرة التقنية والعملياتية على تنفيذ تقدم سرّي في المشروع النووي باتت موضع شكٍّ، في ظل الاختراق الاستخباراتي الإسرائيلي المتكرر.

وتشير الورقة إلى أن اتخاذ قرار بوقف إطلاق النار من الجانب الإيراني، والعودة إلى طاولة المفاوضات، سيتوقف على موافقة إسرائيل واستعداد واشنطن للتجاوب مع شروط طهران، غير أن التصريحات المتضاربة الصادرة عن المسؤولين الإيرانيين تعكس ترددًا واضحًا في اتخاذ هذا المسار، إذ عبّر وزير الخارجية عباس عراقجي عن استعداد مبدئي للتهدئة، بينما أكدت وزارة الخارجية أن العودة للمفاوضات مع الولايات المتحدة باتت دون جدوى.

وتشير الورقة إلى أن المرشد الأعلى يواجه معضلة أعمق من تلك التي واجهها آية الله الخميني عام 1988 عند قبوله وقف إطلاق النار مع العراق، فبينما “تجرَّع الخميني كأس السمِّ” حينها للحفاظ على بقاء النظام، فإن المرشد الحالي قد يكون مضطرًا للاختيار بين قرار قد يؤدي إلى انهيار النظام في الأمد القريب، وقرار آخر قد يُهدد مستقبله على المدى الطويل.

إذا توصل المرشد إلى قناعة بأن استمرار الحرب يهدد فعليًّا بقاء النظام، وأن التقدم نحو السلاح النووي غير ممكن في الظروف الراهنة، فقد يُبدي استعدادًا لتقديم تنازلات كبيرة، حتى فيما يخص التخصيب داخل الأراضي الإيرانية، وتفترض الورقة أن مثل هذه التسوية قد تكون مشروطة بمفاوضات بعيدة المدى، وربما بضمانات روسية أو صينية، نظرًا لانعدام الثقة بطرف أمريكي تصفه طهران بالمتحالف مع إسرائيل.

من جهة أخرى، تعرض الورقة على صانع القرار الإسرائيلي خيارين رئيسين:

أولًا: الاستمرار في المعركة، من أجل توسيع الإنجازات وتعميق الضرر بالقدرات النووية والعسكرية الإيرانية، وإضعاف النظام بشكل قد يدفعه إلى تنازلات جوهرية لاحقًا، غير أن هذا الخيار يحمل معه تكاليف بشرية وبنيوية داخل إسرائيل، ويخاطر بتحوّل المعركة إلى استنزاف طويل لا يخدم الهدف الإستراتيجي.

ثانيًّا: السعي إلى وقف إطلاق النار، لكن فقط بعد التأكد من أن إسرائيل حقَّقت الحدَّ الأقصى من المكاسب الممكنة، وبما يضمن منع إيران من إعادة بناء قدراتها النووية لاحقًا.

تختم الورقة بالتشديد على أن إسرائيل، سواء توصلت إلى وقف لإطلاق النار أو لا، ستكون مطالبة بالاستعداد لصراع طويل الأمد ضد إيران، سواء عبر أدوات عسكرية مباشرة، أو من خلال عمليات استخبارية سرّية بالتنسيق مع الولايات المتحدة، لضمان ترسيخ المكتسبات ومنع إعادة بناء البرنامج النووي الإيراني.

تعقيب مركز رؤيا:

تشترك هذه الأوراق في التأكيد على أن الحرب التي وقعت ليست مجرد مواجهة عسكرية تقليدية، بل هي فرصة إستراتيجية نادرة تعوّل عليها إسرائيل لإعادة تشكيل التوازنات الإقليمية، وفيما يلي عرض لأبرز ما ركزت عليه هذه الأوراق البحثية أثناء الحرب:

الورقة الأولى: قراءة في موقف واشنطن وخيارات إيران وأبرزت التالي:

  • ترامب يدعم العملية علنًا، مع تحفُّظ على توقيتها لتجنُّب التصعيد المباشر.
  • يشيد الباحثون بتفوق التكنولوجيا الأمريكية المدمجة في الهجوم.
  • يحذرون من انسحاب إيران من معاهدة عدم الانتشار النووي(NPT)، ويرونه خطًّا أحمر قد يضغط لتدخل أمريكي.

الورقة الثانية: تغيير النظام كهدف إستراتيجي بعيد المدى:

  • الضربات الإسرائيلية تهدف لتقويض النظام الإيراني، لا ردعه فقط.
  • تضاف هذه الضربات إلى أزمة إيران الداخلية والاقتصادية.
  • إذا نجحت إسرائيل، ستُكرِّس نفسها كقوة مركزية إقليمية بالتحالف مع واشنطن.
  • إسقاط المحور الإيراني سيُمهِّد لنظام إقليمي جديد قائم على الاستقرار والتعاون الاقتصادي.

الورقة الثالثة: التحذير من حرب استنزاف وتحفيز الهجوم الجريء، وأبرزت التالي:

  • الفرصة التاريخية لتغيير الواقع الإستراتيجي، لا مجرد الردع.
  • التحذير من حرب استنزاف طويلة تصب في مصلحة إيران.
  • إيران قوة مجروحة، لكنها ما تزال خطِرة.
  • إسقاط النظام الإيراني أصبح خيارًا مطروحًا، وخامنئي لم يعد “محرمًا.
  • استهداف الاقتصاد والبنى الحيوية الإيرانية قد يشلُّ قدرة النظام على تمويل مشروعه النووي.
  • اللحظة الحالية مع إدارة ترامب “نافذة ذهبية” للتغيير العميق، ويجب عدم تفويتها.

الورقة الرابعة: إصابة القيادة والخيارات القادمة:

  • الضربة الافتتاحية أصابت القيادة العسكرية الإيرانية العليا، محدثة خلخلة في منظومة القيادة والسيطرة.
  • استهداف نطنز واغتيال علماء نوويين أحدث أضرارًا ملموسة في المشروع النووي الإيراني.
  • رغم الردِّ الإيراني، بقي تأثيره محدودًا على الداخل الإسرائيلي، ويلاحظ هنا مناورة إيران الداخلية (قرار برلماني لم يُصدَّق من القيادة العليا على تجميد العلاقة بوكالة الطاقة)، ما يؤكد أن طهران لا تزال تمارس سياسة “المناورة” في هذا الصراع.
  • لا يزال النظام الإيراني متماسكًا في التعامل مع التهديد الخارجي، كما يعكس الشارع الإيراني، رغم استيائه من عجز السلطات عن حماية المدنيين، ميلًا إلى التضامن الوطني، في ظل مشاهد الدمار التي تخلِّفها الهجمات الإسرائيلية.
  • السيناريوهات الإيرانية المتوقعة:
  1. الاستنزاف العسكري طويل الأمد.
  2. تسوية مشروطة سياسيًّا.
  3. ) التصعيد النووي (بانسحاب كامل من اتفاقية عدم انتشار الأسلحة النووية NPT أو بالحصول على سلاح سري.
  • طالبت الورقة إسرائيل بالاستمرار عسكريًّا أو الانتقال إلى صراع استخباري طويل الأمد لضمان منع تعافي إيران.

 خلاصة ختامية:

 يتجلى من مجمل تلك الأوراق أن العقل السياسي لإسرائيل لم يكتفِ بتقدير المكاسب العسكرية المباشرة للحرب الدائرة في ذلك الوقت، بل حثَّ على توظيفها لإحداث تحول إستراتيجي شامل في ميزان القوى بالمنطقة.

 رأت المراكز الإسرائيلية في هذه الحرب فرصة نادرة لإعادة صياغة النظام الإقليمي، وإضعاف إيران أو إسقاط نظامها، وتعزيز مركزية “إسرائيل” كقوة محورية عبر التحالف مع واشنطن، وضمان تفوق طويل الأمد لا مجرد الردع التكتيكي.

وقد وجدت الدوائر البحثية الإسرائيلية جوانب إيجابية متعددة في الحرب على إيران، وإن أعربت عن تحفظها وتخوفها بشأن طريقة نهاية الحرب، دون أن تشكِّك في جدوى أو ضرورة الحرب ذاتها.

ويظهر من الأوراق أن الاعتماد على أمريكا يشكل جزءًا عميقًا من العقلية اليهودية، حيث يُنظر إلى العلاقة معها على أنها مصيرية وعضوية، ويُعتبر قرار واشنطن حاسمًا ومحدِّدًا لمسار السياسات الإسرائيلية.

كما كشفت تداعيات هذه الحرب عن تناقض واضح بين الخطاب العلني للولايات المتحدة وواقع مواقفها الفعلية، فرغم تأكيد واشنطن المتكرر على التمسُّك بخيار الاتفاق مع إيران، إلا أنها شاركت في تنفيذ ضربة عسكرية مباشرة ضد طهران في نهاية المطاف، وهذا درس يجب أن يعيه العرب، مفاده أن الخطابات السياسية لا تعكس دائمًا الأهداف الحقيقية، بل قد تُستخدم تلك الخطابات أحيانًا كأدوات لتهدئة الخصوم أو كسب الوقت، وأن المصالح الإستراتيجية ورعاية إسرائيل هي التي تحكم سياسات الولايات المتحدة. ([10])

 ——— 

[1]ألداد شافيط: باحث أول في معهد دراسات الأمن القومي، مختص بالشأن الإيراني والاستخبارات، وله خبرة طويلة بالتحليل الإستراتيجي.

تشاك فرايليخ: زميل في معهد دراسات الأمن القومي، خبير بالأمن القومي والعلاقات الأمريكية، شغل مناصب رفيعة سابقًا بالحكومة.

[2]https://www.inss.org.il/he/social_media/%d7%9e%d7%91%d7%a6%d7%a2-%d7%b4%d7%a2%d7%9d-%d7%9b%d7%9c%d7%91%d7%99%d7%90%d7%b4-%d7%94%d7%92%d7%99%d7%91%d7%95%d7%99-%d7%94%d7%90%d7%9e%d7%a8%d7%99%d7%a7%d7%90%d7%99-%d7%95%d7%94%d7%93%d7%99%d7%9c/

[3]– يوسي كوفرفاسر، رئيس معهد القدس للإستراتيجية والأمن، رئيس شعبة الأبحاث في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان).

[4]https://jiss.org.il/kuperwasser-campaign-to-remove-the-iranian-threat/

 [5] – من اللافت أن فتح ملف السلاح النووي الإسرائيلي غير مطروح من جانب إيران، رغم أنه يشكّل تهديدًا إقليميًّا واضحًا والتلويح به سياسيًّا يفضح تناقض السياسات الدولية وازدواجية المعايير.

[6]– يوني بن مناحيم: محلل الشئون الشرق أوسطية، ضابط استخبارات إسرائيلي سابق، باحث حالي في المعهد الأورشاليمي للشئون الخارجية والأمنية.

[7]https://jcpa.org.il/israel-must-act-to-topple-the-ayatollahs-regime-in-iran/

[8]– راز تسيمت – باحث حالي في “معهد دراسات الأمن القومي” مدير برنامج إيران والمحور الشيعي في معهد دراسات الأمن القومي، وباحث في مركز التحالف للدراسات الإيرانية في جامعة تل أبيب.

[9]https://www.inss.org.il/he/social_media/%d7%90%d7%a8%d7%94%d7%91-%d7%aa%d7%95%d7%a7%d7%a4%d7%aa-%d7%91%d7%90%d7%99%d7%a8%d7%90%d7%9f-%d7%aa%d7%95%d7%91%d7%a0%d7%95%d7%aa-%d7%a8%d7%90%d7%a9%d7%95%d7%a0%d7%95%d7%aa-%d7%a9%d7%9c-%d7%97/

[10]– التقرير الأول عن رؤية مراكز البحث الإسرائيلية لفترة ما قبل الحرب https://ruyaa.cc/Page/127283/

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى