ملامح العقل السياسي الإسرائيلي .. عقب انتهاء الحرب مع إيران

ملخص تنفيذي:
في هذا التقرير نرصد أهم الأوراق البحثية لمراكز الأبحاث والدراسات الإسرائيلية في فترة ما بعد انتهاء الحرب مع إيران، عقب إعلان وقف إطلاق النار، مع تقييم نتائج المعركة وإمكانية تثبيت المكاسب عبر حلول سياسية أو الحاجة لاستمرار الضغط العسكري والسياسي.
وقد أكدت الورقة التي بين أيدينا أن تلك المراكز ترى أن الحلول طويلة الأمد تتطلب تغييرًا داخليًّا في النظام الإيراني، مع ضرورة استمرار الحملة الشاملة ضد إيران التي تجمع بين الوسائل السياسية والاقتصادية والاستخباراتية والعسكرية، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، لضمان تحقيق الأهداف الإستراتيجية في مواجهة إيران، وأهمها منعها من الحصول على السلاح النووي، وتفكيك محورها في المنطقة، وتعزيز مكانة إسرائيل في الإقليم.
ورقة بحثية بعنوان: “حرب إسرائيل إيران… انتهت ولم تستكمل”، معهد أبحاث الأمن القومي”، نشرت بتاريخ 28 يونيو 2025([1])
المضمون:
ذكرت الورقة أن وقف إطلاق النار الهش بين إيران وإسرائيل يُمثل نهاية المرحلة الحالية، التي تُعد الأخطر في الصراع بين الجمهورية الإسلامية وإسرائيل، وأوضحت الورقة أن إسرائيل يمكنها اعتبار هذه المعركة ناجحة إلى حد كبير، حتى مع امتلاك إيران لمخزون من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، والذي كانت تملكه قبل بدء الحملة وربما نُقل إلى مخابئ سرية، إذ شهد البرنامج النووي الإيراني تراجعًا ملحوظًا.
كما بيّنت الورقة أن الأضرار الجسيمة التي لحقت بمنشأتي نطنز وفوردو، إلى جانب تصفية عدد من العلماء النوويين المبرزين، ستقلل بشكل كبير من قدرة إيران على تطوير أسلحة نووية في المستقبل القريب، ورغم ذلك، من الممكن أن تنتج إيران مواد انشطارية بدرجة تخصيب تصل إلى 90%، لكن من غير المؤكد أن يكون ذلك كافيًّا لتصنيع أسلحة نووية.
ذكرت الورقة كذلك أن الولايات المتحدة قد اتخذت خطوة غير مسبوقة بتوجيه ضربات عسكرية لإيران، وهو ما يفتح الباب أمام أي إدارة أمريكية مستقبلية لاستخدام هذا النفوذ العسكري عند الضرورة.
وعلى الجانب الآخر، أوضحت الورقة أن إيران ستسعى لتصوير الحملة على أنها انتصار، بغض النظر عن نتائجها العسكرية، من خلال التركيز على إظهار ضعف إسرائيل والأضرار التي لحقت بها، ومنذ بداية الحملة، ركزت السلطات ووسائل الإعلام الإيرانية على هذه الرواية، مدعية أن حزب الله قد حقق “نصرًا” بفرض وقف إطلاق النار على إسرائيل رغم إخفاقه في تحقيق أهدافه الرئيسة.
أكدت الورقة أن القيادة الإيرانية حريصة على الحفاظ على ثلاثة إنجازات إستراتيجية رئيسة:
- بقاء النظام، الذي يُعتبر الهدف الأسمى.
- الحفاظ على البرنامج النووي كـ “بوليصة تأمين” لضمان وجود النظام.
- استمرار عمل المنظومات الإستراتيجية الحيوية، مثل الصواريخ، والاستخبارات، والقيادة والتحكم، لمواجهة التحديات المستقبلية.
عند إعلان وقف إطلاق النار، أكدت الورقة نجاح النظام في الحفاظ على تماسكه الداخلي وإظهار العزيمة في مواجهة التهديدات، مشيرة إلى أن الرأي العام الإيراني تأجج بشكل كبير تجاه إسرائيل بسبب الأضرار المدنية، مع تعرض البرنامج النووي لضربة موجعة دون أن يتوقع أن تدفع إيران للتخلي عن طموحاتها النووية.
وأشارت الورقة إلى أن هناك توجهًا متزايدًا في طهران نحو تعزيز القدرة النووية العسكرية، مع تغيّر في التصور الأمني الإيراني عقب انهيار “محور المقاومة” وفشل فرض معادلة ردع جديدة على إسرائيل باستخدام الصواريخ والطائرات بدون طيار، كما بيّنت أن بعض الأصوات الإيرانية تطالب بتغيير العقيدة النووية والسعي للوصول إلى الأسلحة النووية كـ “شهادة ضمان” أمنية نهائية.
في ختام الورقة، جاء ذكر تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي أكد التزام إسرائيل بتحقيق أهدافها سواء عبر تسوية سياسية أو باستخدام القوة، مشددًا على ضرورة الحفاظ على إنجازات الحملة حتى في حالة عدم التوصل إلى اتفاق.
وأوضحت الورقة وجود شكوك كبيرة حول رغبة إيران في العودة إلى إطار الاتفاق النووي، خاصة مع رفضها التنازل عن حق تخصيب اليورانيوم ورفضها آليات المراقبة الدولية التي تعتبرها تدخلية، كما أشارت إلى تعقيدات الموقف الإسرائيلي في حال تجديد الاتفاق النووي، لكن في حالة عدم التوصل إلى اتفاق، ستضطر إسرائيل للاعتماد الكامل على الاستخبارات، وهو ما يحمل مخاطر عدم كشف انتهاكات مستقبلية.
التوصيات التي وردت في الورقة:
- السعي للتوصل إلى اتفاق نووي بشروط محسّنة، يعزز النجاحات العملياتية التي حققتها إسرائيل والولايات المتحدة، ويسمح بمراقبة دقيقة لتطورات البرنامج النووي.
- في حال فشل التوصل إلى اتفاق، يجب على إسرائيل مواصلة حملة مستدامة تجمع بين الضربات الحركية والإجراءات المضادة السرية لمنع أي محاولة إيرانية لاختراق البرنامج النووي مع الإشارة إلى أن الاتفاق نفسه لا يضمن التزام إيران طويل الأمد، وأن تخفيف العقوبات قد يمنح النظام دعمًا ماليًّا يعزز أنشطته السلبية، كما قد يقيد حرية عمل إسرائيل تجاه إيران إذا لم تحفظ التفاهمات مع الولايات المتحدة.
- دعم المبادرات التي تعزز حرية التواصل وتدفق المعلومات داخل إيران، بالإضافة إلى دعم المتظاهرين الإيرانيين، تمهيدًا لتغير سياسي محتمل على المدى الطويل، رغم عدم وضوح توقيت حدوثه.
- ضرورة الاستعداد لمواصلة الحملة ضد إيران باستخدام الوسائل السياسية والاقتصادية والاستخباراتية السرية، وأحيانًا العسكرية، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، بهدف تحقيق الأهداف الإستراتيجية الرئيسة مثل وقف السعي الإيراني نحو الأسلحة النووية، تفكيك المحور الموالي لإيران، والحد من مشروع الصواريخ. ([2])
تعقيب مركز رؤيا:
أظهرت الورقة بعض التوجهات الإسرائيلية المهمة ومنها:
- شكوكها الكبيرة حول رغبة إيران في العودة للاتفاق النووي، بسبب تمسكها بحق تخصيب اليورانيوم ورفضها آليات الرقابة الدولية.
- استمرار الحملة السرية والمفتوحة ضد البرنامج النووي الإيراني في حال فشل المسار الدبلوماسي، عبر ضربات حركية وإجراءات استخباراتية.
- دعم الحراك الداخلي الإيراني من خلال تعزيز حرية المعلومات ودعم المتظاهرين، تمهيدًا لتغيير سياسي مستقبلي.
- التحضير لحملة شاملة ضد إيران تشمل أدوات سياسية واقتصادية وعسكرية بالتنسيق مع الولايات المتحدة، بهدف وقف تطوير السلاح النووي وتفكيك محورها الإقليمي.
وفي ظل رؤية تلك المراكز البحثية أنها أمام فرصة إستراتيجية نادرة تُعوّل عليها إسرائيل لإعادة تشكيل التوازنات الإقليمية لصالحها، فإنه من المرجح ألا يكون توقف الحرب في هذه المرحلة نهايةً للصراع بين الطرفين، بل يمثل محطة مؤقتة ضمن مسار طويل، دل على ذلك سياق الورقة بل عنوانها: “ حرب إسرائيل إيران.. انتهت ولم تستكمل”، فإسرائيل تنظر إلى هذه المواجهة مع إيران باعتبار أنها لم تكتمل، ولن تتردد في استئناف التصعيد متى ما اقتضت الظروف، في ظل استمرار وجود البرنامج النووي الإيراني، واحتمالية عودة التماسك للمحور الإقليمي التابع لطهران، بعد تجاوز الصدمة الأولى للحرب وتكيّف مكوناته مع المتغيرات الأخيرة.
خاتمة:
كشفت مراجعة الأوراق البحثية الصادرة عن مراكز التفكير الإسرائيلية خلال الفترة التي سبقت الحرب على إيران وأثناءها وبعدها ([3]) ، عن طابعٍ واضح، حيث سعت إلى تسويغ الخيار العسكري وفرض مقاربة أمنية صارمة كأداة رئيسة في التعامل مع الملف الإيراني، وكان القاسم المشترك بينها هو التركيز على المخاطر النووية الإيرانية وسبل احتوائها، وشرعنة العمل العسكري الإسرائيلي ضد إيران.
ورغم تنوعها، كشفت عن نقص وخلل في الرؤية، تمثّل في:
- الطرح الأمني/العسكري الواسع، مما انعكس في نبرة الأوراق التي دعت إلى استمرار الضغط، بل تغيير النظام في طهران، كما ورد صراحة في جل الأوراق البحثية والدراسات السابقة.
- المبالغة في تقدير فعالية هجومها العسكري، وحدود قدرتها الأحادية في حين أنها لجأت للاستعانة بالقوة الأمريكية في حربها.
- قصور عن التحليل الشامل، إذ حافظت على خطاب الانتصار العملياتي، مع التقليل من كلفة الحرب الإقليمية، وتوسيع فجوة الثقة مع الأطراف الدولية، وظهورها بمظهر الدولة المنبوذة لدى الشعوب الأوروبية وفي داخل أمريكا.
إن اعتماد هذه المراكز على نُخبة باحثين من خلفيات أمنية، أسهم بشكل كبير في تلك الرؤية التي كانت مسكونًة بهاجس “الفرصة الذهبية” لشل القدرات النووية الإيرانية.
ولم تتضمن التقارير أي بيانات أو قياسات للرأي العام الإسرائيلي لما بعد الحرب، مما يدل على تأييد المزاج العام في المجتمع الإسرائيلي للحرب على إيران وهذا يعكس توافقًا واسعًا حول ضرورة التصدي لإيران.
على الجانب الآخر، طرحت الأوراق البحثية المقدمة من تلك المراكز خيارات مهمة أمام صانع القرار الإسرائيلي، تسهم في توسيع نطاق السبل الإستراتيجية المتاحة.
[1]– الكاتب هو“راز تسيمت”، (مدير برنامج إيران والمحور الشيعي في المعهد أبحاث ورئيس تحرير مجلة “التحديث الاستراتيجي”/ معهد أبحاث الأمن القومي.
[2]– https://www.inss.org.il/he/publication/israel-iran-war/
[3]– رؤية مراكز البحث الإسرائيلية لفترة ما قبل الحرب https://ruyaa.cc/Page/127283/
-رؤية مراكز البحث الإسرائيلية أثناء فترة الحرب مع إيران https://ruyaa.cc/Page/127308/