إسرائيل من الداخل

تراجع مصري أمام الخليج.. وتحديات إقليمية جديدة يرصدها الداخل الإسرائيلي

الملخّص التنفيذي:

في هذا التقرير رُصدت أربع أوراق بحثية صادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية مؤثرة في صناعة القرار، وتعكس الدراسات الأربع تحولًا واضحًا في إدراك إسرائيل لأولوياتها في الساحتين الجنوبية والشمالية، وتشير إلى الطريقة التي يفسر بها العقل الاستراتيجي الإسرائيلي تصرفات القاهرة ومواقفها الإقليمية، حيث تتشابك الملفات الأمنية والاقتصادية والسياسية عبر أربع دوائر رئيسة:

  • قطاع غزة لم يعد مجرد بؤرة صراع حدودي، بل أصبح بعد تراجع التهديد الإيراني المباشر المسرح المركزي لمحور  (إيران، حزب الله، الحوثيون، حماس)، وتتجه الرؤية الإسرائيلية إلى أن السيطرة الكاملة على المساعدات الإنسانية والسكان المدنيين تمثل أداة إستراتيجية لإضعاف حماس، وعزلها عن بيئتها، ودفعها نحو الانهيار أو القبول بشروط الاستسلام.
  • سيناء تظهر في العقل السياسي الإسرائيلي بوصفها منطقة ذات حساسية أمنية عالية لمصر وإسرائيل معًا، ما يجعل أي اضطراب فيها مصدر تهديد مباشر لمصر ولأمن الحدود بين الجانبين، لذلك تشجع إسرائيل استمرار السياسة المصرية القائمة على قوة القبضة الأمنية، وتدعم توسيع التعاون الاستخباراتي والعسكري لضمان عدم تحول سيناء إلى مصدر تهديد مشترك.
  • النفوذ الخليجي في مصر والأردن يُنظر إليه باعتباره سلاحًا ذا حدين: من جهة، يوفر استقرارًا اقتصاديًّا، ويقلل احتمالات الانفجار الداخلي؛ ومن جهة أخرى، يخلق تبعية اقتصادية قد تتحول إلى ورقة ضغط سياسي في قضايا إقليمية حساسة، وإسرائيل تميل إلى استثمار هذا النفوذ الخليجي في مصر عبر شراكات إقليمية في البنية التحتية والطاقة مع الشركات الخليجية.
  • أما علاقات مصر مع “سوريا الجديدة” فتمثل في العقل السياسي الإسرائيلي نموذجًا لسياسة الحذر الإستراتيجي، حيث تبقي القاهرة على قنوات اتصال دون منح شرعية سياسية كاملة، وتدعم وحدة الدولة السورية بعيدًا عن النفوذ الإيراني السابق أو عودة وجود الجماعات المسلحة، كما ترى إسرائيل في هذا الموقف فرصة لتعزيز ترتيبات أمنية غير مباشرة في الأراضي السورية تحد من المخاطر على حدودها الشمالية.

وهكذا تؤكد هذه الرؤية أن الأمن القومي الإسرائيلي لم يعد قائمًا على الحدود فقط، بل على إدارة شبكة معقدة من التفاعلات الإقليمية، تتطلب الضغط العسكري، والتحكم بالموارد، وتوظيف التحالفات الاقتصادية والسياسية لخدمة أهدافها.

المحور الأول: الموقف من غزة:

1- دراسة معهد القدس للإستراتيجية والأمن – “من طهران إلى غزة: عودة التركيز إلى الساحة الجنوبية” يوليو 2025([1])

المضمون:

أصدر معهد القدس للإستراتيجية والأمن ورقة بحثية بعنوان: “من طهران إلى غزة: عودة التركيز إلى الساحة الجنوبية” أعدها المقدم احتياط البروفيسور جابي سيبوني والعميد احتياط إيرز وينر، في 2 يوليو 2025، حيث أكدت الورقة أنه بعد الضربة التي أصابت البرنامج النووي والصواريخ الباليستية الإيرانية، تراجع التهديد الإيراني المباشر الذي كان محور الصراع الإقليمي، ونتيجة لذلك، برز قطاع غزة كـ آخر ساحة مركزية لمحور (إيران، حزب الله، الحوثيون، حماس)، هذه التحولات جعلت من تحييد غزة ضرورة إستراتيجية لإسرائيل، بل ومصلحة أمريكية أيضًا، في إطار توسيع اتفاقيات أبراهام التي تشكّل أساسًا لهندسة إقليمية جديدة تقلّص نفوذ القوى.

وتؤكد الورقة أن جولات القتال في غزة كانت تاريخيًّا سلاحًا دعائيًّا ضد إسرائيل بسبب صور الدمار والمعاناة، مما قاد لضغوط سياسية واقتصادية، لذا فإن التحرك السريع والحازم لتحقيق أهداف الحرب (إسقاط حماس، تحرير الأسرى، منع غزة من أن تكون قاعدة عمليات ضد إسرائيل) بات ضرورة قصوى.

وتوضح الورقة أن الدرس الأبرز من المعركة الحالية هو ضرورة السيطرة الكاملة على موردين مركزيين: المساعدات الإنسانية والسكان المدنيين.

الخطة المقترحة في الورقة:

  1. إقامة إدارة عسكرية موقتة تسيطر على المساعدات والسكان- لتمكين إدارة ميدانية مباشرة وتقليص نفوذ حماس.
  2. فرز السكان: عبر إنشاء نقاط عبور وفحص دقيق للراغبين بالانتقال جنوبًا لمنع اختلاط المسلحين بالمدنيين.
  3. إقامة مناطق إيواء في الجنوب لإسكان المدنيين وتقديم المساعدات لهم.
  4. توزيع المساعدات تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي لضمان عدم سيطرة حماس عليها.
  5. تعزيز خطة الهجرة بالتنسيق مع جهات دولية لتمكين من يرغب في مغادرة القطاع.

التحديات والعقبات التي رصدتها الورقة:

  • الخطة لم تُنفّذ بالكامل بسبب معارضة داخلية وخشية التبعات الدولية.
  • استمرار إدخال المساعدات للشمال، استنادًا إلى آراء قانونية من النيابة العسكرية والمستشارة القانونية للحكومة الإسرائيلية، خوفًا من تبعة ذلك الخرق للقانون الدولي.

الخلاصة:

تدفع الورقة باتجاه دمج الإدارة العسكرية للمساعدات والسكان في صميم الإستراتيجية الإسرائيلية تجاه غزة، بهدف عزل حماس، وتقليل قوتها القتالية، وتقصير أمد الحرب.

في هذا الإطار، تطرح استخدام أدوات مدنية ولوجستية كوسائل ضغط رئيسة، مثل التحكم في مسارات المساعدات والموارد والخدمات الأساسية، وتنظيم حركة الأشخاص والبضائع، بهدف خلق بدائل تقلل من نفوذ حماس.

ويعكس هذا التصور انتقالًا من مقاربة عسكرية بحتة إلى اعتماد أدوات مدنية– لوجستية كسلاح رئيس، انطلاقًا من فرضية مفادها أن تحييد حماس أو إسقاطها يمكن أن يتحقق عبر حرمانها من أدوات السيطرة الاجتماعية والاقتصادية، وليس بالاعتماد على القوة النارية وحدها.

المحور الثاني: النفوذ الخليجي في مصر:

2- دراسة معهد أبحاث الأمن القومي–“دول الخليج تستحوذ على النفوذ في مصر والأردن:([2])

 

المضمون:

أصدر معهد أبحاث الأمن القومي في إسرائيل، بتاريخ 13 يوليو 2025، دراسة أعدها يوائيل جوزنيسكي، المتخصص في شؤون الخليج العربي، وإيلان زلايط، الخبير في السياسات الاقتصادية بالمعهد، سلّطا فيها الضوء على وجود تحول إستراتيجي عميق في سياسة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر تجاه كل من مصر والأردن.

هذا التحول تمثل في الانتقال من تقديم المساعدات المالية غير المشروطة، التي كانت تهدف أساسًا إلى دعم استقرار الأنظمة، إلى الاستحواذ على أصول إستراتيجية حساسة تمنح هذه الدول الخليجية نفوذًا اقتصاديًّا وسياسيًّا مباشرًا وطويل المدى في هذين البلدين.

توضح الدراسة أن هذا التغير في النهج الخليجي لم يأتِ صدفة، بل جاء نتيجة تراكم عوامل داخلية وخارجية، فعلى مدى عقود، وبشكل خاص منذ ستينيات القرن الماضي، كانت المساعدات الخليجية لمصر والأردن جزءًا من سياسة إقليمية أوسع ترمي إلى دعم الأنظمة العربية الحليفة ومنع سقوطها، باعتبار مصر دولة ذات ثقل سياسي وجغرافي في العالم العربي، والأردن بوابة أمنية مهمة لدول الخليج لقربه الجغرافي وتشابه تركيبته السكانية مع بعضها.

وأكدت الورقة أن هذه السياسة تعززت بشكل كبير بعد أحداث الربيع العربي، حيث ضخت السعودية والإمارات وقطر مليارات الدولارات لاحتواء الأزمات ومنع انتقال العدوى السياسية إلى أراضيها.

غير أن السنوات الأخيرة شهدت تراجع المخاطر المباشرة على استقرار النظامين في القاهرة وعمّان، ما دفع العواصم الخليجية إلى إعادة النظر في أولوياتها الاقتصادية، وقد تزامن ذلك مع تحولات داخلية عميقة في دول الخليج، أبرزها السعي إلى تنويع مصادر الدخل وتخفيف الاعتماد على النفط، الأمر الذي جعل السيولة المالية المتاحة للمساعدات أقل مما كانت عليه في الماضي، كما لعبت عوامل أخرى دورًا مهمًا، مثل الفساد وضعف الإدارة الاقتصادية في الدول المستقبِلة، وهو ما عزز القناعة بأن الأموال التي تُضخ بلا شروط تضيع دون تحقيق نتائج اقتصادية أو سياسية مستدامة.

في هذا الإطار، انتقلت السياسة الخليجية إلى نموذج جديد يقوم على الاستثمار المباشر في الأصول والمشاريع الكبرى، عبر الصناديق السيادية والشركات الحكومية الكبرى، هذه الاستثمارات تمنح الدول الخليجية عوائد مالية مجزية وفي الوقت نفسه تعد أداة ضغط ونفوذ سياسي يمكن استخدامها عند الحاجة، ومن جهة أخرى، تستفيد مصر والأردن من هذه الأموال كـسيولة عاجلة تساعدهما على تلبية شروط مؤسسات التمويل الدولية، مثل صندوق النقد الدولي، وتفادي الانهيارات المالية قصيرة الأمد.

وتضرب الدراسة أمثلة بارزة على هذه الإستراتيجية، منها استثمار إماراتي غير مسبوق بقيمة 35 مليار دولار في مصر عام 2024، خصص منه 24 مليار لتطوير منطقة رأس الحكمة كمشروع سياحي وتجاري عالمي، بالإضافة إلى اتفاق سعودي بقيمة 15 مليار دولار يركز على مشروعات البنية التحتية والطاقة، وحزمة استثمارات قطرية بقيمة 7.5 مليار دولار في قطاعات الطاقة والعقارات والسياحة.

أما الأردن، فقد شهد تدفق نحو نصف مليار دولار من الاستثمارات الخليجية في عام واحد، ما يمثل ثلث الاستثمارات الأجنبية الكلية فيه، وهو مؤشر على الأهمية الإستراتيجية التي توليها العواصم الخليجية لعمان.

وترى الورقة أن هذا التحول يمثل انتقالًا واضحًا من “سياسة الإنقاذ” إلى “سياسة الاستحواذ، فالخليجيون لم يعودوا مجرد ممولين، بل شركاء مالكين في قطاعات اقتصادية حيوية، ما يتيح لهم التأثير في السياسات من الداخل، وخلق ارتباطات طويلة الأمد بين اقتصاداتهم واقتصادات مصر والأردن، وفي الوقت نفسه، يحمل هذا النهج مخاطر سياسية واجتماعية، منها زيادة تبعية مصر لقطر، أو إثارة حساسيات شعبية في البلدين تجاه السيطرة الخليجية على أصول وطنية.

أما بالنسبة لإسرائيل، فتشير الدراسة إلى أن هذا الواقع الجديد يفتح أمامها فرص تعاون غير مسبوقة، لأن دول الخليج الثلاث – رغم تباين سياساتها – تتسم بقدر من البراغماتية السياسية وعدم وجود عداء تاريخي عميق تجاه إسرائيل. هذا يعني إمكانية بناء مشاريع إقليمية ثلاثية أو متعددة الأطراف في مجالات المياه، والطاقة، والزراعة، والبنية التحتية، خاصة إذا جرى تقديمها كجزء من تعاون إقليمي أوسع يتجنب الظهور الإسرائيلي المباشر لتفادي حساسيات الشارع العربي، ومن بين هذه المشاريع، تبرز مبادرة الممر الاقتصادي الهندي الأوروبي (IMEC)، التي يمكن أن تدمج الموانئ الإسرائيلية في شبكة لوجستية تربط الهند بأوروبا مرورًا بالخليج. ([3])

وفي خاتمة الدراسة، يؤكد الباحثان أن على إسرائيل أن تعمق علاقاتها القائمة مع الإمارات، وتعزز مسار التطبيع مع المملكة العربية السعودية، ويشددان على أن المشاريع الاقتصادية المشتركة مع هذه الدول، ومع مصر والأردن، يمكن أن تخلق حوافز إضافية لتقوية العلاقات على المدى الطويل، كما يوصيان بـرصد توجهات الرأي العام في مصر والأردن تجاه سيطرة دول الخليج على الأصول الوطنية، وأثر ذلك على العلاقة مع إسرائيل وعلى استقرار النظامين المصري والأردني، إذ يمكن لأي تصاعد في مشاعر الرفض الشعبي أن ينعكس سلبًا على المعادلة السياسية والاقتصادية التي تستفيد منها تل أبيب.

خلاصة المحور الثاني:

تنظر إسرائيل إلى الاستثمارات الخليجية في كل من مصر والأردن باعتبارها ظاهرة مزدوجة التأثير؛ فهي من جهة تمثل فرصة لتعزيز الاستقرار الاقتصادي في هاتين الدولتين بما ينعكس إيجابًا على مصالحها الأمنية المباشرة في بقاء النظامين المصري والأردني، ومن جهة أخرى تحمل مخاطر محتملة إذا ما تحوّل هذا النفوذ الاقتصادي الخليجي إلى أداة ضغط سياسي أو اصطفاف إقليمي جديد.

المحور الثالث: علاقات مصر مع “سوريا الجديدة”:

3-دراسة بعنوان: “علاقات مصر مع سوريا الجديدة”، معهد أبحاث الأمن القومي – بقلم أميرة أورون: ([4])

المضمون:

أورد معهد أبحاث الأمن القومي، ورقة بحثية بعنوان: (علاقات مصر مع سوريا الجديدة)، أعدتها “أميرة أورون” سفيرة إسرائيل السابقة لدى مصر، بتاريخ 13 يوليو 2025، حيث أكدت الورقة أن العلاقات المصرية– السورية شهدت تحولات كبيرة بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، مما دفع الدول الإقليمية، وعلى رأسها مصر، إلى إعادة تقييم موقفها تجاه دمشق في ظل المتغيرات الكبرى التي طرأت على المشهد السوري.

اتخذ الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، خطوات سياسية لافتة لكسب الشرعية الدولية، من خلال تصريحات تصالحية حتى تجاه إسرائيل، حيث زار الرياض في مايو 2025، والتقى بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب بوساطة سعودية وتركية، الذي أعلن رفع العقوبات عن سوريا، كما استقبله العاهل الأردني الملك عبد الله في فبراير من العام نفسه، رغم عدم حضوره قمة الجامعة العربية ببغداد بسبب اعتراضات عراقية قريبة من إيران.

وتشير الورقة إلى أن موقف مصر من النظام السوري الجديد له أهمية كبيرة، ليس فقط لمكانتها الإقليمية وتأثيرها داخل العالم العربي، بل لأنه يعكس الصراع الداخلي داخل المعسكر السني بين أنصار الدولة المدنية من جهة، والإسلام السياسي ممثلًا بجماعة الإخوان المسلمين من جهة أخرى، كما أن الخلفية الجهادية للشرع تثير تساؤلات حول مدى التزامه بمفهوم الدولة الوطنية. تاريخ العلاقات بين مصر وسوريا شهد تقلبات متعددة، من الوحدة في الجمهورية العربية المتحدة إلى التنسيق العسكري في حرب أكتوبر، ثم الخلافات السياسية بعد اتفاق السلام مع إسرائيل 1979، والتوترات إثر تدخل دمشق في لبنان، بالإضافة إلى التقلبات في عهد د.محمد مرسي، حيث قطعت مصر العلاقات مع دمشق ووصفت النظام السوري بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، ما كان انعكاسًا لفشل الإخوان في السياسة الخارجية، في حين رحب نظام الأسد بسقوط مرسي.

وأبرزت الورقة أنه بعد إبعاد د.محمد مرسي عن الحكم، اتخذت مصر خطوات واضحة تعكس تحولًا في السياسة تجاه سوريا، تمثلت في فرض تأشيرة دخول على السوريين، ما أوقف تدفق الإسلاميين الذين دخلوا البلاد في حكم مرسي، ثم أعادت مصر تدريجيًّا علاقاتها مع دمشق، مؤكدة دعمها لوحدة الأراضي السورية ورفضها دعم الفصائل المسلحة، في تعبير واضح عن توجه النظام المصري المناهض للإسلام السياسي والداعم للدولة المدنية.

وفي تصريح للسيسي عام 2016، أكد دعم الجيوش الوطنية التي تواجه أزمات حكم، مع احترام إرادة الشعب السوري والحاجة إلى حل سياسي شامل للأزمة، يتضمن وقف إطلاق النار وتقديم المساعدات الإنسانية، مع التركيز على محاربة الجماعات الإسلامية المتطرفة.

على المستوى الأمني، شهدت العلاقات بين مصر وسوريا تنسيقًا متزايدًا بين الأجهزة الأمنية، وفي عام 2023 وافقت مصر على عودة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية بعد 11 عامًا من الغياب، معتبرة أن الشروط اللازمة لتحقيق ذلك توفرت، وأبرزها التزام النظام السوري بإنهاء النزاع داخليًّا بطرق سلمية.

أما موقف مصر من النظام الجديد بقيادة الشرع، فقد تجلى في التصريحات الرسمية منذ انهيار نظام الأسد، حيث أكدت مصر دعمها لوحدة سوريا وسلامة أراضيها، مع التركيز على حماية المدنيين، لكنها في الوقت نفسه لم تعترف بشرعية النظام الجديد، موجهة خطابها في بياناتها إلى الشعب السوري، مما فُسر على أنه تحفّظ مصري واضح تجاه الشرع.

على الصعيد الإعلامي الداخلي، ركز الخطاب المصري بشكل متزايد على ضرورة وجود جيش قوي وحديث وموالٍ للسلطة، يحمي الدولة من التهديدات، في تلميح واضح إلى التمايز بين النموذج المصري والنموذج السوري، مع إبراز قوة الجيش ودوره في حماية الوطن واستقراره، وفي الساحة الخارجية، وعلى الرغم من تحفظ مصر على النظام السوري الجديد، التزمت القاهرة بالموقف العربي الجماعي بقبول سوريا في جامعة الدول العربية، وشارك الشرع في القمة الطارئة الخاصة بالقضية الفلسطينية في مارس 2025، حيث استقبله السيسي بشكل رسمي ولكن فاتر، ما يعكس رسائل سياسية واضحة، مفادها أن سوريا لم تعد معزولة لكنها لا تزال بعيدة عن الدفء السياسي السابق.

تعكس هذه المواقف محاولة مصر والدول العربية الاحتفاظ بهامش تأثير على النظام السوري الجديد، مع السعي لتقييد التغلغل غير العربي في دمشق، وخاصة من قبل القوى الإقليمية مثل إيران وتركيا وإسرائيل.

تجدر الإشارة إلى أن الحرب في قطاع غزة عمقت الخلافات والفجوات بين مصر وإسرائيل، إلا أن الملف السوري في ظل حكم الشرع أظهر بعض أوجه التقارب بين الجانبين، وإن كان هذا التقارب لا يخلو من تباينات جوهرية.

تنظر مصر وإسرائيل إلى الشرع بعين الشك، إذ يُعتبر في نظرهما رجل إرهاب” نشأ في بيئة أيديولوجية جهادية مستوحاة من فكر تنظيم القاعدة، ورغم تحفظ مصر على انتقادات علنية للنظام الجديد، فإن موقفها اتسم بالتحفظ والتجاهل المقصود، مفضلة مخاطبة “الشعب السوري” بدلًا من النظام، في المقابل، تبنت إسرائيل حوارًا غير مباشر مع النظام السوري الجديد حول ترتيبات أمنية على الحدود المشتركة، مع اختلاف جوهري بين البلدين في النظر إلى مفهوم وحدة سوريا وسيادتها”.

فبينما تؤكد مصر على ضرورة الحفاظ على الدولة السورية الموحدة والمركزية، تتبع إسرائيل سياسة تعتمد على تعزيز الطائفية، خاصة للطائفة الدرزية وربما لطوائف أخرى تشعر بالتهديد أو التهميش، وهو نهج يتعارض مع الموقف المصري والعربي العام، حيث يُنظر إليه كعامل يعزز النزعات الانفصالية ويفكك الدولة السورية، وهو ما يرفضه محور القاهرة – الرياض، لذلك فإن التحركات الإسرائيلية تعزز وجود مناطق وجيوب ذات طابع طائفي أو عرقي، في تناقض واضح مع محاولات الحكومة السورية لإعادة توحيد البلاد.

وتؤكد الورقة أن التجارب التاريخية تظهر أن غياب أو ضعف الحكم المركزي يؤدي إلى تدخلات أجنبية من دول أو فواعل غير دولية، ما يفتح الباب أمام الفوضى وعودة الإرهاب أو التغلغل الإيراني والتركي.

وعلى ذلك فإن الهدف المشترك بين مصر وإسرائيل هو أن تنأى سوريا الجديدة بنفسها عن معسكر الإخوان المسلمين، وتستند هذه الرؤية إلى فرضية أساسية، وهي أن دمشق لن تميل إلى هذا المعسكر مادام توفرت لها بدائل، من أبرزها الانخراط في المحور العربي السني البراغماتي بقيادة مصر والسعودية، القائم على مفاهيم الاستقرار والمصالحة والانفتاح الإيجابي على الغرب.”

خلاصة المحور الثالث:

تقاطع المصالح المصرية والإسرائيلية في الإبقاء على سوريا ضعيفة عسكريًّا، وتفادي انخراطها في محاور معادية. ويمنح النهج المصري التحفظي – القائم على دعم وحدة الدولة السورية مع الحفاظ على قنوات اتصال مفتوحة دون اعتراف رسمي – فرصة لإسرائيل تسمح بإبرام تفاهمات أمنية تحافظ على استقرار الحدود وتصب في مصلحتها.

ويرى العقل السياسي الإسرائيلي كذلك أن هذا الحذر المصري يخدم هدف منع عودة سوريا كخصم إقليمي قوي، خصوصًا في إطار جهود الحد من النفوذ الإيراني قرب الحدود الشمالية لإسرائيل، مع إبقاء المجال متاحًا لتفاهمات مستقبلية.

المحور الرابع: سيناء والأمن المصري:

4- دراسة مركز القدس للشؤون الخارجية والأمنية – “سيناء لن تسقط ثانية: مصر تحاصر غزة بأي ثمن” – بقلم داليا زيادة: 

المضمون:

أكدت هذه الدراسة التي أعدتها “داليا زيادة”، الباحثة والمحللة السياسية المصرية المتعاونة مع معهد القدس للشؤون الخارجية والأمنية الإسرائيلي “jcpa”، بتاريخ 15 يوليو 2025، ([5]) أن شبه جزيرة سيناء أصبحت الحلقة الأضعف والأكثر حساسية على الحدود المصرية مع قطاع غزة، وسلطت الضوء على الدور الإستراتيجي الذي تلعبه سيناء في المشهد الأمني والسياسي المصري، وتأثير الأوضاع المتوترة في غزة على الاستقرار الداخلي المصري.

وأوضحت الدراسة أن سيناء اليوم في ظل الصراعات المستمرة، تعد منطقة عازلة محفوفة بالتحديات الأمنية والسياسية، إذ تُعد شبه جزيرة سيناء، تلك الرقعة الشاسعة ذات الطبيعة الجغرافية المتنوعة، نقطة ارتكاز حيوية للاستقرار المصري، و”نقطة حرجة” على الحدود مع غزة، التي تشهد أطول حرب مستمرة في تاريخها الحديث، منذ هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023.

ويتزايد القلق المصري بشكل ملحوظ نتيجة لتداعيات النزاع المسلح في غزة، التي تتجاوز مجرد الاشتباكات العسكرية لتشمل تدفق اللاجئين، وانتشار التطرف الأيديولوجي بين أنصار حماس، بالإضافة إلى ضعف البنية الأمنية في سيناء التي تواجه تحديات مستمرة من عمليات التهريب وتنامي التنظيمات المسلحة.

المعضلة المصرية في التعامل مع غزة وسيناء:

  • تعاني مصر من حالة توتر داخلي مع تنامي مشاعر التعاطف القومي والتاريخي مع القضية الفلسطينية، وبين المخاوف الأمنية، فبينما تتعاطف قطاعات واسعة من الشعب مع المعاناة في غزة، إلا أن فتح الحدود أمام اللاجئين الفلسطينيين يمثل تهديدًا إستراتيجيًّا، اقتصاديًًا وأمنيًًا، خاصة في ظل الهشاشة الأمنية في سيناء وقوة القبائل البدوية التي تتحكم بشكل غير مباشر في الأراضي.
  • الحكومة المصرية ترى في وصول اللاجئين الفلسطينيين إلى سيناء خطرًا أمنيًّا يتجاوز التداعيات الإنسانية، حيث تخشى أن تكون منطقة سيناء منطلقًا لتمدد جماعات متطرفة، كما أن النزاعات المحتملة بين اللاجئين والقبائل البدوية قد تزيد من زعزعة الاستقرار.

الوجود العسكري المصري في سيناء:

  • لم يكن تعزيز القوات المصرية في سيناء وليد اللحظة، بل هو نتاج إستراتيجية بدأت منذ عام 2014 بعد تصاعد الهجمات المسلحة، وتهدف إلى استعادة السيطرة على هذه المنطقة الحيوية، وأظهر تقرير رسمي في 2018 وجود أكثر من 42 ألف جندي موزعين في 88 كتيبة عسكرية، مدعومة بآليات قتالية متعددة.
  • في عام 2024، شهدت سيناء تدفقًا إضافيًّا للقوات العسكرية الثقيلة من جيوش القناة، بموافقة إسرائيلية ضمن اتفاقيات كامب ديفيد، حيث أسهمت هذه التحركات في تعزيز التنسيق الاستخباراتي والأمني بين القاهرة وتل أبيب.
  • وأكدت الورقة أن هذا التعاون لا ينبع من الثقة الكاملة فقط، بل من مصالح إستراتيجية مشتركة، أهمها مكافحة الإرهاب، وترسيخ سيادة الدولة المصرية، ومنع تحويل سيناء إلى ملاذ آمن للمسلحين، إضافة إلى السعي لتنمية البنية التحتية للحد من الظواهر السلبية المرتبطة بالفقر والتهريب.

وأشارت الدراسة إلى أن مصر تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى تنويع مصادر تسليحها، عقب تراجع المساعدات الأمريكية، واستقطبت أسلحة وتقنيات من روسيا، والصين، وأوروبا، مع توقيع اتفاقيات تعاون عسكري مع تركيا، ما عزز من قدراتها الدفاعية والبحرية والجوية.

  • تمثل هذه الخطوات محاولة لتعزيز مكانة الجيش المصري، خاصة مع تعاظم دور الجيش في إدارة شؤون الدولة والاستثمارات الكبرى، ورغم ذلك، تثير مشتريات السلاح من دول غير غربية توترات في العلاقات مع الولايات المتحدة، التي أظهرت استياءها في بعض المناسبات، كما يعكس ذلك تحول مصر إلى الاعتماد على مزيج من التعاون متعدد الأقطاب.

علاقة الثقة بين مصر وإسرائيل:

  • رغم التوترات الناتجة عن الحرب في غزة، إلا أن مصر وإسرائيل تحافظان على قنوات تعاون أمنية محكمة، حيث تتفقان على أهمية منع تصاعد العنف في سيناء، ومنع تهريب الأسلحة إلى غزة.
  • نشر القوات المصرية في سيناء ورفح يعكس سياسة دفاعية أكثر من كونها تحضيرًا لحرب مع إسرائيل، إذ تدرك القاهرة حدود قدراتها في مواجهة جيش إسرائيلي متفوق عسكريًّا.
  • التعاون بين البلدين بالرغم من الخلافات اللفظية يعكس مصلحة أمنية إستراتيجية مشتركة، ويعكس حرصهما على الاستقرار المشترك، ومع ذلك، فإن خلفيات الأزمة بعد هجوم 7 أكتوبر 2023 تركت آثارًا على الثقة بين البلدين، وأظهرت تعقيدات الموقف المصري الذي يجمع بين التعاطف مع الفلسطينيين وتعزيز الأمن على حدوده.

وتؤكد القاهرة على أن سيناء “لن تسقط ثانية”، مهما كان الثمن، فالجيش المصري يعمل على فرض سيطرة صارمة في المنطقة للحفاظ على الأمن والاستقرار، وسط نزاعات إقليمية لا تنتهي.

خلاصة المحور الرابع:

تعتبر إسرائيل سيناء خط الدفاع الأول عن أمنها الجنوبي، حيث يشكل أي اضطراب في هذه المنطقة تهديدًا إستراتيجيًّا مباشرًا، لذلك تركز إسرائيل على ضرورة استمرار السياسة الأمنية التي تتبعها القاهرة في سيناء لضمان بقاء الحدود الجنوبية آمنة ومنضبطة.

ومن منظور العقل السياسي الإسرائيلي، يشكل استقرار سيناء مصلحة أمنية مشتركة مع مصر، مما يدفعها إلى دعم تعزيز القبضة الأمنية المصرية هناك، مع تفضيل استمرار آليات التنسيق العسكري والاستخباري لضمان عدم تحول سيناء إلى مصدر تهديد مباشر.

تعقيب مركز رؤيا:

تُقدم الدراسات الأربع الصادرة عن مراكز الأبحاث الإسرائيلية: معهد القدس للإستراتيجية والأمن، ومعهد أبحاث الأمن القومي، ومركز القدس للشؤون الخارجية والأمنية؛ بيانًا مفصلًا فيما يخص إدراك إسرائيل لأولوياتها حيث تنظر إلى محيطها الإقليمي ليس كبؤرة صراع حدودي فحسب، بل كمنظومة أمنية- سياسية متكاملة تتشابك فيها الملفات الأمنية والاقتصادية والسياسية.

يعكس هذا بوضوح رؤية إسرائيلية شاملة تسعى للهيمنة والتحكم في المحيط الإقليمي بما يخدم مصالحها الأمنية بعيدة المدى، ويمكن قراءة هذه الرؤية الإسرائيلية من خلال المحاور الأربعة التي تناولتها الدراسات:

1-محور قطاع غزة: السيطرة المدنية والاقتصادية كإستراتيجية إخضاع:

ترى إسرائيل أن غزة قد أصبحت المحور المركزي للصراع الإقليمي بعد تراجع التهديد الإيراني المباشر، ويتبلور الهدف الإسرائيلي في غزة حول تحييد غزة” كضرورة إستراتيجية، وذلك من خلال السيطرة الكاملة على المساعدات الإنسانية والسكان المدنيين، وتقدم الدراسات الإسرائيلية خطة واضحة تشمل إقامة إدارة عسكرية مؤقتة للتحكم في المساعدات وفرز السكان، وصولًا إلى “تعزيز خطة الهجرة” لمن يرغب في مغادرة القطاع.

ويكشف هذا المحور عن مقاربة إسرائيلية متوحشة للأمن، حيث يُحوَّل المدنيون والمساعدات الإنسانية إلى “أدوات سيطرة” و”أوراق ضغط”! وتحقيق الهدف المعلن بـ “إضعاف حماس وعزلها عن بيئتها ودفعها نحو الانهيار أو القبول بشروط الاستسلام” من خلال حرمان السكان من مقومات الحياة، الذي هو عقاب جماعي إجرامي، وهذه الإستراتيجية تعكس نية إسرائيلية واضحة في إعادة هندسة ديمغرافية وسياسية للقطاع بما يخدم أمنها ويضمن احتفاظ إسرائيل بالهيمنة الأمنية والسياسية الكاملة على المنطقة.

2-محور سيناء: التنسيق الأمني المشترك:

تعتبر إسرائيل سيناء محورًا إستراتيجيًّا مهمًّا، وتؤكد الدراسات أن أي اضطراب في سيناء يؤثر مباشرة على أمن قناة السويس وعلى حدود مصر مع إسرائيل وغزة، وتشجع إسرائيل على استمرار “القبضة الأمنية والعسكرية المصرية” في سيناء، وتدعم “توسيع التعاون الاستخباراتي” وتدعو لتكامل “المشروعات الأمنية” بين الجانبين.

رغم أن التنسيق بين مصر وإسرائيل يُقدّم ظاهريًّا كجهد مشترك لمواجهة تهديدات أمنية متبادلة، إلا أن النظرة الإسرائيلية إلى سيناء تظل قائمة على اعتبارها “مصدر تهديد محتمل” و”خط الدفاع الأول” عن أمنها الجنوبي، بل وتعتبرها وفق خطتها الإستراتيجية جزءًا من أرض إسرائيل الكبرى.

ويعكس هذا التصور السعي الإسرائيلي الحثيث للحفاظ على دور فاعل في صياغة السياسات الأمنية في سيناء، بهدف ضمان إبقائها منطقة عازلة خالية من التهديدات، ومتوافقة تمامًا مع المصالح الأمنية لإسرائيل.

كما يعد الدعم الإسرائيلي للقبضة الأمنية المصرية في سيناء في جوهره ضمانًا لأمن إسرائيل الإستراتيجي، ويُترجم ذلك في حرص تل أبيب على بقاء قنوات التنسيق العسكري والاستخباري مفتوحة، لضمان التحكم الكامل والتصدي لأي تحركات قد تهدد استقرار الساحة الجنوبية لها.

3-محور النفوذ الخليجي في مصر والأردن:

ترى الدراسات أن النفوذ الخليجي في مصر والأردن سلاح “ذو حدين”.

فمن جهة، يوفر استقرارًا اقتصاديًّا يقلل من احتمالات الانفجار الداخلي، ومن جهة أخرى، يخلق “تبعية اقتصادية قد تتحول إلى ورقة ضغط سياسي” للخليج في قضايا إقليمية حساسة، وتشير الدراسات إلى تحول الدعم الخليجي من منح نقدية إلى “استثمارات واستحواذات في أصول إستراتيجية” بهدف زيادة النفوذ السياسي.

وترى إسرائيل في هذا التحول ما يخدم مصالحها الأمنية وذلك عبر ضبط الأوضاع في مصر بواسطة حلفائها في الخليج، غير أن هذا الدعم الخليجي يُنظر إليه من الجانب دول الخليج على أنه بناء لـ “تبعية اقتصادية طويلة الأمد” تُقلل من السيادة الوطنية لمصر، وتجعل قراراتها السياسية والاقتصادية مرهونة بنفوذهم.

4-محور علاقات مصر مع “سوريا الجديدة”:

تعتبر إسرائيل الموقف المصري “الحذر الإستراتيجي” تجاه التطورات في سوريا بعد سقوط نظام الأسد فرصة لها، فمصر أبقت على قنوات اتصال دون منح شرعية سياسية كاملة، وترى إسرائيل أن هذا الموقف يساعد في “كبح اندفاع النظام السوري نحو تحالفات معادية”، ويصب في مصلحتها لـ”إحداث ترتيبات أمنية ودبلوماسية” تحد من المخاطر على حدودها الشمالية.

إن التقاء المصالح المصرية والإسرائيلية في “إبقاء سوريا ضعيفة دون اعتراف رسمي قوي من مصر يمثل جزءًا من إستراتيجية إسرائيلية أوسع لتفتيت القوة العربية، فإسرائيل تسعى إلى الحفاظ على حالة من عدم الاستقرار أو الضعف الهيكلي للدول العربية المحيطة بها، لتظل هي القوة المهيمنة، والموقف المصري، يُستغل بوضوح من قبل إسرائيل لخدمة هدفها الإستراتيجي في إبقاء سوريا بعيدة عن أي دور إقليمي قوي.

الخلاصة:

تُظهر هذه الدراسات أن العقل الإستراتيجي الإسرائيلي ينطلق من مقاربة عسكرية صرفه إلى رؤية أمنية شاملة ومعقدة، تدمج أدوات السيطرة المدنية والاقتصادية والاستخباراتية والعسكرية في منظومة واحدة، وأن الهدف الأسمى لهذه المنظومة هو تأمين مصالح إسرائيل وتعزيز نفوذها وهيمنتها في الساحة الجنوبية والمنطقة ككل، وذلك على حساب سيادة الدول العربية، وحقوق شعوبها، واستقرارها الحقيقي.

ويظهر من قراءة الأوراق الأربعة أنها تتسم بقدر ملحوظ من العمق والتحليل التفصيلي لمختلف أبعاد السياسة المصرية، بما في ذلك تفاعلاتها الإقليمية والداخلية، على الرغم من أن الجبهة المصرية ليست ضمن الأولويات المباشرة لإسرائيل في الوقت الراهن، التي تتركز أساسًا على الصراع مع إيران وأذرعها، وفي مقدمتها حزب الله.

هذه المفارقة تبرز أهمية إدراك أن المتابعة البحثية الإسرائيلية للشأن المصري تأتي في سياق منظور أمني شامل، يستشرف التحولات ويستثمر المعطيات طويلة المدى، ومن هنا، تبرز الحاجة الملحّة لأن تولي مراكز البحث العربية اهتمامًا موازيًا بالشأن الإسرائيلي، تحليلًا ومتابعةً، بما يضمن بناء رؤية إستراتيجية أعمق في إدارة الصراع.

ويُستفاد من الرؤية التي عرضتها تلك الأوراق البحثية حول تصاعد النفوذ الخليجي الاقتصادي في مصر، أنّ المسار الراهن للعلاقات الخارجية المصرية يسير نحو تراجع استقلالية القرار، وتزايد التبعية والرضوخ لشروط قد تُفرض عليها من أطراف خارجية.

وتذهب هذه الرؤية إلى أنّ هذا الواقع يفتح شهية إسرائيل للمشاركة، ولو بطرق غير مباشرة من باب خلفي، في بعض المشاريع الخليجية داخل مصر، بما يمنحها موطئ قدم اقتصادي وسياسي إضافي، وهو الأمر الخطير الذي إذا ما استمر، فإن تداعياته المحتملة على سيناء وأمن مصر القومي ستكون خطيرة، فالدولة التي يضعف بنيانها الأمني والعسكري تصبح أكثر عرضة للاختراق والضغط، بما يهدد استقرارها وسيادتها على المدى البعيد.

لذلك فإن “استثمار النفوذ الخليجي” في مصر، ليس سوى أداة لترسيخ التبعية والتحكم عن بعد، بهدف نزع أي إمكانية للتحرك المستقل أو مقاومة الشروط الخارجية.

وختامًا فإن “الهندسة الإقليمية الجديدة” التي تتحدث عنها الدراسات ضمن إطار “اتفاقيات أبراهام”، هي في جوهرها مشروع إسرائيلي شامل لترسيخ هيمنتها وتطبيع وجودها كقوة مركزية، مع تهميش وتقزيم لأدوار الدول والمحاور الإقليمية الأخرى.


[1]–  https://jiss.org.il/siboni-winner-from-tehran-to-gaza/

[2]https://www.inss.org.il/he/publication/egypt-jordan-gulf/

[3]– الممر الاقتصادي الهندي–الأوروبي (IMEC) مبادرة أُطلقت في قمة العشرين 2023 في نيودلهي لربط الهند بأوروبا عبر الخليج وإسرائيل، من خلال شبكة نقل بحرية وبرية– حديدية، كبديل للمسارات التجارية التقليدية ولمبادرة “الحزام والطريق” الصينية.

[4]–   https://www.inss.org.il/he/publication/egypt-syria/

[5] https://jcpa.org.il/sinai-the-strategic-pivot-of-egypt-israel-security-interdependence/

 

زر الذهاب إلى الأعلى