كيف يرى الداخل الإسرائيلي خطة احتلال غزة؟

الملخص التنفيذي
تُظهر بعض الورقات البحثية الصادرة عن مراكز دراسات إسرائيلية رصينة، وعلى رأسها معهد القدس للاستراتيجية والأمن (JISS)، آخر التحليلات حول مشروع “احتلال غزة” وعرض مرحلة ما بعد الحرب، مُسلّطة الضوء على التحديات الاستراتيجية والسياسية والأمنية والدبلوماسية التي تواجه إسرائيل في إدارة “اليوم التالي”.
رصدنا في هذا التقرير عددًا من هذه الأوراق والتقارير حيث يُجمع الباحثون فيها على أن التوغل العسكري في قلب مدينة غزة، رغم استعدادات الجيش الإسرائيلي، يحمل تكاليف باهظة قد تفوق بكثير الفوائد العسكرية، خصوصًا في ظل ما تمليه الفقرة الخامسة من قرار الكابينيت (31 يوليو 2025)، التي تُلزم الحكومة بإرساء “حكم مدني” في غزة لا يكون تابعًا لحماس أو للسلطة الفلسطينية، وتحذر هذه الدراسات من أن الاعتماد على الارتجال، مهما نجح تكتيكيًا في أزمات سابقة، لم يعد خيارًا ممكنًا أمام تعقيدات إدارة قطاع يضم 2.2 مليون نسمة تحت وطأة دمار شامل.
ويُشير الباحثون إلى أن غياب الرؤية السياسية حاليًا يُغذي “التسونامي السياسي” المتصاعد، الذي يتجلى في مطالبات دول أوروبية بالاعتراف بدولة فلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفرض حظر على بيع أسلحة لإسرائيل من ألمانيا وكندا وأستراليا، ما يُشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي، كما أن استمرار الحرب دون أفق يُعمّق الانقسام الداخلي، ويُضعف الدعم الشعبي للحرب، ويدفع قطاعات واسعة من الرأي العام الإسرائيلي إلى تفضيل وقف إطلاق النار، حتى لو كان ذلك يعني بقاء حماس.
وفي ذات السياق، قدمت بعض هذه الدراسات بديلاً استراتيجيًا يتمثل في إقامة “سلطة مدنية انتقالية متعددة الجنسيات” (MNA) تُدار بقيادة أمريكية، وتُعنى بتوزيع المساعدات، وإعادة الإعمار، وفرض نظام أمني في غزة، وتزعم هذه الدارسات أن تلك الصيغة، رغم تعقيدها، تمثل الخيار الوحيد القابل للاستمرار مقارنةً بالبدائل الأخرى مثل تهجير السكان، أو إقامة حكم عسكري دائم، أو تسليم السلطة للسلطة الفلسطينية الضعيفة.
1-ورقة بحثية بعنوان حان الوقت للتخطيط التفصيلي: ‘اليوم التالي’ في غزة ليس مسألة ارتجالية“
وهي دراسة أعدها الباحثان بمعهد القدس للاستراتيجية والأمن (JISS): عيران ليرمان وبوب سيلفرمان.([1])
يُركّز الباحثان في دراستهما على ضرورة ترجمة القرار الاستراتيجي الذي اتخذه الكابينيت الإسرائيلي في 31 يوليو 2025 إلى خطة عملية مفصلة وقابلة للتنفيذ، ويُحذّران من أن غياب رؤية واضحة لما بعد الحرب يُغذي حالة من التفكك الداخلي، ويُضعف الشرعية الدولية لإسرائيل، ويُعزز الضغوط من أجل إنهاء الحرب حتى لو كان ذلك على حساب بقاء حماس، وتُشير الدراسة إلى أن المظاهر السلبية القادمة من غزة، مثل الأزمة الإنسانية والصور الدامية، تُستخدم كأداة ضغط في الغرب، ما يدفع بعض الدول الأوروبية إلى التفكير في الاعتراف بدولة فلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بغض النظر عن بقاء حماس.
ويُشدد الباحثان على أن الحلول المرتجلة، وإن نجحت تكتيكيًا في بعض الأزمات السابقة مثل حرب أكتوبر 1973، لا تصلح في مواجهة تحديات “اليوم التالي”، التي تتطلب تخطيطًا دقيقًا وتنفيذًا صارمًا، على غرار نجاحات عملية “شعب كالأسد” ضد إيران أو الحملة ضد حزب الله في سبتمبر 2024. ويُقدّمان بديلاً استراتيجيًا يتمثل في إقامة سلطة مدنية انتقالية متعددة الجنسيات (MNA) تُدار بقيادة أمريكية، وتُعنى بتوزيع المساعدات، وإعادة الإعمار، وفرض نظام أمني يسمح للجيش الإسرائيلي بالتدخل عند الضرورة، ويؤكدان أن هذا البديل يُعتبر رغم تعقيده، أفضل من خيارات غير عملية أخرى مثل تهجير السكان أو إقامة مستوطنات يهودية في القطاع، أو عودة السلطة الفلسطينية الضعيفة.
أثمان غياب القرار بشأن “اليوم التالي”:
تُعمّق فقرات تقرير المعهد من الحديث عن التكاليف المترتبة على التأخير في صياغة خطة واضحة لما بعد الحرب في غزة، ويُشير التحليل إلى أن الدعم الدولي الأولي للرد الإسرائيلي على هجوم 7 أكتوبر بدأ يتراجع، لا سيما مع تصاعد الأزمة الإنسانية، وغياب رؤية سياسية بديلة، ويُلاحظ أن إدارة ترامب، رغم تأييدها للحسم العسكري، بدأت تطرح تساؤلات حول جدوى استمرار القتال وتكاليفه الباهظة، خصوصًا الاقتصادية والأمنية، كما أن بعض الأصوات داخل الائتلاف الحاكم، مثل الوزير إيتمار بن غفير، تروج لسيناريوهات غير واقعية مثل تهجير السكان أو إقامة حكم عسكري دائم، وهو ما يُضعف موقف إسرائيل دبلوماسيًا ويُعرّض علاقاتها مع الحلفاء للخطر.
ويُحذر التقرير من أن استمرار الحرب دون أفق سياسي يُغذي مخاوف الرأي العام الإسرائيلي من “حرب بلا نهاية”، ويدفع قطاعات واسعة لتفضيل وقف إطلاق النار حتى لو كان ذلك يعني بقاء حماس، كما أن آلية توزيع المساعدات الحالية (GHF)، رغم تمويلها من إسرائيل، أثبتت فشلها في مواجهة التحديات الأمنية والإنسانية، حيث باتت مراكز التوزيع أهدافًا لهجمات حماس أو اقتحامات السكان الجياع. ويُخلص التقرير إلى أن التكلفة الدبلوماسية تزداد يومًا بعد يوم، مع إعلان دول مثل ألمانيا وكندا وأستراليا فرض حظر على بيع أسلحة لإسرائيل، ما يُشكّل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي.
ضرورة التخطيط المتعدد الجنسيات بقيادة أمريكية
تؤكد الورقة أن الاعتماد على الارتجال في إدارة مرحلة ما بعد الحرب في غزة لم يعد خيارًا ممكنًا، بل يُعدّ تهديدًا استراتيجيًا، وتُشير الورقة إلى أن الوقت المتاح لوضع خطة تنفيذية لـ”اليوم التالي” لا يتجاوز بضعة أشهر، سواء استمرت الحرب أو وُصل إلى اتفاق شامل يشمل نزع سلاح حماس، ويُذكّر التقرير بأن فريقًا إسرائيليًا – أمريكيًا مشتركًا قد أعدّ بالفعل خطة مفصلة لإنشاء “مجموعة سيطرة” (Group Control) متعددة الجنسيات، تتولى تجنيد قوات شرطة فلسطينية، وإدارة الشؤون المدنية، ووضع بروتوكول أمني يُتيح للجيش الإسرائيلي مواصلة عمليات مكافحة “الإرهاب” بناءً على معلومات استخباراتية.
ويُشير التقرير إلى أن أفكارًا مشابهة طُرحت في حوارات مع أطراف عربية، أبرزها الإمارات، ما يُعزز إمكانية بناء تحالف إقليمي – دولي لدعم هذه الصيغة، ومع ذلك، يُعبّر الباحثان عن أسفهما لتأخر إسرائيل في بدء هذا التحضير، مُذكّرين بأن “أن تأتي متأخرًا خير من ألا تأتي أبدًا”، ويُخلصان إلى أن المشروع يتطلب قيادة سياسية حاسمة من القدس وواشنطن، ومشاركة فعّالة من عواصم أوروبية وعربية، لإنشاء هيكل إداري وأمني معقد، لا يمكن بناؤه بين ليلة وضحاها.
2– تقرير: مصر توافق على إدخال قوات دولية إلى غزة
تحت عنوان “مصر توافق على إدخال قوات دولية إلى غزة من أجل إقامة دولتهم الفلسطينية”، أوردت صحيفة Makorrishon ([2]) تقريرًا يُظهر تحوّلًا ملموسًا في الموقف المصري تجاه مستقبل قطاع غزة. حيث أعلنت مصر، استعدادها للانضمام إلى قوة دولية محتملة تُنشر في غزة بعد الحرب، شريطة أن تكون مدعومة بقرار من مجلس الأمن الدولي ومصحوبة بأفق سياسي، ودعا وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي إلى أن يكون للقوات الدولية تفويض واضح، وأن تُرافقها رؤية سياسية تُتيح للشعب الفلسطيني إقامة دولته المستقلة.
وبدوره أكد رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى تجهز السلطة لعمل لجنة مؤقتة ستُدير شؤون القطاع بعد انتهاء الحرب، مع منح جميع الصلاحيات للحكومة الفلسطينية، مشددًا على أن الهدف ليس إنشاء كيان سياسي جديد، بل إعادة تفعيل مؤسسات دولة فلسطين في غزة، وكانت حماس قد رحبت سابقًا بفكرة تشكيل لجنة مؤقتة للإشراف على الإغاثة والتأهيل، لكن من غير الواضح ما إذا كانت مستعدة للتخلي عن السيطرة الفعلية على القطاع. وتكشف هذه التطورات عن تمايز في المواقف: فبينما تسعى مصر إلى صيغة تكنوقراطية مؤقتة تحت إشراف السلطة الفلسطينية، تُصر إسرائيل على السيطرة الأمنية الكاملة، دون أن تُعلن رغبتها في الحكم.
3-مصر تقترح نقل سلاح حماس إليها كوديعة مؤقتة:
أفادت “هيئة البث “مكان”، في تقرير تحت عنوان “مصر تقترح نقل سلاح حماس إليها كوديعة مؤقتة”” لفترة زمنية غير محددة، وبحسب تلك الخطة، يُدار القطاع من قبل حكومة تكنوقراط مؤقتة تمتد لعدة سنوات، تعمل تحت إشراف السلطة الفلسطينية، بينما يكون تهميش حماس عن إدارة شؤون القطاع، ويؤكد التقرير أن هذه الفكرة تُعتبر خطوة استباقية لضمان نزع السلاح دون تفكيك كامل للحركة، ما قد يُسهّل تمرير الصفقة السياسية.
وأكدت هيئة البث “مكان” أن هذا المقترح يأتي في سياق جهود مصرية لطرح نفسها كوسيط إقليمي رئيسي، وتسعى القاهرة من خلاله إلى تقليل النفوذ الإيراني في غزة، وتعزيز دورها كضامن أمني، ومع ذلك، يُطرح التقرير سؤالًا جوهريًا حول قدرة مصر على ضمان عدم عودة السلاح إلى حماس، أو استخدامه في صراعات مستقبلية. ([3])
4-التصديق على تعبئة جنود الاحتياط: توتر داخلي وانقسامات في الائتلاف
أفادت هيئة البث “مكان” في تقرير لها أن لجنة الخارجية والأمن البرلمانية صدقت على طلب وزير الدفاع يسرائيل كاتس تعبئة جنود الاحتياط بأمر 8، إذا اقتضت الضرورة ذلك، ويُسري مفعول القرار حتى الرابع من الشهر المقبل، ويشير هذا القرار إلى تصاعد الضغوط العسكرية، وضرورة تأمين موارد بشرية كافية لاحتلال مدينة غزة، ما يُنذر بمرحلة جديدة من الحرب.
لكن القرار كشف أيضًا عن انقسامات داخلية حادة، حيث امتنع النواب الحريديم عن التصويت، واضطر الائتلاف الحكومي إلى الاعتماد على أصوات نواب آخرين، وعلّق عضو الكنيست يفني سوفا من حزب “إسرائيل بيتنا” بأن من غير المقبول أن يُعفى آلاف الحريديم من الخدمة العسكرية، بينما يُستدعى عشرات الآلاف من جنود الاحتياط الذين أدى بعضهم أكثر من 300 يوم في الحرب. ويُظهر هذا التباين استمرار الأزمة العميقة في بنية الخدمة العسكرية، ويزيد من التوترات الاجتماعية.
5-تحذيرات داخلية: الاحتلال العسكري أو الاستيطان يضران بإسرائيل:
بدوره حذر بهيج منصور، السفير السابق وضابط الاحتياط ورئيس مجلس محلي عسفيا، في مقابلة لبرنامج “على الأجندة”، من أن إقامة حكم عسكري داخل غزة أو إعادة الاستيطان اليهودي ستُضر بمصلحة إسرائيل على الساحة الدولية.
وأشار إلى أن غالبية المجتمع الإسرائيلي لا توافق على هذه الخيارات، التي تُطرح، بحسب وصفه، لأغراض سياسية داخلية، وحذّر من أن إعلان نية اقتحام مدينة غزة قد يقود إلى حرب شوارع دموية، قد يُقتل فيها جنود ومختطفون على حد سواء.
كما اعتبر أن الخلاف بين وزير الدفاع يسرائيل كاتس ورئيس الأركان إيال زامير هو “مفتعل”، في إشارة إلى توترات داخل المؤسسة السياسية والعسكرية بشأن إدارة الحرب، ودعا منصور إلى الرهان على قطر ومصر والولايات المتحدة لبلورة حلول شاملة تنهي الحرب وتضمن إطلاق سراح جميع المخطوفين.
6- باراك وليبرمان يهاجمان حكومة نتنياهو
أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك هجومًا لاذعًا على حكومة نتنياهو في تصريحات له بحسب موقع “واللاه“، وصف فيها الحرب الحالية بأنها “عبثية” وليست لها علاقة بأمن الدولة.
واتهم نتنياهو بخداع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتقديم صورة مزيفة تُوحي بأن الخيارين هما إما الاستسلام لحماس أو تنفيذ عملية عسكرية شاملة، وشدد باراك على أن القضاء على الحركات المقاومة بالقوة العسكرية فقط لم يحدث في أي مكان في العالم، سواء في فيتنام أو أفغانستان أو العراق.
من جهته، اتهم وزير الدفاع الأسبق أفيغدور ليبرمان حكومة نتنياهو بأنها “حكومة السابع من أكتوبر”، واعتبر أن هدفها الحقيقي ليس إسقاط حماس، بل السيطرة على الجيش، ورأى أن الصراع الداخلي حول “اليوم التالي” هو صراع على الهيمنة، وليس على المصلحة الاستراتيجية لإسرائيل.
7- بن غفير والياهو يرفضان الصفقات الجزئية
واصل الوزير إيتمار بن غفير التصعيد وفق موقع “تايمز أوف إسرائيل”، مؤكداً أن إسرائيل لا تملك تفويضًا لعقد اتفاق جزئي مع حماس، وشدد على أن لدى الحكومة أغلبية واضحة وشبكة أمنية واسعة لإعادة الرهائن، معتبرًا أن الوقت المناسب هو لاتخاذ “الخيارات الصحيحة” وليس التردد.
كما حذر الوزير عميحاي الياهو من حزب “عوتسما يهوديت” نتنياهو من الموافقة على أي صفقة جزئية، معتبرًا أن ذلك يعني “ترك نصف المخطوفين”، ودعا إلى مواصلة العمليات العسكرية حتى تحقيق “نصر واضح ونهائي”، لتُظهر هذه التصريحات أن أجنحة اليمين المتطرف تسعى إلى تقويض أي تسوية جزئية، وتُصرّ على استمرار الحرب.
8-تهديدات ترامب وهواجس مصر: ربط هجرة الفلسطينيين بسد النهضة
أفادت هيئة البث “مكان” أن مصادر مصرية تُحذر من أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يحاول ربط خطته لهجرة فلسطينيين من غزة بتدخل أمريكي في النزاع حول سد النهضة، وتخشى القاهرة أن يشترط ترامب دعمه في ملف النيل مقابل قبول مصر لفكرة تهجير الفلسطينيين، وهي خطة ترفضها مصر، وعبّرت وزارة الخارجية المصرية عن “قلق شديد” من هذه التقارير، مؤكدة على أهمية عدم الربط بين ملفات الهجرة وملف نهر النيل.
تعليق مركز رؤيا:
يُظهر هذا التقرير انقسامًا عميقًا داخل المؤسسة الإسرائيلية حول مشروع “احتلال غزة“، ليس فقط على صعيد الآليات، بل في جوهر الأهداف الاستراتيجية.
في البداية، تأتي بعض الورقات بطرح يُحذّر من كارثة الحكم العسكري أو تهجير السكان، ويدعو إلى إقامة سلطة مدنية انتقالية متعددة الجنسيات بقيادة أمريكية، كحل وسط بين المخاطر الأمنية والانعكاسات الدبلوماسية.
وهو توجه وإن بدا منسجمًا مع المنطق الأمني، يظل مشوبًا بنقد جوهري: لأنه يُسقط السؤال السياسي المركزي عن إرادة الفلسطينيين، ويُقدّم “الحكم المدني” كمشروع احتلالي خالٍ من أي بعد تحرري، ما يُفقد الحل أي شرعية محلية وبالتالي يجعله حلًا صعب التحقق.
في المقابل، تُظهر تصريحات نتنياهو وبن غفير والياهو أن الهدف ليس أمنيًا بالأساس، بل سياسي داخلي: يتمثل في إطالة أمد الحرب لتثبيت الحكم، لخدمة البقاء في السلطة حيث تُطرح سيناريوهات التهجير والاستيطان ليس كخطط عملية، بل كأدوات في سياق الاستمرار في الحكم، وفي السياق نفسه، تظهر تباينات إقليمية: فبينما تُصر إسرائيل على “نزع سلاح حماس”، تطرح مصر حلًا آخر بنقل السلاح إليها كوديعة وكلا الطرحين بعيد المنال لن تقبله المقاومة، إذ أنها تعد سلاحها خطًا أحمر لا يمكن التنازل عنه، لأنه يمثل مصدر قوتها في مواجهة الاحتلال.
من جهة أخرى انزلق بعض الباحثين بشكل واضح من اللغة البحثية إلى خطاب يميل نحو الإعلان السياسي والدعائي بالتركيز على تمويل “إسرائيل” للمساعدات الإنسانية، والزعم أن حماس تستهدف مراكز المساعدات، وهذا التناول لا يقدّم تقييمًا موضوعيًا، بل يعكس تحيزًا يُفقد الورقة بعدها البحثي الدقيق.
كما يُرجح أن أي عملية احتلال لغزة ستؤدي إلى تدهور شديد في الحالة الإنسانية، مع نقص الغذاء والدواء والمياه، وتوقف الخدمات الأساسية، وتصاعد معاناة النازحين بسبب الدمار، مما يزيد من أعداد الضحايا والإصابات، ويلاحظ إزاء هذا أنه لا توجد حتى الآن أي مبادرة عربية لمواجهة هذا التغول الإسرائيلي على غزة، بل قد تخلت بعض الدول كالإمارات حتى عن مستوى الشجب العربي التقليدي إلى تبني التصور السياسي الإسرائيلي، مما حدا ببعض الأصوات الإسرائيلية إلى التعويل على دولة الإمارات في دعم هذا المخطط، أما أوروبا، فلم تُظهر سوى خطوات محدودة خجولة حتى الآن، تجاه الأزمة الإنسانية والسياسية في القطاع.
ذاكرة غزة المقاومة:
من زاوية أخرى، فليست هذه المرة الأولى التي تتعرض فيها غزة للاحتلال ثم تتمكن من إخراج الاحتلال عن أرضها، فقد حاول الاحتلال التوسع في غزة قديمًا على يد أرييل شارون إلا أنه اضطر للانسحاب عام 2005 نتيجة استحالة حماية الإسرائيليين أثناء وجودهم في القطاع آنذاك.
إن هذه الذاكرة المقاومة لغزة تحتفظ بتجارب المدافعة الصلبة ضد الاحتلال، والتي يرجح أن تؤدي إلى تصاعد المقاومة، وتطور أشكالها لتكون أكثر فعالية وأشرس من ذي قبل، متأقلمة مع الواقع الجديد ومستجيبة لتحديات احتلال قطاع غزة.
الخلاصة أن هذه الأوراق البحثية والتصريحات السياسية الإسرائيلية تُسلّط الضوء على وجود فراغ استراتيجي كبير: فإسرائيل تُعدّ لاحتلال غزة دون أن تملك رؤية سياسية متماسكة، في الوقت الذي تُبدو فيه البدائل المطروحة_ من حكم عسكري إلى تسوية متعددة الجنسيات — كلها تحمل تكاليف باهظة ولا تعد حلولًا، وبهذا السياق يُرجح أن يدخل الاحتلال لمستنقع جديد من الأزمات والتوترات، فالاعتماد على القوة والهيمنة لا يولّد سوى المدافعة والمقاومة، ويزيد من فجوة الثقة بين الأطراف في الداخل الإسرائيلي.
[1]–https://jiss.org.il/lerman-silverman-time-to-plan/
[2]–https://www.makorrishon.co.il/news/middleeast/article/191036
[3]–https://www.makan.org.il/content/news/makan-news/p-11693/943259/https://www.makan.org.il/content/news/makan-news/p-11693/943259/