حدث ورؤية

ما اتفاقية شرم الشيخ التي تم التوقيع عليها؟

 

أقيمت احتفالية كبيرة في مدينة شرم الشيخ بمصر يوم 13 أكتوبر 2025، ضمت أكثر من عشرين زعيمًا من حول العالم. تم التقاط عشرات الصور التذكارية، والعناق والمصافحات الحارة، ثم وقع زعماء الولايات المتحدة ومصر وقطر وتركيا على “وثيقة السلام”، ومن ثم انفض السامر وعادت الوفود إلى بلادها، وسجلت في طريق العودة امتنانها وسعادتها في منشورات ولقطات على منصات التواصل!

ظل الإعلاميون الذين غطوا الحدث في حيرة وارتباك، وهم لا يستطيعون الإجابة عن أسئلة من أرسلهم:

لماذا اجتمع كل هؤلاء؟

ما علاقة العديد ممن حضر بحرب غزة (مثل الهند وأذربيجان وأرمينيا …)؟!

متى تبدأ المرحلة الثانية؟ وما هي؟

هل ثمة توافق على دولة فلسطينية؟ أم على تعبير ضبابي “أفق دولة فلسطينية”؟

ما ضمانات “اتفاق السلام”؟ ولماذا لا يقرُّ في الأمم المتحدة؟

ما “درجة الثقة” التي يعطيها المشاركون لوعود ترامب؟

ثم ما هي بالضبط الاتفاقية التي تم التوقيع عليها في شرم الشيخ؟

أسئلة كثيرة.

لنبدأ بالأسهل، وهو السؤال الأخير. نرفق ملحقًا بنص الاتفاق الذي وقعوا عليه، كما جرى نشره لاحقًا على الموقع الرسمي للبيت الأبيض، وهو نص إنشائي بسيط يستطيع طفل صغير أن يصيغه. نص ليست فيه أي تفاصيل أو ضوابط أو التزامات، ويمكن وصفه حرفيًّا بأنه مجرد إعلان نوايا!

 

ما قبل شرم الشيخ:

في صباح نفس ذلك اليوم، تم تبادل الأسرى، ثم وصل ترامب مع مساعديه إلى تل أبيب وألقى خطابًا مملًّا استغرق أكثر من ساعة في الكنيسيت الإسرائيلي، هنأ فيه نتنياهو على النصر، ومدحه مرات عديدة مكررة، وطلب من رئيس إسرائيل أن يصدر عفوًا عن نتنياهو في قضايا الفساد التي يجري التحقيق معه بشأنها!

لم يذكر ترامب “فلسطين” مرة واحدة في خطابه الطويل، وطبعًا لا شيء عن حل الدولتين، ووعد بأن تتحمل “دول غنية” أعباء إعادة إعمار غزة. والأهم أنه تباهى وتفاخر بأن الأسلحة التي استخدمها الجيش الإسرائيلي طوال عامين كانت أسلحة أمريكية “رائعة”، وكرر هذا الكلام (أو هذا الاعتراف) عدة مرات. وبعدها انطلق إلى رحلة شرم الشيخ!

تحليل الخطاب ودلالاته:

الأربع كلمات التي كررها ترامب

تحليل الحدث:

لا ينبغي بذل جهد فكري أو سياسي لتحليل ما حدث، بعيدا عن تصريحات ترامب، لأنها ببساطة من الوضوح والفجاجة وعدم قابليتها إلا لتأويل واحد. جملة تصريحات ترامب منحازة تماما لإسرائيل ونتنياهو، ولا تترك أي هامش لنزاهة أو عدالة أو حتى إنسانية دور الوسيط. لكن يمكن الإشارة إلى بعض الجوانب الأخرى في احتفالية شرم الشيخ:

  • ظهرت غالبية الدول العربية والإسلامية في موقف التابع الضعيف، الذي يكفيه شرفا وسرورا حضور الاحتفال مع ترامب، ومواصلة هز الرؤوس تأمينا على كلامه وملاحظاته وحتى دعاباته.
  • أظهر الاحتفال أيضا ضعف وتراجع أوروبا، التي قبلت ألا يكون لها دور مستقل في الصراع القائم، بل سارعت كلها إلى التطوع بتأييد خطة ترامب، وابتلع بعض قادتها اعترافهم بدولة فلسطين منذ أيام قليلة، ولم يأتوا على ذكره مطلقا. أفول النفوذ الأوروبي أصبح حقيقة واقعة.
  • المفترض أن تكون مصر هي المضيف لهذا الاحتفال، لكن الترتيبات الإدارية كلها، جعلت ترامب هو المضيف الذي يدير المشهد، حتى أنه أذن للسيسي أن يقول كلمة بعد أن تكلم هو ووزير خارجيته وويتكوف. إنها مشاهد بسيطة، لكنها تعكس الجو النفسي الذي اجتمع فيه المشاركون.
  • أحسن أردوغان برفضه الهبوط بطائرته في شرم الشيخ عندما علم بدعوة ترامب لنتنياهو بحضور الاحتفالية، ولم يهبط إلا بعد إلغاء ترامب لدعوته. وقد ذُكر أن زعيمين آخرين على الأقل رفضا المشاركة حال وصول نتنياهو.

 

ماذا بعد؟

في وسط هذه الأجواء الملبدة بالمخاطر، ماذا يمكن للفلسطينيين أن يفعلوا في المستقبل القريب؟ سؤال محوري ومعقد.

يمكن تصور الخطوات التالية للتعامل مع الوضع الراهن السائل لإنشاء واقع جديد:

  1. ينبغي المسارعة في المشاركة المجتمعية الفعالة في إدارة غزة بشكل واقعي وعملي، خاصة في مجالات الصحة والبلديات والدفاع المدني والشرطة، وربما يأتي في مقدمتها مجال التعليم. إذ يمكن لمسئولي التعليم تحديد موعد لبدء الدراسة، ولو بإجراءات محدودة (مدارس في خيام، نصف يوم دراسي، البدء بالمرحلة الابتدائية، الاستعانة بإحدى الدول العربية لطباعة الكتب المدرسية وتوريدها على وجه السرعة، … إلخ). إن المشاركة الشعبية المدنية الفعالة يمكن أن تجعل إدارة القطاع فلسطينيًّا أمرًا واقعًا لا يمكن تغييره.
  2. لعل الأفضل عدم التطرق لتصور الحل النهائي وتفاصيل المرحلة الثانية والثالثة والعاشرة، لأن هذا لا يجدي، ولا يمكن في كل الأحوال الثقة في وعود الإدارة الأمريكية. يكفي الاهتمام باللحظة الراهنة (تمامًا كما تفعل إسرائيل) وعدم التعويل على الخطط الضبابية للمستقبل والتي لم تثمر عن شيء للفلسطينيين منذ كامب ديفيد. إن التركيز في “اليوم الحالي” أهم وأولى من “اليوم التالي”، بل ويمكن أن تكون آثار اليوم الحالي هي التي تحدد وتشكل اليوم التالي والذي يليه.
  3. يمكن للشعب الفلسطيني التفكير في كيان شبابي سياسي جديد، يتقدم لقيادة المشهد بأصول ومباركة الجيل السابق، وغير محمل بأعباء العقود الأخيرة خاصة مع الدول العربية.
  4. مواجهة العصابات والعملاء تمثل ضرورة ملحة لتأمين الداخل الغزاوي، الذي لا يتحمل اضطرابات أمنية فوق ما يواجهه من تحديات معيشية هائلة.
  5. استنفار رجال الأعمال، في الداخل والخارج لمبادرات تخفف المعاناة وتسرع وتيرة تيسير سبل العيش قبل فصل الشتاء.
  6. تشجيع المبادرات الشعبية لإعادة الإعمار، بحيث يتبناها علماء ومؤثرون.
  7. إنشاء جمعية وطنية خدمية غير حزبية يشارك فيها فلسطينيون من الداخل والخارج.
  8. توثيق الانتهاكات المروعة التي ثبت وقوعها للأسرى الفلسطينيين في سجون إسرائيل، ومحاولة توسط إحدى الدول لضمها لملف محكمة العدل الدولية الذي فتحته جنوب إفريقيا.

 

(ملحق)

إعلان ترامب للسلام الدائم والازدهار

المذكرات الرئاسية

١٣ أكتوبر ٢٠٢٥

 

نحن الموقعين أدناه، نرحب بالالتزام التاريخي الحقيقي من جميع الأطراف باتفاقية ترامب للسلام وتنفيذها، مما يُنهي أكثر من عامين من المعاناة والخسائر الفادحة، فاتحًا فصلًا جديدًا للمنطقة يسوده الأمل والأمن ورؤية مشتركة للسلام والازدهار.

نؤيد وندعم جهود الرئيس ترامب الصادقة لإنهاء الحرب في غزة وإحلال سلام دائم في الشرق الأوسط. معًا، سنُنفذ هذه الاتفاقية بطريقة تضمن السلام والأمن والاستقرار والفرص لجميع شعوب المنطقة، بما في ذلك الفلسطينيون والإسرائيليون.

نُدرك أن السلام الدائم هو الذي يُمكّن الفلسطينيين والإسرائيليين من الازدهار مع حماية حقوقهم الإنسانية الأساسية، وضمان أمنهم، وصون كرامتهم.

نؤكد أن التقدم الهادف ينشأ من خلال التعاون والحوار المُستدام، وأن تعزيز الروابط بين الدول والشعوب يخدم المصالح الدائمة للسلام والاستقرار الإقليمي والعالمي.

نُدرك الأهمية التاريخية والروحية العميقة لهذه المنطقة للطوائف الدينية التي تتشابك جذورها مع أرضها – المسيحية والإسلام واليهودية من بينها. وسيظل احترام هذه الروابط المقدسة وحماية مواقعها التراثية أمرًا بالغ الأهمية في التزامنا بالتعايش السلمي.

نحن متحدون في عزمنا على تفكيك التطرف والتشدد بجميع أشكاله. لا يمكن لأي مجتمع أن يزدهر عندما يُصبح العنف والعنصرية أمرًا طبيعيًّا، أو عندما تُهدد الأيديولوجيات المتطرفة نسيج الحياة المدنية. نلتزم بمعالجة الظروف التي تُمكّن التطرف، وتعزيز التعليم والفرص والاحترام المتبادل كأساس للسلام الدائم.

ونلتزم بموجب هذا بحل النزاعات المستقبلية من خلال الحوار الدبلوماسي والتفاوض بدلًا من القوة أو الصراعات المطولة. نُقر بأن الشرق الأوسط لا يُمكن أن يتحمل دوامة مستمرة من الحروب المطولة، والمفاوضات المتعثرة، أو التطبيق المُجزأ أو الناقص أو الانتقائي للشروط التي تم التفاوض عليها بنجاح. يجب أن تُمثل المآسي التي شهدناها خلال العامين الماضيين تذكيرًا عاجلًا بأن الأجيال القادمة تستحق ما هو أفضل من إخفاقات الماضي.

نسعى إلى التسامح والكرامة وتكافؤ الفرص للجميع، ونضمن أن تكون هذه المنطقة مكانًا يمكّن الجميع من تحقيق تطلعاتهم في سلام وأمن وازدهار اقتصادي، بغض النظر عن العرق أو المعتقد أو الأصل العرقي.

نسعى إلى رؤية شاملة للسلام والأمن والازدهار المشترك في المنطقة، ترتكز على مبادئ الاحترام المتبادل والمصير المشترك.

ومن هذا المنطلق، نرحب بالتقدم المحرز في إرساء ترتيبات سلام شاملة ودائمة في قطاع غزة، وكذلك بالعلاقة الودية والمفيدة للطرفين بين إسرائيل وجيرانها الإقليميين. ونتعهد بالعمل الجماعي لتنفيذ هذا الإرث واستدامته، وبناء أسس مؤسسية تزدهر عليها الأجيال القادمة معًا في سلام.

نلتزم بمستقبل يسوده السلام الدائم.

 

دونالد ج. ترامب

رئيس الولايات المتحدة الأمريكية

 

عبد الفتاح السيسي

رئيس جمهورية مصر العربية

 

تميم بن حمد آل ثاني

أمير دولة قطر

 

رجب طيب أردوغان

رئيس جمهورية تركيا

زر الذهاب إلى الأعلى