اليمن على مفترق الطرق
لمعرفة ما تشهده اليمنُ من تطورات الأحداث, واحتمالات تقلُّباتِها, ومآلاتها, لا بدَّ من تتبُّعِ ما يكشِفُ دواعي الصراع, مما أسهم في تفاقم الأزمةِ, ومن أبرزها:[1] أزمةُ الاندماج والمواطنة, عَقِبَ إعلانِ الوحدةِ اليمنيَّة, وامتداد جذورِ الصراع اليمنيّ, إلى ما يتَّصلُ “بالوحدةِ اليمنيَّةِ”, وإلى “أزمة المشاركة السياسية, التي أفرزت تقويضَ الشراكة السياسية, وغيابَ معالمِ التنمية السياسية, وأثر العامل الآخرُ أعني”أزمةُ الربيع العربيّ وإشكاليَّةُ نسخته اليمنيّة”, المتمثِّلة في “الاعتصاماتِ ضدَّ حكم صالح وحكومته”.
ولم ينحصرْ الأمر بتلكم المتغيِّرات وحدها؛ فثمَّةَ أثرٌ بارزٌ “للانقلاب على سلطة ما بعد الثورة” -في تعقيد الأزمة وتشابكِ احتمالاتها-حالَ دون إحداثِ تحوُّلٍ سريع يحقِّق الاستقرار السياسيَّ والاقتصاديَّ والاجتماعيَّ, عقب ثورة ربيع اليمن, بتنفيذ مخرجات الحوار الوطنيِّ, بوصفه علاجاً أجمعت عليه جُلُّ الفصائل اليمنيةِ, إلاَّ من ساءَه ذلك لتقاطع مخرجات الحوار الوطنيّ مع مصالحه التي تتجاوز حقيقةَ حجمه واستحقاقِه, وتطلُّعاته المتغوِّلة, وممَّا زادَ الأمرَ تعقيداً “دور الحوثيين في تفاقم الصراع, وتشعُّبِ آثاره”, ولا نبرِّئ العملياتِ العسكريةَ للتحالف العربي, عقبَ الانقلاب, عن إسهامها في تعقيد الأزمة اليمنية وصراعها, لما وُصِفَتْ به-أي: عمليات التحالفِ-من التباطؤ والتخبُّط, وإفلات عنصر المبادرة, وتفلُّت الخيوط الأهم للأحداث.
وبعدُ: فمآلات الصراع اليمنيّ المستقبلية ومحدِّداتُها, ومشاهدُهَا, والتحوُّلات في المشهد اليمنيّ, لا يعني-لزاماً- أنَّها كلَّها تعبِّرُ عن إمكانيَّةِ وضع نهايةٍ كاملةٍ للأزمة فيها, ولا تفضي بالضرورة إلى مستقبلٍ ينسجه مؤثِّرٌ بعينه, دون سواه, أو أنَّها ترتبطُ بفاعليَّةِ مؤثِّر: داخليٍّ, أو إقليميٍّ, أو دوليٍّ, دون سواه؛ إذ أنَّها-كلَّها مهما تصاعدَت آثارها وتفاوتَتْ تأثيراتُها- تجعلُ استشرافَ مستقبل الأزمةِ, وتحديد أدوات حلِّها, في نهاية الأمر أمراً ممكنَاً حسابُه, أوتقدير وجهته في أقلِّ تقدير, وأبرز تلكم المحدِّدات:
الأوّل: ما يتَّصل بمشروعيَّةِ الحكومة اليمنية بقيادة عبد ربّه منصور هادي, وشرعيَّتها:
فالرجلُ, مرشَّح اليمن الوحيد للرئاسة, وتوافق عليه الجميع, باستثناء انفصاليي الجنوب والحوثيين, إلّا أنَّه جاء ليؤدِّيَ دوراً ما- وفق ما يُستَشرَفُ من مجريات الأمور-يتمثَّل في:
-
- أن يكونَ الرئيسُ الشرعيُّ, مشرعناً لكلِّ ما قامت به قوات التحالفُ, وما يمكن أن تقومَ به؛ فالرئيس الشرعيُّ ليس في وسعِهِ سوى التوقيع على ما يرادُ منه, والتصريح بما يُطلَبُ منه؛ وهو رهينُ قصرٍ في المملكة السعودية, مفاتيحه في يد أهله.
-
- وأن يكونَ الرئيسُ الشرعيُّ, محرِّكاً لما يحتاجُه التحالُفُ في المحافل الدوليةِ.
-
- وأن يعين الرئيسُ الشرعيُّ التحالُفَ, في تعطيل ما يمكن أن تدعو له من إجراء تحقيقات, بشأن اليمن, سواء من ناحيةِ ضمور دور الأمم المتحدة وأسبابه المتصلة بالتحالف, ومجلس الأمن إزاءَ اليمن, أو إزاء إجراء تحقيقات بشأن القصف العشوائيّ, الذي أودى بحياة كثير من المدنيين, تحت حجَّة استهداف الحوثين, وحلفائهم.
- فالرجلُ لا يكونُ له لعبُ دوره, بإدارة دفة اليمن, من عدن, ما يفوِّتُ على التحالف فرص إملاء ما يريدونه منه, وهو يقود حكومته الشرعية من “فنادق وفلل سعودية” حسب وصف مناهضيه؛ ولهذا هُدِّدَت طائرته التي أرادت أن تحطَّ به وبوزرائه في مطار عدن, من لدن القوات الموالية للإمارات, وأثارت بذلك تساؤلاتٍ, لم تلقَ إجاباتٍ شافيةً عليها.
الثاني: تسويل الإمارات للسعودية تحويل دفة الثورة, والتفرُّد بالعمق الاستراتيجي اليمنيّ:
ونعني ثورةَ الربيع اليمني, وثورة اليمن, لتحقيق جملة أمورٍ, تصبُّ في تحقيق غاياتٍ محدَّدةٍ موصوفةٍ:
-
- فالإمارات منذ ما يقرب من ربع قرن, نذرت نفسها, وجنَّدت أجهزتها الأمنية, ورصدت لها أموالاً طائلةً؛ حاولت خلالها تبنِّي تفكيك التنظيم الإسلاميّ التربويّ”الإخوانيّ”, الذي عدَّتْهُ الأخطرَ عليها, وعلى سلاطين وأمراء الخليج, مدَّعيةً: محاولة الإسلاميين زعزعة سلطانها, والسعوديةَ, ومستندةً إلى تمدُّد التنظيم الإسلاميّ, إلى دول الخليج كلِّها.
-
- وتطلَّبَ هذا الأمرُ التخلُّصَ من أقوى المرشحين لقيادة اليمن, من بين قوى الثورة, وهم أتباع التجمع اليمني للإصلاح, ولا يكون للإمارات ذلك بغير السماح للحوثيين بالتمدُّدِ في اليمن, وبالانقلاب على الثورة اليمنية؛ وإفلات السلطة المحتملة من بين أيدي “الإصلاح”, وهم ينتمون إلى ذلك التنظيم الإسلاميّ التربويّ, الذي تتربَّص بكلِّ فروعه الإمارات, والسعودية.
-
- أمَّا قوَّات صالح, المتمثّلة بالرموز العسكرية من مؤيّديه, ولا سيما في الحرس الجمهوريّ, وقوى وأجهزة الأمن الأخرى؛ فقد أدّت دورها في مجابهة “الفرقة الأولى المدرعة”, ومشاغلتها, وقد كانت قياداتها “إصلاحيَّةً”كذلك, ولتتحالف قواتُ “صالح” مع الحوثيين, تحت ضمانة انتمائهما للمذهب الزيديّ, معيداً فكرةَ التقارب بينهما عقب بعض حروبه ضدَّهم, متذرِّعاً للحوثيين أنَّ عدوَّهم “الإصلاحيون”, وليس “صالح” وحكومته.
- أما وقد استفحلَ أمرُ الحوثيين وتعاضمت قواتهم, وباتوا يشكِّلون القوَّة المهدِّدةَ للسعودية والخليج, فقد يُعرَضُ على “صالح”- ما ينقذه من قبضة الحوثيين, ومن عقاب نكثه مذكرة الخليج, بأن يتصدَّى للحوثيين, ويعين على تفتيت قواهم, بعد أن استنفذ دورهم في تقويض قوى “الإصلاح”, وبات أمر عودتهم للحكم غيرَ ممكنٍ ولا مأمول- فيمكنُ عرض السلطة “لنجل صالح”, وقد أَلِفَتْهُ الإماراتُ سفيراً لليمن فيها؛ وهذا ما يفسِّرُ الأزمة الأخيرة بين: الحوثيين, من جهة, وصالح وأعوانه من قادةٍ, ومنهم اللواء “قايد العنسي” من جهةٍ أخرى؛ وما توضِّحه من اختلافات, وأزمة ثقة بينهما, والتنافس على قيادة اليمن, وقيادة الجيش, التابع لصالح والحوثيين.
الثالث: الموقف من تركيا وقطر ودورهما في إنهاء أزمة اليمن:
وراء ما جرى ويجري في الخليج- من أحداث,ومواقف, تمسُّ تركيا, وقطر- من أثر في الوضع اليمنيّ, ومستقبله؛ ويُتَلَمُّس في الآتي:
-
- أدارتْ تركيا ظَهرها للاتحاد الأوربيّ, لتجدَ البديل الأمثل, في بناء علاقات ودِّيَّة, وشراكات استراتيجية, في مختلف الجوانب والمجالات؛ تعوّضها عمَّا كانت تنتظره من قبولها عضواً في ذلك الاتحاد؛ فوجدت نفسها أمام قناعات, مفادها: أنَّ أيَّ علاقةٍ, وشراكةٍ تؤسسُ لها مع الدول الإسلامية, ولا سيما الخليجية, تكون تركيا الرابحَ الأولَ فيها, والآخرون الرابحَ الثاني؛ فنسجت علاقات استراتيجية بقطر, وصفَّرَت مشاكلها مع الإمارات, وعرضَتْ شراكتها للسعودية, وقد شرعت للتخطيط للتنمية بمشروع العام 2030.
-
- شجَّع تركيا على ذلك ضمورُ الدور الأمريكي, وتراخيه منذ عهد أوباما؛ وتركَ فراغاً استراتيجياً, لا يمكن أن يُملأَ, بغير قوَّةٍ كبيرةٍ كتركيا, بقدرتها على تحجيم المدِّ الروسيّ الإيرانيّ للمنطقةِ؛ دعم إيران مدِّ الحوثيين من الجنوب, ومن الشرق عبر الخليج؛ زيادةً على ما تتحلَّى به تركيا من سماتٍ تجمعها بدول المنطقة والخليج؛ لا تثير تحسُّسها من دخولها الخليج.
-
- ما جرى إزاء تركيا, فاجأَ الكثير؛ فقد قوبل ذلك الودُّ التركيُّ, بتآمرِ على سيادتِه وديمقراطيَّتِه, بدعم الانقلاب فيها ضدَّ الإسلاميين, كما كان موقفهم إزاء مصر وحكومتها الشرعية, وتربصهم “بالإصلاح” في اليمن, ومثله الموقف من قطر, وسياساتها الداعمة للدول, والحركات, والشخصيات الإسلامية.
- وبذلك, لا يمكن توقُّع انتهاء الأزمة المتفاقمة في اليمن, ما لم تراجَعْ الحسابات, إزاء تركيا, بوصفها القوة الكبرى الفاعلة المأمونة في المنطقة, ولو صُرِفَ لها ما صرفَ لأمريكا من مليارات, لكانت رياحُ الخليج والمنطقة, موافقةً لما تشتهيه سفنها؛ وبأقل الأكلاف؛ ولكان وضع اليمن أسعد مما قد كان؛ لكنَّ ما يُضمَرُ لليمن, لا يكون كفيلاً بحلِّ مشكلاتِه, وحلحلةِ معضلاتِهِ, قصداً أو خطأً.
ما تعانيه اليمن, من التأخير, في إيجاد الفرص الكفيلة بحلِّ مشكلاتها, أنتج مشكلاتٍ متعدِّدة مركَّبة, لا يُحمَدُ عقباها.
-
- فتردّي الوضع الاجتماعيّ والصحِّي والتعليميّ, وضعف القدرات الشرائية, وضيق العيش, ومحدودية فرص العمل, وضيق الأمل, أزَّمَت الشخصيةِ اليمنية, وأضعفت التماسُك, وتضخيم المصالِحِ الضيِّقةِ, وانتفاخُ “الأنا”؛ يفضي إلى أزمةٍ, تصيبُ الثقافَةَ؛ وتغبِّشُ أصالتها.
- ما أصاب اليمنَ من التأخير في إعادةِ وحدته, أدَّى إلى حالٍ من النكوص, إلى ما قبل الوحدة, يودي بالتفكُّكِ إلى مكوِّنات, مذهبيَّة متشدِّدةٍ تولِّدُ طائفيَّةً قبائليَّةً ومناطقيَّةً, تحاكي ما كان عليه اليمنُ القديم من انقسام, لوعورة الجغرافيا, وبسبب تعدُّد القوى, وتفرُّع الانتماءات؛ يجعل اليمن عرضةً للانقسام لسبع دويلاتٍ, لا يغيب عن علاقاتها: الصراع, ولا التنافسُ, ولا الاختلافُ, ولا التشاكُل على الحدود وسواها.
لم يأت استحكام الحوثيين من فراغ, بل من جملة عوامل, من أبرزها:
-
- ما جاء به الحوثيّون, يعدُّ مشروعاً متكاملاً, ينبني على مقاصد, ويستعين بثقافة, ويبثُّ عوامل تغيير ثقافي, تماشي ما يؤسس لاستحكام أنموذجه؛ وزيادةً على ذلك ما يوفّره الاستخدام المفرط للقوَّة, الذي يبرِّرُهُ القصاص في إطار فاتورةٍ, سجَّلتها ذاكرتهم للحروب الستّ ضدَّهم, وصراعهم ضدَّ السلفية في “دمّاج”, وما تعرّض له الأئمة السلاطين من قبل, على يد الجمهوريين, زيادةً على ما يعتقدونه محاولة لنشر الظلم بما يعجِّلُ من ظهور المهديّ المنتظر؛ مشفوعٌ بتخوُّفهم من مصيرٍ أسود, حال خسارتهم معركتهم, أدَّى إلى أن يكونوا القوَّةَ الأولى في اليمن, التي لا ينافسها, بل لا يشاركها أحدٌ في إدارة دفة البلاد, بعد أن كان حجمهم الحقيقيّ يتراوح بين15-17% من القوى اليمنية.
-
- ركَّز الحوثيّون على ما يثبِّتُ سلطانهم, على المدى البعيد, فقد شرعوا بتغيير المناهج الدراسية, وكلِّ ما من شأنه إشاعة ثقافتهم, ويدعو لمذهبهم, وهيمنتهم على مصادر الثروة والضرائب, وعلى المصارف والبنوك, وبعض الموانئ؛ يجعل مقاومتهم, أمراً عسيراً, فضلاً عن التغلُّب عليهم.
-
- ضعف المقاومة الشعبية, خشيةَ الوقوع فيما وقعت فيه المناطق المحرَّرة, وتبلغ ما يقرب من ثلاثة أرباع اليمن؛ لما يعانيه أهلها من الانفلات الأمنيّ, وغياب سلطة الحكومة الشرعية, وتفشِّي ما لا يُحمَدُ من الأمراض الاجتماعية, والاقتصادية, وكذلك الحال في عدن وحضرموت؛ أدّى إلى قبول أهالي المناطق الخاضعة للحوثيين, ببقائهم تحت سلطانهم؛ ولا تُبَرَّاُ ساحة التحالف العربي من ذلك كلِّه؛ فعدن وحضرموت خيوطُها بيد التحالف العربي, في حقيقة أمرها, والإمارات تحديداً.
-
- سيطرة الحوثيين على صنعاء, وجعلها مستقراً لقواتهم, مستغلِّين ما فيها من أنصار المذهب الزيديّ, وما يمكّنهم من الانتشار فيها, بين أهلها, ولم يعد أمر مقاتلتهم مقتصراً على أماكن وجودهم الرئيسة, كما كان في الحروب الستّ, متركِّزاً في صعدة, وعَمْرانَ, وحجّة.
- إنهاء الحكم الجمهوري وتحويل اليمن إلى ما يماشي أنموذج النظام السياسيّ الخليجيّ.
السادسُ: تكريس الفدرالية اليمنية, والمنافع الاستثماريَّة:
مثالُهُ, ما تتطلَّعُ إليه الإمارات, تدعمُهُ سياقات:
- لمْ تعُدْ الإمارات مستعدَّةً لتقديم ضحايا من قوّاتها, التي بلغت بضعَ عشراتٍ, غصَّتْ بهم الإمارات وشعبُهَا.
- الحزام الأمنيّ, أعانت الإماراتُ حضرموت وعدنَ على رسمه, يؤكِّدُ تحوُّلَ دور التحالف العربي, إلى الفاعلية الجزئية الانتقائية في اليمن, تركِّز السعودية على حماية حدودها, بينما الإمارات, تقف خلف الحزام الأمني الجنوبيّ.
- رفض نزول الحكومة الشرعية في مناطق نفوذ الإمارات الجنوبية, يبقي الحكومة الشرعية في السعودية, وتوجيهها خدمةً لمصالح التحالف, يبقي وضعَ الجنوب بعيداً عن إعادة التنظيم بقيادة الحكومة الشرعية لو استقرَّت بعدن.
- يُلمَحُ من دور الإمارات في عدن وحضرموت, ما فيهما من موانئ, تتيح للإمارات استثمارها, يمنحها الهيمنة على المضيق, المطلِّ على القرن الأفريقيّ, إذا ما استذكرنا استثماراتهم “بجبل علي” في جيبوتي.
وبعدُ: فيُثارُ في هذا الموضعِ, سؤالٌ عن مآل الأوضاعِ, وترجيح ما يمكنُ تصوُّرُه, في ظلِّ “المحدِّدات” التي ذُكرت أعلاه.[2]
“ثمَّةَ تركيز إعلان التحالف العربيّ, مراراً وتكراراً على بدء مرحلة الحسم العسكريِّ, بشكلٍ ملفت؛ وكأنَّ وراءَه أمراً حاسماً, “قد يكونُ عسكريَّاً, أو لا يكون؛ نعم أنَّ المواقع التي يعلن منها الحسم-باعتبارها مواضعَ التقدُّم لإحداث خرقٍ-تتغيَّر, من منطقة لأخرى, مع كونِها تستهدفُ صنعاءَ تارةً, وعمران وما حولها أخرى, والحديدةَ كذلك, وسواها, بل وتعدَّدت اتجاهات محاولة خرق صنعاء نفسها-مأرب, وأرحب, ونِهِم…؛ إلاَّ أنَ ثمَّةَ ما ينبيءُ إلى ما يتجاوز”الحرب النفسيَّةَ”, وربَّما تتجاوزُ حتَّى”قضيَّةَ فتح جبهاتٍ متعدِّدَةً”, لتشتيت الجهد الحوثي وحلفائهم؛ ليلامِسَ استنهاض جهود القبائل, المنتشرة حول تلكم المناطق المتعدِّدة, بما يستنهضُ هِمَمَهُم, ويستجمع قواهم, وقد خارتْ, نتيجةَ عوامل منها: غياب العامل الدوليّ, “وتأخُّر واضطراب العامل الإقليميّ, والمتمثِّل بالدرجة الأساس بجهود التحالف العربي, وخمول عواصِفِهِ.
وبناءً على ذلك كلِّه, يمكن القول أنَّ الأمر ينطوي على مقاصد الردع, والتمهيد لتفعيل الأدوار: الدولية, والإقليمية, والداخلية بشقيها: المتصل بزعزعة تحالف الحوثي/صالح, من جهة, والمتصل باستقطاب القوى المحايدة في اليمن, من جهةٍ أخرى.
أمَّا التركيز على دور إيران في الواقع اليمني وتأثيرها فيه, وَبَثِّهِ إلى الرأي العام, فله كذلك “دوافعُه ومقاصدُه”, ومنها: رغبة التحالف العربي,[3] في
- تنشيط الدور الأممي في حلِّ الأزمة: سياسيَّاً.
- تبرير دور التحالف العربي وشرعنة دوره.
- التأثير في أعضاء الأمم المتحدة, في تجاوز أخطاء التحالف في القصف الخاطيء المتكرِّر, الذي أودى بحياة العشرات من المدنيين الأبرياء.
- توفير دعم لوجستي ومعلوماتي, للتحالف, والتضييق على الدعم المقابل, الذي يحظى به الحوثيون وحلفاؤهم.
أمَّا الموقف بين علي عبد الله صالح والحوثيين, فقد تأزَّم بسبب الاحتفال, الذي أقامه في سبتمبر الماضي 2017, احتفالاً منه بعيد الثورة, ومنه:
- أنَّه لم يكن-كما قيل استعراضاً منه للقوة- وحسب.
- بل هو تأكيدٌ على تمسُّكه بأن ينسب خروجه على الإجماع الوطني- وعلى مخرجات الحوار الوطني- للجمهوريةِ, وتحمل في طيَّاتها الكثير:
- فهو محاولةٌ منه لجمع ما يمكن جمعه من القوى الوطنية, واستنهاضها لدعمه.
- هي محاولةٌ منه للاستقواء, ومحاولة الحصول على الإنفاق من الأموال التي استولى عليها الحوثيون, واستمكنوا منها, واستحكموا بإخضاع القوى المؤيدة لهم من جهة, وحدهم دون حلفائهم صالح وسواه, وإخضاع القطاع العام, وهم موظَّفو الدولة المحايدون: في التعليم والصحة وسائر الدوائر الخدمية, متكرر بالحسم العسكري من التحالف, وتعدُّد خطوط المواجهة وتوسيع آفاقها ومحاورها, وما حصل من خلاف بين صالح والحوثيين, على احتفاله بثورة سبتمبر؛ قد يجعل مآل الأوضاع محاولة إبرام اتفاق محتمل بين صالح عن طريق نجله, والإماراتيين بدعم السعودية, متجهاً نحو تهيئة الظروف المناسبة, بوصفها من آثار تكرار إعلان الحسم العسكري لشق وحدة التحالف الحوثي- بانشقاق صالح عن حلفهم وانقلابه على الاتفاق معهم, بما يخفف الضغط الحوثي عليه- وهذا ما يفسِّرُ حرص التحالف في الحال وفي الاستقبال,على قطع الطرق بين مركز القيادة الحوثية بصعدة, وما حولها, وبين الأطراف الأخرى ولا سيما صنعاء, ما يفسِّر حرص الحوثيين على التوغل والانتشار بصنعاء, ومن جهة أخرى, يفسر ضغط الحوثيين على محور السعودية من جهة “حرض” وسواها, واستهداف العمق السعودي.
- كل ذلك يرجِّحُ-إذن-إمكانية حلّ المعضلة اليمنية, بوسائل متعددة, تصبُّ في ما يحسم الأمر ضد الحوثيين, وبأقل استخدام ممكن للقوة, وبوجود سيناريو تتشابك فيه: المؤثرات الدولية: محافل دولية, وقوى كبيرة, على المستوى الإقليمي بالتحالف والحدِّ من قوة إيران: سلماً, أو في التضييق عليها بقضية اعادة الاتفاق النووي, وكذلك في التلويح باستخدام القوة ضدها, وبحل المعضلة السورية, بإبقاء الأسد, وهو حليف إيران الأهم, مقابل حدّ إيران لدعمها للحوثيين أو ضغطه, واقتصاره على ما كان, وعلى المستوى الداخلي, بتفكيك التحالف الحوثي/صالح, واستنهاض العشائر, وتهيئة الأهالي بصنعاء بالشروع بمقاومة الحوثيين, بحروب شوارع منضبطة, بعد قطع اتصالهم بصعدة مركز قيادتهم, وبإنعاش القطاعات الخدمية تعليم وصحة ومرتبات وسواها, من لدنّ التحالف.
أمَّا ما يتَّصلُ بما يقوي احتمال انقلاب صالح, فمنه: إمهال الحوثي لأتباع صالح, لإثبات تعاونهم مع ما يريده الحوثيون من إحلال الآلاف من الحوثيين بدلاً عن العسكريين من أتباع صالح, يعمِّقُ التصدُّع بين الحوثي وصالح, نتيجة ما جرى من احتفال في سبتمبر, والذي يعني إعلان صالح ولاءه للجمهورية, في حين يسعى الحوثيون للسيطرة على صنعاء, ويسعون لإعادة أمجادهم على عهد السلاطين, وهم ضحيَّةُ الثورة التي يحتفل بها حليفهم “صالح”.
أمَّا قضية تردِّي الأوضاع الصحية: الكوليرا وتدني التعليم, وانهيار لوازم “الصحة الوقائية”, وكذلك العلاجية, فتستدعي-هي الأخرى- تكثيف الجهود الأممية, لدفع دور المبعوث الخاص باليمن قُدُمَاً, وبمراقبة اليمن وأوضاعه المأساوية, وأزماته الإنسانية؛ فثمَّةَ مسافة بين ما تشتهيه سفنُ التحالف العربي, واتجاهات الرياح الأممية, فقد اتُّهم التحالفُ مراراً بالتجاوز على المواطنين؛ كما اتَّهمَ هادي في أحيان مختلفة, دور المبعوث الأممي ولد الشيخ, وعدَّه منحازاً للحوثيين؛ في محاولةٍ لتجاوز الأزمة بين التحالف العربي, والأمم المتحدة, وقد تحقَّق ذلك؛ ما ينبيءُ بنجاح دبلوماسية التحالف العربي, وأنَّه سيحظى بدعمٍ أمميٍّ, مصدره: الضغط الأمريكي, والأوربي, ومحاولة تشكيل تحالف عالميّ؛ ينبيءُ به “الضغط على إيران, والدعوة لمراجعة الاتفاق النووي, مع إيران, ليكونَ دعوةً لتخفيف دعمها للحوثيين, مقابل تسويات: في سوريا أخصُّها وأعظمها, ولا سيما تحت خيمة الاتفاقات والتسويات الأمريكية/الروسية؛ وبالتالي يتحقَّق أمر إضعاف الحوثيين, وتوفير فرص معقولة ومقبولة للسلام.
وأمَّا ما يُنتَظَرُ على الصعيد الشعبي اليمني, فليس أقلَّ من استنهاض همَّته, للخروج من أوضاعه المتردِّية, الصحية, والتعليمية, وحتى المنهجية؛ ليسهمَ الشعب اليمنيُّ في كسر شوكة الحوثيين, التي لا تخلعها غير الأوامر الإيرانية للحوثيين؛ إن هي أمَّنت مفاعلها, وحدودها, وحليفها الأسد؛ فالحوثيون وإن كانوا ذراعاً لإيران, فهم يسيرون فيما يخفِّف عن الحكومة الإيرانية ضغوط أمريكا وحلفائها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] للمزيد: ينظر التقرير الخاص لكاتب التقدير برصدِ خرائط الأزمات, بفصَّلُ ما يتَّصل بمتابعة المتغيرات المؤثرات الأبرز, التي أسهمت في إشعال الصراع اليمني, وتعقيد أزمته, وإطالة أمده واستعصاء حلِّها.
[2] ينظر مجدَّداً: التقرير المتَّصل بالموضوع, وقد أشرنا إليه.
[3] من وراء دعوة عبد ربة منصور هادي- ولا سيما في خطابه في الأمم المتحدة, نهاية سبتمبر الماضي..