ملفـاتوباء كورونا

وباء الكورونا والأبعاد الغائبة

كثيرة هي القضايا التي يثيرها فايروس الكورونا بعد إعلانه وباء عالمياً، وهي قضايا لا تقل أهميتها عن البحث في أسباب انتشاره وطرق علاجه وضرورة الأخذ بأسباب الحفظ والحماية منه، وطبيعة هذه القضايا في أغلبها تأخذ نسقاً كلياً على مستوى الفكر والنظر في التعاطي في فهم هذه الظاهرة الجديدة ويظهر أنها متجددة كذلك في الواقع الإنساني؛ بحكم وجود مثيلاتها في التاريخ الإنساني بأقسامه المختلفة الإسلامي وغيره وإن كانت بدرجات متفاوتة من حيث حجمها وتأثيرها، ولا شك أن هذه الظاهرة المتجددة تثير تساؤلات عدة حول جدوى ترك البشرية تسير على الوتيرة التي ارتضتها بوصفها نهجاً للحياة دون التفكير بعواقب الأمور ومآلات الأفعال.

لقد خلق الله الأرض وجعلها مسخرة للإنسان ووضع فيها سبحانه كل ما يسهم في تحقيق المهمة والوظيفة التي من أجلها خلق هذا الإنسان، وهي الخلافة في الأرض وتحقيق العبدية لله سبحانه، والآيات في هذا المعنى كثيرة، قال تعالى: (وإذا قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة)[البقرة: آية 30]، وقال تعالى: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً)[البقرة: آية 29]، وقال تعالى: (والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون . وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين)[الحجر: آية 19-20]، وهذه التهيئة للأرض اقترنت بكونها صالحة للعيش البشري بما يتناغم والقيامَ بمهام خلافته في الأرض، قال تعالى: (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها)[هود: آية 61].

ولكون الإنسان لا يمكنه أن يستقل بعقله في إدراك مقتضى وجوده في هذه الأرض، بعث له رسلاً وأنزل كتباً؛ لأجل تذكيره بمهامه ووظائفه، كما دل عليه قوله تعالى: (قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون)[البقرة: آية 38]، فكانت دعوة الأنبياء من حيث أصلها دائرة مع تحقيق التوحيد وتعبيد الناس لرب العالمين، ولكن اللافت للنظر أن هذه الدعوة اقترنت معها بعض أوامر ونواهٍ مقتضاها الحفاظ على الحاضنة الجغرافية –إن صح التعبير- وهي الأرض؛ ضماناً لاستمرار صلاحيتها في تحقيق مهام الخلافة البشرية فيها، فقال سبحانه: (ادعواْ ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين . ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفاً وطمعاً إن رحمة الله قريب من المحسنين)[الأعراف: آية 56]، وقال سبحانه: (وإلى مدين أخاهم شعيباً قال يا قومِ اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين)[الأعراف: آية 58]، فاقترنت دعوة التوحيد بالنهي عن الفساد في الأرض، والوقوف عند قضية الإفساد في الأرض تستلزم منا وقفة أخرى في مقال قادم بإذن الله تعالى.

 

زر الذهاب إلى الأعلى