تقديم
يقف الإعلام المصري اليوم بكل وسائله وتوجهاته، في مفترق طرق تاريخي وربما يكون غير مسبوق، فالصراع السياسي الذى انعطف إلى منحنى جديد منذ الخامس والعشرين من يناير 2011 وزادت حدته فى محطات تاريخية عدة خاصة بعد انتخاب أول رئيس مدني بعد “٢٥” يناير ٢٠١١، ثم ما تلى 30 يونيه 2013 من أحداث ، قد ألقى بظلاله شديدة الكثافة على الإعلام المصري.
وفى الوقت الذى تنشغل فيه المؤسسات المدنية المهتمة بمهنة الإعلام بمشاكل داخلية شديدة وقت كتابة هذه السطور قد تعصف بوجودها ككيان من الأساس (1)
تم البدء فى إعادة توزيع خريطة ” الإعلام ” داخل الدولة المصرية، بصورة ربما تكون غير مسبوقة، ففي إطار الملكية ،تم تفكيك صحف وقنوات فضائية ، وأيضاً دمج كيانات أخرى ، وإنشاء كيانات ثالثة هذا في الداخل ،ومشهد غامض يحيط ب “الفضائي” الذى يبث من الخارج ، ثم إقصاء وجوه إعلامية عن المشهد بصورة بعضها درامي ،كما حدث يوم 13 فبراير 2017 مع أحد مقدمي البرامج فى إحدى الفضائيات الشهيرة التى شملتها عمليه “التغيير” في الآونة الأخيرة . (2)
ويتقاطع ذلك مع “تخبط” وإرباك” فى خريطة ما يمكن أن نسمه “الصراع السياسي “، تقاطعاً أصبح يمثل خطراً كبيراً على الإعلام كصناعة ومهنة، والأخيرة باتت فى مرمى الجميع ، فربما يكون الشئ الوحيد الذى طالته سهام “المتصارعين” واجتمعت عليه ،هو الإعلام ، وفى القلب منه القواعد المهنية الأساسية المتعارف عليها ، من إنصاف ، ودقة، وموضوعية، وحيادية وغيرها من القواعد الراسخة.
ربما يكون الشئ الوحيد الذى طالته سهام “المتصارعين” واجتمعت عليه ،هو الإعلام
الأمر الذى دفع الباحث لإعداد هذه الورقة ، للبحث عن سبل وقف هذا التقاطع الحاد ، بين الإعلام والقوى المتصارعة بصورة يمكن وصفها وفقاً لنظرية القوة ، (3)
بـ “الصراع العنيف “، والذى تبقى فيه “المهنية” هي الضحية الأولى والتي تنعكس سلباً بالضرورة على الجمهور وهو الهدف من عملية “الاتصال” برمتها وفقاً لنظريات الإعلام “نظرياً” وهدف لكل وسائل الإعلام “عملياً” ، وأيضا يبقى – الجمهور – هو الهدف الذى يسعى للهيمنة عليه كل المتصارعين، ويدفع في النهاية النصيب الأكبر من الكلفة .
أولاً الإطار المنهجي للدراسة.
مشكلة الدراسة.
يمر الإعلام المصري بمنعطف شديد الخطورة فى تاريخه ، فقد احتدم الصراع السياسي فى مصر خاصة بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير ، وانعكس هذا الصراع على الإعلام ، الأمر الذى أصبح من الضروري التأكد من وجود هذا الصراع ، ومدى شعور الصحفيين أنفسهم به ، ووجود مخرج لفك هذا التشابك بين الصراع السياسي والإعلام شديد الأهمية ويحتاج إلى البحث فيه خاصة بعد ظهور كيانات إعلامية جديدة محاطة بظلال من الشكوك حول أهدافها ، ومع محاولات لعرقلة أدوار مؤسسة راسخة مثل نقابة الصحفيين -وإن كان مجلسها الأخير يحاول تحجيم هذه الإشكالية بمد جسور معلنة مع الدولة ، الأمر الذى يستوجب السعي لتفكيك أدوات هذا الصراح فيما يخص تشابكه مع الإعلام .
أسئلة الدراسة.
ماهي ملامح الخريطة الإعلامية فى مصر فى السنوات العشر الماضية؟ وهل تغيرت هذه الخريطة فى الآونة الأخيرة؟ وماذا عن خريطة الصراع السياسي فى نفس الفترة؟ وكيف يرى الصحفيون إعلامهم؟ في السنوات التي سبقت 25 من يناير٢٠١١، وأيام الثورة الثماني عشرة، ومرحلة ما بعد 11 فبراير وحتى 30 يونيه ومابعد مرحلة 3 يوليو ، هل يرون إعلامهم مهنياً ؟ أم غير مهني؟ كيف يرون هذه المهنية بالنسبة للإعلام الحكومي والخاص والمعارض؟ وهل أجج الإعلام جذوة الصراع السياسي أم أطفأها؟
وما هو مستقبل الإعلام فى ضوء هذا الصراع ؟
الأهمية والأهداف.
في ظل ندرة الدراسات الحديثة التى تناولت الإعلام المصري وما اعتراه من من مشاكل باتت تهدد مستقبله ،مع وجود دراسات قيمة تحاول الاقتراب من هذه المساحات أصبح من المهم البحث في الأسباب التي أدت إلى تراجع المهنية الإعلامية بشكل حاد وربما اختفائها تماماً نظراً لما يستتبع ذلك من تأثير مباشر على الإعلام ووظائفه فى المجتمع ، وعندما يتيقن الصحفيون أنفسهم من وجود هذه المشكلة ، ووجود إرادة لديهم ورغبةً في أن يكونوا جزءاً من الحل فى ظل هذا الصراع المحتدم ، هنا يمكن أن تيدأ أولى الخطوات “الجادة نحو الحل في محاولة لإنقاذ مستقبل “المهنية”” والمهنة .
منهج الدراسة.
نظراً لعمل الباحث صحفياً لأكثر من ثلاثين عاماً وفى وسائل الإعلام المختلفة ،المطبوعة والإلكترونية، والتلفزيونية ، ونظراً لطبيعة المشكلة محل البحث وتعقيداتها، فكان المنهج الوصفي التحليلي هو المنهج الأصلح للاستخدام ، فإلى جانب الملاحظة الشخصية المستمرة ، والحوارات والأحاديث اليومية مع العاملين فى وسائل الإعلام المختلفة التي تشملها هذه الورقة ، وأيضا إلى جانب المراجع والمصادر، تم عمل مقابلات مع صحفيين بعضهم تولى مواقع قيادية ،إلى جانب الاستعانة باستبيان ” موجز” وفقاً لعينات طبقية عشوائية حيث اعتبرت العينة لكل مجموعة ،إعلامية طبقة مستقلة ،وكان المستهدف من العينة مائة وخمسون موزعين على ثلاث مجموعات ، وماتحقق لطبيعة المشكلة ،مائة خمسة وعشرون ، موزعين على ثلاث مجموعات ، وتم اضافة واحد إلى المجوعة الثالثة ،والهدف من الاستطلاع “الصحفي” الوقوف على نظرة العينة إلى المشكلة محل البحث ، وتم إجراء الاستطلاع بوجود سبعة عشر سؤالاً ، أربع منها ديموغرافية ، وتم صياغة الأسئلة ، وفقاً للأسئلة المغلقة ، مع خروج على الشكل التقليدي للأسئلة المغلقة في الصياغة ، بما يتلاءم مع الصياغات الصحفية ،وبما لا يغير من النتيجة ، وتم إجراء الاستطلاع في الفترة من 25 ديسمبر 2016 إلى 24 يناير 2017 بالاستعانة بمعاونين ، وقد سبقه اختبار الكتروني للاستطلاع والاسئلة لمدة ثلاثة أيام ، وتم تحليل العينة بالاستعانة بمعاونين مع الاشارة الى أن اختيار المجموعات تم وفقاً لأماكن عملهم لا معتقداتهم أو خلفياتهم الأيدلوجية .
مدخل نظري.
هناك العديد من النظريات الإعلامية ، خاصة فى مجال التأثير الإعلامي ،يمكن أن تكون صالحةً لتفسير حالة الإعلام في مصر وتحكم القائم بالاتصال في الوسائل الإعلامية بصورة أو بأخرى، ، ومن بين هذه النظريات “التأطير” و”حارس البوابة” و ” “ترتيب الأولويات” و”دوامة الصمت” ، إلا أن نظرية Setting-Agenda نراها الأكثر تطبيقاً في الواقع العملي ، فقد حدد الباحثون عدداً ً كبيرا من التعريفات لنظرية وضع الأجندة، حيث يعرف (Sanchez.M ) مدير مكتبة الإعلام والاتصال السابق في جامعة جرينيتش عملية وضع الأجندة في الإعلام بأنها “العملية التي بواسطتها تحدد وسائل الإعلام بما نفكر وحول ماذا نقلق”، ويرى أن أول من لاحظ هذه الوظيفة هو Walter Lippmann في العشرينيات من القرن الماضي، فوضع الأجندة هي “عملية تهدف إلى إعادة صياغة جميع الأحداث التي تقع في البيئة المحيطة بنا إلى نموذج بسيط قبل أن نتعامل معها”
James Watson عرفها بأنها “مجموعة من الموضوعات، عادة يكون ترتيبها حسب أهميتها .
Joseph Straubhaar&Robera LRoset ) قالوا بأنها “قدرة وسائل الإعلام على تحديد القضايا المهمة”(أنظر) (4) أما Stephen Batroson
فيراها “العملية التي تبرز فيها وسائل الإعلام قضايا معينة على أنها قضايا مهمة، وتستحق ردود الحكومة والجمهور، من خلال إثارة انتباههم لتلك القضايا، بحيث تصبح ذات أولوية ضمن أجندتهم، وأن الفرد الذي يعتمد على وسيلة إعلامية ما سوف يكيف إدراكه وفقا لأهمية القضايا التي تطرحها تلك الوسيلة وموضوعاتها، وبشكل يتوافق واتجاه عرضها، وحجم الاهتمام الممنوح لها في تلك الوسيلة.
وقد مرت هذه النظرية بأكثر من مرحله أهمها ربما بحلول الثمانينيات حيث ركزت البحوث على مصادر أجندة الوسيلة الاتصالية، وبذلك تكون انتقلت بحوث الأجندة من متغير مستقل إلى متغير تابع واستبدلت السؤال من من يضع أجندة الجمهور وتحت أي ظروف؟ بالسؤال من يضع أجندة الوسيلة؟ (5)
فالمهم هنا، ومن خلال “الأجندة” هو توجيه انتباه الجمهور نحو جانب محدد في القضية المثارة على حساب جانب أو جوانب أخرى قد تكون أكثر أهمية، للجمهور ، ولكن “القائم بالاتصال” و”السيطرة” على الإعلام هو من يحدد ويرتب الأهمية ، وهو من يحدد ويرتب حتى المصادر التي تستعين بها أو تتعامل معها الوسيلة الإعلامية ،ويتحكم حتى فى فنيات الصورة وتفاصيلها في الإعلام المرئي ، التى يريد التركيز عليها حتى تصل إلى الجمهور بالشكل المطلوب المطلوبة.
ثانياً الإعلام المصري.. الخريطة الشائكة.
تاريخ طويل للإعلام المصري ، بوسائله المختلفة، المطبوعة ، المسموعة ، والمرئية ، وخلال حقب زمنية طويلة بالنسبة للصحف ، و عقود بالنسبة للإذاعة(6)
وأكثر من نصف قرن للتلفزيون، استطاع هذا الإعلام أن يكون بنية تحتية كبيرة، وجمهور عريض ،امتد خارج القطر المصري ،إلى دول كثيرة ، ولكن لم يسبق أن تعرض للتغيير الحاد كما حدث في السنوات القليلة الأخيرة ويمكن أن نلمح ذلك في مكوناته وصوره المختلفة ،وإن كنا سنقترب على الأكثر للإعلام التقليدي دون الخوض في الإعلام الالكتروني والجديد ، ولنكون أكثر تحديداً للإعلام المرئي والمطبوع كالآتي :
( أ ) الإعلام المملوك للدولة
1-الإعلام المرئي.
سيطرت السلطة فى مصر عقب 23 يوليو 1952 وعلى مراحل متفاوتة وبنسب متدرجة على وسائل الإعلام المختلفة وبالنسبة للتلفزيون الذى افتتح لأول مرة في تمام الساعة السابعة مساء 21 يوليو 1960 ولمدة خمس ساعات يومياً في الاحتفال بالعيد الثامن لثورة يوليو(7)
وظل تحت يد السلطة في مصر ، بشكل مباشر ، تديره وفقاً لأجندتها السياسية ، واتسم التلفزيون منذ إنشائه وخلال عهد جمال عبد الناصر بالشمولية ، والتعبئة، والحشد الجماهيري في اتجاه القضايا التي يراها القائم بالاتصال أنها أجدر بالاهتمام وتوجيه الجمهور ، خاصة وأن نسبة الأمية كانت في الفترة ما بين 1952-1960 (من 80:50%) (8)
وهو ما ساعد التلفزيون فى ترتيب أولوية أجندته بشكل كبير، وظهر ذلك فى تعبئة الجمهور وإعداده ،وأحياناً خداعه كما في حرب 1967 ، واستمرت سيطرة الدولة التامة على الإعلام المرئي طيلة عهد أنور السادات ،وعلى الرغم من الانفتاح السياسي النسبي بإطلاق ما سمى وقتها المنابر، بعد مرحلة الحزب الواحد وعلى الرغم من تخفيف حدة السلطة المركزية ،إلى التعددية النسبية ،إلا أن هذا التغير السياسي ، ظل بعيداً عن الإعلام المرئي الذى ظل تحت سيطرة الدولة ويدار وفقاً لرؤية القائم بالاتصال ،وبحسب “تحديد الأولويات” و”الأجندة” التي يراها مناسبة لأهداف السلطة في ذلك الوقت ،ولم يختلف الحال كثيراً فى العقدين الأول والثاني من فترة حسنى مبارك ، وفيه استمرت هيمنة السلطة على الإعلام المرئي ،وظلت المهنية غائبة باستمرار لسيادة سياسة الرأي الواحد، واختفاء قواعد الدقة والموضوعية والانصاف وغيرها من القواعد المهنية ، وحتى المحتوى البرامجي وجودة الصورة ظلت متراجعة على الرغم من العدد الهائل للعاملين باتحاد الإذاعة والتلفزيون ،ولكن كان للطريقة التي غطت بها قناة – سي ان ان -الأمريكية لأحداث حرب الخليج الأولى عام 1991 ، ثم ظهور قناة الجزيرة في قطر عام 1996 ،تأثيراً شديداً على تغير السلطة في مصر لموقفها من الإعلام المرئي (9)
ولكن هذا التغيير أنصب على تخفيف الحدة على “ملكية” القنوات الفضائية دون تغيير في الرسالة الإعلامية للتلفزيون الحكومي ،الذى ظلت رسالته ذات طابع تعبوي في الأساس ،ودافعة للجمهور لتأييد سياسة السلطة الحاكمة وقد تجلى ذالك في حالات كثيرة ،وكانت” الحالة “الصارخة ،استخدام مباراة في كرة القدم بين مصر والجزائر ليقوم التلفزيون الحكومي الرسمي بتعبئة الجمهور تجاه دولة الجزائر رغم خطورة ذلك على علاقة الدولة المصرية بدولة الجزائر كما حدث على القناة الفضائية المصرية (10)
وتكرر التعامل مع هذه الواقعة بشكل تعبوي في العديد من القنوات المصرية الرسمية (11)
وفى هذه “الحالة” تم إعادة ترتيب أهمية القضايا بالنسبة للجمهور وهي حالة يمكن القياس عليها- تكررت فيما بعد مع مباريات كأس الأمم الأفريقية بصور مختلفة آخرها في دورتها الأخيرة في عام2017.
هذا التغيير أنصب على تخفيف الحدة على “ملكية” القنوات الفضائية دون تغيير في الرسالة الإعلامية للتلفزيون الحكومي ،الذى ظلت رسالته ذات طابع تعبوي
وفى السنوات العشر الأخيرة ،استمر الإعلام الحكومي المرئي فى نهجه من ناحية الكَيف ومحتوى الرسالة الإعلامية ، التي استمرت على حالها وفقاً لأجندة القائم بالاتصال أما من ناحية الكم ، فقد افتتحت العديد من القنوات الأرضية ، والمنوعة بصورة لافتة ،حتى وصل عدد ساعات الإرسال للقنوات المرئية الرئيسية ، في عام 2013/2014 (172.079 ساعة) (12)
وهو رقم قياسي ، وإن كان قد انخفض فى عام 2014/2015 إلى (166.353 ساعة) (13)
وضاعفت الدولة من إنشاء القنوات التلفزيونية المحلية ،وزيادة ساعات الإرسال ، لإحكام السيطرة على الجمهور خاصة الذين لا يعرفون القراءة والكتابة ، فهناك 17 مليون مواطن معظمهم من النساء أميين أي نسية 29.7% من إجمالي عدد السكان (14)
، ولإحكام القائم بالاتصال سيطرته، فقد حوت الخريطة البرامجية فى الفترة التي تلت ثورة 25 يناير المزيد من البرامج السياسية الموجهة ووصلت ساعاتها إلى (3349.22) ساعة في عام 2014
تليها البرامج الدينية (928.16 ساعة) وذلك فقط على القناتين الرئيستين، الأولى والثانية(15)
جدول رقم (1)
المصدر الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، الكتاب الإحصائي ،2015
فى الوقت الذى وصلت فيه البرامج الخدمية التي أنشأت القنوات المحلية في الأساس من أجلها إلى (596) ساعة ، وتأتى برامج شديدة الأهمية للمواطن في مجتمع مثل المجتمع المصري، مثل البرامج الصحية لتحتوي الخريطة البرامجية على (46ساعة) فقط ، وهو ما يؤكد أن توجه القائم بالاتصال هو التحكم فى الجمهور الذى مازال نحو 17 مليون منه لا يجيد القراءة والكتابة، وهو ما يعكس مقدار السيطرة عليه من خلال التلفزيون الرسمي والقنوات المحلية ،لأنهم يمثلون قوام جمهوره ، وبالتالي تتحدد الرسالة الموجهة إليه ، وقد استمر الإعلام الرسمي على نهجه في البعد عن القواعد المهنية في أكثر من مناسبة منها مثلاً ما بثه يوم الثلاثين من يونيه ووصفه مظاهرات ميدان التحرير بالثورة، قبل إعلان أي إجراءات بعد ذلك في 3 يوليه 2013 (16)
واحتفظ الأعلام المرئي الحكومي خلال السنوات العشر ، بملكيته التامة، واستمر ترتيب أولوياته، وبقيت مشكلة الديون ، والبطالة المقنعة، وميزانيته الضخمة هي أهم مشاكله ، فقد بلغت ميزانية اتحاد الإذاعة والتلفزيون الذى يعد التلفزيون الرسمي وقنواته المختلفة المرفق الرئيس فيها (12مليار و200 مليون جنيه) في ميزانية عام 2016/2017 وبلغ العجز فى الميزانية لنفس السنة ( أربعة مليارات وستمائة وتسعة وأربعون مليوناً وثلاثمائة وخمسون ألف جنيه) (17)
وكانت السمة الأساسية للتلفزيون الحكومي المصري أنه “أهدر القواعد المهنية الأساسية ،وأصبح طرف من أطراف الصراع ،السياسى،فكان يدعى دائماً أنه تلفزيون للكل ولكنه كان على أرض الواقع نافذة لما تريده السلطة”(18)
2-الإعلام المقروء المملوك للدولة.
أما الإعلام المقروء، والممتد من القرن التاسع عشر كما في صحيفة الأهرام (19)
وإصدارات دار الهلال(20)
وأيضاً المؤسس في النصف الأول من القرن العشرين كمؤسسة أخبار اليوم (21)
وإصدارات دار التحرير كصحيفة الجمهورية (22)
وغيرها من المؤسسات التي كانت باستثناء صحيفة الجمهورية ،تابعة لأفراد وملكية خاصة حتى طالته يد التأميم ، بصدور القانون رقم 156 لسنة 1960 بشأن تنظيم سلطة الصحافة والذى نص على أنه لا يجوز إصدار الصحف إلا بترخيص من الاتحاد القومي (23)
لتتحول ملكية جميع المؤسسات الصحفية للدولة ، فالحال لا يختلف كثيراً فى السنوات العشر الأخيرة عن التلفزيون الحكومي، فقد ظلت هذه الصحف تحت السيطرة التامة للدولة ، فهي التى تعيين رؤساء التحرير ، ورؤساء مجلس الإدارة ، وقامت بنفس الأدوار التي قام بها إعلام الحكومة المرئي ، من تعبئة الجمهور ، وفقاً لترتيب القضايا وفقا لأجندة القائم بالاتصال ، مع تراجع مستمر للقيم المهنية ،بل وصل الأمر أن ترتكب صحيفة كبرى مثل الأهرام ما يعد خطأ مهنيا جسيماً ،عندما أعادت نشر صورة تضم عدد من زعماء العالم، بعد أن تلاعبت في الصورة وغيرت وضع الرؤساء بها ليظهر حسنى مبارك متقدماً عن بافى الرؤساء (!!) وهو ما يؤكد مدى التراجع في أبسط القواعد المهنية الأساسية ، كان ذلك في السنوات الأخيرة من عصر حسنى مبارك ، واستمر في الأيام الأولى لثورة يناير وإن كان من السمات المضافة إلى تراجع المهنية ، من انحياز للحكومة “المالكة” هو حالة التخبط التي عاشتها هذه الصحف بانتظار “المالك” الجديد في الأيام الأولى بداية من 25 يناير 2011.
وعلى سبيل المثال، جريدة الأهرام
نشرت فى صدر صفحتها الأولى في اليوم الأول للثورة يوم 25 يناير “وقفات احتجاجية و كردونات أمنية بوسط القاهرة والمحافظات وإصابات بين المواطنين وقوات الشرطة”،و ثانى يوم 26 يناير “تظاهرات حاشدة بالقاهرة والمحافظات واستشهاد مجند أمن وشابين بالسويس”، وفي 27 يناير “وفاة 4 وإصابة 118 مواطنًا و162 شرطيًّا والقبض على 100 بالقاهرة والمحافظات”. وقبل جمعة الغضب وتحديدا يوم 28 يناير “مبارك يتابع ويطمئن على المواطنين بالسويس.. مصرع شخص وإصابة 86 وإحراق وحدة مطافئ”. وبعد جمعة الغضب لم تتحدث الأهرام عن أنه غضب شعبي لكنها قالت في يوم 29 يناير “مظاهرات حاشدة في القاهرة و المحافظات” ،وفي 3 فبراير تناست ميدان التحرير تمامًا ليكون المانشيت “الملايين يؤيدون مبارك في مسيرات بالمحافظات ”، و” الآلاف يحتشدون بميدان مصطفى محمود”، وفي 6 فبراير تؤكد الأهرام على لسان رئيس الوزراء أحمد شفيق أن “الوضع في مصر مطمئن للغاية” ، وفي يومي 9 و10 فبراير “المتظاهرون يحاصرون مجلسي الشعب والشورى ومجلس الوزراء ووزارة الصحة”. (أنظر)(24)
وقد تغيرت اللهجة تماما بعد تنحى مبارك ففي يوم 11 فبراير نشرت “الرئيس مبارك يتنحى عن السلطة”، وفي يوم 12 فبراير” الشعب أسقط النظام “.
جريدة الأخبار
نشرت جريدة الأخبار فى يوم 25 يناير 2011 فى الصفحة الاولى “ دعاة التحريض فشلو في تحقيق أهدافهم والأمن تعامل بضبط النفس “، “صفوت الشريف لـ الأخبار :الفرق كبير بين حرية التعبير والفوضى ” ،ونشرت يوم 26 يناير ” الداخلية : سمحنا بتنظيم الوقفات الاحتجاجية والتزمنا بتأمينها رغم تحريض كفاية و6 إبريل” ، وفي 27 يناير جاء العنوان “الحياة عادت لطبيعتها في وسط القاهرة.. ومظاهرات في السويس والإسماعيلية”، وبعد خطاب مبارك قالت الأخبار في يوم 2 فبراير “مظاهرات تأييد الاستقرار تشهدها القاهرة والمحافظات”، وفي 3 فبراير نشرت “عودة الروح إلى أقسام الشرطة”. أما 4 فبراير فنشرت الأخبار “ليلة الدم والنار في ميدان التحرير.. وأصابع المؤامرة”، وفي 5 فبراير تساءلت الجريدة “من هم المتظاهرون في ميدان التحرير؟ وما هي أهدافهم؟”،وفي يوم 9 فبراير نشرت “عدوى المظاهرات تنتقل من ميدان التحرير إلى المحافظات والبرلمان تحت الحصار”.
تغير موقف الأخبار بعد ذلك وتحديد فى يوم 11 فبراير حيث نشرت “بالإجماع.. مجلس نقابة الصحفيين يؤيد ثورة 25 يناير الشعبية” وفي 12 فبراير نشرت “الحزب الوطني.. ينهار”و “تحقق الحلم.. ونجحت ثورة الشباب”.
جريدة الجمهورية
نشرت جريدة الجمهورية يوم 25 يناير 2011 عنوان “فى حوار شامل لمجلة الشرطة… مبارك: أنحاز للفقراء ولن أسمح بأعباء إضافية على المواطنين”، ويوم 26 يناير “المتظاهرون عطلوا المرور وأثاروا الشغب في ميدان التحرير”، وفي يوم جمعة الغضب 28 يناير نشرت “صفوت الشريف: قيادات مصر لا تهرب.. وستظل واقفة بشموخ لخدمة الوطن”، وبعد موقعة الجمل في 3 فبراير، نشرت “مصر أقوى من الفتنة “،”الشعب للرئيس: نحن معك” ،”مبارك ينقذ مصر من الفوضى والخراب”.
وفي يوم 7 فبراير كان ما نشيتها “عهد جديد.. اتفاق نائب الرئيس والشباب والمعارضة والإخوان على وثيقة الوفاق الوطني”، وقبل التنحي في يوم 10 فبراير اعترفت الجريدة بأن “المظاهرات تتخطى المليون”، وفي يوم 12 فبراير بعد تنحي مبارك قالت الجمهورية: “سطعت شمس الحرية وأصحاب الملايين يتساقطون” “26”
،وحتى بعد أن أصبح حسنى مبارك خارج السلطة “بقيت العقلية الاستبدادية مكانها كما عكستها وسائل الإعلام فأصبح الجيش هو المنقذ” (27)فى فترة تولى المجلس العسكري أمور الحكم فى البلاد ، كما كان الرئيس الذى ثار الشعب عليه في 25 يناير هو الحاكم الملهم ،واستمر الإعلام المطبوع على نفس النهج من البعد عن الأسس المهنية وأصبح ” طرفاً من أطراف الصراع واستمر إعلاماً منحازاً ، وإن تراوحت إنحيازاته مابين إنحياز معلن أو مستتر، وقد قام هذا الإعلام في مرحلة مابعد25 يناير بالمساهمة فى إفساد الحياة السياسية وتأجيج الصراع”(25)
وهو ما ذهبت إليه العينة، التي رأى 22.4% فقط أن الإعلام المصري الحكومي إعلاماً مهنياً ، ورأى 72% أنه غير مهني ، وجاءت إجابات 5.6% لا أعرف أنظر الشكل (1)
شكل رقم (1) كيف ترى الإعلام المصرى التابع للدولة؟
(ب) الإعلام الخاص.
على الرغم من أن الإعلام الخاص لم يعد للحياة من جديد إلا في بداية العقد الأخير الذى سبق 25 يناير ،والذى بدأ بالسماح للقطاع الخاص بتملك القنوات الفضائية ،ثم بعد ذلك السماح بتملك الصحف الخاصة ، إلا أنه قد تمكن في بدايته من تحريك الماء الراكد فى الإعلام المصري ، بعد أن تكلست كل جوانبه بفعل السيطرة التامة للدولة ،على كل تفاصيله، من الملكية ،إلى المحتوى، حتى ،تعيين القيادات والعاملين فيه.
1-الإعلام الفضائي .
عندما انطلقت قناة المحور الفضائية فى 31 مايو 2001 عقب صدور قانون إنشاء المنطقة الإعلامية الحرة ، الذى أتاح للقطاع الخاص حق تأسيس قنوات فضائية وهى القناة التي يمتلكها أحد رجال الأعمال ، القريبين من الحكومة وكان وقتها يمتلك عدة مشروعات في مجال العقارات ،والإنشاءات، والقرى السياحية ،ومصانع للأسمنت وغيرها ، ثم قناة دريم التي يمتلكها رجل أعمال أيضاً تمتد مشروعاته من العقارات ،والمشروعات السياحية ،والترفيهية، ومصانع الالكترونيات ،
وقتها تفاءل العاملون في الحقل الصحفي والاعلامي، سواء الآملين في مناخ إعلامي صحي جديد، بعد أن عاش بعضهم عقوداً، في مناخ المركزية المتسلطة فى الإعلام ، وتمنوه إعلاماً يراعي ولو الحد الأدنى من القواعد المهنية ، وأيضاً في ظل رغبة الصحفيين في تحسين البيئة الاقتصادية المتدنية ، من خلال ضخ استثمارات في هذا المجال ، في ظل ظروف إعلامية بائسة .
وقد بلغت ميزانية القناة الجديدة عند تأسيسها (250 مليون دولار) وما يقارب هذا الرقم لقناة دريم ولكن هل تحققت آمال العاملين في الحقل الاعلامي، ومعهم الجمهور الراغب في إعلام يعبر عنه؟
خاصة بعد زيادة أعداد هذه القنوات ،” وصل عدد القنوات فى العام 2009 إلى 200 قناة ما بين قنوات عامة ،وترفيهية ،وإخبارية ،العاملين فى الإعلام من مقدمي برامج وفنيين وصحفيين ، يرون أن لا جديد إيجابي يذكر أضافته هذه القنوات إلى المشهد الإعلامي وحدد كثيرون ملامح المشهد بعد دخول القطاع الخاص إليه (26)
- تحالف السلطة ورجال المال.
لم تكن الخطوة الأولى هي فقط، التى مثلت التزاوج بين السلطة ورأس المال، ولم يكن الإعلام الفضائي الذى “بنى على عين مبارك” فقط مروجاً للسلطة ومدافعاً عنها، ولكنه “دخل اللعبة ،وهو يعلم ، أنها لعبة خطرة ، ولكنه أراد أن يلاعب السلطة بالإعلام ليحقق مصالحه،فى الوقت الذى رأت الدولة ،أنها بحاجة لهذا الإعلام ليكون تحت سيطرتها ،تستدعيه في الوقت الذى تحتاج صوته العال المختلف عن صوت الإعلام الحكومي” (27)
وإذا كان تحالف المال والسلطة، خضع للعبة الشد والجذب ، في أواخر عهد مبارك، خاصة مع وجود حالة من السيولة النسبية في المجتمع وظهور الحركات الاحتجاجية ،فقد مر بحالة من الارتباك ، فى الأيام الأولى للثورة ، وبات كمن فقد أباه فجأة ، وتجلى ذلك بمعالجة برامج التوك شو التى حققت جماهيرية كبرى فى الشهور السابقة على 25 يناير 2011 وبعد استجلاء المشهد ، استجمع الإعلام الخاص قواه من جديد ، وحدد أهدافه أو حددت له ، وبدلاً من تراجع الاعلام الذى سمح به ودعمه مبارك، وبدلاً من توارى رموز مبارك ، من أعين الثوار ، وملاحقات الدولة ، على العكس انطلقوا مع الشهور الأولى التي تلت يناير 2011 في إنشاء قنوات جديدة .
ليتضع فيما بعد أن هناك أدوار محددة ، لهذه القنوات وأن “الأولويات” و ” الأجندة” كانت بيد القائم بالاتصال طوال الوقت ليؤكد وظيفته التي قام من أجلها فى الأساس فقد ألتقت إرادة الدولة في هذه المرحلة مع رغبة رجال الأعمال للقيام بتحالف ، يكون بديلا أكثر سهولة وأقل تكلفة من إنشاء حزب سياسي ..ووصل هذا التحالف في النهاية إلى ذروته بالإعلام ” (28)
- تراجع أكثر للقواعد المهنية.
ومع ظهور هذا التحالف إلى العلن، اتضحت أجندة القائم بالاتصال ، عقب ظهور أكثر من 22 قناة جديدة بعد الثورة منها قنوات أثرت تأثيراً مباشراً في الصراع السياسي ، وكان التراجع في القواعد المهنية الأساسية ، هو أول الخسائر، فاستخدمت كل أشكال العمل التلفزيوني ،من برامج حوارية ، وبرامج ترفيهية، وفقرات إخبارية ،وتقارير،وتحقيقات،وانفوجرافات ،وفيديوجرافات، لإعادة ترتيب وطرح ،القضايا،من وجهة نظر القائم بالاتصال، ويتم إعادة ترتيب إستراتيجيات الخطاب الإعلامي ، لشيطنة المعارضين، وبناء صورة ذهنية جديدة لدى الجمهور، تتصف يصفات مثل أعداء الوطن ،الخونة،الظلاميون،تجار الدين، قوى التخلف،قوى الشر،الفاشيون،التكفيريون، الإرهابيون..(….)(29)
وغيرها من الصور ، وإذا كانت دراسة “الصورة الذهنية لجماعة الإخوان المسلمين” قد ركزت على الصحافة الالكترونية ، فيمكن ،أن تنسحب بشكل أو بآخر ، على الإعلام الخاص ، والحكومي أيضاً ،لتوافر نفس البيئة، وتشابه نفس الظروف،وبالتالى سنصل لنفس النتائج تقريباً ، وهو ما ينسحب على أى معارض ، وهو ما أدى لعملية “اغتصاب”جماعية شديدة القسوة لكل القواعد المهنية المتعارف عليها، فقد تحول ” الإعلام الرسمى والخاص ،إلى ماكينة دعائية تقدم خطاباً متناغماً ،يقوم على شيطنة “المعارضة” ،وتولد مناخ من الخوف منهم والكراهية لهم “(30)
والحض على العنف، ونشر ثقافة الكراهية، من أهم صور انتهاك القواعد المهنية ويمكن بسهولة رصد جملة من الانتهاكات بحق “المهنية”، صدرت عن الإعلام الخاص ، ربما تنافس الإعلام الحكومى.
- عدم احترام مواثيق الشرف الإعلامية.
الاعتداء المتكرر، والمستمر على “المهنية”فى ظل هذا الصراع هو دليل واضح على عدم احترام مواثيق الشرف الإعلامية، والتي تضعها كل المؤسسات ولا تنفذها على الشاشات، ولكن بدرجات متفاوتة .
- إغلاق الطريق أمام الأجيال الحديدة.
أي مؤسسة فى العالم ،ليس في مجال الإعلام فحسب ولكن في أى مجال اقتصادي، عندما تبدأ نشاطها،تضخ دماءاً جديدة، وتخرج جيلاً جديداً، وهو ما كان يأمله شباب الإعلاميين ،ولكن ما حدث هو عكس ذلك تماماً، فعلى الرغم من زيادة عدد القنوات التلفزيونية،والصحفية،فإن المجال الإعلامي لم يشهد جيلاً جديداً من الإعلاميين والصحفيين يتناسب والانفتاح الذي تشهده صناعة الإعلام كما أنه لم يشهد تحسناً فى مستوى الالتزام بالمعايير المهنية والأخلاقية ،للإعلام الحقيقي،(31)
- فك وتركيب قنوات “المال”
السلطة تضع السيطرة على الإعلام دائماً فى أولوياتها وعندما قررت مع بداية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين ، فك قبضتها على ملكية الإعلام ،بالسماح بإنشاء القنوات الفضائية الخاصة مع صدور قانون المنطقة الحرة ،لم تترك الأمر على عاهنه ، ولكنها سمحت به في إطار أهدافها وفى إطار الصراع السياسي الدائر في المجتمع ،ومع تصاعد وتيرة الأحداث منذ 25 يناير 2011 ، قامت كيانات إعلامية ، وتفككت كيانات أخرى ولكن ، ظل كل ذلك فى إطار المسموح به والمخطط له ،”فالحكومة لا ترحب بوجود كيانات إعلامية خارج سيطرتها حتى لو كانت توجهات هذه المؤسسات ومالكيها مواليه لها” (32)
الإعلام المطبوع.
ولم يختلف الإعلام الخاص المطبوع عن الإعلام المرئي كثيراً ، فقد شهد السنوات العشر الماضية ، صعوداً للإعلام الخاص المملوك لرجال أعمال، “متوافقين” مع الدولة المصرية، واستطاع في التجارب الأولى أن يحدث طفرة في الإعلام المكتوب ، وخاصة مع تجربة المصري اليوم ، وما تلاها من صحف أخرى مثل الشروق، ووطن ، وقد قدمت هذه الصحيفة شكل ومحتوى جديد للقارئ ولكن ظل الأمر مرهون برضاء أو عدم رضاء الدولة، وكان الأمر على هذه الصورة، في السنوات الأخيرة من حكم حسني مبارك ، ثم في الثماني عشر يوم أيام الثورة وما تلاها في الشهور الأولى من حكم المجلس العسكري ثم ما لبثت أن تغير نهجها، وإن كان الأمر يختلف من صحف خاصة أخرى مثل اليوم السابع والديار والمشهد وفيتو، والخميس، والأسبوع، والكلمة ،والفجر، وصوت الأمة ، والأخيرة شملتها صفقة من صفقات رجل الأعمال الذى كان بطل أكبر الصفقات الإعلامية ،التي استحوذ خلالها على مؤسسات صحفية وفضائية أخرى “واعتمدت الحكومة على الاستحواذ على المؤسسات الصحفية من خلال بعض الشركات ورجال الأعمال، واستخدامهم ،كواجهة لرفع المسؤولية عن الدولة أمام الرأي العام الداخلى والخارجي ” (33)حتى لا تتهم الدولة بالسيطرة على الإعلام من جديد، ولكن بقيت الملكية بيد رجال الأعمال القريبين من السلطة و”المتفاهمين” معها ، وهو بالتأكيد “لا يعد إعلاماً خاصاً . ولكنه ،إعلاماً حكومياً ولكن بملكيات متعددة فرجال الأعمال يضخون في هذا الإعلام أموالاً ،الحكومة سمحت لهم بأخذها ثم أعادوا ضخها فى الإعلام” (34)
- انهيار الصحف الصغيرة.
فى الوقت الذى ترتب فيه أوضاع جديدة للإعلام المكتوب كما الفضائي ، بقيت الكيانات الصغيرة اقتصادياً والتى يشارك فى ملكيتها صحفيون مهددة بالتوقف والانهيار ، لأنها بعيدة عن سيطرة الحكومة بشكل مباشر ، ولم يعد لدى مالكيها إلا محاولة الصمود ، وتوقفت كثير من هذه الصحف عن دفع رواتب موظفيها، وبعضها لا يستطع الإنتظام فى الصدور .
وفى ظل الصراع السياسي ، الذى أدخل الاعلام فى بؤرته ، بعد دخول أموال المستثمرين ورجال الأعمال على الخط فقد إنهارت المهنية، كما تجلى ذلك فى السنوات الأخيرة.
وهو ماتراه العينة التى شملت ثلاث مجموعات تنتمى صور الإعلام التى تشملها هذه الورقة، التى رأى 36.8% منها أن الإعلام المصري الخاص إعلاماً مهنياً ، فى حين رأى 58.4% أنه غير مهني ، وجاءت إجابات 4.8% لاأعرف وإن كانت العينة ترى أنه أكثر مهنية من الإعلام الحكومي أنظر الشكل (2)
(شكل رقم 2) كيف ترى الإعلام الخاص من الناحية المهنية ؟
(ج ) الإعلام المعارض الذى يبث من خارج مصر.
الإعلام المعارض داخل مصر ، والمتمثل فى صحف الأحزاب التى ظهرت فى عصر أنور السادات بعد سنوات من حرب أكتوبر ومع ظهور ماسمى المنابر ، وخرجت مجموعة من الأحزاب السياسية مثل الأحرار والعمل الاشتراكى والتجمع التقدمي الوحدوي ثم حزب الوفد الجديد والحزب الناصري بعد ذلك ، ومعها ظهرت لأول مرة بعد صدور قانون تنظيم الصحافة عام 1961 الصحف المعارضة فخرجت صحف منها الشعب ،والأحرار، والأهالى ،والوفد ،والعربي، وعلى الرغم من دورها فى بداية ظهورها من استقطاب الصحفيين الشباب وترك مساحات لأصوات معارضة جديدة ، وزاد ذلك فى آخر سنوات من حكم حسني مبارك وأيضا فى ظل توجيه القائم بالاتصال وماعرف وقتها بسياسة”التنفيس” إلا أنها ظلت صحف تسير بحسب بوصلة السلطة بنسب متفاوتة وفقاً للظروف ، وخلفية الصحيفة ، التى ظلت تساندها مالياً بشكل مباشر وعير مباشر بحسب الرضاء والسخط عليها ، وفى السنوات العشر الأخيرة ، فككت الحكومة من ناحية ورجال أعمال من ناحية أخرى معظم هذه الصحف،وتحول المئات من الصحفيين المنتمين إليها إلى عاطلين “.
أما الإعلام المرئي المعارض ،فلم تسمح السلطة بوجوده ،فى أى فترة تاريخية ، وإن كانت فترة تولى محمد مرسي الحكم ،تحول الإعلام الخاص – معظمه – خلالها إلى إعلام معارض للسلطة على طول الخط ،ليعود مؤيداً لها من جديد عقب 3 يوليه.
فخرجت ظاهرة لم يعرفها الإعلام المصرى عبر تاريخه ، وهوما يسميها بعض الصحفيين “إعلام المهجر” نظراً لانطلاقه من خارج مصر ويسمها آخرون “إعلام تركيا” نظراً لوجود طواقمها التحريرية والفنية واستوديوهاتها ومكاتبها الإدارية فى دولة تركيا .
وبعيداً عن الجدل المحتدم ، حول معارك قانونية وسياسية تدور من وقت لآخر حول هذا الإعلام ، ولكن فى هذه الورقة وكما صُور الإعلام الأخرى ما يهمنا هو دوره فى الصراع السياسي وتأثر القواعد المهنية بهذا الصراع .
- التخطيط الإعلامي الغائب.
يرى كثيرون أن هذا الإعلام ، يعمل فى الغالب ، بعيداً عن التخطيط ، الاعلامي باستثناءات قليلة، من دراسة الجمهور،وكيفية التأثير عيه والوصول له ،ووجود معايير ثابتة وواضحة للجودة ، حتى نظرية “الأجندة” و “ترتيب الأولويات” وغيرها من نظريات التأثير – فى جانبها الايجابي غائبة فى الرسالة الإعلامية، وعلى الرغم من وجود تخطيط إستراتيجي مكتوب فى بعض هذه الفضائيات ، إلا أنه على أرض الواقع لا يطبق ،كحال الإعلام الحكومي والإعلام الخاص عموماً.
- إشكالية الملكية والتحرير.
واذا كانت قضية الملكية مازالت تثير جدلاً فى الإعلام الحكومي والخاص ، ومن يملك هذه القنوات ، وما تأثير ذلك علي السياسة التحريرية والفنية للقناة ، فهى حاضرة بقوة فى هذا النوع من الإعلام ، فلا يستطيع أحد أن يعرف بدقة ، من يملك هذا الإعلام ، وكيف يتم الإنفاق عليه، من ترددات الأقمار الصناعية، وطواقم فنية وإدارية ، فى ظل عدم وجود أى صورة من صورة الموارد التقليدية ، كالإعلانات،أو التسويق .
- المهنية الغائبة .
قواعد المهنية الإعلامية ثابتة وراسخة ، ولا خلاف عليها من مدرسة إعلامية إلى أخرى أو مؤسسة إعلامية لأخرى ،ربما باستثناء قيمة “الحياد” ولكن قواعد الدقة والإنصاف والتوازن وعدم الحض على العنف أو الكراهية ،وخطاب التقسيم أو التفتيت ، فهى قواعد راسخة ، فهل يراعى هذا الإعلام هذه القواعد ويحترمها ؟ ، هناك قنوات منها تحتفظ بتوجيه استراتيجي مكتوب يراعى هذه القواعد إلى حد بعيد(35)
ولكن هل تطبق هذه القواعد وتراعى فيما يظهر على شاشات هذه القنوات ، أم تنافس شاشات الإعلام الحكومي والخاص فى انتهاك هذه الأسس؟ مع تفاوت حجم الانتهاكات ونوعها ؟هل دخل دائرة الصراع السياسي على حساب المهنية كما يرى كثير من الصحفيين هذا الإعلام ولايفرقون بينه وبين الإعلام الحكومى والخاص ..؟
هل حافظ على هذه القواعد أم انه ” مثله مثل الإعلام الخاص والحكومى يهدر كل القواعد المهنية ، ولكن الواضح أنه يمكن وصفه بمصطلح “الصحافة الغير حساسة للنزاع ” (36)
- إعلام رد الفعل.
يرصد صحفيون أنه إعلام رد الفعل ، ويسير فى كثير منه وفق الأجندة التى تفيد القائم بالإتصال فى أحيان كثيرة ، وكأنه ينفذ ما خطط له ولكن لأهداف وبدرجات أخرى ، بالضبط كما ينفذ الإعلام الحكومي لإنعدام التخطيط الجيد ، ونقف مثالاً عند حالة الدعوى التى اختلف الجميع على من أطلقها وهى ما سمى بثورة الغلابة فى 11 نوفمبر 2016 فقد خرج قبلها بساعات على أحد البرامج الحوارية (37) شخصية مثيرة للجدل وأشتبك مع رموز من إعلام المعارضة واختار شخص من كل قناة ليكيل له الإتهامات القاسية والتى تفتقد إلى كل القواعد المهنية ، وجاءت رده الفعل من الإعلام الذى يبث من الخارج بالاشتباك فى “ردة فعل “، وهكذا في حالات كثيرة وكأنه ينفذ الأجندة التي يريدها القائم بالاتصال وحالة أخرى “التسريبات ” والباحث لا يتعرض لموضوع التسريبات من الناحية الفنية أو السياسية ولكن من الناحية المهنية وعلاقتها بالصراع السياسي “فالتسريبات ” عبارة عن تسجيلات تخرج من داخل السلطة ، وهى فى كل صورها ظاهرة غير أخلاقية وغير مهنية ، والكل استفاد منها ، فأقرها عندما كانت فى صالحه ، واستنكرها عندما كانت ضد مصالحه ” (38) وهو الأمر الذى يحتاج إلى قياسه من الجميع بمقاييس المهنية .
وهو أيضاً ما ذهبت إليه العينة،التى رأى18.4% منها أن الإعلام المعارض الذى يخرج من خارج مصر إعلاماً مهنياً، ورأى77.6% أنه غير مهنى، وجاءت إجابات 4% لا أعرف أنظر الشكل (3)
(شكل رقم3) كيف ترى الإعلام المعارض خارج مصر؟
ثالثاً: خريطة الصراع السياسي.
إذا كنا حددنا فى الورقة ملامح الخريطة الإعلامية ومحدداتها وأهم مظاهرها وقراءة ذلك فى ضوء توجهات القائم بالاتصال، ولأن هناك تقاطع كما وصف بالحاد بين الإعلام والصراع السياسي فى المجتمع أملته الظروف الساسية التى أحاطت بتفاصيل المشهد فنبحث فى إيجاز شكل الخريطة السياسية فى الفترة محل الدراسة .
( أ ) إرهاصات ما قبل 25 يناير.
الطريق إلى 25يناير 2015 كان محاطاً بمحددات وعوامل واضحة ، ولكن السلطة السياسية لم تقرأ المشهد جيداً ، كما حدث فى تونس وغيرها من دول الربيع العربي، هذا المصطلح الذى أصبح محل نقاش بين الباحثين والخبراء ، فبين حكم مستبد ، وقبضة أمنية محكمة، وأحزاب كانت توصف دائما بأنها “ورقية “أو “كرتونية” ،وبين تحالف مبكر بين السلطة ورجال الأعمال ، وقوة سياسية متماسكة ممثلة فى جماعة الإخوان المسلمين، وقوى إسلامية متفوقة تمارس السياسة على حذر وتكتلات وتحالفات تظهر وتختفي مع كل استحقاق إنتخابي ، وحركات احتجاج اجتماعى مثل كفاية والسادس من إبريل وغيرها هذه ملامح ما قبل يناير 2015 ، والتى لم يكن الإعلام منها ببعيد ، ولكنه كان يتحرك وفقا للمساحات الآمنة والتى حددها القائم بالاتصال وفقا لأجندته .
( ب) 18 يوم ثورة .
كانت الأيام الثمانية عشر للثورة ، إختباراً لكل القوى السياسية على الأرض ، الحزب الحاكم ،ورجاله،ونجل الرئيس ورجاله ، والأحزاب التى كانت تنتظر قبلة الحياة من حسنى مبارك ، إلى جانب وجماعة الإخوان المسلمين والتيارات الإسلامية ، ولتفرخ هذه الأيام مجموعات شبابية وثورية جديدة .
( ج ) من 12 فبراير 2011 حتى 30 يونيه 2013.
وعقب تنحى حسنى مبارك بدأت الخريطة السياسية الجديدة تتشكل ، وطوال الوقت كان الإعلام يساعد فى تشكيلها كجزء من أدوات اللعبة ، فما “أن سقط نظام مبارك حتى طفت على السطح قائمة من القوى السياسية والجماهيرية شق على الكثيرين حصرها ،لكن سرعان ماشهدت هذه الخريطة ،فرزاً جديداً بفعل عدد من العوامل والتطورات”(39)
وبزغ نجم الحركات الشبابية والثورية التى استوعبها اللاعب الجديد المجلس العسكرى سريعا،وهى الحركات التى ” تظهر بفعل مرحلة ما بعد سقوط الأنظمة السياسية “(40)
3يوليو بداية الصراع العنيف .
وليستمر الصراع ،دينياً علمانياً ثم دينياً سياسياً ، حتى يبلغ ذروته فى 30 يونيه ثم 3 يوليو ومابعدها من أحداث جسام ، ليتم إخراج الفصيل شديد التأثير من المشهد السياسي بعنف ، ويستمر فى مقاومته .
ولم يكن الإعلام غائباً عن هذا الصراع ، وبالرجوع إلى عينة الدراسة سنقرأ كيف رأى الصحفيون ، أداء الإعلام فى هذا الصراع ؟
فبينما رأى 32.5% أن الإعلام قبل 25 يناير كان مهنياً ، رأى 64.4% أنه غير مهني ،وقال 2.8 % لا أعرف ، وفى الأيام الثمانية عشر للثورة ، ترى العينة أن الإعلام كان مهنياً بحدود 13.3% و54.2% رأوه غير مهنى وقال 32.5% أنهم لا يعرفون وهو ما يعكس تردد الإعلاميون أنفسهم فى قراءة أيام الثورة.
وعقب تنحى مبارك وحتى 30 يونيه رأت العينة أن الإعلام فى هذه الفترة كان مهنياً بحدود 10% ورآه 80% بأنه غير مهنى بينما أجاب 9.2 بلا أعرف بينما يرى 92.5% بأنه غير مهني فى الفترة عقب 3 يوليه وما تلاها وأعتبره 6.7% أنه مهنى وأجاب .8% بلا أعرف، وهو ما يشير إلى عدم رضاء الصحفيين عن إعلامهم وفقاً للعينة،أنظر الشكل (4) (5) (6)
رابعاً: مستقبل الإعلام المصرى فى ضوء استمرار الصراع .
لا يمكن إذاً بأى شكل من الأشكال النظر لأزمة الأعلام المصري بعيداً عن الصراع السياسي ، ولابد أن نعترف، أنه ” قد حدث تحول فى العلاقة، بين الإعلام والسياسة، فى السنوات الأخيرة،حيث كان ينظر فى الماضي لوسائل الإعلام خارج العملية السياسية إلا أن التطورات المعاصرة جعلت وسائل الإعلام اليوم لاعباً أساسياً فى المشهد السياسي ” (41)
وعلينا أن نعرف أيضاً أنه لم تتحدد ملامح خريطة الصراع السياسى إلا بحضور الإعلام فى كل مراحله وتأثيره المباشر كأداة من أدوات هذا الصراع ” لينتقل الصراع والاستقطاب السياسي من المجتمع إلى وسائل الإعلام العامة والخاصة والتى تحولت إلى أداة لممارسة الصراع السياسي وفشل غالبية الإعلاميين فى الحفاظ على مساحة واضحة من الاستقلال المهني والسياسي أثناء القيام بأعمالهم ” (42)
و”مع تعمق حالة الاستقطاب ،تحول الإعلام بشقيه الحكومي والخاص لأداة من أدوات الصراع السياسي والمجتمعي والتى عاشتها وتعيشها البلاد وبرز ذلك جلياً فى كل الاستحقاقات السياسية التى شهدتها مصر منذ إستفتاء 19 مارس وحتى الآن ” (43)
و”أصبح كل طرف يوجه الموبقات للطرف الآخر ، لينتقل التراشق والصراع من الأحزاب إلى الاعلام ، إنتقل الصراع اليوم من الشارع إلى الإعلام، ليؤجج الصراع السياسي الاعلام من ناحية، ويؤجج الإعلام نفسه الصراع بعد أن تحول ليكون جزء من اللعبة ومن الصراع السياسى ” (44) وإذا كنا نتحدث عن مستقبل الإعلام فى ظل هذا الصراع فلابد أن ننبه إلى :
1- خطر استمرار الهيمنة السياسية .
إن استمرار الهيمنة السياسية ، بكل صورها فى الحضور وفرض السيطرة على الإعلام المصري بكل صوره،الحكومي والخاص والمعارض أنما يمثل خطراً كبيراً على مستقبل الإعلام ليس حاضره فقط وهو ما يعود بالسلب على المجتمع ويفقد الإعلام أهم وظائفه وهى “الإعلام” والإخبار.
2- انهيار الكيانات الإعلامية الصغيرة.
فى إطار الصراع المستمر ، والمتصاعد ، والإصرار على أن يكون الإعلام جزء منه ،وضخ قدر هائل من رأس المال “المجهول” فيه والسعى إلى السيطرة عليه من خلال خروج كيانات جديدة ، أو تحالفات كبيرة ، سيؤدى حتماً إلى انهيار كيانات صغيرة من صحف وفضائيات ، وهو مايعنى مزيد من المعاناة للصحفيين الذين ينتمون لهذه المؤسسات، ويعنى تجريف لكوادر إعلامية واعدة لم تتمكن من الانخراط فى اللعبة السياسية أو الميل لأي من أطرافها .
3- نقابة الصحفيين تحت الحصار.
على الرغم من أن الصحفيين قد احتفلوا بمرور خمسة وسبعين عاماً على تدشين نقابتهم ، إلا أنها وعلى الرغم من المحطات الكثيرة التى خاضتها عبر تاريخها وصلت وكحال الإعلام كله إلا مرحلة حاسمة ، فقد وضعتها هذه المرحلة من مراحلة الصراع تحت حصار غير مسبوق فلم تعد قادرة على تحقيق أياً من أهدافها الرئيسية ” فى إطار وظيفتها الخدمية التى تقدمها لأعضائها ، الذين يعانون من تدنى الرواتب ، والبطالة التى وصلت لحد غير مسبوق ، والاعتداء المستمر على أعضائها وعدم القدرة على حمايتهم ، ولأدورها الرسالى من التنوير والحفاظ على المهنية وأخلاقيات العمل الصحفى ” وإن كان مجلسها الجديد يحاول مد جسور تمكنه من تخفبف حدة هذه القبضة وفقاً لصحفيين
وهو مايعنى أن نقابة الصحفيين مازالت تواجه مرحلة حاسمة فى تاريخها وأى ضرر يصيبها سينتقل بالتبعية إلى أعضائها .
4-تصنيف الإعلام وفقاً للهوية السياسية.
فكما طال التقسيم ، كل جنبات المجتمع ، فى ظل هذا الصراع ، أصاب الإعلاميين أيضاً ، فتم تقسيم الإعلام والعاملين به تقسيمات سياسية بغيضة وهو ما ينسف القواعد الأساسية التى قام عليها الإعلام فى الأساس ، بالإضافة لتأثيرها المباشر على الجمهور .
وإذا عدنا إلى العينة وهى كانت للصحفيين أنفسهم .نجد أن 68.8% يرون أن الصراع السياسي كان سبباً رئيساً فى عدم مهنية الإعلام الحكومي، و24.8 يرون أنه كان سبباً من بين أسباب أخرى، وترى أنه بالنسبة للإعلام الخاص فالصراع السياسي كان سبباً رئيساً فى عدم مهنيته،بينما يرى 22.4 أنه كان سبباً من بين أسباب أخرى وأجاب 2.4% بلا أعرف، وفى الإعلام المعارض رأى 83.7% أنه كان سبباً رئيساً، بينما، رأى 11.4% أنه كان سبباً وأجاب 4.9 % بلا أعرف
وفى المقابل حول برامج التوك شو والتى قامت بدور كبير يفرد الباحث لها ورقة أخرى مستقلة فى تفاصيل المشهد ،حول دورها فى تأجيج أو إطفاء جزوة الصراع السياسي..
ذهبت 57.3 % من العينة إلى أن هذه البرامج أججت الصراع، ورأى 6.1 % أنهاقللت الصراع، بينما أجاب 26.6 بلا أعرف.
وبالنسبة للإعلام الخاص قال 70.4% أنها أججت الصراع،و12% رأى أنها قللت الصراع، وأجاب 13.6 بلا أعرف .
أما الإعلام المعارض ذهب 63.2% من العينةإلى أن برامج التوك شو التى تذاع من خلاله قد أججت الصراع، ورأى 14.4% أنها قللته، وأجاب 22.4 لا أعرف .أنظر الأشكال (7) (8) (9) (10) (11) (12) (13)
وهو ما يعنى أن الصراع السياسي كان حاضراً فى المشهد الاعلامىي من وجهة نظر الصحفيين العاملين فى هذا القطاع .
خاتمة
” قبل فوات الأوان “
ونصل فى النهاية إلى أن الصراع السياسي،بكل صوره، الذى تقاطع بشكل مباشر وحاد مع الإعلام المصري بكل أنواعه ووسائله، مما أدى إلى إفراز إعلام موجه غير منصف وغير موضوعي وغير دقيق ويخلط بين الرأى والخبر، ويحض على العنف ، والكراهية و الانقسام ،وهى سمات عدم المهنية فى الإعلام،وأن كقير من الصحفيين أنفسهم يرون أن الإعلام بكل أنواعه ،إعلام غير مهني ،وأن الصراع الساسىي كان سببا رئيساً في ما وصل إليه حال الإعلام ، وهو ما نتج عنه بالتبعية ،أن يساهم هذا الإعلام بنسب كبيرة كما رأينا وخاصة برامج التوك شو ذات الجماهيرية فى تأجيج الصراع السياسي فى المجتمع المصري
ينبغى أن تتراجع التيارات المتصارعة عن الزج بالاعلام فى أتون هذا الصراع
على الجماعة الصحفية ، والإعلاميين بعد استكمال تشكيل نقابتهم-نقابة الإعلاميين-أن يفعِّلوا مواثيق الشرف الصحفىي والاعلامي بين أعضائهم
السعى لايجاد بيئة تشريعية تساهم فى إبعاد الإعلام عن الصراع السياسي
أن تفعّل النقابات المهنية المعنية بالصحافة والاعلام وهيئات تنظيم الصحافة الجديدة مناهج ” التدريب ” لأعضائها لتحصينهم وحمايتهم مهنياً من سلبيات ونتائج هذا الصراع، تدريب على القواعد المهنية الثابتة والراسخة والأصيلة
،كما يجب فصل الإدارة عن التحرير فى جميع المؤسسات الإعلامية المصرية
إعلان مصادر التمويل بكل شفافية، فى جميع المؤسسات الحكومية والخاصة والمعارضة
أن تسعى كل المؤسسات الفاعلة والمعنية فى المجتمع لتوفير بيئة إنسانية لائقة، للصحفيين والاعلاميين، الذى تصل مرتبات بعضهم إلى أقل من 550 جنيها ( 30) دولاراً شهرياً فى صحف خاصة و حزبية
والمئات من الصحفيين خاصة صحف المعارضة عاطلين عن العمل كنتيجة طبيعية لهذا الصراعوهو مايستوجب من المؤسسات المعتية بالصحافة والإ‘لام البحث عن حلول جادة لإنقاذهم من هذا الواقع كإنشاء مؤسسة صحفية جديدة برعاية إقتصادية من هيئة تنظيم الصحافة ونقابة الصحفيين وفق خطة واضحة وآليات محددة .
يجب أن ينتبه العاملون فى مجال الإعلام إلى مهمة القائم بالاتصال واذا كان يمكن تصور تحديد أولويات أجندته كما تبين بالنسبة للإعلام الحكومي المرئي والمطبوع، فليس من المنطقى أن يمتد ذلك للاعلام الخاص، وأحياناً للاعلام المعارض
على المطالة والإصرار على تفعيل مواد الدستور “ابو القوانين” الخاصة بحرية الإعلام، و استقلاله
على مؤسسات الدولة أن تنأى بعملية الصراع بعيداً عن الإعلام وأن تسعى لتقوية المؤسسات ذات الصلة به لا إضعافها لأنها فى النهاية جزء من الدولة المصرية، لأن استمرار هذا الصراع وتمدده أكثريمثل إهداراً لكل فرص الارتقاء بالإعلام وتقدمه،وبالتالي يبقى الجمهور هو الخاسر الأكبر فى كل الأحوال
*صحفي مصري
1هى النقابة المعنية بشؤون الصحففين فى مصر ، أنشأت فى 31 مارس 1941 بموجب القانون رقم 10 لسنة 1941 وعقد) ت أول جمعية عمومية لها فى 5 ديسمبر 1941 بمقر محكمة مصر بمنطقة باب الخلق بالقاهرة وحضرها 110 عضو من إجمالى 120 صحفى .
(2) بوابة فيتو الالكترونية ،12 فبراير 2017 ، تاريخ الدخول :13 فبراير “شباط” 2017
http://www.vetogate.com/2582809
(3) أنظر.. خليفه عبدالرحمن “أيدلوجية الصراع السياسى “دراسة فى نظرية القوة” دار المعرفة،الإسكندرية، ط1، 1999
حسونة،نسرين ، “نظريات الإعلام والإتصال” ط1 2015(4)
(5) عبدالحميد،محمد، ” نظريات اإلعالم واتجاهات التأثير” ، ط القاهرة: عالم الكتب، 2004 ،ص 403.
(6) بدأت الإذاعة المصرية بثها فى 31مايو 1946
(7) “انظر” موقع الشبكة العربية للأخبار “التلفزيون المصرى ..خمسون عاماً من الانجازات ” تاريخ الدخول 6 يناير 2016
https://goo.gl/uaCkqC
(8) أنظر “الطيب،إيمان” موقع مصرس بتاريخ 14يناير 2013 تاريخ الدخول 13 يناير 2017
https://goo.gl/BEBTDU
(9) (أنظر)عبدالله،رشا”الإعلام المصرى فى خضم الثورة” موقع مركز كارينجى للشرق الأوسط”16يوليو 2014 ،تاريخ الدخول 25ديسمبر 2016
(10) (شاهد) موقع اليوتيوب”علاء مباركمع البيت بيتك:لن نقبل إعتذار الجزائر 20نوفمبر 2009 ، تاريخ الدخول 10يناير2017
https://goo.gl/76d3qv
(11) (شاهد)موقع اليوتيوب،”لقاء الفنان محمد فؤاد وهيثم شاكر بعد عودتهم من السودان ” 16نوفمبر 2009 تاريخ الدخول 20 يناير 2017
https://goo.gl/NPkjgy
(12) الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء،مصر،الكتاب الاحصائى السنوى 2015
(13) المصدر/المرجع ذاته
(14) جهاز الاحصاء : 29.7% نسبة الأمية بمصر (…) 7 سيتمبر 2016 تاريخ الدخول 15ديسمبر 2016
(15) الجهاز ،الإحصاء،مصدر/ مرجع سابق
(16) “شاهد” موقع اليوتيوب”التلفزيون الحكومى يقر 30 يونيه ثورة شعبية “30 يونيه2013 تاريخ الدخول 2 يناير 2017
https://goo.gl/gVhcQq
(17) الجريدة الرسمية،مصر،السنة59،عدد13،13 مارس 2016، ط .المطابع الأميرية 2016
(18) سعدي،عبير””باحثة فى جامعة دورتموند الألمانية،ووكيل سابق لنقابة الصحفيين المصرية ونائب رئيس الاتحاد الدولي للصحفيات”مقابلة هاتفية” تمت فى 11يناير 2017 الساعة 11.45م
(19) صحيفة الأهرام تأسست فى 27 ديسمبر 1875 م وصدر العدد الأول في 5 أغسطس 1876، وأسسها اللبنانيان ،سليم وبشارة تقلا
(20) تأسست عام 1892 على يد جورجى زيدان ،وصدر العدد الأول من مجلة الهلال فى نفس العام،وصدرت مجلة المصور فى 24 أكتوبر1924
(21) أسسها مصطفى وعلى أمين 1944
(22) أسستها حكومة ثورة يوليو 1954 وأشرف عليها محمد أنور السادات أحد الضباط الأحرار
(23) الجريدة الرسمية،مصر،العدد 118 ،24 مايو 1960
(24) موقع المصرى اليوم،”مانشيتات الصحف المصرية”64 مانشيت صحفى فى 18 يوم” 25يناير2015 الدخول 3 يناير 2017
(25) سعدى،عبير”مصدر سابق
(26) أجرى الباحث 11 مقابلة مع عامليين فى الإعلام ، المرئى والمقروء ، من خارج عينة البحث ، منهم ثلاث مقابلات هاتفية مقننة ، فى الفترة من 5يناير2016حتى 10 فبراير 2017
(27) عامر،عصام،رئيس تحرير صحيفة الديار المصرية الخاصة،مقابلة هاتفية تمت يوم 11ديسمبر 2016 الساعة 11.45 م
(28) سعدى،عبير مصدر سابق
(29) الراجحي،محمد”الصورة الذهنية لجماعة الإخوان فى الصحافة الالكترونية المصرية” مركز الجزيرة للدراسات،10 يونيه 2014
(30) شومان،محمد “الإخوان من المحظورة إلى الارهابية مرورا بالرئاسة”
الموقع الالكترونى لصحيفة الحياة “1يناير 2014، تاريخ الدخول 3يناير 2017
(31) عسيلة،صبحى،”معركة القوانين المكملة”الإعلام المصري بين مطرقة الحكومة وتقاعص الإعلاميين “،مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية “الملف المصرى”السنةالأولى ،العدد4 1ديسمبر 2014
(32) نوفل،باسل،”تحالفات جديدة تغير خريطة الاعلام المصرى”،السفير،لبنان،9نوفمبر 2016،صفحة14 ،الأخيرة
(33) نوفل،باسل، مرجع سابق
(34) عامر،عصام/ مصدر سابق
(35) اضطلع الباحث على نموذج لواحدة من هذه القنوات ،ينص فيما يمص على إحترام القواعد المهنية الأصيلة
(36) سعدى،عبير ،مصدر سابق
(37) حساب قناة المحور على اليوتيوب 10 نوفمبر2016،تاريخ الخول 25 ديسمبر 2016
https://goo.gl/wKd9Cy
(38) عبدالله،محمد، صحفي ومدرب إعلامي ، مقابلة عبر الهاتف ،22 يناير 2016
(39) فرحات،محمد فايز”تحولات الخريطة السياسية فى مصر بعد ثورة يناير 26يناير 2017
(40) فرحات،محمد فايز،المصدر ذاته
(41) أبوعامود،محمد”التحول فى العلاقة بين الإعلام والسياسة “،مجلة شئون عربية، العدد 112 ، ص92
(42) شومان ،محمد ،مصدر سابق
(43) عوض،شحاته” الاعلام المصرى بعد 30 يونيو..أزمة بنيوية أم مرحلة عابرة “مركز الجزيرة للدراسات 20 فبراير 2014
(44) سعدى ،عبير مصدر سابق
إنتهى