وباء كورونا مرآة صادقة لطبيعة النظم السياسية الحاكمة وعلاقاتها بشعوبها ومدى قدرتها على إدارة الأزمات
إيران نموذجا
مدخل
بعد أن اجتاح وباء كورونا كل دول العالم تقريبا، جاء تعامل دول العالßم بطرق مختلفة مع الوباء معبرا بصدق عن طبيعة الأنظمة السياسية الحاكمة، وعلاقاتها بشعوبها، ومدى قدرتها على إدارة الأزمات.
بالرغم من امتلاك إيران أحد أفضل أنظمة الرعاية الصحية في الشرق الأوسط، إلا أن القيادة الدينية والسياسية أساءت إدارة الأزمة، وحاولت التهوين من وطأتها في البداية وامتنعت عن إجراء الحجر الصحي على مدينة قم مركز انتشار الوباء في إيران (وربما الشرق الأوسط كله).
المنظومة الصحية في إيران غير مركزية يتبعها آلاف المراكز الصحية التي تقدم الخدمات الصحية الأولية والمتوسطة والمتقدمة، مع نظام إحالة كفء.
في الأسبوع الأخير (من ٦-١٣ مارس) ارتفعت أعداد المصابين من ٣٥١٣ إلى ١١٣٦٤ والوفيات من ١٠٧ إلى ٥١٤، أي تضاعفت حوالي خمس مرات!
ما زال الخطاب السياسي ضعيفا وكأنه رهينة للمؤسسة الدينية، فقد ألقى منذ يومين الرئيس حسن روحاني خطابا للشعب قدم إليهم نصائح كثيرة، في الوقت الذي كانوا ينتظرون منه تقديم إجراءات قوية.
وبينما قامت جارتها تركيا بإيقاف رحلات الطيران من وإلى الصين يوم ٣١ يناير، استمرت إيران في استقبال مئات من الطلبة الصينيين المسلمين (الشيعة) في مدينة قم. إيران لم تشأ أن تؤثر على شريكها التجاري والسياسي المهم، فاستمرت في الرحلات التجارية كالمعتاد حتى ٢٧ فبراير، وقامت بإهداء مليون كمامة للصين!، بينما منعت تصدير كمامات أو مواد مطهرة لخارج البلاد.
أول إعلان صدر من طهران كان عن إصابتين بكورونا يوم ١٩ فبراير، كليهما في قم. بعدها بخمسة أيام أعلنت السلطات عن ارتفاع عدد المصابين إلى ٦٤ وأعلنت عن ١٢ وفاة (= نسبة وفيات ٢٠٪)، إلا أن عضو البرلمان عن مدينة قم أحمد أمير أبادي فارهاني نفى صحة البيانات الرسمية وقال إن عدد الوفيات يوم ٢٤ فبراير في قم وحدها كان ٥٠، لكن وكيل وزارة الصحة إراج حريرجي تحدى النائب وقال إنه سيستقيل إذا كان عدد الوفيات ربع ما يزعمه النائب. في اليوم التالي أصيب حريرجي نفسه بالفيروس وتم وضعه في الحجر الصحي، وفي الأيام القليلة التالية أصيب ٢٣ نائبا بالبرلمان وعدد من كبار المسئولين منهم نائب رئيس الجمهورية. العدد الكبير من المسئولين من النخبة الحاكمة ربما يشكك في الأعداد الرسمية المعلنة، أو يكون بسبب محاباتهم في الفحص والحجر الصحي.
الخط الزمني
نستعرض الخط الزمني للإصابات والوفيات في إيران، ومنها تتضح معالم تعامل النظام الحاكم مع الأزمة، وكذلك يمكننا استشراف المستقبل القريب للحالة الإيرانية بشكل علمي[1].
١٩ فبراير | إيران تعلن عن حالتي وفاة في قم |
٢٠ | عدد الإصابات ٥ |
٢١ | إجمالي الإصابات ١٨ والوفيات ٤ – كندا تعلن عن إصابة جديدة لشخص قادم من إيران |
٢٢ | الإصابات ٢٨ والوفيات ٥ |
٢٣ | الإصابات ٤٣ والوفيات ٨ |
٢٤ | الإصابات ٦١ والوفيات ١٢، والعراق يعلن عن أول إصابة على أراضيه لطالب إيراني والكويت يعلن عن أول ٥ إصابات وكلها لعائدين من مشهد بإيران. وعمان وأفغانستان والبحرين تعلن عن أول إصابات بها، وكلها لقادمين من إيران. |
٢٥ | الإصابات ٩٥ والوفيات ١٦ والإعلان عن إصابة ٣ برلمانيين ومعظم الإصابات الجديدة في الكويت والعراق والبحرين وعمان لعائدين من إيران |
٢٦ | الإصابات ١٣٩ والوفيات ٢٠ والصين تعلن عن أول إصابة قادمة من خارج البلاد – من إيران |
٢٧ | الإصابات ٢٤٥ والوفيات ٢٦ وإصابة رئيس لجنة الأمن القومي مجتبى ذو النور، ومزيد من الإصابات لعائدين من إيران في لبنان وإستونيا والنرويج وعمان والكويت والعراق وكندا وإيران تلغي شعائر الجمعة في بعض مدنها وتوقف الرحلات من وإلى الصين |
٢٨ | الإصابات ٣٨٨ والوفيات ٣٢ وإصابات في عدة دول لعائدين من إيران شملت أذربيجان وروسيا البيضاء وبريطانيا ونيوزيلنده وتقرير للبي بي سي يقول إن عدد الوفيات بإيران تخطى المائتين وإيران تنفي وتندد |
٢٩ | الإصابات ٥٩٣ والوفيات ٤٣ أحدهم عضو البرلمان محمد علي رمضاني
وإصابات في قطر وباكستان لعائدين من إيران |
١ مارس | الإصابات ٩٧٨ والوفيات ٥٤ وعدد الإصابات لنواب البرلمان يقفز إلى ٢٣ (٨٪ من النواب) |
٢ | الإصابات ١٥٠١ والوفيات ٦٦ وأول حالة في أرمينيا والسعودية، كليهما لعائدين من إيران |
٣ | الإصابات ٢٣٣٦ والوفيات ٧٧ |
٤ | الإصابات ٢٩٢٢ والوفيات ٩٢ |
٥ | الإصابات ٣٥١٣ والوفيات ١٠٧ |
٦ | الإصابات ٤٧٤٧ والوفيات ١٢٤ |
٧ | الإصابات ٥٨٢٣ والوفيات ١٤٥ |
٨ | الإصابات ٦٥٦٦ والوفيات ١٩٤ |
٩ | الإصابات ٧١٦١ والوفيات ٢٣٧ |
١٠ | الإصابات ٨٠٤٢ والوفيات ٢٩١ |
١١ | الإصابات ٩٠٠٠ والوفيات ٣٥٤، وأصيب النائب الأول لرئيس الجمهورية إسحاق جاهنجيري |
١٢ | الإصابات ١٠٠٧٥ والوفيات ٤٢٩ |
١٣ | الإصابات ١١٣٦٤ والوفيات ٥١٤ |
١٤ | الإصابات ١٢٧٢٩ والوفيات ٦١١ |
قراءة واستنتاجات
- كشف وباء كورونا حالة من الفوضى والارتباك الشديد في قيادة البلاد، التي لجأت أحيانا إلى الخطاب الدعائي الغوغائي كما صرح المرشد الأعلى علي خامنئي في فبراير بعد الانتخابات البرلمانية أن “أعداء إيران يبالغون في أخطار كورونا من أجل ترهيب الشعب من المشاركة في التصويت في الانتخابات البرلمانية!
- غياب الأصوات الشعبية، أو المجتمع المدني في لعب دور بارز في هذه المحنة، أضاف أيضا إلى حالة الإدارة البائسة.
- الأرقام اللافتة لعدد الإصابات من نواب البرلمان ربما تكشف الوضع الحقيقي للوباء في إيران. فقد أصيب حتى تاريخه ٢٣ نائبا في البرلمان (من إجمالي ٢٧٢ أعضاء البرلمان) أي ٨٪ من النواب، بالإضافة إلى وفاة اثنين منهم (فاطمة رهبار ومحمد علي رمضاني) كما أصيب بالفيروس عشرة على الأقل من كبار المسئولين الإيرانيين.
- هناك عدة تفسيرات لهذه الأرقام، ولعل أوجهها أنه تم تقديم كبار المسئولين على غيرهم في إجراء فحوصات كورونا، مع محدودية إمكانيات الفحص. ومع ذلك فالأرقام مفزعة، لأنها تعني إذا افترضنا أنه تم فحص ألف مسئول في الدولة، وظهرت إصابات لأكثر من ٣٥ منهم، ما يعني نسبة إصابة مرتفعة جدا (٣,٥٪)، وتعني أنها تمثل حجم إصابات في البلاد قد يصل إلى أكثر من ٣ مليون مواطن (من إجمالي ٨٣ مليون تعداد السكان). وقد يكون الرقم أسوأ من ذلك إذا تصورنا أن الرعاية الصحية للنخبة الحاكمة لابد وأن تكون أفضل من متوسط الرعاية لسائر السكان.
- أعلنت السلطات الرسمية بعد وفاة النائبة فاطمة رهبار، أن زوجها وابنها وابنتها وزوج ابنتها، قد أصيبوا أيضا بفيروس كورونا، ما يعطي إشارة إلى نسبة تفشي عالية.
- مع تفاقم الوضع الصحي بالبلاد، لابد أن الإيرانيين قد تعلموا درسا قاسيا بضرورة عدم تسييس الأنظمة الصحية.
- اشتكى الرئيس روحاني ووزير الخارجية جواد ظريف من وطأة العقوبات الاقتصادية الأمريكية، وأنها تعوق مقاومة البلاد لتفشي الوباء، وقدمت إيران شكاوى رسمية للأمم المتحدة لاتخاذ إجراءات توقف العقوبات الأمريكية. وربما تكون هذه المرة الأولى التي تشتكي فيه إيران الرسمية بهذا الشكل من العقوبات الأمريكية، فمن الواضح أن لها بالفعل تأثيرات بالغة على قدرة البلاد لتوفير موارد كافية لمحاصرة الوباء.
- بعض المنظمات الدولية ما زالت قادرة على الأداء المهني لها بعيدا عن التجاذبات السياسية، وهو توجه ينبغي ترسيخه وتشجيعه (برغم محدوديته)، فقد وصلت بعثة منظمة الصحة العالمية إلى طهران يوم ٢ مارس مع شحنة تحتوي على إمدادات طبية ومعدات واقية لدعم أكثر من ١٥ ألف من العاملين في مجال الرعاية الصحية وما يكفي من مستلزمات المختبرات لفحص وتشخيص ما يقرب من ١٠٠ ألف شخص. وهذا دعم قيم لإيران في وقت عصيب لها[2].
- يبدو أن الوباء انتقل من إيران إلى أكثر من عشر دول (كما يظهر في الخط الزمني عاليه) ما يشير إلى سرعة واتساع قدرة الفيروس على الانتشار من بؤرة واحدة.
- ظهرت تقارير يوم ١١ مارس بوجود مقابر جماعية جديدة تم إنشاؤها في مدينة قم، وأظهرت صور للأقمار الصناعية مدى اتساع تلك المقابر وامتدادها[3]. إذا صحت التقارير فإنها تؤكد حالة الارتباك والارتجالية التي يتسم بها الأداء الحكومي.
- نعتقد أن إيران ستحتاج إلى إجراءات أكثر جرأة وصرامة للحجر الصحي ومنع كل التجمعات بكافة أشكالها. الأمر سيحتاج لتدخل الجيش في فرض مثل تلك الإجراءات، لكن في غياب الشفافية، وعدم الثقة الشعبية الكافية في قوات الأمن والجيش، فقد تكون مثل تلك الإجراءات أقل فاعلية مما ينبغي.
لتحميل البحث : حمل
[1] https://www.worldometers.info/coronavirus/
[2] https://www.who.int/emergencies/diseases/novel-coronavirus-2019/events-as-they-happen
[3] https://www.theguardian.com/world/2020/mar/12/coronavirus-iran-mass-graves-qom