سياسيةندوات

ندوة الأزمة اليمنية: المخارج والحلول

في سياق ندواته الشهرية ذات الأبعاد المختلفة والمتنوعة عقد مركز رؤيا للبحوث والدراسات ندوة سياسية تحت عنوان: (الأزمة اليمنية: المخارج والحلول)، يومَ الخميس الحادي والعشرين من شهر ديسمبر عام 2017م بمقر المركز، وشارك فيها عدد من الأساتذة والباحثين المتخصصين بالشأن اليمني، وهم: الدكتور هود محمد أبو راس، والدكتور عبدالباقي شمسان، والأستاذ ياسين التميمي، والدكتور عبدالله القبيسي، والأستاذ ياسر الشيخ،  وانضم إليهم بأخرة الأستاذ الدكتور سيف الدين عبدالفتاح في مداخلة ختامية جامعة، بالإضافة إلى مشاركة باحثي المركز وبعض الضيوف، وقد أدار الندوة الأستاذ الدكتور محمد هشام راغب رئيس الوحدة السياسية بمركز رؤيا للبحوث والدراسات، وتضمن برنامج الندوة عرض ورقة للباحث الدكتور هود محمد أبو راس بعنوان: (مسارات الحرب في اليمن بين الحوثي والتحالف)، ثم مداخلات رئيسة للمشاركين، وتركزت الندوة حول توصيف المشهد اليمني وقراءة مسارات أزمته المستحكمة منذ ثورته الربيعية عام 2011، والثورة المضادة عام 2014 حتى اللحظة الراهنة، ثم دور التحالف العربي وحملته العسكرية وإدارته للأزمة وجدواها، وأخيراً الوقوف على أهم الحلول والمخارج التي يمكن من خلالها رفد صناع القرار بما يساعد في إنهاء الأزمة وتحقيق الاستقرار.

وفيما يأتي أبرز مضامين الندوة ومخرجاتها:

أولاً: ورقة الدكتور هود محمد أبو راس حول مسارات الحرب بين الحوثي والتحالف، ركز فيها الباحث على ثلاثة محاور: الأول: مسار الأحداث في الأزمة اليمنية منذ ثورة الربيع العربي والثورة المضادة، وكيفية صعود الحوثي والعوامل المساعدة في تقويته وخاصة علاقته بصالح وإيران، بالإضافة إلى مظاهر هيمنته على المشهد. والثاني: التحالف وسياساته ومساراته الملتبسة ودوره في تعقيد المشهد. والثالث: السيناريوهات والحلول والمقترحات، في قراءته للسيناريوهات المحتملة طرح أبو راس عدة احتمالات، وهي: (1)تحول الحرب في اليمن من حرب عقدية بين السعودية والحوثي إلى حرب سياسية على الحدود الجنوبية في جيزان ونجران وعسير، وبهذا تستكمل إيران مشروعها في السيطرة على شمال اليمن وتحويلها إلى ولاية فارسية. (2): خروج الإمارات من التحالف وانفراد السعودية بالصراع مع الحوثيين. (3)محاولة الإمارات إقناع السعودية والأطراف الفاعلة في اليمن والإخوان المسلمين بجعل أحمد علي صالح نائباً توافقياً للرئيس اليمني، أو رئيساً للحكومة. (4)قيام الإمارات بدعم الإخوان؛ لأجل التضحية بهم في المعركة وتحقيق أهدافها المرسومة في اليمن. (5)استكمال الحزام الأمني على بقية المناطق الشمالية واستدعاء العالم لضرب الجماعات الإرهابية. (6)الدعوة إلى فرض الوصاية على اليمن بكامله أو على جزء منه لكونها دولة فاشلة تهدد الأمن الإقليمي والدولي. وأما في سياق الحلول والمقترحات، فقد ركز الباحث على أهمية الدستور كحل للأزمة؛ باعتباره المرجعية المتفق عليها بين أطراف النزاع، ونقل السلطة إلى مجلس النواب، وضرورة إيقاف الحملة العسكرية للتحالف، والدعوة إلى حوار جامع لكل الأطراف، والتقدم بمبادرة خليجية أو دولية بنقل سلطات الرئيس إلى نائبه أو مجلس رئاسي يتفق عليه جميع الأطراف، وأهم وسيلة في رأيه هي المصالحة الداخلية بين مكونات المجتمع اليمني بما فيهم جماعة الحوثي.

ثانياً: مداخلة الدكتور عبدالباقي شمسان كان فيها رسم لخط تاريخي للحركة الحوثية في اليمن ابتدأ من سيتينات القرن الماضي حتى اللحظة الراهنة، ويعتقد شمسان أن الحركة الحوثية كانت هي التيار السياسي الوحيد في الساحة السياسية اليمنية الذي يدير معركته بشكل استراتيجي وبتخطيط محكم، هدفهم الأساس برأيه إعادة الدولة الإمامية، ولكن تحته لافتات لأهداف مرحلية متدرجة، مؤكداً في هذا السياق إلى ضعف وهشاشة البنية المجتمعية اليمنية التي تنذر بالتفكك، ونبه شمسان إلى دور دول الخليج وتحالفهم في تعقيد المشهد اليمني بسبب سوء إدارتهم وتخبطها في سياساتها الإقليمية.

وفي سياق المخارج والحلول يطرح الدكتور شمسان جملة من المقترحات العملية، أهمها ضرورة عودة الشرعية لإدارة المشهد من الداخل، الدعوة إلى فاعلية الأحزاب السياسية بعد فك ارتباطها بالشرعية المعوقة لها، ودعم القيادات الشابة في تشكيل أحزاب سياسية تبتعد عن الأحزاب التقليدية ولكنها مدعومة منها، تحريك الوسائل الناعمة ومنظمات المجتمع المدني ليكون لها دور على الصعيد الداخلي، ثم اتخاذ قرار من قبل التحالف العربي الممسك بالحزام الأمني بضرورة حسم المعركة ضد الحوثيين مستشرفاً في الوقت نسفه بتمدد الأذرع الإيرانية في المنطقة وخاصة في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية ما لم تواجه بقوة من قبل دول التحالف.

ثالثاً: مداخلة الأستاذ ياسين التميمي جاءت فيها قراءة تفصيلية لخارطة الصراع في المشهد اليمني، ورأى أن هناك ثلاثة أطراف فيه، الطرف الأول هو الشرعية والأحزاب من حولها، وهو الطرف الذي آمن بضرورة المحافظة على الدولة بصيغتها الدستورية الحالية، وبالصيغة التي أقرها مؤتمر الحوار الوطني، وفي مقدمة هذه الأحزاب التجمع اليمني للإصلاح الذي رضي بقواعد اللعبة السياسية، ولكن في رأيه أن هناك من استمر في شيطنة التجمع اليمني؛ بحكم انتمائه لحركة الإخوان، وفي الطرف الآخر علي عبدالله صالح بحزبه ومؤسسات الدولة العميقة، ويرى التميمي أن هذا الرجل بقي مؤثراً في المشهد السياسي، واستطاع أن يحرف بوصلة المسار السياسي السلمي في البلاد إلى المسار العنفي، ولأجل تحقيق الأهداف المتعددة في هذا المشهد مع وجود إرادات خارجية لاعبة في سياقه التقت مع طرف ثالث هو جماعة الحوثي التي وظفت لضرب الحركة الإسلامية السنية، وانتصاراتها السريعة -على الرغم من قوتها في ذاتها- لم تأت من جهة فاعليتها وإنما من جهة استثمار مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية التي وضعت بيدها، وفي تقييمه للدور الإقليمي يرى السعودية لعبت دوراً كبيراً في إضعاف بنية النظام السياسي اليمني وأدواته الضابطة، وخاصة المؤسسة العسكرية التي أضعفتها بشكل كبير من خلال دعمهم لعلي عبدالله صالح الذي ساهم في تغيير هذه المؤسسة من جيش وطني إلى جيش مناطقي، سيكون عاملاً رئيساً فيما بعد لتمكين الحركة الحوثية في امتدادها العسكري وصولاً إلى صنعاء.

وفي سياق الحلول والمخارج التي يقترحها في الأزمة اليمنية، يرى التميمي أن هناك عدة مخارج ذات أبعاد مختلفة: فعلى الصعيد العسكري يتبنى التحالف العربي حملة عسكرية شاملة تقوم بها السلطة الشرعية وجيشها الوطني والمقاومة الوطنية، وعلى الصعيد السياسي، تسليم التحالف دفة العملية السياسية للسلطة الشرعية بصورة حقيقية، تشكيل حكومة وطنية جامعة لمكونات المجتمع اليمني كاملة تضم القوى الفاعلة على الأرض؛ لإدارة استحقاقات المرحلة الراهنة، وجمع مجلس النواب الذي يعد الداعم الحقيقي للسلطة الشرعية.

رابعاً: مداخلة الدكتور عبدالله القبيسي أكد فيها على أن الصراع الدائر في المشهد اليمني يعد أحد انعكاسات المؤامرة العالمية على الإسلام والمسلمين، وخاصة الحركة الإسلامية، وقد استعرض في أثنائها المراحل التاريخية التي شهدها العالم الإسلامي فيما يسمى ادعاءً بالحرب على الإرهاب، وفي رؤيته للأزمة اليمنية والمخارج الممكنة فيها، يرى القبيسي أن الثقة مفقودة بدول الخليج، والبنية السياسية اليمنية عاجزة عن استيعاب متطلبات المرحلة الراهنة بسبب ترهلها، والحل عنده أن يأتي مكون من أبناء اليمن الأحرار الذين يتجاوزون كل المرجعيات الزائفة، سواء في هذا المرجعيات الثلاث (المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني، والقرار الدولي 2216)، أو الرئيس عبدربه منصور هادي الذي ليس له من الأمر شيء، ومن خلال هذا المكون الحر الذي يعد أنموذجاً صالحاً للتعميم يمكن الامتداد أفقياً على الأرض اليمنية.

خامساً: ويرى الأستاذ ياسر الشيخ في مداخلته أن الصراع المسلح بين الحوثي والسلطة الشرعية شهد تفوقاً للأول؛ بسبب الدعم المادي المنضبط لمسلحي جماعة الحوثي في جبهات القتال بخلاف جيش الشرعية، وانتقد الشيخ البنية السياسية للقوى اليمنية، ويرى أنها قوى متلاشية ليست لها قيمة حقيقية في الواقع سواء أكانت هذه القوى إسلامية أو غير إسلامية في إشارة واضحة منه إلى فقدان الثقة بهذه البنية، وفي قراءته للدور الإقليمي يرى أن التحالف العربي بقيادة السعودية حريص على الاحتفاظ بهادي رئيساً للشرعية اليمنية؛ بسبب ما ينطوي عليه من غياب الفاعلية الذاتية فضلاً عن عجزه في إدارة الأزمة، ومرجع ذلك كما يرى الإبقاء على الدور الفاعل لهم في الأرض اليمنية، وفي تقويمه لعلاقة التحالف بالحوثي يرى أن التحالف يتعامل مع الحوثي على أنه عدو قوي وصارم ويلزم الاعتراف به، وختم الشيخ مداخلته في سياق الحلول والمخارج بتأكيده على دور الشباب والمراهنة على أبناء الثورة في تجاوز الأزمة الحالية وبناء اليمن الجديد.

سادساً: وختمت الندوة بمداخلة جامعة من الأستاذ الدكتور سيف الدين عبدالفتاح افتتحها ببعد منهجي متعلق بمركز رؤيا للبحوث والدراسات وهو ضرورة استدعاء المشاهد الأخرى التي تشهد أوضاعاً متأزمة وخطيرة؛ للنظر في مخارج الأزمة والحلول الممكنة، كما هو الحال في مصر وسوريا وليبيا والعراق؛ وفي سياق حديثه عن الحل للأزمة اليمنية يرى الدكتور سيف أن الحل تساهم فيه ثلاثة مداخل: الداخلي، الإقليمي، والخارجي، فحينما يكون الداخل ضعيفاً يتحكم فيه الإقليم والخارج بموجب ما تقتضيه مصالحهما، ولكي نستطيع أن نقلل من أثر الإقليم في الداخل لا بد أن نترجم إمكاناته إلى معادلات في عملية الحل؛ لأجل -برغم صعوبته وامتداد الإقليم فيه- تحريكه باتجاه الفعل ووضع الحلول.

ولأجل إحكام عملية وضع الحلول لا بد من الوقوف أولاً على أساس مرجعي محكم يساهم بفعالية في الخروج من الأزمة، والناظر فيما هو مطروح على الساحة اليمنية يقف على مرجعيتين:

الأولى: مرجعية حقيقية: وهي مرجعية يلزم اعتمادها في تفعيل عملية الحل، وتتمثل في: الدستور اليمني، والنظام الجمهوري، والوحدة اليمنية.

الثانية: مرجعية زائفة: وهذه تساهم في تأزيم المشهد أكثر من مساهمتها في وضع حل لأزماته، وهي: مخرجات الحوار الوطني، والرئيس عبدربه منصور هادي، والقرارات الدولية، والمبادرة الخليجية.

وبناء على ذلك، فإن هناك حلين من جهة تعلقهما بوجود التحالف كأداة للحل أو عدمه:

الأول: حل مع وجود التحالف، بحيث يكون راعياً له: والأدوات المطروحة في سياق هذا الحل: مجلس النواب، وحكومة وطنية فاعلة، وخطة استراتيجية عسكرية شاملة، تعيد اليمن إلى الشرعية وتقضي على المشروع الحوثي واستحكامه بمختلف مظاهره. ولكن الإشارة الهامة التي أكد عليها في هذا الإطار أن قيام التحالف بوضع حل يعيد التوازن والذاتية والفعالية للقوى السياسية اليمنية بحيث تأخذ الأمور بزمامها لا يعد مطلباً سعودياً، بل إن المطلب السعودي الحقيقي يكمن في أن تكون هناك دولة يمنية تابعة لها متماهية في سياساتها.

الثاني: حل خارج سياق التحالف، ويبرز فيه ثلاثة حلول فرعية: الأول: المصالحة الداخلية وإعداد البيئة لها، تستقطب مكونات المجتمع اليمني كاملة بما فيهم الحوثيون، وهو حل يراه جزءاً من حل ولكنه في غاية الأهمية. والثاني: مشروع الشباب والأحرار (الكتلة الجديدة). والثالث وهو جزء من حل كذلك: استثمار قوة العلماء داخل اليمن في إيجاد التوصيف والمخرج الشرعي للحالة اليمنية.

وختم الدكتور سيف مداخلته بمسألتين في غاية الأهمية، الأولى متعلقة بما أسماه (ثقافة الحل)، وهي ضرورة الوعي بالمسائل المتعلقة بالإشكاليات في البيئة اليمنية والنظر إليها بعين الاعتبار عند وضع الحلول، وهذه الإشكاليات هي: الطائفية، والمناطقية، والحزبية، والمرجعية، والمبادرة الوطنية، والثورة. والمسألة الثانية حول استراتيجية الأسر والفيدرالية الخبيثة التي تتبعها بعض دول التحالف، حتى أضحت عملية ممنهجة تتعامل بها خارج سياق السلوك الدبلوماسي المتعارف عليه بين الدول، وأما بالنسبة للفيدرالية الخبيثة، فهي في حقيقتها تفتيت ممنهج تحت عنوان لائق، يقوم به سادة العالم ووكلاؤه الإقليميون.

وفي الختام: فإن مركز رؤيا للبحوث والدراسات بصدد وضع ورقة سياسات عن الأزمة اليمنية تتضمن أبرز الإشكاليات التي تستحكم باليمن، والحلول والمخارج الممكنة من هذه الأزمة؛ لتكون هذه الورقة رافداً من روافد صناع القرار السياسي اليمني والقوى السياسية الفاعلة في البنية اليمنية.

زر الذهاب إلى الأعلى