النخبة بين الاختطاف بالتوظيف والاستقطاب ومسارات التدافع الحضاري في الأمة
مقدمة:
النخبة من حيث جذرها اللغوي (ن خ ب) تأتي -كما ذكر الزبيدي في التاج في جملة من المعاني- بمعنى المختار، فنخبة القوم خيارهم والمنتخبون منهم[1]، وهذا المعنى يظهر أثره في بعده المفاهيمي والاصطلاحي، وواضح أنه يشتبك ويتداخل مع مفهوم الصفوة كما يشير إلى ذلك كثير من الباحثين ممن تصدى لهما بالبحث والدراسة، وقد لعبت الأطر المرجعية المتباينة دوراً في النظر إلى المعاني التي يثيرها هذا المفهوم وقسيمُه المتداخل معه.
فأما في السياق الإسلامي، فإن للمفهوم تداولاً متنوعاً في سياقات معرفية مختلفة ومتباينة أملته طبيعة العلوم التي تعرضت له، وقد غلب في استعماله النظرُ اللغوي على حساب النظر الاصطلاحي، وأقرب ما يمس موضوعنا ما أشار إليه ابن الجوزي في صفوته للصفوة بقوله: “لما كان المقصود بوضع مثل هذا الكتاب ذكر أخبار العاملين بالعلم، الزاهدين في الدنيا، الراغبين في الآخرة، المستعدين للنقلة بتحقيق اليقظة والتزود الصالح، ذكرت من هذه حاله دون من اشتهر بمجرد العلم ولم يشتهر بالزهد والتعبد”[2].
وقريب منه ما ذكره آخرون كالحافظ ابن حجر وغيره، وكلها دالة على أن النخبة طائفة معينة من المسلمين لها مكانتها ودورها الفاعل في المجتمع المسلم، وظاهر أن صبغة هؤلاء من حيث الوصف العلمي يغلب عليها العلم الشرعي المقترن بالعمل سواء على سبيل التحقق الذاتي أو على سبيل التحقق المجتمعي.
وأما في السياق الغربي، فيرى بوتومور أن كلمة (نخبة أو صفوة) استخدمت في القرن السابع عشر لوصف السلع ذات النوعية الممتازة، وما لبث هذا الاستخدام أن اتسع إلى الجماعات الاجتماعية العليا كبعض الوحدات العسكرية أو المراتب العليا من النبالة، وطبقاً لقاموس أكسفورد فإن أقدم استخدام معروف في اللغة الإنجليزية لهذه الكلمة كان في سنة 1823م، بيد أن المصطلح لم يستخدم استخداماً واسعاً في الكتابات الاجتماعية والسياسية الأوربية بوجه عام إلا في أواخر القرن التاسع عشر وفي ثلاثينات القرن العشرين في بريطانيا وأمريكا بوجه خاص، حينما انتشر المصطلح وساد استخدامه في النظريات السوسيولوجية للصفوة، وعلى الأخص تلك التي تضمنتها كتابات فلفريدو باريتو[3].
وقد تباينت آراء الباحثين الغربيين في تعريف النخبة وذهبت مذاهب متنوعة، ومن حيث الإجمال فإنها دارت حول اصطفاء قائم على اعتبارات معايير القوة، والتوازنات الاجتماعية، والاعتبارات الموقفية، ويحدد إطاره وضوابطه عملية السعي إلى الحصول على أكبر قدر من النفوذ والموارد المتاحة، والإمساك بزمام السلطة، وواضح أن هذه المعايير في النظر إلى النخبة والصفوة في سياقها الغربي أخذت مأخذ الفصل بين السياسة والدين[4]، وهو النهج الذي تأسست عليه الوضعية الغربية منذ بداية نهضتها وحداثتها في القرن السابع العشر الميلادي، وهو ما لا يمكن تبنيه وتعميمه في سياقات مغايرة ذات خصوصيات حضارية مختلفة، وعلى وجه الخصوص السياق الإسلامي.
وإذا أردنا النظر إلى مفهوم النخبة وما يقاربه في سياقنا المعاصر، فليس من الحكمة قصره على علماء الشريعة وإن كانوا يشكلون أحد أعمدته الرئيسة، ولا تبني النسق الغربي في النظر إليه؛ بحكم ما يغلب عليه من الرؤى والأفكار التي تجعل هذا المفهوم متأثراً بالأطر المرجعية الحاكمة لهذا النسق الذي تغلب عليه مفاهيم الصراع والقوة والمصلحة والذرائعية، بحيث تجعل هذا المفهوم عصياً على التعميم، ويجعل حامليه خارج إطار الاستقامة الفكرية الذي يؤكد عليه النسق الإسلامي، ومن هنا فإن مفهوم النخبة يأخذ بالاعتبار البعد الرسالي الذي تنطوي عليه وظيفة النخبة والصفوة في المجتمع الإسلامي، وهو بعد أساسي وضروري يجعل هذه النخبة في دائرة الفعل الحضاري الذي يتحقق به المجتمع المسلم ليجعل أفراده ومؤسساته فاعلة في مسارات التوحيد الإلهي والاستخلاف العمراني، بما يضفي على الإنسانية كلها صلاحاً وإصلاحاً يتناغم مع صلاح الكون الذي أصلحه الله للإنسان وسخره له ليحقق مقاصد الحق من الخلق.
وبهذا المعنى فإن مفهومنا عن النخبة لا يقف عند حدود البعد الثقافي الذي يقضي بأن تكون للنخبة قدرات معرفية وفكرية ومعطيات علمية تجعل لها دوراً في التعليم ونشر المعرفة والتثقيف، وهذا لا شك من الأدوار الضرورية والأساسية للنخبة، بل يتجاوز ويتعدى النخبة المثقفة إلى غيرها من النخب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والإعلامية وأعيان المجتمع ممن لهم مركز وسلطة مادية أو معنوية[5]، ولهم أدوار فاعلة في مسارات التغيير والإصلاح المجتمعي بشتى مظاهره.
والحديث عن القيمة والمكانة التي تتبوؤها النخبة والصفوة يتطلب التنبيه على جملة من القضايا التي قد تخفى على الكثير بما يجعلهم ينظرون إلى هذا المفهوم وتجلياته الواقعية بشيء من الريبة والتردد المفضي إلى الاضطراب في تقويم وتقييم عمل هذه النخبة في الدائرة المجتمعية، وبشيء من النظر العميق في الظاهرة الاجتماعية وشخوصها يدرك المرء أن هذا المجتمع مهما ترقى وتعاظمت قدراته وخبراته، فإنه سيظل من حيث مكوناته في دائرة الخاصة والعامة، والتابع والمتبوع.
وهذا ليس غريباً في ذاته، فلو تأملت كتاب الله تعالى، لوجدت هذا التنوع والتغاير في الوظيفة الاجتماعية حاضراً، ومن ذلك قوله تعالى: (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً)[الزخف: آية 32]، وهذا التغاير والتنوع في الوظائف الاجتماعية بموجب ما تشير إليه هذه الدرجات لا تعني بأي شكل من الأشكال التمييز الطبقي الذي يجعل المجتمع منغمساً في الجاهلية العنصرية التي تتلبس بها بعض المجتمعات، فإن هذا التنوع في الوظيفة مرتبط بالمعاش والرزق، وهو يتبع مواهب الأفراد وظروف الحياة، وعلاقات المجتمع.
إن هذا التنوع في حد ذاته يعد ضرباً من ضروب التوازن والتكامل الاجتماعي، كما أنه مظهر من مظاهر الابتلاء، فالعامة وأشباههم قاصرون عن إدراك الواقع وتشابكاته وتداعياته، ومن ثم يعتمدون على الصفوة في اختيار الموقف الملائم، ورد الفعل المناسب، والميزات التي تقوم عليها النخبة ليست مداخل للوجاهة والمنافع المادية فحسب، وإنما هي مناط للمسؤوليات الشرعية والأدبية والأخلاقية أيضاً، ومعالم تلك المسؤوليات عديدة، منها: توجيه الناس وإرشادهم وتعليمهم وتبين مراشد الحق ومناهج الهدى لهم، حتى يحيا من حيَّ عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة، وفي هذه المسؤولية عهد وميثاق الله جل وعلا: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون)[أل عمران: آية 187].
ومنها تكوين عقلية الناس تكويناً متوازناً ببسط كل جوانب الصورة، وذكر الإيجابيات والسلبيات لكل قضية كبرى تمس حياة الأمة ومستقبلها، وهذه القضية من أخطر مسؤوليات الصفوة، والخلل في القيام بهذه المهمة هو الذي أفقد مجتمعاتنا توازنها وحدسها أمام مختلف القضايا، والأحداث الكبرى، وهو الذي شوه رؤيتها للوضعية المثلى التي ينبغي أن تكون عليها.
والحق أن الأمة الفقيرة ليست هي التي لا تمتلك المال أو الموارد الكافية، وإنما هي الأمة التي تتلفت في أيام شدتها وحيرتها، فلا ترى عندها مفكرين عظاماً أمناء ينصحون لها، ويدلونها على طريق الخلاص وينمون خبراتها النقدية. إن أول شرط ينبغي توفره في أولئك المفكرين هو أن يتمتعوا بالصفات التي تجعلهم يتحملوا المسؤولية ويقوموا بواجبهم تجاه مجتمعهم وأمتهم، وإلا فما أسهل أن يصبحوا تجاراً بمستقبل الأمة وأمنها وكرامتها وحقوقها، وآنذاك فإنهم لا يستحقون اسم صفوة أو نخبة؛ لأن الصفوة التي لا تدافع عن مبادئ الأمة وحقوقها ليست صفوة، وإنما هي شريحة اجتماعية منحطة بائسة، اختارت لنفسها التجارة بالممنوعات والمحرمات، فما أخسرها من تجارة[6].
إن الحديث عن النخبة ودورها الحضاري في تاريخ الأمة وواقعها ليس ضرباً من الخيال أو بحثاً في سراب بل هو حقيقة ممثلة في تاريخ هذه الأمة إلى يوم الناس هذا، نعم قد يتفاوت حجمها ودورها بحسب حال الأمة قوة أو ضعفاً تمكيناً أو تراجعاً إلا أن حضورها يبقى هو العلامة الفارقة في حركة الأمة لا ينبغي غض الطرف عنها، ويمكن تلمس ذلك بتلك البشارة النبوية التي تعطي دفقاً ودافعاً من الأمل، إذ قال عليه الصلاة والسلام: “لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك”[7]، إلا أن حديثنا عن النخبة لا يعني البتة انفصام عراها عن روافدها في الأمة على مستوى القاعدة والأساس الجماهيري والشعبوي، وإنما نحن بصدد الدور الريادي الذي أحدثته وتحدثه النخب في المجتمعات الإنسانية.
إن هذا المكانة التي تتبوؤها النخبة في المجتمع المسلم والدور الذي تقوم به وتؤديه في دائرة الوعي والسعي الحضاريين جعلها ولا يزال يجعلها في دائرة الاستهداف، وهو استهداف تنوع من حيث قواه وأدواته ووسائله وأهدافه وسياساته واستراتيجياته، وما يلزمنا نحن المسلمين اليوم بل وفي كل يوم أن نكون متنبهين إلى هذه الحملات الاستهدافية للإسلام وأهله وصفوته؛ وليكونوا واعين بأن هذا الاستهداف حلقة من الحلقات التي تعرضت لها الأمة المسلمة على مدار تاريخها، وليثبت سنة التدافع التاريخية التي لا تتخلف ما بقيت هذه الأمة في دائرة الوجود.
المبحث الأول: بواعث اختطاف النخبة:
هناك جملة من البواعث الدافعة إلى اختطاف النخبة، ويلعب تنوع وظائف هذه النخبة واختلاف طبيعة الخاطفين وتفاوت اتجاهاتهم الفكرية دوره في تغاير هذه البواعث، وإن كانت محصلة الأمر ونتيجته جعل هذه النخب في دائرة الاختطاف أياً كان نوعه أو جهته، فالأثر راجع من حيث تأثيره السلبي إلى البنية الإسلامية ومنظومتها الفكرية وأجيال المسلمين، وفيما يأتي بيان لهذه لبواعث:
أولاً: تمثل الثقافة الميتة باعثاً من بواعث الاختطاف؛ لكونها مجالاً للاستثمار لدى الخاطفين، يعملون على تكريسها وتقوية أدوارها في المجتمعات الإسلامية، وقد أدرك الخاطفون أن الدور الذي تلعبه النخبة في الوعي ومدافعة دواخل الوعي يشكل خطراً على مشروعهم في إضعاف هذه المجتمعات ودولها، فيحاولون ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً الإبقاء على كل ما يسهم في إنجاح مشروعه، ولا يخفى أن النخبة من حيث أدوارها تعد متفاوتة بحسب طبيعة هذا الدور والأثر الذي يحدثه.
وفي هذا يقول البشير الإبراهيمي: “إن الأمم إذا اضطرم شعورها بالحاجة إلى الشيء اتجهت أنظارها إلى قادتها وتحركت ألسنتها بالتساؤل عن رجالها، فإذا كانت سعيدة مهيأة للخير لبَّاها رجالها من أول دعوة ووجدت قادتها في مقدمة الصفوف، وإذا كانت شقية مقدراً لها الذل والخذلان وجدتهم لاهين لاعبين أو متنابذين مضطربين منعزلين في أخريات القوافل منتشرين على هوامش ركب الحياة قانعين بالمدار الضيق الذي يدورون فيه مثقلين بالقيود المرهقة التي قيدتهم المعيشة بسلاسلها وأغلالها. فتفوت الفرص ويفوز السابقون المبكرون وتقسم مغانم الحياة وتبدل الأرض غير الأرض، والأمة ورجالها متباعدون مع قرب الدار، متقاطعون مع حرمة الجوار، يتصاممون والألم شامل ويتعامون والبلاء محيط، ويتمارون والنذير عريان ويمارون في الشمس وهي طالعة ثم يصبحون وقد فات العمل وخاب الأمل وحقت الكلمة، وهذه حالتنا وحالة أمتنا معنا والأمر لله”[8].
والإشارة التي ذكرها الإبراهيمي تأخذ أبعاداً لا تقف عند حدود الاختطاف من الخارج، فإن هناك نوعاً من الاختطاف قد لا يتنبه له الناظر؛ بسبب حالة الإلف والعادة التي تستحكم بالناس فلا يقفون معها على الظواهر السلبية في مجتمعاتهم بل في أنفسهم، وقد قيل شعراً:
يقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن
ولعل أكبر أنواع الاختطاف هو الاختطاف النفسي الذي أشار إليه مالك بن نبي فيما أسماه (القابلية للاستعمار)، ومرض القابلية يتنوع ويتعدد في صوره ومظاهره إلا أنه في حقيقته داء واحد له تجليات وتمثلات مختلفة ومتنوعة، يسببها ما يسمى بالثقافة الميتة، ومن صور هذه الثقافة: ثقافة الانتظار، والخرافة، والتبرير، والاحتجاج، والاعتماد، والمسألة، والكلالة، والاستتباع، والريع[9] .. في غيرها، وكلها في حقائقها تصب في سياق غياب الفاعلية في البنية الإسلامية، وهذه الثقافة الميتة تفعل فعلها في إطار النخبة؛ لأنها تأخذ مقام القدوة والأسوة بين العامة، لتبقى الحقيقة بأن المعضلة الأساسية في الأمة هي معضلة النخبة.
ثانياً: ولئن كان الاختطاف النفسي عاملاً من عوامل الإضعاف للأمة وفي الأمة، فإنه يمثل كذلك باعثاً للاختطاف، فيكون مجالاً للاستثمار لدى الخاطفين في تفعيل أثره في أجيال المسلمين، وقد أدرك الخاطفون أن البنية الإسلامية قائمة على مقومات قيمية يمكنها في أي وقت من الأوقات النهوض بها بعد تفعيلها في واقع الناس، ولا يتسنى ذلك إلا بنخبة عالمة عاملة فاعلة في المجتمع الإسلامي، تأخذ من حيث تخصصاتها أبعاداً وظيفية متنوعة، ما بين سياسية وإعلامية واجتماعية وقانونية … إلخ.
ولا يخفى دورها في إحداث الوعي وبيان مواطن الاختلال في العقلية المسلمة وخاصة في أوقات الأزمات، ومن أظهر الأدلة على ذلك قوله تعالى: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولا ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم)[النساء: آية 91]، وبسبب ذلك كله يعمل الخاطفون جهدهم في جعل هذه النخبة في دائرة الاستتباع؛ فتشكلها وعيها حسبما تريد زماناً ومكاناً لتمارس دوراً وظيفياً يستهدف إنجاح مشاريع الخاطفين بإضعاف بل وهدم كل المقومات القيمية التي تقوم عليها البنية الإسلامية فكراً وحضارة وبنىً ونظماً وأخلاقاً وأجيالاً.
المبحث الثاني: القوى الفاعلة في اختطاف النخبة ووسائلها وأهدافها:
الدور المحوري الذي تقوم عليه النخبة في المجتمع الإسلامي عرضَّها ولا يزال يعرضها للاستهداف، والأخير ذو صور متعددة يمكن جعلها كلها في دائرة الاختطاف؛ لأن الاختطاف تارة يكون بقصد إعادة تشكيل العقول وفقاً لرؤيته ومنهجه، وتارة بمسخها لتكون في دائرة العبث، وتارة أخرى بالنقض والهدم بل وبالتصفية الفكرية والمنهجية بل وحتى الجسدية والمادية كما هو الشأن في أنواع من الاختطاف المعاصر كما سيأتي التنبيه عليه في أثناء هذه الورقة، ومن هنا فإن هناك عدة قوى تمارس هذا الاختطاف سنقف معها بياناً وتجلية بقصد الوعي بها والتحذير من مشروعها وبرامجها ووسائلها؛ لتستبين مسالكهم وسبلهم حتى يكون المسلم على ذُكر وبينة.
أولاً: الاختطاف النفسي:
قد يكون من الغريب التنصيص على أن أول هذه القوى الفاعلة في الاختطاف هو الاختطاف النفسي الذي نبهنا عليه في بواعث الاختطاف، والحق أن سائر القوى تتكئ عليه استثماراً واستغلالاً لتحقيق مشاريعهم، وقد أصاب النجعة من جعل هذا النوع من الاختطاف مجال جذب لغيره، بحيث كان سبباً له.
وقد أشار بعض المفكرين إلى أن الهزيمة النفسية التي تعقبها الهزيمة الحضارية والمادية تنشأ من اختلالات في السلوك تأخذ مداها إلى أبعاد أخرى، فتفضي إلى اختلالات في التصور والمفاهيم تأخذ بالنفس إلى حيث متاهات من الغفلة عن الفعل الحضاري بحيث تتلبسها أشكال من التخلف والتراجع في الركب الحضاري في مستويات متعددة لا تقف عند حدود معينة[10]؛ لأن فساد التصورات والمفاهيم واختلالها يأخذ بالإنسان إلى مسارات من الانحراف يحسب بها وفيها أنه يحسن صنعاً، وأشد أنواع الجهلِ الجهلُ المركب الذي يدرك فيه الإنسان الأمر خلاف واقعه، ولذلك تجد البعض ممن شغله هذا الهم ينبه إلى أن ما أصاب الأمة من غزو فكري وثقافي واستعماري وتغيير لمعالم بنيتها الإسلامية ما هو إلا أثر لهذا الاختطاف النفسي، وصدق الله إذ يقول: (قل هو من عند أنفسكم)[آل عمران: آية 165].
لكن ما انعكاس هذا الاختطاف النفسي على مستوى النخبة؟ وما الأثر الذي يستجلبه إذا استطال مقامه في المجتمع الإسلامي؟ وإجابة على هذا السؤال يقول الدكتور عبدالكريم بكار: “والذي نلمسه في كتابات كثير ممن جرى العرف على تسميتهم ب(العلمانيين) أنهم يحرصون الحرص كله على تدمير الإطار المرجعي للأخلاق الإسلامية، وذلك بنقل جهة الإلزام الخلقي من الوحي والتعبد لله تعالى إلى العقل والعرف والمصلحة. وهم إلى جانب ذلك حريصون على إعادة ترتيب السلم القيمي وفق الرؤية الغربية للأحياء والحياة، ظانين أن هو الخطوة الأولى على طريق نفض غبار التخلف عن الأمة، وإعادتها إلى حركة التاريخ الذي خرجت منها من قرون عدة .. ومن ثم فقد دفع التجارب الروحية والدينية والأخلاقية إلى هامش الوعي، وهامش الشعور أيضاً، وصار من يتحدث عن المسائل الأخلاقية موضع اتهام في نضجه، وفي استيعابه لمعطيات الحداثة!. وكانت النتيجة لهذا هي الفراغ الروحي الرهيب لدى الكثير من شباب الأمة ..”[11].
ثانياً: القوى الغربية:
بالرغم من أن البعد الجغرافي ليس مقصوداً أصالة حالة بيان كون القوى الغربية قوى فاعلة في اختطاف النخب الإسلامية، بدليل أن هناك فواعل مماثلة في جهات جغرافية أخرى تتناغم مع ما يقصده الغرب من مشاريع وبرامج في العالم الإسلامي، ولا يخفى أن البعد الفكري الثقافي هو المقصود بالأصالة، والذي يفصل ما بين الشعوب ليس هو المسافات الجغرافية، وإنما هي مسافات ذات طبيعة أخرى يمثل عالم الأفكار أهم معالمها، وينطبق هذا المعنى بوضوح على وضع التردي الحضاري الذي تحياه أمتنا الإسلامية[12].
إلا أن للبعد الجغرافي دوره في تحقيق مقاصد القوى الغربية في هيمنته على العالم الإسلامي، وأبرز الأدلة على هذا صنيع الغزو الغربي نفسه في استغلال الجغرافيا لتحقيق هذا الهدف وهذا المسعى، فقد اهتم في مرحلته الأولى بعملية تفكيك وتغيير المرتكز الجغرافي بوصفه وحدة جيوسياسية مهمة وإطاراً مصدرياً للقوة، ولتوقيف معطيات القوة الاستراتيجية لهذا المرتكز الجغرافي عمل على التطويق الجغرافي للعالم الإسلامي وفصل أجزائه إلى وحدات جغرافية صغيرة، يمكنها معها تعطيل دورها وتأثيرها الحضاري، وهذا التطويق ساعد بشكل كبير على استكمال مراحله بتغيير العقلية المسلمة وجعلها في دائرة الاستتباع الغربي[13].
لقد أدرك الغرب أن تحقيق مراميه وأهدافه في العالم الإسلامي بما يفضي إلى جعله تابعاً له، بل وتحويله إلى أداة وظيفية، موقوف على جعل نخب هذا العالم في دائرة الاستتباع، وهذا لا يتحقق إلا بحمل هذه النخبة على قبول ذهنية الغرب وغرس مبادئ التربية الغربية في نفوس المسلمين؛ حتى يشبوا مستغربين في حياتهم وتفكيرهم، وحتى تجف في نفوسهم موازين القيم الإسلامية، ويتطلب تحقيق ذلك إيجاد شعور بالنقص في نفوس المسلمين، وذلك بإثارة الشبهات وتحريف التاريخ الإسلامي ومبادئ الإسلام وثقافته، وإعطاء المعلومات الخاطئة عن أهله، وانتقاص الدور الذي قام به في تاريخ الثقافة الإنسانية، ومحاولة إنكار المقومات التاريخية والثقافية والروحية التي تتمثل في ماضي هذه الأمة، أو محاولة انتقاض القيم الإسلامية وتقطيع أوصال الروابط بين الشعوب العربية والإسلامية[14].
وتطلب ذلك وضع وسائل وأدوات تأخذ بهذه النخب مأخذ الاستتباع والارتهان بالغرب والافتتان به، ومن أهم تلكم الوسائل والأدوات:
التعليم: وهو من أخطر الوسائل المتبعة في إحداث التغيير الفكري لأبناء الإسلام؛ بهدف طمس الشخصية الإسلامية وإذابتها في الثقافة الغربية، يقول زويمر: “المدارس من أحسن الوسائل لترويج أغراض المبشرين”، ولهذا اتخذ الغرب من التعليم وسيلته الأولى في التأثير والتغيير الذي ينشده، ومن وسائله في التأثير في المنظومة التعليمية: عملية الابتعاث إلى الغرب، والمدارس التنصيرية والأجنبية في البيئة الإسلامية، وإنشاء المدارس الحديثة المدنية المختلطة وباللغات الأجنبية، والتضييق على التعليم الديني كما هو الشأن في الحالة المصرية[15]، والأخيرة ما عادت خاصة في النموذج المصري، بل اتخذت مساراً عاماً في كثير من بلدان العالم الإسلامي.
الإعلام: وهذه الوسيلة من الوسائل التي تعاظم خطرها؛ بسبب التماهي مع التطور والتقدم التقني الذي اتسعت دائرة تأثيره وتنوعت، خاصة مع إحداث وسائل جديدة في منظومته، تجاوزت ما هو تقليدي منها، فلم تعد الصحافة الورقية مؤثرة، وإن كان حضورها مستمراً، بل ازداد التأثير الإعلامي على مستوى الإعلام المرئي في وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية والقنوات الفضائية بما تبثه من أفلام وبرامج التوك شو وغيرها.
والأصل أن مهمة وسائل الإعلام الحرة أن تسهم بفعالية في تدريب الجمهور على كيفية النظر في القضايا المثارة من زوايا مختلفة،والموازنة بين مختلف الآراء، وتمحيص الحجج والبراهين والأدلة وفق محاكمات عقلية رشيدة، فالمسألة الإعلامية ليست مسألة ترفيه أو هامشية، وإنما هي مركز التوجهات الاستراتيجية للمجتمعات المعاصرة، وبخاصة في ظل التقدم الهائل في وسائل نقل المعلومات والصور والأخبار والآراء، ولكن في حالة الاختطاف الإعلامي ونخبه يحدث انقلاب وظيفي في أداء وسائل الإعلام؛ لتحقيق أهداف مضادة على طول الخط لمنظومة القيم والمفاهيم الحضارية في الأمة، والقضاء على أي محاولة للفكاك من الاستبداد والاستتباع والظلم والطغيان، إذ تعمل هذه الوسائل في خدمة سلطات الاستبداد السياسي ليقهر قوى التحرر، وتشد من أزر الظلم الاجتماعي لينتشر الفقر، وتزدري الذات الحضارية لتتعزز الهيمنة الأجنبية[16].
مراكز البحوث والدراسات: ما تقوم به مراكز الأبحاث الغربية يأخذ مسارين في واقع الأمر، الأول رفد حكوماتها بالأبحاث والدراسات المتعلقة بسياساتها في مجالات مختلفة في الداخل والخارج، والثاني يستهدف العالم الإسلامي بجعله تحت مجهر البحث والنظر، وفي هذا الإطار تضطلع هذه المراكز سواء بشكل مباشر أو من خلال مراكز الضرار التي أنشئت في بلدان العالم الإسلامي بشكل غير مباشر بأدوار وظيفتها زعزعة الثوابت الإسلامية ومحاولة التلاعب فيها وتجريفها من عقول أجيال الأمة وإعادة تشكيلها بما يحقق لهم أهدافهم في إضعاف الفاعلية في مستواها الفكري والحركي، وكان أخطر مضامين دراسات هذه المراكز وأبحاثها، تكريس الجهود لإعادة قراءة الإسلام على وفق النسق الغربي، والاستعانة بنخب تنتسب إلى البيئة الإسلامية بعقول غربية وفتح المجال أمامهم ليكونوا هم قادة الرأي والفكر، وليتناغم فعلهم مع قادة الحكم والسياسة، فيحكموا هذه الحالة القبضة على العالم الإسلامي، فتكون بأيديهم القوتان المادية والمعنوية.
ومن أمثلة ذلك التقارير سيئة السمعة التي أعدتها شارل بينار وفريقها البحثي، وكان الهدف منها بناء شبكات اعتدال إسلامي بحسب وصفهم لتستجيب لمصالح الغرب ومشاريعه، ومما جاء في التقرير مما له تعلق بصناعة نخب الاستتباع الغربي: “من الممكن إطلاق عملية بناء شبكات الاعتدال على ثلاثة مستويات: الأول دعم الشبكات الموجودة، والثاني تحديد الشبكات الكامنة ومساندتها في بدايتها وأثناء نموها، والثالث المساهمة في تعزيز الظروف المهيئة للتعددية والتسامح، والملائمة لنمو تلك الشبكات”[17].
الفن والثقافة: وهاتان النافذتان الحضاريتان كانتا مجالاً للهدم الثقافي، استغلتا في حملة منسقة على القيم الحضارية للمسلمين، ويبدو ذلك واضح الأثر في سياسات ومهرجانات وتظاهرات وإذاعات ومسابقات تدور مع شعار (تحرير الجسد)؛ ليكون تبعية في إنتاج الصورة، ولأجل تفعيل هذه التبعية وفقاً لهذه الوسائل يقوم الوكلاء مع أسيادهم بعمل مقاولات ثقافية مكلفة مادياً وبدعم سخي للنتاج الفني والسينمائي وإشراكها في مهرجانات الأوسكار وغيرها؛ ليس بسبب قيمتها الفنية، ولكن بسبب استجابتها للمعايير المطلوبة وعلى رأسها إنتاج صورة غير صورتنا الحضارية[18].
ثالثاً: الحكومات الوظيفية:
لا تخرج الحكومات الوظيفية من حيث طبيعتها ووظيفتها عن نسق أولياء أمورها، فإنها تعكس بالضرورة ما يبتغيه الأسياد في تنفيذ سياسات الهيمنة والتبعية في بلاد المسلمين، ولهذا ترسم لهم خرائط مسارهم الوظيفي؛ حتى يأتي ذلك على مكونات ومقومات البنية الحضارية لبلدان المسلمين، والغرض والهدف جعل هذه البلدان في دائرة الاختطاف المطلق بحيث لا يبقي لها معه مجالاً للتصرف أو التحرك الإرادي الاختياري، ولأجل تحقيق ذلك تعمد هذه الحكومات الوظيفية على وضع سياسات تأتي على كل مفاصل الدولة الحيوية والتنموية الفاعلة بالنقض والهدم.
يقول المسيري في هذا الإطار: “من الظواهر التي تستحق الاهتمام، وبخاصة من الدارس العربي، ما نسميه (الدولة الوظيفية). ونحن نذهب إلى القول بأنه يمكن إعادة إنتاج نمط الجماعة الوظيفية على مستوى الدولة في أشكال مختلفة … يمكن تحويل اتجاه دولة ما بحيث تنحو منحى وظيفياً عن طريق تحويل النخبة الحاكمة إلى جماعة وظيفية تدين بالولاء للاستعمار الغربي. وتنظر للمجتمع الذي تنتمي إليه نظرة تعاقدية باردة فتنعزل عنه وتشعر بالغربة ويزداد ارتباطها العاطفي والثقافي والاقتصادي بالمركز الإمبريالي”[19].
وهناك أمثلة جلية في كيفية توظيف النخب لأداء مهام وظيفية يكون الاختطاف فيها واضحاً في دائرة الفاعل والمفعول، والنموذج المصري حاضر معنا وبقوة في هذا السياق، فبحكم ما تتبوؤه مصر من مكانة تجعلها من بلدان الأركان في العالم الإسلامي كما يقول مفكرو الاستراتيجية يجعلها قائمة بأدوار سياسية وحضارية وفكرية غاية في الأهمية كما أثبتت ذلك حقائق التاريخ، فقد وقع عليها -وليس فيها- انقلابان عسكريان أتيا عليها بمعاول هدم ونقض لكل مقومات الدور الحضاري الرائد، ولأجل تحقيق ذلك استقطبت دوائر النخب المؤثرة في البنية المصرية، والحديث هنا عن نخب: سياسية وعسكرية ودينية واقتصادية وإعلامية وفنية ورياضية ..إلخ.
ويكفيك استدلالاً على ذلك أن ما وضعه قائد انقلاب يوليو عبدالناصر من سياسات أسماها زوراً وبهتاناً بسياسات الإصلاح، قد انفرط بها عقد العلاقة بين الدولة والمجتمع، وفي هذا يقول إبراهيم البيومي غانم: “أحدثت ثورة يوليو سنة 1952 تحولات جذرية في بنية السلطة الحاكمة، وفي هيكل النظام السياسي، وفي التوجهات الداخلية والخارجية للدولة بصفة عامة. وكان من أهم النتائج التي أسفرت عنها تلك التحولات حدوث تغير كبير في نمط العلاقة بين المجتمع والدولة؛ إذ زال نمط الاستقلال النسبي لكل من طرفي هذه العلاقة عن بعضهما البعض .. وحل محله نمط الدولة السلطوية القائم على أساس المركزية في الحكم والإدارة، وكافة مجالات الإنتاج والخدمات العامة”[20]، إنه يشير إلى منطق الاستبداد والطغيات والتجبر والظلم بكل ما تعنيه هذه الألفاظ من معاني.
والانقلاب الثاني في يوليو عام 2013م على يد السيسي لم يكن بأقل من قسيمه، بل كان أشد ضراوة وأكثر قساوة وأفسد طوية، ويكفيه خطورة أنه قضى على أول تجربة سياسية حرة كانت فيها الأمة هي الأصل وحاكمها مختار بأول انتخابات حرة نزيهة في تاريخ العالم الإسلامي فيما يظهر، وما أكثر حماقة الشعوب المغلوبة على أمرها حين تخدعها شعارات المستبدين والمنقلبين على إرادتها الحرة، فأضحت بدعمه ومظاهرته وإسناده هاربة من الحرية نحو العبودية المذلة.
وها هي اليوم تعاني الويلات من هذا الاستبداد، إذ جعلها تعض أصابع الندم على تفويتها تلك الفرصة الفريدة من نوعها في تثبيت التجربة السياسية اليتيمة في ظلال الحرية والإرادة، ولتؤكد فكرة أن الملأ في الخطاب القرآني ما هي إلا سنة من سنن الاجتماع الإنساني تتكرر ما وجدت الأجيال الراغبة في الانفكاك والانعتاق من نير الظالمين، ولتنبري النخبة الفاسدة من سياسيين وعسكريين واقتصاديين وإعلاميين ودينيين .. في سواهم لممارسة دور الظهير والمعين بقوة للانقلاب على الشرعية، ولكن سنة التاريخ تثبت من حيث لا يعلم هؤلاء أن الانقلاب لا يأكل أولاً إلا أصحابه، فصاحب الجريمة لا يريد أن يبقي على شهود وأدلة وبراهين إدانته.
رابعاً: الكيان الصهيوني:
اللافت للنظر في الكيان الصهيوني كما يقول الدكتور عصام عبدالشافي في بعض محاضراته أنه يعد من حيث أصله دولة وظيفية تابعة للنظام الغربي على مدار تاريخه، إلا أنه شهد في الآونة الأخيرة تحولا استراتيجياً، حيث أضحى بذاته دولة فاعلة في المنطقة العربية، وصار يوظف دولاً ومؤسسات وأفراداً في ظل مخططات وسياسات وخرائط توظيف مرسومة لهؤلاء ينفذون بها ما يستهدفه هذا الكيان[21]، وفي ظل سياقنا المتعلق باختطاف النخب فإن للكيان دوره كذلك في اختطاف هذه النخب وتوظيفها لتكريس مشاريعه سواء في الأراضي المحتلة مما له ارتباط بمشروع صفقة القرن التي تسوق لها الولايات المتحدة ووكلاؤها في المنطقة العربية أو على المستوى الإقليمي في الترويج لصفقات التطبيع مع الكيان الصهيوني.
والتطور اللافت للنظر أن هناك وكلاء جدد ظهروا إلى العلن على مستويات متعددة، وظفوا في هذا الإطار ليسوقوا هذه المشاريع وليبثوا في عقول العامة من خلال النخب المتنوعة أوهاماً وأباطيل مدموعة بدلالات محرفة من نصوص الوحيين، وهذا التنوع في النخب يوحي بأن هناك استقطاباً منظومياً منسقاً يعمل في هذا السياق، ولذلك ترى التوافق بين ما تبثه النخب السياسية وما تروج له النخب الإعلامية في القنوات الفضائية التابعة، ولا يقف الأمر عند هذا القدر بل تجد تفاعلات أخرى في مواقع التواصل الاجتماعي من قبل نخب أكاديمية وصحفية وغيرها تتناغم مع هذه المشاريع، وثالثة الأثافي إقدام بعض المتشرعين في مؤسسات علمائية تحاول دعم هذه المشاريع بقراءات تعسفية لأدلة القرآن والسنة في إطار علاقة المسلمين واليهود، كل هذا يوحي بأن هناك اختطافاً نخبياً على قدم وساق يحدث في بلاد المسلمين.
المبحث الثالث: نماذج ناجحة:
تاريخنا المعاصر يشهد مع الأسف لكثير من نماذج النجاح في اختطاف النخب في الأمة، وهو وإن كان له سلف في التاريخ الإسلامي الغابر من خلال تلكم الشخصيات التي تمالأت مع أعداء الأمة بمقتضى فساد المعتقد والمنهج، بل وكذلك لقاء النفوذ والسلطة والمال والشهوة وغيرها، إلا أن صورته المعاصرة أكثر وطأة وأكبر أثراً وأعمق غوراً، وما أسهم في تعميق ظاهرة الاختطاف في العالم الإسلامي في صورته المعاصرة إلا نظرية القابلية التي سهلت عمليات الاختطاف بمختلف تجلياتها، ولمالك بن نبي رحمه الله جولات فكرية ومنهجية في معالجة هذه النظرية في الواقع الإسلامي من خلال نموذجه الجزائري حين أشار إلى هذه القابلية، ولذلك يقول: “إن هناك حركة تاريخية ينبغي ألا تغيب عن نواظرنا، وإلا غابت عنا جواهر الأشياء فلم نر منها غير الظواهر؛ هذه الحركة لا تبدأ بالاستعمار، بل بالقابلية له، فهي التي تدعوه”[22].
وهذه القابلية هي التي تعرَّض لها بعض المفكرين الإسلاميين في تعاطيهم مع عوامل وأسباب ظهور نخب صنعت على عين الخاطفين بيسر وسهولة، وقد أرجعها من حيث رؤيته إلى بعد منظومي لا يقف عند حدود الذات الفردية، حيث أشار إلى عاملين اثنين: الأول الخواء الذي أصاب الحياة الإسلامية كلها، والثاني خلو الساحة من القادة الحقيقيين لهذه الأمة وهم علماء الدين[23].
وإذا أردنا أن نقف عند حدود التمثيل والنمذجة لهذه النخب التي خطفت، فهي كثيرة في واقع الأمر ومؤثرة؛ لكونها مُكنت من زمام الأمور في بلاد المسلمين، فهنا الحديث عن قادة سياسيين وحكام وملوك وأمراء وشيوخ إمارات .. في غيرهم خُطفوا ليكونوا أدوات ووسائل لأعداء الأمة في النيل من دينها وتجريدها من فاعليته الحضارية وإبقائه رسوماً ومظاهر بعيدة عن جوهره الحقيقي، واقتصاديين وأصحاب رؤوس أموال وظفوا في رفد الشركات الغربية ومشاريعها الكبرى في بلاد المسلمين بعيداً عن مصالح الأمة ومشاريعها التنموية والحضارية ومثالها، الصارخ أرامكو وكولبنكيان وغيرهما، وإعلاميين ومثقفين ومفكرين وفنانين بل وحتى رياضيين كانت وظيفتهم إعادة تشكيل عقول الأجيال وفق النسق الغربي مظهراً ومخبراً … .
وهكذا تطول القائمة في أمثال هذه النخب، وكلها من موقعها تحاول إفراغ الإسلام من فاعليته وتقديم صورة مشوهة عنه تفقده قيمته، ولكن النموذج الأكثر نجاحاً فيما يظهر لنا اليوم في دائرة الاختطاف، ما قام به الخاطف الأمريكي وحليفه الصهيوني، إذ استطاعا في زمن قصير إدخال مجاميع من النخب في دوائر انتمائهم، بحيث وُظفوا بأيسر السبل لهدم مقومات الأمة ومكوناتها والعمل على تفريقها وتشتيتها والقضاء على كل حركات التحرر من الاستبداد والتبعية والظلم، والذي يجري في سوريا ومصر وليبيا واليمن وغيرها ما زال ينقل نقلاً مباشراً عبر الأقمار الصناعية وقنواتها الفضائية.
ولكن هل هناك نماذج ناجحة في سياق مقاومة اختطاف النخب في بلاد المسلمين؟ والجواب لا بد أن يؤسس أولاً على بيان حقيقة شرعية وجودُها قائم بالقوة وبالفعل في بلاد المسلمين وإن كان يتفاوت من حيث قوته وضعفه بحسب حال الأمة، وهذه الحقيقة الشرعية مضمنة في جملة من الأحاديث النبوية الصحيحة، كلها تؤكد على وجود طائفة في الأمة تبقى ظاهرة على الحق وثابتة عليه لا يضرها من خالفها، ويكفينا سوق حديث واحد كنا قد أشرنا إليه في منطوق مقارب في سياق هذا البحث، فقد جاء في حديث معاوية رضي الله عنه: قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك”[24].
وأما وجودها بالفعل، فإن الأمثلة الحية للمقاومة والمواجهة الحضارية بجميع تجلياتها كانت حاضرة في الأمة على مدار تاريخها، وتشير الدكتورة نادية مصطفى في هذا المجال إلى أن الذاكرة الباقية والممتدة عن تاريخ الأمة تنضح باستمرار الرسالة والدعوة والجهاد والإصلاح والمقاومة في إطار الأمة والحضارة وفقاً للقيم والمقاصد والسنن وانطلاقاً من العقيدة والشريعة، ويقدم فقه هذه الذاكرة دلالات مهمة للراهن سواء عن حالات الاختطاف أو حالة المقاومة الحضارية في حالي القوة أو الضعف[25].
وقد تعددت أنماط المقاومة الحضارية في إطار الحفاظ على الأجيال الناشئة والنخب الشبابية بمختلف تخصصاتها وتجلت في سياقات علمية وفكرية وحركية متنوعة ما بين هيئات تعليمية وجمعيات علمائية وحركات إسلامية ولجان شرعية ومشاريع فكرية .. في غيرها، ويتواصل هذا البعد المقاوم في الأمة على ما فيه من ضعف وتشتت جهود؛ ليكون شاهداً للأجيال الحاضرة بأنها لم تركن إلى محاولات الاختطاف ولم تستسلم لها، ولتثبت لها أنها ما زالت حية بدينها وقيمها وشبابها وإن خذلها القادة والسياسيون وأتباعهم.
المبحث الرابع: وسائل مواجهة اختطاف النخبة:
أولاً: أهم ما يلزم التركيز عليه وجلب النظر إليه هو تجاوز حالة الجهود المشتتة في الأمة، وأهمية بل ضرورة توحيد هذه الجهود في سياقات وأطر جامعة تأخذ بمقومات هذه الأمة في دائرة التفعيل والحركة، وقد يكون هذا متعسراً في ظل استحكام نموذج الدولة القومية واستمساكها بحدودها الجغرافية ما يجعل تشبيك هذه الجهود متعذراً، والأمر مرتبط بما هو ممكن ودائر مع الاستطاعة، فلا يسقط الميسور بالمعسور كما يقول الفقهاء، وعلى أقل تقدير الأخذ بنظر الاعتبار الجهود التي في البلد الواحد على مستوى المؤسسات والمراكز والجمعيات والمنتديات والأحزاب .. في غيرها.
وتوحيد الجهود يمكن تأطيره بفكرتين قد طرحتا في الآونة الأخيرة ورُكزَ عليهما من قبل بعض من شغله هم الأمة ومشروعها الحضاري، والفكرتان تصلحان لأن تكونا منطلقاً للاستثمار في النخبة، فيتحقق بهذا جانبان، الأول: المحافظة على النخبة من محاولات اختطافها، والثاني: توظيفها واستثمارها في مشاريع بنائية حضارية تؤسس للوعي وتأخذ بأيدي الأجيال الجديدة إلى حيث تفعيلها في الأمة.
ثانياً: هاتان الفكرتان تتمثلان في: فكرة التيار الإسلامي العام، وقد كانت من الأفكار الرائدة التي أخذ مركز رؤيا للبحوث والدراسات على عاتقه نحتها وتبنيها والدعوة إليها، وقد كانت من نتائج المراجعة الفكرية العميقة في واقع الحركات الإسلامية، والحاجة داعية اليوم إلى إعادة النظر في كثير من الأشكال والهياكل الحركية التي كان لها دورها الكبير في مراحل تاريخية سابقة بحكم تناسبها مع لحظتها الآنية، ولكنها اليوم بمسيس الحاجة إلى تفعيل فقه المراجعات ومنهجية النقد الذاتي للوقوف على مواطن الإصابة وتمييزها عن مواطن الصواب والنظر فيها من حيث صحة تعميمها في الواقع المعاصر، ولذلك تأتي فكرة التيار الإسلامي العام لتمثل تجديداً في الوسائل والأساليب، وتطويراً في الجهد الدعوي، وتحريكاً للمواقف الفاعلة، واستثماراً للجهود المتفرقة، وتجاوزاً للهنات الحركية التي تلبست بها الحركات الإسلامية في العقود الأخيرة، وتأسيساً للرؤى الكلية الحضارية، وتغليباً للمصالح الكلية العليا للأمة.
والفكرة الثانية هي فكرة العقل الاستراتيجي، وكانت من بنات أفكار أستاذنا الدكتور سيف الدين عبدالفتاح، وهي من ألصق الأفكار بموضوع النخبة؛ لأنها تعمل على الاستثمار فيها، وهي من حيث مفهومها تتمثل في كيان شبكي فاعل يسير على هدي بصيرة استراتيجية تضع أولويات أزمات الحاضر وترسم الأهداف الصلبة للمستقبل القريب والبعيد، ويقوم هذا الكيان بدوره من خلال تفعيل رؤى البصيرة الاستراتيجية وتحويلها لخطط استراتيجية قبل الدفع بها إلى دوائر التدبير والحركة، والكيان يربط بين أوعية ومصادر رصد متنوعة تصب كلها في خدمة الاستراتيجية المقررة، ومن أبرز معالمه المتعلقة بالاستثمار في النخبة: تكامل وتكافل التخصصات، الاجتهاد الجماعي، المرابطة في الثغور، استيعاب الخمائر، إدراك الواقع وديناميته، وهذا العقل الاستراتيجي تنفذه أوعية تشكل كيانه في سياق نخبة وظيفتها البصيرة والتبصير، والرصد والجمع والتصنيف والقياس، ومخرجات تعقبها حركة وتدبير في شؤون الحياة ونظمها.
ثالثاً: الاستثمار في الموجود من النخب على مستوى الحفظ والصيانة وبناء الأفكار والنظم يستدعي بالضرورة رفدها بالجديد من نوابغ الأجيال، وهذا يوجب ابتداء النظر في متطلبات الواقع ومقتضياته، والاهتمام بواجبات الوقت وفروض الكفايات التي تتغاير بتغاير الأزمان واحتياجاتها، وقد لعب التقدم العلمي والتقني دوراً كبيراً في تغيير كثير من الوجهات المرتبطة بهذه الفروض الكفائية، ما يلزم تجاهها الدفع بنخبة تتصدى للتخصص فيها أخذاً بقوله تعالى: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون)[التوبة: آية 122]، وهذا يستوعب كل وعاء تعليمي ومعرفي يستهدف بناء العقول والأجيال بناءً حقيقياً يتجاوز كثيراً حالة الإمعات التي تخرجها اليوم بعض مؤسسات التعليم العالي في العالم الإسلامي دون أن يكون لها نصيب من أسماء وعناوين ما تخرجوا فيه وبه.
ولعل فكرة الجامعات الحضارية التي دعا لها بصدق الدكتور حامد ربيع رحمه الله تعالى تأخذ الحظ الوافر من هذا الاستثمار في النخب حفظاً وبناءً، إذ أن بناء النخب الواعية والعارفة والعالمة والفاعلة تستوجب بناء أوعيتها الحاضنة، وهنا تتجلى في الجامعات الحضارية، يبنى في أروقتها العالم الأمة، فالعالِم الأمة لا بد أن ينشأ في وسط تمثله الجامعات الحضارية، فتترسم خطى ومعنى الرسالة في العالم، والوظيفة والدور في الجامعة، فتسترد الجامعات بهذا بعضاً من وعيها الحضاري وتتحول إلى مؤسسات حضارية، تهتم بقضايا الأمة وتعرف لها حقها، تحفز كل عناصر عمران الأمة وعمارتها في بناء حضاري متكامل ومتوازن وفعال[26].
رابعاً: التأكيد على دور المحاضن التربوية التكوينية الأولى التي تأخذ في اعتبارها التنشئة في سياقين علمي وتربوي لا يقف عند حدود المعارف، بل يهتم كذلك بالجوانب القيمية التي تأخذ بالنشأ إلى التحلي بالقيم والأخلاق وتنعكس استقامة في القول والفعل والحال، وهذه المحاضن تتعاضد من حيث أدوارها لتكون في سياق تكاملي، وأبرز هذه المحاضن: الأسرة، المدرسة، المسجد، مدارس تعليم القرآن، الأندية الثقافية والرياضية.
خامساً: ومن الأفكار التي لها بعد وسائلي في مواجهة اختطاف النخب تفعيل الدور المجتمعي في حفظ مكونات المجتمع الإسلامي وخمائره؛ وهذا يتمثل في إعادة النظر في العلاقة السياسية بينه وبين نظامه السياسي وتحويلها من دائرة التحكم إلى دائرة المشاركة والمساءلة، والأخذ بأسباب الدعم الذاتي لنشاطاته وفعالياته، وهنا يمكن تفعيل فكرة مؤسسات الأمة التي تدعم مشاريع المجتمع في بناء نخب ذات تخصصات متعددة ومتنوعة يحتاج إليها المجتمع، وتسهم في بناء المؤسسات المجتمعية وتأطيرها بأطر الصلاح والإصلاح، وبهذا تضمن حفظ النخب وأبنيتها المؤسساتية من الاختطاف، والإشارة هنا بالنسبة لمؤسسات الأمة بشكل أساس إلى مؤسسة الوقف التي تعد مؤسَّسَة مؤسِّسَة، وفي سياقها مؤسسة العلماء والمفتين، ومؤسسة المسجد.
[1] السيد مرتضى الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس، الكويت، وزارة الإعلام، ط2، 1407هـ/1987م، ج4ص246.
[2] أبو الفرج ابن الجوزي، صفة الصفوة، بيروت، دار الكتاب العربي، 1433هـ/2012م، ص28.
[3] بوتومور، الصفوة والمجتمع: دراسة في علم الاجتماع السياسي، الاسكندرية، دار المعرفة الجامعية، 1988م، ص25.
[4] د.السيد عمر، الدور السياسي للصفوة في صدر الإسلام، القاهرة، دار السلام، ط1، 1431هـ/2010م، ج1ص157.
[5] محمد يتيم، في نظرية الإصلاح الثقافي: مدخل لدراسة عوامل الانحطاط وبواعث النهضة، بيروت، الانتشار العربي، ط1، 2012م، ص201.
[6] د.عبدالكريم بكار، مدخل إلى التنمية المتكاملة: رؤية إسلامية، الرياض، دار المسلم، ط1، 1418هـ/1997م، ص291-293.
[7] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، ح: 1920، الرياض، بيت الأفكار الدولية، 1419هـ/1998م، ص795.
[8] د.أحمد طالب الإبراهيمي (جمع وتقديم)، آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي، بيروت، دار الغرب الإسلامي، ط1، 1997م، ج2ص123.
[9] محمد يتيم، في نظرية الإصلاح الثقافي: مدخل لدراسة عوامل الانحطاط وبواعث النهضة، بيروت، مؤسسة الانتشار العربي، ط1، 2012م، ص83 فما بعدها.
[10] انظر: محمد قطب، واقعنا المعاصر، القاهرة، دار الشروق، ط1، 1418هـ/1997م، ص153 فما بعدها.
[11] د.عبدالكريم بكار، تجديد الوعي، دمشق، دار القلم، ط1، 1421هـ/2000م، ص85-87.
[12] د.سليمان الخطيب، أنماط انتقال الأفكار وآلياتها بين التفاعل والاستلاب: دراسة حالة العلاقة بين عالم الغرب وعالم المسلمين، بحث منشور في كتاب: الحوار مع الغرب: آلياته، أهدافه، دوافعه، د.منى أبو الفضل ود.نادية محمود مصطفى (تحرير)، دمشق، دار الفكر، ط1، 1429هـ/2008م، ص130.
[13] أحمد العماري، نظرية الاستعداد في المواجهة الحضارية للاستعمار: المغرب نموذجاً، هيرندن – فرجينيا، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط1، 1417هـ/1997م، ص6.
[14] أنور الجندي، أهداف التغريب في العالم الإسلامي، القاهرة، الأمانة العامة للجنة العليا للدعوة الإسلامية بالأزهر الشريف، ص13.
[15] د.سعود عبدالعزيز الدوسري، التغريب في العالم الإسلامي: مخططاته وآثاره وكيفية مواجهته دعوياً، بحوث منشور في مجلة الدراسات الاجتماعية، جامعة العلوم والتكنولوجيا، اليمن، العدد الثاني والثلاثون، يناير/يونيو 2011م، ص194.
[16] د.إبراهيم البيومي غانم، التسميم الإعلامي للوعي الجماعي، إضاءات، تاريخ النشر: 14/5/2018م.
[17] شيريل بينارد وآخرون، بناء شبكات الاعتدال الإسلامي، القاهرة، تنوير للنشر والإعلام، ط1، 1437هـ/2015م، ص22.
[18] محمد يتيم، في نظرية الإصلاح الثقافي، مرجع سابق، ص151.
[19] عبدالوهاب المسيري، الجماعات الوظيفية اليهودية نموذج تفسيري جديد، القاهرة، دار الشروق، ط2، 2002، ص39-40.
[20] د.إبراهيم البيومي غانم، الأوقاف والسياسة في مصر، القاهرة، دار الشروق، ط1، 1419هـ/1998م، ص458.
[21] د.عصام عبدالشافي، محاضرة إدارة التحولات الاستراتيجية في العلاقات الدولية: المفاهيم، النظريات، الخرائط، أكاديمية العلاقات الدولية.
[22] مالك بن نبي، وجهة العالم الإسلامي، دمشق، دار الفكر، إعادة الطبعة الأولى، 1423هـ/2002م، ص93.
[23] محمد قطب، واقعنا المعاصر، مرجع سابق، ص309.
[24] أخرجه البخاري في صحيحه، رقم: 3641.
[25] د.نادية محمود مصطفى، الهجمات على الأمة وأنماط المقاومة الحضارية، مجلة قضايا ونظرات، مركز الحضارة للدراسات السياسية، العدد الخامس، أبريل 2017م، ص5.
[26] د.سيف الدين عبدالفتاح، أمتي في العالم – أمتي والعالِم: الأستاذ الدكتور حامد ربيع عالِم حمل هم الأمة في عقله، حولية أمتي في العالم، مركز الحضارة للدراسات السياسية، العدد الأول، 1419هـ/1999م، ص36.