إصداراتتقارير

تقرير: المجتمع المصري وتفاعله مع انتخابات ٢٠١٤ و ٢٠١٨

مقدمة

سنسعى في تلك الورقة إلى تحليل تفاعل الجماهير والمجتمع مع عملية الانتخابات في 2018، في اطار عام لتفاعلاته، وسنستند في ذلك التقرير على مدخل المقارنة مع انتخابات 2014، في ضوء مجموعة من المؤشرات والمحاور الأساسية لأي عملية انتخابية، وقياس حجم ومدى تفاعل الجماهير، ورصد أطر التفاعل لأهم الأحداث التي وقعت، وكيف تفاعلت معها الجماهير والشرائح الفاعلة في المجتمع، سواء بالإيجاب أو السلب، وما هي أهم الظواهر المجتمعية الناتجة عن الانتخابات، على الرغم من أن نتائج الانتخابات فيها كثير من العوار، بداية من اعتقال ومنع أو تهديد المرشحين المحتملين، وانتهائاً بالنتائج التي خرجت الكثير من المنظمات الحقوقية تشكك في صحتها وأنها مزورة. سيركز البحث على رصد السلوك الجمعي للمجتمع، ومقارنته بأول انتخابات رئاسية بعد الثورة في 2012، والظواهر المجتمعية في كل من انتخابات 2014 وانتخابات 2018، وعلى الرغم من عدم صحة الأرقام الصادرة عن الهيئة المنظمة للانتخابات في 2014 و2018، إلا أننا سنفترض صحة تلك الأرقام وسنرصد من خلالها السلوك المجتمعي.

محاور المقارنة

المحاور المؤشرات 2018 2014 ملاحظات
أولاً: قبيل الانتخابات وصف

الوضع السياسي والأمني

الوضع السياسي كان مستقراً بشكل عام في الآونة الأخيرة، على الرغم من المواجهات العسكرية مع تنظيم ولاية سيناء، الذي كاد أن يغتال وزيري الدفاع والداخلية عند صعودهم للطائرة، والذي أصبح في وتيرة انخفاض لمعدل الخطر والتهديد الذي يقوم به منذ بداية نشأة التنظيم؛ إذ كان يتصاعد مع مرور الوقت وكان ذلك بعد العملية الأخيرة التي قام بها الجيش في سيناء؛ حيث ضاعف أعداد قواته داخل سيناء بعد تنسيق مع إسرائيل حسب ما ورد من تصريح من أحد المسؤولين الإسرائيلين في إحدى الحلقات على الراديو.

وحتى الآن لا يزال يعاني الشارع المصري من انسداد الأفق السياسي لأي معارضة، أو حتى أدنى مساحات من الحرية والتعبير عن الرأي؛ بل تزداد وتيرة عمل الأجهزة ضد الصحفيين والمواقع التي تقدم محتوى ينتقد أو يعارض سياسات السيسي والنظام القائم.

أما بخصوص الجانب الاقتصادي، فقد تأثرت العديد من الشرائح بالمجتمع بقرارات رفع الدعم التي تبناها السيسي ومنظومته، وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار المعيشة والسلع الرئيسية، علاوة على تحرير العملة.

كان الوضع السياسي حينها في اضطراب شديد بعد انقلاب 2013، وخاصة بعد مجزرة رابعة والنهضة؛ إذ كان يواجه النظام والسيسي مشكلة في الشرعية والاعتراف الدولي، وكانت تسود مصر المظاهرات في الجامعات والشوارع، التي كانت تندد بالانقلاب العسكري والمجازر التي ارتكبتها الأجهزها الأمنية حينها، وتطالب بعودة مرسي للحكم.

استطاع السيسي من خلال عدة تغييرات في المنظومة الأمنية، واستحداث أجهزة أمنية جديدة، وخاصة تغيير وزير الداخلية الذي قدم من جهاز الأمن الوطني (أمن الدولة سابقا)؛ إذ قام بتطوير منظومة المعلومات، وتطوير عمل الوحدات الخاصة، مما أهله للسيطرة على المظاهرات والحد منها، واعتقال أو تصفية القيادات الفاعلة والمؤثرة في المشهد والحراك وزيادة القبضة الأمنية، إذ شهدت الفترة بين انتخابات 2014 وانتخابات 2018 تصعاد وتيرة المظاهرات والأعمال النوعية حتى منتصف 2015 وأخذت بالانحدار حتى انعدمت.
ثانياً: المرشحون والحملات الانتخابية المرشحون المرشحون هم:

–          السيسي

–          موسى مصطفى موسى

كان هناك العديد من المرشحين على الساحة، لكن النظام حال دون ترشحهم؛ إذ ضُغط على أحمد شفيق ووضعه قيد الإقامة الجبرية، وذلك بعد ترحيله من الإمارات بشكل مهين، وأُوقف العقيد أحمد قنصوة وحكم عليه بست سنوات من قِبل محكمة عسكرية، واعتُقل رئيس الأركان السابق سامي عنان من قِبل المخابرات الحربية وذلك بعد إعلانه الترشح، وقد أعلن خالد علي في وقت لاحق انسحابه وعدم استكمال جمع التوكيلات اللازمة للتقدم بها للهيئة الوطنية المشرفة على الانتخابات الرئاسية.

ومن المهم الإشارة أن ذلك الإقصاء الذي لعبته الأجهزة الأمنية والحكومية في إبعاد المرشحين ذوي الثقل، والذين كان لهم حضور وتأثير في الدوائر التي اعتمد السيسي عليها في الوصول إلى الرئاسة في 2014، على الأخص الجيش والحزب الوطني المنحل، وهو ما يمثل مؤشراً على وجود اعتراض على سياسات السيسي الخارجية والداخلية في بعض الملفات، كما أشار إلى ذلك سامي عنان، من خلال بعض تغريداته وبيانه والمتحدثين باسمه حينها: الدكتور حازم حسني وهشام جنينة، الذي اعتُدي عليه واعتُقل أيضاً.

المرشحون هم:

–          السيسي

–          حمدين صباحي

كان المشهد مربكاً بعض الشيء، خاصة أن الوضع الأمني والسياسي في البلاد كانت تسوده المظاهرات الطلابية والمعارضة للانقلاب العسكري، إضافة إلى المظاهرات المؤيدة لمرسي، وقد دُشنت حملة (كمل جميلك) لتدعو السيسي إلى النزول للانتخابات الرئاسية؛ وأعلنت أنها جمعت 15 مليون توقيع لدعم السيسي، في مشهد هزلي ودون توثيق لتلك التوقيعات، كما حدث في حملة (تمرد)، وقد خرج بتصريح بعدها على إثر الحملة بعدم اعتراضه للنزول للانتخابات. وقد كان.

في المقابل من الجهة الأخرى فقد عارض أبو الفتوح المرشح الرئاسي السابق ترشح السيسي للانتخابات الرئاسية، ولم تمانع حملة تمرد من ترشح السيسي، فيما أعلنت دعمها للمرشح السابق عمرو موسى، الذي أعلن في ديسمبر 2013 أنه لا ينتوي الترشح، وقد دشن مؤيدو حمدين صباحي والتيار الشعبي حملة “مرشح الثورة” لدعم حمدين صباحي في الانتخابات، والتي على إثرها أعلن أنه سيخوض الانتخابات الرئاسية وربما يدعم مرشحاً آخر إذا كان هناك توافق عليه، وقد استقر الأمر عليه بعد أن أعلنت جبهة الإنقاذ دعمها له.

عند المقارنة في ذلك المحور، سنجد أن 2018 شهدت محاولات للتغيير، في قطاعات تمثل ثقلاً في الدوائر التي ارتكز عليها السيسي خلال الفترات السابقة، على الرغم من عدم تحقيقها مكاسب، أو تمكنها حتى من النزول والمنافسة، إلا أنها تعد مؤشراً على وجود بوادر للتغيير من قطاعات جديدة لا تنتمي للثورة؛ بل كانت على النقيض. وهو مؤشر (سلبي).

انحصار المرشحين المحتملين هو عامل يزيد من القطاعات المعارضة للنظام. (سلبي).

لا يمكن حتى الآن قياس ردود أفعال القطاعات المؤيدة للثورة بشكل كمي، على الرغم من عدم تمكن (خالد علي) المحسوب على المعارضة من جمع التوكيلات اللازمة لخوض الانتخابات، إلا أن فكرة الانتخابات لا تزال تمثل إشكالية كبيرة عند كثير من القطاعات المؤيدة للثورة على اختلاف درجات تفاعلها الحركي مع الثورة، إلا أن حتى الآن لم تشارك معظم تلك القطاعات في انتخابات 2014 وانتخابات 2018، ويمكن قياسه من خلال الشرائح الفاعلة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، رغم ترحيب البعض بفكرة دعم سامي عنان في بداية ترشحه؛ لما كان يمثله من فرصة حقيقية للتغيير، مقابل السيسي؛ لتخفيف القبضة الأمنية على البلاد، وإخلاء سبيل المعتقلين السياسيين، إلا أنهم لم يشاركوا في أي استحقاق انتخابي. (سلبي).

الحملات الانتخابية والخطاب الإعلامي لم تكن هناك حملات بالشكل المعتاد عليه في أي انتخابات، ولا تنافُس بين الحملتين؛ فلم تحدث أي حملات دعائية من قِبل موسى مصطفى، بل على النقيض يشكك الكثير في صحة ترشحه للانتخابات، وعدم استيفائه الشروط اللازمة للترشح.

في المقابل قام السيسي بعمل حملات في كل مكان، عن طريق إجبار المحلات ورجال الأعمال على طباعة الدعاية واللوحات الدعائية، ووضعها أمام المحلات وفي الشوارع؛ إذ مارست المحليات والأجهزة الأمينة سياسة الإكراه والتضييق عليهم.

كانت هناك حملتان هما اللتان انطلق على إثرهما كل مرشح، وهما: (كمل جميلك)، و(مرشح الثورة)، وقد تفاعلت بعض من قطاعات المجتمع، التي استطاع السيسي ونظامه بعد الانقلاب وغلقه للقنوات ومصادرته كل الآراء الأخرى أن يؤثر على بعضها؛ إذ شارك بعضها كرد فعل طبيعي  تلقائي بالرقص في بعض تلك التجمعات، التي كانت تروج للسيسي في حملته الانتخابية على أنه المنقذ للوضع والبلاد، في حين واجه حمدين صباحي الكثير من الانتقادات على خلفية قراره بمشاركته في الانتخابات، فلم تستطع الحملة من عمل الدعاية اللازمة له؛ بل اتخذت منحنى الرد على الشباب المنتمي للثورة في مبدأ المشاركة من عدمه. توسع نفوذ السيسي إعلامياً مع مرور الوقت، من خلال إحكام قبضته على الرأي العام، من خلال قنوات الإعلامية وسيطرته على مختلف أنواع الخطابات الإعلامية، سواء الدينية في المساجد، أو في المدارس من خلال الطابور الصباحي، أو من خلال إجبار المحلات والشركات على عمل اللوحات الدعائية والدعاية له في الشوارع، من خلال أذرعه الأمنية، وهو يعد (مؤشراً سلبياً)، من زاوية عدم وجود مخرج أو فرصة لأي خطاب معارض، والتأثير على الجماهير حتى ولو بشكل متراكم على المدى البعيد؛ بل عمل على إخضاع الجماهير له واستحواذه على كل وسائل الإعلام التقليدية وغير التقليدية.

وهو يعد (مؤشراً سلبياً) بزيادة القطاعات المعارضة له، حتى وإن لم يكن لها مردود وقتي على تلك السلوكيات؛ فتمادي السيسي وأجهزته الأمنية في فعل مزيد من الإكراه والسيطرة والتحكم بكل أدوات الخطاب الموجه للشعب، يزيد من تراكم الأصوات المعارضة له على المدى البعيد.

الجهة المنظمة للانتخابات أنشِئت الهيئة الوطنية للانتخابات في جمهورية مصر العربية إعمالاً لنصوص دستور 2014، والذي نصت المادة 208 منه على إنشاء الهيئة كهيئة مستقلة، تختص دون غيرها بإدارة الاستفتاءات، والانتخابات الرئاسية، والنيابية، والمحلية.

لم تكن الجهة محايدة في تعاطيها مع الأحداث الجارية، خاصة مع اعتقال ومنع المرشحين المحتملين، ولم تسعَ حتى في التحقيق في الأمر، وكأنه لم يحدث، وهو ما يثبت تحيزها لطرف على حساب طرف آخر، مما يفقدها حيادها المنوط بها.

شُكلت اللجنة المنظمة للانتخابات الرئاسية طبقاً لنص المادة 3 من القانون 22 لسنة 2014، من: نائب المحكمة الدستورية والنقض والاستئناف ومجلس الدولة، ولم تتعرض الهيئة المنظمة حينها إلى ضغوط ومسائل وأحداث هامة تطعن في أدائها؛ إذ كان الوضع العام  من صراع في المشهد هو المحرك والمخيم على فكرة الانتخابات ذاتها وشرعيتها من عدمها، ولم يظهر حينها على السطح الانتهاكات القضائية التي مارستها الهيئات القضائية المختلفة ضد معظم الشرائح المؤيدة للثورة. لا يمكن القول إن الجهات المنظمة قد تجاوزت في حق المرشحين المتقدمين؛ إذ إن الأجهزة الأمنية كان لها الدور الكبير في تشكيل خريطة المرشحين، والسماح من عدمه للمرشحين المتقدمين لخوض السباق، ولكنها صمتت عن تلك التجاوزات من قبل الأجهزة الأخرى، وقد تفاعل الكثير من الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي مع اعتقال سامي عنان وأحمد شفيق، وعلى ما يظهر أنه ليس مؤشراً جماهيرياً له وزنه على الساحة، إلا أنه طعن في حياد المؤسسة القضائية لدى الجماهير. (سلبي).
ثالثا: العملية الانتخابية الخطاب الديني رصدت مجموعة من المراكز الحقوقية انتهاكات وتجاوزات، وأصدرت بيانات عن عدة محافظات تفيد بوجود توجيه ديني من قبل بعض المساجد والكنائس، يحث المواطنين ويدعوهم إلى لمشاركة ودعم مرشح بعينه وهو السيسي، وإن كان لا بد أن تشارك في توعية المجتمع، ولكن بعد التغييرات التي قام السيسي ونظامه بفرضها على المساجد والأوقاف من تسييس وتطويع المنابر للدولة، تحولت إلى أداة من أدوات السيسي التي يستخدمها ويتحكم بها. لا يختلف الأمر كثيراً عن 2018؛ فقد شهد نفس التوجيه، إلا أن الشاهد أن دور الكنيسة كان أكبر في انتخابات 2018؛ إذ شارك البابا بدعم سياسي وتوجيه الأقباط للتصويت للسيسي، إلا أن بعض الأئمة كان يملك الجرأة في توجيه النقد للنظام قبيل انتخابات 2014، إلا أن دورهم انحسر مع اعتقال ومنع بعضهم بعد قدوم وزير الداخلية الأخير ذي الخلفية الأمنية. توسع السيسي في بسط أذرعه في المساجد من خلال الأوقاف والأجهزة الأمنية، واستغل زياراته للكنائس لكسب تعاطف وود الأقباط، واستخدم القساوسة كأحد أدواته في السياسة الخارجية للتغطية على ممارساته وسياساته الداخلية.
عدد المنظمات الحقوقية المراقبة للانتخابات صدرت الموافقة على عمل 53 منظمة محلية، و9 منظمات دولية، حسب بيان صادر عن الهيئة الوطنية للانتخابات. بلغ عدد المنظمات التي تابعت وراقبت الانتخابات 80 منظمة محلية، و4 منظمات دولية. يظهر لنا انخفاض عدد المنظمات المشرفة على الانتخبات الرئاسية قرابة النصف، وهو مؤشر يدلل على الدور الذي تلعبه الدولة وأجهزتها في الحد من نشاط تلك المؤسسات المحايدة في الغالب، في حين إذا تطرقنا إلى نوع الجمعيات فسنجد أن معظم الجمعيات المحلية هي حديثة وليست ذات خبرة أو تخصص في الرقابة على الانتخبات ومتابعتها (سلبي).
الرقص كظاهرة شعبية امتدت هذه الظاهرة من الانتخابات السابقة لسنة 2014، ولكن لوحظ تقلصها في هذه السنة؛ بل ظهر العديد من الإعلانات في مواقع التواصل الاجتماعي تبحث عن راقصات على الأبواب بمقابل مادي 100 إلى 200 جنيه في اليوم، مع تقديم وجبة غذاء. كانت إحدى الظواهر المستجدة في انتخابات 2014  الرئاسية هي “الرقص” على أبواب اللجان، والتعبير عن الفرحة؛ إذ انتشرت الكثير من المقاطع المصورة التي ترصد ذلك على أبواب اللجان الانتخابية. تقلص ظاهرة الرقص في انتخابات 2018 عن سابقتها، ودفع مقابل مادي نظير الرقص، هو مؤشر على أن معظم الظاهرة وإن بدا في بداية ظهورها أنه تلقائي ورد فعل طبيعي من بعض  فئات داخل المجتمع، إلا أن تقلصها وانحسارها وظهور المال على نقيض انتخابات 2014، هو دليل كبير على تصنيعها من قبل جهات تود أن تخرج تلك الظاهرة وتحاول تعميمها من خلال القنوات الفضائية الموالية لها، وهذا يعد مؤشراً (سلبياً)؛ إذ إن تقلص الظاهرة وانحسارها في فئات أقل مجتمعية أو بمقابل مادي، يدل على سلوك عكسي من الفئات التي كانت تُقبل على تلك الظاهرة في البداية من دافع تلقائي.
التغطية الإعلامية للانتخابات ارتكز الإعلام الداخلي على مضامين متعلقة بمكافحة الإرهاب، وتغطية مزيفة للانتخابات، والتركيز على بعض الظواهر المفتعلة وتعميمها، فيما تفاعلت وسائل الإعلام الأجنبية بشكل ساخر، على وجه الخصوص منع المرشحين واعتقالهم، حيث إن أي انتخابات يسبقها منافسة سياسة حتى ولو محدودة، كما حدث في 2014، وهو الذي سعى النظام لوئدها في بدايته وإزاحة أي تهديد أو منافس حقيقي أمام السيسي، فأدى ذلك لخلو المشهد من أي نشاط أو ممارسة سياسية يمكن أن تستند عليها وسائل الإعلام في تغطيتها وتفاعل الجماهير معها. واجه السيسي حملات شعبية قوية تحت الهاشتاج المشهور، وتفاعل عليه ملايين الأشخاص على مواقع التواصل الاجتماعي، وشارك في الحملة العديد من الناشطين الدوليين، وكان للحملة سمت شعبي وشبابي بمضمون نقدي لاذع موجه ضد السيسي، فيما وصف حمدين صباحي بالكومبرس، حاولت وسائل الاعلام في الداخل التغطية على الهاشتاج وعمل حملات معاكسة، ولكنها فشلت جميعها وحققت الحملة الشعبية مضمونها من جهة المقاطعة وعدم المشاركة.

كان الإعلام مشاركاً في دعوة وحث الجماهير للمشاركة في الانتخابات، وكان يتأثر من جراء تداول صور للجان فارغة ويحاول تغطية اللجان التي تشهد بعض الإقبال.

اختلفت التغطية الإعلامية لانتخابات 2018 عن 2014، أنها لم تعد تكترث إذا كان يوجد إقبال للجماهير من عدمه، ولم تكترث بذلك إذ إن الممارسات التي انتهجتها الأجهزة الأمنية مع المرشحين المحتملين لم تعطِ مساحة للمارسة السياسة ولو أدنى صور المنافسة السياسة كما حدث في 2014، أما على الصعيد الجماهيري فقد امتدت المقاطعة وزادت عن الانتخابات السابقة.

فشل المنظومات الإعلامية في حشد المواطنين للعملية الانتخابية، والتأثير عليها بشكل إيجابي.

الأرقام الصادرة عن الجهات الرسمية المنظمة للانتخابات
السيسي موسى مصطفى
إجمالي الأصوات التي حصل عليها 21,684,056 654,615
إجمالي الأصوات التي حصل عليها في الخارج 151,331 1,919
اجمالي المشاركين من الخارج 157,060
عدد الأصوات الباطلة 1,762,231
عدد من لهم حق التصويت 58,921,078
اجمالي الحضور 24,097,092
نسبة المشاركة 41.05 %
السيسي حمدين صباحي
إجمالي الأصوات التي حصل عليها 23,780,104 757,511
إجمالي الأصوات التي حصل عليها في الخارج 296,628 17,207
اجمالي المشاركين من الخارج 318,033
عدد الأصوات الباطلة 1,040,608
عدد من لهم حق التصويت 53,909,306
اجمالي الحضور 25,578,223
نسبة المشاركة 47.45%
استناداً إلى الأرقام الصادرة من الجهة الرسمية المنظمة للانتخابات، وتجاوزاً لكثير من التقارير الصادرة عن الانتخابات، بداية من الترشح وحتى الإكراه؛ فيمكن الخروج بمجموعة من المؤشرات الكمية من تفاعل الجماهير مع الانتخابات:

–          تدني عدد الأصوات التي حصل عليها السيسي مقارنة بانتخابات 2014، بما يزيد عن 2 مليون صوت (سلبي).

–          تدني عدد المصوتين للسيسي في الخارج إلى قرابة النصف (سلبي).

–          تدني عدد المشاركين في العملية الانتخابات إلى النصف، مقارنة مع انتخابات 2014، وهو عنصر هام يدلل على أمرين مهمين: الأول عزوف عدد كبير من الشرائح التي كانت مؤيدة للسيسي وأعطت شرعية للنظام القائم حينها، فقاطعت الانتخابات بسبب سلوك السيسي وأجهزته الأمنية مع مرشحين محتملين، أما الأمر الثاني فهو فقدان شرعية الانتخابات وعدم الاعتراف بها أو جدواها. (سلبي)

–          هبوط نسبة المشاركة بمقدار 6 %  (سلبي)

على الرغم من أن قاعدة الناخبين قد زادت عن 5 ملايين ناخب وهم بالتأكيد من الشباب فهو مؤشر هام عن عزوف قطاعات الشباب التي أصبح لها حق التصويت بعد مرور أربع سنوات من 2014 أي أن الفئة العمرية ( 18 – 23 ) وهي الفئة التي يعاني السيسي والنظام من إشكاليات تجاهها، من أجل الحصول على تأييدها وجذبها للتفاعل والانخراط مع سياساته (سلبي).

يمكن الاستدلال هنا على أن ظاهرة المقاطعة هي سلوك مجتمعي وليس فقط ظاهرة؛ إذ إنها مع الوقت تزداد ولا تتقلص، عكس ظاهرة الرقص.

مقارنة كمية من المشاركة في الانتخابات 2012 و2018 و2014

2018 2014 2012
المقارنات الكمية
السيسي موسى مصطفى
إجمالي الأصوات التي حصل عليها 21,684,056 654,615
إجمالي الأصوات التي حصل عليها في الخارج 151,331 1,919
إجمالي المشاركين من الخارج 157,060
عدد الأصوات الباطلة 1,762,231
عدد من لهم حق التصويت 58,921,078
إجمالي الحضور 24,097,092
نسبة المشاركة 41.05 %
السيسي حمدين صباحي
إجمالي الأصوات التي حصل عليها 23,780,104 757,511
إجمالي الأصوات التي حصل عليها في الخارج 296,628 17,207
إجمالي المشاركين من الخارج 318,033
عدد الأصوات الباطلة 1,040,608
عدد من لهم حق التصويت 53,909,306
إجمالي الحضور 25,578,223
نسبة المشاركة 47.45%
مرسي احمد شفيق
إجمالي الأصوات التي حصل عليها 13230131 12347380
إجمالي الأصوات التي حصل عليها في الخارج 225,893 75,827
إجمالي المسجلين من الخارج 586,803
عدد الأصوات الباطلة 843الف صوت
عدد من لهم حق التصويت 50958794
إجمالي الحضور 26240763
نسبة المشاركة 51.85%
ملاحظات –          من الظاهر أن نسبة المشاركة في الانتخابات تحوم حول 25 مليون ناخب في كل عملية انتخابية، وهو ما يُظهر أنه يوجد فرق كبير بين الشواهد الظاهرة في كل انتخابات من حيث الصفوف والزحام، وهو أمر يدعو إلى الشكوك، وبعيداً عن كون الأحداث التي واكبت انتخابات 2018 وانتخابات 2014 من منع مرشحين واعتقالهم وانسداد المشهد سياسياً أمام أي معارضة وانحصار المشهد في مرشحين اثنين فقط السيسي ومن يسمح له بالترشح أمامه، فإنه من الصعب تغير سلوك الجماهير من مؤيدة للتيار الاسلامي والثورة وما وقع عليها من مظلوميات وانتهاكات بحقها، إلى مؤيدة للنظام والأطراف المحسوبة على الثورة المضادة متمثلة في المجلس العسكري والحزب الوطني وشبكاتهم المختلفة، وهذا مؤشر يدل على وجود تزوير كبير في نتائج 2014 و2018 بأنها غير معبرة عن السلوك الجمعي للجماهير.

–          على الرغم من الشكوك في نزاهة انتخابات 2014 وانتخابات 2018 بشهادة العديد من المراكز الحقوقية المختصة بالرقابة على الانتخابات، إلا أن المقارنة الكمية تثبت أن الجماهير في سلوك جمعي نحو المقاطعة وعدم المشاركة.

–          كانت نتائج الجولة الأولى مؤشراً يمكن الاستناد عليه لقياس حجم الكتل المؤيدة للثورة والمعارضة أو المحايدة عنها:

مرشحون تبنوا المنهجية الثورية عدد الأصوات ملاحظات
محمد مرسي 5,764,952 المجموع الكلي = 15019894
أبوالفتوح 4,065,239
حميدن صباحي 4,820,273
خالد علي 134,056
محمد سليم العوا 235,374
مرشحون محسوبون على النظام عدد الأصوات ملاحظات
عمرو موسى 2,588,850 المجموع الكلي = 8094177
أحمد شفيق 5,505,327

o       يظهر لنا حجم الكتلتين الرئيسيتين من زاوية تأييد الثورة. بالتأكيد هناك عوامل مباشرة وغير مباشرة تبنتها كل حملة وكان لها تأثيرها خلال الانتخابات من تغيير القناعات، ولكن بالتأكيد أن نسبة كبيرة من تلك الأصوات كانت تصوت بدافع رئيسي مستبطن خلال ذلك السباق الانتخابي، وهو الثورة كما ظهر في جولة الإعادة.

o       على الرغم من تبني بعض الفئات المحسوبة على الثورة حملات المقاطعة، وقامت قنوات مؤيدة ومحسوبة على النظام والحزب الوطني بتكبير تلك الحملات وإعطاء مساحة كبيرة لها في وسائل الإعلام، لم تحد من حجم الكتلة المؤيدة للثورة.

o       من المؤكد أن انحصار المشهد بين محمد مرسي وأحمد شفيق استغله الحزب الوطني، ووظف الأعمال التي مورست حينها ضد الأقباط والكنائس توظيفاً أيدلوجياً، على الرغم مما اتضج من خلال بعض الأحداث أن المدبر والمنفذ لها هو المجلس العسكري، كما حدث في ماسبيرو، ولكن استطاع الإعلام تشتيت المشهد وتصوير المشهد على أنه فريقان: فاشية دينية ستستبيح حقوق الأقباط، والمنقذ أحمد شفيق؛ فكان لذلك تأثير وانعكاس على نتائج جولة الإعادة؛ إذ إن فئات من الأقباط لم تتفاعل مع المشهد على أنه ثورة وثورة مضادة؛ بل فاشية دينية ومنقذ.

–          نستدل هنا أن السلوك الجمعي للجماهير في الجولة الأولى وجولة الإعادة يتنافى تماماً مع النتائج المعلنة في انتخابات 2014 وانتخابات 2018، وهو ما يثبت أنها مزورة وغير معبرة عن المجتمع.

  • سياسات النظام وأداء الحكومة
  • تأثرت الجماهير بسياسات السيسي وأداء الحكومة فيما يتعلق برفع الدعم عن المواطنين وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية وخاصة البترول، علاوة على تحرير سعر العملة وزيادة التضخم جراء طباعة أوراق نقدية، فكل تلك السياسات أثرت بالسلب وزادت من مساحات المعارضة وعدم التعاطي مع السيسي.
  • عدم وجود عائد للمواطنين من “المشاريع القومية” التي نفذتها القوات المسلحة، بداية من تفريعة قناة السويس والطرق والشوارع التي نفذتها وتأخذ منها مقابلاً مادياً نظير استخدامها، والعاصمة الجديدة وغيرها من المشاريع التي أنهكت موازنة الدولة العامة، من خلال استقطاع جزء من ميزانية المؤسسات الحكومية، وبددت مساهمات الجماهير.
  • السياسات المتناقضة من الترويج إلى كون الجيش يحارب الإرهاب، وفي نفس الوقت الدعوة إلى تنشيط السياحة، يعتقل المرشحين المحتملين للرئاسة ويحث الجماهير على المشاركة في الانتخابات، مثلت تلك السيسات خللاً في أدء الإعلام، وتضارب السياسة الخارجية والداخية نتيجة فقدان الاستراتيجية، سواء على الصعيد الخارجي أو الداخلي، فنتج عنه عزوف الجماهير عن التعاطي مع أي سياسات تصدر عن النظام، وتخبط السياسات الخارجية المتضادة أثر على السياحة وعلى معاش الناس.
  • إحدى الدلالات على السياسات المتناقضة هي حجم المجهودات التي بذلها النظام للحصول على شرعية دولية واعتراف دولي بعد الانقلاب؛ فبكل خطوة يبذلها للحصول على شرعية يفقدها جراء ممارسات مع المجتمع، سواء في الانتخابات أو حقوق الانسان أو التصفية خارج نطاق القانون.
  • خرجت أصوات من قبل بعض نواب “البرلمان” الحالي تطالب بتمديد الفترة الرئاسية قبيل الانتخابات؛ فواجهت انتقادات أجنبية كبيرة على ذلك، وقام عصام حجي بتنظيم حملة كبيرة في الإعلام الغربي مع مجموعة من الناشطين، وتفاعل معها بعض نواب الكنجرس ومجلس الشيوخ؛ إذ كان واكب تلك الانتقادات صدور تقرير عن منظمة هيومن رايتس واتش تحت اسم (هنا نفعل أشياء لا تصدق)، بجانب فضيحة التعاون العسكري مع كوريا الشمالية، فحال ذلك دون المضي في التعديلات الدستورية، ولكن بعد إعلان النتائج الأخيرة خرجت مجموعة تطالب بتعديلات دستورية لأن يكون السيسي رئيساً مدى الحياة، والبعض طالب بتمديد الفترة الرئاسية أو إزالة العوائق الدستورية التي تحول دون استمرار السيسي، تُعد كل تلك الممارسات صابة في توضيح الصورة أكثر وأكثر، ودالة على فاشية ودكتاتورية النظام أمام بعض الشرائح التي تعاطفت أو انخدعت في السيسي والنظام.
  • حاول النظام اصطناع مظاهر الاحتفال والفرحة وتعميمها، فلم يتفاعل معها أحد؛ بل كانت لوفاة الكاتب أحمد توفيق تغطية كبيرة وتفاعل من قبل قطاعات الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي أكبر، وكانت لجنازته حضور كبير غطى على كل الأجواء التي كان يسعى النظام للترويج لها واصطناعها؛ فقد سافر الشباب من مختلف المحافظات للمشاركة في تشييعه، وهو يدل على انصراف الجماهير وخاصة الشباب عن ما يقوم به السيسي.
  • الاستنتاجات
  • زيادة القطاعات الجماهيرية المعارضة للنظام، أو بأقل تقدير تحولها من مؤيدة للنظام إلى محايدة، وعدم تفاعلهم مع المشهد السياسي؛ إذ أثرت بعض تلك السياسات على الشرائح المؤيدة للنظام سابقاً، ودعمت أحمد شفيق أحد وزراء مبارك والمحسوب على الحزب الوطني في انتخابات 2012.
  • خروج مرشحين من خلفية عسكرية هما رئيس الأركان السابق سامي عنان والعقيد أحمد قنصوة، دلالة على وجود تجاذبات داخل المؤسسة العسكرية.
  • انصراف الشباب ومقاطعتهم لأي استحقاق انتخابي بعد انقلاب 2013 ونموه مع الوقت، على الرغم من محاولات النظام جذب الشباب لصفه من خلال العديد من المؤتمرات.
  • نمو ظاهرة المقاطعة للانتخابات نتيجة السياسات التي تنتهجها الأجهزة الأمنية، والسياسات المتناقضة من قبل السيسي وحكومته.
  • إجبار السيسي والنظام للموظفين وبعض الناس على المشاركة في الانتخابات، زاد من أعداد الأصوات الباطلة، فحلت مركزاً في السباق الانتخابي المزيف.
  • انخفاض أعداد المشاركين في الانتخابات بالخارج إلى ما يزيد عن النصف من انتخابات 2014، دليل على انصراف الجماهير، وعدم اقتناعهم بالعملية الانتخابية ككل، علاوة على تأثرها من سياسات السيسي الخارجية.
  • تعمد النظام بأجهزته الأمنية والقنوات الإعلامية الموالية له استخدام ظاهرة التعميم لبعض الظواهر المفتعلة؛ كالرقص عند اللجان، للتشويش على الحقائق وصنع مشهد زائف أمام الشعب، وهو يدل على أن النظام يعي تماماً الدور الذي يمكن أن يلعبه الشعب إذا تحرك ضده؛ فيسعى بكل الطرق الممكنة لتزييف المشهد وإقناع الجماهير به، عكس ما كان يفعله مبارك الذي لم يكن يكترث لردة فعل الشعب.
  • انسداد المشهد السياسي وانحساره في السيسي ومجموعة من المقربين له، يُذكر بواقع ما حدث بعد تزوير انتخابات 2010، وأن كل السبل والأدوات للاعتراض أو المشاركة في المشهد تنعدم؛ فرؤية السيسي وأجهزته الأمنية هي إغلاق كل الأبواب والمنافذ حتى ولو كانت صورية.
  • خروج أكثر من مرشح يعبر عن كتلة الحزب الوطني بالمجتمع واعتقال مجموعات تابعة له، سيؤثر على تماسكها في المستقبل.
  • كل تلك السياسات تمثل نموذجاً لانتخابات فاشية وقسرية.
  • فشل المنظومات الإعلامية في حشد المواطنين للعملية الانتخابية والتأثير عليها بشكل ايجابي، دلالة على فقدانها التأثير على الجماهير وأن كل ما تقوم به من صناعة للرأي العام هي ممارسات مزيفة وغير حقيقية.
  • فشل السيسي في حشد الجماهير والقيام بأي فاعليات، حتى ولو بطرق وأساليب غير مشروعة؛ كما حدث مع بداية الانقلاب من طلبه التفويض.

السيناريو المرجح

أن يقوم السيسي بتغير الدستور لإزالة المانع عن عدم ترشحه للمرة الثالثة، أو تمديد فترة الرئاسة؛ فالسيسي لن يثق في أي شخص لإجراء عملية انتقالية كما فعل بوتن في روسيا على سبيل المثال؛ فسلوكه وعدم ثقته ينافي ذلك، وسيزداد الوضع السياسي انغلاقاً وتأزماً، وسيزيد من حملات الاعتقال لكل المعارضين له، على صعيد آخر سيسعى السيسي إلى إصدار مجموعة من القرارات التنفيذية والتشريعية فيما يخص رفع الدعم، وهو قد يؤدي لمزيد من الضغوطات الاقتصادية على كثير من القطاعات الجماهيرية، وهو ما سيزيد من شريحة المعارضين للسيسي ومنظومته الحاكمة، لا يمكن الجزم بأن ذلك سيؤدي إلى ثورة شاملة على النظام ولكنه عامل كبير في زيادة حجم المعارضين واتساع رقعة المظلوميات من ممارسات النظام وسياساته، وتحولهم لأرض خصبة لأي تحرك في المشهد ضد النظام سواء بالإيجاب أو الحياد، فمشاهد التفويض التي كان يستطيع السيسي اصطناعها لم يعد بمقدوره فعلها الآن.

زر الذهاب إلى الأعلى