العلاقات الإسرائيلية – الصينية: تهديدات مصيرية!

كان الأفراد والمؤسسات حتى أواخر القرن الماضي يحتاجون إلى شراء أجهزة كمبيوتر قوية (خوادم)، وتوظيف متخصصين، وتوفير تبريد، وتحديث وصيانة مستمرة، حتى يستطيعوا أن يضعوا بياناتهم وأنظمتهم ومواقعهم على الإنترنت.
ثم ظهرت “الحوسبة السحابية“، وهي طريقة لتوفير خدمات الحوسبة (مثل الخوادم، قواعد البيانات، الشبكات، البرمجيات، التخزين) عبر الإنترنت – أي “السحابة” – بدلاً من استخدام أجهزة محلية، وبدلًا من شراء أجهزة وبرمجيات وتثبيتها بنفسك، تستأجرها من شركات تقدمها عن بُعد وتدفع فقط حسب الاستخدام، مثل استئجار الكهرباء أو الماء.
أصبحت الحوسبة السحابية هي العمود الفقري للعصر الرقمي الحديث، تجعل من الممكن تشغيل شركات ضخمة بدون أجهزة حقيقية، وتتيح تطوير تطبيقات وذكاء اصطناعي وتخزين بيانات بلا حدود… وكل ذلك بمرونة وسرعة لم تكن ممكنة سابقًا. لكن أصبحت الحوسبة السحابية أيضا هي الممرات الحقيقية التي تعبر من خلالها – تقريبا – كل البيانات حول العالم، وأصبحت الشركات القليلة التي تملكها، بيدها الشرايين التي تنبض فيها معلومات وبيانات العالم.
أصبحت الحوسبة السحابية هي العمود الفقري للعصر الرقمي الحديث
الولايات المتحدة تتسيد فضاء الحوسبة السحابية بأكثر من 75٪ من الحصة السوقية العالمية (حتى يونيو 2025) بخمس شركات رائدة (وهي: أمازون بنسبة 31٪، مايكروسوفت 25٪، جوجل 11٪، أوراكل 3٪ وآي بي إم 2٪)، بينما بدأت الصين تستحوذ على حصة متصاعدة، بلغت حوالي 10٪ من السوق العالمي عبر 3 شركات عملاقة (هواوي، علي بابا وتينيسيت)[1].
هذه المزاحمة الصينية بدأت ترسل موجات من القلق السياسي والأمني في الغرب، وبالتالي في إسرائيل أيضا، خاصة مع التغلغل الصيني السريع والمنتظم في الشرق الأوسط.
تجد إسرائيل نفسها الآن بين خيارين أحلاهما مرٌّ:
- فإما تنفتح على القادم الصيني بقوة إلى سماء الشرق الأوسط في الحوسبة السحابية، فتُغضب الولايات المتحدة،
- أو تظل وفيَّةً لصيقة بالتقنيات الأمريكية محافِظة على علاقتها الخاصة الاستثنائية مع الولايات المتحدة، فيفوتها التفوق الإقليمي.
لقد أصبحت حماية سيادة المعلومات قضيةً إستراتيجية، إذ تُعدُّ “البيانات” أصلًا بالغ الأهمية للأمن القومي والخصوصية والاقتصاد؛ ولذلك، تعمل الدول على الحدِّ من الوصول إلى البيانات من خلال القوانين واللوائح لضمان الرقابة ومنع إساءة استخدام البيانات من قِبل جهات أجنبية. وفي الوقت نفسه، تُعدُّ السيطرة على تقنيات الحوسبة السحابية والبيانات التي تمر عبرها أمرًا بالغ الأهمية للحكومات والمؤسسات، لا سيما في المجالات الحساسة كالأمن والتمويل والطبِّ والنقل والابتكار.
وقد تُهدد نقاط الضعف في هذه الأنظمة، مثل الخروقات الأمنية أو تعطيل الخدمات الأساسية، الأمن القومي والاستقرار الاقتصادي والسياسي. هذه الزاوية المهمة لحماية الأمن القومي أصبحت هاجسًا إسرائيليًّا في العلاقات مع الصين.
أصبحت الشركات القليلة التي تملك الحوسبة السحابية، بيدها الشرايين التي تنبض فيها معلومات وبيانات العالم.
تحت عنوان: (الصعود الصيني في مجال التكنولوجيا بمنطقة الشرق الأوسط)[2] نشر معهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب، بتاريخ (26 مايو 2025) ورقة بحثية مهمة كتبتها الباحثة (يوفال ليس)[3] المتخصصة في الشئون الصينية، رأت فيه أن سوق الحوسبة السحابية في الشرق الأوسط يبرز كساحة للصراع العالمي على النفوذ التكنولوجي؛ حيث تتنافس الولايات المتحدة والصين على السيطرة على البُنى التحتية الرقمية، وتحديد المعايير التكنولوجية، وتشكيل قواعد اللعبة التي ستحدِّد طريقة تدفق المعلومات والبيانات، وقالت: إن التوسع التكنولوجي للصين في الشرق الأوسط قد يشكل تدريجيًّا تحديات متزايدة لإسرائيل، وهو ما يتطلب صياغة سياسة إستراتيجية وتكنولوجية تحافظ على المصالح الإسرائيلية، في ضوء الاتجاهات الناشئة في الساحتين التكنولوجية والجيوسياسية.
ملخص الدراسة:
- أشارت الكاتبة إلى أن زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لدول الخليج في مايو 2025، ركزت على “تعزيز الشراكات الاستراتيجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وتعزيز الصفقات الاقتصادية، خاصة في مجالات الأمن والتكنولوجيا، والتي تبلغ قيمتها مئات المليارات من الدولارات”.
وبحسب الباحثة، رُكّز بشكل خاص في زيارة ترامب على الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك الاتفاق بين الولايات المتحدة والإمارات على إنشاء حرم جامعي جديد لهذا القطاع في أبوظبي، والذي سيكون الأكبر من نوعه خارج أمريكا، وسيُنشأ هذا المجمع بقيادة شركة G42 الإماراتية وبالتعاون مع شركات التكنولوجيا الأمريكية الرائدة، وسيوفر البنية التحتية لمراكز البيانات والخدمات السحابية في المنطقة.
- ترى الكاتبة أن الاستثمارات الأمريكية تهدف إلى ترسيخ المكانة التكنولوجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وذلك في الوقت الذي تعمل فيه الصين على تعزيز حضورها الإقليمي والعالمي في التقنيات المتقدمة، مثل الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة والحوسبة السحابية، ومن الأمثلة البارزة على ذلك إعلان شركة “تينسنت كلاود Tencent Cloud” الصينية، في فبراير 2025، عن إطلاق أول منطقة سحابية لها بالشرق الأوسط، في المملكة العربية السعودية.
- والمقصود بالمنطقة السحابية هي الموقع الجغرافي حيث يقوم مزود السحابة بتشغيل مراكز بيانات منفصلة، مما يضمن استمرارية الخدمة والأداء العالي؛ إذ يؤثر اختيار المنطقة على السرعة والموثوقية والامتثال للأنظمة”، وجاء الإعلان عن ذلك خلال مؤتمر “LEAP 2025” للتكنولوجيا، الذي تدعمه وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية، وتعهدت شركة تينسنت كلاود الصينية باستثمار أكثر من 150 مليون دولار في السعودية في السنوات المقبلة، وبهذا الإعلان، انضمت تينسنت كلاود إلى شركتي التكنولوجيا الصينيتين العملاقتين “علي بابا Alibaba Cloud” و”هواوي كلاود Huawei Cloud”، اللتين تديران مناطق سحابية في المملكة وتوسعان حضورهما التكنولوجي في المنطقة، وترى أن “هذه التحركات تعكس المنافسة المتزايدة بين أمريكا والصين، على الريادة التكنولوجية في الشرق الأوسط”.
- تحدثت الباحثة أيضًا عن ماهية الحوسبة السحابية وأهميتها، موضحة أنها تعمل على “توفر الوصول إلى موارد الحوسبة عبر الإنترنت، بما في ذلك التخزين وقواعد البيانات والشبكات والبرمجيات وخدمات الأمان، دون الحاجة إلى أجهزة مادية أو خوادم محلية”، وأشارت إلى أن هذا المجال اكتسب أهمية كبيرة بشكل خاص بعد جائحة كورونا، التي سرَّعت الانتقال إلى النماذج الرقمية، ووفقًا لشركة “كاناليس” المتخصصة في تحليل السوق التكنولوجية، ارتفعت الإنفاقات على خدمات الحوسبة السحابية عالميًّا في الربع الثالث من عام 2024 بنسبة 21 بالمائة مقارنة بعام 2023، لتصل إلى 82 مليار دولار.
وتعد الحوسبة السحابية عنصرًا أساسيًّا في الاقتصاد الرقمي؛ حيث تمكن من تخزين البيانات ومعالجتها والوصول إليها، مع تحسين الكفاءة وتعزيز الابتكار، ورغم أن “هذه التكنولوجيا توفر فوائد اقتصادية مثل تقليل التكاليف، لكنها تتطلب تدابير أمنية لحماية المعلومات ومنع الهجمات السيبرانية”، وإلى “جانب أهميتها الاقتصادية والتكنولوجية، للحوسبة السحابية أهمية جيوسياسية وإستراتيجية”.
- وفي هذا الإطار، تُشكل الساحة التكنولوجية محور المنافسة بين الولايات المتحدة والصين؛ حيث تسعى كل قوة إلى قيادة هذا المجال لضمان الحصول على ميزة إستراتيجية وعسكرية واقتصادية، وأردفت: “في ضوء القيود الأمريكية، ترى الصين أن السيطرة على التكنولوجيات المتقدمة، بما في ذلك الحوسبة السحابية، وسيلة لتقليل الاعتماد على التكنولوجيات الأجنبية وترسيخ النفوذ العالمي، وذكرت أن “الحكومة الصينية حددت الحوسبة السحابية كمجال إستراتيجي في الخطة الخمسية الثانية عشرة (2011-2015)”؛ إذ “عملت على تعزيز تطوير البنية الأساسية المحلية وتشجيع نمو شركات الحوسبة السحابية الصينية”، وقد باتت “الشركات الصينية تسيطر اليوم على سوق الحوسبة السحابية في الصين، وتعمل على توسيع عملياتها العالمية تدريجيًّا”.
- في المقابل، ترى أن “صعود الصين كلاعب في مجال الحوسبة السحابية أثار مخاوف بين البلدان والمنظمات، خاصة فيما يتعلق بأمن المعلومات وانتهاكات الخصوصية والوصول غير المصرح به إلى البيانات ونقل المعلومات إلى أطراف خارجية، وتحديدًا إلى الحكومة الصينية، وأضافت: “في حين جذب إطلاق نموذج الذكاء الاصطناعي الصيني DeepSeek اهتمامًا عالميًّا، فقد حظيت قضية السحابة باهتمام أقل”، وأكملت: “رغم أن بيانات النموذج مخزنة على خوادم خاضعة لسيطرة الصين، ويمكن الوصول إليها من خلال البنى التحتية السحابية التي تديرها الشركات الصينية”.
- نبهت الباحثة أيضًا على ما كشفته شركة “ناو سيكيور “Now Secure الأمريكية المتخصصة في أمن التطبيقات المحمولة عن مشاكل أمنية كبيرة، ويشمل ذلك نقل البيانات غير المشفرة والتخزين غير الآمن، مع إرسال البيانات إلى خوادم في الصين تسيطر عليها شركة “بايت دانس “ByteDance الصينية الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات.
- وتشير الباحثة إلى زاوية أمنية خطيرة بقولها: “تنطبق المخاطر الناجمة عن استخدام تقنيات الحوسبة السحابية الصينية أيضًا على المركبات الذكية، التي يتم تخزين البيانات فيها، بما في ذلك الموقع في الوقت الفعلي وأنماط
إلى جانب أهميتها الاقتصادية والتكنولوجية، للحوسبة السحابية أهمية جيوسياسية وإستراتيجية.
القيادة، والمعلومات الشخصية للمستخدمين، والحالة الفنية للسيارة”، وشرحت مكمن الخطر قائلًة: “هناك مخاوف تتعلق بإمكانية استخدام البيانات التي تجمع من خلال تقنيات الحوسبة السحابية الصينية لأغراض تتجاوز غرضها الأصلي، مثل مراقبة المستخدمين أو التجسس الصناعي والأمني“، من جانبها، أعربت الحكومة الأمريكية أيضًا عن قلقها بشأن أنشطة شركات الحوسبة السحابية الصينية، ففي أغسطس 2020، وفي إطار مبادرة الشبكة النظيفة، أصدرت إدارة ترامب تحذيرًا ضد مقدمي الخدمات السحابية الصينيين من أجل حماية معلومات المواطنين والشركات الأمريكية ومنع تخزينها على أنظمة قد تكون عرضة للوصول من قبل الحكومة الصينية.
- وقد أطلقت إدارة الرئيس السابق جو بايدن في يناير 2022، تحقيقًا في عمليات الحوسبة السحابية لشركة “علي بابا” لفحص ما إذا كانت أنشطتها تشكل تهديدًا للأمن القومي للولايات المتحدة، وبحسب الباحثة: “ركز التحقيق (لم تنشر نتائجه حتى الآن) على كيفية تخزين الشركة الصينية لبيانات العملاء الأمريكيين، مع التركيز على المعلومات الشخصية والملكية الفكرية”، وأيضًا فحص ما إذا كانت الحكومة الصينية لديها إمكانية الوصول إلى هذه المعلومات.
- وتحدثت عن الوجود التكنولوجي الصيني في الشرق الأوسط، موضحة أن بكين “تعمل على تعميق مشاركتها الإقليمية من خلال المبادرات العالمية، مع التركيز على طريق الحرير الرقمي؛ الركيزة التكنولوجية لمبادرة الحزام والطريق”، وأشارت إلى أنه “خلال العقد الماضي، أصبحت شركات التكنولوجيا الصينية العملاقة، مثل علي بابا وهواوي، لاعبين بارزين في المشهد التكنولوجي في المنطقة، ويعملون على توسيع حضورهم من خلال عدة مبادرات”، “في الوقت ذاته، تظل الشركات الأمريكية محتفظة بميزة في سوق الحوسبة السحابية في الشرق الأوسط، وذلك بفضل وجودها القديم وتعاونها مع دول المنطقة، واستدلت على ذلك ببيانات عام 2024 التي كشفت أن أمريكا “تحافظ على مكانتها المهيمنة في سوق الحوسبة السحابية العالمية”؛ إذ تستحوذ شركات أمريكية على المراكز الثلاثة الأولى في مقدمي الخدمات السحابية، ثم في المركز الرابع تأتي شركة علي بابا كلاود الصينية، إضافة إلى ذلك، تتمتع واشنطن بانتشار جغرافي واسع، وعدد أكبر من مناطق السحابة في الشرق الأوسط.
- وفي تفصيلها لوضع المنطقة، ذكرت الباحثة أنه “في قطر والبحرين وإسرائيل، تهيمن شركات الحوسبة السحابية الأمريكية على السوق المحلية، في حين تتمتع الشركات الصينية بحضور محدود”، في المقابل، كشفت أنه “في مصر، تمتلك شركة هواوي الصينية منطقة سحابية نشطة في القاهرة، في حين لا تدير شركات التكنولوجيا الأمريكية العملاقة أمازون ويب سيرفيس، وAzure ومايكروسوفت وجوجل مناطق سحابية حاليًّا، وأفادت بأن “خدمات الويب من أمازون تمتلك موقعًا في القاهرة، وهي نقطة وجود صغيرة نسبيًّا مقارنة بالمناطق السحابية التقليدية. أما السعودية والإمارات، فإنهما يعدان موطنًا لكلا الطرفين، مع حضور أكثر بروزًا لواشنطن بوجود 12 منطقة سحابية في المملكة و9 في جارتها، بينما يوجد للصين 7 مناطق سحابية في السعودية ومنطقة سحابية واحدة في دبي، كما ذكر المعهد، وأوضح أن “الاستثمارات الأمريكية في قطاع الحوسبة السحابية في الشرق الأوسط تتجاوز الاستثمارات الصينية المقابلة”.
- وأضافت: “في مارس 2024، أعلنت أمازون أنها تخطط لإنشاء منطقة سحابية في السعودية باستثمار قدره 5.3 مليارات دولار”، ولفت أنه “للمقارنة، في مايو 2024، أطلقت هواوي كلاود أول منطقة سحابية لها في مصر وشمال إفريقيا، باستثمار قدره 300 مليون دولار على مدى خمس سنوات”، واستدركت: “ورغم أن حجم الاستثمارات الصينية وبصمتها الجغرافية في الشرق الأوسط لايزال محدودًا مقارنة بأمريكا، فإن الشركات الصينية تحقق تقدمًا سريعًا في السوق.”
- وأرجعت الباحثة هذا النجاح إلى “وجود دعم حكومي وتنظيم مرن وانخفاض في تكاليف التشغيل والتطوير، مما يسمح لهم بتقديم خدمات تنافسية”، من ناحيتها، تدرك الصين الإمكانات الكامنة في الأسواق الناشئة والطلب المتزايد على التقنيات المتقدمة في الشرق الأوسط، خاصة في منطقة الخليج، وفق الباحثة؛ إذ تهتم الصين باستغلال ميزتها التكنولوجية لكسب نفوذ اقتصادي وإستراتيجي في المنطقة.
- واستطردت: “تنظر دول الشرق الأوسط إلى الصين كشريك جذاب لتطوير البنية التحتية الرقمية والابتكار التكنولوجي، وكل ذلك بأسعار معقولة وسرعة تنفيذ، ومن دون شروط سياسية”، وتوقعت أن “يدفع هذا التقاطع في المصالح الصين إلى زيادة استثماراتها في البنية التحتية الرقمية في الشرق الأوسط؛ بهدف ترسيخ حضور تكنولوجي في المنطقة والترويج لنماذجها الرقمية كجزء من تعميق نفوذها العالمي”.
- وتعتقد الباحثة أن “هذا الاتجاه، حتى لو كان محدود النطاق حاليًّا، يحمل في طياته إمكانية التآكل الصيني للهيمنة الرقمية الأمريكية”، وعن العلاقات التكنولوجية بين الصين وإسرائيل، وأشارت إلى أن “وجود مقدمي الخدمات السحابية الصينيين محدود”؛ إذ يركزون بشكل أساسي على الشركات الخاصة التي تبحث عن أسعار تنافسية، ونظيرتها العاملة في الأسواق الآسيوية.
- وأضافت: “على سبيل المثال، تتوفر خدمات علي بابا كلاود في إسرائيل من خلال شركة سيلا، التي تقدم الدعم والتوجيه والمساعدة للشركات الإسرائيلية المهتمة باستخدام الخدمات السحابية من الصين، ولكن الشركة الصينية ليس لديها مركز بيانات محلي في هذه المرحلة، وفي الوقت نفسه، تتجه الشركات الإسرائيلية إلى مقدمي الخدمات السحابية الأمريكيين في ضوء علاقاتهم بالسوق والمستثمرين في الولايات المتحدة. واستشهدت بـ”مشروع نيمبوس Project Nimbus”، الذي أطلقته إسرائيل عام 2021، وهو عبارة عن حوسبة سحابية مشترك مع شركتي أمازون وجوجل.
- التحديات الثلاثة: أشارت الباحثة إلى أن “توسع الصين كقوة تكنولوجية إقليمية وعالمية سيفرض تدريجيا تحديات متزايدة على دول الشرق الأوسط، بما في ذلك إسرائيل”، ورجَّحت أن “صعود الصين في سوق الحوسبة السحابية في الشرق الأوسط، مع الاستثمارات في البنية التحتية الرقمية والتعاون الإقليمي؛ سيضيف طبقة أخرى من التوتر
من اللافت والمحزن ألا نجد دولا كبيرة مثل العراق والجزائر والمغرب، على خريطة اهتمامات التنافس الدولي على الحوسبة السحابية، ما يعني ضمنيا ضعف هذه “الأسواق” لهذا المجال الحيوي الذي يمس الأمن والسيادة القومية.
في المنافسة مع أمريكا، ونوّهت إلى أن “هذه المنافسة لا تقتصر على الجوانب التكنولوجية فحسب، بل تعكس صراعا أوسع لتشكيل مجالات النفوذ الجيوسياسي، مع ظهور الشرق الأوسط كساحة إستراتيجية مركزية”، وفي الوقت نفسه أشارت إلى أن “نشر البنية التحتية الرقمية الصينية في الشرق الأوسط يشكل أرضا خصبة للنشاط الصيني في الإنترنت والتجسس وجمع المعلومات الاستخباراتية”، وقدّرت أنه “قد يؤدي إلى تفاقم التوترات الإقليمية، في ضوء الضغوط الأمريكية لتقليص الوجود الصيني في التكنولوجيا والبنية التحتية”.
- التحدي الثاني الذي تشكله التكنولوجيا الصينية تجاه تل أبيب، فيتمثل في أن “التوسع التكنولوجي الصيني، خاصة في مصر والإمارات والسعودية، يتطلب اهتماما سياسيا وإستراتيجيا من إسرائيل؛ لأن هذه مناطق ذات أهمية جيوسياسية وأمنية مباشرة بالنسبة لها”.
- التحدي الثالث، وعلى الرغم من وعي إسرائيل بقضايا أمن المعلومات والتأثير التكنولوجي الأجنبي، فإن مخاطر البنية التحتية السحابية الصينية، حتى في المجالات التي تبدو محايدة مثل المركبات الذكية، ليست مفهومة دائما بشكل كامل.
- وقدمت الباحثة مثالا صارخًا: “في عام 2023، أصبحت إسرائيل ثالث أكبر دولة تستورد السيارات من الصين، هذه المركبات مجهزة بأنظمة ذكية تجمع المعلومات حول الوقت الفعلي والموقع وحركة المركبة وبيانات النظام”، واستطرد: “تنتقل هذه المعلومات عبر البنى التحتية السحابية، كما تُخزن على خوادم في الصين أو تسيطر عليها شركات صينية”، وهو ما رأت الباحثة أنه “يثير المخاوف بشأن الاستخدام المحتمل للبيانات لأغراض التجسس وجمع المعلومات الاستخباراتية، وحتى التحكم عن بعد”، ولفتت إلى أن هذه المخاطر “توجد في جميع المركبات الذكية، بغض النظر عن بلد الصنع”، لذلك، دعت إلى “ضرورة النظر في استخدام المركبات الصينية في إسرائيل، خاصة في الهيئات الأمنية والحكومية، مع تقييم المخاطر الأمنية المحتملة والنظر في بدائل أكثر أمانا للاستخدام في المناطق الحساسة“، وخاصة في ضوء التقارير المتكررة والمخاوف بشأن انتهاكات أمن البيانات والخصوصية من قبل الشركات الصينية.
- ختمت الباحثة دراستها بوصية شدَّدت فيها على “أهمية دراسة إسرائيل للآثار طويلة المدى، المترتبة على تعزيز مكانة الصين كقوة تكنولوجية إقليمية”، وأوصت الحكومة الإسرائيلية بالعمل على “صياغة سياسة إستراتيجية وتكنولوجية منهجية ومنسقة مع الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة”، فمن شأن ذلك أن يساعد في تأمين المصالح الإسرائيلية، بما في ذلك في مجالات حماية البيانات والخصوصية والأمن القومي.
تعقيب على سبيل الخاتمة:
الطريقة الإسرائيلية في التفكير تبدو مبالِغة في تصور المخاطر المحتملة، ربما لأسباب تاريخية. صحيح أن التخطيط للمستقبل يتطلب استشراف المخاطر المحتملة، لكن المبالغة فيها قد يأتي بنتائج عكسية. في هذه الدراسة تم التركيز على الحوسبة السحابية، والتغلغل الصيني في منطقة الشرق الأوسط، والمخاطر التي يحملها والتحديات التي يمثلها، وهذا من جانب يعتبر استعدادا جيدا لمتغير طارئ، لكن كان من الأفضل بيان حجم وحدود الوجود الصيني، والذي ربما لا يتجاوز – حتى في الشرق الأوسط – أكثر من 8٪، بينما تستحوذ الشركات الأمريكية على أكثر من 90٪ من الاستثمارات في المنطقة. والباحثة محقة في أن أحد أهم أسباب زيارة ترامب للمنطقة هو الضغط لقطع الطريق على هذا التغلغل الصيني.
- من اللافت والمحزن ألا نجد دولا كبيرة مثل العراق والجزائر والمغرب، على خريطة اهتمامات التنافس الدولي على الحوسبة السحابية، ما يعني ضمنيا ضعف هذه “الأسواق” لهذا المجال الحيوي الذي يمس الأمن والسيادة القومية.
- التحديات الأمنية التي أشارت إليها الباحثة مرة بعد مرة، وعدم الثقة في عدم استخدام الحكومة الصينية لممرات البيانات على السحابة، كأنها تدعي أن الولايات المتحدة لا تفعل هذا! وهو أمر مثير للضحك، ومن كثرة ترديده من رؤساء أمريكا إلى حلفائها، ربما قد دفع بعض الباحثين في هذا الوهم. والحقيقة أن الحوسبة السحابية تحمل ضمنا هذه التهديدات لخصوصية البيانات، وكأنها من طبيعة الأمور، ولا معنى لاتهام الصين بها بشكل منفرد.
- الشراكات التي أعلن عنها ترامب في رحلته للخليج تنظر إلى الجانب العربي على أنه “زبون” لا أكثر. وحتى
ينبغي للدول العربية أن تفكر وتسعى إلى “الاستقلال السحابي”، إذ ليس من المفهوم ولا المقبول ألا تمتلك الدول العربية شركات حوسبة سحابية، على الأقل في المنطقة العربية.
الشراكة التي تكلمت عنها الباحثة مع شركة G42 الإماراتية، فتحمل نفس السمة في العلاقة، بل إن الشركة المشار إليها لا تتضح لها أهداف “وطنية” محددة. إن التحديات الجيوسياسية التي تناولتها الباحثة جديرة بالتأمل والاهتمام في العالم العربي، الذي سيجدها أكثر إلحاحا وضغطا عليه.
- أصابت الباحثة في اعتبارها التحدي الذي تشكله التكنولوجيا الصينية تجاه تل أبيب، يشمل التوسع التكنولوجي الصيني في مصر والإمارات والسعودية، لأنها مناطق ذات أهمية جيوسياسية وأمنية مباشرة بالنسبة لها. هذه النظرة الصائبة لتهديدات الأمن القومي، أولى أن يستشعرها العالم العربي تجاه النمو التكنولوجي الكبير في إسرائيل، خاصة بعد أن بدت قوة بعض مخرجاته في ضرب إيران وحزب الله. هذا النمو يحمل في طياته تهديدات مباشرة للأمن القومي العربي.
- المبالغة في المخاطر المحتملة جعلت قول الباحثة إن “إسرائيل ثالث أكبر مستورد للسيارات من الصين عام 2023″، فيه مجازفة، فقد حدث هذا فقط – وفقًا لبيانات الجمارك الصينية[4] – خلال شهري يناير وفبراير 2023، أما غير ذلك، ففي عام 2023 احتلت روسيا المركز الأول (حوالي 700 ألف وحدة)، تليها المملكة المتحدة وألمانيا والمكسيك وأستراليا، في استيراد السيارات الصينية (انظر الشكل المرفق).
- إذا كانت إسرائيل – وبرغم علاقتها الاستثنائية مع الولايات المتحدة – حريصة بحذر على الاستفادة من النمو والتطور الصيني، فأولى بالدول العربية أن تحرص على التنوع التقني، ربما أهم من تنوع مصادر التسليح، أو على الأقل هما سواء. إن احتكار مصادر البنية التحتية الرقمية، ووضع مفاتحها ونظمها في سلة واحدة، قد يمثل انتحارا أمنيا في بعض مواجهات المستقبل.
- وأبعد من هذا، أنه ينبغي للدول العربية أن تفكر وتسعى إلى “الاستقلال السحابي“، إذ ليس من المفهوم ولا المقبول ألا تمتلك الدول العربية شركات حوسبة سحابية، على الأقل في المنطقة العربية.
[1] https://www.cloudzero.com/blog/cloud-service-providers
[2] https://www.inss.org.il/he/publication/cloud-china/
[3] يوفال ليس زميلة في مركز ديان وجيلفورد غلاسر للسياسة الإسرائيلية الصينية بمعهد دراسات الأمن القومي. حاصلة على ماجستير في الدراسات الدبلوماسية وبكالوريوس في العلوم السياسية والعلاقات الحكومية والدولية ودراسات شرق آسيا من جامعة تل أبيب مع مرتبة الشرف. تتمتع يوفال بخبرة في كتابة أوراق السياسات والتوصيات، مع التركيز على التنافس بين القوى والانخراط الاستراتيجي لإسرائيل في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. تركز أبحاثها في المعهد على العلاقات الصينية الإيرانية والعلاقات الصينية الخليجية.
[4] https://www.globes.co.il/news/article.aspx?did=1001443507