مشاريعورقة سياسات

المشهد الليبي: الشرعية الغائبة والرؤى المتدافعة

المقدمة:

تداول الشأن الليبي والتباحث حول ثورته الشعبية والتيار المضاد لها يعد بتقديرنا أحد واجبات الوقت التي تستدعي الوقوف والتأمل بحثاً ودراسة ونظراً، والإشارة إلى أن الأزمة الليبية بحسب ما يعبر عنه بعض المراقبين هي الكارثة الأكثر تجاهلاً حول العالم، وهو توصيف دقيق يفضي عند التلبس به إلى التقصير في كيفية التعامل والتعاطي مع أمثال هذه القضايا في عالمنا العربي والإسلامي.

ذلك أن التيارات المضادة للثورة في منطقتنا العربية -وبخاصة البلدان التي حدثت فيها ثورات الربيع العربي- كان من مقاصد أربابها تحول الأمن القومي العربي إلى سياسة التعانف وحالة من الاحتراب الداخلي والتفريغ السكاني بعيداً عن توجيه قدرات الأمة إلى مواجهة العدو الحقيقي، وهو الكيان الصهيوني والمنظومة الغربية الداعمة له.

وعملية الاستبدال للعدو بهذه الصورة تجعلنا جميعاً مستهدفين على مستوى بنيتنا المجتمعية والفكرية بجميع مكوناتها، ومن الخطورة بمكان جعل المنطقة مجالاً للمشاريع الدولية والإقليمية تتلاعب في مصائر البلدان وشعوبها، والمثال الليبي يعد جلياً في هذا المجال فقد أضحى كأنه مختبر تتفاعل فيه الأبعاد الداخلية والإقليمية والدولية، مع غلبة ظاهرة للأصابع الدولية على حساب البعد الداخلي لبنيته.

وبناء على ذلك، فإن من الأهمية بمكان استنفار الطاقات والجهود سواء على مستوى مكونات هذه البنية أو على مستوى حاضنتها الكبرى انطلاقاً من مفهوم الأمة الواحدة بعيداً عما تمليه الإرادات الدولية والإقليمية ومصالحها؛ لأجل إعادة اللُحمة الداخلية لهذا البلد بتجاوز أزماته وإشكالياته المستحكمة، ومن هنا تأتي ورقة السياسات هذه من مركز رؤيا للبحوث والدراسات مساهمة منه، واهتماماً بقضايا الأمة، وليكون رافداً من روافدها في إعادة وظيفتها الحضارية سواء على مستوى وجودها أو على مستوى حضورها.

ليبيا والبعد الجيوستراتيجي المغيَّب:  

المقومات التي تنطوي عليها ليبيا في بعدها الجغرافي والاقتصادي، وما تستدعيه بنيتها المجتمعية، كان بالإمكان أن يجعلها تتبوأ مكان الريادة في أنموذج نظامها السياسي وما يمكن أن يلعبه من دور على المستوى الإقليمي والخارجي، فليبيا لها موقع جغرافي يعد حلقة اتصال رئيسة بين أقطار المشرق العربي والمغرب العربي، وخاصة أنها ترتبط معها بروابط تاريخية وثقافية وثيقة وممتدة، ومن جهة اتساعها الجغرافي تزيد مساحتها على مليون وسبعمائة ألف كيلو متر مربع، ولها حدود تزيد على الأربعة آلاف كيلو متر مع ست دول، أربع منها عربية واثنتان أفريقيتان، فضلاً عن ساحل مطل على البحر الأبيض المتوسط يبلغ ألفاً وسبعمائة وسبعين كيلو متر، يجعلها مجالاً هاماً لكل ما يشهده هذا البحر من نشاط بحري بمختلف صوره ومظاهره.

وفي بعدها الاقتصادي لها موارد اقتصادية ضخمة، ويأتي النفط والغاز على رأسها، فبعد اكتشافات جديدة ارتفع الاحتياطي النفطي الليبي من ثمانية وأربعين ملياراً إلى أربعة وسبعين مليار برميل، وهناك ثروة معدنية متنوعة بما فيها الذهب، وهناك أيضاً إمكانيات الاستفادة من الطاقة الشمسية التي يمكن تصديرها إلى أوربا.

وإضافة إلى الإمكانات الاقتصادية، فمن الناحية الاجتماعية والثقافية فإن المجتمع الليبي من أكثر المجتمعات العربية انسجاماً عرقياً ودينياً ومذهبياً، ومع وجود نسبة للأمازيغ تبلغ 3% إلا أنه ليس في ليبيا صراع ثقافي أو احتكاك إثني، فالمقومات اللغوية والدينية والمذهبية لا تمثل تهديداً للبنية الليبية نفسها؛ لكونها عناصر جاذبة باتجاه الجمع لا التفرق والتفكك، كما أن التكوينة القبلية التي قد تكون عاملاً من عوامل الاختلاف والتنافر لا تشكل مبرراً للاحتراب الداخلي بين مكوناتها.

وإنما تأتي الخشية من الصراع السياسي على السلطة ومحاولة السيطرة على مقدرات البلاد وثرواتها من أرباب المصالح والقوة في البعدين الداخلي والخارجي، وما سوى ذلك لو تجاوزنا هذا الصراع، فإن لليبيا من مقومات الوحدة والتماسك ما يعني انطواءها على عوامل القوة الجامعة أكثر من امتلاكها عوامل التفرقة والتشتت.

أولاً: البنية السياسية الليبية ومسار الثورة:

لا يمكن لأي باحث أو دارس للبنية السياسية في ليبيا أن يقف على محددات واضحة الملامح يمكن من خلالها مراكمة تطورات هذه البنية في سياقات مغايرة لو قدر لها أن تشهد ما شهدته نظيرتها الليبية؛ ومرجع هذا المشكل أن النظام السياسي في ليبيا منذ الحقبة الملكية وحتى ثورة السابع عشر من فبراير عام 2011 لم يتأسس على عقد اجتماعي سياسي حقيقي يأخذ على عاتقه مأسسة الدولة وبناء مقوماتها المدنية وفق ما يستدعيه واجب الوقت في حينه.

ولئن كانت هناك محاولات جادة في العهد الملكي للإصلاح المجتمعي بمختلف مظاهره بمقتضى ما أبرزته الرؤى الإصلاحية آنذاك وما جسدته مشاريعها المؤسساتية التي انعكست في البنيان الحضاري الذي شهدته البلاد، فإن ليبيا القذافي شهدت سنيناً عجافاً قضى فيها على كل مظاهر المأسسة، فقد كان الشأن الليبي كله من حيث العموم يدور حول شخصية القذافي بحيث منه يبدأ وإليه يعود، إذ لم يترك وسيلة أو سبباً من أسباب الحفاظ على استمرار سيطرته على البلاد إلا واتخذه، محتكراً لنفسه ثلاثية الثروة والسلطة والسلاح، فهو بهذا النهج يكون قد انتهك السياسة، بجعلها دائرة في سياق اختراعات لا تعدو كونها انتكاسات في المفهوم والمنظوم أفقدت السياسة جدواها ومعناها، وانعكس ذلك -بسبب هذا التخبط- على عقلية الليبي نفسه سواء كان في دائرة النخبة أو العامة.

ومن هنا تأتي الخصوصية التي تنطوي عليها ثورة السابع عشر من فبراير، فهي وإن كانت متأثرة بقسيماتها العربية في تونس ومصر واليمن، إلا أن لها من التغاير والاختلاف ما يجعلها منفردة عنها من حيث مبرراتها التاريخية، ومن حيث بنيتها ومقوماتها ومساراتها التي اتخدتها بعد انطلاق شرارتها، فالثورة التي انطلقت من بنغازي لتسري إلى بقية المدن الليبية كان رافدها الهبة الشعبية العارمة التي لا قيادة لها، ولم يكن لها هدف واضح سوى إسقاط النظام الاستبدادي، وإزاء ذلك كان ينقصها الهدف الاستراتيجي وروافده الجزئية في مرحلة ما بعد الثورة.

ولعل الطبيعة التكوينية للمجتمع الليبي في مراحله التاريخية السابقة أسهمت في كثير من المخرجات في مراحله اللاحقة، فيظهر من مظاهر ذلك غياب ثقافة الحوار أو ضعفها، وضعف مخرجات التعليم، كما أن للتجاذبات الداخلية دورها في إضعاف اللحمة، فالبعد الاجتماعي والقبلي والمناطقي حاضر بقوة في الحياة السياسية الليبية عكس الصراع العقائدي فهو غير عميق.

لقد كان للبنية السياسية الهشة التي انطوى عليها نظام القذافي انعكاس ظاهر على بنية الثورة ومساراتها، فعلى الرغم من وضوح هدف الثورة في إسقاط هذا النظام، إلا أنها وبموجب معطيات المشهد الليبي نفسه لم تكن ناضجة من حيث ثوريتها، فليبيا من حيث منظومتها الاجتماعية والسياسية لم تكن مؤهلة لحدوث ثورة سواء على مستوى البنية المجتمعية أو على مستوى البنية المؤسساتية؛ وذلك لأن افتقاد العامل المؤسسي طيلة حكم القذافي شكل حالة من الهشاشة داخل البنية الليبية، وهذا أحدث فراغاً بعد الثورة في إطار المؤسسات التي يمكن أن تنهض بالدولة.

ولو تأملنا المسار السياسي في مرحلة ما بعد الثورة لرأينا أن المشهد الليبي شهد مجلسين في المرحلة الانتقالية وما بعدها، الأول المجلس الوطني الانتقالي الذي تشكل بعد الثورة ودام قرابة عام، ثم المؤتمر الوطني العام الذي أسس عقب المجلس الانتقالي، وما يثار في هذا السياق أن البنى السياسية التي تشكلت في ظل هذين المجلسين لم توفق في إدارة البلاد، وظهر هذا في ثلاثة مسارات:

الأول: ضعف الوسائل والموارد التي تمكن هذه البنى من إنجاح مشروعها السياسي وإمدادها بفاعليتها، فقد كان الاعتماد على النفط كمصدر رئيس في إدارة البلاد وتأمين احتياجاتها سواء في مرحلة حكم القذافي أو بعد إسقاطه قد ظهرت آثاره السلبية في مرحلة الثورة، وخاصة بعد الانحراف بعوائد الدولة والسيطرة عليها من قبل فئة معينة إذ يعد أحد العوامل الأساسية في تأزيم الموقف وإطالة الصراع.

الثاني: أن البنى السياسية التي تمخضت عنها الثورة، وخاصة المؤتمر الوطني العام، وطبيعة النقاشات التي سادت في أروقته لم تكن في حقيقتها قادرة على حل المشكل الليبي في مرحلة ما بعد الثورة؛ بحكم طبيعة البنية التي شكلت هذا المجلس، فلم تكن هناك كتلة راجحة داخل المجتمع السياسي، بما يشي بأن هناك عجزاً أصاب هذه البنى المستحدثة بسبب عدم قدرتها على إدارة الدولة.

ومما زاد الأمر سوءاً أن تدخل المسلحين في المؤتمر الوطني جعله في دائرة الخطر من حيث قدرته على إدارة المشهد والتأثير فيه، ولم يكن الاتفاق السياسي في الصخيرات أفضل حالاً من سابقه، فالخريطة السياسية التي انبنى عليها هذا الاتفاق لم تكن محددة بشكل كامل، كما أن سياق بنوده لم يكن مؤسساً من جهته المرجعية على الثورة ومخرجاتها، بل جعلت الثورة فرعاً منها، بحيث أضحت خارج إطار الرؤية المؤسسة للاتفاق.

الثالث: فيما يتعلق بالبنية السياسية للكتلة الثورية، وبموجب ما دار في المرحلة اللاحقة لثورة فبراير، لم تكن هناك محددات واضحة في تعريف من هو الثوري منذ بداية الثورة، وإنما طرح في ظل أزمة سياسية في مناقشات حول العزل السياسي، والبناء المفهومي للثورة وما يرتبط به من رؤى متعلقة بطبيعة إدارة المرحلة اللاحقة وكيفية استيعاب المكونات الليبية بما فيها أنصار النظام الجماهيري.

كما لم تكن هناك تساؤلات حول دولة بديلة، ذلك أن كل النقاشات والحوارات متعلقة بالنزاع أو الصراع بين الثورة والتيار المضاد لها والمركزية واللامركزية بل وكذلك التقسيم والفيدرالية في بعض التصورات، كما أن هناك اضطراباً في تعريف الدولة وتنازعاً بين المكونات الداخلية حول الأساس الذي تنبني عليه فيما يتعلق مسألة الهوية والصلاحيات الدستورية، وعدم حسم هذا التنازع يعكس التشتت الذي تتصف به الكتل السياسية، وفي سياق المراجعة لكثير من خطابات الإسلاميين وغيرهم نرى غياب الرؤية المركزية والهدف المركزي الذي يسعون إلى تحقيقه.

وهذا يسري كذلك على التيار المضاد للثورة الذي يقوده حفتر، إذ يعد رجوعه إلى الخيار العسكري دليلاً على ضعف وانحسار أدواته السياسية، وبالتالي تكون الفوضى هي التي تحكم المشهد السياسي الليبي.

الكتلة الثورية ومعوقات التفعيل والتأثير:

ولذلك في سياق التقويم للكتلة الثورية وبعيداً عن جزئيات مساراتها وتفصيلاتها، ساعدت جملة من العوامل على عرقلة جهودها وإفشال مشروعها في بناء الدولة ومؤسساتها، سواء كان ذلك بسبب غياب الفاعلية التي تجعلها دائرة في سياق التغيير والتأثير في البنية، أو كان ذلك بسبب هشاشة البناء الداخلي وخوره لما ينطوي عليه من مكونات دافعة باتجاه تبني تفكيك البنية بحسب ما تمليه أهداف مصلحية ضيقة أنى كانت مرجعيتها، أو كان ذلك نتيجة تدخلات الخارج فيه كما هو ظاهر في مسارات الثورة إلى الوقت الراهن، وأبرز هذه العوامل:

إن الفاعلين في حركة التغيير ومسار التحول في ليبيا لم يستطيعوا بلورة مشروع سياسي مناسب للحظة التاريخية، فالطبقة السياسية التي قادت المشهد عقب الثورة أخفقت في ترسيخ نظام سياسي إثر سقوط القذافي، إذ تفاجأ الثوار بعودة اللجنة الشعبية القديمة، وأخذت القوى التقليدية المبادرة، فزاد الانقسام السياسي ثم انتكست تجربة التحول السياسي، ولم تستطع الثورة إزاء ذلك أن تقدم مشروعاً جامعاً يسع المكونات كلها.

بل واتسع نطاق الصراع أفقياً وعمودياً في الحالة الليبية، وكان من مآلات التخبط السياسي عند الطبقة السياسية بعد الثورة النظر إلى الثوار في دائرة التنكر والتهميش إن لم يكن في دائرة الاتهام، وهذا يؤكد أن الصراع في ليبيا أضحى بعد تحوله من حالته الثورية إلى صراع مرجعه السلطة والمال وامتلاك القوة، ومسار هذه الحالة لم يكن بمنأى عن الدور المعطل الذي نهجته القوى الإقليمية والدولية بدعم التيار المضاد للثورة سياسياً واقتصادياً ودبلوماسياً.

إن تجربة الانتقال السياسي في الحالة الليبية لا تزال تبحث عن خارطة طريق تنهي الانقسام السياسي والعسكري الذي يعصف بالبلاد منذ سقوط القذافي، حيث ظلت ليبيا تعيش فراغاً مؤسساتياً جُرِّف فيها جميع مقومات الدولة خلال أربعين عاماً، إذ واجهت أول حكومة بعد الثورة فراغاً مؤسساتياً مخيفاً ولم تكن تتوفر الخدمات الاجتماعية والتنموية في المدن الليبية فضلاً عن اتساع حزام المناطق التي عانت من التهميش.

كشفت مسارات التغيير أن القوى الدولية الكبرى لا يعنيها جعل  المجتمعات العربية على المسار الديقراطي والتنموي والحضاري، وإنما تحركها مصالحها السياسية والاقتصادية والجيوستراتيجية، ولا نبتعد كثيراً لو استرجعنا نشأة الكيان الليبي من زاوية البعد التاريخي، حيث كانت نشأته في الخمسينات من القرن الماضي نتاج توافق خارجي وتفاهمات دولية أجنبية بعد اتحاد المناطق الثلاث (برقة وفزان وطرابلس)، وهذه الصورة يراها بعض المحللين الغرب مقاربة لحالة ليبيا الراهنة، فكأن التاريخ -بحسبه- يعيد نفسه اليوم حيث يراد إنتاج ليبيا جديدة حسب رغبة الدول الخارجية وحسب ما كان قائماً غداة الاستقلال.

ثانياً: التيار المضاد للثورة والتدخل الدولي والإقليمي:

مضادة الثورة معطى تجابهه كل الثورات الكبرى والصغرى، وظاهر أن الثورات لا يمكن أن تأخذ مسارها الثوري من دون إثارة مقاومات مجابهة لمسارها، إذ لم تنشأ ثورة في التاريخ، إلا وأعقبها ما يضادها؛ إما لتصحيح مسارها بعد جنوحها عن أهداف الثورة ومبادئها بما يهدد فاعليتها ومن ثم تجريفها عن مسارها، أو محاولة لوأدها بالكامل بموجب ما يعرض لها من فواعل تجعلها خارج سياقها الثوري؛ وفقاً لتنازع المصالح الذي قد يطرأ في أمثال هذه الثورات.

وعادة ما تكون مضادات الثورات أكثر عنفاً من الثورات ذاتها، وخاصة إذا كانت تدار بأيدي عناصر الأنظمة السابقة؛ محاولة منهم لإعادة المشهد إلى ما قبل الثورة؛ إما بقصد الاسترجاع لفاعليتهم السياسية وما تقترن بها من مصالح، وإما بدعم إقليمي أو خارجي رأى أن الثورة ومبادئها وأهدافها تتعارض مع منظومته.

وإذا كانت التيارات المضادة للثورة قاصدة وأد التجربة الثورية وفاعليتها، فإنها والحالة هذه تكون أكثر عنفاً وأشد مقاومة؛ لخوف عناصرها من خسارة المكاسب الكبيرة التي راكمتها في مراحل زمنية طويلة، وفي سياق سردي أخذ أغلب المنظومة الثورية في دول الربيع العربي يلزم الإقرار بأن الطبيعة المتغايرة للتيارات المضادة للثورة فيها، يجعل من الواجب النظر إليها في سياقها الخاص الذي يستدعي مواجهتها ومقاومتها بالسبل والمسالك التي تتعامل مع أنموذجها الخاص.

وعليه فإنه وفقاً لما تفرزه تفاعلات التيار المضاد للثورة فإن المراحل الانتقالية في عمر الثورات قد تمتد أو تقصر بموجب طبيعة هذه التفاعلات نفسها، ووفقاً للقدرة الثورية على التدعيم والتوسع والاستمرار؛ حتى تحقق هدفها المتمثل في بناء نظام جديد، وليس مجرد إزاحة نظام قديم، وهذه هي الإشكالية الكبيرة التي تواجهها ثورات الربيع العربي.

وحيث كان أنموذج الثورة الليبية أنموذجاً له من الخصوصية التي تميزه عن غيره من نماذج الثورات من حيث تأثير الحقبة الماضية وغياب القيادة الجامعة، ومن حيث كذلك طبيعة إدارة المرحلة الانتقالية التي أعقبت الثورة، كان من الأهمية بمكان النظر إلى هذا الأنموذج من زاويته التي يستدعيها، ولا شك أن من أبرز وأعمق الإشكاليات التي تواجهها البنى الثورية سواء في ليبيا أو في قسيماتها من بلدان الربيع العربي تتمثل فيما يسمى بعلم إدارة المراحل الانتقالية.

فإن الاستعداد الكافي في إدارة الانتقال يضمن لنا سلامة المسار ويجنبنا معوقات بنيات الطريق التي تحاول التيارات المضادة للثورة وضعها في مسار هذه الثورات، وتضمن بذلك تماسكها وبنيانها، ومن أهم الإدارات التي تتفرع من علم إدارة الانتقال: إدارة التنوع، وإدارة التعدد، وإدارة التوافق، وإدارة قاعدة الإجماع الوطني .. في غيرها، ولا شك أن هذا النوع من الإدارات هو الذي افتقرت إليه الحالة الليبية وقسيماتها، واستقطبت التيار المضاد للثورة وعناصرها ومن يدعمها في الداخل والخارج، ومن هنا يأتي التأكيد في هذا السياق على ضرورة إدراك أهمية إدارة الانتقال وفروعه المقترنة بها في نماذج مماثلة أو مقاربة.

وبالنظر إلى هذه الحيثيات لا بد من رسم خريطة مصادر التيار المضاد للثورة ومضمونها وآلياتها التي اقترنت وارتبطت بشخصية كانت ولا زالت مثار جدل واسع في الأوساط الليبية، وهي شخصية خليفة حفتر؛ بحكم المسار الذي اتخذته صعوداً ونزولاً سواء من حيث بناؤها وتنشئتها وما شهدته من مراحل زمنية، أو من حيث مواقفها من نظام القذافي توافقاً وتعارضاً، ومن حيث كذلك موقفه من ثورة فبراير واستثماره لها بعد ارتدادات وتراجعات أصابت مسيرتها وفاعليتها.

وابتداء لا بد من التذكير ونحن في سياق الحديث عن مصادر التيار المضاد للثورة، بأن بوادر هذا التيار كانت منذ انطلاقة ثورة السابع من فبراير، ذلك أن من مآلات الثورة الشعبية الفراغات التي تركها التغيير السياسي، وانكشاف الدولة على مستوى الداخل والخارج، فالبعد الجغرافي الواسع الذي تنطوي عليه ليبيا فتح المجال للتدخلات الخارجية منذ بدايات الثورة.

ولاحظنا هذا بوضوح في السرعة الهائلة التي حاولت فيها فرنسا مثلاً التدخل في ليبيا، ومحاولة فرض الخيارات التي تسعى إليها السياستان الأوربية والأمريكية قبل أن تتبلور في داخل ليبيا أوضاع استعصت عليها لاحقاً بسبب ما أحدثتها من صراع بين مكونات البنية الليبية في بعديه السياسي والعسكري، وحتى اللجوء إلى خيار الحكومة الانتقالية كان فكرة فرنسية في محاولة الالتفاف على الثورة والثوار.

ولكن لما وجدت أن الحكومة ستؤدي في الآخر إلى أن الثوار الذين سيسيطرون على الحكومة هم الذين يغلب عليهم الطابع الإسلامي بدأت تنحى باتجاه التأجيل والتسويف وتعويق المسار، ولذلك رأى كثير من الباحثين والمراقبين للشأن الليبي سرعة التدخل الدولي فيه ومحاولة التأثير في بنيته السياسية بعد الثورة ومسارها في تحقيق أهدافها، فعند مراجعة القرارات الدولية سواء ما تعلق منها بالمنظومة الدولية أو الجامعة العربية تلمس تزامناً غير مفهوم باتجاه التدخل الدولي ودون مبرر واضح.

وما يتعلق بجواذب التيار المضاد للثورة داخل البنية الليبية، كان لغياب البرنامج الموحد للمشاركين في الثورة على الرغم من وحدة الهدف المتمثل بإسقاط النظام وتغييره ومحاربة مساره دوره في استقطاب حالة الفوضى التي سادت المشهد في المرحلة الانتقالية وما بعدها، وهي التي فتحت المجال لنشوء أمراء حرب سرعان ما ارتبطوا بأجندات خارجية لتحقيق مكاسبهم الشخصية.

ولا يخفى أن الخارج لا يتمكن من الداخل إلا بقدر ما يمكن له الداخل، وهنا يأتي وجه الاقتران بين التيار المضاد للثورة والتدخل بشكليه الإقليمي والدولي، إذ أضحت ليبيا ببعدها الجغرافي الممتد مجالاً لتدافع المشروعات داخل المنطقة، وهذا يعني أن الشأن الليبي كله بمكوناته كلها حتى التي تماهت مع المشاريع الخارجية أضحى في دائرة الموضوعات وليس طرفاً في صناعة الموقف، وفي دائرة المفعول وليس الفاعل.

وبهذا المسار حدث وجرى الانقلاب العسكري في الشرق الليبي بمنظومة لا تستقيم أهدافها مع المصلحة الليبية ولا تتناغم مع طموحات الشعب الليبي، بل هو انقلاب يعكس مطامع شخصية في الاستحواذ على السلطة، ومصالح دول إقليمية وخارجية أخافها الاصطفاف الوطني الليبي من أجل بناء الدولة الجديدة واستهداف التنمية المتكاملة في المرحلة القادمة بغض النظر عن التكوينة الاجتماعية والفكرية التي ينطوي عليها هذا الاصطفاف.

ولكن كميثلتها المصرية كانت تدفعهم إلى تعويق مسارات الاصطفاف الوطني مخاوفهم من البعد الإسلامي الذي تنطوي عليه البنية المجتمعية للشعب الليبي، وليس بخاف طبيعة التدخلات من الدول الإقليمية التي مارست دور الوكالة في إفشال المسار الوطني ومشاريعه ومخارجه التي يسلكها للخروج من أزمته، فحاولت جاهدة استثمار التيار المضاد للثورة وقادته للقضاء على مطامح الثوار، وأجلبوا بخيلهم ورجلهم لأجل تحقيق أهدافهم.

وعلى الرغم من نجاح حفتر بتحركه المضاد للثورة وفرض نفسه كرقم صعب في المشهد، إلا أن تجارب التاريخ أثبتت أن التيار المضاد للثورات لا يستطيع أن يعمر طويلاً؛ لأن الجديد الذي أحدثته ثورة السابع عشر من فبراير هو اقتحام الجماهير الحيز العام لأول مرة، ولن تعود إلى الحيز الخاص، وهذا أمر في غاية الأهمية على الرغم من أن نتائجه لا تظهر بشكل فوري ومباشر، بل تحتاج لسنوات، وهو ما عبر عنه بعض المفكرين حين أكد أن هذا النوع من التيارات المضادة للثورات سينتهي بالفشل مهما تأخر الوقت؛ لأن الأنساق السياسية التي تحاول إعادة فرضها تتناقض مع الظروف السياسية القائمة تناقضاً عميقاً في مرحلة التغيير الاجتماعي السريع.

ومن أبرز ما تحدثه التيارات المضادة للثورة كما تشهد بذلك تجاربها التاريخية وواقعها الراهن في بلدان الثورات الربيعية ومنها حالتها الليبية أنها تغول سياسة التعانف وتجعلها غالبة في الموقف ولهذا فهي تغتال الاعتدال وكل محاولات الاستيعاب للموافق والمخالف، كما أنها تفضي بهذا الاعتبار إلى خسارة جميع الأطراف المشاركة في هذا الصراع على مستوى بنائها الإنساني أو الحضاري العمراني.

وفيما يتعلق بتقويم مسارات التدخل الخارجي ببعديه الإقليمي والدولي خلال السنوات السبع من عمر الثورة حتى اللحظة الراهنة، فإنه لا يمكن -تقريراً- إلا القول بأنه كان عاملاً سلبياً أسهم إلى حد كبير في استمرار الأزمة السياسية بل وتأزيمها، وليس بعيداً عنها أيضاً مسار البعثات الدولية التي كانت توظفها المنظومة الدولية لإدارة الحوار الوطني بين المكونات السياسية الليبية وتجاوز حالة الصراع المسلح التي غلبت على المشهد طيلة المرحلة السابقة.

إذ لم تكن لهذه البعثات -فيما تعلق بمنهجية إدارة الحوار- معالم واضحة من حيث استهداف الأزمة وإيجاد المخارج لإنهائها، إلى القدر الذي أثيرت بسببه إشكالية جدية هذه البعثات في حل الأزمة والخروج منها باتجاه المساهمة الجادة في رفد البنية الليبية بما يقيم بنائها ويحافظ عليه بضمانات الوحدة، ويقيها عوارض التفكيك والتفتيت التي تهددها اليوم.

ثالثاً: مبادرات ومشاريع الحل في دائرة التقويم:

لقد كان لعملية الكرامة التي قادها حفتر وتحالفه دورها في صناعة الأزمات في المشهد الليبي، وما أحدثته من انقسام سياسي وعسكري أفضى إلى تعميق أزمته الراهنة، وإزاءها أصبح هناك جناحان يتنازعان الشرعية في تمثيل الليبيين وثورتهم الشعبية، وأضحى لكل جناح مؤسساته ومجال نفوذه وفاعليته، وكان لهذا تأثيره في توسيع دائرة التعارض والتضارب في المواقف وفقاً لاختلاف الرؤى والتصورات في قراءة المشهد واستشراف مآلاته.

تارة تحت لافتات فكرية ومنهجية تدعي القدرة على امتلاك زمام الأمور والقضاء على ما يسمى بالإرهاب كما هو شأن قادة الكرامة الذين أضحت منظومتهم مجالاً لمشاريع إقليمية وخارجية تتماهى معها، وتنساق مع مقاصدها وأهدافها؛ بغية مواجهة إرهاب الإسلاميين وواجهتم السياسية ومن يتوافق معهم في الرؤى والتصورات من خارج دائرتهم.

وتارة في سياق مناطقي أو قبلي، كما يسوق له أرباب الكرامة في صراعهم مع المنطقة الغربية، ولا تفسير لذلك في ظن الكثيرين إلا أن هناك أهدافاً يسعى إليها حفتر وتحالفه في المشهد، تدور إما بالاستحواذ على الحكم أو السعي إلى التقسيم، وهذه التركيبة من المؤيدين للثورة المضادة وما يسمى بالمتعاطفين السلبيين معها، كانت لها تأثير في مخرجات العملية السياسية عبر اختيار مرشحين محسوبين على النظام السابق، والذين تصدروا المشهد بقوة سواء في المجلس الوطني الانتقالي، أو المؤتمر الوطني العام، وهو ما تسبب فيما آل إليه المشهد السياسي المتأزم.

ولا يمكن إغفال العامل الخارجي في تحليل جوهر الصراع، إذ كان له دوره في إجهاض أي مشروع وطني للخروج من الأزمة، ولا يخفي الكثير أن استمرار الصراع على هذه الشاكلة يعد مؤشراً على الاستعصاء السياسي لإيجاد مداخل توافقية تنقل البلاد عبر عملية تحول سياسي إلى حالة الدولة والاستقرار.

وفي ظل هذه الحالة من الانقسام والتعقيد والاضطراب في المشهد، طرحت مبادرات واقترحت مشاريع استهدفت وضع خارطة طريق تسع وتستوعب الأزمة وأطرافها الفاعلة، ولعلنا بحاجة إلى قراءة مجملة في سياقات هذه المشاريع والمبادرات؛ بغرض التعرف على مدى صلاحيتها في استيعاب ما يقتضيه المشهد من دواعي المراجعة وضرورة النظر في البعد الوطني الذي يسع الليبيين جميعاً.

وبطبيعة الحال اختلفت الرؤى والتصورات حول النظر إلى الأزمة وطرق حلها، وحول كذلك حجم تعاطي هذه المبادرات مع المكونات الليبية بمختلف صورها ومظاهرها، وبالمقابل كان للنخب السياسية والفرقاء السياسيين وبقية المكونات تقويمهم لهذه المشروعات والمبادرات تبنياً وأخذاً ورداً، وجميع هذه المبادرات والمشاريع متلبسة بثلاث علل بمظهريها الفردي والجمعي، وهذه العلل هي: عدم القدرة على استيعاب المكونات الليبية وعدم جدواها لكونها غير معبرة عن طموحات الليبيين، هيمنة الأجندات الخارجية، ضعف التأثير لضعف أربابها.

اتفاق الصخيرات: مبادرة للحل أم تدخل خارجي:

ويقف الاتفاق السياسي بالصخيرات في مقدمة هذه المبادرات؛ لكونه جاء مشفوعاً بإرادة دولية وبتبني من البعثة الدولية ومنظومتها، وجاء هذا الاتفاق على خلفية تضارب الشرعيات في البنية الليبية، ما بين المؤتمر الوطني العام ومجلس النواب، ومنذ توقيع الاتفاق أحاطت به كثير من التحديات والمخاطر التي لوحت بفشله وعدم جدواه، وفي رأي بعض المراقبين للشأن الليبي أن المشكلة في اتفاق الصخيرات لا تكمن في نصوصه فحسب، بل كذلك تكمن في أزمة الثقة والتدخلات الخارجية.

ويظهر أن الاتفاق منذ بدايته تلبس بخطأ تأسيسي متعلق بمرجعية السلطة التنفيذية في حالة خلو منصب رئيسها ما بين الحوار الوطني ومجلس النواب، وظهر الاتجاه العام للاتفاق في اعتبار مجلس النواب والمؤتمر الوطني العام هما السلطة السياسية في المرحلة الانتقالية، وهذا انطوى على ظاهرتين جعلتا الاتفاق في دائرة انعدام التأثير فضلاً عن انسداد الأفق في سياق حل الأزمة وتحقيق المصالحة الوطنية.

الأولى منهما متعلقة بالصراع المستمر ما بين الجهتين على المستوى السياسي والعسكري جعل من الصعوبة إيجاد تجانس في العمل المشترك فيما بينهما، وتتمثل الظاهرة الثانية في ظهور انقسامات في الجهتين التشريعيتين بحيث يصعب اعتبار أي منها مؤسسة مستقرة، ولم يكن انتقال صلاحيات المؤتمر الوطني العام إلى المجلس الأعلى للدولة انتهاء لمرحلة الصراع بل كانت مرحلة اتسمت بكونها صراعاً في الشرعيات، هذا فضلاً عن انسياق مجلس النواب مع عملية الكرامة وتأييده لحفتر.

وأما المنظومة الدولية الحاضنة للاتفاق، فإنها كما ينطوي عليه ظاهرها لا تذهب إلى حل سياسي بقدر كونها تفتح الآفاق أمام الأزمة السياسية وتأزيمها، وهذا يسري على جميع مراحل مبعوثيها الدوليين، ومحصل القول بشأن هذا الاتفاق في نظر المراقبين للشأن أن الميراث الانقسامي صار أكثر ملازمة في صناعة السياسة في ليبيا، وهو ما شكل حالة من المراوحة في حماية الاتفاق أولاً ثم في إضعافه ثانياً، الأمر الذي أضعف حجيته كنص دستوري، وهو ما فتح المجال أمام اهتزاز المؤسسات وإسقاط هيبتها، وجعل الخيار العسكري هو الخيار الوحيد في سياق حل الأزمة، بما يوحي بصفريته الحاكمة لدى أطراف النزاع، ما لم يكن هناك تداع وتناد للإدراك والتجاوز ولكن في سياقات مغايرة، ولن تكون إلا في الحل الوطني الجامع.

مبادرات الحل الوطني وإشكالية التفعيل والتشغيل:

وبالنظر إلى كثرة المبادرات المطروحة في السياق الوطني، فإن من الصعب الجزم بإمكانية وقدرة أي مبادرة من تلكم المبادرات على تحقيق الاستيعاب لجميع مكونات البنية الليبية؛ بحكم ما تلبست به من إشكاليات عميقة على خلفية التيار المضاد للثورة وما تلاها من مراحل وما شهدته من تحولات، ولكن يكفي في كل مبادرة مقاربة الموقف واستجلاء ما يقتضيه من رؤى يمكن أن تلامس طموحات هذه البنية.

ومن المهم قبل الحديث عن هذه المبادرات وما تضمنته من أفكار وتصورات حول المشهد الليبي، التعرضُ إلى المعايير التي من خلالها نستطيع أن نعرف مقدار الفشل والنجاح الذي يمكن أن يتلبس بأي مبادرة من هذه المبادرات بغض النظر عن قيمتها في ذاتها وما تطرحه من تصورات، ويظهر أن أهم معيار ومقياس لمعرفة ذلك هو أن بلاغة الصياغة في اعتبار الواقع، فمهما كانت المبادرات ذات قيمة من حيث صياغتها، إلا أنها لا يمكن أن تكون مؤثرة في المشهد ما لم تكن مراعية لمقتضيات الواقع، وتكون ذات فاعلية وقبول لدى المكونات السياسية والمجتمعية، وإزاء ذلك يلزم التنبيه على قضية قد تكون غائبة عن أذهان كثير ممن يرومون تقديم مبادرات لحل الأزمة الليبية والخروج من مشكلها المستحكم -وهو ما نبهنا عليه في تقويمنا لبعض المبادرات- وهي ضرورة التمييز وفك الارتباط بين الرمز مهما كانت قيمته ووزنه من حيث هو وبين فاعلية المبادرة في الواقع الذي يراد تنزيلها فيه.

ولكن إزاء هذا المعيار تبرز عندنا جملة من الإشكاليات التي يلزم التنبه إليها في سياق الحديث عن المبادرات الوطنية للحل، ومنها: وزن هذه المبادرات في دائرة العلاقة بين القوى المختلفة في الداخل، وكذلك اعتبارها لعلاقة التدافع بين الداخل والخارج، وما يثيره حجم التدخلات الخارجية. ومنها: حالة التدافع بين هذه المبادرات وكيفية تفعيلها على الأرض وبين استحكام الصراع المسلح في بلد فيه أكثر من عشرين مليون قطعة سلاح كما أشار إلى ذلك المبعوث الدولي غسان سلامة.

وتعرض في هذا الإطار أربع مبادرات تكاد تكون أكثرها قبولاً وأقربها نجاعة، لما تنطوي عليه من رؤى وتصورات جادة في إيجاد الحل والمخرج لليبيا من أزمتها وإشكالياتها، وهذه المبادرات الأربع هي: وثيقة تأسيس واستقرار ليبيا، ومشروع الأمل، ومقترح الملكية الدستورية، والمشروع الوطني للسلام والمصالحة الوطنية.

ففيما يتعلق بمبادرة وثيقة تأسيس واستقرار ليبيا، فإنها تعد -من حيث بنيتها الخطابية وصياغتها وبنودها- وثيقة محكمة من الوجهة القانونية والشرعية والثورية والاجتماعية والأمنية والسياسية، ولو كتب لها التطبيق والتجسيد لكانت مثالاً يحتذى في قطف ثمار نصر الثورة على تيارها المضاد لها وظهيره الدولي.

غير أن هذه الوثيقة كما يراها بعض المراقبين تعد وثيقة منتصر لم يتسن له الحفاظ على نصره والتحكم بالمشهد في جميع مفاصله، وهذا يعنى أن الوثيقة بالرغم من صلاحيتها من حيث بناؤها إلا أن تطبيقها ليس ممكناً؛ لافتقادها الواقعية في التطبيق، وعدم قدرتها على تحقيق الإجماع الوطني حولها، إذ شهدت معارضة شديدة من داخل المؤتمر الوطني العام لانطوائها على مخالفة دستورية واضحة؛ كون الجسم الدستوري الذي تدعو إليه يتجاوز الأجسام الدستورية القائمة مما يجعلهاخارج سياق الإمكان.

وقد أخذ عليها أيضاً كون أبرز الجهات المتبنية لها -وهي دار الإفتاء- لم تستطع أن تحقق إجماعاً أو ما يقاربه على مستوى البنية الداخلية بسبب الحملة الإعلامية المضادة التي شنها ضدها إعلام التيار المضاد للثورة، هذا فضلاً عن العبث الدولي الذي يجهض كل مبادرة وطنية صالحة تطرح خارج سياق عبثه.

وفيما يتعلق بالمبادرة الثانية وهي مشروع ومقترح الأمل الذي طرحه تجمع الوطنيين الأحرار، فتعد بديلاً وطنياً للسلطات التشريعية، بحيث تقوم على تجاوز كل الأبنية التشريعية القائمة، واستحداث بناء جديد بمقاربة دستورية تتمثل بالمجالس البلدية بحكم كونها الأبنية الوحيدة المنتخبة بعد البرلمان المنحل والمؤتمر، ولكن يعيب هذه المبادرة كونها ملغومة في بعض جوانبها، فأغلب المجالس البلدية محسوبة على تيار الكرامة، بل وبعضها قد استبدل بأمر عسكري أبطل شرعيتها الانتخابية.

وهي تواجه أيضاً مشكلاً قانونياً؛ كونها اصطدمت بقانون العمل المحدد لطبيعة عمل المجالس البلدية، بحيث يكون عمل هذه المجالس مقتصراً على الأعمال الخدمية والمنع من مزاولة العمل السياسي، كما أن بعض القائمين على هذه المبادرة -وبخاصة رئيسها عمر الحاسي- لا يحظون بتوافق مكونات أخرى في الداخل الليبي، ولكن من حيث العموم تعد هذه المبادرة في نظر البعض أقرب إلى التطبيق وأكثر عملية من وثيقة استقرار ليبيا؛ لكونها تقدم بديلاً عملياً يسع تفعيله وتشغيله.

وأما المبادرة الثالثة، فهي مبادرة الملكية الدستورية، فتتلخص في البدء فوراً بتنفيذ مرحلة انتقالية مدتها أربع سنوات تتم على مراحل خروجاً من هذه الأزمة، واشترطت المبادرة أن استدعاء وريث العرش الليبي الأمير محمد الحسن الرضا للمباشرة في هذا العمل في ظل هذه الظروف يستلزم قبل كل شيء عقد ميثاق وطني ضامن لهذا المشروع الجامع؛ من أجل الخروج من هذه المتاهة، وإلا -بحسب البيان- فلا يمكن ضمان صدق واستمرار الأطراف العابثة الآن في أي حل ينقذ البلاد والعباد.

وما يضعف هذه المبادرة ويجعلها خارج سياق الحل الوطني الجامع أنها لا زالت تتعاطى بنوع من التقليدية الرتيبة التي قد لا تتماشى مع الواقع اليوم، والشرط الذي وضع لمزاولة الحكم يصعب تحقيقه في ظل أزمة تعصف بالبلاد، وحالة من الانقسام تفت بعضد هذه المبادرة وأمثالها، فضلاً عن المعارضة التي تواجهها المبادرة نفسها من مكونات لها ثقلها في الشأن الليبي، والمعني هنا مصراته التي ترى أن لا مكان للملكية في حكم ليبيا وهي تأتي برعاية بريطانية، والليبيون يعون قيمة مصراته؛ باعتبارها قوة محورية في رسم الحلول وتطبيقها وتنزيلها على الواقع.

وتأتي مبادرة الدكتور علي الصلابي تحت إطار معنون بمشروع وطني للسلام والمصالحة الوطنية، ويدعو إلى فكرة مركزية قوامها السلام والمصالحة في بناء الدولة، والاتفاق على ميثاق يمثل القيم الوطنية، والوصول إلى حالة مؤسسية جامعة شاملة للجمعية العمومية الممثلة للنسيج الوطني الليبي ولها قيادة منتخبة، كما يدعو إلى إيجاد لوائح وتنظيمات ضامنة لمسار الجمعية العمومية لتحقيق أهدافها، ورسم صورة الرئيس القادم الذي يدعمه هذا التكتل الوطني من خلال معايير وصفات واضحة المعالم، ودراسة التحديات الخدمية والأمنية والاقتصادية وتقديم المشروعات المستعجلة وتحديد الأولويات وغيرها.

وأهم ما يبرز في هذا المشروع هو استيعاب المكونات الليبية الوطنية، فلا إقصاء لأي مكون من مكونات الشعب الليبي سواء كانت وجهته سياسية أو قبلية أو جهوية أو فكرية، وهذا يسع كذلك أنصار النظام السابق، والمبادرة تعتمد على الشرعية التي تكتسبها المؤسسات الحاكمة من المكونات الليبية كلها، وتدعو إلى مدنية الحكم والتداول السلمي للسلطات، ومنع عسكرة النظام والدولة.

ولكن بالرغم من كونها مبادرة تحمل من العوامل الجامعة من خلال دعوتها إلى الاصطفاف الوطني، إلا أنه قد تعكر عليها المعوقات التي يسببها التدخل الخارجي وأجنداته، هذا فضلاً عن مدى تقبل الداخل لها، وشخصية الصلابي قد يكون لها من القبول لدى كثير من الليبيين، ولكن قد تكون في ذات الوقت سبباً في إضعاف هذه المبادرة، بما يجعلها خارج سياق المبادرات المطروحة للحل.

رابعاً: المستقبل حول تحديات الحل الوطني بين العسر واليسر:

في ضوء ما تقدم من تقويم للمشاريع والمبادرات المقترحة للخروج من الأزمة المستحكمة بالشأن الليبي، سواء جاءت هذه المشاريع من سياقات خارجية أو من مكونات وطنية مختلفة، فإن المهيمن على المشهد الليبي الراهن هو اتفاق الصخيرات، وهو اتفاق من حيث الإجمال ليس موضع ثقة عند كثير من المكونات الليبية، والمنظومة الدولية نفسها التي حرصت على توقيعه من قبل هذه المكونات وجدت من الثغرات في بنوده ما استوجب تعديله بموجب قرارات متعددة صدرت لتصحيح مساره، جعلته بشكل دائم على طاولة المراجعة والتقويم ما يعني سيولته وعدم قدرته على الثبات.

الأمر الذي يثبت فشل البعثات الدولية والتدخل الدولي في تسيير المرحلة الانتقالية ودعم مؤسساتها؛ بسبب غياب معايير القسط التي يلزم استثمارها عند التعامل مع أطراف الأزمة، فضلاً عن استدامة الصراع المسلح وتأثيرها على المشهد السياسي برمته، ولذا فمن الخطأ البين المراهنة على الدور الدولي في إدارة المشهد وإخراجه من دائرة الأزمة، وهذا المعطى دفع باتجاه الدعوة إلى تجاوز هذا الاتفاق والنظر في بدائل كامنة في البنية الليبية، يلزم العمل على إخراجها وتوظيفها.

وعلى الرغم من خصوصية الأزمة الليبية مقارنة بقسيماتها العربية، فإن هناك بعداً جامعاً يسعها ويسع غيرها فيما يتعلق بمستقبلها والخروج من أزمتها المستعصية، وهذا البعد الجامع -الكامن في بنيتها- يكمن في تفعيل وتشغيل الحل الوطني، ولو تأملنا المشهد في ظل أزمته الراهنة فإنه تطرح بشأنه جملة من السيناريوهات التي تستشرف مستقبله؛ بحكم ما يقتضيه الواقع الذي يمر به هذا المشهد.

وفي هذا السياق هناك ثلاثة احتمالات وسيناريوهات منظورة إليها بهذا الصدد، الأول التوافق السياسي، والثاني استمرار الحالة الراهنة من الصراع السياسي والعسكري في مسار استنزافي لكل طاقات وقدرات البنية الليبية، والثالث الانهيار الكامل لهذه البنية بما يفضي إلى حالة من التفتت والتفكك والتقسيم الذي لا يجعل المفتت على استقامة وضمان سير.

وعلى هذا الأساس، فلا يمكن النظر في مسارات هذه الاحتمالات والسيناريوهات إلا في ضوء تفعيل الحل الوطني وتشغيله أو تجاوزه وتهميشه، وهنا تعرض جملة من التحديات في المسارين كما تثيره البنية الليبية نفسها، يلزم إزاءها استحضار المستقبل واستشرافه في دائرة العسر واليسر، واستدعاء المشاريع الوطنية التي يمكن من خلال جعلها في دائرة التدافع استخراج أنموذج للحل الوطني الجامع الذي يتجاوز الأزمة ويؤسس -للمرحلة القادمة- بنية مؤسسية تضمن الاستقرار والعيش الكريم والكرامة الإنسانية والحرية والعدالة الاجتماعية.

أولاً: الإطار المرجعي الجامع: فمن أعمق الإشكاليات التي تتميز بها البنية السياسية الليبية غياب المرجعية الدستورية الجامعة، وأساس المشكل أن الإعلان الدستوري المؤقت لثورة السابع عشر من فبراير الذي شهد سبعة تعديلات دستورية، أدى إلى حدوث تغييرات واسعة في المراكز القانونية للمؤسسات السياسية، وإلى اهتزاز الإطار الدستوري، وقد شكلت ظاهرة الانهيارات الدستورية المتتالية الجذر الأساسي لاستمرار الحالة الانتقالية؛ لافتقار القانون للحماية اللازمة لإنفاذه.

وهنا تشير خبرة الممارسات الدستورية إلى أن الانقسام السياسي وانتشار السلاح من العوامل التي ساهمت في تقويض السلطة، وإزاء ذلك يمكن القول إن سيولة النص الدستوري كانت انعكاساً لتفكك البنية السياسية والاجتماعية، ما أدى إلى إرباك واضطراب المسار الانتقالي، بل يهدد البنية ذاتها من حيث تماسكها والحفاظ على لحمتها.

وهذا العسر الذي يحيط بمشكلة المرجعية يمكن مواجهته بيسرين بعد تجاوز كل الأشكال الدستورية القائمة وانعكاساتها السياسية، الأول أن المظلة الفكرية والمعرفية والثقافية المتعلقة بالبنية المجتمعية أو ما يمكن تسميته بقواعد النظام العام الكبرى، تتسع لها هذه البنية ويتفق عليها جميع مكوناتها، وهي قواعد لا يمكن السماح بانتهاكها بأي شكل من الأشكال، والثاني متعلق بالقيم المجتمعية الحاكمة من العيش الواحد والتمسك بالمواطنة، وهي مجموعة من القيم العامة التي لا يمكن للمجتمع التنازل عنها ضمن تعاقده السياسي والمجتمعي.

وإذا كان اهتزاز الإطار الدستوري للمرحلة الانتقالية راجعاً إلى تباين أولويات المكونات السياسية في ليبيا، فإن قواعد النظام العام ومجموعة القيم المجتمعية العامة -التي يتفق عليها العامة- تستدعي مراجعة الأولويات في ضوئها ثم رسم المسار الناظم لهذه المكونات وتأطيرها بالإطار الجامع.

ثانياً: الشرعية: فقد أضحت أزمة الشرعية في ليبيا محور الصراع السياسي بين أغلب المكونات، وعدم استقرار الوضع السياسي أثناء عملية التحول أفضى إلى استمرار الصراع والتنافس حول الشرعية، وهذا معهود في المراحل الانتقالية، حيث يظهر فيها ما يسمى بتنازع الشرعيات، ما بين شرعية دستورية، وشرعية قانونية، وشرعية ثورية، وشرعية قبلية وجهوية.. إلخ.

بل وأكثر من ذلك نرى تداخل العسكري بالمدني في سياق الشرعيات المتنازعة، وهذا ظاهر في سياقه الليبي، وإذا كان تعدد وتنازع الشرعيات أمراً مألوفاً في المراحل الانتقالية، فلا بد إزاءه من تثبيت نوع من الشرعية يستند إليه، ولكن مع إيجاد نوع من التراضي على هذا النمط من الشرعية مع تحديد مضمون هذه الشرعية ومعايير تطبيقها على الأطراف المختلفة.

ثالثاً: المصالحة الوطنية: ويصعب الحديث عن مصالحة وطنية حقيقية وعميقة دون أن تكون هناك توافقات وطنية على بناء مؤسسات سياسية وأمنية فاعلة تستوعب الأبعاد القبلية والجهوية وغيرها، ولا شك أن أبرز أسباب الفشل في التوافق الوطني:

– غياب المرجعية الجامعة التي تجعل للدولة الليبية مؤسسات وبنى ذات سيادة تحميها من التدخلات الإقليمية والخارجية.

-الخلافات السياسية والفكرية بين الأحزاب والقوى السياسية.

-انعدام الثقة بين الأطراف الليبية.

ويمكن في هذا السياق استدعاء الرؤى والتصورات التي طرحها بعض المفكرين المعاصرين في إطار مقارب في معرض حديثه عن التيار الأساسي العام، فعند رصده لخريطة التيارات السياسية المعاصرة بالرغم من اختلاف مرجعيتها الفكرية رأى أن هناك جوامع يمكن تفعيلها بما يؤسس تياراً أساسياً عاماً، وهذه الرؤية تسع البنية المجتمعية الليبية، فالمجتمع الليبي كما أشرنا من قبل من أكثر المجتمعات تجانساً، والخلافات العارضة والأزمات المستحكمة التي شهدها ولا زالت يمكن استيعابها عند تخلية المشهد من التدخل الخارجي الذي يعد عقدة هذا المشهد.

ولذلك ينظر إلى قضية المشتركات الجامعة بين مكونات البنية الليبية، ومن المهم الاصطفاف حول هذه المشتركات، والنظر في مسألة التعايش والمواطنة والحفاظ على اللحمة هي الوظيفة الأساسية التي تحمي النسيخ الليبي من التفكك والتآكل، وما طرح من مبادرات للمصالحة الوطنية وعدم التلاوم على الماضي وضرورة الجلوس على طاولة الحوار يعد خطوات جادة لو فعلت ودعمت بعيداً عن الأجندات الخارجية.

رابعاً: تفعيل المشاركة وآلياتها: وحيث تكثر في المراحل الانتقالية أنماط المشاركة الاستثنائية، فإن من الضروري تحريك الأغلبية الصامتة التي تكون في الغالب وسيلة وأداة من أدوات كثير من النخب السياسية، توظفها في سياق مصالحها الحزبية أو الفئوية الضيقة، وحتى تكون هذه الأغلبية مشاركة في تحريك المشهد باتجاه حلحلة أزمته والسير نحو الحوار الوطني ثم المصالحة الوطنية، كان لزاماً استثمار طاقاتها في هذا الاتجاه، وتبرز منها في هذا السياق المجالس البلدية، القبائل، مجالس الحكماء، التكوينات الشبابية، منظمات المجتمع المدني، النقابات المهنية، منظمات المرأة الليبية .. في غيرها.

خامساً: الفاعلية: وهذا تحد فيه خاصية التجميع والتفعيل للتحديات السابقة، فهو حاصل تفاعل التحديات كلها، بما ينتج معادلات مختلفة، ولا يخفى أن الأنموذج الليبي بحكم ما ينطوي عليها من الخصوصية يستدعي خطاباً جمعياً يستوعب مكوناته بعيداً عن خطاب الاستقطاب وصناعة الفرقة، ويستلزم وضع رؤية استراتيجية تأخذ على عاتقها نقل البلاد من دائرة الأمر الواقع إلى دائرة التحول المقصود والمنشود.

    والحاجة ماسة في مسار الفاعلية الجامعة إلى ما يأتي:

التمهيد لبناء دستور جديد يحافظ على الجامعة الوطنية وهويتها، ويفتح المجال أمام القوى الوطنية في سياق تيار أساسي وطني، ويمكن الاستعانة في تحقيق ذلك بجعل وثيقة الدستور الحالية -على قصورها وعيوبها- مساراً انتقالياً.

النظر في جدوى المبادرات التي اقترحتها القوى الوطنية بمراجعة أفكارها وتصوراتها في إيجاد الحلول والمخارج للأزمة وفق معادلات تدافع الداخل والداخل، وتدافع الداخل والخارج.

إحسان التعاطي مع السياسة مفهوماً وصناعة؛ لأجل مواجهة الخداع الدولي والإقليمي وأدواته داخل البنية، وأهمية رسم الأولويات بحسب ما تقتضيه المرحلة الراهنة.

ابتكار واستثمار الوسائل التي نستطيع من خلالها استيعاب القبائل والتعاطي مع مجلس الحكماء.

استحداث التكوينات التنظيمية الجديدة التي تستوعب الشباب والنساء والمهنيين.

استيعاب فكرة المجالس البلدية وتوظيفها في المسار الوطني، والعمل على مواجهة منهجية الاستقطاب القائمة على صناعة الفرقة.

استثمار المؤسسات الإعلامية في سياق المصالحة الوطنية ودعمها وإحسان الأداء الإعلامي في ذلك.

تفعيل دور علماء الشريعة في بيان الرؤية الجامعة التي تتوافق مع الخطاب الشرعي، وتكون عاملاً في الحفاظ على اللحمة الوطنية.

توسيع دائرة الوعي الشعبي باتخاذ استراتيجيات المشاركة الفاعلة سواء في صناعة السياسة والحكم أو في الرقابة عليهما، واستثمار الطاقات المجتمعية والشعبية في سياق علاقة بين الدولة والمجتمع يحقق للبنية الليبية حكماً راشداً، تواجه منظومات الفساد والاستبداد.

الحرص على بناء القيادات الشبابية الجديدة وصناعتها، فالحاجة ماسة إلى نخبة شبابية جديدة، ولكن وبحسب مقتضيات المرحلة الراهنة فإن القيادة التي تملأ خريطة الشباب تكون في سياق جماعي وليس فردياً، ويبقى دور الشيوخ والكبار في دائرة التوجيه والنصح، ولعل من المسالك الجادة في هذا المجال التفكير في إنشاء حزب شبابي جديدة يكون نواة للاصطفاف الوطني.

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى