اللغةُ والهُويَّة بين الاستلاب الحضاري واستعادة الوعي (7)
سابعاً: الحرب على اللغة العربية وآدابها
كان المظنون- كما ذكرنا في المقال السابق- أن ينداح تيار اليقظة اللغوية في أوائل القرن التاسع عشر ويتسع ويتأصل في التربة العربية لاستعادة أمجاد هذه اللغة وأهلها بعد طول خمول؛ بيد أن موجة التغريب الثانية التي دهمت العالم العربي والإسلامي مع الاحتلال الغربي له حَجَّمت هذا التيار التأصيلي بشدة- وإن لم تستطع القضاء عليه نهائياً- ليدخل العالم العربي واللغة العربية في طور آخر من تجفيف المنابع دينياً ولغوياً جعل من إضعاف اللغة العربية وإبعادها عن التفاعل المجتمعي هدفاً أساساً لتنحية الدين بغرض السيطرة على مقاليد الأمور في العالم العربي.
وكانت بريطانيا قد وضعت مخططها منذ اليوم الأول لاحتلالها على أساس القضاء على اللغة العربية عملاً بنصيحة مستر دوفرين الذي كتب في تقريره الموضوع سنة 1882م لتنظيم الاحتلال في مصر قائلاً:” إن الأمل في نجاح تهذيب العامة في مصر لا يزال ضعيفاً ما دام الصبيان لا يتعلمون اللغة العامية بدلاً من تعلمهم لغة القرآن الشريف كما يفعلون الآن”.([1])
وقد تكثفت جهود الاحتلال الانجليزي لإضعاف اللغة العربية وتهميشها في كل مجالات الحياة الثقافية والتعليمية لتحتل مكانها اللغة الإنجليزية خاصة واللغات الأجنبية عامة، وجاء تعيين القس المُنَصِّر(دوجلاس دنلوب) مستشاراً لوزارة المعارف المصرية فاتحةً أولية لتغريب التعليم وتنحية اللغة. وقد اتُبعت أساليب خبيثة لحصار اللغة العربية وتهميشها في العملية التعليمة ذاتها عن طريق زيادة عدد ساعات تدريس اللغة الإنجليزية في المدارس على حساب اللغة العربية التي كانت لغة التعليم في المدارس المصرية قبل الاحتلال الانجليزي، وكان التلميذ يخير بين الانجليزية والفرنسية والألمانية كلغة ثانية؛ فإن أراد إتقان اللغات التحق بمدرسة الألسن التي أغلقها الاحتلال بعد ذلك ليجعل لغة التعليم كلها بإحدى اللغتين الانجليزية أو الفرنسية، ويقل الاهتمام تدريجياً باللغة العربية.([2])
وتعددت بعد ذلك مظاهر التعدي على اللغة العربية في المدارس الأميرية فصدر القرار الذي ألزم المعلمين في مدرسة قلم الترجمة بإلقاء دروسهم باللغات الأجنبية وعدم إلزام طلاب الشهادة الثانوية باللغة العربية في إجابة امتحاناتهم، بل وتم إقرار اللغات الأجنبية في السنوات الأولى من المرحلة الابتدائية.([3])
زِد على هذا محاربة معلم اللغة العربية خاصة في رزقه وتقليل راتبه والحط من شأنه إلى الحد الذي وصل فيه راتبه الشهري إلى أربعة جنيهات فقط، بينما أمثاله من مدرسي المواد الأخرى يتحصلون على اثني عشر جنيهاً شهرياً. وقد أثر هذا على وضعه الاجتماعي وعلى نظرة الناس له؛ فصار مثار سخرية بين أقرانه ومجتمعه في هيئته وشكله وطريقة نطقه لكلمات اللغة العربية؛ لتنتقل السخرية- بعد ذلك- إلى اللغة العربية ذاتها ومصطلحاتها وشِعرِها.. هذا في الوقت الذي كان دنلوب يسافر فيه إلى إيطاليا كل صيف ليجلب معه معلمين طليان اختارهم على عينه ليعملوا في وزارة المعارف المصرية كمعلمين وموجهين حسب الخطة الموضوعة في تحقير اللغة والهجوم على الإسلام، وغرس الأفكار الغربية في عقول الناشئة.
وقد كان لبعض المصريين الذين تولوا المناصب في وزارة المعارف أثناء فترة الاحتلال مواقف مستغربة لا تصمد تبريراتها عند المناقشة؛ فعلي مبارك مثلاً يرفع عام 1888 تقريراً إلى الخديوي عن أحوال التعليم يطالب فيه بتحويل لغة المواد الجاري تدريسها بالعربية إلى الإنجليزية أو الفرنسية([4])، وسعد زغلول الذي تولى وزارة المعارف عام 1906م، يدافع بشدة عن إقرار اللغة الإنجليزية لغة أساسية للتعليم، ثم يطالب بأن تصبح اللغة العربية لغة مصاحبة وغير أساسية، ورغم أن هذا كان تقدماً جيداً في عهد سعد زغلول إلا أن المنتظر من أمثال سعد زغلول، وعلي مبارك، يختلف بالطبع عن المنتظر من أجنبي محتل مثل دنلوب، وقد احتج سعد زغلول لموقفه هذا بالحجة التقليدية نفسها بأن كتب العلم ومكتشفاته ومصطلحاته كانت أجنبية كلها، فإذا أريد نقل العلم إلى البلاد وجب أولاً إيفاد البعوث من شباب مصر إلى أوروبا لتلقي العلوم فيها، ولنقل هذه العلوم إلى اللغة العربية بعد ذلك.([5])
وعليه؛ فقد اعترض سعد زغلول بصفته وزيراً للمعارف على طلب الجمعية العمومية في مارس 1907 بجعل التعليم في المدارس الأميرية باللغة العربية، وقال في خطبة رد فيها على وجهة نظر النواب في التعليم باللغة العربية:” إن الحكومة لم تقرر التعليم باللغة الأجنبية لمحض رغبتها أو اتباعاً لشهوتها، ولكنها فعلت ذلك مراعاة لمصلحة الأمة.. إن مركز الأمة من الأمم الأخرى واحتلالها بالأجانب واشتباك المصالح الأجنبية بالمصالح الوطنية؛ كل ذلك أوجب التعليم باللغة الإنجليزية لكي يتقوى فيها التلاميذ كما ينبغي.. وفي الحقيقة إذا فرضنا أن نجعل التعليم من الآن باللغة العربية فإننا نكون قد أسأنا إلى بلادنا وإلى أنفسنا إساءة كبرى؛ لأنه لا يُمكن للذين يتعلمون على هذا النحو أن يتوظفوا في الجمارك والبريد والمحاكم المختلطة والمصالح العديدة المختلطة التابعة للحكومة”.([6])
وهذه الحجج كما ثبت بعد ذلك أوهن من بيت العنكبوت؛ فليس من صالح الأمة تهميش لغتها الأصلية وإحلال لغة المستعمر رغم وجود متخصصين في الترجمة يمكنهم نقل وترجمة ما تشاء الأمة من الكتب والنظريات دون أن تتأثر بذلك اللغة الأصلية، ودون أن نمعن في تهميشها والجناية عليها بهذه الحجة الاستعمارية المنشأ والغاية.
وقد تتابعت بعد ذلك وسائل الهجوم على اللغة العربية في التعليم والثقافة والمجتمع في كل قطر عربي مُحتل، واستُخدمت ذرائع كثيرة لهذا الهجوم كذرائع إصلاح النحو أو تجديده من خلال الاستغناء عن الإعراب والاكتفاء بالبناء وتسكين أواخر الكلمات في الكلام والكتابة؛ تسهيلاً على الناشئة والكُتَّاب!! أو حذف بعض أبواب النحو والصرف التي رآها الداعون إلى هذا العبث صعبةً على الفهم ومرهقة في الاستخدام.. وغير بعيد عن النظر أن مثل هذه الدعوات مُضحكةٌ في ذاتها إن كان أصحابها مخلصي النية، واستعمارية في أصلها إن كان أصحابها مدخولي النية.. وما أكثر الدخلاء والمدخولين!!
وظهرت أثناء ذلك عدة دعوات حاولت صرف الأديب العربي عن الاهتمام بالأصالة العربية المتكئة على تراث الأمة الخالص شعراً ونثراً، وكانت الحرب على اللغة العربية، والدعوة إلى كتابتها بالأحرف اللاتينية، ومحاولة استبدالها بالعامية المحكية، هي البوابة الكبرى التي دخل منها دعاة التغريب عرباً وأجانب، مستغلين رغبةَ الاحتلال البريطاني في القضاء على اللغة العربية من جهة، وتزايد الشعور بالنقص في نفس المثقف العربي آنئذٍ من جهة أخرى.
ونادت هذه الدعوات أيضاً بالاهتمام بالآداب القومية الخاصة بكل قُطر؛ فيُعنى المصريون بالأدب المصري والعراقيون بالأدب العراقي والشاميون بالأدب الشامي، ثم حاولت تفتيت المفتت وتجزئ المجزء بالتركيز على ما يُسمى بالأدب الشعبي؛ لصرف العرب عن الثقافة العربية وتقليل العناية بالماضي العربي الإسلامي شعراً ونثراً وتاريخاً وعلوماً. وساعد على انتشار هذه الدعوات ازدياد الهيمنة الثقافية الغربية على التعليم ووسائل الإعلام التي سيطر على الغالبية العظمى منها الأوربيون ثم المهاجرون الشوام الذين أسهموا بشكل كبير في نقل الثقافة الأوروبية بخيرها وشرها إلى مصر وتثبيت دعائمها فيها.([7])
ثم شككت في الشعر الجاهلي من حيث هو قمة البلاغة والبيان العربيين وكونه شاهداً على إعجاز القرآن الكريم لأن الله جل وعلا تحدى العرب الذين أبدعوا هذا الشعر- الذي هو قمة بيانهم وبلاغتهم- أن يأتوا بسورة واحدة من مثله، فلما عجزوا عن ذلك رغم بلاغتهم وفصاحتهم ومشابهة آيات القرآن لجنس كلامهم دل عجزُهم على أن القرآن مغاير لكلام البشر، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يبتدعه من ذاته؛ إذ لو قَدِرَ على ذلك لقدروا عليه أيضاً؛ فهو واحدٌ منهم؛ لسانه لسانهم وبيانه بيانهم، فدل ذلك على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وتَلَقِّيه هذا القرآن عن ربه جل وعلا؛ ولهذا أراد الاستشراق أن يشكك في الشعر الجاهلي ليشكك في القرآن، ويسقط نبوة محمد.([8])
إلا أن أخطر وسائل الهجوم على اللغة العربية في ذلك العصر تمثلت في ثلاث دعوات جمعت الشر من أطرافه وأرادت ضرب القلب مباشرة بالدعوة إلى العامية ثم استبدال الحرف اللاتيني بالحرف العربي، ثم ضرب الأدب العربي من خلال تشتيته وتجزيئه قومياً ووطنياً وشعبياً
الدعوة إلى العامية:
ظهرت الدعوة إلى العامية واتخاذها لغة للكتابة بدلاً من العربية الفصحى لتدخل العربية في حلقة من أخطر حلقات الغزو الفكري المصاحب لحركة الزحف الاستعماري وحملات التبشير الموجهة إلى العالم الإسلامي، والتي بلغت ذروتها في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي؛ لأن هذه الحلقة كانت متجهة إلى لغة الأمة ولسان قرآنها وحافظة تراثها وقوام وحدتها السياسية والفكرية في مختلف أمصارها. وقد بدأ الاهتمام بتلك الدعوة في أوروبا أولاً حيث أُدخلت اللهجات العامية في المناهج الدراسية للمدارس والجامعات الأوربية، وتلا ذلك ظهور عدد من المؤلفات لكتاب أوربيين تناولوا العامية المصرية بالدراسة، وكان أول هذه المؤلفات كتاب الألماني ولهلم سبيتا (قواعد العربية العامية في مصر)عام (1880م)، ثم كتاب (العربية المحكية في مصر) للقاضي الإنجليزي ولمور الذي صدر بالإنجليزية عام (1901م)، ثم كانت مقالات وليم ولكوكس مهندس الري الإنجليزي الذي وفد إلى مصر عام (1883م) في بداية عهد الاحتلال، وقد أيد دعوته بتآليف وترجمات ومحاضرات كثيرة كان منها محاضرة ألقاها في نادي الأزبكية عام (1893م) بعنوان:(لِمَ لمْ توجد قوة الاختراع لدى المصريين الآن) ادعى فيها أن أهم عائق يعوق المصريين عن الاختراع والاكتشاف هو استخدامهم للغة العربية الفصحى، ولو كتبوا وألفوا بالعامية لأعان ذلك على تنمية ملكة الابتكار اقتداء بالأمة الإنجليزية التي هجرت اللاتينية التي كانت لغة الكتابة والعلم يوما ما.([9])
ولم تلبث هذه الدعوة أن ترددت أصداؤها على صفحات المجلات والصحف، وفي مقدمتها مجلة المقتطف المعروفة بميولها الاستعمارية؛ وتفاعل مع هذه الدعوة كثير من المؤيدين والمعارضين: أما المؤيدون فكان على رأسهم أسعد داغر، وأما المعارضون فقد كان منهم الشيخ خليل اليازجي والجمعية الأدبية الدمشقية، وقد استند المؤيدون على نفس مبررات دعاة العامية الأجانب إضافة إلى محاولتهم لنفي ما يكتنف هذه الدعوة من خطورة؛ فهم يؤكدون على أن الاعتماد على العامية على اختلاف لهجاتها أمر صعب ولكنه ليس مستحيلاً، كما أنه لا خوف منه على التراث العربي الذي يمكن نقله إلى العامية، أما عن الفصحى فيمكن الإبقاء عليها كلغة للعبادة أسوة بالنصارى من اللاتين والأروام الذين لا يزالون يقرؤون إنجيلهم باللاتينية، ولن يكون ثمة خوف عليها من التلاشي.([10])
أما المعارضون فقد أكدوا على ما تمثله هذه الدعوة من خطورة الهدم للتصانيف العربية بأسرها وضياع هذا التراث الفكري الثمين، وأكد اليازجي على استحالة الاعتماد على اللهجات العامية لتباينها واختلاف أوضاعها، وتساءل عن أي لهجة من اللهجات المحلية تكون هي الأنسب إذا أقررنا تلك الدعوة؟!، ثم لماذا تكلف البحث عن لهجة جديدة نوحد عليها الألسنة والأقلام ولدينا لغتنا الفصحى التي تتوافر فيها كل مقومات الوحدة والقوة والاستواء. ومن هنا بدأ اليازجي في سوق أدلته في الدفاع عن الفصحى وتفنيد آراء المهاجمين لها مؤكداً على أن الفصحى مستوفاة القواعد محكمة الأسلوب لها من السعة في وجوه التعبير وكثرة المترادفات ما يعين الكاتب على أن يجد للمعنى الواحد صنوفاً من الجمل والعبارات، وإذا كان ثمة فجوة بين اللغة والمفهوم فإن هذا يرد إلى المستخدمين للغة لا إلى اللغة نفسها عندما يعمد هؤلاء إلى اختيار الغريب والاهتمام بتنسيق اللفظ على حساب المعنى، مؤكداً بعد ذلك أن الفصحى في حقيقتها لغة مفهومة وواضحة ومستساغة للعامة والخاصة على السواء.([11])
ودفعت المعارضة الشديدة لهذه الدعوة إلى أن ينتقل دعاتها إلى مرحلة التطبيق فقامت مجلة الأزهر التي سيطر عليها الأجانب بنشر مقالات باللهجة العامية، وأعلنت عن مكافآت مالية لمن يكتب بها ويرسل كتابته للمجلة. وعلى إثر ذلك قامت طائفة المعارضين بإصدار مجلة علمية باللغة الفصحى تفنيداً لمزاعم القائلين بأن اللغة العربية ليست لغة العلم، مما دفع ويلكوكس إلى اليأس من دعوته وتوقيف مجلة الأزهر التي كان يشرف على إصدارها بعد أن تبين له موقف الرأي العام إزاء دعوته.([12])
ثم عادت الدعوة إلى الظهور مرة أخرى على يد عدد من المصريين تحت مسمى (تمصير اللغة) لمداعبة الحس الوطني الذي كان آخذاً في التنامي آنذاك ضمن إطار الدعوة إلى القومية المصرية التي أثرت في عقول كثير من المصريين وقلوبهم حتى أدت ببعضهم إلى نوع من التعصب الممقوت والانطواء المذموم داخل حدود مصر الجغرافية؛ لينسحب التمصير على اللغة والأدب والفن بمختلف أنواعه، وحمل لواء تلك الدعوة أحمد لطفي السيد الذي خصص سبع مقالات على صفحات الجريدة لهذا الشأن.([13])
وقد فطن التأصيليون إلى ما تنطوي عليه هذه الدعوة من محاولة الارتقاء بالعامية إلى المستوى الكتابي للتقريب بينها وبين الفصحى وجعلها دعوة بديلة لإحياء العامية بعد فشل الأخيرة أو تعثرها، وكان مصطفى صادق الرافعي من أشد التأصيليين المعارضين لهذه الدعوة كما نرى ذلك بوضوح في مقاله: (تمصير اللغة)([14])، ثم بدا أن هذه الدعوة آخذة في الانتشار حين سيطرت اللغة السوقية (العامية) على المسرح الهزلي، ثم انتقلت إلى المسرح الجدي على يد فرقة (رمسيس المسرحية)، ولم تلبث أن ظهرت في السينما حيث لم يعد للعربية الفصحى وجود في هذا الميدان، ولم يكن ذلك هو كل ما كسبته تلك الدعوة التي روج لها الإنجليز وعملاؤهم؛ بل إن الدعوة استطاعت أن تتسلل متلصصة إلى الحصن الذي قام لحماية اللغة العربية الفصحى (مجمع اللغة العربية)؛ فظهرت في مجلته الناطقة باسمه سلسلة من المقالات عن اللهجة العربية العامية كتبها عضو من أعضائه هو عيسى إسكندر المعلوف الذي دعا فيها إلى توحيد لغة الخطاب ولغة الكتابة واستخدام العامية لغة للكتابة.([15])
الدعوة إلى استخدام الخط اللاتيني:
تطور الأمر بعد ذلك إلى الحد الذي دعوا فيه صراحةً إلى استخدام الخط اللاتيني في كتابة العربية؛ لتنبت صلة العرب بلغتهم الفصحى، وظهرت هذه الدعوة بدايةً في كتاب سبيتا (قواعد العربية العامية في مصر)حيث قدم أول اقتراح لكتابة العامية بحروف لاتينية، وخصص لذلك جزءاً كاملاً من كتابه تحدث فيه عن كيفية نطق العامية بالحروف اللاتينية التي استنبطها لكتابتها، ثم جاء كارل فولرس الألماني عام (1895م) فنهج نهج سبيتا واستنبط حروفاً لاتينية لكتابة العامية ودرس قواعدها وأورد كثيراً من نصوصها، ثم كان كتاب ولمور(اللغة العربية المحكية في مصر) الذي أكد فيه على اقتراح صاحبيه حتى ظهر كتاب (المقتضب في عربية مصر) عام (1926م) لمؤلفيه: باول، وهو إنجليزي كان يعمل قاضياً بالمحاكم الأهلية بالقاهرة، وزميله (فيلوت) وكان أستاذاً للغات الشرقية في جامعة كامبردج وجامعة كلكتا، وقد كان هذا الكتاب صورة عملية تطبيقية لكتابة العامية باللاتينية.([16])
وقد لاقت هذه الدعوة كسابقتها معارضة شديدة من جمهور الكتاب والمفكرين، وسكنت الفتنة حيناً ثم عادت ليشتعل أوارها حين قام مصطفى كمال أتاتورك بحمل الناس في تركيا على كتابة اللغة التركية بحروف لاتينية بعد أن كانت تكتب بأبجدية عربية؛ فتجدد كلام الناس فيها وظهرت وقائع تلك المعركة على صفحات مجلة الهلال أخذاً ورداً وقبولاً ومعارضة. وكان من المتورطين في هذا الأمر الأب أنستاس الكرملي، ومحمد فريد وجدي اللذين لم يُبديا معارضةً شديدة لهذه الدعوة.. والغريب أن المعارضة الشديدة جاءت من المستشرق الإيطالي كارل نللينو الذي عارض هذه الدعوة مستنداً إلى حجج وأسانيد قوية.([17])
ثم عادت هذه الدعوة للظهور (ويا للغرابة!!) على يد عضو من أعضاء مجمع اللغة العربية هو عبد العزيز فهمي في صورة مشروع تقدم به إلى مؤتمر المجمع في 24 يناير عام (1944م)، وقد أعرب عبد العزيز فهمي عن استيائه الشديد لجمود اللغة العربية الذي يقف حجر عثرة في طريق تقدم الأمة ويخالف قانون الطبيعة في التطور، وما يعانيه أهل اللغة العربية المستكرهون- حسب رأيه- على أن تكون العربية الفصحى لغة الكتابة مما يعد محنة وكارثة حائقة بأهل العربية، وبعد جهد وعناء طويل فإن تفكيره لم يهده إلا إلى طريقة واحدة هي اتخاذ الحروف اللاتينية وما فيها من حروف الحركات بدل حروفنا العربية كما فعلت تركيا، وأخذ يعدد مزايا استعمال الحروف اللاتينية من سهولة في التعلم، وكونها لا تخل بشيء من نغمات الحروف العربية، وأنهى مقالته بقوله:” طريقة الحروف اللاتينية التي أُقرها هي الوسيلة الوحيدة المتعينة لتخلية لغتنا الفصحى في جلالها وجمالها على الوجه الواحد المتعين من أوجه النطق بكلماتها”.([18])
وقد لقيت هذه المحاولة معارضة ضخمة من كتاب ومفكرين كبار، أمثال: عبد الوهاب عزام، وإسعاف النشاشيبي، وعباس محمود العقاد، ومحمد كرد علي، ومحمود شاكر، وغيرهم.. وقد حاول عبد العزيز فهمي التصدي لتلك الموجة المعارضة إلا أنه عجز عن ذلك بعد أن تصاعدت حملة المعارضة ضده، وكانت مجلات(الرسالة، والمنار، والفتح) مسرحاً لتلك الآراء المعارضة المدعمة بالأدلة القوية التي توضح ما يؤديه هذا التحول من قطيعة بيننا وبين الفصحى لغة القرآن وحافظة التراث، وما يؤول إليه من نتيجة عكسية بزيادة صعوبة اللغة العربية التي تكون عندئذ أجهد لطالبها من اللغة الصينية.([19])
الهجوم على الأدب العربي:
ولأن الأدب هو التطبيق المثالي لجماليات اللغة (أية لغة)؛ فإن الأدب العربي لم يسلم أيضاً من الهجوم الذي سعى إلى إفقاده خصائصه الجمالية لتبقى اللغة بعد أدبها مجرد قواعد جامدة كالقواعد الرياضية التي لا تنبئ عن حس إنساني أو شعور بشري. والطاعن في لغة قومٍ لا بد له أن يهتم ابتداءً بالطعن في أدب هذه اللغة حتى يُسقط في قلوب أهلها أهم ما يحبون لغتهم من أجله، وهو الأدب الذي يصور معاني شعورهم وخلجات نفوسهم وأشواق أرواحهم وآمالهم وآلامهم، فإذا سقط هذا الأدب أو سُفِّهَ في نفوسهم وعقولهم؛ لم يبق للغة التي تحمله قيمة في ذاتها، ولا فضيلة في نفسها.
وكان الشعر جوهر النشاط الأدبي عند العرب، يحتل أسمى مكانة وينزل من القلوب أعظم منزل، هو ديوانهم وسجل مفاخرهم وعلمهم الذي ليس لهم علم أصح منه، حوى اللغة وألفاظها، واتسع للمعاني وأساليبها، وقوم عوج الألسنة ورقق قسوة القلوب، وهو من حيث احتوائه على غالب اللغة فُهم به غريب القرآن، وفُسر به مشكله، وكثيرٌ من متشابهه، فلو لم يكن للشعر في ذاته قيمة لكانت هذه الميزة قيمة كبرى له من حيث هو دليل على الإعجاز اللغوي والبياني في القرآن الكريم ورافد من روافد تفسيره وإيضاحه ، وقد كان ابن عباس _ رضي الله عنهما _ يقول :” إذا سألتموني عن غريب القرآن فالتمسوه في الشعر فإن الشعر ديوان العرب.”([20])
وقد تنبه الاستشراق إلى خطورة تيار التأصيل الأول الذي عمل على عودة الروح إلى الأدب العربي شعره ونثره- وشعره على وجه الخصوص- حين نهض البارودي ورفاقه وتلاميذه من أمثال: شوقي، وحافظ، ومطران، وإسماعيل صبري، وغيرهم، بمهمة إحياء الأصالة العربية في الشعر العربي وبعثه وتجديده؛ فكان لا بد من إجهاض هذه النهضة أو التشويش عليها أو التقليل من قيمة منجزاتها التي ربطت الأدب العربي الحديث بينابيعه العربية الأولى وأعادت تأصيل النقد والبلاغة ضمن السياق الأوسع للنظرية العربية في النقد والبلاغة.
وشهدت هذه الفترة عودة طلاب البعثات الذين لم يتلقوا من العلم العربي إلا أقله، والذين ثبت في عقولهم وقلوبهم أن أوروبا لم تحقق نهضتها إلا بعد أن استغنت عن قديمها ونقدته وشككت فيه، وأن أعلام أوروبا وأسماءها اللامعة لم يصلوا إلى المكانة الرفيعة التي وصلوا إليها إلا بالثورة على القديم ومحاولة طمسه وإلغائه، وأن أمثال بيكون، وكانت، وجان جاك روسو، وديكارت، وفولتير، وعشرات الأسماء غيرهم من رواد النهضة الأوربية في شتى المجالات؛ لم تُخلد أسماؤهم إلا بعد أن ارتفعوا عن بيئتهم الاجتماعية والأدبية والثقافية ورفضوا ما كان سائداً فيها وهدموه ليحلوا مكانه علماً وفكراً وأدباً جديداً.. وكان لتضخم الشعور بالذات في نفوس طلاب البعثات هؤلاء، والذي نتج عن إحساسهم بأنهم أفضل من غيرهم وأعلى من مجتمعهم لتلقيهم العلوم في بلاد الحضارة والتقدم؛ أكبر الأثر في أن يتمنى كل واحد منهم أن يكون بيكون العرب وديكارت العرب وفولتير العرب؛ فكان أن بدأ هؤلاء الشباب الأحداث- مدفوعين برغبات أنفسهم أو بتلميحات أساتذتهم المستشرقين- في التشبه بهذه الأسماء الأوربية وتقليد أعمالها واستيراد مناهجها غير عابئين باختلاف البيئات وتباين الظروف.
وسمى هؤلاء أنفسهم بالمجددين ، وأخذوا يكاثرون من سموهم المحافظين بما عرفوا من آداب الغرب وفنونه المستحدثة، ويسخرون من جهل المحافظين بها، ويرمونهم بالجمود والكسل؛ فسخر طه حسين في مقال له عن ديكارت نشره في (السياسة) الأسبوعية من شيوخ المحافظين قائلاً:” إنهم يُعَرِّفون الأدب بأنه الأخذ من كلٍ بطرفٍ، ومع ذلك فهم لا يأخذون من كل شيء بطرفٍ، وإنما يعنون الأدب العربي القديم وحده حين يقولون كل شيء.. وهم بعد يجهلون (ديكارت) فلا يرون ذلك جهلاً، ويجهلون تاريخ مصر القديم والحديث فلا يرون ذلك جهلاً، ويجهلون كل ما عدا بيئات العرب والشام والعراق في العصور الأولى والأندلس في بعض عصورها الإسلامية.. كما هاجم شوقي في مقال آخر منتقصاً من قدره ناعياً عليه تقصيره في الأخذ بالأدب الفرنسي الجديد والفلسفة الفرنسية الجديدة، مما دفع سامي الجريديني إلى أن يتساءل: هل يصح لشاعر عربي أن يتخذ الأدب الفرنسي معياراً لشعره؟! وهل يجوز لناقد فرنسي مثلاً أن ينتقص من شعر بودلير لأنه لم يتثقف بالثقافة الإنجليزية الممثلة في كبلنج وفي برناردشو؟ ثم يبين أنه لا ينبغي أن يُطلب من الشاعر إلا أن يكون على حظ من الثقافة العامة، وألا يطالب بعد ذلك في الإغراق في التخصص.([21])
وكان سلامة موسى من أشد أصحاب هذه النزعة غلواً وتطرفاً، وهو يعرف الأدب العربي ابتداءً بقوله:” هو أدب كان يؤلفه الكتاب والشعراء لأجل الخلفاء والأمراء والفقهاء لأن جميع هؤلاء كانوا (الدولة)، ولم يكن للشعب وجود في أذهان الكتاب، ولم يكن هناك قراء يمكن أن يعتمد عليهم في مكافأة المؤلفين، وكان أدب الخلفاء والأمراء نوادر وقصصاً وأشعاراً تسلي وتذهب بالسأم.. وكان أدب الخلفاء أحياناً تواريخ تؤيد دولتهم وتثبت حقوقهم في تبوّء الحكم، وكان أدب الفقهاء شروحاً وتعقيبات على الدين والمذاهب، ولما ظهرت الدولة الفاطمية في مصر وظهرت الدولة المستقلة في المغرب والأندلس؛ ظهر أدب يكاد يكون شعبياً في قصص الرحلات، بل صار شعبياً خالصاً في كتاب ألف ليلة وليلة مثلاً، ولكن الشعوب كانت لا تزال في التراب فلم يرتفع هذا الأدب عن التراب”.([22]).. وهكذا يحكم سلامة موسى على تاريخ الأدب العربي القديم بالفشل في بداية عرضه التاريخي، ابتداءً بأهدافه وغاياته التي يتوجه إليها، وانتهاء بسماته وخصائصه؛ فالأدب العربي القديم كما يقول:” كان على الدوام أسلوبياً تقليدياً ولم يك ابتكارياً مستقبلياً، وعبارة (قال فلان) ثم عبارة (السلف الصالح) كلتاهما تدل على أن الأديب العربي القديم كان ينشد الحكمة خلفه لا أمامه، وعندما نقرأ البيان والتبيين للجاحظ أو أشعار المتنبي أو الكامل للمبرد نحس أننا إزاء أدباء إما يعيشون في بلاط أحد الأمراء، وإما يستندون في حياتهم الذهنية إلى تقاليد لغوية وأدبية ودينية وسياسية تمت إلى بلاط أحد الأمراء.”([23])، وهذه تعد أحد أهم مثالب الأدب العربي في رأي سلامة موسى” وهي نزعته إلى القديم واحترامه للسلف بما يكاد يبلغ حد العبادة.. وخصلة أخرى في الأدب العربي هي الإغراق في الصنعة وهذه الخصلة بحكم ما ذكرناه آنفاً من احترام القديم لا تزال حية بين أدبائنا.”([24])، وهذا الأدب- كما يرى سلامة موسى- في مجمله:” ينأى عن القيم والأوزان الإنسانية العصرية؛ إذ هو أدب الترف الذهني.. وهو أدب التسلية للملوك والأمراء، وهو أدب اللذة الجنسية السوية والشاذة، وهو أدب المنازعات الحربية أو المناقشات الدينية، وليس أدب الشعب الذي يكافح من أجل الحرية والاستقلال، وليس أدب الإنسانية الذي يحمل همومها ويعبر عنها بالقصة والشعر والمقال، وليس هو الأدب الذي يدعونا إلى احترام المرأة وحبها”.([25])
أما الأدب الأوربي- والإنجليزي خاصة- فهو في نظر سلامة موسى” أدب الحياة الذي ينتقد المعايش والغايات ويجعلها موضوعه سواء في القصة أم المقالة ، وهو لذلك يتصل بأنواع النشاط البشري كله.. فالأديب الإنجليزي يتصل بالحياة ويتأثر بها ويؤثر فيها، وهو ينتقد أسلوب العيش أكثر مما ينتقد أسلوب الكتابة؛ فللأديب رأيه في العلم والصناعة والاقتصاد والتعليم والصحافة، بل وفي الأدباء الإنجليز مثل برناردشو من ينتقد النظريات الطبية ومنهم من يدعو إلى الإيمان بدين جديد”.([26])
وشغف الناس في هذه الفترة بالكلام عن أدباء الغرب ومفكري الغرب وسياسة الغرب، حتى أصبح العلم بآدابهم هو وحده آية التبحر في الثقافة، وأصبح الاستشهاد بالقول المنسوب لأحد الغربيين هو فصل الخطاب، وهو الحجة المسكتة التي ينقطع بها جدل المختصمين، وأوشك الأمر أن يبلغ بالناس حد المرض حتى لقد ضاق به بعض دعاة الجديد أنفسهم، وهو محمد عبدالله عنان الذي قال:” شغف فريق من كتابنا الأحداث بالكتابة في الأدب الغربي وأطواره ومناحيه شغفاً يملك عليهم كل شيء، وترى لهم في كل يوم حديثاً عن( الدرامة) و(الرمانتسزم) و(المذهب الواقعي)، أو عن برناردشو، وأوسكار وايلد، وترجنيف، ودستويفسكي، وإبسن، وهكذا في سلسلة حافلة لا تنتهي من موضوعات الأدب الغربي وأقطابه في كل عصر وأمة.. وهؤلاء الذين يطربهم رنين الأسماء الغربية والموضوعات الغربية، ويقفون أوقاتهم على درسها وتناولها، هم أقل الناس تزوداً بآداب اللغة التي يخرجون بها مباحثهم، ويزعمون أنهم يحاولون إحياءها وتجديدها بما يكتبون عن الدرامة وعن الرومانتسزم.. وهم أكثر الناس جهلاً بما يموج به تراث العربية من كنوز البيان والأدب، وبما يغص به ثبت كتَّابها ومفكريها من الأساتذة في كثير من فنون التفكير والأدب، وفيها أسماء أوفر رنيناً وأحق بالدرس من كثير ممن يشغف اليوم كتابنا الفتيان بدرس شخصياتهم واستيعاب آثارهم.”، ثم يختم عنان مقاله بأن يطلب تحرير حياتنا وأدبنا من النزعة الجديدة التي تريد أن تقطع حاضر مصر عن ماضيها وأن تجعل دراسة مصر مقصورة على هذا العهد الأخير، والتي ترمي إلى صبغ تاريخ هذا العصر بصبغة معينة يوحى بها اليوم إلى أقلام مصرية وغربية، وتفرض اليوم على طلبة المدارس.([27])
ولعل خير وصفٍ وُصف به هؤلاء النفر الذين زعموا التجديد في هذا العصر هو وصف المنفلوطي لأحدهم في مقدمة نظراته بقوله:” أعجمي يظن أن اللغة العربية حروف وكلمات وهو لا يعرف منها غيرها؛ فينطق بشيء هو أشبه الأشياء بما يترجمه المترجمون من اللغات الأعجمية ترجمة حرفية، فإن نعيت على غرابة أسلوبه واستعجامه والتواءه على الفهم؛ كان مبلغ ما ينضح به نفسه أن المعاني العصرية والخيالات الحديثة لا يستطاع إلباسها الأكسية البدوية والأردية العربية، كأنما هو يظن أن المعاني والخواطر خطط وأقسام وأنصبة وسهام، هذا للشرق وهذا للغرب وهذا للعرب وهذا للعجم، أما الحقيقة التي لا ريب فيها فهي أن الرجل لا ينتزع تلك المعاني من قرارة نفسه ولا يصور فيها صورة عقله؛ وإنما هو مترجم قد عثر بتلك المعاني في اللغة الأعجمية التي يعرفها.. فلما أراد أن يفضي بها إلى العرب وكان غير مضطلع بلغتهم ولا متمكن من أساليبهم عجز عن أن ينزع عنها أثوابها اللاصقة بها؛ فنقلها إليهم كما هي، إلا ما كان من تبديل حرف بحرف أو لفظ آخر”.([28]) وطغت موجة التفرنج الأدبي والتأثر بمقاييس النقد الأوربي حتى استحكمت، وَخَفَتَ في العقد الثالث من القرن العشرين صوت الشعر الأصيل، وتندر كثير من الكتاب والأدباء بمن استمسك من الشعراء بعمود الشعر، وبمن استمسك من الأدباء بطرائق العرب في النثر، وأعلن لويس عوض نعي الشعر العمودي في سرورٍ لم يستطع إخفاء معالمه وشماتةٍ لم ينجح في كبح مظاهرها قائلاً في كتابه (بلوتولاند وقصائد أخرى):” لقد مات الشعر العربي، مات عام1933م، مات بموت أحمد شوقي، مات ميتة الأبد، مات!!.”([29])، ومن الملاحظ أنه أهدى كتابه هذا إلى كريستوفر سكيف، سنة 1947م، وسكيف هذا كان أستاذاً في كلية الآداب بجامعة القاهرة وجاسوساً محترفاً في وزارة الاستعمار البريطانية، ومبشراً ثقافياً شديد الصفاقة سيء الأدب ماكراً خبيثاً خسيس الطباع .([30])
وسعد لويس وأمثاله بانحدار الشعر الأصيل بعد موت شوقي وحافظ، وصعود موجات أخرى مما سُمي بالشعر الحر الذي ساعد في البعد عن منابع الأصالة والتأصيل، وبدأت القصص والروايات والمسرحيات تنشط في غياب الشعر، وكثر القصاصون والمسرحيون، ووجد دعاة التجديد مجالاً جديداً لإعادة الدعوة إلى العامية واللغة المتوسطة إلى صدارة المشهد الأدبي، واستغلت القصة في إذاعة تقاليد الغرب وعاداته وأفكاره وقيمه، ولم تلبث- كما يقول محمد محمد حسين- أن طغت على سائر فنون الأدب حتى أخملت الشعر أو كادت، ورحبت بها الصحف على اختلاف ألوانها، وجعل لها الكثير منها باباً من أبوابها الثابتة استجابة لرغبات الجمهور الذين أقبلوا عليها إقبالا شديداً لاسيما بعد أن هجر الناس اللغة الفصحى إلى لغة الأسواق التي لا يتميز فيها عالم من جاهل.. وتجرأ على كتابة القصة القادرون وغير القادرين، والناضجون من أصحاب المواهب والتافهون من الأغرار والجهال، واندس بين هؤلاء كثير من مرضى النفوس وذوي الأهواء وممن ينقلون ويترجمون أسوأ ما قرؤوا من قصص الغرب الرخيصة المبتذلة؛ حتى أصبحت القصة أشد خطورة من الكوكايين والحشيش والأفيون، وصارت من أبشع وسائل الإفساد والغواية والهدم، بعد أن انتقل ميدانها إلى الخيالة والسينما.([31])
وإذا كانت الوسائل التي اصطنعها القوم لضرب اللسان العربي فشلت في ميادين كثيرة؛ فإنها في ميدان تغريب الأدب أحرزت نجاحاً لا يستهان به، وكانت قضيتا (الأدب القومي) و(الشعر الجاهلي) من أشد ما ابتلي به الأدب العربي في تلك الفترة، وقد تدثرتا- ككل الدعوات الهدامة في ذلك العصر- بشعارات براقة خادعة، وتلفعتا ببعض إيجابياتهما القليلة الملتبسة لستر سلبياتهما الكثيرة الواضحة.
الدعوة إلى الأدب القومي :
كان أكثر ما يؤرق الدوائر الاستشراقية آنذاك هو وحدة الأدب العربي النابع من وحدة لسانه الذي يظل وجوده عامل ربط بين مختلف الشعوب الناطقة بالعربية، وكما اجتهدت هذه الدوائر في الدعوة إلى إحلال العامية محل العربية؛ اجتهدوا أيضاً في الدعوة إلى إحلال الأدب القومي (الإقليمي) محل الأدب العربي؛ لتُعنى مصر بالأدب المصري، ويُعنى العراق بالأدب العراقي، ويُعني الشام بالأدب الشامي.
وقد كانت هذه الهجمة على وحدة الأدب العربي أثراً من آثار الدعوة إلى القومية التي أريد بها ضرب الوحدة الإسلامية، ثم تمخضت عن دعوات إقليمية ضيقة، أو دعوات عرقية بائدة سابقة على الإسلام، وضاربة بجذورها في عمق الزمن كالفرعونية والآشورية والفينيقية، وغيرها من الأعراق والحضارات البائدة. وقد تعاظم هذا المد القومي الإقليمي إلى الحد الذي ظهرت من خلاله الدعوة لإقامة الفنون على أساس فرعوني، وتزعمت صحيفة السياسة الأسبوعية هذا الاتجاه، وأعان عليه رئيس تحريرها محمد حسين هيكل في شطر كبير من حياته؛ فلم يكد عدد من أعداد السياسة يخلو من حديث عن الفراعنة وحضارتهم وثقافتهم، والدعوة إلى أن تقوم نهضتنا الحديثة على أساس من بعث المجد الفرعوني القديم، مثلما قامت النهضة الأوروبية الحديثة على بعث المجد اليوناني واللاتيني القديم.([32])
وواضح أن هذا التردي كان ناتجاً عن التخبط في البحث عن ذات يركن إليها العربي الذي قصفته مدافع الهجمة التغريبية الأولى، وأثرت فيه أيما تأثير البعثاتُ العلمية التي شككته في أصله وعرقه، وخدعته عن نفسه وتاريخه، وأسقطت في ذاته قيمتها وأهميتها، وحقرت إليه تراثه وأمجاده؛ فارتد يبحث- صادقاً أو مقلداً- عن ذاته في حضارات قديمة بائدة لم يعد يربطه بها رابط معنوي أو روحي، ولم يبق من آثارها سوى تماثيل وأبنية جامدة شاء الله أن توجد فوق أرضه وتحت سمائه؛ ليتغافل- بفعل القصف الفكري المستمر- عن الروابط العميقة المتجذرة في ذاته وروحه التي تربطه بالحضارة العربية وتراثها الإسلامي الخالد.
وهذه (الغفلة) هي البديل الذي نفضله لكلمة (الخيانة) أو (العمالة) الفكرية التي راج استخدامهما في وصم هؤلاء المرددين لهذه الدعوات الاستشراقية المنشأ الاستعمارية الهدف، وإن كان تكرر وجود أسماء بعينها في كل دعوة هدامة يقربنا أكثر وأكثر من كلمتي (الخيانة والعمالة) الفكرية عند الحديث عن هذه الأسماء؛ لأنه لا يُقبل عقلاً أن يظل الغافل غافلاً أبداً، وألا تظهر غفلته إلا في دعوات الهدم والإلغاء والإقصاء وتحطيم الثوابت.
وبين الغفلة والتغافل، وبين البحث عن الذات والجهل بالذات، وبين الشعور الطاغي بالوطنية الجديدة والجهل بالمآلات القبيحة لهذه الوطنية؛ سارت حملة (صحيفة السياسة) التي تبنت الدعوة إلى خلق أدب قومي له طابع مصري مستقل عن آداب الشعوب الشرقية الأخرى الناطقة بالضاد، ونشرت بياناً وقع عليه جماعة من شباب الأدباء ممن يتبنون هذه الدعوة ويطالبون بإنشاء مدرسة أدبية جديدة تحمل طرازاً أدبياً قومياً خاصاً، وهؤلاء الشبان هم: محمد زكى عبدالقادر، محمد الأسمر، محمود عزت موسى، محمد أمين حسونة، زكريا عبده، معاوية محمد نور.([33])
وقد شعر هؤلاء الأدباء- على حد قول جابر عصفور- بالحاجة إلى ضرورة الإعلان عن دعوتهم إلى (خلق الأدب القومي) الوطني المستقل عن أدب الشعوب الشرقية الناطقة بلغة الضاد ، مؤكدين على عدم ضرورة ارتباط الأدب المصري بغيره من آداب الدول الإسلامية أو العربية التي كانت قد أخذت تجمعها تسمية (الرابطة الشرقية)، ومشددين على أن استقلال الأدب المصري في هذا السياق يأتي تأكيداً لخصوصيته التي تستند إلى تاريخ طويل متعامد على مكان متعين، تفرض خصوصية كليهما رفض تقليد التراث العربي القديم، والكتابة في المدى الذي تسمح به تقاليده التي أنتجت أمثال مصطفى صادق الرافعي، ومصطفى لطفي المنفلوطي، ورفض تقليد الأدب الغربي في الكتابة، وما يلزم عن هذا التقليد من اقتباس أو تمصير أو تعريب، مع عدم الامتناع عن الإفادة من أدب الشرق أو الغرب في حدود الرؤية الجديدة للواقع المصري الجديد. كما يتبع هذه الفكرة ما يلزم عنها من ضرورة تجديد اللغة العربية وأساليبها تجديداً جذرياً بما يؤكد طابعها المحلى، ولا يعنى ذلك الدعوة إلى استخدام العامية وإلغاء الفصحى؛ وإنما تأكيد الفصحى التي تنبني على خصائص محلية.
وعلى هذا النحو يمضي جابر عصفور مدافعاً عن هذه الدعوة وأصحابها، ومستعيناً في دفاعه بما كتبه الشيخ أمين الخولي عن (مصر في تاريخ البلاغة العربية)، مستغلاً تزامن نشاط هذه الدعوة مع صدور كتاب الخولي الذي لم يقصد من ورائه ما قصده دعاة القومية في الأدب؛ وإنما كان مقصده رفض تقسيم تاريخ الأدب العربي الإسلامي إلى عصور زمنية مجاراة لمؤرخي الأدب من الغربيين، والدعوة إلى ضرورة الربط بين المنظور الزمني والمنظور البيئي أو الإقليمي؛ خصوصاً بعدما رأى ما قرره العلم من أثرٍ للبيئة ينازع في قوته ما للوراثة من تأثير؛ فالرأي الصائب عند الخولي: أن يَعدِل مؤرخو الأدب عن توزيع دراسة الأدب العربي الإسلامي على عصور زمنية فحسب، وأن يقدروا الأثر القوي لكل بيئة نما فيها أدب عربي، وأن يتتبعوا هذا الأثر بالدرس المستقل، وأن يدرسوا العربية في المواطن المختلفة التي نزلتها موطناً موطناً؛ فيكون أساس التقسيم هو اختلاف البيئة وتغايرها ووحدة المؤثرات المادية والمعنوية فيها، حتى لو لم يتطابق ذلك مع التقسيم السياسي المتعارف عليه للأقطار والبلدان، فليس هناك تطابق حتمي بين أثر البيئة (المادي والمعنوي) وأثر السياسة؛ ولذلك لا بد من إفراد كل بيئة بدرس خاص أفقياً ورأسياً.
ومن المعلوم أن جذور هذا الرأي الذي رآه أمين الخولي موجودةٌ عند العرب القدماء ومعتبرةٌ أيضاً.. فقد تحدث النقاد القدماء عن شعراء القرى وشعراء البادية وفرقوا بينهما، بل وتحدثوا عن شعراء الكوفة والبصرة وأدبائهما وفرقوا بينهما لما للبيئتين من خصائص مختلفة عن الأخرى، وقد قَسَّمَ أبو منصور الثعالبي في كتابه (يتيمة الدهر) الشعراء حسب أقاليمهم؛ فجعل قسماً لشعراء الشام ومصر والموصل، وقسماً لشعراء العراق والديلم، وقسماً لشعراء فارس وجرجان وطبرستان، وقسماً لشعراء خراسان وما وراء النهر. ولم يقصد العرب القدماء الدعوة إلى الإقليمية بتلك التقسيمات، كما لم يقصد الخولي ذلك أيضاً، وإنما قصدوا وقصد توضيح أثر البيئة في شعر الشاعر ونثر الناثر ونقد الناقد، وهذا لا مشاحة فيه، أما غرض أصحاب دعوة الإقليمية في الأدب فقد انصب على تمصير الأدب كما انصب غرض غيرهم على تمصير اللغة، وقصدوا (فرعنة) الأدب كما قصدوا (فرعنة) اللغة، ونحن لا نعرف كيف يكون الأدب فرعونياً مصرياً، أو آشورياً عراقياً، أو فينيقياً شامياً، وهو عربي اللسان والأساليب والمقاييس.
ثم إن مصر ذاتها ليست وحدة واحدة؛ فشمالها وجنوبها يختلفان في العادات والتقاليد والتأثيرات عن بعضهما، كما تختلف بلدان الشام مجتمعة قبل التفريق بينها، فلبنان وسوريا وفلسطين والأردن بينها من الفروق ما يمكن أن يتمحل بها المتمحلون صفات وتأثيرات خاصة لشعراء وأدباء كل بلد منها، بما يجعل لكل بلد خصائص ذاتية مختلفة عن الأخرى رغم اتحادهم في الإقليم واتفاقهم في معظم الخصائص.
وهذا ما واجهه جابر عصفور حين تحدث عن (معاوية محمد نور) السوداني الوحيد بين الموقعين المصريين على بيان الدعوة إلى الأدب القومي، ومعلوم أن السودان ومصر كانتا آنذاك بلداً واحداً، أما الآن فهما بلدان مختلفان- بحسب الفكرة القومية الوطنية الضيقة- ولكي يخرج جابر عصفور من هذا المأزق قال:” ويلفت الانتباه في هذه الأسماء أولاً، أنها مصرية المولد والمربى فيما عدا معاوية محمد نور (1909-1941) السوداني المنتسب إلى وحدة (وادي النيل) الواصلة بين مصر والسودان تاريخياً.”([34]) ، وهذا تمحل غريب وتبرير أغرب بعد أن انفصل السودان عن مصر، ولو لم ينفصل السودان عن مصر- بفعل الاستعمار والتغريب أيضاً- لما ألمح جابر عصفور إلى وحدة وادي النيل التي تشترك فيها مع مصر والسودان كينيا وأثيوبيا وأوغندا وغيرها، فهل يصح أن ندخل أدب هذه الدول ضمن الأدب المصري والسوداني لمجرد أن هذه الدول اشتركت في وحدة وادي النيل تاريخياً، وهل سيظهر إذا انفصل شمال مصر عن جنوبها مثلاً- ما دمنا نتمحل الأعذار بعد كل انفصال- أدبٌ صعيدي، وأدب قاهري، وأدب دلتاوي، كما يريد دعاة القومية أن يصبح الأدب في بلاد الشام أدباً سورياً، وأدباً لبنانياً، وأدباً أردنياً، وأدباً فلسطينياً.
بيد أن أخطر تطور حدث لهذه الدعوة هو ذلك التطبيق العملي الذي تمثل في ذلك الكرسي الذي خُصص لها في كلية الآداب بجامعة فؤاد الأول (القاهرة لاحقاً)؛ فقد أوعز محمد حسين هيكل بعد أن أصبح وزيراً للمعارف في وزارة محمد محمود باشا إلى صديقه طه حسين عميد كلية الأدب العربي أن يتقدم بمقترح للجامعة يطلب فيه تخصيص كرسيٍ في (قسم اللغة العربية) بكلية الآداب باسم (الأدب المصري)، وقام هيكل- استجابة لهذا الطلب الذي أوعز هو به- بإعداد مذكرة لإنشاء الكرسي، ليصدر في الخامس والعشرين من أبريل سنة 1939م (أي بعد إعداد المذكرة بيومين) مرسوم ملكي من فاروق الأول ملك مصر والسودان إلى محمد محمود باشا رئيس مجلس الوزراء بإنشاء كرسيٍ خاص (للأدب المصري في العهد الإسلامي) بكلية الآداب بالجامعة المصرية، وتم إبلاغ الجامعة بالمرسوم الملكي لتنفيذه، وتقرر نتيجة ذلك نقل صديق هيكل وطه حسين: أحمد أمين من كرسي الأدب العربي إلى كرسي الأدب المصري!!، وترقية عبد الوهاب عزّام الأستاذ المساعد إلى أستاذ للأدب العربي!! ليصبح أحمد أمين الذي كان متعاطفاً مع دعوة الاهتمام بالأدب القومي منذ البداية أول أستاذ يشغل كرسي الأدب المصري.([35])
ورغم أننا نحسن الظن ببعض الأسماء التي حملت لواء هذه الدعوة، وننظر إلى جهودهم فيها من خلال سياق أحداث عصرهم الذي ماج بدعوات الوطنية والقومية، ونجد لهم بعض العذر في انسياقهم وراء الآثار القومية والوطنية الجارفة لثورة 1919م، ونقدر لهم كثيراً من أفكارهم التي جاءت في مؤلفاتهم الإسلامية والعربية التي تعيدنا إلى إحسان الظن بهم في غرضهم من هذه الدعوة التي لم يريدوا بها غير تقوية روح الوطنية في نفوس الناشئة لمحاربة الاستعمار والاحتلال، وإظهار ما لمصر من قيمة وأهمية- كما فعل أحمد شوقي وحافظ إبراهيم في شعرهما الذي يمجد الحضارة الفرعونية، دون أن يكون مقصدهم فصل مصر عن محيطها العربي- إلا أن ذلك كله لا يشفع لهم سنهم سنة سيئة في تاريخ الأدب العربي الحديث والمعاصر أدت إلى خلخلة كثير من المفاهيم الأدبية؛ بل وأدت إلى ظهور ما سمي بالأدب الشعبي أو الفولكلور الذي انتقلت إلينا عدواه بفعل حبنا لتقليد الأجنبي تقليداً أعمى في الخير والشر، حتى” أننا أصبحنا لا نُعجب بأثرٍ من آثارنا أو عادة من عاداتنا حتى نسمع تقريظ الأجنبي لها فنُقرظها تبعًا له، أو نرى اهتمامه بها وعنايته بدراستها فندرسها اقتداء به”.([36])
وقد كان هذا اللون من الأدب الشعبي عاملاً من عوامل التجزئة والتفريق اهتم به الاستعمار والاستشراق من خلال اهتمامهما بعلم الآثار وعلم المجتمعات وأنماط السلوك، بيد أنه لم يجد له صدى في الوسط الثقافي آنذاك فاقتصر على أوساط العامة والسذج، محاولاً رد عادتنا وتقاليدنا إلى أصول قديمة قبل ظهور الإسلام، ليتماهى بذلك مع أغراض دعوات الفرعونية والآشورية والفينيقية التي أراد المحركون لها في الخفاء صرف العرب عن الثقافة العربية القديمة، وتقليل العناية بالماضي العربي الإسلامي شعرِه ونثرِه وتاريخِه وعلومِه، بِزَعْم أنها قد أصبحت شيئاً قديماً لا يلائم حياتنا ولا يتصل بها.
****
إن هذا الإصرار العجيب من الغرب (باستعماريه ومبشريه ومستشرقيه) على مهاجمة اللغة العربية وآدابها يدل دلالة واضحة على أن القوم عرفوا جيداً أن هذه اللغة هي السد المنيع الذي يقف شامخاً صلباً في مواجهة كافة دعواتهم التغريبية الهدامة، والذي إن سقط فإن ما وراءه أهون سقوطاً منه.
وقد أدت هذه الهجمات التغريبية إلى ظهور تيار تأصيلي في الثقافة والأدب العربيين رَدَّ غائلة هذه الهجمات ووقف في وجهها وأظهر عوارها وخبثها.. وهذا ما سنعرفه في المقال القادم إن شاء الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ـ اللغة العربية بين حماتها وخصومها ـ أنور الجندي ـ ص89.
[2]ـ الهلال:”المدارس الأميرية المصرية واللغة العربية”، عدد1 أبريل 1907، ص 403:401.
[3]ـ دور التعليم المصري في النضال الوطني زمن الاحتلال البريطاني ـ سعيد إسماعيل علي ـ ص99،105.
[4] المرجع السابق ـ ص98،99.
[5]ـ المرجع سابق ـ ص 112.
[6] ـ اللغة العربية بين حماتها وخصومها ـ أنور الجندي ـ ص72،73.
[7]ـ الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر ـ محمد محمد حسين ـ دار الرسالة ـ مكة 1992م ـ ط9ـ ج2 ـ ص360ـ 380.
[8]ـ انظر : مقدمة محمود شاكر لكتاب : الظاهرة القرآنية لمالك بن نبي ـ ترجمة : عبد الصبور شاهين ـ الاتحاد الإسلامي العالمي للمنظمات الطلابية 1983م ـ ط 3 .
[9]ـ تاريخ الدعوة إلى العامية وآثارها في مصر ـ نفوسة زكريا ـ دار المعارف ـ القاهرة ـ 1980م ـ ص10ـ 11.
[10]ـ المقتطف ـ باب المناظرة والمراسلة ـ مستقبل اللغة العربية ـ ج8 من السنة السادسة1882م ـ ص494 .
[11]ـ اللغة العربية والنجاح ـ خليل اليازجي ـ المقتطف ج7 ـ السنة السادسة 1881م .
[12]ـ الصراع بين القديم والجديد ـ محمد الكتاني ـ ج2ـ ص761ـ 762.
[13]ـ أحمد لطفي السيد ـ الجريدة :أعداد 6،20،23،27،30 أبريل ،1،4،مايو 1913.
[14]ـ تمصير اللغة ـ مجلة البيان 1912م ـ وانظر بتوسع: تحت راية القرآن ـ مصطفى صادق الرافعي.
[15]ـ الاتجاهات الوطنية ـ محمد محمد حسين ـ ج2ـ ص362 .
[16]ـ تاريخ الدعوة إلى العامية ـ نفوسة زكريا ـ ص30.
[17]ـ الهلال ـ هل ينبغي تغيير الحروف العربية ؟ آراء ثلاثة من علماء العربية ـ عدد 1أغسطس سنة 1932، ص1389ـ 1385.
[18]ـ المعارك الأدبية ـ أنور الجندي ـ ص90ـ93.
[19]ـ المرجع السابق ـ ص 96ـ 102.
[20]ـ الإتقان في علوم القرآن ـ جلال الدين السيوطي ـ القاهرة 1368هـ ـ ج1ـ 119.
[21]ـ الاتجاهات الوطنية ـ محمد محمد حسين ـ ج2ـ274.
[22]ـ الأدب للشعب ـ سلامة موسى ـ سلامة موسى للنشر والتوزيع ـ القاهرة1956م ـ ص9ـ 10.
[23]ـ المرجع السابق ـ ص28.
[24]ـ اليوم والغد ـ سلامة موسى ـ ص68.
[25]ـ الأدب للشعب ـ سلامة موسى ـ ص57 ـ 58.
[26]ـ المرجع السابق ـ ص6.
[27]ـ الأدب القومي يغمط حقه ـ محمد عبدالله عنان ـ ملحق السياسة الأدبي ـ ع24 ـ فبراير1932م ـ
[28]ـ النظرات ـ مصطفى لطفي المنفلوطي ـ طبعة مصر1926م ـ ج1ـ ص12.
[29]ـ بلوتولاند وقصائد أخرى ـ لويس عوض ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ القاهرة1989م – ص9.
[30]ـ أباطيل وأسمار ـ محمود شاكر ـ ص8 .
[31]ـ الاتجاهات الوطنية ـ محمد محمد حسين ـ ص 354ـ355 .
[32]ـ السياسة الأسبوعية ـ ع27 نوفمبر 1926م ـ ( مصر الحديثة وتاريخها القديم ) بقلم رئيس التحرير محمد حسين هيكل.
[33]ـ السياسة الأسبوعية ـ ع28 ـ يونيه 1930م .
[34]ـ الدعوة إلى خلق أدب وطني وتجديد اللغة ـ جابر عصفور ـ جريدة الشروق الالكترونية ـ 9يوليو ـ 2009م .
[35]ـ المرجع السابق ( نت )
[36]ـ الإسلام والحضارة الغربية ـ محمد محمد حسين ـ ص257.