اختطاف الإسلامملفـات

اختطاف الزمان : الذاكرة ، الواقع ، المستقبل

”ضع شعبًا في السلاسل

جرّدهم من ملابسهم

سدّ أفواههم، لكنّهم ما زالوا أحراراً

خذ منهم أعمالهم وجوازات سفرهم

والموائد التي يأكلون عليها

والأسرّة التي ينامون عليها

لكنّهم ما زالوا أغنياء

إنّ الشعب يَفتقرُ ويُستعبد

عندما يُسلب اللسان

الذي تركه الأجداد وعندها

يضيع إلى الأبد“[1]

ملخص البحث

عندما نقرأ آيات الله في كتابه العزيز: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ” أل عمران ١٠٢، يجول في خاطرنا هل من الممكن أن نولد مسلمون ولا نداوم على الإسلام أو نتركه يختطف من بين أيدينا حد أن يموت أحدنا وهو غير مسلم، هذا الخاطر وهذه المعلومة أوصى بها الأنبياء أبناءهم وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ” البقرة ١٣٢

لذلك كان من الضروري والأهمية البحث عن أشكال اختطاف الإسلام القديمة والحديثة منها . فكان عنوان هذا البحث” اختطاف الزمان” الذاكرة، الواقع والمستقبل ” وهو ضمن عدة أبحاث سابقة عن اختطاف الإسلام. فهذا البحث يتطرق إلى حلقات الزمان من خلال تشويه وإدراك الذاكرة التاريخية وواقعنا ومستقبلنا، فالذاكرة الحضارية لأى شعب جزء من هويته وتكوينه كيف تم تزييفها والعمل على تشويهها وطمسها وإذا كان الاختطاف عوامل خارجية وقوى فاعلة خارجية فهناك قابلية لهذا الاختطاف من الداخل وإلا ماكانت هذه المحاولات لتنجح إلا إذا كانت أسبابها ودوافعها وبواعثها من الداخل قبل أن تكون من الخارج أو تابعة له حد الولع بالقوى الغربية . فاختطاف الذاكرة قد تم من خلال التلاعب بعملية

١- التحقيب التاريخي، اختطاف الماضى لمصلحة حضارات فرعية لم تكن جامعة وتخطى الحقبة الإسلامية والقفز على الحقبة المؤثرة.

٢- ومن خلال الأحداث المفصلية والمنعطفات وصناعة الذاكرة والهوية وتغيير التواريخ وفى التحيزات وإطلاق مسمى الرجل المريض على الدولة العثمانية لإسقاطها من الذاكرة قبل اسقاطها واقعيا.

٣- ومن خلال استخدام العمل بالتقويم الميلادى وتهميش التاريخ الهجرى ونسيانه وهم يدركون أن بموت التاريخ الهجرى تموت أيام العرب والمسلمين.

٤- والاختطاف من خلال النماذج التاريخية وفكرة الماضى الذهبي للعرب والمسلمين وأننا صرنا في عصر الهزائم” كأن تاريخنا كله هزائم ليس فيه منتصر” وأفق الانحطاط الراهن.مما يعنى معها طمس الذاكرة.

ويستعرض البحث اختطاف الواقع من جانبين: من الداخل والخارج وذلك من خلال:

١- تزييف الواقع وتزييف الأخبار والأحداث والأشخاص والرموز والاهتمام بفقه الأحكام ولايوجد اهتمام بفقه الواقع ” اختطاف العقل المسلم”.

٢- اختطاف مفهوم المعاصرة

وثالثا: اختطاف المستقبل. من خلال التصدير لفكرة نهاية التاريخ والفهم الخاطئ لقضية فهم المستقبل والغيب وأن المستقبل للحضارة الغربية وليس هناك مستقبل لعالم المسلمين.

في هذا البحث نتناول كيف تم اختطاف الإسلام عن طريق اختطاف الزمان : الذاكرة ،الواقع، المستقبل. من خلال الأدوات والآليات وماهي القوى الفاعلة؟ وماهي الأسباب والبواعث لها؟ وكيف تكون المواجهة؟

مقدمة:

استطاعت قوى كثيرة أن تعمل على تحطيم عوامل الحصانة والقوة والمقاومة في قلب الأمة الإسلامية والعربية حد اختطاف ذاكرتها وواقعها ومستقبلها، وذلك عن طريق بث السموم التي ظلت تسرى في العروق حتى خدرتها وحتى أحدثت تلك التحولات من القوة إلى الوهن ومن الصمود إلى الاستسلام ومن المقاومة إلى تقبل التبعية والنفوذ الوافد في مختلف مجالات الفكر والاجتماع والاقتصاد والتربية هذه القوى لم تكن لتعمل وتأثر بشكل كبير إلا إذا كانت هناك عوامل القابلية والتبعية والخضوع لها من الشعوب حكام وقادة ونخب وعوام مما سهل لاحتلال مساحات كبيرة من العقول والقلوب لاختطاف ذاكرتها التاريخية وحاضرها ومستقبلها ومن ثم اختطاف دينها. ويؤكد هذا المفهوم مقولة الفيلسوف والشاعر محمد إقبال: ” إن أجدر ظاهرة بالملاحظة في التاريخ الحديث هي السرعة الهائلة التي يتحرك بها عالم الإسلام في جانبه الروحي نحو الغرب”.

الأسباب والبواعث

الذاكرة الحضارية لأي شعب جزء من هويته وتكوينه لذلك تم تزييفها وتشويهها بل والعمل على طمسها. فالحرب اليوم لا تدور بين الأساطيل والطائرات فحسب وإنما تدور حرب نفسية موجهة لاستلاب العقول والقلوب تتسم بأنها أشد ضراوة وأخطر تأثيرا. عبر وسائل الإعلام المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي والذي يستهدف المدارس والتعليم وعمليات التثقيف المختلفة [2]. من خلال ذلك كله يتم تشكيل العقل ليس في بلادنا فحسب ولكن على مستوى العالم أجمع. وللقوة المتفوقة اليوم النصيب الأوفر والباع الأطول في إعادة تشكيل الخارطة الذهنية للمجتمعات البشرية. وعندما تكون أداة الحرب هي الإعلام والمدرسة فإن الخصم يتخفى ويتلون ويقوم كل مرة باحتلال مساحات صغيرة من هذا العقل البشري حتى يجد الإنسان نفسه مستلبا لمقولات الآخر دون تمحيص أو تفكير. ويعتمد الخصوم في ذلك على أن الغالبية العظمى من البشر لا تقرأ ولا تمحص وإنما تتلقى كل شيء من الخارج. معركة الأفكار التي شنها من أطلقوا نظرية الفوضى الخلاقة ترتكز على طمس معالم الهويات الوطنية للشعوب والأمم حتى لا تبقى إلا هوية واحدة هي هويتهم التي يعرفون بها ويسعون إلى قطع الصلة بين الإنسان وتراثه فلا تكون له جذور تاريخية وتراث يعتز به. ولذلك فإن التأكيد على أهمية التشبث بالهوية والاعتزاز بها ضرورة للحفاظ على الحقوق التاريخية المشروعة المتوارثة للأمم والشعوب جيلا بعد جيل. إن النفوذ الأجنبي في مجالاته المختلفة وخاصة في المجال الفكري والتنظيمي قد وفد إلينا باسم وحدة العصر منذ القرن الماضى على اعتبار أن أي حاكم أو طامع في حكم بلد آخر لابد أن يبحث لنفسه عن فكرة جامعة تجمع بينه وبين أهل المجتمع المحكوم حتى لا يبدو وجوده بينهم شاذا ولا شائها وحتى لا يثير وجوده بينهم الرغبة الدائبة في التخلص منه بوصفه جسما غريبا غير طبيعي. لذلك حدث الترويج لفكرة العصرية والمعاصرة من دوائر المؤسسات الغازية في التعليم والثقافة والإعلام وغيرها لتقوم بدور تسويغ حكم المعتدي “رسالة الرجل والمصلح الأوروبي” ولتقيم نوعا من الوحدة بين المعتدي والمعتدى عليه ولتعزل ذوى الفكر والمؤسسات التقليدية وتظهرهم كما لو كانوا هم الغرباء، برغم كونهم هم أصحاب البلاد الأصلاء بها فكرا وتراثا وحضارة. وفي الحقيقة فإن هذه الوحدة الزمنية التي تجمع بين المجتمعات الغربية والمجتمعات الشرقية عامة والعربية الإسلامية خاصة هي ذاتها التي تفرق بينها لأن السمة الرئيسية للزمان الذي نعيش فيه ومنذ أكثر من قرنين هي أن العالم منقسم إلى قسمين عظيمين، أحدهما غاز والآخر مغزو. أولهما معتد والثاني معتدى عليه. ولهذا يظهر أن عامل التجانس الأساسي وهو الاقتران الزمني هو وحده عامل تمييز وليس عامل توحيد عامل اقتسام وليس عامل مزج.

القوى الفاعلة

يقول مالك بن نبي: ( الاستعمار هو أفظع تخريب أصاب التاريخ ) فالاستعمار يصرخ في كل لحظة في تاريخ الشعوب المستعمرة بتلك الكلمة التي صرخ بها يوشع حين قال: “أيتها الشمس قفي …”.

حين اكتشفت أوربا العالم الإسلامي لم تؤته روحها أي أنها لم تؤته حضارتها كلها وإنما اقتصرت فيما اصطحبت من الأدوات على مايسهل للمستعمر للحصول على رفاهيته العاجلة[3].

إن الأوروبي لم يفد إلى الشرق بوصفه ممدنا بل بوصفه مستعمرا. والشاب المسلم لم يذهب إلى أوربا إلا لكى يحصل على لقب جامعي أو لكى يشبع فضوله. لكنا لا ينبغي أن نعزو هذا الاتجاه إلى عدم اكتراث المسلم بحضارة الغرب فحسب بل إن المدرسة الاستعمارية قد أسهمت في خلق هذا الوضع إذ لم تكن تهتم بنشر عناصر الثقافة الأوربية بقدر ماتحرص على توزيع نفاياتها التي تحيل المستعمرعبدا للاقتصاد الأوروبي. لذلك من الأهمية معرفة ودراسة فلسفة المستعمر وهي[4]:

  • يحول بين الشعب وبين إصلاحه نفسه، فيضع نظاما للإفساد والإذلال والتخريب يمحو به كل كرامة أو شرف أو حياء.
  • يحاصر الشعوب داخل دائرة مصطنعة يساعد كل تفصيل فيها على تزييف وجود الأفراد.
  • يقف في وجه كل محاولة أو طاقة جديدة فيحدها ويهدمها.
  • الاستعمار ولوعا بتتبع ” النهضة الإسلامية” .
  • من السهولة بمكان أن نعرف مايريد الاستعمار أن يقحمه في المجتمع الإسلامي الحديث من عناصر الإرجاف وعوامل التنافر.
  • مقدرته وطموحه غير المحدودين يوسوسان له بفكرة مجنونة دامية هي إيقاف سير الحضارة في البلاد المستعمرة.
  • يجند جموع المتخلفين المتهالكين لتقف في وجه دعاة التجديد.
  • صارت كلمة ” تقاليد” هي “كلمة السر” في السياسة الاستعمارية.
  • لم يكف الاستعمار لحظة عن خلط الطاهر بالدنس مدفوعا بتلك الفكرة الدنسة التي تملي عليه أن يوقف سير الشعوب نحو النور حفاظا على مصالحه المادية.
  • الاستعمار شاد ” سياسته الاستعمارية” بهذه الوسائل في التحريف والإفساد والتزييف. فهو بهذا مسئول عن جانب كبير من فوضى العالم الإسلامي.
  • تختار الإدارة الاستعمارية شخوصا مطعونين في خلقهم ممروضين في أبدانهم لكي يمثلوا الشعب المسلم في الجمعيات السياسية.( ساد هذا الروح الحياة الفكرية في البلاد المستعمرة تلك التي تخضع لقضاة أدب استعماري يمنحون الجوائز لكل عمل أدبي يتجلى فيه انحطاط عقلية الشعوب المستعمرة)
  • لا يكفون عن محاولاتهم لتخدير الضمير المسلم.
  • عمل الاستعمار على محو الطراز العربي الجميل في فن البناء والتنكر للذوق الإسلامي.
  • التدخل في شئون المسلمين حدا لم تفلت منه التوافه، فلقد جرت عادة الإدارة عند افتتاح مقهي أن تشترط كتابة لافتته هكذا: ” مقهى عربي بإدارة الأرملة فلانة”. أما في تونس فقد كان الأمر أشنع، إذ كان صاحب المقهى ملزما بمقتضى الترخيص الممنوح له بأن يقدم لمدخني الحشيش مايطلبون منه بما يحتاجه من خدمة وأدوات. كان ذلك ولاشك حتى ينسى الناس الماضي والحاضر والمستقبل.
  • الاستعمار يتدخل في تقرير مصائر الأطفال في مدارسهم. فما إن يبدأ التلميذ امتحانه في الشهادة الابتدائية حتى يصبح دون أن يشعر هدفا للجنة الممتحنين المحترمين التي تقدر درجاته، فإذا بهم يتآمرون عليه كيلا يصبح “مستعمَرا حقيرا”متفوقا على زملائه من أبناء الأوربيين.
  • هذه الفكرة نفسها هي التي تتحكم في حياة رجال الجيش، حتى لقد أدلى المارشال ” فرانشيت ديسبرس ” يوما بتصريح في أحد الاستعراضات قال فيه:

” أن الرتبة ليست حقاً لأبناء المستعمرات ولكنها منحة لهم “[5] .

  • والأمر سواء بالنسبة للتلاميذ أو المثقفين المسلمين فليست الشهادة التي ينالها أو الوظيفة التي يظفر بها حقاً من حقوقه وإنما هي منحة يُنعم بها عليه. ولهذا كان من المشكوك فيه أن تصلح هذه العينات المحزنة من أبناء الصفوة المسلمة لعمل نافع وقد كانت ثماراً لمنح المستعمرين.
  • ويكون الأمر على عكس ذلك .. حين ينبغ عقل واع ذكي فإن المستعمر يحاول بوسائل شتى تحطيمه فإذا ما بدا عصياً عنيداً حطم أسرته ليشل نشاطه.
  • يعوق المستعمر الحياة الفكرية في البلاد فيعوق بالتالي تطورها.
  • الاسعمار يستخدم الطريقة نفسها في الميدانين الاقتصادي والاجتماعي فهو يهدم مقومات البلاد المستعمرة ويحول بينها وبين إعادة بنائها. “
  • تعمل الإدارة الاستعمارية على القضاء على بعض الفنون والفنانون كالنقش الدقيق والصور المصغرة. فإذا ماقضى الفنانون قضى معهم فنهم.
  • فرض الاستعمار رقابته على الحياة الدينية لعلمه أن الدين وحده هو الوسيلة النهائية لتصحيح أخلاق الشعوب ، الذي فقد في غمار أزمة تاريخية كل هم أخلاقي.
  • فرض الاستعمار كل أنواع القيود وأشكال الرقابات على كل ماهو إسلامي ، حتى أصبح ميسورا أن تفتح ناديا للميسر أو مقهى أكثر من أن تفتح مكتبا لتحفيظ القرآن.
  • والأعجب أن الاستعمار هو الذي يعين رجال الدين كالمفتي والإمام لا طبقا لمشيئة جماعة المسلمين بل تبعا لهوى المستعمرين.
  • تجمع في يديها أنفذ وسائل الإفساد فاختيار رجل يؤم الناس في المسجد لا يكون بناء على تميزه بضمير حي أو علم بأصول العقيدة، بل يراعى في ذلك مايقدم للإدارة من خدمات ، حتى كأنه “جاويش” صلاة.
  • التحكم في شعائر الدين، فغاية الاستعمار أن يجعل من الإسلام صورة عجيبة من حياة أصحابه المستعمرين من خلال تقديم: إمام جاسوس خؤون، ومفتٍ فاسد مفسد، وقاض منافق مرتشٍ. ومن أجل هذا فهو يكدس العقبات والعوائق والقيود عل طريق النهضة الإسلامية.
  • الاستعمار إذا كان قد أضر بحياة المسلمين إضراراً بليغاً فإنه قد أضر كذلك بالحياة الأوربية ذاتها، لأن الاستعمار الذي يهلك المستعمرين ماديا يهلك أصحابه أخلاقياً، وذلك مايشهد به تاريخ إسبانيا منذ اكتشاف أمريكا.

قوى فاعله من الداخل

المتأمل في فلسفة المستعمر وأهم نقاطها المشار إليها سابقا يجدها نفس فلسفة الحكام المستبدين في الدول العربية والإسلامية ، فعند خروج الاستعمار من البلاد المستعمرة اختار لهم حكاما بعناية كبيرة وبنفس فلسفته في التعامل مع الشعوب ليبقى الاستعمار جاثيا على قلوب وعقول الشعوب عن طريق حكامها ونخبها معا.

تشويه ذاكرة الأمة بأمر الحاكم

قد نختلف في تحليل حدث تاريخي معين له أكثر من جانب، وقد تتباين آراؤنا في تقييم شخصية ما لها زوايا متعددة، بما لا ينفي وجود الحدث ولا كيان الشخص، وهو أمر طبيعي متعارف عليه بين المؤرخين، لكن حين يتم إخفاء أحداث تاريخية بعينها، وأشخاص معروفين بالاسم، إما بالتشويه أو التجاهل، فهذا ليس تأريخًا، بل هو الزيف بعينه. حين تصبح ذاكرة الأمة في أيدي ثلة من المنتفعين، يتلاعبون فيها وبها كيفما شاءوا، يقلبون الحق باطلاً، والباطل حقًا، والنصر هزيمة، والهزيمة نصرًا، دون الالتزام بأدنى القواعد العلمية المعمول بها في تأريخ الأحدث. فقد حفلت كتب التاريخ في الحقبة الناصرية بكم مذهل من التزييف لحقائق التاريخ وأحداثه، حيث عزفت معظم المناهج حينها على أوتار التمجيد للقومية العربية وشخصية الرئيس جمال عبدالناصر، ومناهضة كل ما من شأنه سحب البساط من تحت أقدام الزعيم، أو مشاطرته لإنجازاته في مختلف المجالات، ويمكن الوقوف على بعض المحطات الهامة في تزييف التاريخ خلال هذه الحقبة[6].

نعتت كتب التاريخ في هذه المرحلة مشروع محمد علي بالفشل، واتهمته بالخيانة ومحاولة بناء إمبراطورية جديدة لأبنائه على أرض مصر، كما شوهت صورة أبنائه وأحفاده من بعده. لم يخرج ذكرهم في كتب التاريخ في هذه الحقبة عن التشويه والتجريح فضلاً عن حذف أسمائهم من على مختلف الهيئات والمؤسسات التي كانت تحملها. تعرض بعض الأشخاص في هذه الحقبة لحملة من التشويه والتزييف التاريخي المشين، يتقدمهم اللواء محمد نجيب قائد الجيش في 1952، وأول رئيس مصري بعد نهاية عصر الملكية، حيث تعمدت الكتب الدراسية في حقبة الستينات إغفال اسم نجيب نهائيًا، ودوره المحوري في الثورة، وتم وضعه تحت الإقامة الجبرية. وهكذا مع كل حاكم يحكم البلاد يشوه من كان قبله ويزيف تاريخ هذه المرحلة عن طريق من يكتبون التاريخ له على طريقة المحامي الذي يدافع عن موكله المجرم مع علمه التام بجريمته، فهم بذلك يضربون عرض الحائط بكل القواعد العلمية الأكاديمية المعمول بها في التأريخ، حتى بات تزييف التاريخ آفة العصر. وفي صورة واضحة لتشويه واختطاف الإسلام خطاب جمال عبد الناصر عن الاشتراكية وتمرير مفهومها ففي هذا الخطاب ألقى باللوم والاتهامات على التيار الإسلامي في ذلك الوقت بأنهم ضد الاشتراكية وتنفيذها وأطلق عدة أسئلة للشعب تحت عناوين كثيرة وسؤال واحد في النهاية “هل ده هو الإسلام؟” فقال: هل الإسلام قال إن فيه عيلة تسود والشعب كله عبيد؟ هل الإسلام يقول إن تطلع عيلة في بلد وتحكم حكم اقطعى وتسف كل الفلوس والباقى مش لاقيين ياكله؟ هل الإسلام يقول ان الشعب كله من العبيد وهناك عيلة مميزة وتاخد الدخل كله؟ هل الإسلام يقول اننا نسف ونسرق أموال المسلمين؟ وبعد عدة أسئلة أشار إلى المتهم والفاعل لكل ذلك وقال: الحقيقة أبو دقن ده ” وسط ضحكات وسخرية وتصفيق الحضور” بيطلع ويتكلم بهذا الكلام وهو عاوز يستغفل الناس ” يقصد به أبو دقن كما قال عبد الناصر” وعاوز يضحك على الناس عاوز الناس يقولوله اه انت أمير المؤمنين دقنك طويلة وسافف فلوسنا ونسلملك بأنك تربي دقنك وتسف فلوسنا لإن الإسلام بيقول كده. ثم أكمل عبد الناصر خطابه وقال: أنا بقول الناس مش هيقوله كده وزى مانتفوا دقون الرجعيين كلهم ” أي حلق لحيتهم من الشعب والقضاء عليهم” هينتفوا دقنه” وسط ضحكات أعلى من الحضور” وده سنة الكون ودى الطبيعة مش أنا اللى عملت الكلام ده ممكن تستغفل الناس عشرة عشرين سنة لكن مش على طول وونطلع نقولهم الاشتراكية ضد الدين وهمه الناس مغفلين . هذا جزء مما قاله عبد الناصر يقدم مفهوم الاشتراكية للشعب وأن العائق الوحيد هو الإسلام من خلال أقوال العلماء والمشايخ ويحرض الشعب على العلماء بدعوته لهم بحسب قوله: “ينتفوا دقنهم”.

الاستعمار والقابلية للاستعمار عوامل شلل وتعجيز:

لكي نتخلص من الاستعمار يجب أن نتخلص من القابلية للاستعمار وأن نكف عن نسج الخرافات. إننا لم نبرأ حتى الآن من ذهان السهولة. فالقابلية للاستعمار هو الجانب الداخلى من الفوضى وحده ، أما الاستعمار فهو الجانب الخارجي ويكون هذا الجانب أكثر ظهورا حينما يكون الاستعمار استبداديا. وهكذا يحدق الاستعمار بحياة المستعمر من كل جانب ويوجهها توجيها ماكرا لا يغفل أتفه الظروف وأدق التفاصيل.ومن الواضح أن الاستعمار بصورته هذه يعد عنصرا جوهريا في فوضى العالم الإسلامي فهو لا يتدخل فقط بمقتضى العلاقة المباشرة بين الحاكم والمحكوم ، بين المستعمِر والمستعمَر وإنما يتدخل أيضا بصورة خفية في علاقات المسلمين بعضهم ببعض. هكذا نرى في كل ميدان من ميادين الحياة الاجتماعية وجهي الفوضى مقترنين كأنهما توءمان: الاستعمار والقابلية للاستعمار. والقدر لم يمهل مالك بن نبي حتى يرى التهديد الواضح والعلني والفج من رئيس أمريكا ترامب إلى الحكام العرب وولي عهد السعودية “فالدفع مقابل الحماية”.”فيديو

الآليات والوسائل

أولا: اختطاف الذاكرة

تشويه الذاكرة التاريخية واختطاف الرموز:

    إن من شأن الفعل التغييري الحضاري في البنية المجتمعية أن يكون له توغل في تاريخه، يهتدي به من خلال نماذجه التاريخية خارج إطار التأسي الشكلي، ويسترشد بها أسوة وقدوة في مجال البناء المنهجي والفكري والعمراني[7]، ولذلك جاء القصص القرآني بسياقاته ليكون وحدة معيارية ينظر من خلالها في كيفية بناء الأسوات والقدوات، وليثير في ذات الوقت قضية غاية في الأهمية تعد في ذاتها بعداً إشكالياً ساد العقلية والذهنية المسلمة في القرون المتأخرة، وهي إشكالية البطل المخلص، ومن هنا تنبيهنا لمخاطر اختطاف الرموز لا يمنع من أن ننبه كذلك على أهمية المنهجية السننية والمقاصدية في دراسة الرموز في المسيرة التاريخية لأمتنا. وقد تم تشويه الذاكرة التاريخية بالتلاعب في:

    • عملية التحقيب التاريخي
    • الأحداث المفصلية والمنعطفات
    • التقويم
    • النماذج التاريخية
  • طمس الذاكرة

 ١- التحقيب التاريخي

من خلال التذكرة بأيام االله والاعتبار بحوادثها ، فـإن عالم المسلمين معنى كغيره بل مأمور بالقيام بعملية التعرف على ما مضـى عليه من حقب، وموقعه فى هذه الحقب الزمنية والامتدادات المكانية ومكانتـه ودوره فى الفاعلية والتأثير[8].

منذ القدم جزأ الناس ومن بينهم على الخصوص صانعو المعرفة التاريخية الزمن التاريخي إلى حقب متفاوتة وجرى تصنيفها بطرق مختلفة متجددة من فترة إلى أخرى ومن مكان إلى آخر[9]. خضع تقسيم العالم أو مفصلته او تقطيعه الجغرافى والتأريخى أو الزمانى والمكانى إلى نظرة أوروبية فحتى تقسيم الفصول الأربعة يخضع لنزعة مركزية أوروبية أكثر من خضوعه لتقسيم طبيعي فيزيائى كوني. فقد ظل تقسيم السنة إلى فصلين كبيرين هما الشتاء والصيف أمرا سائدا في الثقافة الشعبية في المنطقة وإذا كانت بعض الثقافات المجاورة تحتفل بقدوم الربيع في ٢١ مارس فإن العرب لم يعرفوا مثل هذا الاحتفال.

إعادة تقطيع التأريخ العربى وفق هياكل غربية

لاشك في أن الوقوع تحت تأثير االغرب يمثل جزءا من ملمح عام وأساسى في الثقافة العربية الحديثة بل في الثقافات اللاغربية على نحو عام. فقد تم تقسيم التأريخ العام إلى ثلاثة عصور كبرى هي: العصر القديم والعصر الوسيط والعصر الحديث. أخذت الثقافة العربية هذه الثلاثية وأعادت تقسيم المادة التأريخية العربية أو الإسلامية في هذا السياق وفقا لها فتحدثت عن ثلاث حقب هي:

  • الحقبة القديمة: وهي الحقبة الممتدة من نشوء الإسلام إلى سقوط بغداد سنة ٦٥٦ للهجرة وأدمجت فيها حقبة ماقبل الإسلام”
  • الحقبة مابعد سقوط بغداد إلى العصر الحديث وهى حقبة تناظر العصر الوسيط في التقسيم الأوروبى للتأريخ العام من جهة أنها حقبة انحطاط وتخلف وماعدا هذا التقسيم أهمل التأريخ العربى في المناهج والمقررات الدراسية هذه الحقبة إهمالا شبه كلي على نحو جعلها اشبه ماتكون بالثقب الأسود في التأريخ العربي.
  • الحقبة الحديثة : التي تبدأ مع مايسمى النهضة العربية الحديثة في مناظرة للنهضة الأوروبية وهى نهضة يؤرخ لها بتعرف العرب الحداثة الأوروبية ويؤرخ لهذا التعرف نفسه بالحملة الفرنسية على مصر وما أعقبها من قيام دولة محمد على في مصر مطلع القرن التاسع عشر ويمثل هذا التحديد شكلا آخر من أشكال المركزية وهى مركزية فرعية تعمم التأريخ المصرى الخاص بوصفه الملامح العامة للتأريخ العربي. هذا يعنى أن العرب لم يستطيعوا إبداع منطق تقسيم تأريخهم غير هذا التقسيم الذى قسمه الغرب: عصر كلاسيكى مجيد ثم عصر انحطاط وتخلف ثم نهضة من جديد. وقد تم اختطاف الماضي لمصلحة حضارات فرعية لم تكن جامعة وتم تخطية الحقبة الإسلامية والقفز على هذه الحقبة المؤثرة في التاريخ.

يقسم مالك بن نبي تاريخ المجتمع الإسلامي إلى ثلاث مراحل:

١-مرحلة الإسلام الأولى في دفعته الإيمانية الحية وهي أقوى هذه المراحل في حيويتها وقوتها الدافعة وخصبها وتنتهى في معركة صفين.

٢-مرحلة المدينة الإسلامية وهى مرحلة التفكير والازدهار الحضاري وتنتهي بسقوط دولة الموحدين.

٢-مرحلة الجمود والانحطاط وهى المرحلة التي لانزال نعيش رواسبها وآثارها ولأنها تمثل مرحلة القابلية للاستعمار.

الحاق تاريخنا الإسلامي بتاريخ الغرب الأوروبي والأمريكي.

    • إن فكرة العصر أريد لها أن تكون جامعا بشريا حضاريا والعصر هو عصر سيادة الحضارة الأوروبية الأمريكية ومن ثم ألحق حاضرنا بحاضر تلك الحضارة وألحق تاريخنا الإسلامي بتاريخ الغرب الأوروبي. آية ذلك أن صار مؤرخونا يقسمون تاريخنا وفقا لأقسام التاريخ الأوروبي بظن أن هذه التقسيمات هي تقسيمات لتاريخ العالم. وذلك على الرغم من أن الأقسام الثلاثة الكبرى لهذا ” التاريخ العالمي” تتخذ علامات فاصلة لها من صميم أحداث التاريخ الأوروبي فقط وذلك في وقت لم تكن فيه أوروبا التي جرت فيها تلك الأحداث مركزا للعالم ولا كانت أحداثها ذات أثر عام على العالم كله ولا على البلدان غير الأوروبية[10].
  • إن العصر القديم “الأوروبي” ينتهي ويبدأ العصر الوسيط حول القرنين الرابع والخامس الميلاديين تقريبا وعلامة سقوط أوروبا في أيدي البرابرة. والتاريخ الوسيط “الأوروبي” ينتهي ويبدأ التاريخ الحديث بالقرنين الرابع عشر والخامس عششر وعلامته لدى بعض المؤرخين سقوط القسطنطسنية في أيدي العثمانيين المسلمين. ومن علاماته لدى آخرين بدء عصر النهضة وعصر الإصلاح في أوروبا. وكل ذلك من الوقائع الأوروبية، وهي إن صلحت معيارا للتاريخ الأوروبي ، وإن جاز لأحد أن يجادل في قلة تأثيرها على غير أوروبا من بلدان غربي آسيا وشمالى إفريقيا فلا أظن خلافا يثور حول عدم صلاحيتها كمعايير يتحدد بها تاريخ شرق آسيا ووسطها مثلا. كما أن أمرا مثل ميلاد المسيح في القرن الأول أو ظهور الإسلام في القرن السابع لم يكن لأيهما اثر في هذا التقسيم. وأمر آخر كسقوط الدولة الفارسية ثانية أعظم دولتين وقتها لم يجز أن يكون لهذا السقوط من الآثر على تقسيمات التاريخ ماكان لسقوط روما من قبل أو سقوط القسطنطينية من بعد. هذا من ناحية تقسيم المراحل التاريخية. أما من ناحية الحكم العام على أي من تلك المراحل فإن العصر الوسيط الأوروبي يعتبر لدى الأوروبيين بحق عصر ظلمات وبدائية وعصر انتكاس، بعد إذ جاء على أنقاض الحضارتين الإغريقية والرومانية.  ولكن من الخطأ والتحيز أن يعمم هذا الحكم على غير الأوربيين في العصر ذاته. وهذا العصر بعينه في تاريخنا هو عصر الرسالة المحمدية وصدر الإسلام، وهو عندنا عصر انتصار الإيمان والوحدانية وانتصار العقل والتحضر في السياسة والنظم وفى الرخاء وحقوق الإنسان وفي تقدم العلوم والآداب والفنون. وهو عصر يشمل تقريبا القرون الأربعة الأولى من الهجرة ويقع في التقويم الميلادي مابين القرن السابع والقرن الحادي عشر. وجاء انتهاء العصور الوسطى في أوروبا بما اعتبره الضمير الأوروبي نكبة بسقوط القسطنطينية . وهذا السقوط هو ذاته الذي ينظر إليه التاريخ الإسلامي بكثير من الاعتزاز. ثم تأتي مرحلة الاكتشافات البحرية الكبرى لأوروبا واكتشاف الأمريكيتين واكتشاف رأس الرجاء الصالح بين أوروبا والشرق الأقصى عبر المحيطات الجنوبية وذلك بين القرنين الخامس عشر والسادس عشر. وهذه الاكتشافات هي ذاتها التي طوقت العالم الإسلامي والعربي وحاصرته من الجنوب والشرق عبر المحيط الهندي وشبه القارة الهندية. وكانت الحروب الصليبية قد فشلت في هزيمة المسلمين والعرب عندما جاءتهم من الشمال والغرب فقط فكانت حركة التطويق هذه مما تغيرت به موازين القوى لغير صالح المسلمين والعرب تغيرات جوهرية ولا تزال آثارها حتى اليوم. ثم يأتي القرنان السادس عشر والسابع عشر وهما فترة تحتضن في أوروبا عصور النهضة والإصلاح الديني والتنوير وهي ذاتها تحتضن عهود الخمول والجمود في تاريخنا العربي الإسلامي. كيف يمكن بذلك أن تتوحد العصور وتتوحد الأحكام إلا بكثير من الشطط وتجاهل الواقع تجاهلا يصل إلى حد إسقاطه كلية؟. وإذا كنا لا نعترض على حركة التاريخ الأوروبي ولا على تقسيماته وتقويماته لأنها منسوبة إلى الوقائع الأوروبية ، ولكن ليس معقولا أن تعمم وأن نتبني نحن هذه التقسيمات والتقويمات، ونستخدمها كأدوات فكرية في تحديد واقعنا ووصفه أو كمعايير نتحاكم بها في تاريخنا. ومن غير الصائب ولا الصادق أن نعتبر معايير التاريخ الأوروبي الغربي هي معايير تاريخ العالم أجمع بما فيه الصين والهند وإندونسيا وغيرها. إذا فعل المؤرخون الغربيون ذلك فهو منهم حياد عن العلم يدور في إطار الخطأ، وقد يجد عذرا لديهم من الميل الطبيعي لدى الإنسان إلى أن يقع أسير خبرته الذاتية ويعمم نتائجها على الآخرين. ولكن إذا فعلنا نحن ذلك بأنفسنا فنحن إذن نعاني من الاغتراب والاستلاب. وكما قال عبد الرازق السنهوري في سنة ١٩٣٤: “فإننا نعاني في الفكر القانوني من احتلال أجنبي لا يقل خطرا عن الاحتلال العسكري الذي يقع على أراضينا”. فنحن هنا بهذا الاستلاب نعاني في نظرنا إلى تاريخنا من احتلال لا يقل خطرا عن الخطرين السابقين.

 ٢-  الأحداث المفصلية والمنعطفات

الرجل المريض

عمل الغرب على إطلاق مسميات وصفات من شأنها التأثير في نفوس المسلمين خاصة فقد أطلق مصطلح الرجل المريض على الدولة العثمانية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين في إشارة تهاوي نفوذها ومجدها تمهيدا للاستحواذ على مناطق نفوذها[11]. وكانت روسيا هي التي أطلقت هذه الصفة، عام 1853 على الدولة العثمانية نتيجة ضعفها. وشاعت هذه الصفة بعد ذلك، واستعملتها الدول الأوروبية. فقد حاول اليهود والحركة الصهيونيّة العالمية اقتناص موافقة السلاطين الأتراك -وأهمهم عبد الحميد الثاني- على إقامة وطن قومي لهم في فلسطين[12]، لكن هذا لم يحصل، فقد أفشل العثمانيون كل محاولاتهم وإغراءاتهم الماديّة ورفضوا هداياهم الثمينة. موقف الخلافة العثمانية هذا أثار حفيظة اليهود والصهاينة في العواصم الأوروبية تحديدًا، وجعلهم يفكّرون في حيلٍ ومؤامرات وخطط بديلة للتخلص منها وبأي ثمن كان. رفضت القيادة العربية مشروعًا تركيًا اقترحه الخليفة عبد الحميد الثاني، دعا من خلاله إلى تشكيل جامعة إسلامية للوقوف في وجه الحملات الغربية الاستعمارية التي بدأت تهدد الدولة من أطرافها، زاحفة نحو المركز لتقويض أركان الخلافة. لا شك أن الرفض العربي هذا غذّاه الغرب الاستعماري، والحركة الصهيونية وأذرعها الماسونية الفاعلة في بعض العواصم العربية. كان دور اليهود والحركة الصهيونية والماسونيّة العالمية حاضرًا وقويًا في زعزعة الاستقرار الداخلي في الدولة العثمانية، وانفصال العرب ودول البلقان عنها، والإطاحة بها أخيرًا، في حين لم يَجْنِ العرب من ذلك إلا استعمارًا غربيًا مقيتًا، وتقسيم الوطن العربي لدويلات وإمارات متناحرة وعميلة -إن صح القول- لأسيادهم من إنجليز وفرنسيين ومن ثم أمريكان؛ وها نحن حتى اليوم والغد نتخبط على غير هدى، دونما بوصلة نجاة تخرج العرب من مستنقع الذل والهوان والتبعيّة!.

الفكرة القومية

منذ بدأ الغزو الاستعماري مع نهايات القرن الثامن عشر في كل مظاهره السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية[13]. وقد ظهرت الفكرة القومية في بلادنا في هذا العصر. وهذا عامل جوهري يفرق بين ظهورها عندنا وبين ظهورها السابق في المجتمعات الأوروبية. وهذا العامل فرق بين نوعين أو مجموعتين من الأفكار القومية التي ظهرت بين العرب وهما بين ضال ورشيد أو بين فاسد وحميد. ومثال النوع الأول- في تقديري- هو نجيب عازورى وهو يعتبر من رواد الحركة القومية حسبما يشتهر عنه، إذ نادى بانفصال العرب عن الترك وبلورة أفكاره في كتابه الصادر في سنة ١٩٠٥ باسم: “يقظة الأمة العربية”. ويعتبر نجيب ممن هيئوا للثورة العربية الكبرى في سنة ١٩٦١ ومن رواد القوميين الذين عملوا على فصل الدين عن الدولة وعن السلطة المدنية. ولم يكن نجيب ذا جهد فكري فقط بل نشط نشاطا عمليا منها ، تأمين وصول السلاح للثوار ضد الدولة العثمانية. وعرف أنه كانت له علاقات وثيقة بالأوساط السياسية الأوروبية ولم تخف صلاته مع السفارة الإيطالية ولا مع ماكسويل قائد القوات البريطانية في مصر ولا مع السفير الفرنسي وكان حلقة اتصال بين هؤلاء وبين العرب. كما قام بتنظيم المحافل الماسونية ذات التاريخ المشبوه بين العرب والمسلمين في ذلك الوقت. وحسبما يظهر من قراءة كتابه الشهير فإن دعوته إلى القومية العربية لم تقم على أساس نظري من وحدة اللغة والإقليم والتاريخ والتكوين النفسي المشترك كما هي العادة لدى من يدعون إلى الجماعة القومية ، إنما قامت دعوته على أساس من استبداد الحكم العثماني وفساده. والاستبداد والفساد والظلم هذه كلها تبرر عند توافرها الدعوة إلى التغيير السياسي والاجتماعي أي للإصلاح ولكنها لا تبرر ولا يجوز أن يستند إليها في دعوة للانفصال السياسي. أخد نجيب عازوري يمتدح ما صنعه الإنجليز في مصر ويتمنى أن يقوم في فلسطين نظام يصنع ماصنعه الإنجليز بمصر من إدارة صالحة وعدالة صارمة ، ويتكلم عن السياسة البريطانية بلهجة الإعجاب بأساليبها ثم ينتقد المصريين لأنهم ساخطون على الاحتلال الإنجليزي ويقول: “هذا الواقع يكفي للدلالة على عدم قدرة المصريين على حكم لأنفسهم بأنفسهم. ومن هنا يبدو ظاهرا الوجه الآخر لدعوة عازوري. فهي دعوة للانفصال العربي يقيمها على أساس من فساد الحكم العثماني ودعوة لخضوع المصريين للحكم الإنجليزي يقيمها على أساس العدالة البريطانية. وهو بهذا لا يضع الفكرة القومية في صورتها الجامعة كشعب توحده عوامل اللغة والتاريخ والجغرافيا وإنما يضعها في صورة انفصالية تفتيتية تابعة. وإن نظرته إلى العدالة البريطانية هي أقرب للدعاية السياسية منها للنظرة الموضوعية، وتتجاهل أن احتلال بلد لبلد آخر دون قيام جامع بينهما من دين أو قومية أو اشتراك في إقليم لهو من ذرى الاستبداد والظلم.

أحداث وتأريخ بعلامة أمريكية

عملت الولايات المتحدة الأميركية على أن تجعل تاريخ ١١ آيلول/سبتمبر ٢٠٠١ تاريخاً عالميا  وأرادت بوجه خاص أن تثبته تاريخاً إسلامياً عربياً؛ أي تاريخاً يحمل علامة طريق في السياق العربي الإسلامي للأحداث وللأسف الشديد سقط بعضنا في هذا الفخ، وطفق يروج في أحداثنا الجماعية والقومية والمحلية فكرة ” ماقبل ١١ سبتمبر ومابعد ١١ سبتمبر[14]. إن ١١ أيلول/١١ سبتمبر هو حدث أميركي، يتعلق بالسياسات الأميركية ، وبسياق أحداثها ووفائعها للأميركيين ولنا أمراً يشين العزة الأميركية وبغطرسة أمريكا جعلته حدثاً عالمياً، لأنها ترى نفسها سيدة العالم. السياسة الأمريكية أرادت أن تلقي عبء أزمتها على الخارج، وعليها نحن بصورة خاصة، نحن المسلمين والعرب، من حيث المسؤولية ومن حيث الحل. فالحدث حدث أمريكي في بدئه وفي منتهاه بل في الآثار المطلوب ترتيبها عليه، وأن وقوعنا في شرك أن نعده من أحداثنا ووقائع تاريخنا يفيد أننا نسلم بأن نُستتبع ونُلحق بالتاريخ الأميركي، ونصير مجالاً محكوماً بوقائعه. ونحن لابد من أن نتمسك بحقنا في استقلال إدراكنا التاريخي وبحقنا في أن يكون لنا تاريخنا وأحداثنا مما كان يسمى قديما أيام العرب أو أيام المسلمين.  وعلى عكس قول عمر من الخطاب، رضي الله عنه:، إنه إذا عثرت دابة في أرض العراق سئل عنها عمر يوم القيامة، تقول الولايات المتحدة إنه إذا عثرت بغلة في تكساس سئل عنها العالمين في هذه الدنيا، ودفع العرب والمسلمون ديتها . الأمر هنا ليس فكاهة ولا طرفة لكنه أمر له علاقة وثيقة بعملية ” الإلحاق والاستتباع ” الشعوري والإدراكي .

التاريخ يكتبه المنتصر ويساق إليه المتبوع

إن البلد المتبوع يميل إلى تأكيد أن تكون وقائع تاريخه وحاضره هي وقائع وأحداث البلاد التابعة له، وأن تستلب تلك البلاد من وقائعها وتاريخها وأحداثها. وسيادة أي بلد على بلد تستلزم لدى السيد أن ينمط نظرة التابعين وفق نظرته، ويلحقهم به من زاوية الرؤية والثقافة وطريقة التفكير. وأكثرها شيوعاً تقسيم تاريخ العالم كله وفقاً للمنظور الأوروبي لتاريخ أوروبا وبحسب وقائع ذلك التاريخ الخاص، من حيث العصور القديمة التي انتهت بسقوط روما، والعصور الوسطى التي انتهت بسقوط القسطنطينية أو بعصر النهضة، وهكذا. وتعميم أهمية الوقائع والأحداث على الآخرين ينطوي أيضاً على تعميم أوصافها على هؤلاء الآخرين.، ونزعهم من أن يكون لهم مفاهيم خاصة ونظرة خاصة. إن الأمر هنا يمس صميم الإدراك والوعي الذي يراد زرعه في الآخرين، أو محوه. إن مايعنينا من ١١ أيلول/سبتمبر ٢٠٠١ هو أثره أي أثر السياسة الأمريكية التي أفصحت عن نفسها بعده أثر ذلك في أيامنا العربية المعاشة وأهمها الآن ٢٨ أيلول/سبتمبر ٢٠٠٠ تاريخ اقتحام شارون للقدس فهو ليس حدثا مهما في نظرها أمريكا ويجب ألا يكون حدثا عربيا إسلاميا بمثل مايجب أن يكون ليوم ١١ أيلول/ سبتمبر ٢٠٠١ من أهمية واعتبار.

كتابات الصهيونية والغرب عن الشخصية العربية

أنتج كتّاب الغرب تصور يصنع نظرية عن الشخصية العربية تضعها دون مستوى البشر، ونعني بالكتّاب الغربيين هنا، كل الكتّاب المعاديين للوجود العربي والممالئين للعدوانات الغربية العرقية والعنصرية، الذين ألفوا عشرات من الكتب ودفعوا بها الى دور النشر الشعبية التي توزع كتبها بمئات الآلاف من النسخ. هذه الكتب تعالج معالجة مضللة جوانب الشخصية العربية في سلوكها وتفكيرها وتعبيرها واقتصادها وكفاحها وتطلعاتها معالجة محرفة ومشوهة تسيء الى مفهوم الغرب عن العرب ومقاصدهم، من بين هذه الكتب، كتاب –العقل العربي- الذي ألفه رفائيل باتاي. وباتاي يهودي هنغاري الاصل (1910- 1996) امريكي الجنسية، صهيوني متطرف، تلقى تعليمه في بودابست، ونال شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعتها عام 1933، متخصصاً في تاريخ حضارات الشرق الاوسط ولغاته[15]. ويعتبر هذا الكتاب من أبرز المحاولات التي تقوم بها المنظمة الصهيونية العالمية لتشويه صورة الانسان العربي، وذلك لاستناده إلى جهد كبير في عملية التوثيق وجمع المراجع. وتكمن المشكلة في احتفاء الأوساط الرسمية الغربية بهذا الكتاب، انهم يرون فيه مرجعاً لفهم الثقافة والعقلية العربية. يعود صدور –العقل العربي- الى عام 1973، وهو تاريخ يؤشر لبداية اهتمام الغرب الجاد بالشرق وتلقفه هذا الكتاب لاعتباره دليلاً للعقلية الغربية لفهم الثقافة والنفسية العربية. وسواء كان المؤلف يضلل القارئ الغربي او يعجز عن تقديم اطروحة اكاديمية متكاملة عن العقل العربي فالنتيجة واحدة في طبع سلسلة من الاباطيل انتشرت في العالم الغربي وأثرت سلباً على صورة العرب في الغرب ومن بينها ما يدعيه من ان اخطر ما تواجهه العقلية العربية هو تكريس الخطاب الديني في المجتمع لسحق هوية المواطن العربي منذ الصغر كي يصبح جزءاً من كل يشكل هوية الامة الاسلامية،

يزعم باتاي، ان العقلية العربية تقسم العالم الى مسلمين وكفار وكل من هو ليس بمسلم اي يدين بديانة اخرى، فهو مرتد ويشكل خطراً على الاسلام وبالتالي يقع عليه الحد. هكذا يعتقد المسلمون المؤمنون بتعاليم الاسلام وفقاً لباتاي، ولا يفوته ان يذكر انهم يزدرون الاديان السماوية الاخرى لانهم وحدهم المسلمين هم المؤمنون الحقيقيون والسبب وراء هذا الاحساس المتزايد بالفخر بالعقيدة كما يوحي الكتاب لقرائه الغربيين، هو الوضوء والصلاة خمس مرات يومياً. الغريب فيما ذكره الكتاب هو اعتراضه على اداء المسلمين للصلوات الخمس باللغة العربية، الأمر الذي يعمق احساسهم بتفرد اللغة العربية، وتلك مشكلة اخرى من مشاكل العقلية العربية ينبغي على العالم الغربي التصدي لها. أبرز ما يطرحه الكتاب ويشهد له به قراؤه الغربيون هو تركيزه على حجر الزاوية في ازمة الاسلام، الا وهي العقلية العربية، وكيف ان السبب الرئيس في تلك الازمة بالتحديد هو أثر الاسلام السلبي على العقلية العربية عندما يحول من مواطنين لطفاء وابرياء الى قتلة ممكنين. يقوم الكتاب على مبدأين يدعى باتاي سيادتهما على العقل العربي اولاً- ان العرب لا يفهمون سوى منطق القوة وثانياً- ان اكبر نقاط ضعفهم هما العار والاذلال. لا عجب اذاً ان يفرد باتاي (25) صفحة من كتابه لفصل كامل عن مفهوم الجنس عند العقل العربي. وقد استلهم حراس سجن ابو غريب تعاليم هذا الفصل في اتباع اسلوب الامتهان الجنسي باعتباره الوسيلة الاكثر فاعلية لقمع المعتقلين العراقيين، اذ ان الجنس عند العرب وفقاً للكتاب، قضية محظورة ترتبط بالشعور بالعار والكبت والعجز تصيب المواطن العربي في مقتل. الكارثة أن هذا الكتاب ومن يروج له يتظاهر بأنه مرجع قدير لتقديم يد العون للمواطن الغربي الذي ابدى رغبة صادقة في فهم تلك المنطقة وعقيدتها الراسخة (الاسلام) ومن خلال اسلوب جزل لا يستغلق على القارئ الذي يستمتع عبر سرد شائق من معلومات مثيرة للاهتمام تتناول عقلية الاستشهادي والجهادي والارهابي والبدوي والازدواجي أو في كلمة واحدة “المسلم”. هكذا استغلت الصهيونية نكسة ٦٧ وأرجعت الهزيمة لوحشية العرب وذلهم وهوانهم ونسبوها إلى الإسلام.

٣- التقويم

وهو أحد وجوه السرقة للزمان، إن حساب الزمن في الماضي وفي الحاضر أيضا قد جرى امتلاكه من الغرب[16]. فقد قام الغرب بتولي المسئولية عن التاريخ وذلك يعنى أن يتم تصور الماضي وعرضه وفقا لما حدث في مقياس أوروبية الإقليمي الضيق الأفق ثم يفرض التصور بعد ذلك على بقية العالم. فالتواريخ التي يعتمد عليها التاريخ تقاس قبل ولادة المسيح وبعد ولادته والاعتراف بالعصور الأخرى المتصلة بالعام الجديد في الهجري يلقى به إلى هوامش المعرفة التاريخية والاستخدام العالمي. إن وحدة الزمان المستفادة من التقويم الميلادي قد اتخذت عنوانا شاملا على وحدة التاريخ الاجتماعي والحضاري . وألحق زماننا بماضيه وحاضره. ألحق بالزمان الأوروبي الأمريكي دون أن يقال إنه التحاق، أو إنه يمثل تبعية آسيوية إفريقية، أو يمثل متبوعية أوروبية أمريكية. وصار من المسلمات على ألسنة المفكرين وأقلامهم أن يتكلموا عن حضارة القرن العشرين وعن العصر الحديث . وصرنا نصدق من أمر أنفسنا أننا في بلادنا نحيا في عصرهم. لقد أحدث هذا الأمر صدعا عميقا في وعينا الحضاري وفي حسابنا للزمن[17].

– أما عن وعينا الحضاري، فقد صرنا مثل الأوروبيين في التصور المثالي برغم أننا غيرهم ومختلفون عنهم في المنظور الواقعي.

– أما عن حساب الزمن، فإن وحدة الزمن التي وحدتنا بهم “القرن العشرين كمفهوم حضاري” قد فصمت وعينا بحاضرنا إلى حاضرين اثنين:

١- حاضرهم الذي صار مستقبلا لنا نسعى إلى تحقيق صورته في بلادنا.

٢- وحاضرنا الذي صار في وعينا ماضيا لنا نسعى إلى التخلص منه. وقد سقط   كثير منا بين الحاضرين في فجوة من اللا أدرية والعبث.

إن التاريخ السياسي على مدى مائتي عام هو تاريخ غزو متتابع ومقاومات متتابعة. وتاريخ الاقتصاد هو تاريخ فتح أسواق بلادنا واستخراج ثرواتها وهو تاريخ سعينا لحماية مانملك من ثروات وحماية مانستطيع من أسواقنا ومحاولة النهوض بذلك. والثورات التي جرت كانت ضد الاحتلال أو السيطرة الغربية. وفكرة الإصلاح قامت في تاريخنا الحديث من أجل الحصول على إمكانات مقاومة المخاطر الخارجية. أما عصر الثورتين الصناعيتين الأولى والثانية فقد فتح بلادنا لمنتجات هاتين الثورتين وقضى على بذور مالدينا وبراعمه وأحالنا عيالا فيما نستهلك من غير مانقدر على إنتاجه. وأما عصر الذرة والصاروخ فقد أنشأ سلاحا يتهددنا ولا نملكه ولا نقدر على صناعته وإن استطعنا منعنا به نفسه. بهذه الصبغة العامة لعصرنا نستطيع أن نفهم كل أمر في واقعنا من حيث : الانقسامات والوحدات والثورات والانتفاضات والرغبة في الاستقرار وقضايا الاقتصاد والتصنيع والزراعة ومسائل السلم والحرب والجامع السياسي لأمتنا إسلاما وعروبة ونظم الحكم وبناء المؤسسات وتنظيم الجيوش، والفكر والثقافة والتعليم.

٤- النماذج التاريخية

أقحمت في الضمير الإنسانى فكرة مأساته المزمنة، كأن تاريخنا كله هزائم ليس فيه انتصار. فقد أكد بعض المستشرقين وشايعهم في ذلك بعض الباحثين ، أن الإسلام ينظر للتاريخ نظرة تشاؤمية تقوم على التدهور كقدر مقـدور ، وحتم لا فكاك منه . واستندت فى رؤيتها تلك إلى مجموعـة مـن أحاديـث النبوية تتصل بواقع الإسلام أو التنبؤ بواقع المسلمين ، فقد أولت معظم هـذه التوجهات الأحاديث “غربة الإسلام” أو الأحاديث الأخرى التى أشـارت إلـى تفضيل العصور بالنسبة لعلاقتها وتفاعلها مع المثل الأعلى ومعايشته والعيش به وبمقتضاه، إلى أنها تتبنى نظرة تشاؤمية نكوصية لحركة التاريخ . وواقع الأمر أن هذه التوجهات لم تفهم مناسبة الحديث ومقصود الصادق الأمين بل فسرتها وفق هواها البشري دون ضابط ولا رابط[18].وأوضح الأحاديث الذى استندت إليه تلك الرؤية (خير القرون قرنى..، لتنقضن عرى الإسلام..”، بدأ الإسلام غريبا..). ويعود خطأ التفسير لهذا الحديث أو الأحاديـث الأخـرى المرتبطـة بـه والمتعلقة بنفس السياق إلى الغفلة عن:١- البحث فى اتساق الرؤية القرآنية مع الرؤيـة النبويـة للتغييـر وحركة التاريخ وفق قواعد التعارض والترجيح.

٢- ضرورة ملاحظة الأحاديث الأخرى تآلفها وتناسقها مع بعضـها البعض فى تكوين رؤية متكاملة.

٣-ربط الحديث عامة بتنوع وظائف الرسالة والنبوة وتكاتفها في تحقيق الغرض والمقصود.

إن هذه الأحاديث كما تتضمن إنذًارا تشتمل بشارة تحفز الهمم من خـلال القياس على غربة الإسلام الأولى ، فإن بروز الاسلام غريبا وعودته غريبـا – دون تحديد زمن إنما يؤكد أن الغربة ليست فحسب مفتـتح الصـلاح ، وإنما هى كذلك أمر مرغوب ومطلوب، بما يعنى ضرورة عدم اليأس ، وبقاء طائفى من الأمة قائمين بالحق موعودين بالنصر والإظهار. وهذه الرؤية إذ تعتبر فى الحقيقة عناصر الوعى بالزمن ومسئولية التغيير وعملية تراكم الفساد وأثرها فى عملية التغيير، فإن هذا يجـب ألا ينصـرف إلى الرؤية النكوصية للتاريخ، بل يجب أن يرد أساسـا إلـى فعـل السـنن  الشرطى المرتبط بحركة الإنسان إخفاقا أو نجاحا ، صعودا أو هبوطا. وهناك خطورة أيضا بالحديث عن الماضي فقط، فحين اتجهت الثقافة إلي امتداح الماضي أصبحت ثقافة أثرية لا يتجه العمل الفكري فيها إلى أمام بل ينتكس إلى وراء.” مثل الاثار الفرعونية وبلد فراعنة والأغانى زمان والأدب زمان….” وكان هذا الاتجاه الناقص المسرف سببا في انطباع التعليم كله بطابع دارس لا يتفق ومقتضيات الحاضر والمستقبل، وبذلك أصيبت الأفكار بظاهرة التشبث بالماضي كأنما قد أصبحت متنفسا له.

ثانيا: اختطاف الواقع

يختطف الواقع من جانبين : من الداخل والخارج وذلك من خلال

١- تزييف الواقع وتزييف الأخبار والأحداث والأشخاص والرموز . والاهتمام بفقه الأحكام ولايوجد اهتمام بفقه الواقع مما يؤدي إلى” اختطاف العقل المسلم”.

فقد أصبح للافتاء في الوقت الحاضر أهمية بالغة وكبيرة لما تشهده المجتمعات العربية والإسلامية من نمو وتقدم في شتى مناحي الحياة [19]وبروز تعقيدات جديدة أفرزتها عوامل التقدم التكنولوجي والاقتصادي والثقافي .. إلخ ، الأمر الذي جعل الناس أكثر التصاقا والتفاتا إلى معرفة الفتوى لاستجلاء الأحكام الشرعية عن بعض القضايا المعاصرة التي تمر بها الأمة الإسلامية من محن وحروب أو كوارث أو أزمات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية وغيرها لا تزال تلقي بظلالها على جميع البلدان. ومع اتساع مصادر الإفتاء في الفضائيات وعبر الإنترنت وعلى صفحات الجرائد والمجلات ودخول أعداد كبيرة من حملة العلم الشرعي إلى ميدان الفتوى حدثت فوضى أوقعت الناس في حيرة لتضارب الآراء وافتقاد الضوابط التي يستدلون من خلالها على الحكم الصحيح الذي ينبغي الأخذ به. ومن نظرة فاحصة متبصرة إلى أحوال أمتنا الإسلامية اليوم نجد بكل وضوح أن بعض مشاكلها إن لم يكن أهمها يعود إلى فتاوى مضطربة إو صادرة من غير أهل العلم أو متشددة وهو ما أحدث خلافات ونزاعات شديدة أدت إلى تمزق المسلمين . ورغم أهمية فقه الأحكام إلا أنه لا يوجد اهتمام بفقه الواقع مما أدى إلى اختطاف العقل المسلم .

وفى إطار الحفظ المتعلق بالمقاصد والمجالات الكلية (الدين /الـنفس/النسل/العقل/المال)، فإن حفظها جميعا يعود إلى حفظ الدين ويشـتق منـه ، بما يعبر عن أصول الحفظ المعتبر . إضافة إلى ذلك فإن عملية الحفـظ فـى تلك المجالات ليست على مستوى واحد بل على مراتب متدرجة: – فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح

– أن من الحفظ ما يرتبط بعناصر ترتيب فقه الأولويات: الضروري فالحاجي فالتحسيني. ففى إطار الحفظ يجب أن يراعى الضرورى فالحاجى فالتحسـينى وفـق قواعد وشروط مهمة. إن معرفة الحال شرط لمعرفـة المآل ، ومعرفة المنآل أهم مداخل التعرف على مؤشرات الاسـتقبال.

تزييف الواقع والأشخاص والرموز من خلال السينما العالمية:

إن ماتقدمه هوليوود من صور متتالية ومستمرة للمسلمين في أفلامها منذ فترة طويلة إلى الآن معناه أن المواطن الغربي وبخاصة الأمريكي العادي ليس أمامه إلا أن يكره ويعادى المسلمين [20]، وماتفعله هوليوود ضد العرب والمسلمين  لا يمكن وصفه إلا بأنه فضائح سينمائية ، كما أنه تحريف وتشويه للحقائق وافتراءات كاذبة. فقد أدت الأفلام الأمريكية- وبخاصة إذا علمنا أن معظم شركات الإنتاج تخضع لسيطرة اللوبي المعادي للإسلام والمسلمين ولما تمتاز به الأفلام الهوليودية من دقة وقدرة فائقة من الناحية الفنية من إخراج وتصوير….- دورا كبيرا في تقديم صورة سلبية عن المسلمين عندما لم يكن هناك مصدر آخر للمعلومات حولهم وحول ثقافتهم وحيث إنها تشاهد من قبل شريحة عريضة ومتنوعة من الناس في أنحاء العالم، فقد ساعدت الأفلام الأمريكية في انتشار هذه الصور النمطية السلبية للمسلمين ، فصورة العربي المسلم على الشاشة الفضية الهليوودية لن تخرج عن واحدة من هذه الصور النمطية[21]:

  • صورة أعرابي من البدو الرحل وبجوارة ناقة وخيمة في الصحراء الجرداء.
  • أو صورة العربي المنغمس في اللهو والملذات والمجون وتعاطي المخدرات.
  • أو صورة العربي المتجرد من الحضارة وآداب السلوك في الطريق العام وفي معاملة الآخرين وفي اتباع آداب الطعام والنظافة.
  • أو صورة المسلم المتطرف المتشدد الذي يسوق خلفه زمرة من الحريم المتشحات بالسواد.
  • أو صورة العربي الأبلة المندهش أو المنبهر دائما بالحضارة الغربية.
  • صورة المسلم الإرهابي المجرم مختطفا للطائرات والحافلات ومفجر المباني وقاتل الأبرياء. وهى اكثر الصور شيوعا.

هكذا حرصت هوليوود دائما على أن تضع العربي وبخاصة المسلم في قالب ثابت للشر والعنف والتخلف والخيانة والجهل والتطرف والتزمت.

وهناك فيلمان لصورة المسلم في السينما الأمريكية [22]هما فيلم “الخائن” للمخرج  ناشمانوف ” يهودي الديانة” والفيلم الثاني بعنوان “المملكة” . وفيلم الخائن يحي قصة “سمير هورن” المسلم الأمريكي السوداني الأصل المتابع من طرف وحدة المباحث الفدرالية للمهمات الخاصة برئاسة “روي كلايتون” بتهمة التعاون مع منظمة دولية خطيرة وتزويدها بمتفجرات متقدمة والوقوف وراء مجموعة من التفجيرات بأوربا وأمريكا ومحاولة القيام بعملية واسعة على الأراضي الأمريكية. يعتبر أول فيلم من أقلام مابعد ١١ أيلول/سبتمبر ٢٠٠١ يتناول قصة الإرهاب ومحاربة الإرهاب من منظور مختلف .

  • فيلم المملكة ، إخراج بيتر بيرغ ، انتاج ٢٠٠٧ . يصور فيلم المملكة شخصية المسلم المتطرف وزعيم التنظيم الإرهابي جسدها الفيلم في شخصية أبي حمزة والذي يقوم بعملية تفجيرية ينفذها أفراد جماعته المسلحة أمام أنظاره تستهدف مجمعا سكنيا للرعايا الأمريكيين في الأراضى السعودية. وبعد نجاح العملية يصور المخرج للمشاهد مى همجية هذه الشخصية المسلمة المتطرفة واستهدافها الأبرياء ومدى عدائها وكرهها للشعب الأمريكي ليتطرق بعدها إلى تنشئة الأطفال المسلمين تنشئة ملؤها التطرف وترسيخ قيم العنف والحقد والكراهية تجاه أمريكا والأمريكيين، ومن جهة أخرى يصور لنا المخرج مدى براعة الشخصية الأمريكية في مواجهة الإرهاب وحبها للأمن والسلام. والفيلم لاقى رواج كبير على المستويين الغربى والعربى بسبب الحملة الإعلامية الواسعة للفيلم.

وبتحليل الفيلمين وقراءته تم الوصول للنتائج العامة التالية[23]:

  • قدم المخرج من خلال فيلم الخائن أربع نقاط أساسية جسدت النظرة الغربية للمسلم
  • أن المسلم خائن ولا يمكن أن يؤتمن وهو يتصف بالغدر والخداع .
  • أن المسلم يتصف بالكذب فهو مستعد لأنه يكذب حتى في أتفه المواقف.
  • أن المسلم عنيف ويحب سفك الدماء ويحرص على قتل الأبرياء وبخاصة إذا كانوا أمريكيين” يتجلى ذلك من خلال أسف سمير وتظاهره بذلك متحسرا على قلة عدد القتلى في السفارة الأمريكية”.
  • إن شخصية المسلم يتم بناؤها منذ الصغر وهب متأصلة على قيم العنف والقتل والانتقام.
  • يشترك الفيلمان في نقطة واحدة فهما قدما صورة الرجل الأمريكي المحب للسلام والأمن وأنه يؤدي مهامه بإتقان ورسالته نبيلة كما حرص الفيلمان على تقديم فكرة أن المسلمين جميعا يكنون عداء صريحا وكرها شديدا لأمريكا والأمريكيين، وهذا مايرسخ فكرة كره المسلمين لدى شعوب العالم وبخاصة الأمريكيين أنفسهم.
  • كما تطرق الفيلمان إلى موضوع أطفال المسلمين والتنشئة الإسلامية للطفل حيث طرح فكرة أن الأطفال المسلمين يتعلمون الإرهاب والعنف منذ الصغر ويحبذون القتل والاعتداءات التي يقوم بها آباؤهم، وأن الآباء المسلمين يستغلون هذه الفئة الفتية والعقول النيرة ليزرعوا فيها كره الأمريكيين ليصبحوا إرهابيين في المستقبل من خلال تشبع هؤلاء الأطفال بقيم الحقد والكراهية.
  • لقد كان لنوعية اللقطات وحركة الكاميرا دور كبير وهام في عملية تقديم شخصية المسلم من وجهة النظر الغربية حيث ركز المخرج في فيلم الخائن على اللقطات المقربة ولقطة الجزء الصغير والاهتمام بالشريط الصوتي” الحوار”. وركز المخرج لفيلم المملكة هو الآخر على اللقطة المقربة حتى الصدر والتركيز على ملامح وإيماءات الوجه، فالكاميرا في كلا الفيلمين كانت مقصودة وتحمل رسالة ضمنية عكست عن قصد المعانى والمقاصد الخفية لمضمون اللقطات.
  • وظف المخرج في فيلم الخائن دور صديقة الشاب المسلم وقد جسدته في الفيلم الممثلة الهندية أرشي بنجابي، وهذا مايتناقض تماما مع حقيقة الشخصية المسلمة إذ أن دين الإسلام يرفض كليا أن يقيم أي شخص مسلم علاقة مع امرأة بدون أن يكون هناك عقد قران شرعي وهو مفهوم لا يستقيم مع صورة البطل الإسلامي.
  • ابتدأ المخرج اليهودي جيفري ناشمانوف فيلمه الخائن بالمصحف الكريم واختتمه بمشهد صلاة الشاب المسلم” سمير ” وفي ذلك دلالة على أن مضمون هذا الفيلم يحمل تعاليم وقيما إسلامية محضة ، بينما ابتدأ فيلم المملكة لمخرجه “بيتر بيرغ” بصورة لشيخ ذي شماغ سعودي أحمر وانتهى بمشهد يبدأ بوجه طفل صغير وينتهي بعينيه الحادتين المليئتين بالغضب ، في دلالة على الشيخ الذي يمثل صورة للحكمة والولاء ويحظى باحترام وتقدير ورمزا للثقة والتقدير وعلى الطفل الصغير هذا العقل النير حيث استطاع المخرج أن يرسم ملامح الانتقام على طفل وهو في سن البراءة حيث مرر الفيلم رسالة من العيار الثقيل على أن الأعمال الدامية التي تستهدف أرواح الأبرياء ويقوم بها المسلمون في أرجاء العالم يورثها الآباء والأجداد للأحفاد والأبناء ويزرعون فيهم قيم الحقد والكره والعداء الأمريكي.
  • صوَّر المسلم في فيلم المملكة على أنه شرس وهمجي يمجد سفك الدماء كما يفضل القتل وجلّ أعمال العنف على السلام لينقل الفيلم بذلك رسالة إلى المشاهد الغربي والعربي مفادها أن أمريكا تعطي الشعوب المسلمة السلام والأمن، في حين يقابلونها بالعنف واستهداف أرواح أبناء الأبرياء وتجسد ذلك من خلال المشهد الذي وظّفه المخرج عندما قامت المحققة جانيت حبّة الحلوى للطفلة الصغيرة في حين قابلتها بكُريَّة رخامية تستخدم لصنع المتفجرات.
  • على صعيد الحبكة يحاول كلا الفيلمين على طريقة أفلام هوليوود أن يكونا فيلمي إثارة لمن لايدرك الرسائل السياسية وفي الوقت نفسه يمرران فيهما رسائل أيديولوجية من العيار الثقيل ملؤها التشويه والتزييف لشخصية المسلم وإلصاق تهم مبالغ فيها وافتراءات كاذبة وظّفها كلا المخرجين على أنها مترسخة في أذهان هؤلاء المسلمين منذ الصغر.
  • تضمن كلا الفيلمين أخطاء كثيرة فكرية وشكلية ففيلم الخائن احتوى على خطأ تقني ساذج تمثل في مشهد صلاة الوالد إلى جانب ابنه الذي من المفروض أن يكون على يسار ابنه لكنه جاء في اليمين ومشهد آخر يجعل قبة المسجد في السجادة أسفل قدم الشيخ وهذه الصورة تم توظيفها عن قصد. ومن جهة أخرى اشترك الفيلمان في سوء استعمال وتوظيف اللغة العربية ، فالعربية التي يتكلمونها بلغة ركيكة مصطنعة إلى أبعد الحدود.
  • تطرق المخرج في فيلم المملكة إلى طرح صورة عن المسلمين لم يسبق أن تناولتها الأفلام الأمريكية التي عمّمها على الفيلم وهي أن العرب المسلمين غير قادرين على حل قضاياهم وهم بحاجة إلي الرجل الأمريكي صاحب المهام الصعبة والصفات النبيلة.
  • فيلما الخائن والمملكة مثال حي لحقيقة السينما الأمريكية وتعبير عن رؤيتها الحاقدة والتضليلية لحقيقة المسلم.
  • إن الإساءة للإسلام والمسلمين العرب ليست وليدة هذا العصر ولا تعود إلى الرسوم الكاريكاتورية ولا إلى الكتابات وتحاليل الكتاب والمثقفين والصحافيين الغربيين أو أفلام هوليوود ومختلف الصناعات الثقافية الإعلامية الغربية بل المشكلة لها جذور في التاريخ ، فهوليوود لها مسلسل وتاريخ طويلان مع تشويه صورة الإسلام والمسلم ، فغالبا ماتقدم هذه الصورة في شخص الماكر والمجرم وزير النساء.
  • نخلص إلى القول إن السينما الأمريكية تفوقت بفضل تكنولوجياتها وإبداعاتها في إنتاجاتها الفيلمية من خلال صنع مجدها على حساب الآخرين بالطريقة التي تريد وحينما تريد، ولكن بأية طريقة؟ بخاصة في عصر يؤمن بأن الفائز في هذا القرن هو من يمتلك مفاتيح القوة التكنولوجية والمعلوماتية.

وهذ يجعلنا بدورنا العمل على الاهتمام بتقديم الأعمال الفنية والأدبية بشكل واع وبمسئولية تقع على عاتقنا جميعا.. فالفن والأدب إما واقع تحت سيطرة الأنظمة والحكومات تعترف به وتقدر دوره جيدا في التأثير على عقول الشعوب ولكنها تستخدمة كأبواق لها لضرب هذه الشعوب من خلال استلاب عقولها وقلوبها لتفعل بها ماتريد، أو أن الفن والأدب واقع تحت عدم اهتمام التيارات الإسلامية والقوى المعارضة الأخرى لاتهتم بدوره بل وتهمشه وحتى عند استخدامها له تقدمه بشكل سطحى ولا تنفق عليه إلا القليل من الأموال لإنتاجه رغم تصريحها الدائم واعترافها بأهمية الدور الكبير للفن والأدب. وليس ببعيد تكرار التجربة التركية الناجحة فنيا وجماهيريا في تقديم النماذج والشخصيات التاريخية المؤثرة مثل مسلسل أرطوغرول والسلطان عبد الحميد

اختطاف الواقع من خلال اختطاف مفهوم المعاصرة

يبدو أن القيمة العليا التي صارت حاكمة في الثقافة السائدة الآن هي “العصرية” أو “المعاصرة” – والثقافة السائدة بمعنى أنها الثقافة المسيطرة أو الحاكمة تلك التي تفرزها هيئات التعليم والإعلام والتوجيه المعنوي ولها وجه انتشار بين النخب الاجتماعية – ومن يتابع السياسات النافذة ومجادلات المتحاورين، يلحظ أن العصرية قد صارت أصلا مرجوعا إليه ومسلمة مبدوءا بها في معالجة الغالب من قضايا المجتمع وفي الترجيح بين الخيارات وفيما يرجح أو يستبعد من الحلول.[24]

لذلك من الأهمية عرض لمفهوم المعاصرة وتحرير المسألة بشأنه وكشف آثاره.

إننا نعلم أن العصر يعنى الدهر أو الزمن وأنه ينسب على شخص فيقال: “العصر الفيكتوري” في بريطانيا أو “عصر محمد على” في مصر ، وينسب إلى أسرة حاكمة فيقال: “العصر العباسي” ، كما ينسب إلى ظواهر طبيعية “كالعصر الحجري”، أو إلى ظواهر اجتماعية “كعصر الإصلاح”، و”عصر النهضة” في أوروبا. كما أنه صار ينسب إلى مرحلة تاريخية، كما يقال الآن: “العصر الحديث”، إشارة إلى المرحلة التاريخية التي يحياها العالم اليوم. في أدبنا الجاري عندما نشير إلى العصر مجردا من نسبة تخصصه فغالبا ما نعني “العصر الحديث”. وعندما نقول روح العصر إنما نقصد الإشارة إلى السمة الغالبة على أوضاع المرحلة التاريخية التي نحياها. كما أن مانعايشه من أوضاع الحاضر نصفه بالمعاصرة. وعندما يصف أحدنا الآخر بأنه “عصري” إنما يعنى الإخبار بأن الموصوف متلائم مع أوضاع المرحلة التاريخية العالمية الحاضرة ومتجانس مع ظروفها. وفي خلال النصف الأول من القرن العشرين في مصر كان لفظ “عصري” يعنى “مودرن” ويستخدم غالبا بالمعنى الاجتماعي ليشير إلى ماطرأ من قيم وسلوكيات وأساليب حياة وعادات في الملبس والمشرب والمسكن واختلاط الجنسين، وكان لفظ “رجعي” يقابله. وكان معنى لفظ “رجعي” لا يتعلق بالتقويمات السياسية إنما يشير به مستخدمه إلى التمسك بالعادات والتقاليد المنحدرة من السلف وكانت دلالته قريبة من لفظ “محافظ”، بالمعنى الذي يستخدم مثقفو اليوم له لفظ “أصيل” و”أصالة”. ولم تكن نسبة الرجعية إلى الرجعي بهذا المعنى مما يشينه أو يدعوه للإنكار، بل لعله كان يجهر بها اعتزازا لما تعنيه من أصالة. وذلك في مواجهة وصف “العصرية” الذي تبنته القلة المتأثرة بنمط الحياة الأوروبية. أما لفظا” التجديد” و” الإصلاح” ، فقد ظل معناهما متميزا عن معنى العصرية وظل معناهما يسع الأخذ من الماضي ومن الثقافة المنحدرة من السلف. الأدب السياسي في العشرينات والثلاثينيات بدأ استخدام لفظ “رجعي” بغير اسراف ليشير إلى اتجاهات سياسية، إذ استخدمته القيادات الديمقراطية والأقلام الليبرالية لتشير به إلى قوى الاستبداد السياسي، وكان الصحفيون ورجال الأحزاب يستخدمونه إشارة إلى القصر الملكي. ولم يطرأ تطور جديد على لفظ رجعي إلا في الأربعينيات على أيدي الماركسيين والمتأثرين بالفكر الاشتراكي وفي دوائرهم فصارت له في استخدامهم دلالة طبقية تشير إلى الإقطاع وكبار ملاك الأراضي الزراعية. ثم انتشر ها المعنى في الخمسينيات والستينيات ليصير شبه متعارف عليه. وفي هذا السياق الجديد لم يعد وصف الرجعية يقابل وصف العصرية إنما صارت الرجعية ضد التقدمية. وفى الستينيات تقريبا طرأ على لفظ “عصري” تحول عميق الدلالة. لم تعد دلالته محصورة في القيم السلوكية وعادات العيش وأساليب الحياة التي كانت تستفاد من وصف “مودرن” أي حديث. إنما بدأ يكتسب بالتدريج ومع الوقت دلالة ليست سلوكية فقط وليست اجتماعية فقط، إنما صارت تشير إلى معنى أممي. فصار “العصر” يمثل وحدة جامعة تضم العصريين جميعا في العالم أجمع. ولم تعد العصرية تقابل الرجعية كطرفي صراع اجتماعي في داخل الجماعة المحلية إنما صارت العصرية بوجهها الأممي تقابل التخلف على صعيد العالم أجمع.وقسم هذا المعنى العالم في وعي القائلين به إلى فريقين أحدهما ضد الثاني: الفريق الأول معاصرون ينتمون إلى العصر والفريق الثاني متخلفون لا ينتمون إلى العصر.

اللحاق بالركب حد الاتباع

مع انتصار حركات التحرر الوطني على مدى الخمسينيات وانحسار الاستعمار القديم بشكله العسكري السياسي المباشر، ومع ظهور دول الاستقلال الوطني وأنظمته وحكوماته، ومع فرحة النصر والسيطرة على الذات والشعور بامتلاك المستقبل، مع كل ذلك بدا أن مرحلة من تاريخ البشر قد زالت وانتهت وأن مهمتنا نحن دول الاستقلال الوطني الجديدة في المرحلة التالية هي “اللحاق بالركب” [25]وبناء مجتمعاتنا على أفضل صورة يعرفها عالم اليوم من الرخاء والتقدم. ووضعنا حاضر أوروبا صورة لمستقبلنا ومعيارا لتقدمنا . وهنا بدأ المعيار التاريخي ومعيار التقويم الحضاري للعالم يتوحدان في وعي الثقافة السائدة وقبلت نظم الاستقلال الوطني وحركاته في تلك الفترة وبغير تحفظ كبير قبلت أن يتحول وعينا من موقف المواجهة في التعامل مع مستعمرينا السابقين إلى موقف التتالي والتعاقب معهم. وساد منظور للعالم بحسبان أن مجتمعاته جميعا تقف على سلم صعود واحد وأنها لا تختلف إلا في درجة الارتقاء على هذا السلم. وظهر مصطلح الدول المتقدمة والدول المتخلفة. ثم خفف هذا اللفظ الأخير فصار “الدول النامية” أو التي في طريق النمو. بهذا المنظور تعدل في وعينا التصنيف الذي كان قائما. لقد كان تصنيفا يتعلق بغاز ومغزو أو بمستعمِر ومستعمَر، فصار يتعلق بمعاصر ومتخلف. وقامت العلاقة بين النامي والمتخلف لا على أساس تبادل السببية الذي يقتضى الابتعاد عن الطرف الآخر وفك الاشتباك ولكن على أساس تقويض مافي الذات من عناصر تعوق سعينا في التشبه بالمجتمعات المتقدمة. ولذلك تحولنا من موقف فعل الضد الذى يقتضيه الصراع إلى موقف فعل المثل الذى يوجبه تحقيق المثال، ومن السعي للمخالفة إلى السعي للمشابهة ومن التبعية إلى الإتباع. وصار بأسنا بيننا بعد أن كان بأسنا على غيرنا. ظهرت المعاصرة كوحدة انتماء أممي شامل تضم العصريين جميعا في العالم ضد الخوالف فيه. وبدأ هذا التصنيف يسود على ماعداه من تصنيفات تفرق بين شعوب العالم ودوله سواء كانت تلك التصنيفات تقوم على أساس الدين أو القومية أو اللغة أو العرق أو القارة. ولما كان الأكثر تقدما هو دول أوروبا والغرب بصفة عامة سواء رأسمالية أو اشتراكية فقد سادت خصائصهم الحضارية بحسبانها خصائص العصر: فكرا وعلوما وأنماط حياة وسلوكا ومذاهب . وصار حاضر الغرب هو مستقبلنا. وصارت حياته ومجتمعاته هي مدينتنا الفاضلة المرجوة. بل وأكثر من ذلك صار ماضيه بما أفضى غليه في حاضرهم هو معيار تاريخ العالم. وبهذا قام مفهوم المعاصرة بحسبانه مفهوما مطلقا يقوم به إطار مرجعي ومفهوم شرعي يضم المجتمعات والدول التابعة كلها إلى الدول والمجتمعات المتقدمة.

الاختطاف لصالح الحضارة الغالبة

بذل المفكرون والمؤرخون جهودا كبيرة لإعادة قراءة تاريخنا وكتابته وفق ماحسبوه معايير ومقومات عامة ومعاصرة، ألحقته بالتاريخ العربي في الأساس. إنه – باسم وحدة العصر الحاضر- يراد أن تتوحد شعوب العالم على أساس من القيم والمفاهيم والرموز التي تقدمها الحضارة الغالبة ومن هذه الأسس والمفاهيم تكون نظرة الحضارة الغالبة لتاريخها هي التي من شأنها أن تسود وتعمم على تاريخ حضارات العالم الآخرى. كما أن المعايير المستخلصة من تاريخ الحضارة الغالبة تسود وتعمم ليعاير بها تاريخ الشعوب الأخرى وتعاد صياغة التاريخ وفقا لذلك.

  • الدين

كذلك صار المفهوم الأوروبي الغربي عن الدين هو المفهوم النموذج لأي دين في أي مكان. وإن هذا الجانب من الخبرة التاريخية الأوروبية مستقى من التجربة البابوية في الكنيسة الكاثوليكية ومن دورها في العصور الوسطى بأوروبا[26].

“والأمر هنا يتعلق بصلة الدين بالدنيا وصلة الكنيسة بالدولة وبمفهوم الكنيسة في العقيدة المسيحية”. والمسيحية هنا غير الإسلام والكنيسة الكاثوليكية الغربية لست مثل كنائس الشرق من حيث الدور التاريخي. وليس للدور العقددي للكنيسة دور مؤسسي مثيل لما في الإسلام. والمدى الواسع لمفارقة المسيحية لشئون الحكم مخالف لموقف الإسلام الإيجابي من هذه الشئون. وليس في الإسلام مؤسسة مجسدة للعقيدة كما هو شأن الكنيسة في المسيحية. وليس في المسيحية أسس ومبادئ تصلح بذاتها للتطبيق في شئون الحكم والمعاملات كما هو الشأن في الإسلام. ومن جهة أخرى فإن التوظيف التاريخي والاجتماعي قد اختلف سواء في الحاضر أو في الماضى المردود إليه. وبرغم ذلك تقدم تجربة الغرب التاريخية في هذا الصدد بحسبانها نموذجا ومعيارا عاما للتقويم يقاس به دون الدين في المجتمعات الأخرى. فهو يعمم مثالب تجربته على الجميع ويعمم أسلوب تخصصه من هذه المثالب على الجميع أيضا سواء في ذلك الإسلام أو الكنائس الشرقية أو نظم العبادات الأخرى آسيوية وإفريقية.

  • الاكتشافات الجغرافية

إن اكتشافات أوروبا للطريق البحري إلى الشرق عبر المحيط الهندي والجنوب العربي هو اكتشاف بالنسبة للغرب لأنه عرف بذلك ما لم يكن يعرف. فكيف نعتبره اكتشافا؟! وقد كان البحارة العرب يجوبون تلك البحار القريبة منهم وكان الرحالة العرب يضربون في أعماق آسيا وإفريقيا وتمر على بلادهم تجارة هؤلاء وهؤلاء وقوافلهم؟ ثم إن اكتشاف أعالي نهر النيل هو اكتشاف بالنسبة للغرب. ولكن بالنسبة لأهالى وادي النيل فمن السخرية بهم أن يلقنوا أنهم اكتشفوا وأن بلادهم اكتشفت بواسطة الرحالة الأوروبيين. ومن الخزي أن نعتبر أنفسنا كإغريقيين قد وجدنا يوم رآنا الرجل الأوروبي كأننا بذلك موضوع “مدرك” ولسنا أنفا واعية مدركة.

إن وحدة العصر كجامع حضاري أممي تعنى إلحاق عصرنا الراهن أي حاضرنا بعصر الغرب أي بنمط الحضارة الغربية الغالبة المتصفة بوصف حضارة العصر الحديث. وهذا يعنى أن التبعية في الحاضر ترتد تبعية على الماضي كما أن وحدة العصر كجامع أممي استتبعت وحدة التاريخ. إن هذه الوحدة التاريخية التي أجرت إلحاقنا بالتاريخ الأوروبي لم تقم بها وحدة من الأقطار والأقاليم التي كانت تنتمي إلى تاريخ واحد بل إنها أفادت تفتيتا ةتقسيما لأقوام التاريخ الواحد والحضارة الواحدة.والعجيب أن معظمنا لا يكاد يشعر الآن أنه مع توحد تاريخنا بالتاريخ الغربي قد حدث انهيار في نسقنا التاريخي بوصفه كلا متكاملا. عندما نقرأ للمقريزي أو ابن إياس أو الجبرتي ممن عرفوا بمدرسة التاريخ المصري فإننا نجد أنه برغم حديثهم الغالب عن الوقائع المصرية فإن مصر في تصورهم لم تكن مقطوعة ولا مفصولة عن غيرها من الأقطار الإسلامية ولم تكن تجزئة السلطة مما يفيد في لإدراكهم تفتيت الجماعة الإسلامية الشاملة ولا أقام في تصورهم أسوارا عالية بين مايعتبر شئونا داخلية وما يعتبر من الشئون الخارجية في إطار الجماعة الإسلامية وذلك سواء كانوا مؤيدين لحكوماتهم أو معارضين لها وذلك برغم اختلافهم في درجة تركيز كل منهم على وقائع إقليم معين أو أهل مذهب بعينه وبرغم ميل أي منهم لفرقة معينة أو حكومة بعينها. يختلف كل ذلك عن التصور الراهن لتاريخنا. فقد حدث أولا أن عصرنا الحاضر الذي توحد مع الغرب قد واكبه ولازمه تفتيت وتفسيخ لجماعتنا السياسية ، إسلامية أو عربية. وهذا التفتيت أقام لدينا دولا شتى كل منها تكون وحدة سياسية منفصلة عن غيرها . ولكن هذا التفتيت ليس بجديد لأن التاريخ الأسبق عرف في كثير من فتراته تعددا تجزيئيا وقد لا يكون بمثل مانرى اليوم من كثرة . إنما الجديد أن هذا التقسيم السياسي إلى دول وأقطار قد أثر في وعينا بالجماعة وأفاد تقسيما وتفتيتا في التصور وفي الإدراك لمفهوم الجماعة في الحاضر وارتد ذلك على التاريخ ويفتته. وهذا أمر أظنه غير مسبوق في نوعه.

  • إن فكرة العصر الواحد مع الغرب كجامع أممي فضلا عن التبعية للغرب قد أفقدنا ذلك أصول رؤيتنا لذاتنا الجماعية وأصول تصورنا لها ومقياس نظرنا لأنفسنا. ومن ثم فإنه مع التجزؤ القطري الحاضر للجماعة ظهر الميل لأن يرتد هذا التجزؤ للماضي يفتته.
  • إن صناعة نسق تاريخي متميز ومنفصل أدى إلى إفساد كامل لرؤيتنا التاريخية ولأحكامنا ولتقويماتنا لوقائع التاريخ. فدخول عمرو بن العاص مصر في القرن السابع الميلادي هل كان فتحا إسلاميا كما نفهم نحن؟ أم كان غزوا عربيا؟ وللأسف صار من بيننا من يطرح هذا التقويم الثاني.
  • إن من أخطر وجوه الانقسام القيمي في هذا الشأن أن ما كان يعتبر عاملا داخليا صار يعتبر عاملا خارجيا في تقويم أحداث التاريخ. وانعكس الوضع فصار ماهو عامل خارجيكالحملة الفرنسية على مصر صار يعامل أحيانا كما لو كان عاملا داخليا وذلك عندما ينظر إليه البعض كعنصر مساهم وباعث للنهوض والتقدم. وقد جرى له هذا التقويم تحت إملاء المفهوم السائد عن “وحدة العصر” بالمعنى الأممي والحضاري وماترتب على ذلك من اغتراب والتحاق برباط التبعية مع الغرب. والالتحاق المعنى هنا ليس التحاقا ماديا اقتصاديا ولا سياسيا ولكنه يتعلق بالوعي.
  • القيمة السائدة لدينا الآن عن المعاصرة أو وحدة العصر الحديث بمعناها الأممي والحضاري هي من أسس مايروج من قيم ومفاهيم تنتج اختلاط الوعي بالذات. وهي من أساس مانعاني من اغتراب واستلاب حضاري. ولا يقتصر أثرها على إفساد نظرنا إلى واقعنا ووقائعنا من منظور خاص بنا ومتميز ويرعى صالحنا الحضاري والمادي ولكنه يمتد إلى نظرنا إلى ماضينا فيعيد تشكيله على غير ماقام في الواقع الماضي. كما أنه يقيم التبعية والتجرؤ يقيمهما لا في الواقع وحده بل في الوعي ذاته.

ثالثا: اختطاف المستقبل

قبل أن يختطف الغرب مستقبل هذه الأمة ونشير بأصابع الاتهام له وحده فقد كنا مسرعين نحو هذا الاختطاف قبله من خلال الفهم الخاطئ لقضية فهم المستقبل والغيب وأن المستقبل للحضارة الغربية وليس هناك مستقبل لعالم المسلمين.

كيف ينظر المسلمون إلى مستقبلهم؟

حين توسعت مدارك الإنسان وارتقى عمد إلى محاولة اكتشاف مجاهل المستقبل بطرائق أكثر تطورا ، فابتكر التنجيم والتكهن والتنبؤ وغيرها ، وصار من يقومون بهذه الوظـائف الأكثر حظوة ، بالنظر لما ينطوى عليه اكتشاف المجهول القادم مـن أهميـة كبرى لدى الجميع دون استثناء [27]. وفى المقابل سعت الأديان السماوية لصرف أنظار الإنسان عن المناهج الخرافية فى التبصر بالمستقبل فوضعت له مناهج تربط المستقبل بالغيب ورؤيا الأنبياء وتحديد ميدان حركته وفعله فـى إطـار الإرادة الإلهية والجزاء الأخروى . ثم جاء الإسلام كخاتمة للرسالات متصفا بالكمال والتكامل والتمام والتوازن بين التنظير والعمل مانحا الإنسان منهجية صادقة وراقية وفاعلة فى التعرف على المستقبل ، بل والإسهام فـى صـنعه دافعا إياه نحو رؤية عمرانية شديدة العمق شديدة العم والفاعلية تجعـل مـن الكون ساحته الحضارية، يحقق الإنسان فيه هدفه فى الاسـتخلاف وإعمـار الأرض وبناء الدنيا للآخرة ” ياأيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه”، هذا الكدح الحضارى الموصول باالله ، جعل من أهـم تكليفـات الإنسـان المؤمن ذلك الاستشراف المستقبلى :”يا أيها الذين آمنوا اتقوا االله ولتنظر نفس ماقدمت لغد”. فبناء المستقبل تتحرك أوصاله فى صلة حميمـة بـين الحلقـات الزمنيـة الماضى والحاضر والمستقبل ، “..ولأننا مهددون فى حاضرنا فلا خيار لنـا إلا ببناء مستقبلنا  وبناء المستقبل هو قـرار الحاضـر ، فحاضـرنا كـان المستقبل بالنسبة لماضينا ، وفى حينه لم نتخذ قرار بنـاء الحاضـر، فبتنـا مهددين ..وتتمثل العلاقة النظرية للماضى بالمستقبل فى اكتشاف تطبيقات سنن التاريخ “، وتلمس سنن القوة والضعف، والنظر إلى التـاريخ كمعمـل تجارب ،وهذه الرؤية ليست ذات طبيعة تراجعية نحو الماضى  ولكنها عودة متكاملة الأركان لأصول مرجعيته تجعل من الدين ومرجعته الحافزة للاهتمام بصياغة الحياة وإعمارها بمنهج تلك المرجعية ، واهتمامها بالواقع ، لتكـون مجمل هذه الرؤية المنطلق والمحرك والهدف فى بناء المستقبل ، ومـن هنـا تبدو هذه الرؤية الاستشرافية فى عودة للماضى لا للجمود عليه بل للاعتبـار منه ، ولا تهرب من ضغوطات الحاضر للمستقبل فتتحدث حديث الأمـانى أو الانتظار بل هى أصول فعل وفاعلية ، إنها تعبيـر عـن الـوعى المتكامـل لمعادلة العلاقة بين الماضى والحاضر والمستقبل . فهذه المعادلة الموصـولة والمتواصلة هى التى بإمكانها وضع الأسس العلمية والتربوية لبناء المسـتقبل. إن الأمة التي تقترب من نهايتها أو تشارف على الموت أو تحد أجلها القريب ” عمر أمة الإسلام” ، ومايفيد ذلك من قرب القيامة أو يستعجلونها”  “أتى أمر االله فلا تستعجلوه” ، إنها العظمة القرآنية فى التعبير بالماضـى ثـم المضارع ليحول النظر الإنسانى إلى أن أمر االله آت لا محالـة ، وأن لـيس على الإنسان استعجاله بل العمل حتى بلوغه ، ها هو النبى يحيلنا إلى العمل المتواصل” إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها”. إن هذه الأمة قد تنكفئ على نفسها وتبدأ بالاستغراق فى استحضار أمجـاد الأمة فى الضمائر والعقول ، لأنها لم تعد ترى من جدوى فى الحديث عـن المستقبل أو الاستعداد له ، فالذى يشارف على الموت يعلم أن مسـتقبله هـو اللحظة التى يعيشها بأزماتها وأوجاعها ، فتبقى هذه اللحظة بالنسبة له مجـرد استعراض لشريط الذكريات ، كما أن هذه الأمة قد تجعل من الحـديث عـن عمر أمة الإسلام وقرب أجلها وما يترتب على ذلك من تكثيف الأحداث فـى الأعوام المتبقية قد يورث ثقافة انتظار لا ثقافة نظر ، وثقافة قعود واتكال لا ثقافة فعل وفعالية ، ينتظرون البشارة فتقع فى أيديهم بـاردة ، ولا يتفـاعلون من الإنذار معتبرين أنهم ليسوا معنيين به بل غيرهم هـم المعنـى بالـدمار والهلاك. بينما تريد مجتمعات أخرى ضمن نظرها العليل وفعلهـا الكليـل (عبد َكل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير ) ، أن ترى فى ذلك نظريـة لخرق المراحل والمسافات والقفز عبر الزمان والمكان ، فتحاول رسم صور مستقبلها بالتشبه بمجتمعات تختلف عنها ، مارست سيرها الطبيعى فى جادات التاريخ والجغرافيا ، واكتشفت صور مستقبلها بالمناهج التي أفرزتها مسيرتها . وعندها لا يكون هذا التشبه سوى صور كاريكاتورية لا تعبر عن الواقع بشئ. (لتتبعن سنن من كان قبلكم ، حذو القذة بالقذة وذراعا بذراع ، حتى إذا دخلوا الضب لدخلتموه معهم..). ومن هنا فإن استشراف المستقبل وبناءه ليس تجاوزا للحقائق الكونية،ولا خرقا للزمن والواقع أو الاستغراق فى واحدة من حلقات الزمن (من ارتكـان للماضى أوالوقوع فى أسر الواقع وضغوطاته أو الانطلاق للمستقبل بـلا عمل يركن إلى حديث الأمانى) بل هو نظر بعيد وحركـة تـدبير تمتلـك ثلاث عيون بصيرة ،عينًا تنظر على الماضى وتستلهم منه ، وأخرى تتأمـل الحاضر وتنطلق منه، وثالثة تتبصر المستقبل وتستشرفه ، فى إطار نظرة تكاملية واحدة.

فكرة نهاية التاريخ والفهم الخاطئ لقضية المستقبل

من المهم أن نرصد اتجاها مهما فى تصور التحديات وطرائق مواجهتهـا يتمثل فى كتابات بدأت تبرز مؤخرا من بعض الباحثين المسلمين وكأنها تمثل طبعة حول نهاية التاريخ [28].وبدا هؤلاء يستندون إلـى النبوءات وإلى مصادر من كتب الحديث ، يفسرونها ويؤولونها وتبدو هذه الكتابات تتحرك ضمن مفاهيم أربعة ذات تعلق بالتحديات ، مفهوم الفتن ، مفهوم العلامات ، مفهوم البشارة ،مفهوم التنبؤ بعالم الأحداث المستقبلي. يرتبط كل هذا بعالم الأحداث سواء فى شكل التعبير عـن إرهاصـات الحدث أو توقع حدوثه ، وقد يسرف البعض لتحديد الزمان لوقـوع مثـل هذه الأحداث  استنادا لأمارات أوعلامات يؤول لها أو بها.

المخاطر والسلبيات:

  •  إن كثيرا من هذه الكتابات تلهي الإنسان المسلم عن الفطنة إلى عالم الأحداث الذى يجرى أمامه ، وتشير إلى الدخول إلى منطقة خطـرة قـد تنقل معانى الغيب ووظيفته ، وباعتبـاره مـن أصـل البنيـة المعرفيـة الإسلامية فى إشارة إلى القصور البشرى والإنسانى ، ” وما أوتيتم من العلم إلا قليلا” إن الغيب يقدم النسق المفتوح للعلم وتحصيله والإحساس المستمر بقصور العقل الإنسانى فى إدراك مساحات كثيرة من الكون ومايحدث فيه.
  •  إن هذه الكتابات قد تزكي عناصر ثقافة الانتظار حتى يقع التنبؤ من دون رد فعل إنسـانى : إن النبؤات واقعة لا محالة  وعلينا فقط انتظار وقوعها.
  •  إن هذه الثقافة الانتظارية تؤدى إلى حالة تحذيرية فـى حركـة البشر وفعلهم الحضارى ، ويطلبون بل يعولون على النبؤات لكثير مـن مشاكلهم التى تفوق طاقتهم ، تبريرا لوهنهم وضعفهم وقد يزينون ذلك الفهم الكسولوالمنتظر بأنه ” ليس لها من دون الله كاشفة”. وأن هذه الأمور في وقوعها وانتظارها “ماله من دافع”. رغم أن الآية العمدة في هذا المقام تشير إلى عالم السنن المتعلقة بالتغيير ” إن الله لا يغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” ، “قل هو من عند أنفسكم”، “ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة”.
  •   إن هذه الكتابات تخطئ في تفهم العناصر الوظيفية لمثل هذه الأحاديث والصحيح منها. إن أحاديث الفتن وعلامات القيامة ومايقع في مقامها هي من مقام الوظيفة الإنذارية للنبوة والرسالة والأحاديث التي تشير إلى ملء الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا هي في مقام وظيفة البشارة ” إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا”. إن تكامل وظائف الرسالة” الشهادة،البشارة،الإنذار،الدعوة إلى الله” وفي كل هذه الوظائف والأدوار ومن خلال تكاملها تتحدد النتيجة والثمرة في أن تكون الأدوار بمثابة السراج المنير الذي يستضاء به وعيا وسعيا ، الذي يرى كل هذه المعاني وتحقق المعنى والمغزى فيها.
  •   هذه الكتابات وفق هذه التأويلات الصـادة عـن الفعل ، المنتظرة للتنبؤ ، المشلة للفاعلية ، تقصى مناهج التفكير السننى ،  وتشل فاعلياته وتأثيرها فى تأصيل مناهج التفكير والتـدبير والتغييـر ، وهى بهذا المعنى يجب أن تحتكم إلى قواعد وكليات الوعى بالسـنن [29].
  •  عناصر فهم الفعل الحضارى التى لا تتحقق عدته إلا من خـلال السـنن والعمل لها وبها ، فض ًلا عن الوعى بأصولها وجوهرها ، إن السنن تشير إلى منهج لوصف الواقع الذى نعيشه ، والبحث عن مقاصده وحركتـه ، وتتعلم سنن الفقه بالحال ، وسنن فقه المجال ، وسنن فقه المـآل لتحـرك عناصر تفكير مستقبلى يفضى إلى الوعى حينما يتحـرك وفـق جـوهر السنن الشرطية.
  •  فى هذا الإطار يبدو لنا أن التفكير بعالم التحديات ” أزمات ، فتن، تنبؤات ، أحداث.. إلخ” وكذلك التفكير بنمط التعاملات والاستجابات معها ولها ” الوعي، السعي ، الفاعلية” وتواصل مناهج التفكير بالتدبير ، بالتيسير ، بالتغيير ، بالتأثير والتمكين لتعبر بذلك عن هذه الإمكانية الكبرى فى دراسة التحديات ، لا انتظار انتهائها أو إنهائها خارج دائرة الفعل البشرى لأن ذلك فى الحقيقة يعنى: ١- التأويل الخرافى باسم الغيب

٢- التفريط فى قواعد وكليات المنهج السننى

٣- امتهان معاني” التكليف، الأمانة ،الاستخلاف، المسئولية، الكرامة الإنسانية، الشهادة ،الواقعية، واقتحام العقبة” فلااقتحم العقبة وما أدراك ماالعقبة”.

٤- تبديد منظومة مناهج التفكيـر ومنـاهج التـدبير ، والتسـيير ، والتغيير ، والتأثير ، والتمكين . باعتبارها منظومة متراتبـة ومتكاملـة الحلقات والتأثيرات.

  •  إن التنحى عن الفعل ، وثقافة الانتظار ، والاستقالة الحضارية ، وتحويـل الغيب من دافعية إلى تأويلات خرافية، وتحويـل التنبـؤات إلـى أمنيـات ، وتحويل الفعل الحضارى إلى أضغاث أحلام النائمين وخيالات المتـوهمين أو كوابيس العاجزين الخائفين المبتعدين لا تغنى من شئ فى الوعى بالتحـديات أو السعى للتعامل معها أو مواجهتها ، وإن هذه الأمور جميع ًا إنمـا تكـرس عقلية اللامسئولية واللامبالاة والانتظار، مخالفة بذلك ما تعنيه الآية ” وأن ليس للإنسان إلا ماسعى. وأن سعيه سوف يرى”
  •  إن هؤلاء الذين روجوا نهاية التاريخ [30]على الطريقة الغربية ليبشروا بالانتصار المؤزر للحضارة الغربية وأنساقها الليبرالية ،ويحذروا كـل مـن يتحدى ذلك ، مؤكدين أن ما من أحد قادر على التحدى فضلا عن مواجهـة ذلك الانتصار ، وأن من يتحدى سيكون مصـيره الهزيمـة النكـراء ، وأن التاريخ قد انتهى بتربع الحضارة الغربية على عرشها وأن تداول التاريخ قـد توقف .مستبطنة حتمية كامنة على غرار حتميات ماركس فى مسيرة التاريخ وحركته فكريا وثقافيا ضمن هندسة القبول البشرى والإذعان ، أو بمعنى أدق الإذعان فى ثوب القبول ، أو القبول فى ثوب الإذعان وعلى خطـورة هـذا النمط من التفكير الذى يشيع قبول الهيمنة ويقـ ّنط المتحـدين ويهـون مـن إمكاناتهم فى المواجهة ، فإن هؤلاء الذين يبشرون أو ينذرون بنهاية التـاريخ فى بعض الكتابات الإسلامية التى انتشرت فى الآونة الأخيرة ، لا يقلون عن سابقيهم خطرا فى تبرير واقع الوهن فى عالم المسلمين وشل فاعليات الفعـل الحضارى ، وأى الفريقين لا يؤدى بأفكاره إلا إلى شـل الفاعليـات والفعـل والتفعيل. غاية الأمر أن توارى الفهم السننى والاستعاضة عنـه بـالتفكير المتعلـق بالتمنيات.

الفجوة بين الحالة الواقعية وحجم التحديات تغري بعض مناهج التفكير ببعض تفسيرات عليها كثير من التحفظات لأنها بهذا الاعتبار تتصور الحلول في سياق المواقف الهروبية في مواجهة التحديات. بينما أن الإطار السنني في تفسير عالم الأحداث والتحديات يضبط عناصر التصور في هذا المقام:

  •  الضغوط الحضارية والتحديات وفهم الواقع بما يضع هذه الضغوط في مقامها المناسب وبحيث يحرص عالم المسلمين من خلال الوعي بها من تحويلها إلى ضغوط دافعة رافعة لا ضغوط مانعة مفجرة.
  •  السنن الشرطية وتشكيل الوعي والسعي بلوغا للفعالية والتمكين.
  •  الإمكانات بين الإهدار والاستثمار والخيار بين هذين النجدين أمر يحدد فعل المسلمين في إعداد العدة والتعامل الفعال مع عالم الإمكانية .

استراتيجيات المواجهة

  • أهمية الفهم الصحيح لوظائف وأدوار الرسالة والقيام بها وهي أربع وظائف: “الشهادة والبشارة والنذارة والدعوة” كما حددها الله تعالى في كتابه العزيز” إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا”. إن القيام بالوظائف الأربع هى التى تشكل الوعى بأصول هذه الوظائف وامتدادها فى الزمان والمكان ، إن الفهـم الصحيح لوظائف الرسالة على مر الزمان هو الذى يعصم الذهن المسلم مـن أى تفكير فاسد أو مختل لا يضبط النسب أو يتعرف علـى مآلات الأفكار وتأثيراتها إن سلبا أو إيجابا. هذه الرؤية الكلية للرسالة وظائف “البشارة والنذارة والـدعوة” وأدوات “البينات والكتاب والميزان ” ولغايات ” التى ترتبط بإضاءة الـوعى “السـراج المنير” وعدل السعى “ليقوم الناس بالقسط (فهم وظيفة البشارة لحفز الفعـل الحضارى لئلا ييأس، وفهم وظيفة النذارة لدافعية الفعل الحضارى لئلا يركن أو يغفل ، وفهم وظيفة الدعوة التى تحرك فاعليات الإنسان المسلم فى كـل علاقاته وفاعلياته ، فتكون مجال شهوده الحضارى مستخدما كل الأدوات من بينات واضحة وكتاب منير ، وميزان قائم ، والقوة الحامية للحـق بـوعى بصير وعدل مكين.
  • ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها وإنما المهم أن نرد إلى هذه العقيدة فاعليتها وقوتها الإيجابية وتأثيرها الاجتماعي.
  •  من المهم استكشاف مستقبلات الأمة ، ومن المهم أن تكون رؤية نقديـة لطرق مقاربة المستقبل وعرض للمشاهد المستقبلية “السـيناريوهات” للعـالم الإسلامى سيصبح هذا الأمر مهمة الناشطين والمفكرين المشتغلين بالعلم الإسـلامى والمستقبلات الإسلامية : أن يتخيلوا ويصيغوا إسلامًا يصنع المسـتقبل ، ولا ينوء بعبء التقدم فى تقنيات الموروثات والمعلومات والعولمة ، إسلاما يجب أن ينشغل فى ثورة العلم والتقنية العالمية ولكن فى إطار القيم والمصـطلحات الإسلامية للعلم الإسلامى. إذا استطاع الإسلام تقديم ذلـك ستصـبح أمـة المستقبل نابضة بالحياة .
  •  نحن أمام عدة استجابات يجب رصدها فى سـياق الاسـتجابات العليلـة والكليلة والسلبية لما يمكن تسميته بالتحديات المستقبلية فى عالم المسـلمين أو ما هو فى حكمها . هذه الاستجابات تتمثل في[31]:

١ – الاستجابة البلاغية والانفعالية

٢ – الاستجابة الإغفالية

٣- الاستجابة الافتعالية

٤ – الاستجابات القاتلة، والتى تشكل الاستجابات الإدراكية مقدمة لها.

٥- الاستجابة المتعلقة بالمعنى التآمري .

٦- الاستجابة المتوهمة

  •  إن الدراسات المستقبلية تتطلب حدا أدنى من الثقة بـالنفس والأشـخاص والمجتمع والنظام السياسى على الخصوص ، إرادة سياسية حقيقيـة واعيـة وصادقة . وإذا عدنا إلى العالم الثالث وعالمنا الإسلامى جزء منه نجد غياب الحد الأدنى من هذه الشروط النفسية والمجتمعية والسياسية ، ولهذا يصـعب على أى دراسة مستقبلية أن تحقق نجاحا مرتقبا فى ظل الظروف الراهنة.
  •  من الأهمية بمعرفة أن الإيمان لايعتبر مانعا من التفكير بالمستقبل  والتخطيط له وتدبر أموره.
  •  ضرورة الانتقال في فهمنا للأحداث من استعمال منطق “المؤامرة “، إلى استعمال العقل والعلم والمنهجية بغية البحث عن العلل والأسباب المنطقية الكامنة وراء تلك الأحداث.
  • علينا مواجهة الاستحالات المزعومة ” الأساطير الثلاثة” : (جاهلون، فقراء، الاستعمار) بالوقائع المادية أي بالعناصر الحقة في المشكلة[32].
  •  الناس حين يقرؤون التاريخ لايقرورنه على نحو مباشر وإنما من خلال إشكالية كونوها لأنفسهم ولذا فإن تفسير الحقائق يتوقف إلى حد بعيد على المعتقدات والمبادئ والخلفيات الثقافية للمفسرين. وهذا يعنى أن علينا أن نرضى بموضوعية ناقصة ونتائج نسبية الصواب. ومشكلة التاريخ أنه يتأبى على الخضوع للتجربة. وتدل شواهد الماضي والحاضر على أن قراءة التاريخ عقيمة بالنسبة إلى السواد الأعظم من الناس حتى إن بعض الكتاب المسلمين والغربيين يرون أن أخد العبرة من أحداث التاريخ عبارة عن خرافة كبيرة. لكن هذا القول لايخلو من المبالغة. والرؤية الإسلامية في هذا الشأن واضحة، فهناك فئة قليلة من الناس يتعظون بوقائع التاريخ ويأخذون منها العبرة كما قال جل وعلا: لقد كان في قصصهم عبرة لأولى الألباب” يوسف ١١١ وأوا الألباب المعنيون هم أولئك الذين استطاعوا الطفو فوق أمواج الانحطاط والاحتفاظ بالرؤية المنهجية الصحيحة في وسط يمور باللاهثين خلف الشهوات والمصالح الضيقة.
  • لا بد أن نميز خبيث “التقاليد” من طيبها. إن لكلمة “تقاليد” في اللغة العربية سحرا آسرا فهي تستر خرافات المتصوفة وخزعبلاتها بستار الإسلام الجليل.
  • في الأخير لابد من معرفة الإجابة عن سؤال من الأهمية لطرحه،  هل يمكن للأمة الإسلامية اليوم أن تتحول من حالة العجز والـوهن الـى حالة الشهود الحضارى ؟ أى تسهم فى إنتاج الحضارة ولا تكتفـى بمجـرد استهلاكها؟ الإجابة بنعم ولكن هذا النهوض لن يأتى بمعجـزة ولـن تحققـه الأمانى، وأنما للتقدم الحضارى قوانين وسنن إلهية عبرت عنها العديـد مـن الآيات القرآنية ولكن المشكلة أن غالبية المسلمين يتعاملون بشكل سلبى مـع هذه السنن، فهم أما يجهلونها أو يغفلون عن آثارها أو يزيفونها!. وهل آن للمسلمين مع توالى أزماتهم  وترافقها مع تفاقم حيرتهم  وتـراكم فتنهم  وتعاظم تحدياتهم  وتراكم مشكلاتهم أن يتعلموا درس السـنن فـى صياغه المستقبل؟ أم سنظل ننتظر الأزمة تلو الأزمة تتحرك فيها الشـجون والانفعالات والافتعالات والإغفالات وقبل أن نخرج مـن أزمـة تفاجأنـا الأخرى؟
  • إن ما نحصده فى الزمن المستقبل ليس إلا زرعنا فى الـزمن الحاضـر، وليس إلا نتاجا لاعتبارنا بخبرة الماضى .

————————————————————————————————————————-

[1]إجنتزيا بوتينا الشاعر الصقلّي

[2] التراث والهوية د. عبد العزيز بن عثمان التويجري. ص ٩

[3] وجهة العالم الإسلامي . مالك بن نبي

[4] نفس المرجع السابق وجهة العالم الإسلامي .. مالك بن نبي

[5] نفس المرجع اليسابق

[6] حين تشوه ذاكرة الأمة لعيون الحاكم.. عماد عنان

[7] بحث اختطاف الجهاد .. د. فارس العزاوي

[8] الدراسات المستقبلية في عالم المسلمين بين نهاية التاريخ”عمر أمة الإسلام” وصدام النبؤات .. د. سيف الدين عبد الفتاح

[9] التحقيب في التاريخ العربي الإسلامي .. عبد الحميد هنية

[10] ماهية المعاصرة ص ٥٩ المستشار طارق البشري

[11]د. شاكر النابلسي لماذا أصبح العرب “الرجل المريض” في النظام العالمي؟

[12]د. إبراهيم أبو جابر الخلافة العثمانية المفترى عليها

[13] ماهية المعاصرة.. المستشار طارق البشري ص ٣٥

[14] من أيام العرب..المستشار طارق البشري

[15] رفائيل باتاي وتحليل أمراض العقلية العربية .. مقال لرائد عمر العيدروسي

[16] سرقة التاريخ.. جاك غودي

[17] ماهية المعاصرة ص ٥٤ المستشار طارق البشري

[18] الدراسات المستقبلية في عالم المسلمين بين نهاية التاريخ”عمر أمة الإسلام” وصدام النبؤات ص ٤٣٨.. د. سيف الدين عبد الفتاح

[19] تأثير الاعتماد على الفتاوى الدينية للقنوات الفضائية .. زينب محمد حامد

[20] الإعلام وتشكيل الرأي العام وصناعة القيم

[21] صورة المسلم في وسائل الإعلام الأمريكية .. رضوان بلخيريص ٣٠٥

[22] نفس المرجع السابق ص ٣٠٧

[23] نفس المرجع السابق

[24] ماهية المعاصرة المستشار.. طارق البشري ص ٤٨

[25] ماهية المعاصرة المستشار ص ٥٢.. طارق البشري

[26] نفس المرجع السابق

[27] الدراسات المستقبلية في عالم المسلمين بين نهاية التاريخ”عمر أمة الإسلام” وصدام النبؤات .. د. سيف الدين عبد الفتاح

[28] نفس المرجع السابق لـ د. سيف الدين عبد الفتاح

[29] نفس المرجع السابق

[30] نفس المرجع السابق ص ٤٧٨

[31] نفس المرجع السابق ص ٤٦٧

[32] نفس المرجع السابق ص ٩٠

زر الذهاب إلى الأعلى