السلطة المستبدة: الظهير الديني والخطاب الإسلامي
مقدمة:
مقومات أربع تأخذ بحُجُز عنوان هذا البحث؛ لتجسد ببعدها التركيبي مساراً منهجياً يوقفنا جميعاً عند مشكل منهاجي له مؤثراته في الفكر والحركة على حد سواء، هذه الإشكالية تكاد تكون مستحكمة في كثير من البنى الفكرية التي راجت في بنيتنا الإسلامية؛ حتى ظن الظانُّون أنها أصل مكين مغروس في مجتمعاتنا وما سواه شاذ وطارئ.
لقد أضحت مضامين هذه الإشكالية هي قوامَ كثير من خطاباتنا المنسوبة بغير حق إلى أهل العلم والفقه من المحققين الذين يكمن دورهم في حماية الإسلام وحدوده من أي غزو فكري يأتي على منظومته بالنقض أو الإبطال أو التشويه أو الاختطاف.
ولئن كانت هذه المقومات ترسم لنا كما قلنا هذا البعد التركيبي باجتماعها، فإن ثلاثة منها لم تكن لتسهم فيه لولا انسياقها المنظومي بسبب تحكم المقوِّم الرابع بها، فإن مفاهيم (السلطة، والعلم، والخطاب الإسلامي)، ما هي إلا مفاهيم ذات بعد وسائلي له تعلق بالمنظومة المقاصدية، بموجب ما تفصح عنه القاعدة الشرعية والفقهية الكلية: (الوسائل لها أحكام المقاصد)؛ ذلك أن الأصل في هذه المقومات أن يكون لها دور في رفد البناء الحضاري في الأمة، والإسهام في تفعيل دورها على مستوى شهودها بإبراز رؤيتها الحضارية العالمية، وهذا الذي يثيره الخطاب القرآني في قوله تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾[البقرة: آية 143].
ولكن بحكم ما يعرض للوسائل من عوارض التكييف بحسب مقاصد مكيِّفها، فإنها في هذا المشكل تعرضت إلى الاستغلال من مفهومٍ آل على نفسه بأدواته وآلياته أن يحرف هذه الوسائل عن مقاصدها، وليس خفياً على القارئ بعد هذه المقدمة علمُه أن مفهوم الاستبداد -الذي جاء مقترناً بهذه المفاهيم بوجه شاذ أفسد السياق- هو الذي عمل على توظيف هذه الوسائل في سبيل تحقيق أهداف مشبوهة تخرجها عن وظيفتها الحضارية.
وفي هذا البحث نحاول الوقوف عند محددات هذا المفهوم الشاذ ومدى تأثيره في حرف المفاهيم البانية ومنظوماتها الحاضنة لها من خلال قوى ووسائل وأهداف واستراتيجيات يتبعها المستبدون، مشفوعة من قبل الباحث بتنظير وتأصيل في كيفية تحقيق الحصانة الفكرية والحركية من الاستبداد وقواه التي تروم اختطاف الإسلام وتصدير نُسخ مشوهة منه، مع الإشارة إلى الوسائل والآليات التي تكفل -في ظن الباحث- تحقيق تلكم الحصانة والحماية سداداً أو مقاربة.
تمهيد: الاستبداد: مقاربة مفاهيمية:
للاستبداد ميراث ثقيل في تاريخ كل المجتمعات، ومنها المجتمعات الإسلامية قديماً وحديثاً، هو ميراث ثقيل من حيث حجمه المتراكم عبر قرون، ومن حيث أسبابه المتشعبة والضاربة في مختلف جوانب الحياة، ومن حيث نتائجه ومآلاته التي دمرت عمران حضارتنا الإسلامية، وأسهمت قبل ذلك -وبعده- في تكبيل إرادة أمتنا، وفي سلب حريتنا، وجعل بلادنا نهبة لقوى الاحتلال والسيطرة الخارجية، وللفشل على يد قوى الفساد والطغيان والمظالم الداخلية[1].
ولا شك أن لهذا الميراث مصائبه وبلاءاته العميقة والمؤثرة في البنى الاجتماعية التي ظهر فيها وتمدد بحكم جواذب وحواضن لها تأثيرها في تغييب عوامل الصحة والسلامة والعافية المجتمعية، ولئن كان للاستبداد جذوره في الاجتماع السياسي في تاريخ هذه الأمة من خلال بلاءاته ومصائبه، فإنها لا تزال تفعل فعلها في الدولة الحديثة، بعد أن طورت هذه الدولة أدوات الاستبداد الموروث، وأضافت إليه ما هو أحدث طرازاً وأفدح منه ضرراً[2].
وحري بالباحث بعد هذا التحرير والتقرير لهذا المفهوم ومدى خطورته النظرُ في الجذور اللغوية المكونة له وانعكاساتها على البنية الاصطلاحية وكيفية التعاطي معها في الحالة الفكرية والحركية بمختلف تمثلاتها، ففي الإطار المعجمي اللغوي نرى شحاً ظاهراً في بنائية هذا المفهوم من حيث جذوره اللغوية، وإن كانت المفردة اللغوية مستحضرة في المعاجم والقواميس العربية الأصيلة واللغة العربية من حيث أصلها تستوعبه؛ بحكم ما تتصف به من سعة اشتقاقية.
ولكن ما أقصده أن هناك إجمالاً كبيراً في تغطية هذه المفردة من حيث بناؤها ومعناها، وإنما جاء التنبيه عليها في سياق عارض في إطار منظومة من المفردات التي تجمعها حروف (ب د د)، والإشارة هنا مقصود بها أن هذا المفهوم من حيث معناه طارئ وعارض على حركة الإنسان ودوره الاستخلافي في الحياة الذي ينعكس من خواص الفطرة والإرادة والاختيار الإنساني.
وقد جاء في مادة (ب د د): واستبد فلان به أي تفرد به دون غيره، واستبد بالأمر يستبد به استبداداً إذا انفرد به دون غيره، واستبد برأيه انفرد به[3]، ويجلي الكواكبي المعنى اللغوي للاستبداد مستحضراً بعداً نفسياً له انعكاساته في البيئة الاجتماعية بمختلف تجسداتها، فيقول: “الاستبداد لغة هو: غرور المرء برأيه، والأنفة عن قبول النصيحة، أو الاستقلال في الرأي وفي الحقوق المشتركة”[4]، وأما المعنى الاصطلاحي، فإنه لم يخرج بطبيعة الحال عن المعنى اللغوي ولكن يقيده بحسب الاستعمال في سياقه العلمي والمعرفي.
وعموماً فإن الاستبداد في دائرة الاصطلاح لا ينبغي أن ينظر إليه بقصور نظر، بحيث تقصره تلك الرؤية والنظرة على البعد السياسي الذي يتجلى في الحكم والسلطة، وإن كانت الأخيرة أجلى صور الاستبداد، بل يلزم النظر برؤية أوسع إلى مظاهر الاستبداد في البنية المجتمعية من قاعدة الهرم إلى أعلاه، وما الاستبداد السياسي إلا حلقة من حلقات الاستبداد في إطاره المجتمعي العام.
ذلك أن البناء الإنساني في بعده الاجتماعي لا يمكن أن يستحكم فيه داء عضال لولا تعرضه ابتداء إلى أدواء وعلل تبدأ بدرجاته الدنيا ثم تتدرج صعوداً إلى أعلاها عند التعامل معها بالإهمال أو الإغفال، وهذا كشأن جسد الإنسان نفسه حين يتعرض لداء حسي في أحد أجهزته ثم يتصاعد تأثيره وتزداد عدواه حتى تصيب بقية الأجهزة بالعطل أو العطب، فيسري عند ذلك في جميع أجزاء الجسم.
ومن هنا فإن بحثنا عن الصفات الجوهرية الداخلة في التعريف الإصطلاحي، يظهر لنا المفردات الآتية: (إنسان – انفراد – هوى)، ومعناه أن إنساناً ما ينفرد بشيء ما هو من حق الآخرين ويتصرف فيه تبعاً لهواه، وهو انفراد بالقوة سواء أكانت رأياً، أم كانت مالاً، أم كانت سلاحاً إلى غير ذلك من أنواع القوة؛ أو بحيازتها كلها معاً، وهذه الصفات تجعل المرء مستبداً حال اجتماعها فيه، فإذا أضيفت إلى المفردات مفردة (حكم) عرفنا أنه استبداد سياسي، أو (رأي) ظهر لنا استبداد فكري، أو (مال) فهو استبداد اقتصادي .. وهكذا ترى للاستبداد أشكالاً كثيرة وامتداداً واسعاً، تبعاً لطبيعة المستبد ونوع استبداده[5]، ولذلك ترى الكواكبي نفسه الذي أكد على الاستبداد السياسي بوصفه الداء العضال في الأمة يصف الاستبداد بهذا النظر الواسع بقوله: “التصرف في الشؤون المشتركة بمقتضى الهوى”[6].
إن مفهوم الاستبداد لا يقف بمعزل في الدائرة المفاهيمية، بل له حاضنة ومنظومة مفاهيمية تربط بينه وبين غيره من المفاهيم لتؤسس له ولها بناء من العلاقات يدور في إطارها، ولا يقف ذلك عند المفردات المترادفة بل يسري كذلك على المفردات المقاربة، ومن خلالها يدرك المرء أن لمفهوم الاستبداد حركة مفاهيمية تدرج فيها بمعونة غيره حتى أوصله إلى حالة من النضوج والاكتمال، وبناء على ذلك تعرض لنا في سياق هذه المنظومة الحاضنة جملة من المفاهيم، منها: (الظلم، الاستعباد، التسلط، التحكم، الطغيان والطاغوت، الفساد)، وهي مفاهيم كان بعضها مضمناً في خطاب الوحي، في إطار النهي والتحذير والتجنب، كما فهمها كثير من العلماء في سياقاتها العامة سواء التعبدية منها أو العادية أو الاجتماعية، أو فيما نحن بصدده كذلك وهو البعد السياسي.
ولذلك كان للسياق القرآني مجاله في تحليل إشكالية الاستبداد ليس في دائرة لفظه بل في إطار معناه والمنظومة الحاضنة له، وهذا تجلى في الظاهرة الفرعونية التي تعد أعلى أنواع الاستبداد الذي أوصل صاحبه إلى حالة منازعة الخالق فعله في التصرف في الخلق وتدبير شؤونهم، ففرعون لم يكتف بالتحكم في الرعية والتسلط عليهم بل تجاوز ذلك إلى قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي﴾[القصص: آية 38]، فمن استخفافه بالقوم أن يطلق هذه الكلمة مدعياً انفراده ليس فقط في الحكم بل كذلك في العبادة كما تدل عليه كلمه الإله، وتلقى الملأ كذبه بالتسليم والإذعان، ﴿فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾[الزخرف: آية 54].
وكذلك في قوله: ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾[غافر: آية 29]، فتعريف الرشادة والرشد في الظاهرة الفرعونية مرجعه ما يراه المستبد لا ما تقرره حقائق الواقع ومعطيات العقل، وواضح أن فرعون استغل رؤيته الدينية في التأثير على عقائد الناس وقناعاتهم، ولذلك يكون أخطر حالات الاستبداد هي تلك الحالة المؤسسة على رؤية دينية، والاستبداد في التاريخ الإنساني اقترن بحكام يدعون أنهم آلهة أو أنصاف آلهة أو متحدثون باسم الإله أو يملكون حق الإله أو معينون من قبل الإله على الشاكلة الفرعونية كما تبين آنفاً[7].
إن مجال البحث في مفهوم الاستبداد لم يقتصر على الدائرة الإسلامية، بل كان له مساره أيضاً في الفكر الغربي؛ فعلى وَفق المألوف في هذا الفكر أنه يتلمس أطره المرجعية في الفلسفة اليونانية ويحاول جعلها متجاوزة لمراحل زمنية متطاولة، كشأن كثير من المفاهيم في هذا السياق ويحاول تجذيرها في البيئة الأوربية، كما هو الحال في مفاهيم الديمقراطية والفلسفة والسياسة .. في غيرها، ومنها ما نحن بصدده وهو مفهوم الاستبداد، فإن هذا المفهوم شهد ترحيلاً تعسفياً فيما يبدو كما أشار بعض الباحثين، ذلك أن الاستبداد من حيث اشتقاقه جاء من الكلمة اليونانية (Despotes) وهي تعني رب الأسرة أو سيد المنزل، وهي وظيفة ذات معنى أخلاقي قيمي كما هو معلوم، أما ما يقارب الاستبداد في الفكر اليوناني فهو مفهوم الطغيان، حيث استخدم أرسطو هذا المفهوم ليدل به على الوجه الفاسد للحكم الملكي، فالطغيان سلوك مطلق لا موضوع له إلا المنفعة الشخصية للملك[8].
وبالنسبة لمفهوم الاستبداد فقد رُحِّل إلى عالم السياسة بشقه الغربي ليدل على أنماط الحكم الملكي المطلق، الذي تكون فيه سلطة الملك على رعاياه مماثلة لسلطة الأب على أبنائه؛ لكن المفهوم لم تراع فيه الدلالة الأصلية، بل دل على انفراد الحاكم أو مجموعته بالحكم أو السلطة المطلقة دون الخضوع لقانون أو قاعدة ودون النظر كذلك إلى مراد المحكومين ومصالحهم[9]، فأصاب المفهومَ بهذه الحيثية حرفٌ وتغيرٌ دلالي، وقد استخدم المفهومُ في القرن الثامن عشر في أوربا في القاموس الفرنسي وأضحى مصطلحاً مع مونتسكيو في كتابه روح القوانين الذي جعله مرادفاً للطغيان للتعبير عن تلك الصورة عن الحكم الفردي المطلق، ومنه انتقل إلى غيره من المفكرين في الفكر السياسي الأوربي[10].
إن المسار المفاهيمي الذي حرص عليه الباحث في هذه المقاربة المفاهيمية للاستبداد لا ينبغي أن يفهم في سياق بيان العلاقة بين الدال والمدلول فحسب، بل يتجاوزه إلى تأثيره طوعاً أو كرهاً في واقع الناس ومنظومات حياتهم بمختلف صورها ومظاهرها، ولم يتجاوز الحقيقة من قال: (إن المفاهيم تبنى على الأرض)[11]، فتؤسس لها من خلال أربابها نظاماً ومنظومة ونَظْماً وأتباعاً ومساراً، فتأتي في مسارها -لو استحكمت ولم يتصد لها المتصدون- على كل واقف، فيكونوا بين جذب وجرف، وهذا الذي ينطبق عليه تحديداً مفهوم السلطة عند تلبسه بقيد الاستبداد، الذي يأتي على قيمتها الضرورية بالإبطال.
وعند ذلك يدرك اللبيب أن الاستبداد لا يأتي بخير مطلقاً حتى وإن قيدوه بالعدل في صورة ما أسموه (المستبد العادل)، وما أسوأه من تركيب ذلكم الذي يجمع بين متناقضين لا يجتمعان مطلقاً حتى ولو اجتمع الضب والنون كما أشارت إليه العرب، ولقد كانت هذه المقولة مؤثرة في أجيال الأمة حتى أضحت متكئاً لبعض المستبدين من العرب يمررون ويسوغون بها استبدادهم واستعبادهم للخلق.
إن الاستبداد يتلازم بالضرورة مع الفساد، وعادة ما يتسلل الاستبداد في حكم الأمة باقتناعات صورة زائفة مضللة، وإن من أهم ما يسهل مهمة قوى الاستبداد لإضفاء المشروعية على ممارسات إرهاب الأمة، والاستبداد بقراراتها وشئونها، إضعاف وعي العامة وثقافتها، وإضعاف المؤسسات التربوية والسيطرة على المؤسسات الإعلامية والدستورية الحارسة الحامية؛ الأمر الذي يدخل المجتمع في حلقة مقفلة، ودوامة مهلكة من ضعف الوعي، إلى استبداد السلطات الطاغية، والمصالح الخاصة الفاسدة المفسدة؛ ليزيد الفساد من تمكين التسلط والطغيان والاستبداد من رقاب الأمة ومقدراتها، وفرض الوصاية في وعيها، وهكذا يتلازم الاستبداد والفساد[12].
الاختطاف المزدوج بين السلطة والدين:
يتبوأ مفهوم الولاية بمختلف تمظهراته اللفظية -سواء على سبيل الترادف أو ما يقاربه من حيث دلالاته- منزلة ومكانة عليا، بالنظر إلى الوظيفة التي ينطوي عليها وما يحدثه مساره الحركي في واقع الناس، وقد خاض العلماء سلفاً وخلفاً في بيان القيمة العليا للولاية؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها. فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم) فأوجب صلى الله عليه وسلم تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر، تنبيهاً بذلك على سائر أنواع الاجتماع. ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة. وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم. وإقامة الحدود لا تتم إلا بالقوة والإمارة”[13].
إلا أن حرف المفهوم ووظيفته عن المسار المقصود كان له مجاله الرحب في النماذج التاريخية وامتدادتها إلى واقع الناس اليوم، ولعل في استدعاء أحد مرادفات (الولاية) من حيث اللفظ إلى معترك تحريف الوجهة يعد مسوغاً من تلكم المسوغات التي لم يكن للفظ دخلٌ فيها أصلاً، وإنما هي -فيما يبدو لنا- محض تمحلات من قبل الخاطفين للولاية والحكم والإمارة.
ذلك أن ما يثير الانتباه أن الجذر اللغوي لمفهوم (السلطة) يعكس فعلاً الوضع السلطوي الممارس، بل ليس بالمستغرب أن يكون مفهوم السلطة يحيل في نفس الوقت إلى الرغبة في امتلاك السلطة والانقضاض عليها، كما أثبتته تجارب التاريخ ووقائع هذا الزمان، وما ذلك إلا لأن هذا اللفظ صار يعكس غاية مشتركة بين القاصدين له في الوصول إليها، والحفاظ عليها، والاستمتاع بممارستها، وقناعات تبريرية لمعنى الممارسة، مع فرض كل ذلك بالقهر والسيطرة[14].
وما كل ذلك إلا رغبة في إضفاء الشرعية على الفعل السياسي، على حساب الشرعية الحقيقية التي تعكسها الأمة بوصفها هي الأصل في إضفاء هذه الشرعية على الحاكم أو السلطان، ولأجل تحقيق ذلك كله لقاصدي السلطة والاستبداد بها كان لا بد من استغلال كل الوسائل الممكنة في تثبيت دعائم وأركان هذه السلطة؛ لتكون ظهيراً لها في تسويغ وتسويق وتمكين سياساتها.
وعند النظر في هذا المسار للسلطة وقيدها (الاستبداد) تلبساً أو تخلصاً، يمكن إدراك أهم المفاصل المكينة التي يمكن للسلطة استثمارها أو استغلالها في تحقيق مقاصد أربابها، ويقف في مقدمتها الدين، الذي له وظيفته في بناء إنسان الاستخلاف والرسالة وتصحيح مسالكه من أجل تحقيق مقاصد الحق من الخلق توحيداً وتزكية وعمراناً، فيأخذ في اعتباره حركة الإنسان بجميع مظاهرها وبمختلف صورها في الاجتماع الإنساني، ويضفي عليها صفات الإرادة والاختيار والحرية في التصرف بمقتضى الشرع، فتتحقق منظومة الصلاح والإصلاح التي قصدها الله من الخلق وفي الخلق، فيكون الإنسان بهذا المنهج رافضاً العبودية لغير الله مقاوماً الظلم والتعسف والتحكم والاستعباد في الخلق، بانياً للحياة العزيزة الكريمة، والناس سواسية كأسنان المشط لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى كما جاءت به السنة النبوية.
فإذا علمنا أثر هذا الدين الحق في البناء الإنساني حالة تفرده واجتماعه، تبدى لنا جلياً أن الاستبداد لا يمكنه أن يحقق مراميه إلا بالزحف عليه زحفاً غير مقدس، بحيث يحتكر -بوسائله وآلياته وأدواته في منظومة التدين- مساحته أو يقدم على تلوينها بألوانه من أجل تأميمه وتطويعه لسياساته، فإن عجز عن ذلك يعمد إلى تهميش فعالياته في واقع الحياة، ولا شك أن ذلك كله ما هو إلا كما يقول نذيرٌ من النذرِ تحريك للدوائر من سلطان الدين إلى دين السلطان[15]، فيكون الدين أخطر الوسائل عند المستبد يقيم به -عند اختطافه- بنيان استبداده، بحيث يستغله في سبيل الأدلجة والتدجين[16]، وعندها فقط ندرك مرجع وسبب تلكم اللوعة في دعاء الكواكبي: “اللهم إن المستبدين وشركاءهم قد جعلوا دينك غير الدين الذي أنزلت، فلا حول ولا قوة إلا بك!”[17].
ولئن كنا قد وضعنا عنواناً جانبياً حول الاختطاف المزدوج، فإن مقصود الباحث منه الإشارة إلى ذلكم الاختطاف الذي تمارسه السلطة المستبدة بنوعيها السياسي -وهو الغالب والأكثر على مدار التاريخ- والعلمي المعرفي، فتكون السلطة والدين هدفاً في حد ذاته ترمي إليه السلطتان، فاستبداد السلطة السياسية يبحث عن ظهير ديني يسوغ له سياساته ويمررها وهذا هو مقصودنا في هذا البحث، كما أن هناك استبداداً تبديه السلطة العلمية والمعرفية يكمن في البحث عن ظهير سياسي يدعمها بالقوة؛ من أجل نشر ما تعتقده من معتقدات وأفكار وفلسفات، ونجد له مثالاً في تاريخنا الإسلامي إبان فتنة خلق القرآن على يد المعتزلة الذين استطاعوا توظيف السلطة السياسية لنشر عقيدتهم ومنهجهم، كما أن الإشارة مقصود بها التنبيه على أن الاستبداد بنوعيه يسري كذلك في واقعنا وإن كان بأشكال مختلفة بمقتضى ما يثيره مفهوم الاستبداد بالسلطة من العموم اللفظي والمعنوي، فتجد هذا في حركات وأحزاب ونقابات ومؤسسات … في غيرها.
المبحث الأول: الاستبداد وبواعث اختطاف الدين:
كشف لنا الكواكبي في كتاب أم القرى الحالة النفسية التي يكون عليها المستبدون في تعاملهم مع الدين، ولولا أن هناك غايات ومرامٍ يقصدها المستبدون لما التفتوا إليه، فيقول: “ولولا أن في القرآن آيتين اثنتين لهجروه ظهرياً، أحدهما قوله تعالى: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ﴾[النساء: آية 59]“[18]، ويعكس هذا بطبيعة الحال مستوى التوظيف السياسي للدين لصالح سلطة الاستبداد التي تحاول التأسيس لنفسها من داخل النص الشرعي عبر إحداث تحريف في ثقافة الوعي بالنص، بحيث يتساوى “أولو الأمر” مع “ولي الأمر” دون أن يثير ذلك لبساً في الوعي الجمعي لاطراد الاعتقاد بانتماء المفهومَيْن إلى بنية نصية واحدة، ولعل هذا هو عين ما أشار إليه الكواكبي من أن استخدام مصطلح أولي الأمر يجري مع الغفلة عن المراد بأولي الأمر وما تقتضيه صيغة الجمع، وما يقتضيه قيد (منكم)، ومن هنا نعلم أن الكواكبي بهذه الإشارة أدرك خطورة السلطة الفردية التي تفضي صورها المختلفة إلى الاستبداد والتسلط وهو ما واجهه في كتاب الطبائع[19].
وهذه الإشارة الفراتية تضعنا بجلاء عند الباعث الرئيس الذي دفع باتجاه توظيف الدين ليكون ظهيراً للسلطة المستبدة؛ ذلك أن للدين قدرةً في إضفاء الشرعية على الحاكم بصورة لا يمكنه كسبها في غيره، ولهذا ترى أستاذ العمران ابن خلدون يؤكد على دور الدين في إضفاء القوة على الدولة زيادة على قوة العصبية؛ والسبب في هذا كما يرى وهو الحق أن الصبغة الدينية تذهب بالتنافس والتحاسد الذي في أهل العصبية، وتُفرد الوجهة إلى الحق، فإذا حصل لهم الاستبصار في أمرهم بالدين لم يقف لهم شيء لأن الوجهة واحدة، والمطلوب متساوٍ عندهم وهم مستميتون عليه، بينما غريمهم وعدوهم من أهل الدولة التي هم طالبوها وإن كانوا أضعافهم من حيث العدد والعدة، فأغراضهم متباينة بالباطل وتخاذلهم لتقية الموت حاصل فلا يقاومونهم فتقع الغلبة لأهل الدين الحق وقد ضرب لذلك أمثلة تاريخية جديرة بالنظر؛ لكونها دليلاً عملياً على الأثر العظيم الذي يحدثه الدين في البناء العمراني الاجتماعي، فساق منها مثالين عن الفتوحات الإسلامية في العراق والشام إبان الخلافة الراشدة، ومثالين عن دولة الموحدين[20].
ولكن الإشكال يكمن في منهجية التعامل مع الشريعة الخاتمة الممثلة للدين الحق، وهذا يجعلنا نستطرد قليلاً في بيان هذه المنهجية ومقتضيات فهمها وتفعيلها وتنزيلها في واقع الناس صحة وفساداً، ومن التأصيلات الموفقة ما ذكره الشاطبي في موافقاته من التمييز بين رجوع الافتقار ورجوع الاستظهار في الاستفادة من الأدلة الشرعية عند تعلق الأمر بحركة الفعل الحضاري بمختلف صوره ومظاهره.
والفعل السياسي له وجهة هو موليها عند تعلقه بالشرعية والمشروعية افتقاراً أو استظهاراً، فرجوع الافتقار في هذا الإطار يعني الاحتكام إلى الشرع كليات ومقاصد عقيدة وشريعة أصولاً وفروعاً، فيؤخذ الدليل مأخذ الافتقار واقتباس ما تضمنه من الحكم لتعرض عليه النازلة لتقع في الوجود على وفاق ما أعطى الدليل من الحكم[21]، وأما رجوع الاستظهار، فهو ليس من الشرعية في شيء بل هو مناقض لها، بل ويعد قرينة على مناكبة النظام للشرعية والاحتيال على تطبيق الشرع[22].
ولهذا من البديهي في ظل رجوع الاستظهار في البحث عن شرعية للنظام وهي تتأسس على سند وضعي يخضع في الأغلب الأعم للأهواء والمصالح الشخصية أن يكون للدين دور محدد ومحدود، فهو محدد بتوظيفه لخدمة أهداف السلطة السياسية وتبرير الشرعية استناداً على ما للدين من تأثير في تحريك الجماهير لتكون داعمة للنظم الاستبدادية، وهو محدود بحيث يُنحى الدين عن الحياة السياسية إلا وفق مفهوم السلطة لدوره، بحيث يكفل التمكين لها ولا يشكل خطراً على الاستقرار السياسي الذي تقصده وتهدف إليه[23].
المبحث الثاني: منظومة الاستبداد وقواه الفاعلة:
ليس مرادنا بمنظومة الاستبداد والقوى الفاعلة فيها إبراز وإظهار ما هو مخفي منها فاعلين ووسائل وأدوات وآليات، فإن أنصاف المتعلمين فضلاً عن أهل العلم والوعي على معرفة بها وبمساراتها وسياساتها، ولكن مقصودنا التنبيه والتذكير واستدعاء الوعي بخطورة هذه المنظومة ومدى تأثيرها في البنية المجتمعية، ومعلوم حين يتم تغييب الوعي عن مواطن الخلل والداء ومكامنه تشاع في بيئتها ومحيطها تلكم المسكنات والمخدرات العقلية التي تدعي سلامة الحال وصحته، وما هو إلا خداع الإلف والعادة الذي يغلب على الناس، ولا شك أن للتوجيه المعنوي الذي تستخدمه السلطة المستبدة دوره في صناعة أغشية وأغطية لا يتسنى معها الإبصار، فترسم صورة شوهاء ظاهرها فيه الرحمة وباطنها فيه العذاب، حتى يعود الخلق -إلا من رحم الله- غير قادرين على التمييز بين الحق والباطل فلا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً إلا ما أشربوا من هواهم.
ومن هنا فإن التنصيص على قوى الاستبداد السياسي والمنظومة العاملة فيه لا يكون إلا من باب التذكير والتنبيه من الغفلة، فليس عصياً أن يقال إن الاستبداد السياسي تمارسه حكومات ودول وأنظمة سياسية وأحزاب … إلخ، والقائمة تطول، ولكن لا ينبغي أن نتغافل عن كون هذه المنظومة ليست معزولة عن سياقها ومنظومتها العليا والكبرى، فإن منظومتها الكبرى ترسم لها الطريق حتى وإن كانت ترفض وتلفظ هذا الاستبداد في بيئتها ومحيطها، ولكن هو الاستكبار العالمي ومصالح القوى العظمى ودواعي صفقات القرون، وكلها دائرة في إطار محاربة الإسلام والقضاء على فاعليته الحضارية.
إن من المسوغات والدواعي المنهجية ونحن في سياق العلاقة بين الاستبداد السياسي وعلماء الشريعة ومؤسساتهم الدينية أن نقف عند اللمحات التاريخية التي تجلي لنا طبيعة هذه العلاقة من حيث مسارها، ولا شك فإن العلاقة الجدلية بين أرباب السلطة وعلماء الشريعة في بعدها التاريخي قد رسمت كثيراً من الخطوط البيانية صعوداً ونزولاً في مواقف قيدها التاريخ وأضحت مثالاً جلياً في مستويات تلك العلاقة على وفق ما تمليه منهجية الفرقان أو خلافها وهي منهجية الشيطان.
فالقراءة التاريخية تجلي لنا تلكم المواقف التي اتخذها الفقيه تجاه أرباب السلطة إقداماً أو إحجاماً، والفقيه والعالم يدرك جلياً الوصايا النبوية الضابطة لهذه العلاقة في إطار من المأمورات والمنهيات، لو أحسنت قراءتها، لكانت علاقة منضبطة شرعاً، ولا يغيبن عن الأذهان أن تلكم العلاقة دائرة في إطار منظومة نصية تأخذ بجوامع هذه العلاقة دون أن يكون فيها إختلال في ميزانها ومعيارها، فالنصوص الحاثة على السمع والطاعة وعدم منازعة الأمر والوفاء بالعهد والعقد والبيعة، هي ذاتها التي تقضي بالطاعة بالمعروف وتأمر وتوصي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأخذ على يد الظالم والانتصار للمظلوم.. في غيرها.
وعلى هذا الأساس فإن عزل النصوص بعضها عن بعض وعدم اعتبار سياقاتها النصية والموضوعية والتنزيلية (أسباب النزول والورود) يفضي بيقين إلى أفهام شوهاء وأحكام متعسفة تسيء إلى الدين أكثر مما تحسن؛ إذ تعطي -بتشويه الشريعة وتحريف معانيها- للاستبداد المسوغ للتجذر والتمدد، وهذا الذي فهمه العلماء الربانيون والفقهاء المحققون، والمثال توضيح للمقال وجلاء له، فهذا الجويني يلخص المقاصد الوظيفية التي تلزم الحاكم والسلطان في تعريفه له بقوله: “الإمامة رياسة تامة، وزعامة عامة، تتعلق بالخاصة والعامة في مهمات الدين والدنيا، متضمنها حفظ الحوزة ورعاية الرعية، وإقامة الدعوة بالحجة والسيف، وكف الخيف والحيف، والانتصاف للمظلومين من الظالمين، واستيفاء الحقوق من الممتنعين وإيفاؤها على المستحقين”[24]، إنه يقول بلغة العصر إن على الحاكم وظائف يلزمه القيام بها لحفظ الأمة بجميع مكوناتها، وهذه الوظائف تتمثل في: الوظائف العقيدية، والوظائف التوزيعية، والوظائف الجزائية[25].
إن التذبذب والتباين في مواقف العلاقة بين العالم والسلطان عبر تاريخها لا ينفي أن واقعها التاريخي احتفظ بإسلاميته الحاكمة لأطراف العلاقة جميعهم وإن كان فيها دخن ودخل، ولا ينفي أيضاً جدليتها وسجاليتها، ذلك أن العالم على مدار القرون السبعة الأولى تقريباً من التاريخ الهجري في الغالب لم يستكن للاستبداد قرب منه أو بعد، وهذا يسري بطبيعة الحال على اتجاهي العلماء في تحديد الموقف من التعامل مع السلطة، سواء أكان منهم المبيح للدخول على السلطان أو المانع منه[26].
هذا التقرير من قبل الباحث قصد به بيان المفارقة في صورة هذه العلاقة في بعدها التاريخي عن صورتها في الواقع المعاصر، بمعنى أن ذلكم التوظيف الذي مارسته السلطة المستبدة للمؤسسات العلمائية والإفتائية أو شخوص العلماء أنفسهم خارج الأطر المؤسسية وجعلها ظهيراً دينياً لسياسات الاستبداد لا مثيل له حجماً وقدراً في الحقب التاريخية السالفة فيما يظهر، وحتى تلكم التنظيرات التي وضعها بعض العلماء ممن لم ير غضاضة في مخالطة الحكام والسلطان، فإنها كانت في حقيقتها آخذة بجوامع القيود الشرعية الحافظة والرادعة من مداخلة الظلم أو تجويزه، قال الشوكاني: “وليس كلامنا فيمن كان هكذا -يقصد المقرين لجور الظلمة- إنما كلامنا فيمن قام بما وكل إليه من الأمر الديني، غير مشتغل بما هم فيه، إلا ما كان من أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أو تخفيف ظلم، أو تخويف من عاقبته، أو وعظ فاعله بما قد يندفع فيه بعض شره. وكيف يظن بحامل علم أو بذي دين أن يداخل الظلمة فيما هو ظلم، وقد تبرأ الله سبحانه إلى عباده من الظلم ..”[27].
فأين هذا التأصيل من تلكم النفثات الشيطانية التي لبست لبوس الشرع زوراً وبهتاناً تسوغ للمستبد فعله بلغات التبرير والتمرير، حتى وإن رُئي في الرائي أنه يزني ويشرب الخمر دون أن يكون لأحد الحق في الإنكار عليه، هذا لون وهذا لون، وما أحرانا أن نستدعي النفحات الجوزية التي تكفي في ظننا أن ترد باطل هؤلاء وتخرس ألسنتهم، قال ابن الجوزي: “ومن تلبيس إبليس على الفقهاء: مخالطتهم للأمراء والسلاطين ومداهنتهم وترك الإنكار عليهم مع القدرة على ذلك، وربما رخصوا لهم ما لا رخصة فيه لينالوا من دنياهم، فيقع بذلك الفساد لثلاثة أوجه: الأول: الأمير فيقول: لولا أني على صواب لأنكر عليَّ الفقيه، وكيف لا أكون مصيباً وهو يأكل من مالي. والثاني: العامي فإنه يقول: لا بأس بهذا الأمير ولا بماله ولا بأفعاله؛ فإن فلاناً الفقيه لا يبرح عنده. والثالث: الفقيه فإنه يفسد دينه بذلك. .. وفي الجملة فالدخول على السلاطين خطر عظيم؛ لأن النية قد تحسن في أول الدخول، ثم تتغير بإكرامهم وإنعامهم أو بالطمع فيهم، فلا يتماسك عن مداهنتهم وترك الإنكار عليهم”[28].
إن الخطر الأكبر المتولد غالباً عن مخالطة الفقيه للسلطان وتلبسه برجل السياسة عامة، يكمن في أن هذا التلبس وتلك المخالطة يجعلانه يتجرد عن مهمته الأساسية، كرجل علم مالك لقدرة النقد والتقويم والمراقبة، حيث تتراجع لديه هذه القدرة لتترك المجال لنشاط التبرير والتماس المعاذير والأسباب، كما إن في تطويع الفقيه لعلمه بما يناسب اختيارات وأغراض رجل السلطة، ما قد يجعل هذا الأخير يتوهم في سكوت العالم دليلاً على صواب فعله، وإلا لأنكر عليه، فضلاً عن كون هذا التطويع من شأنه أن يجعل الناس يحسبون اقتراب العالم من السلطان دليلاً عملياً على عدالة هذا الأخير ومبرراً كافياً لطاعته والإخلاص له، وفي هذا من الفساد الكبير ما لا يخفى، كما يرى ابن الجوزي[29].
إن هذا التوصيف في خطورة ما يؤول إليه أمر الفقيه حال قربه من سلطة الحكم المستبدة وما يفضي إليه نهج التمرير والتبرير قد وجد له مساحة كبيرة في واقعنا المعاصر، بقدر لم يكن في ظننا مثيل له في تاريخ هذه الأمة، ما يعني أن هناك خصوصية يتميز به هذا الواقع عن غيره فيما مضى وإن وجدت صوره ومظاهره كما دلت عليه وقائع التاريخ وحوادثه، وعليه فإن بحثنا ينساق لزاماً مع استدعاء النماذج المعاصرة في كيفية اختطاف السلطة المستبدة للمؤسسات العلمائية وشخوصها الدينية وجعلها ظهيراً دينياً لها فيما تنتهجه من سياسات وما تبثه من رؤى وأفكار
تصب في منظومة الفساد دعماً ونفعاً.
ويا حسرةً كم هي كثيرة الأمثلة المعاصرة على مظاهرة ومساندة المؤسسات العلمائية والإفتائية للسلطات المستبدة رغباً ورهباً، بحيث يعجز هذا البحث عن استيعابه وإيراده، وحسبنا في ذلك مثالٌ ينبه على خطورة الظاهرة واستشرائها في دول الإسلام ومجتمعاته، ويظهر لنا أن الحالة المصرية تعد أنموذجاً مثالياً خطيراً يمكن تسليط الضوء عليه في كيفية اختطاف الإسلام من خلال اختطاف المنسوبين إلى العلم الشرعي والمؤسسات الحاضنة لهم في مرحلة ما بعد الانقلاب على ثورة 25يناير.
المبحث الثالث: الحالة المصرية ونجاح الاستبداد: انقلاب وظهير ديني[30]:
ومن الضروري توصيف هذه الحالة في سياقها التاريخي إبان الانقلاب على ثورة يناير وما أثمرته من شرعية تحققت بموافقة الأمة والشرع، ومجريات الأمور كانت واضحة بجلاء أنها في سياق انقلاب عسكري حدث في الثالث من يوليو عام 2013م، أقدمت عليه المؤسسة العسكرية مدعومة بما قيل إنه ظهير شعبي واسع من حيث حجمه، وما هو في حقيقته إلا تهويل جرى إلباسه لباس الثورة بالتدليس والتضليل الإعلامي بجميع مستوياته، ولهذا من المهم التنبيه دائماً -وإن كان معلوماً في ذاته- أن عملية الانقلاب نفسها لم تكن وليدة إعلانها، بل كان مسبوقاً بامتداد زمني انعقدت فيه قصود ونيات ومكر وحركة على الأرض لقوى سياسية وعسكرية وأمنية وإعلامية لإسقاط التجربة السياسية البكر التي كانت الأمة فيها هي الأصل والقيادة فرعاً عنها.
في خضم هذا المشهد منذ بدايته كان الدين حاضراً بوجوه مختلفة، كان آخرها تصدر مشهد الانقلاب يوم الثالث من يوليو، فقد استعانت العملية الانقلابية منذ بدايتها بظهير ديني لمقاومة الرئيس المنتخب، قاصدة به معارضته معارضة مفتوحة، وتصدير خطاب تشكيكي تفكيكي تجاه سياساته وقراراته، بحيث كان هذا الظهير نائباً مناب القيادات العسكرية والأمنية في تبرير وتمرير الانقلاب، والمدافعة عنه وعن نظامه وخطواته باسم الدين، إلى القدر الذي ظهر فيه هذا الظهير انقلابياً أكثر من غيره ممن هو معني به من المؤسسة العسكرية والأمنية.
ولنكن أكثر قرباً من دائرة التشخيص والتخصيص، فإننا إذا تجنبنا الحديث عن الكنيسة المصرية ومواقفها السافرة في دعم الانقلاب، بل وإظهار خطاب بدت معالمه الطائفية بصورة فجة إبان إعداد دستور الانقلاب في ديسمبر 2013م، فإن الظهير الديني في دائرته الإسلامية -وهو مقصود بحثنا- قد تجلى في مواقف المؤسسة الإسلامية العريقة وهي الأزهر، ومؤسسة الإفتاء، والقيادات الأزهرية والصوفية، والقيادات السلفية المؤيدة للانقلاب.
وإذا كنا قد أشرنا آنفاً بأن الدعم الديني لممارسات الاستبداد ليس غريباً في حد ذاته؛ لكونه ثبت تاريخياً من حيث وجوده، فإن الخطورة تكمن في طريقة توظيف الإسلام في خطاب هذه المؤسسة والقيادات الدينية، ومن ظاهرهم في دعم الانقلاب من القيادات السلفية (النور، المداخلة)، حيث شهد هذا التوظيف استغلال مصادر وأساليب وأدوات شرعية في تبرير الانقلاب وتمريره والمدافعة عن ممارساته والهجوم على خصومه، وما اشتمل عليه هذا التوظيف من غايات ومنطلقات لهذه المؤسسات والقيادات.
ومن الجدير بالذكر في هذا السياق ونحن نبحث في إشكالية الظهير الديني للسلطة المستبدة في حالتها المصرية، أن ننبه إلى أن مسار التوظيف لهذا الظهير لم يكن يقف عند حدودها الداخلية، بل تجاوزها ليأخذ أبعاداً خارجية كذلك، فشهد هذا التوظيف استدعاءات لظُهُرٍ دينية أخرى لم تعهدها النماذج التاريخية فيما نحسب، ومن باب التدليل على ذلك في الحالة المصرية ذاتها، نرى أن هذه الحالة وظفت ظهيراً دينياً آخر ليكون سنداً لها في تمرير استبدادها.
والإشارة هنا بجلاء لظاهرة الحبيب الجفري التي وظفها السيسي بذكاء ليكون أحد أعمدة داعميه من الخارج، ولك أن تستفهم تعجباً واستغراباً: كيف أن هذا الظهير يوظف خطيباً بين يدي السيسي في إحدى المناسبات الداخلية للجيش والشرطة المصريين؟ لتدرك حجم الفتنة التي أحدثها هو وأمثاله في تبرير وتمرير الانقلاب على الشرعية، وحجم الاستظهار في توظيف النصوص الشرعية وتنزيلها في غير منازلها مما هو مقصود واضعها[31]، وتغافل هذا المستظهر بالشرع عن حوادث ووقائع انتهك فيها السيسي ونظامه وأذرعه العسكرية الحرمات ما بين قتل واعتقال وتهجير .. في غيرها.
ولكون الظهير الديني معنياً بقضية الخطاب -بقيده الإسلامي- من حيث أصله، فقد تضمن خطابه الداعم للانقلاب جملة من القضايا المحورية والرئيسة التي تمس في أصلها سؤالاً مركزياً وهو: (ما موقف الانقلاب وداعميه من علاقة الدولة المصرية بالإسلام؟).
لقد كانت أخطر قضية استغلها الانقلابيون هي المساس بالمرجعية الإسلامية وتشويهها وتحريفها والمتاجرة بها توسلاً بالهجوم على الإخوان ونقض خطابهم وتجربتهم السياسية، وهذا قد بدا واضحاً في طريقة الخطاب التي تعاطاها السيسي، وأساليبه التي تنفر منها الحواس كلها، ومثلها الخطاب الذي تبناه الظهير الديني للانقلاب ذاته؛ ذلك أن فكر السيسي وخطابه لا ينفصل عن خطاب ديني هلَّل للانقلاب وبرر ومرر له كل المؤامرات ليس في دائرة ما أقدمت عليه يده الآثمة بالإعدامات والمجازر، بل برر له كذلك الانقلاب على الدين نفسه، وما عبارة السيسي نفسه في مخاطبته للطيب عنا ببعيد “ولا إيه يا فضيلة الإمام؟”[32].
لقد شهدت السنوات التي أعقبت الانقلاب دورة من العلاقة الآثمة بين الانقلابيين وظهيرهم الديني من أجل أن يزينوا لهم باطلهم بفتاوى جعلت الانقلاب سنة لا بدعة فيها، وهداية لا ضلالة فيها، فصدرت فتاوى تقشعر منها جلود من كانت فيه بقايا من الفطرة الإنسانية، فضلاً عن أهل الإيمان والإسلام، يضمنها إباحة مطلقة للدماء المعصومة والنفوس المحرمة التي وقع عليها الظلم والطغيان والجبروت، بل ويصفها بأقبح الأوصاف والسمات حين استدعى لفظ (الخوارج)، وهنا الإشارة إلى المفتي السابق علي جمعة، فيقول للأيادي الآثمة: “اضرب في المليان”، “طوبى لمن قتلهم وقتلوه”، بل ويبشرهم بإنهم على الحق، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم يؤيدهم كما تواترت وتكاثرت بذلك المنامات!!
إن صنيع جمعة وأمثاله لم يكن في حقيقته إلا صورة شوهاء من أولئك الذين انتسبوا إلى العلم الشرعي زوراً وبهتاناً في تاريخ هذه الأمة، وقديماً آلمت هذه الظاهرة الخطيرة إماماً من أئمة المسلمين، فصدح بالتحذير منها قائلاً: “والعجب من بعض المتفقهة الفجرة، يذكرون هذه الأحاديث[33] لكثير من الظلمة ممن انغمس في الظلم، وعام فيه وسبح، وأخذ أموال الناس من غير حلها، وقتل النفس الحرام أكثر من ألف مرة بغير حق، واستحل أموال الناس ودماءهم وأعراضهم، ويُزيِّن له أنه عادل، ولولا أنت ولولا أنت؛ ليتوجه بذلك عنده، وينفق سوقه، فلا كثَّر الله في المسلمين من أمثالهم”[34].
ولم يقف الأمر عند هذا القدر، بل تجاوزه بمفاوز، فبرزت خطابات وحملات وفتاوى ومخططات كلها تستهدف احتكار الإسلام وتشويهه في ذات الوقت أمام العالم؛ بوصفه مصدراً للإرهاب، ولأجل ذلك أطلقت الأصوات النابحة التي تسيء إلى السنة النبوية وأئمة الإسلام والعلماء والفقه والتاريخ والتراث الإسلامي، بالتوازي مع حالة من التحصين والتمكين للكنيسة والمنطق الصهيوني وممثليهما.
إننا بحق أمام انقلاب كمنت في قلبه ثورة دينية أقدم عليها قائد انقلاب مصر مدعومة بظهير ديني، قوامها بالدين وباسم الدين يمزج بانقلاب على الدين يداري عملية للانقلاب في الدين لإنتاج إسلام ما بعد حداثي، فيكون همُّ هذه المنظومة الانقلابية إيجاد دين إسلامي جديد وإحداث متدينين جدد، فيُفرغ الإسلام من مضمونه، ويبتدعون حالة من التدين المغشوش؛ ليكون نموذجاً فارغاً من مضمونه لا يأخذ من الدين إلا اسمه، فتروج عليه كل الأباطيل، ولا يبعد أن يكون مساره ومآله إلى الانحراف الفكري والعَقَدي الموصل إلى الإلحاد كما هو مشاهد[35].
المبحث الرابع: نماذج ناجحة في مواجهة الاستبداد:
إن استحكام ظاهرة الاستبداد فكرياً وحركياً في البنى المجتمعية بمختلف تجلياتها، وبخاصة الإسلامية منها لم تعدم محاولات جادة في المراحل التاريخية وحتى يومنا هذا من مقاومة لهذه الظاهرة، وهذه المقاومة تجلت بشكل فردي في غالب صورها، إلا أنها لم تخل بطبيعة الحال -على قلتها- من مظاهر جماعية جسدتها هيئات مؤسسية وعلمائية وغيرها.
ولا شك أن التأكيد على النماذج المقاومة لظاهرة الاستبداد لا ينظر إليها في هذا السياق إلا لبيان الإمكانيات والقدرات التي تنطوي عليها الفطرة البشرية في درء ودفع ما يطرأ عليها من تشويهات وتحريفات، ولئن كانت النفس البشرية يسعها التلبس بالانحراف والاستبداد والفساد بمقتضى القوة الذي دل عليه خطاب الوحيين من أمثال قوله تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا . فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا . قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا . وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾[الشمس: آية 7-10]، فإنه لا ينبغي لهذا المقتضى أن يتجسد فعلاً في الواقع البشري.
وإنما يضمن ذلك تلكم الحالة الكفاحية التي يلزم أن يتصف بها الإنسان على مستوييه الفردي أو الجماعي، بحيث تكون وظيفتها استبدال الإصلاح والوعي بالاستبداد والفساد والجهل ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، أو على أقل تقدير تقليل آثارها، وإنما تؤخذ النفوس بالتدرج؛ لاستحكام الإلف وإن كان مخالفاً للفطرة في حد ذاته، وهنا تأتي أهمية حواضن التربية والتزكية والتعليم في إعادة تشكيل العقول وبنائها بعلوم الفطرة السوية بعيداً عن أسباب الخنوع والاستخذاء.
ونُبرز في هذا السياق جملة من الأمثلة والنماذج العلمائية التي أسهمت بشكل فاعل ومؤثر في مقاومة الاستبداد ومكافحته، وإن كان بعضها قد آل أمرها إلى خلاف ما كان مرجواً ومستهدفاً، أعني أن بعض أصحابها قد قضوا نحبهم في جهادهم وكفاحهم ضد الاستبداد والتسلط؛ ومقصودنا ببيان الأمثلة والنماذج بشكليها الفردي والجماعي بعث رسالة مضمونها أن الأمة فيها المُكنة والقدرة بما أوتيت من خير على مستوى فطرتها ومنهجها لمواجهة أي حالة من حالات الشذوذ والانحراف التي ترمي إلى إخراجها وأبنائها من دائرة الفعل الحضاري لتستحكم فيها نفسية العبيد وطبيعة القطيع.
وسنتطرق إلى أمثلة تعد نماذج نجاح في مواجهة الاستبداد، وهي ذات بعدين: فردي ومؤسسي، أما البعد الفردي فسنقف عند أمثلة ثلاث وهي الكواكبي وسيد قطب وعبدالعزيز البدري، ومن عجيب أمرهم أنهم جميعهم قضوا مغدورين في سبيل دينهم وعقيدتهم، وأما البعد المؤسسي فنقف عند مؤسسة الأزهر ودورها في مواجهة استبداد السلطة:
-عبدالرحمن الكواكبي: الكواكبي كما يراه بعض الباحثين هو أول من أسس قاعدة معرفية لدراسة الاستبداد والتعامل معه، وهذه القاعدة قائمة على أن الاستبداد في الواقع العربي والإسلامي يعد ظاهرة سياسية المظهر ولكنها دينية وفكرية ومعرفية في أسسها وأصولها، ولا يعني هذا أن بنية الاستبداد كانت متناغمة مع البيئة العربية والإسلامية وليدة لها وابنة ثقافتها ومنهجها، بل هي في جوهرها غرس خارجي وجد تربة فازدهر وتجذر[36].
وهذا التأصيل للاستبداد من الكواكبي لم يأت من فراغ، بل كان دافعاً له تلكم الدواعي والموجبات التي أيقظت فيه الإحساس والشعور بأهمية واجب من واجبات الوقت في حينها يلزم التصدي لتحقيقه في واقع الناس فكراً وحركة، لقد أيقن أن الأمة بحاجة إلى مراجعة لكثير من المظاهر المَرَضية التي أحدثها داء عضال مستحكم فيها، وهو الاستبداد السياسي، حتى أضحى طبائع كما وصفه في عنوان كتابه طبائع الاستبداد.
ومع إيقانه بخطورة هذا الداء إلا أنه أدرك أن للدين أثراً كبيراً في دفعه أو رفعه بشرط تفعيله في واقع الناس وأخذه على وفق مقصود الشارع منه، لا على وفق ما يقصده أرباب التدين المغشوش، ولهذا فإن الإسلام كما رآه الكواكبي وغيره من الأحرار شكَّل منذ انطلاقته محور اهتمام الأمم والدول والشعوب بفعل ما أحدثه وما يحدثه في العالم كله، وحيثما انتشر كان محوراً في التغيير في المفاهيم، وضبط القيم بما يحقق كرامة الإنسان ويرفع الظلم عنه، لقد كان الإسلام وما يزال منبت الحرية، وهو الذي كسر قيود الجهل والفساد، وبسط التحرر والحرية منذ نزول الوحي وبدء الرسالة مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم[37].
لكن هذا الدين العظيم بحسب الكواكبي قد أحاطت به ودارت حوله أفكار وآراء لم تلامس مقصوده ولا مقصود واضعه، مما دفعه إلى القول: “واأسفاه على هذا الدين الحر، الحكيم، السهل، السمح، الظاهر فيه آثار الرقي على غيره من سوابقه، الدين الذي رفع الإصر والأغلال، وأباد الميزة والاستبداد. الدين الذي ظلمه الجاهلون، فهجروا حكمة القرآن ودفنوها في قبور الهوان. الدين الذي فقد الأنصار الأبرار والحكماء الأخيار، فسطا عليه المستبدون والمترشحون للاستبداد ..”[38].
هذا الفكر الحر الذي أثمره الكواكبي في حياته القصيرة كان له أثره الكبير في المراحل الزمنية اللاحقة، وكشأن غيره من الأفذاذ تكون ثمرة فكرهم وجهادهم بعد أن قضوا، وكأنها سنة كونية تُرفع بها أقدار هؤلاء الذين عانوا واضطهدوا في حياتهم، ليكون موتهم فيصلاً لرفعتهم، وها هو كتاب الطبائع يصول ويجول بأفكاره، وتسلط عليه الأضواء شرحاً ودرساً ومباحثة ومدارسة ورسائل وكتباً ومؤتمرات علمية .. وهكذا كانت قصة نجاحه في مقاومة ومواجهة الاستبداد وإن قضى مسموماً رحمه الله.
-سيد قطب: سيد أمره عجيب، فكلما تقادم الزمان، كلما ازداد فكره رواجاً وشهرة حال مدحه وقدحه على حد سواء، ولقد صدق الخالدي حين وصفه بقوله: “وباستشهاده عاشت أفكاره”[39]، وما كان له ذلك إلا أن له قصة مع الطغيان والاستبداد عاشها بقلمه وجسده رحمه الله، لقد سطَّر ببنانه كلماتٍ توحي وهي تأخذ بمجامع أخواتها بحركة تسري في الأجساد، حتى كأنك ترى فيها ألمها وفرحها، يقول واصفاً كلماته الحية والحرة: “إنه ليست كل كلمة تبلغ إلى قلوب الآخرين فتحركها وتجمعها وتدفعها، إنها الكلمات التي تقطر دماء؛ لأنها تقتات قلب إنسان حي. كل كلمة عاشت، قد اقتاتت قلب إنسان .. إن أصحاب الأقلام يستطيعون أن يصنعوا شيئاً كثيراً، ولكن بشرط واحد: أن يموتوا هم لتعيش أفكارهم. أن يطعموا أفكارهم من لحومهم ودمائهم. أن يقولوا ما يعتقدون أنه حق ويقدموا دماءهم فداءً لكلمة الحق. إن أفكارنا وكلماتنا تظل جثثاً هامدة، حتى إذا متنا في سبيلها أو غذيناها بالدماء، انتفضت حية، وعاشت بين الأحياء ..”[40].
أما قصته مع الطغيان والاستبداد، فلا يسعنا في بحثنا سردها إلا بقدر ما ينبهنا إلى ما قصدناه من بيان المثال الناجح في المواجهة للمستبدين، وعليه يكفينا أن نسوق صورة من صور الكفاح بالقلم مرقومة في الظلال، جعلها سيد حاشية بيان للخطاب القرآني وهو يواجه المثال الفرعوني الذي يتكرر مع مرور الزمان، فيقول رحمه الله تعليقاً على قوله تعالى: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾[غافر: آية 26]: “هل هناك أطرف من أن يقول فرعون الضال الوثني، عن موسى رسول الله عليه السلام [إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ]، أليست هي بعينها كلمة كل طاغية مفسد عن كل داعية مصلح؟ أليست هي بعينها كلمة الباطل الكالح في وجه الحق الجميل؟ أليست هي بعينها كلمة الخداع الخبيث لإثارة الخواطر في وجه الإيمان الهادئ؟ إنه منطق واحد، يتكرر كلما التقى الحق والباطل، والإيمان والكفر. والصلاح والطغيان على توالي الزمان واختلاف المكان. والقصة قديمة مكررة تعرض بين الحين والحين”[41].
-عبدالعزيز البدري: حياة البدري القصيرة وآثاره يلخصها عنوان كتابه الذي رقمه تحت عنوان: (الإسلام بين العلماء والحكام)، ليقدم لنا من خلاله ما ينبغي أن تكون عليه علاقة العالم بالسلطان حالة عدله أو استبداده وطغيانه، وقد انعكس ما بثه البدري في كتابه على حياته تفعيلاً وتطبيقاً، حتى ناله من الأذى ما أفضى به إلى ربه شهيداً نحسبه كذلك والله حسيبه أسوة بأخويه الكواكبي وقطب وغيرهم.
ولعلنا نقتبس من كتابه ما يوقفنا على ما قصدناه من كونه مثالاً دالاً على مواقف العلماء في مواجهة الاستبداد، ومما قاله: “بعض المؤرخين من سلف هذه الأمة، ذكروا حوادث لمظالم اقترفها بعض الحكام وإساءات ارتكبوها أثناء تطبيقهم لأنظمة الإسلام، لذا قام العلماء بواجبهم الشرعي فأنكروا تلك المظالم وعملوا على إزالة تلك الإساءات، ووقفوا المواقف الجريئة أمام في هذا السبيل .. فإذا أحدث حاكم إساءة أو ارتكب مظلمة سواء أكانت عن سوء قصد أو عن حسن نية، فإن من واجب العلماء أن ينكروا عليهم ذلك وأن يحاسبوهم عليه، حفظاً على بيضة الإسلام، ورعاية لشؤون المسلمين ..”[42]، وهو معنى بليغ يلفت البدري أنظارنا إليه بعبارة سهلة ومعبرة أن سياسات الحكام تنعكس على الأمة حفظاً أو ضياعاً، ما يستدعي النفرة من العلماء دعماً أو أخذاً على أيديهم، وساق لبيانه أمثلة تاريخية من علماء الأمة في مواقفهم مع الحكام والسلاطين.
ولا يعجب القارئ في سوقنا لأمثلة كانت مصائر أصحابها تصفية وقتلاً؛ فإن القرآن قد ساق لنا أنموذجاً مقارباً كان مصيره كمصير هؤلاء الأخيار، إذ قال عن مؤمن يس: ﴿إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ . قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ . بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾[يس: آية 25-27]، فما ضره قتلهم؛ لأن الله بيَّن عظم منته عليه في مشهد الجنة، هذا المشهد الذي يتناغم مع صور مماثلة له في الخطاب القرآني والنبوي لا ينبغي أن نغفل عنها، ففي مشهد إيمان سحرة فرعون تجلت حقيقة الفوز ﴿فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾[طه: آية 72]، ومثلها في أخبار الأخيار في مشهد الاستشهاد والتضحية بالنفس: “فزت ورب الكعبة”[43].
-علماء الأزهر في مواجهة الاستبداد:
لا يعكس اتخاذ الأزهر ظهيراً دينياً من قبل السلطة المستبدة وصورته الشوهاء في الحالة المصرية المعاصرة تاريخه المجيد في الدفاع عن قضايا الأمة ومواجهة استبداد الحكام، وعليه حري بالباحث بما أنه وقف عند التوظيف السياسي للأزهر حتى رشحت عنها مواقف لا تعني سوى الزحف والتأميم لهذه المؤسسة على يد المستبد، أن يقف عند صور تعبر بحق عن مواقف نصرت الحق وأهله، ولا شك أن النظر التقويمي يوجب استدعاء صور مقابلة ومغايرة لما هو شاذ من قسيمها.
وبناء على ذلك، فإن للأزهر إسهاماً فاعلاً في مجالات متعددة، لا تقف عند مستوى البناء العلمي الشرعي وتخريج العلماء والدعاة، بل كذلك له إسهاماته في المجالات الاجتماعية والاقتصادية، ومنها ما نحن بصدده وهو البعد السياسي، وقد تجلت مواقف الأزاهرة في عدة أطر، منها:
-النصح للحاكم كما هو الشأن في موقف علماء الأزهر ضد مشروع تنصيب الملك فؤاد نفسه خليفة للمسلمين بعد إلغاء الخلافة على يد مصطفى كمال في تركيا عام 1924م، فقد وقع أربعون عالماً من علماء الأزهر على عريضة توضح للحاكم أن مصر لا تصلح -في حينها- داراً للخلافة؛ بسبب كونها محتلة، كما أن حكومتها تبيح المحرمات، فما كان من الحاكم إلا أن أصدر أوامره بالتحقيق في سرية مع الموقعين على هذه العريضة، مع إبراز عريضة مضادة من أجل الضغط بها على العلماء لأجل التوقيع عليها[44].
-رفض تدخل الحاكم في بعض شؤون الأزهر، ويأتي موقف شيخ الأزهر سليم البشري عام 1904م حينما اختار الشيخ أحمد المنصوري لأحد أروقة الأزهر، فاعترض على ذلك الخديوي عباس حلمي الثاني، وطلب من الإمام العدول عن هذا، ولكن شيخ الأزهر أبى الرجوع عن اختياره موجهاً كلامه إلى الحاكم قائلاً: “إن كان الأمر لكم في الأزهر دوني فاعزلوه، وإن كان الأمر لي دونكم، فهذا الذي اخترته ولن أحيد عنه”[45].
-الإسهام في بعض الرؤى السياسية والرد على الحاكم في اتخاذه مواقف لا تصب في المصلحة الوطنية، ومن المواقف المروية عن الشيخ محمد مصطفى المراغي وتعد من أشهر مواقفه السياسية، ما كان أثناء نشوب الحرب العالمية الثانية، فقد هاله وروعه ما أحدثته غارات دول المحور على مدن مصر من دمار وخراب وتقتيل وتشريد للأنفس البريئة، فخطب في مسجد الرفاعي خطبة بليغة أعلن موقف مصر منها، وأنها لا مصلحة لها فيها في الاشتراك في الحرب ولا ناقة لها فيها ولا جمل. ولقد أحدثت تلك الخطبة ضجة هائلة وقامت لها الحكومة المصرية وقعدت واهتزت لها الحكومة الإنجليزية بعنف. وطلبت إلى الحكومة المصرية بيان موقفها من هذه الفكرة، واتصل به رئيس الوزراء وخاطبه في لهجة تهديد، فثارت ثائرة الشيخ المراغي وقال له: مثلك يهدد شيخ الأزهر وشيخ الأزهر أقوى بمركزه ونفوذه بين المسلمين من رئيس الحكومة؟ ولو شئت لصعدت منبر الحسين وأثرت عليك الرأي العام، ولو فعلت لوجدت مكانك على الفور بين عامة الشعب[46].
-رفض بعض القرارات التي تمس أحكام الشريعة وتطبيقها، ويتجلى في هذا الإطار مواقف الشيخ عبدالحليم محمود في عدة مناسبات، نذكر منها ما تعلق بمشكلة قانون الأحوال الشخصية حين أرادت جيهان السادات تغيير بعض أحكام الشريعة المتعلقة بالأحوال الشخصية، فانبرى لها الشيخ مدافعاً عن الشريعة ووجه نداء إلى مجلس الشعب حول الطلاق والتعدد، آمراً له وناصحاً بألا ينساق إلى آراء تنحرف عن الإسلام، وأنه لا قيود على الطلاق إلا من ضمير المسلم، وكذلك التعدد، وبهذا رد رحمه الله على تلكم المحاولات التي تستهدف تغيير مسار الشريعة ومناراتها[47].
المبحث الخامس: مواجهة الاستبداد: الرؤى والوسائل:
أولاً: عقد الكواكبي في كتابه الطبائع مبحثاً أسماه “الاستبداد والتخلص منه”، وذكر فيه خمسة وعشرين مبحثاً موضوعياً متعلقاً بالحياة السياسية وضرورة مواجهة الاستبداد، وضمَّن هذه المباحث في آخرها ما أسماه “مبحث السعي في رفع الاستبداد”، وطرح بين يديه تساؤلاً في غاية الأهمية منطوقه: هل ينتظر ذلك من الحكومة ذاتها؟ أم نوال الحرية ورفع الاستبداد رفعاً لا يترك مجالاً لعودته، من وظيفة عقلاء الأمة وسراتها؟[48]
ولأجل الإجابة على هذا التساؤل وضع ثلاث قواعد لرفع الاستبداد:
-الأمة التي لا يشعر كلها أو أكثرها بآلام الاستبداد لا تستحق الحرية.
-الاستبداد لا يقاوم بالشدة إنما يقاوم باللين والتدرج.
-يجب قبل مقاومة الاستبداد، تهيئة ما يستبدل بالاستبداد.
وقدَّم بين يدي بيان هذه القواعد مقولة الفياري: “لا يفرحن المستبد بعظيم قوته ومزيد احتياطه، فكم جبار عنيد جُند له مظلوم صغير”، ثم قال: “وإني أقول كم من جبار قهار أخذه الله أخذ عزيز منتقم”[49].
لقد حذر الكواكبي بناء على قاعدته الأولى من أمة لا يشعر أكثرها بآلام الاستبداد، وأي أمة يتلبسها هذا الداء فلا تستحق الحرية[50]؛ معللاً ذلك أن الأمة إذا ضربت عليها الذلة والمسكنة، وتوالت على ذلك القرون والبطون، تصير سافلة الطباع، شبيهة بالبهائم بل أضل، فلا تعرف للاستقلال قيمة، أو للنظام مزية، ولا ترى لها في الحياة وظيفة غير التابعة للغالب عليها[51].
فيا لله ما أشد استشرافه لأحوالنا، وكأنه عاصر ما تعانيه الأمة اليوم، لقد ارتدت الأمة عن حريتها، مؤثرة الاستبداد والاستعباد، فلم يسعفها ذلكم النَفَس في رحاب الحرية والإرادة ولفظته دارءة له، وما ذلك إلا لأنها استمرأت الذلة والمسكنة، ولقد صدق المتنبي في قوله:
ومن يك ذا فم مر مريض يجد مراً به الماء الزلالا
ولأجل دفع هذا الداء ورفعه أكد الكواكبي على أهمية العلم به وضرورة الترقي في مراقي العلوم وإتقانها؛ بوصفها سبيلاً للنهوض بالأمة، وقد ختم بيانه على القاعدة الأولى بقوله: “أن الراغب في نهضة قومه، عليه أن يهيئ نفسه ويزن استعداده، ثم يعزم متوكلاً على الله في خلق النجاح”[52].
أما قاعدته الثانية، والتي مبناها أن الاستبداد لا يقاوم بالشدة، إنما يقاوم بالحكمة والتدريج، فوجهها وعلتها عنده أن الوسيلة الفعالة لقطع دابر الاستبداد هي ترقي الأمة في الإدراك والإحساس، وهذا لا يتأتى إلا بالتعليم والتحميس، فاقتناع الفكر العام وإذعانه إلى غير مألوفه، لا يتأتى إلا في زمن طويل، ولأن الاستبداد محفوف بأنواع القوات التي فيها قوة الإرهاب بالعظمة وقوة الجند، فلا يمكن -بحسب الكواكبي- مقاومته بالعنف؛ كي لا تكون فتنة تحصد الناس حصداً[53].
وأخيراً في قاعدته الثالثة التي مبناها يجب قبل مقاومة الاستبداد تهيئة ماذا يستبدل بالاستبداد، يؤكد الكواكبي على أهمية تحديد الغاية، وأنها شرط طبيعي للإقدام على كل عمل، كما أن معرفة الغاية لا تفيد شيئاً إذا جهل الطريق الموصل إليها، والمعرفة الإجمالية في هذا الباب لا تكفي مطلقاً، بل لا بد من تعيين المطلب والخطة تعييناً واضحاً موافقاً لرأي الكل أو الأكثرية ممن يتسمون بالقوة والعدد، وإلا فلا يتم الأمر، وهنا يثير الكواكبي قضية في غاية الأهمية، وهي كيفية كسب العوام ليكونوا في دائرة الدعم لا الهدم، وإلا عاد الأمر على صاحبه بالنقض والإبطال[54].
ثانياً: إن الذي أثاره الكواكبي من رؤى وأفكار وبيان حول منظومة الاستبداد وانعكاساتها في البنى المجتمعية فكراً وحركة، يدفعنا دفعاً ملجئاً لا انفكاك منه إلى ضرورة مواجهتها وقلعها من جذورها لو تأتى ذلك قوة وفعلاً، وإنما يتسنى هذا إذا اجتمعت طاقات الأمة وقدراتها وإمكاناتها، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، وعليه فإننا في هذا السياق لا نلج أبواباً ونوافذ نعجز عنها دخولاً فضلاً عن التعمق في أبنيتها، وإنما يسعنا التنبيه على أهمية تجميع هذه الطاقات، ويكفي المُكلفَ عذراً وحجة أن ينبه القادر على تأدية وظيفته.
ومن هنا فإن التأكيد على فكرة ثغور المرابطة تجعلنا جميعاً في دائرة الإمكان؛ فإن الميسور لا يسقط بالمعسور، وعلى هذا الأساس توزع مهام الأمة حالة وعيها بها، ولعل فكرة الائتمانية التي أصلها طه عبدالرحمن تقترب من هذا المعنى بشكل كبير، وهو ما يبثه الدين الحق في النفس البشرية من دواع تدفعها باتجاه التكاملية لا التنافرية، ذلك أن الشعور بحمل الأمانة التي حملها الإنسان يجعله يجمع طاقاته كلها لأجل تأديتها وتحمل مسؤوليتها، وعندها فقط ندرك ألا مجال في منظومتنا وبنيتنا لما يسمى بالعطالة أو البطالة الحضارية أو ما يسميه البعض بحزب الكنبة؛ فأداء الأمانة يستدعي أن يكون الإنسان حراً مختاراً[55]، وإدراك النفس لهذا أول قواصم الاستبداد، فإن تغيير الطباع والنفس مسلك من مسالك التشكيل العقلي وبنائه وصولاً إلى تغيير ما في الآفاق.
ثالثاً: وفي السياق ذاته أيضاً يمكن الإشارة إلى أحد المداخل المنهاجية الرئيسة في حفظ البنية المجتمعية ومنظومتها من الدواخل والخوارج، وهذا المدخل هو المدخل السفني الذي نحته الدكتور سيف الدين عبدالفتاح استنطاقاً من حديث السفينة، ولا شك أن اجتهاده في ضوء هذا الحديث ودلالاته -في دائرتي الحفظ والخرق- بما يضع المسلم في سياق الوعي المنهاجي والحركي كان بحد ذاته التفاتاً لواجب من واجبات الوقت التي تحملها علماء الأمة ووارثو الأمانة، وهنا نضع بعض ملامح هذه المنظومة السفنية تنبيهاً على غيرها ويسع القارئ الوقوف عليها في مظانها، وإنما مقصودنا بناء الوعي في مواجهة الاستبداد تأكيداً على أن الاستبداد ومنظومته يدوران في دائرة الخرق المفضي إلى الهلاك[56]:
حديث السفينة↓↓
⇓ ⇓
ثقافة السفينة ثقافة الخرق
ثقاة النجاة ثقافة الهلاك
ثقافة الحوار ثقافة التنازع
ثقافة التعايش ثقافة التضاد
ثقافة التعدد ثقافة الاستبداد
ثقافة العدل ثقافة الظلم
ثقافة المسؤولية ثقافة التفلت
ثقافة العدل الوسط ثقافة التطرف والغلو والطغيان والترف
ثقافة دفع الضرر ثقافة جلب الضرر
ثقافة المصالح المعتبرة ثقافة المصالح المتوهمة
ثقافة الحفظ أو الرعاية ثقافة الخراب والاستخراب
رابعاً: إن من مقومات حفظ الدين ومقتضياته في إطاره المقاصدي حفظ أوعيته التي من خلالها تنتشر الدعوة إلى هذا الدين وبها يتعرف الناس على أحكامه ويتعلمونها، وتنفذ مهمات الدين في تصحيح مسارات التدين وبث وترسيخ مفاهيمه في أمتي الإجابة والدعوة، ولا شك أن أبرز هذه الأوعية المؤسسات العلمائية، ولئن كنا تحدثنا عن اتخاذ السلطة المستبدة ظهيراً دينياً يمرر سياساتها، فإن من الواجبات المتحتمات حفظ هذه المؤسسات من غوائل السلطة وتدخلاتها في تسييرها وحرفها عن وظيفتها، فيفقدها دورها العلمي والفكري والرقابي.
ومقتضى الحفظ لهذه المؤسسات وأمثالها أن يراعى فيه جانب الوجود بأن تحاط هذه المؤسسات بما يضمن فاعليتها وتأدية دورها، وهذا يتأتى إذا استجمعت هذه المؤسسات الاستقلالية واستقامة الغاية ووضوح الدور، ويدخل في الحفظ قطعاً اتخاذ الأسباب المادية التي تبعد هذه المؤسسات عن السلطة السياسية، وإنما تغني هذه المؤسسات نفسها بضمان تمويلها، وهنا يتبادر إلى الذهن مباشرة الحديث عن الوقفية في التمويل، فإن اعتماد هذه المؤسسات على الدولة في التمويل يجعلها في دائرة التوظيف والإملاء، كما أن الحفظ يراعى فيه جانب العدم بدرء المفاسد ورفعها عن المؤسسات العلمائية من أي جهة كانت وخاصة الضرر الذي تلحقه السلطة السياسية بها جراء تدخلاتها.
خامساً: ومن أفراد هذا التنظير ضرورة النظر في سبل القضاء على متلازمة الاستبداد والفساد، وعند النظر إلى البنية المجتمعية ومكوناتها فلا شك أننا أمام لبنات تشكل بمجموعها سفينة الحياة، ومن هنا فإن حفظ هذه اللبنات وأبنيتها من دواخل الاستبداد يعد أولوية من الأولويات الذي يلزم بناء وعي الأمة بها وتوجيهها إليه ورعاية كوادرها في ضوئها، ومن أفراد ذلك العناية بالأسرة، وبالأدبيات الوالدية، لدورها المهم في تربية الوجدان عند الصغار.
ولا بد من استقلال دور التربية والتعليم والدعوة، وإقامة مؤسسة أو مؤسسات مستقلة خاصة بها، وإسناد أمرها إلى الأمة مباشرة، وتمكين دورها المستقل في بناء شخصية المسلم ووجدانه، وتنقية ثقافته، فذلك هو الطريق العملي الذي يبني بحق وعي المواطن ودوره في توجيه دور السلطات والرقابة عليها، وبالتالي يمكِّن دور الدين والقيم من خلال وعي أفراد الأمة، وتربيتها في توجيه السلطات والرقابة عليها، فلا تتمكن هذه السلطات بتضليل الأمة من ممارسات الاستبداد والفساد والإفساد؛ الأمر الذي يحمي نظام الأمة، ويحمي في ذات الوقت حقوق الأمة ومصالحها ومواردها من الضياع والتبديد، ويوجه هذه الموارد لتلبية حاجات الأمة، وتنمية مواردها وتفجير طاقاتها الإبداعية، ويجعل من الأمة المسلمة قبل ذلك وبعد ذلك وصياً على الحكام، وعلى برامجهم السياسية، وليس العكس[57].
خاتمة:
كان للبحث المنهجي في ظاهرة السلطة المستبدة وعلاقتها بظهيرها الديني وما ترتبت عليها من عمليات التوظيف والتبرير مسوغاتٌ ودواعٍ دفعت باتجاه الوقوف عند الظاهرة والتعرض لها ومحاولة الغور والتعمق في مساراتها ودوائر الفعل فيها ومدى تأثيرها في البنية المجتمعية بمختلف مكوناتها ومظاهرها، وبحكم ما ألزم الباحثَ من تسكين منهجي في دائرة المشروع البحثي الذي قُصد به مواجهة مشروع اختطاف الإسلام، فقد انساق مع الهيكل البحثي للمشروع متعرضاً في إطاره لبواعث التوظيف للظهير الديني في الاستبداد السياسي، ثم وقفة مع قوى الاستبداد وفواعله ووسائله وأهدافه، ثم التعرض إلى نماذج النجاح بمستوييه الاستبداد ومقاومة الاستبداد، وصولاً إلى وسائل مواجهة الاستبداد ومقومات الحصانة والحماية.
ولا غرابة أن يتبين الباحث خطورة هذه الظاهرة وتأثيرها في البنية المجتمعية وتجذرها فيها، ولكن كان مهماً التنبيه بضرورة الوعي بخطورة الظاهرة، والدفع باتجاه استثمار الطاقات والمُكنات والقدرات في سبيل تعرية الاستبداد وقواه ووسائله، واستنهاض الهمم في الأمة نخباً وعامة للحيلولة دون استدامة الاستبداد، ولا يتأتى هذا إلا على أيدي العدول الأخيار –وما أكثرهم بإذن الله- ممن أوتي أمانة وقوة وعلماً، وهذه الصفات لئن لم تكن مجتمعة في فئة، فإنها تراعى في سياق المجموع، وبهذا يتحقق التكامل والتكافل، وأخيراً لا بد من الإشارة المنهجية الهامة التي نبه عليها بعض المفكرين الأعلام من ضرورة تأسيس علم للاستبداد، وهي فكرة ينساق الباحث معها قبولاً لتكون إحدى وصايا البحث وأهمها.
المراجع
-إبراهيم البيومي غانم، ميراث الاستبداد، القاهرة، نيو بوك، ط1، 2018م.
-ابن تيمية، السياسة الشرعية، الرياض، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، 1419هـ.
-ابن خلدون، مقدمة ابن خلدون، دمشق، دار يعرب، ط1، 1425هـ/2004م.
-ابن منظور، لسان العرب، بيروت، دار صادر، بدون تاريخ.
-أبو إسحاق الشاطبي، الموافقات، الخبر، دار ابن عفان، ط1، 1417هـ/1997م.
-أبو الفرج ابن الجوزي، تلبيس إبليس، الرياض، دار الوطن، ط1، 1423هـ.
-أحمد محمد خلف، الأزهر والثورة المضادة .. تناقضات المنهج والمسلك، حولية أمتي في العالم، العدد 12، عامان من تحولات الثورة المصرية (يونيو 2012 – يونيو 2014)، المجموعة السادسة، القاهرة، مركز الحضارة للدراسات والبحوث، 2015م.
-إسراء عمران عبدالكافي، دور القيادة في الإصلاح السياسي: دراسة العلاقة بين الفكر والممارسة قيادة عمر بن عبدالعزيز نموذجاً، القاهرة، دار السلام، ط1، 1432هـ/2011م.
-أسعد السحمراني، الدين والإصلاح في فكر عبدالرحمن الكواكبي، بحث منشور في: زكي علي العوضي، (تحرير)، حركة الإصلاح في العصر الحديث: الكواكبي نموذجاً، عمان/الأردن، دار الرازي، ط1، 1425هـ/2004م.
-الإمام الجويني، غياث الأمم في التياث الظلم، جدة، دار المنهاج، ط1، 1432هـ/2011م.
-السيد الفراتي، أم القرى، القاهرة، المطبعة المصرية، 1350هـ/1931م.
-سيد قطب، دراسات إسلامية، القاهرة، دار الشروق، ط10، 1422هـ/2002م.
-سيد قطب، في ظلال القرآن، القاهرة، دار الشروق، ط32، 1423هـ/2003م.
-سيف الدين عبدالفتاح، الزحف غير المقدس تأميم الدولة للدين، بيروت، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، ط1، 2016م.
-سيف الدين عبدالفتاح، المنهجية وأدواتها من منظور إسلامي، بحث منشور في: مجموعة مؤلفين، المنهجية الإسلامية، القاهرة، دار السلام، ط1، 1431هـ/2010م.
-سيف الدين عبدالفتاح، النظرية السياسية من منظور حضاري إسلامي: منهجية التجديد السياسي وخبرة الواقع العربي المعاصر، عمان، المركز العلمي للدراسات السياسية، ط1، 2002م.
-صلاح عبدالفتاح الخالدي، سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد، دمشق، دار القلم، ط2، 1414هـ/1994م.
-طه عبدالرحمن، روح الدين من ضيق العلمانية إلى سعة الائتمانية، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط2، 2012م.
-عبدالحميد أبو سليمان، الإصلاح الإسلامي المعاصر: قراءات منهجية اجتماعية، القاهرة، دار السلام، ط3، 1432هـ/2011م.
-عبدالرحمن الكواكبي، طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، تحقيق وتقديم د.محمد عمارة، القاهرة، دار الشروق، ط2، 2009م.
-عبدالعزيز البدري، الإسلام بين العلماء والحكام، المدينة المنورة، المكتبة العلمية، 1966م.
-عبدالمجيد الصغير، الفكر الأصولي وإشكالية السلطة العلمية في الإسلام، لبنان، دار المنتخب العربي للدراسات والنشر، ط1، 1415هـ/1994م.
-عمراني كربوسة، التأصيل النظري للاستبدادية السياسية العربية بين سياسة الإقصاء للحركات الإسلامية ولحظة ميلاد الإرهاب، بحث منشور في مجلة المفكر، كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة محمد خيضر، بسكرة، الجزائر، 2011م.
-ماجدة علي صالح، الأزهر في قرن، بحث منشور في حولية أمتي في العالم، الكتاب الرابع (الأمة في قرن) أنماط الفواعل والتفاعلات في الداخل الإسلامي، القاهرة، مركز الحضارة للدراسات السياسية، ط4، 1425هـ/2004م.
-محمد العبدالكريم، تفكيك الاستبداد دراسة مقاصدية في فقه التحرر من التغلب، بيروت، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، ط1، 2013م.
-محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري، دمشق، دار ابن كثير، ط1، 1423هـ/2002م.
-محمد بن علي الشوكاني، رفع الأساطين في حكم الاتصال بالسلاطين، تعليق محمد بن صالح العثيمين، الرياض، مدار الوطن للنشر، ط1، 1430هـ.
-محمد جمال الطحان، ماهية الاستبداد مقاربات أولية لتحديد المصطلح، مجلة الاجتهاد، العدد 23، بيروت، لبنان، دار الاجتهاد للأبحاث والنشر، 1414هـ/1994م.
-محمد خفاجي ود.علي صبح، الأزهر في ألف عام، القاهرة، المكتبة الأزهرية للتراث، ط3، 1429هـ/2009م.
-محمد مرتضى الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس، الكويت، وزارة الإرشاد والأنباء الكويتية، ط2، 1415هـ/1995م.
-محمد هلال الخليفي، جذور الاستبداد في الحياة السياسية العربية المعاصرة: قراءة تاريخية في مفهوم الاستبداد وتفسيره وآليات تكريسه، ورقة بحثية قدمت إلى اللقاء الرابع عشر تحت عنوان: الاستبداد في نظم الحكم العربية المعاصرة.
-نصر محمد عارف، الأبعاد الدولية للاستبداد السياسي في النظم العربية: جدلية الداخلي والخارجي، ورقة بحثية مقدمة إلى اللقاء الرابع عشر حول: الاستبداد والتغلب في نظم الحكم العربية المعاصرة، 2004م.
-هاني المغلس، الطاعة السياسية في الفكر الإسلامي النص والاجتهاد والممارسة، هرندن/فرجينيا، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط1، 1435هـ/2014م.
-يوسف بن عبدالهادي الحنبلي، إيضاح طرق الاستقامة في بيان أحكام الولاية والإمامة، دمشق، دار النوادر، ط1، 1432هـ/2011م.
[1] د.إبراهيم البيومي غانم، ميراث الاستبداد، القاهرة، نيو بوك، ط1، 2018م، ص7.
[2] المرجع السابق بتصرف، ص8.
[3] محمد مرتضى الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس، الكويت، وزارة الإرشاد والأنباء الكويتية، ط2، 1415هـ/1995م، ج7ص410، ابن منظور، لسان العرب، بيروت، دار صادر، بدون تاريخ، ج3ص81.
[4] عبدالرحمن الكواكبي، طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، تحقيق وتقديم د.محمد عمارة، القاهرة، دار الشروق، ط2، 2009م، ص23.
[5] د.محمد جمال الطحان، ماهية الاستبداد مقاربات أولية لتحديد المصطلح، مجلة الاجتهاد، العدد 23، بيروت، لبنان، دار الاجتهاد للأبحاث والنشر، 1414هـ/1994م، ص171.
[6] عبدالرحمن الكواكبي، طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، مرجع سابق، ص21.
[7] د.نصر محمد عارف، الأبعاد الدولية للاستبداد السياسي في النظم العربية: جدلية الداخلي والخارجي، ورقة بحثية مقدمة إلى اللقاء الرابع عشر حول: الاستبداد والتغلب في نظم الحكم العربية المعاصرة، 2004م، ص1-2.
[8] محمد هلال الخليفي، جذور الاستبداد في الحياة السياسية العربية المعاصرة: قراءة تاريخية في مفهوم الاستبداد وتفسيره وآليات تكريسه، ورقة بحثية قدمت إلى اللقاء الرابع عشر تحت عنوان: الاستبداد في نظم الحكم العربية المعاصرة، ص4.
[9] عمراني كربوسة، التأصيل النظري للاستبدادية السياسية العربية بين سياسة الإقصاء للحركات الإسلامية ولحظة ميلاد الإرهاب، بحث منشور في مجلة المفكر، كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة محمد خيضر، بسكرة، الجزائر، 2011م، ص190.
[10] المرجع السابق، ص191.
[11] د.سيف الدين عبدالفتاح، الزحف غير المقدس تأميم الدولة للدين، بيروت، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، ط1، 2016م، ص15.
[12] د.عبدالحميد أبو سليمان، الإصلاح الإسلامي المعاصر: قراءات منهجية اجتماعية، القاهرة، دار السلام، ط3، 1432هـ/2011م، ص96.
[13] ابن تيمية، السياسة الشرعية، الرياض، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، 1419هـ، ص129.
[14] د.عبدالمجيد الصغير، الفكر الأصولي وإشكالية السلطة العلمية في الإسلام، لبنان، دار المنتخب العربي للدراسات والنشر، ط1، 1415هـ/1994م، ص86.
[15] د.سيف الدين عبدالفتاح، الزحف غير المقدس، مرجع سابق، ص21-24.
[16] د.محمد العبدالكريم، تفكيك الاستبداد دراسة مقاصدية في فقه التحرر من التغلب، بيروت، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، ط1، 2013م، ص28.
[17] عبدالرحمن الكواكبي، طبائع الاستبداد، مرجع سابق، ص36.
[18] السيد الفراتي، أم القرى، القاهرة، المطبعة المصرية، 1350هـ/1931م، ص32.
[19] هاني المغلس، الطاعة السياسية في الفكر الإسلامي النص والاجتهاد والممارسة، هرندن/فرجينيا، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط1، 1435هـ/2014م، ص414.
[20] ابن خلدون، مقدمة ابن خلدون، دمشق، دار يعرب، ط1، 1425هـ/2004م، ج1ص314.
[21] أبو إسحاق الشاطبي، الموافقات، الخبر، دار ابن عفان، ط1، 1417هـ/1997م، ج3ص290.
[22] د.سيف الدين عبدالفتاح، النظرية السياسية من منظور حضاري إسلامي: منهجية التجديد السياسي وخبرة الواقع العربي المعاصر، عمان، المركز العلمي للدراسات السياسية، ط1، 2002م، ص335.
[23] المرجع السابق، ص350.
[24] الإمام الجويني، غياث الأمم في التياث الظلم، جدة، دار المنهاج، ط1، 1432هـ/2011م، ص217.
[25] إسراء عمران عبدالكافي، دور القيادة في الإصلاح السياسي: دراسة العلاقة بين الفكر والممارسة قيادة عمر بن عبدالعزيز نموذجاً، القاهرة، دار السلام، ط1، 1432هـ/2011م، ص85.
[26] عمرو بسيوني، العالم والسلطان 6، مدونات الجزيرة، تاريخ النشر: 5/8/2017م.
[27] محمد بن علي الشوكاني، رفع الأساطين في حكم الاتصال بالسلاطين، تعليق محمد بن صالح العثيمين، الرياض، مدار الوطن للنشر، ط1، 1430هـ، ص10.
[28] أبو الفرج ابن الجوزي، تلبيس إبليس، الرياض، دار الوطن، ط1، 1423هـ، ج2ص709.
[29] د.عبدالمجيد الصغير، الفكر الأصولي وإشكالية السلطة العلمية في الإسلام، مرجع سابق، ص248-249.
[30] الحديث عن الحالة المصرية ونجاح الاستبداد بظهيره الديني مستند مرجعياً إلى:
-مسودة بحث لأحد الباحثين، عنوانها: “الانقلاب والإسلام والدولة: كيف تعامل الانقلاب ومؤيدوه من القيادات الدينية مع قضية (الدولة المصرية والإسلام)”.
-مقال عنوانه: الظهير الديني للثورة المضادة .. فأين سلطان العلماء؟! للدكتور سيف الدين عبدالفتاح، منشور في موقع العربي 21، تاريخ النشر: 27 يونيو 2017م.
[31] انظر: مداخلة الجفري خلال الندوة التثقيفية الرابعة والعشرين للقوات المسلحة: قناة ON Live https://goo.gl/gY1mGi.
[32] لئن كانت هناك رزيئة أصابت الأمة اليوم، فإنها أتت من الأزهر، تلكم المؤسسة التي كانت موطن فخر للمسلمين ليس بمصر فحسب، بل في العالم الإسلامي كله، ولقد صدق من قال: “إن أخطر ما فعله الأزهر بعد الانقلاب، هو مروره بممحاة على كل ما كان يعلن من التزامات ومبادئ دينية وإنسانية، فلم يعد منحازاً للجماهير، ولا للمظلومين، ولا صوتاً للحق يصدع به في وجه الحكام”، انظر: أحمد محمد خلف، الأزهر والثورة المضادة .. تناقضات المنهج والمسلك، حولية أمتي في العالم، العدد 12، عامان من تحولات الثورة المصرية (يونيو 2012 – يونيو 2014)، المجموعة السادسة، القاهرة، مركز الحضارة للدراسات والبحوث، 2015م، ص17.
[33] المقصود بها أحاديث فضل السلطان وطاعته.
[34] يوسف بن عبدالهادي الحنبلي، إيضاح طرق الاستقامة في بيان أحكام الولاية والإمامة، دمشق، دار النوادر، ط1، 1432هـ/2011م، ص123.
[35] د.سيف الدين عبدالفتاح، الظهير الديني للثورة المضادة .. فأين سلطان العلماء؟!، مرجع سابق. معتز زاهر، صناعة الكراهية وتشويه الظاهرة الإسلامية، بحث منشور في مركز رؤيا للبحوث والدراسات، تاريخ النشر: 1 أكتوبر 2018م.
[36] د.نصر محمد عارف، الأبعاد الدولية للاستبداد السياسي في النظم العربية، مرجع سابق، ص2.
[37] د.أسعد السحمراني، الدين والإصلاح في فكر عبدالرحمن الكواكبي، بحث منشور في: زكي علي العوضي، (تحرير)، حركة الإصلاح في العصر الحديث: الكواكبي نموذجاً، عمان/الأردن، دار الرازي، ط1، 1425هـ/2004م، ص90.
[38] عبدالرحمن الكواكبي، طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، مرجع سابق، ص38.
[39] د.صلاح عبدالفتاح الخالدي، سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد، دمشق، دار القلم، ط2، 1414هـ/1994م، ص482.
[40] سيد قطب، دراسات إسلامية، القاهرة، دار الشروق، ط10، 1422هـ/2002م، ص138-139.
[41] سيد قطب، في ظلال القرآن، القاهرة، دار الشروق، ط32، 1423هـ/2003م، ج5ص3078.
[42] عبدالعزيز البدري، الإسلام بين العلماء والحكام، المدينة المنورة، المكتبة العلمية، 1966م، ص16.
[43] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب من ينكب في سبيل الله، ح: 2801، دمشق، دار ابن كثير، ط1، 1423هـ/2002م، ص693.
[44] ماجدة علي صالح، الأزهر في قرن، بحث منشور في حولية أمتي في العالم، الكتاب الرابع (الأمة في قرن) أنماط الفواعل والتفاعلات في الداخل الإسلامي، القاهرة، مركز الحضارة للدراسات السياسية، ط4، 1425هـ/2004م، ص274.
[45] المرجع السابق، الصفحة ذاتها.
[46] د.محمد خفاجي ود.علي صبح، الأزهر في ألف عام، القاهرة، المكتبة الأزهرية للتراث، ط3، 1429هـ/2009م، ج5ص238.
[47] المرجع السابق، ج3ص31.
[48] عبدالرحمن الكواكبي، طبائع الاستبداد، مرجع سابق، ص133.
[49] المرجع السابق، ص134.
[50] هذا التقرير من الكواكبي يتصف بالشدة كما أنه ليس على إطلاقه، فكم من أمة أصابها هذا الداء وانتهض فيها من أبنائها من يحاول تشخيصه وعلاجه، والكواكبي ذاته مثال على ذلك.
[51] المرجع السابق، الصفحة ذاتها.
[52] المرجع السابق، ص136.
[53] المرجع السابق، ص137.
[54] المرجع السابق، ص139.
[55] انظر: د.طه عبدالرحمن، روح الدين من ضيق العلمانية إلى سعة الائتمانية، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط2، 2012م، ص450.
[56] د.سيف الدين عبدالفتاح، المنهجية وأدواتها من منظور إسلامي، بحث منشور في: مجموعة مؤلفين، المنهجية الإسلامية، القاهرة، دار السلام، ط1، 1431هـ/2010م ج2ص738.
[57] د.عبدالحميد أبو سليمان، الإصلاح الإسلامي المعاصر، مرجع سابق، ص97.