تقدير موقف

الاحتجاجات الشعبية في بغدادَ والجنوب، وأثرها في تحديد مستقبل العراق السياسي

 

جاءتْ شرارةُ الاحتجاجات الجارية-من البصرة-حلقةً لاهبةً في سلسلة احتجاجات، لمْ تبلغْ ما بلغتهُ هذه الأخيرةُ، لعواملَ عديدةٍ، أبرزِهَا:

–      انشغال العراق لأربعةِ أعوامٍ بمقارعةِ “تنظيم الدولة الإسلاميةِ في العراق والشام “(داعش)، ومعارك تحرير المناطق التي كانت خاضعةً له.

–      الآمالُ التي عُلِّقَت على حكومة العبادي، التي نجحت في تلكم المعارك، وحفظت البلادَ من الانزلاقِ عقبَ حروب التحرير، من حربٍ انتقاميَّةٍ طائفيَّةٍ، لزيادةِ الفاعلين من القوى، التي شاركت في تحرير العراق من الإرهاب، ومن تلك القوى التي قارعت الإرهاب، تشكيلات الحشد الشعبيّ، الذي أسهم بشكل فاعل في التحرير.

–      باتَتْ تلكم القوات مؤتَمِرةً -خلال المعارك- بالقيادة العامة للقوات المسلحةِ ممثَّلةً بالعباديّ.

–      سُجِّل للعباديّ نجاحُهُ- بفصلِ القوى المسلَّحةِ عن القوى السياسيَّةِ، بإصراره-مدعوماً برغباتٍ دوليَّة، وبمباركةِ مرجعيَّةِ النجف الشرف- على خيارين:

الأوَّل: انضمام أفراد الحشد الشعبي والعشائري، للقيادة العسكرية.

ثانياً: تحوُّل الفصائل المقاتلة -الراغبة في ممارسة العمل السياسي- عن سلاحها إلى تجمُّعاتٍ سياسيَّةٍ، بوصفه شرطاً لدخولها الميدان السياسيِّ، وأبرزها انتخابات 12 مايو 2108.

تحوُّل أداء حكومة العبادي: من النصر العسكريّ إلى الفشل الإداريّ والخدَميّ:

عَقِبَ التحرير، تلكَّأَتْ الحكومة في معالجةِ ملفاتٍ، أبرزها:

  1.   ملف إعادة إعمار المناطق المحرَّرة؛ الذي أثقلَ كاهِلَ المواطن، الذي عانى التهجير جرَّاء عمليات “داعش”؛ وعانى “التدمير” جرَّاءَ التصدِّي لداعش بالعمليات العسكريَّة، التي استهدفتْ عناصرَه؛ فلمْ تزلْ فاعليَّةُ حكومةِ العبادي قاصرةً في أدائها ومجزاتها، إزاء المحافظات المدمَّرة عقبَ عمليات التحرير؛ بل لمْ تُرصَدْ لها مخصَّصاتٌ ماليَّةٌ؛ إلاَّ لترميم ما لا يزيد عن بضعةٍ في المئة، ممَّا تحتاجُه عمليات إعادة الإعمار؛ وقدْ عمَّ الدمارُ فوصلَ في بعض المدن الرئيسة، ما يقرب من 85% وفق إحصائيَّات كثيرةٍ معتبرةٍ.
  2.   فشل التعامل مع ملف مكافحة الفساد، ومحاسبة الفاسدين، الذي عَدَّته حكومة العبادي معركةً وطنيَّةً، لا تقلُّ ضراوتُهَا عن مقارعة الإرهاب؛ لكنَّهُ عانَى الإهمالَ والتسويفَ.
  3.   معالجة الأزمة الاقتصادية، التي يعاني وطأتَها الشعبُ بأكملهِ، وخيَّبَتْ موازنة 2018 آمالَهُ ، في إنعاش الوضعِ العامَّ المتردِّي، وأغلِقَ بابُ التوظيف، ولمُ تشرَعْ بمكافحة البطالة.
  4.   ملف المانحين لإعادة إعمار المناطق المحرَّرة المدمَّرة، وتحوُّله من المنح والتبرعات، إلى استثمارات ربحيَّة؛ ومع تحوُّلِها الصادمِ هذا، إلاَّ أنَّ الحكومة الاتحاديَّة، لمْ تتمكَّنْ من توفيرِ أيسر شروط الاستثمار والإعمار لتوفير الأمن، وبعض الشروط التي تسبق التعاقد على ما يخصَّصُ للشركات المعنية من أعمال؛ فضلاً عن تدنِّي المبالغ المخصصة لهذه المهمة، عن مستوى الطموح، وتحوَّلتْ المنحُ المتوقّع تقديمها إلى تعهُّداتٍ، غير ملزمةٍ ولا شكَّ؛ وقد “بلغَ حجمُ التعهدات المالية التي أعلنتها الدول والمنظمات الدولية والإقليمية المشاركة في مؤتمر الكويت لإعادة إعمار العراق، نحو 30 مليار دولار، وهو مبلغ لم يتجاوز نصف حاجة العراق التي قدَّرَها مسؤولون حكوميون بأكثرَ من 88 مليار دولار لإعادة إعمار المدن”[1] المدمَّرة.
  5.   توقُّف المشاريع الإنمائية، التي كانت توفِّرُ فرصَ عملٍ، وعُلِّقَ عليها آمالٌ لتحسين الوضع الاقتصادي والمعاشيّ.
  6.    تردِّي الخدمات الأساس ومشاريعها، كالماء والكهرباء؛ فقد صرفتْ الحكومات المتعاقبة على قطّاع الكهرباء ما يقربُ من أربعين مليار دولار، بدَّدَها الفسادُ، وقلَّةُ خبرةِ إدارة ملفاتها؛ أمام شركاتٍ منها وهميَّةٌ، ومطامع شخصيَّةٍ، لم يرافِقْهَا إنجاز يُذكرُ؛ في ظلِّ وزراءَ حاولوا قيادة حملات إصلاحيَّةٍ، تبدَّدَتْ آثارُهَا.
  7.    نزوع الحكومة نحو الخصخصةِ، في ظل: ضعفِ إمكانيات تحقيق اكتفاءٍ بها، وعدم وجود توازن بين متطلَّبات الخصخصة، وبين الوضع المعاشي للأسر العراقية، لا سيَّما التي لديها عاطلون، وبلا دخل.
  8.   وثمَّةَ قضايا أخرى، سُجِّلتْ فيها معاناةُ الشعب: كتردِّي الوضع الصحّي، وهشاشة الوضع الأمنيّ، وتهرُّؤ المجال التعليميّ، وسواها.

ومع تدنِّي واردات العراق من الصادرات النفطية، لهبوط أسعارها؛ إلاَّ أنَّ الحكومة لم تغيِّرْ ساكناً إزاءَ تلكم الملفات؛ حتَّى في ظلِّ تحقُّقِ ارتفاع كبير لأسعار النفط- بلغَ ما يقرب من سبعين دولاراً، هذا العام 2018-بعد أن بلغَ بضعةً وأربعين دولارً العام 2014، ثمَّ ما يقربُ من ثلاثين دولاراً مطلع العام 2016؛ فارتفاع عائداته إلى ما يقرب من الضعف، لمْ يؤثِّر في إنجازِ حكومة العبادي، مع ما حقَّقَهُ ارتفاع عائدات النفط من وفرةٍ، تجاوزتْ ما تمَّ حسابُهُ في موازنة العام 2017، وموازنة العام 2018؛ أضف إلى ذلكَ انتهاء العمليات القتالية ضدَّ(داعش)، وتحوُّل دعم المجهود الحربيِّ، لتحقيق وفرةٍ أخرى؛ كانَ الأولى بها أن تذهبَ لدعم الإنجاز المدنيّ والاقتصاديّ؛ وقد زادَ ذلك القصورَ في الإنجاز “انشغالُ الحكومةِ بالعمليَّةِ الانتخابيَّةِ”، التي أُرجِئَتْ لأجلها معركةُ محاسبةِ الفاسدين-والتي تحوَّلتْ من إنجازٍ مأمولٍ، إلى دعايةٍ انتخابيَّةٍ معزوفٍ عنها-خشيةَ الانشغال بالصراعات السياسيةِ، وخسران أصوات ومقاعد، تعوِّلُ عليها؛ وما صُرِفَ عليها من أموالٍ؛ أحوجُ ما يكونُ الشعبُ إليها لسدِّ رمقه؛ ولهذا قوبلت العملية الانتخابيةُ بإحجام الأغلبية عن التصويتِ، الذي يعني فقدان-من أحجم عنها-الثقةَ في نتائجها، وفيما يعقبها من العملية السياسية؛ زيادةً على تفاقم تزويرِ الانتخابات، الذي ألحقَ منْ صوَّتَ فيها، مظنَّةَ إحداثِهَا التغيير، أو الإصلاح؛ فجعلت الجماهير في خندقٍ واحدٍ، عنوانه فقدان الأمل فيما سيكونُ، عمَّا هو كائن.

فشل العملية السياسية وأحزابها، وفساد السياسة:

مع ما قدْ قيلَ آتفاً؛ إلاَّ أنَّ الاحتجاجاتِ، جاءتْ نقمةً على ما شهده العراق، طيلةَ خمسَ عشرَةَ سنةً، لمْ تفلح خلالها الحكوماتُ المتعاقبةُ-في ظلِّ دعمٍ دوليٍّ، وتحالفٍ مع الأمريكانِ، وتصالُحٍ مع إيرانَ-من الحفاظ على مستوى الشعب المعاشي، تحت ظلِّ النظام السابقِ، الذي كانَ يرزحُ تحتَ حصارٍ دامَ، لما يقرب من ثلاثَ عشرةَ سنةً، تُطْبِقُ على خناقِهِ عشراتُ الدول وتحالفاتُها-وفقَ استطلاعات-من بينهم أغلبُ دول الجوارِ؛ فضلاً عن إخفاق حكومات ما بعد الاحتلالِ عن إحداثِ تنميةٍ، أو إنجازٍ يذكرُ، وفق بعضِ مراقبين.

ويُرجِعُ بعضُ المحلِّلين تلكم الإخفاقات، في إدارة الدولة ومؤسساتها، إلى أمورٍ، أبرزها:

أ‌.       تحوُّل الصفة الوطنيَّةِ، التي تطبعُ فاعليَّةِ الأطراف السياسيةِ، إلى ما يطابِقُ الصفةَ الطائفيَّةَ؛[2] فباتَ النفسُ الوطنيُّ كنايةً عن الطائفيَّةِ؛ لا يَسْلَمُ من ضُرِّهَا أحدٌ.

ب‌.تحوُّل علاقات الأحزاب السياسية، وتفاهماتِها السياسية، إلى أمورٍ تعني:

–      تجاوز الدستور، والابتعاد عن العملِ تحتَ خيمته.

–      اعتبار التفاهمات السياسيةَ بين الأحزاب السياسية، وتغليبِ مصالحها، بديلاً عن مقاصد الدستور، وما جاءَ في ديباجتِهِ بوصف العراق، وما جاء في الباب المتَّصل بالحقوق والحريات.[3]

أدَّى ذلك، إلى التحوُّل من أداء أدوار قيادية فاعلة، في إطار العملية السياسية، وتوزيع المهامَّ والمسؤوليات لإدارة الدولةِ ومؤسساتها؛ إلى “تقاسم”-في ظلِّ “التفاهمات”-ما يُجْنَى من الدولةِ وعوائد مؤسساتها؛ “وباتَ من”العرفِ السياسيِّ”-للعمليةِ السياسيَّةِ عقب الاحتلال-دلالةُ الوصفِ “بمصطلحِ الوطنيِّ” على تفعيل “عامل المحاصصة” بِصُوَرِهَا:القوميَّةِ، والمذهبيَّةِ، والحزبيَّةِ؛ وباتَتْ “التفاهماتُ السياسيةُ” دلالةً على “تقاسم المزايا والغنائم والأدوار والمناصب” بين الذين فقهوا أصولَ اللعبةِ السياسيَّةِ، وخَبَروا إدارتَهَا؛ ما أنشأَ حالاً من اليأسِ لدى شرائح شعبيةٍ كثيرةٍ، سوى التي تنتفع من المحاصصةِ، ومن التقاسم”[4].

وباتَتْ الاتفاقات السياسية، والتوافقات في الرؤية، والانتماءات الضيِّقة مصدرَ شرعيةِ تلكم النتماءاتِ، التي لا تتَّسعُ لشعبٍ بكاملِ مكوِّناته، ولا حتَّى بميولِه السياسيةَ، فضلاً عن صبغتِهِ الثقافيَّةِ الوطنيَّةِ؛ بفعلِ قصور الأداء الحكوميّ، والممتدِّ بأوَّلِ حكومةِ احتلالٍ مؤقَّتةٍ، وحتَّى حكومةَ العبادي، التي طالما وُضِعَتْ في موضع الأفضل أداءً-بما تلَّمَّسَهُ الأداء من الجمهورُ الغاضِب، الذي لمْ تسعفْهُ تلك الأفضلية، وأدركتها “المرجعيَّةُ” في النجفِ، والمحتْ إلى تثمين إنجازها، في المجالات الي نوَّهنا عنها في المقدِّمة.

ومن بينِ الإخفاقات التي عمَّت سائر الحكومات: التغاضي عن إنشاء “مجلس الخدمة الخاصِّ بالتوظيف” المخطط لإنشائه العام 2005؛[5] ليتولَّى مهمَّةَ إحصاء شواغر الوظائف، وملئها بمَنْ يستحقُّها، باعتبار: التأهيل، والخبرة المهنية، وليس تجييرها للأحزاب، والمنتمين إليها، أو لجماهيرها مقابلَ دعمهم وتأييدهم، وأصواتهم.

تشويه الثقافة السياسية:

أدركَتْ المرجعيَّةِ الدينية، ضرورة عدم توفيرها الغطاء والشرعيةَ، لجهةٍ دون أخرى؛ فأعلنت موقفها من الانتخابات؛ ورفعَتْ شعار”المجرَّبْ لا يُجرَّبْ”، رغبةً في التغيير، وسحب الثقة عن الأحزاب السياسية، التي خابتْ بها الآمالُ وفي أفعالها وسياساتها، ولا سيما الطائفيةَ منها؛ تلبيةً لمراعاةِ المرجعيةِ ظروف الشعب العراقيِّ كلِّهِ ومعاناتهِ-بكلِّ أطيافِهِ-ما يدفعُ نَحْوَ التغيير الحقيقيِّ، بالدفع بالأحزاب السياسية، التي ترجو دعمَ المرجعية، إلى التحلِّي بالسمة الوطنية، بعيداً عن التبعيَّةِ لأطرافٍ إقليميَّةٍ، مع وحدة الانتماءٍ المذهبيٍّ، وتَحْسِمُ مفاضلات الناخبِ بين مرشحي الانتخابات، قبل أن يُصدَمَ بإصرار الفاعلين السياسيين، على الاتمساك بخيوط العملية السياسية، بقوَّاتها، لا بقوَّةِ برامجها الانتخابية.

ولعلَّ العوامِلَ المساعِدَةَ على استشراءِ الفسادِ، الماليّ والإداريّ واستفحالِهِ، وتعطيلِ مكافحتِه؛ تركيزُ القوى الخارجية “المهيمنةِ” على العراقِ ومقدَّراته، ومنها المعنية “باحتلالِهِ” وإبقائه في فلكهما-عبَّرَ عنه”السيِّد مقتدى الصدر”في بيان رؤيته لملامح الحكومة القادمة، المراد تشكيلها-إذ الأهمُّ إبقاؤهُمَا على مصالحهما، من خلالِ دعمهم السافر للأحزابِ والشخصياتِ السياسية، التي تهيمن على السلطةِ، طيلةَ خمسةَ عشرَ عاماً مضتْ؛ بغضِّ النظر عن أدائها السياسيّ، وأخلاقيَّتِهِ؛ وحتَّى التزامهم بتنفيذ برامجهم الانتخابية؛ بل سعتْ بعضها إلى الفوضى، وانعدام الأمنِ، لامتلاك أغلبها مليشيات مسلَّحة، ليبقى الوضعُ العراقيُّ، بحاجةٍ ماسَّةٍ لقوًى خارجية تديرُ شؤونَه؛ ولا تقوى الأحزابُ ولا قياداتها، على تقويم فاعليتها لتكون وطنيَّةً، لما قد سُجِّلَ على كثيرٍ منهم من قضايا، يحاسب عليها القانون، ولا تبرِّؤهم غير حصانةٍ ممنوحةٍ من عمليةٍ سياسيةٍ تابعةٍ لقوًى، تضمَنُ لهم حمايتَهم، بثمنٍ باهضٍ يدفعه العراق وشعبه.

انطلاقة التظاهرات:

ومن البصرة في 7/7/2018، انطلقتْ الاحتجاجات الأخيرةِ-قوبلتْ بإساءة تعامل الأجهزة الأمنية- فقد وقفوا على الطرق الرئيسة المؤدية لحقول النفط، وتفاقَمَتْ الأمور، وتصاعدتْ أحداثُ المشهدِ، عقبَ قتل الشابّ”المنصوريّ”، على أعتاب المنشآت النفطيَّة وكوادرها الأجنبية؛ مطالبين بالانتفاع من المنشآت، بتشغيلهم بالوظائف التي توفِّرها؛ فأيَّدَتْ بضعَ عشرةَ عشيرةٍ بصريَّةٍ الاحتجاجات، وأعطتها شرعيَّةً مجتمعيَّةً، بل طالبتْ بالقصاص من الجاني، وبتلبية مطاليبهم؛ فالبصرةُ وحدها توفِّرُ ثلاثة ملايين برميل نفط، ناهيكَ عن تصدير الغاز، وما تدرُّه من منافذها الحدودية، وميناؤها؛ فيظلِّ تغييب قانون “البترو/دولار”، المخصَّصِ للمحافظةِ، وزيادة رواتب الموظفين، تعويضاً عن التلوُّثِ البيئيِّ اليوميِّ؛ وانتشار الإصابات السرطانية.

وامتتدَّت الاحتجاجاتُ إلى المحافظات الجنوبية: ذي قار، وميسان، وبابل، والنجف، التي اقتحم المتظاهرون فيها مطار النجف ومبنى مجلس المحافظة؛ وامتدَّت التظاهرات إلى كربلاء، والسماوة؛ والديوانية، وامتدَّتْ لمناطق بغداد، في الشعلة وساحة النحرير، وسواها.

تأكيد العشائر: مشروعية التظاهر:

أكَّدتْ العشائرُ” وجود مطالب حقيقيَّة” لا يمكن تجاهلها، برَّرَتْ الاحتجاجات؛ فالعشائر ولاسيما البصريَّةَ قد تخندقَت مع متظاهري الشعبِ، وقدْ تعرَض بعضهم للقتل-بداية الأمر-فطالبت بضعُ عشرةَ عشيرةٍ بالقصاص من الجاني، الذي يمثل الجانب الحكومي.

وتطوَّرَ موقف عشائر البصرة، ولقاءاتها المتواصلة، وعقدت مؤتمراً، لإيصال صوتها للحكومة الاتحادية، وإظهار موقفها الموحَّدِ؛ لتحقيق مطالب الاحتجاجات؛ وبالمقابل استجابتْ الحكومة لذلك، واستغلَّتْ تعاملها مع العشائر ليكون قناةً للتواصل، واستثمار تأثيرها بالمتظاهرين؛ وهو أمرٌ تستحسنُه الحكومةُ، لإلزام المتظاهرين بالتقيُّدِ بشروط التفاهمات المتوقعة؛ فللعشائرِ قدرة سحب المشروعية عن الرافضين من المتظاهرين للتسوية.

تمكَّنت العشائر من المسك بزمام التظاهرات، بتوجيه رسائلها للحكومة الاتحادية؛ فصَنَّفَ بيانُ العشائر-بمؤتمرهم-مطالبهم إلى: آنية، ومتوسطة، وبعيدة المدى؛ متضمِّنةً:

  1.   توفير الخدمات.
  2.   توفير الطاقة، والمياه.
  3.   مكافحة الفساد.
  4.   محاسبة المسؤولين الفاسدين، ومن قمعَ التظاهرات، وإقالة المسؤولين ممن مرَّ عليهم فترات طويلة في مناصبهم، للحدِّ من سطوة الأحزاب.
  5.   إطلاق الوظائف، ودعم مصادر الدخل، وتشغيل العاطلين، وضرورة دعم المشاريع:الزراعية، والتجارية، والصناعية، وبناء وترميم المصانع، ودعم الاستثمار.
  6.   إنشاء مشروع الفاو الكبير.
  7.   إنشاء المستشفيات، ودعم البنى التحتية للمحافظة.
  8.   تشغيل الأيدي العاملة المحلية، بدل الوافدة، وضبط حركة وافدي المحافظات للبصرة.
  9.   تفعيل المادة (112) من الدستور، بتفعيل التعاون بين الحكومة الاتحاديَّة، والمحلية المتَّصلة بإدارة الشركات النفطية، والانتفاع من عائداتها.
  10.         رصد ميزانية تغطِّي تلكم الفقرات، وتطبيق استحقاق”البترو/دولار” بعد توقِّفِه لسنوات.

ردود أفعال الحكومة على التظاهرات:

برَّرَ الناطق الرسمي باسم مجلس الوزراء، تدنِّي مستوى الخدمات، وتضييق فرص العمل، بظروف مكافحة الإرهاب، وانخفاض عائدات العراق النفطية؛ وأبدى تحذيره من استمرار التظاهرات، التي تؤثِّر سلباً على المشاريع الاستثماريَّة، وتحسين الخدمات من عائداتها، وتوفيرها فرص عمل.

ويمكن إجمال التدابير التي باشرتْها الحكومة الاتحاديَّة، بانعقاد مجلس الأمن الوطني، لاتخاذ التدابير الملائمة، للتعامل أمنيَّاً مع التظاهرات، وقد تحرَّكت قطعات عسكريَّة، إلى المحافظات التي تشهد احتجاجات شعبية، في جنوب العراق، لحماية المنشآت النفطيَّةِ، والمتظاهرين؛ إلى جانب حظر التجوال، وتعطيل خدمة الاتصالات الإلكترونية “الإنترنت”ومعظم برامجها، للحدِّ من تأجيج الاحتجاجات.

وشرعت الحكومة الاتحادية، بمعالجة مطالب المتظاهرين، وما يضمن معالجة ملفات: الكهرباء، والماء، والتوظيف، ومحاولة إعادة تشغيل المشاريع التي توقَّفت، في إطار برمجة حكومية، تراعي الموازنة، وانخفاض عائدات العراق؛ وتشكيل لجان وخلايا أزمة، في كلِّ الوزارات؛ لتلبية مطالب المتظاهرين، في إطار برنامج معالجات:

أ‌.        قصيرة المدى سريعة: تُنفَّذُ خلال: أسبوعين/لشهر.

ب‌.متوسطة، تنفَّذ من ثلاثة أشهر/لستة.

ت‌.استراتيجية بعيدة، لا تتجاوز عامين.

تعامل القوى الأمنية مع المتظاهرين، واستخدام القوة:

أكَّدَ تقرير ملاحظيَّة حقوق الإنسان”قمع المتظاهرين”، وهي مخالفةٌ صرحةٌ لمحتوى المادة 38، من دستور العراق للعام 2005؛ وأشارتْ لما يجري في السجون، من مخالفات صارخة؛ والعنفُ، إلى حدِّ قتل متظاهرين؛ وأنكرَ الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية العراقيَّة، أنَّها غير حياديَّة، مستدلَّاً بوجود جرحى في القوات الأمنية، يفوق جرحى المتظاهرين؛ مؤكِّداً وجود مندسِّين بين المتظاهرين؛ وتعامل الأجهزة الأمنية كانَ مهنيَّاً، ومنضبطاً بالأجهزة الرقابية؛ فلا يسمح بإساءة استخدام القوَّة؛ والتحقيق مستمرٌّ في قضايا قتل المتظاهرين وملابساتها.[6]

وأكَّدَت جهاتٌ حقوقيَّةٌ وقانونيَّةٌ، وجود تجاوزات مورست ضدَّ المتظاهرين؛ وقُتِلَ منهم-وفق إحصائيَّات منظمات حقوق الإنسان، لمْ تنفِها مفوَّضيَّةُ حقوق الإنسان العراقيَّة-ما يقرب من عشرينَ مواطناً، وأصيبَ أكثرُ من ستمئةٍ، واعتُقلَ أكثرُ من تسعمئةٍ منهم؛ أخذت عليهم تعهُّداتٍ بعدم معاودتهم التظاهُر، ومورست عليهم ضغوطٌ، تُصادرُ حقَّ إبداء آرائهم، والتظاهر السلميّ.[7]

وأكَّدَ بيان قيادة العمليات المشتركة، أنَّها ستتصدَّى لمن يعبث بالأمن، ويتعرَّض للمنشآت والمؤسسات؛ عدَّهُ بعض المحلِّلين إشارةً إلى قمع التظاهرات؛[8] في وقتٍ لَمْ يَثْبُتُ-بشهادة منتسبي القوى الأمنية-انتماء المتظاهرين المعتقلين، لجهاتٍ مشبوهةٍ؛ وقدْ سُجِّلَتْ إصاباتٌ كثيرةٌ، بأسلحةٍ استُخدِمَتْها قوَّات من داخل مقارَّ حزبيَّةٍ.

أثر فشل العملية السياسيَّة في رفع مطالب المتظاهرين:

سوء الوضع السياسي الذي يمرُّ به العراق غيرُ ظاهرٌ، ولاسيَّما عقب الانتخابات؛ التي شهدت عزوف النسبة الأكبر عنها؛ ليقينهم أنَّها لن تُغيِّرَ معاناتهم، ولا تحولُ دونَ استمساك الطبقة السياسية، التي يصفها معظم المراقبين بالفساد.

فالطبقةُ السياسية، وأحزابُهَأ، مشغولون بنتائج الانتخابات، أو برغبتهم بتعديلها، عقب تزويرها، حرصاً على مناصبهم، والاستمساك بخيوط العملية السياسية ودفَّتها، ولا هَمَّ لهم غيرُ “تشكيل الحكومة القادمة”، وانشغال الساسة والأحزاب قبل أسابيع، في التمديد للبرلمان السابق، وكيفيةِ معالجة الفراغ الدستوري، الذي قد يهدِّدُ مستقبلها.

كلُّ ذلكَ، أُشغلَتْ الطبقةُ السياسيةِ عن معاناة الشعب، ومعالجة البطالة، وتردِّي الخدمات؛ دون معالجةٍ للفساد، الذي أدَّى لاستحكام المعاناة، وإطباقها على مفاصل الحياة.

والبعد السياسي للتظاهرات، يكشفه تطوُّر المطالب من الخدميَّةِ: ماء، وكهرباء، وتوظيف؛ ليتحوَّل إلى استهداف تغيير العملية السياسية، والسعي ليس للإصلاح وحسب؛ بل التغيير الكامل للعملية السياسية، ودعوة التظاهرات للخلاص من الأحزاب، ولاسيَّما التي سهَّلت تدخُّل القوى الإقليمية والدولية في الشأن العراقي.[9]

بوادِرُ التصدُّع السياسيّ جرَّاء الاحتجاجات خطوةٌ تُجاهَ التغيير:

لا يمكنُ-بحالٍ-تصوُّرُ وجود موقفٍ موحَّدٍ تماماً، ممَّا يجري من احتجاجات شعبيَّةٍ، عمَّتْ محافظات الجنوب، وبغدادَ، ويَحذَرُ المسؤولون من امتدادِها لباقي محافظات العراق، وقد لا تستثني حتَّى محافظات إقليم كوردستانَ؛ لوجود أسباب موضوعيَّة متراكمةٍ، تستدعي الرفضَ الشعبيَّ عن استمرار تحمُّل تبعاتِها؛ ويُلاحَظُ انَّ استمرار الاحتجاجات، زادَ في أمرين:

الأوَّل: رفع المتظاهرين سقف المطالب، من الاقتصادية والخدمية، إلى السياسية.

الثاني: تباينِ المواقفِ من الاحتجاجات وتطوّرها، براءةً من تردِّي الأوضاع، ومحاولة الانتفاع منها، ومن آثارها، بما يُسجِّلُ حالاً من التصدُّع في إرادة التصدِّي للاحتجاجات.

وأبرز مظهاهر التصدُّع:

  1.   موقف السلطات المحلية:

معَ أنَّ مجالس المحافظات، كانت عاملَ تهدئةٍ للاحتجاجات، بوصفها حلقةَ وصلٍ بين: متظاهري محافظاتهم، وبين الحكومة الاتحادية، إلاَّ أنَّ ثمَّةَ مظاهر لاختلاف في مواقف بعض الأعضاء ورؤساء مجالس المحافظات، حمَّلَ الحكومةَ الاتحاديَّةَ تبعاتْ تدهور الخدمات، وغياب الدرجات الوظيفية؛ لسياسة التقشُّف، التي مارستها الحكومة الاتحادية، لتغطيةِ تكاليف الحربِ على الإرهاب، ولانخفاظ أسعار النفط، وما تبعه من انخفاض الميزانية؛ ما تسبَّبَ في تعطيل كثيرٍ من المشاريع الاستثماريَّةِ، التي كانَ مأمولاً منها توفير فرص عمل للعاطلين، توفير الخدمات، وتحسين شبكات الكهرباء، ومحطَّات المياه، والخدمات الصحِّيَّةِ، ورعاية التربية والتعليم وبناء المدارس، وسواها؛ أدَّت إلى انخفاض الميزانية المخصصة للمحافظات؛ دفع ببعضِ قياداتها إلى التبرُّؤ من التقصير، وتحميل الحكومة الاتحادية تبعات ما يجري؛ زيادةً على الفسادِ المستشري؛ دفع بالنتيجةِ ببعض مجالس المحافظات، لتفاوِضَ الحكومة الاتحاديَّةَ؛ لانتماء تلكم الشخصيات إلى أحزاب منافسة؛ وتعميق الاختلاف، لسعي الأحزاب لتشكيل الحكومة القادمة؛ التي قد لا تخلو من محاولات التسقيط السياسي؛ إلاَّ أنَّها لم تبلغ ذروتَهَا بعدُ.

وحمَّلَ بعض أعضاء مجالس المحافظات، المسؤوليَّةَ على النظام الاتحاديّ، والاختلاف حول تفسير المادة 115 من الدستور العراق 2005، التي تنظِّم العلاقة بين الحكومة الاتحاديَّةِ، والحكومات المحلِّية في المحافظات.

ومن مظاهر التصدُّع بين الحكومة الاتحاديَّة والمحليَّةِ؛ تواصل الأولى مع شيوخ المحافظات المحتجَّة، ووجهائها، بعيداً عن مجالس المحافظات؛ زيادةً على ما تعرَّضت له بعض الإدارات المحلية من انتقاد الحكومة الاتحاديَّة، في تقصيرها إزاء ما خُصِّصَ لها من ميزانية، وما منحت لأجله من صلاحيات، وسوء إدارة المشاريع الخدمية، على لسان العبادي.[10]

  1.   استهداف الأحزابِ ومقارِّهَا:

أحزابٌ كثيرة وشخصياتٌ سياسية، أيَّدَتْ التظاهرات، واقرَّتْ-قبل تطوُّرِ مطالبها-ضرورة حمايتهم، وعدم المساس بهم، ولا بتجاوز حقوقهم بالتعبير عن معاناتهم، ما دامتْ سلميَّةً؛ ولمْ تبتعد الأحزابُ من البراءة عن مسؤوليتها، في تردِّي الأوضاع، وأبدت رغبتها لمكافحة الفسادِ؛ وملامسةِ معاناة الجماهير؛ ويرى محلِّلونَ محلِّيُّون؛ أنَّ إذكاءَ التظاهرات، قد يأتي برغبة أحزابٍ لخلط الأوراق، وعرقلة مشروع العبادي/الصدر، لتشكيل الكتلة الأكبر، وتشكيل الوزارة القادمةِ، وما يؤتيه من ثمرات مستقبليَّة-لتلك الأحزاب-في العمليَّة السياسيَّة.[11]

من ناحيةٍ أخرى؛ استُهْدِفَتْ مقارُّ أحزابٍ عديدةٍ؛ فحذَّرَ مجلسُ محافظة بغداد من التعرُّض لمقارِّ الأحزاب السياسية، لأنَّه سيولِّدُ ردودَ أفعالٍ، لا تحمدُ عقباها؛ واعتبره مراقبونَ انحيازاً من المجلسِ لأحزابهم، التي تتوجَّس من استهدافها، وتقويض فرصها في العملية السياسية كلِّها، وربمَّا التعرُّض لأعضائها وقياداتها.[12]

ومن مظاهر النزوع تجاه التغيير في العملية السياسية، تغييرُ المواقف الحزبية، التي بدأت تعرضُ مشاريعها المقترحة، لإنهاء الأزمة، بتلبية مطالب المتظاهرين، جاءت على لسان المتحدثين باسمها، أو من يمثِّلهم في مجالس المحافظات، ومنهم حزب الفضيلة،[13] وبعض الأحزاب سارعت للتأكيد على أَثر التظاهرات في: شكل الحكومة القادمة، وفي أوصافها وفاعليَّتها؛[14] ولم يكن ائتلاف الوطنية عن ذلك ببعيد؛ فقد أكّدَت بعض قياداته ضرورة تلبية تطلُّعات الجماهير، وتغيير الوجوه القادمة، لا سيما في التشكيلة الحكومية.[15]

  1.   كتلة سائرون والتيار الصدري:

كتلةُ سائرون الحاصد الأكبر لأصوات انتخابات 12مايو2018؛ وتنتظر الفراغ من العدِّ والفرز اليدويّ، لتشرعَ بتكوين الحكومة القادمة؛ فليس من مصلحتها توسُّع رقعةِ الاحتجاجات، التي تضاربت حول من أشعل فتيلها الآراء؛ مع أنَّ مكونات كتلة سائرون، كانوا سبَّاقين للاحتجاج، وهم شعبويو الهوى، وعليه اجتمعوا؛ وهذا الموقف يرجِّحُ-مع مؤشِّرات أخرى-على أنَّ الاحتجاجات شعبيةً منذ بداياتها، وأنَّها مبنيَّةٌ على مطالبَ واقعيّةٍ مشروعة؛ ولهذا تدرَّجَ تفاعل سائرون، مع الاحتجاجات، بشيءٍ من التحفُّظ، بدءاً بإيقاف التفاهمات حول الحكومة القادمة، مروراً بالدعوة لتلبية مطالب المتظاهرين، والحفاظ على أرواحهم وعدم التصدي لهم.

بقيتْ الأنظار مترقِّبةً موقف السيّد الصدر وتياره وكتلته؛ ففي السابق كانت التظاهرات المليونية محميةً، لتوفُّرِ غطاء سياسي وشعبي وديني لها، ممثَّلًا بالتيار الصدري، لكن بعد تصدُّر سائرون، وتخليهم عن التظاهر، لمباشرة العمل السياسي، وقيادة العمل السياسي، بوصفه استحقاقا انتخابياً؛ بَيَّنَ للمتظاهرين أنهم مكشوفو الظهر، لا حرمة لهم، في وقتٍ لم يتعرض فيه المتظاهرون للمقارِّ الصدريَّةِ، لبراءته من كثير من التبعات السياسية، ونظافته من الفساد خلال الحكومات المتعاقبةِ، وسرعة تخلِّيه عمَّن يثبتْ عنهُ خلافَ ذلك من ممثِّليه.

خلعُ الغطاء الصدريِّ عن المتظاهرين، يُحَمِّلُ الصدريِّينَ”مسؤولية اعتباريةً” تستدعي اختبارَ شعبوية”سائرون”والصدريين، بدعم المتظاهرين-وأنَّ الصدريين شعبويو الصبغةِ، وليس لاعتبارٍ سياسيٍّ، يُبنَى على موقفٍ، تحكمهُ المصلحةُ الضيِّقةُ، فيكونُ التيَّارُ عندها، كسائر الأحزاب؛ وبخلافِهِ يكونُ مبرَّراً توقُّع نزول أنصار التيار الصدريِّ، للشوارع والساحات لهذا الغرض، وهو أمر قد يُسَرِّعُ في تلبيةِ المطالب الشعبيَّةِ؛ لكنَّه يذكي صراعاً، قد يأتي على العملية السياسية برمّتها؛ وهو ما يدركهُ التيارُ الصدريُّ، الذي يوازنُ بينَ: الإصلاح بتلبيةٍ سريعةٍ للمطالبِ، تُحسَبُ لثقله السياسيَّ، أو التغيير بتقويض عمليَّةٍ سياسيَّةٍ فاشلٍ أداؤها، لكنَّ أكبر مفاتيح مستقبلها بيد سائرون؛ ولهذا اختار الصدريون التلويح بتظاهرةٍ مليونيةٍ، قد تكونُ محدودةً بيوم وبمنطقة، وربَّما بشعارٍ معيَّنٍ كذلك.[16]

موقف المرجعيَّة الدينية من التظاهرات:

أيَّدَتْ مرجعيَّةُ النجف الأشرف مبكِّرَاً حقَّ التظاهر، وأنَّ مطالبهم التي خرجوا لأجلها مشروعةٌ؛ في وقتٍ ميَّزتْ المرجعيَّةُ فيه، بين أداء حكومة العبادي-بسابقيه-ونالَ شيئاً من الرضا، في ظلِّ إنجاز حكومته، مع ما واجهته من تحدِّيات وتبعاتٍ، أثقلتها بها الحكومة السابقة؛ ويكون الإصلاحُ عاملَ حسمٍ للمشكلةِ القائمة؛ بالتصدِّي للفساد، ومحاسبة المفسدين، وترشيد الحكم، في إشارةٍ لرضا المرجعيَّةِ المشروط، بما سيكون من اتفاق سائرون/النصر؛ الكفيل بالحدِّ من هيمنة الأحزاب، التي لها علاقاتٌ وثيقة بإيرانَ، بما يجعل الأهمَّ لدى المرجعيَّةِ، تأييد البرنامج الإصلاحيِّ، في ظلِّ أحزابٍ لا تغادر الانتماء المذهبيّ، لكنَّها تتجاوزُ الاعتبار الطائفيِّ، وتجربته التي ثبتَ فشلُهَا في ظلِّ الحكومات السابقة.

هذه الأمور حدَّدَتْهَا المرجعية بخطبة الجمعة، 27/7/2018، وهي لسانُ المرجعيَّةِ، مؤكِّدةً:

  1.    ضرورة أنْ تخفِّفَ الحكومةُ الحالية معاناة المواطنين، وتلبّي مطالبهم.
  2.   تشكيل الحكومة المقبولة سريعاً، خشيةَ انفلات الأوضاع، وتوسُّع الفوضى.
  3.   أن يكون رئيسها حازماً قويَّاً، ومسؤولاً بصورة مباشرة، واجبه الأوَّلُ محاربة الفاسدين وحماتهم، وأن تتعَّهَدَ حكومتُهُ بالتزامِهَا ذلك، وفق برنامج مُعَدٍّ على أُسُسٍ؛ تسمح بتطبيقِها، وتحوُّلها من شعاراتٍ مجرَّدة، إلى عمليَّأت يشهدُهَا الواقع.

ومن جهتها، أكَّدَتْ المدرسةُ الخالصيَّةُ بخطبة الشيخ مهدي الخالصي 2/7/2018؛ مطالباً الحكومةَ الحاليَّةَ بإثباتِ جدارتها، بمعالجة الوضع الحاليّ، بروحٍ وطنيَّةٍ؛ داعياً المتظاههرين الالتزام بسلميَّة تظاهرهم؛ محذرا من”الانفصال”، مشيراً لدعوات أعضاء في مجلس محافظة البصرة لإقامة إقليم البصرة.

من ناحيته أكَّدَ السيّد الصدر، في خطبة الجمعة27/7/2018، تجديد الدعوة لإصلاح الحكم وترشيده؛ ووقف قمع المتظاهرين، في إشارةٍ لتأييده لها، وتلويحاً بدعمها؛بغضِّ النظر عن مشاركتهم فيها.

السيناريوهات المحتملة للمشهد العراقي، في ظلِّ استمرار الاحتجاجات:

ويمكن تحديد أبرز الاحتمالات، للسيناريوهات الوارد تحقُّقها مستقبلاً، وتتمثَّل في:

السيناريو الأوَّل: هو أدنى السيناريوهات توقُّعاً؛ ويبنى على توقُّعِ “انحسار الاحتجاجات”:

  1.    لقيام الحكومة الاتحاديَّةِ، بتلبيةِ جانب كبير من مطالب المتظاهرين، وشرعتْ خليَّةُ الأزمة الوزاريَّةُ بتنفيذ مرحلتها الأولى، التي حُدِّدَتْ بشهرٍ؛ إذا تلمَّستْ الجماهير جدِّيَّةَ الحكومة.
  2.   الجماهير باتت مستفيدةً من دعم المرجعيَّة، ومطالبتها الحكومةَ بذلك،ودعم قوى سياسية؛ ومن المؤشرات الداعمة لهذا الاحتمال”هدوء التظاهرات النسبيّ، الجمعة27 يولو.
  3.   استعانة الحكومة بالدعم الخارجيّ”الإيراني”-إنْ تبدَّلَ الموقف الإيرانيّ، ووجد في تزويد العراق بالكهرباء، وبزيادة مناسيب المياه المطلقة تجاهَهُ، أمراً يحقِّقُ لها مصلحةً-ولا سيَّما بضمان دعم الحكومة العراقية المقبلة لإيران، في حال فُرِضَ عليها حصارٌ أمريكيٌّ، تشاركها في فرضه دولٌ حليفةٌ لأمريكا؛ ولا سيَّما دول عربيَّة مجاورة وقريبة من إيران.
  4.   الاستجابة السريعة للسعودية والكويت، بدعم العراق، بوقود مضخات الطاقة، ومولداتها.
  5.   أنَّ الولايات المتحدة، ترغب في بقاء الوضع في العراق مستقرَّاً؛ يؤكِّدُهُ دعمها-عقب الانتخابات- تشكيل حكومة، وفقاً لنتائج الانتخابات، في الوقت الذي تلمَّست فيه الولايات المتحدة مؤشِّرات تزويرها، في ظلٍّ عزوف غير مسبوق من المواطنين عن المشاركة فيها.

السيناريو الثاني: متوقَّع-على المدى القريب-ويتمثَّلُ “بتصعيد الاحتجاجات، وتوسيع رقعة التظاهرات”، بوصفه حالاً مرحليَّاً، يفضي لنتائج أخرى، يهيِّءُ لسيناريوهات قادمةٍ؛ في ظلِّ فرضيَّةِ:”استبعاد احتمال انحسار الاحتجاجات”، لأمورٍ أبرزُهَا:

  1.   تصعيد المتظاهرين سقف مطالبهم، من الخدميَّةِ والتشغيليَّةِ، إلى السياسيَّةِ، إلى حدِّ وصف محلِّلين ما يجري “انتفاظة شعبيَّة”، حدَّ من غلوِّها”عفويَّتُهَا”، كونها غير مسيَّسةٍ.
  2.    زيادة عدد ضحايا التصدِّي للاحتجاج السلميِّ: شهداءَ وجرحى ومعتقلين، أُفرِجَ عن معظمهم، أو كلِّهم؛ بتعهُّدٍ بعدم الخروج مجدَّداً؛ يؤكِّدُ توقع الحكومة-وفق معلوماتها-توسُّع الاحتجاجات؛ دفعها لاتخاذ خطواتٍ احترازية، تحذِّرُ من خلالها المحافظات، التي لم تشاركْ في الاحتجاجات من تأييدها، والتأثر بها؛ خلال لقاءات مسؤولين عسكريين، يمسكون بالملف الأمني لتلك المحافظات.
  3.    تأكيد العبادي بأكثر من مناسبة”أنَّه سَيَفِي بما يكونُ ضمن إمكانياتِ حكومته، وقدرات العراق الماليَّة”، يجعل ما يمكن إنجازُهُ في المستوى المحدَّد بشهر متواضعاً.
  4.   بروز اختلاف مواقف الحكومة الاتحاديةِ، والحكومات المحلّيَّة، بسبب المحاصصة، تجعل الاستجابةَ للعبادي محدودةً؛ تعرقل الإنجاز المنشود، في الفترة المحدَّدة بشهر.
  5.   إعلان الصدريين تأييد المتظاهرين، والتلويح بتظاهرات مليونية؛ يبعث بتطمينات للمتظاهرين، ويمنحهم الهمَّة لمواصلة الاحتجاجات.
  6.   ما أعلنتْه مرجعيّة النجف الأشرف، بدعمها المحتجين، والتلويح بتصاعد الاحتجاج، لكن؛ يخفِّفُهُ حديثُها عن تلبية الحكومة القادمة مطالبهم.
  7.   بروز مظاهر للتصعيد، في تطوير برنامج الاحتجاجات، بالدعوة: للاعتصامات، التي قدْ تتطوَّرُ إلى”عصيانٍ مدنيٍّ”، ومن مظاهر تطوُّر الاحتجاجات”ولادة تنسيقيات تمثِّلُ المتظاهرين”على شاكلةِ ما شهدته مصرُ، واليمن من قبل.
  8.   تشير التنسيقيات، إلى تطوُّر إدارة التظاهرات، ما ينبيء بتصاعدها من جهةٍ، ويحجِّمُ أدوار:مجالس المحافظات المحتجَّة، وشيوخ العشائر؛ خشيةً من المتظاهرين من اختطافِ-المسؤولين المحلِّيِّين وشيوخ العشائر-الاحتجاجاتِ، بفتح مجالِ المقرَّبين من الحكومة الاتحادية، لاختراق الاحتجاجات، من لدنِّ الجهد الحكومي المتطلِّعِ، إلى إنهاء مظاهرها.

السيناريو الثالث المحتمل: إعلان “العبادي”، تشكيل حكومة إنقاذ وطنيّ، وهو غير وارد في المرحلة القريبة، لكنَّ ما يُسوغُهُإن كانَ-أمورٌ:

  1.   “إعلان إنذار(ج)”، هو أعلى مستوى للإنذار، يُمَكِّنُ من  تصوُّر إعلان حكومة طوارئ، أو ما عُرفتْ”بحكومة إنقاذ وطنيّ”.
  2.   احتمال تفاقم الأزمة، وتوسُّع رقعةِ الاحتجاجات، ومستواها من السلمية إلى العنف.
  3.   دعوةُ ائتلاف الوطنيّةَ، لحكومة إنقاذ وطني، أكَّده إياد علاوي؛ يشير لاحتمال نزوع قوى دوليَّةٍ غربية، وعربية تؤيِّدُها، تحاشياً لامتداد لهيب الاحتجاج إليها غرباً، وجنوباً.
  4.    يدعمه غياب وجود برلمان، يعني”واقعاً” قيام الحكومة الحالية، بمهامَّ: تشريعية، وتنفيذية معاً.

والمانعُ الأكبر دونَ إعلانِها، ليحول دون تحقُّق هذا السيناريو أمورٌ، أبرزها:

  1.   موقف الصدريين”وهم يمسكون بمزايا الكتلة الأكبر”سائرون”.
  2.   إلاَّ أنَّ تدخُّلَ المرجعيَّةِ، وتحوُّلها من التأييد للاحتجاج، والتحذير من التصدي له بالعنف؛ إلى أن تصفَ برنامجاً، يبدأ بالإسراع بتشكيل حكومة قادمة، على أساس نتائج الانتخابات؛ قدْ أظهر عدم رضاها البدهيِّ في ظلِّ ظرفٍ كهذا، عن إعلان حكومة إنقاذ وطنيِّ؛ إلاَّ في حالٍ واحدةٍ؛ تتمثَّلُ في تطوُّر التدخُّل الإقليمي، من إيران، ودخول متغيِّرات جديدة، يفوق تأثيرها في زعزعة الاستقرار، ما تتسبَّبُ به حكومة الإنقاذ الوطني.
  3.   تدخل المرجعية وسيطاً، يكفل للحكومة الحدَّ من حدَّةِ التظاهرات، يسمح بانسياب النفط، واستمرار الاستثمارات الأجنبية لحقول النفط؛ وتتعهَّد المرجعيةُ للمتظاهرين، وللعشائر في المحافظات الجنوبية، بتلبية الحكومة مطالبهم مما تعهَّدت الحكومة بتنفيذه؛ يجعل المرجعيَّةَ في النجفِ أكثرَ فاعليَّةً، أمام انحسار الهيمنة الإيرانية، التي باتت تزعج أطرافاً عراقيَّةً كثيرة، شعبية، وعشائرية، وأحزاباً وطنية؛ وتستدعي إعادَةَ حسابات الولايات المتحدة الأمريكية، فيما يخصُّ محاولة الحدِّ من مسكِ إيران بخيوطٍ مهمَّة، شهدَتْ تصاعداً في الدور الإيراني، في العملية السياسية العراقية الجارية، منذ الاحتلال سنة 2003، ولاسيَّما سنةَ 2006، حيثُ وصفَهُ وزير خارجية السعودية حينها، بتقديم أمريكا العراقَ لإيرانَ على طبقٍ من ذهب.

السيناريو الرابع: وهو سيناريو لايمكن استبعادُ تحقُّقِهِ، بل هو الأقوى احتمالاً؛ فتتظافر الجهود، في إطارِ مبدأ “مكافحة الفساد، ومحاسبة الفاسسدين”، وما يترتَّب عليه من تقويم مسار العمليَّةِ السياسيَّةِ، تأسيساً على هذا المبدأ، الذي يتحوَّل إلى إجراءٍ مقصودٍ، تسوِّغُهُ:

  1.   فشل الحكومات المتعاقبة، يلقي على الولايات المتحدة الأمريكية باللائمةِ، لخمسَ عشرةَ سنةً عجافاً على العراق العراقيين- إلاَّ اللهمَّ على ما يبلغها من نفط، وما استولت عليه من غنائم، خلال تواجد قوَّاتها، وهيمنتها المباشرة على مقدِّرات العراق-وتركتْ ما سوى ذلك لمؤيِّدي احتلاله، بإدارة دفَّتِه، بما تشتهيه أنفسهم، وولَّدَ ما يعانيه العراق من فساد، وحوَّلهم مفسدين، بعد طول غربةٍ واضطهاد؛ فوجدت الولايات المتحدة نفسها أمامَ رفضٍ إعادة هيمنتها على العراق؛ ليتحقَّقَ لها بالهيمنة أمران:

أ‌.       إحكام الطوق على إيران، وتسهيل توجيه ضربةٍ لمقدَّراتها النووية، والصاروخية الباليستية.

ب‌.إمكانية الهيمنة على المنطقة، وتنفيذ حلقات خارطته التي رسمتها أمريكا؛ والهيمنة على نفط العراق، وفق تطلُّعات البيت الأبيض الدهماء، وبرنامج “ترامب” الانتخابيّ، وسياسة إدارته.

وبهذا تتوافق مصالح الولايات المتحدة الأمريكيةُ، مع التغيير الجذريّ؛ تحت مسمَّى” مكافحة الفساد، ومحاسبة المفسدين”، وتصويب مسار العملية السياسية، قبل أن تأتي بما لا تشتهيه سُفُنُ واشنطن.

  1.   تدعمُ المرجعيَّةُ، وبقوَّةٍ واضحةٍ، التغيير، على أن يكونَ “طِوَلُ”قيادتُهِ مُرْخًى، بيد الحكومةِ القادمةِ، التي اشترطت المرجعيَةُ تأييدها، بشرطين:

أ‌.       أن يكون برنامجها “التغيير”، بمكافحة الفساد.

ب‌.وان يكونَ رئيسها قويَّاً وحازماً، ليتمكَّن من محاسبة الفاسدينَ؛ بل ((ومن يوفِّرُ لهم الحمايةَ))؛ سمحَ لبعض المعنيين بتفسيره، للذهاب إلى: الأجنحة المسلَّحةِ، لبعضِ الأحزاب، وقدْ تمتدُّ إلى الإشارة لدولَةٍ إقليميَّةٍ، معنيَّةٍ بشأن العراق بصورةٍ مُلِحَّةٍ، لحلِّ أزمتها الاستراتيجيّة.

ت‌.أمَّا انعكاسُ شَرْطَي المرجعيَةِ، فقد جاءت باتِّخاذ أوَّلِ خطوةٍ، في طريق مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين، بدءاً بعدد من أعضاء المفوَّضيّة المستقلة للانتخابات، السبت 28يوليو الجاري؛ مع تواضُعها، أمام الفساد المتأَصِّل، بمفاصل كثيرةٍ رئيسة من السلطات؛ لكنَّ الإجراءَ خطوةٌ متقدِّمة بالاتِّجاه الصحيح، تُسهم في حلِّ عقدة تشكيل الحكومة القادمة؛ وهو ما تصوَّرته المرجعية، ودعت إليه شخصيات وقوى سياسية وشعبية.

  1.   أنَّ المنطقة التي تعاني من تدخُّلات إيران، وفق رؤيتهم، تدفعُ إلى تأييد الأمريكان، لدعم هذا الخيار، وتدعمه القيادات السياسية العراقية، ومرجعيَّة النجف الأشرف؛ ومن مؤشِّرات دعمها المرتقب ومسوِّغاته:

أ‌.       تطوُّر الأحداث في الحرب اليمنية إلى مستوى الخطر، الممتدِّ إلى تهديد الملاحة، وعبور  النفط من باب المندب، نتيجة دعم إيران-وفق ما يرون-للحوثيين حلفائهم.

ب‌.أنَّ تفاقم أزمة العراق، قد تأتي على بلدانهم، وتصيب شعوبهم، بعدوى الثورة؛ وتحاول تصويب مواقفها، التي أسهمت في احتلال العراق، ثمَّ في التخلّي عنه، وترك فراغ استراتيجيٍّ ملأته إيران بثقلها الاستراتيجي-حينها-والطائفيّ.

  1.   يدعمُ ذلكَ، طموح العبادي في تجديد الولاية له؛ قدْ نجحَ في قتال الإرهاب، وكسبَ ثقةَ الشعبِ؛ إلاَّ في قدراته في مكافحة الفساد، ومحاسبة المفسدين، والتي أدرك أبعادها فوصفها بأنَّها معركةٌ، لا تقلُّ عن ضراوة قتال الإرهاب؛ إلاَّ أنَّه أدرك أنَّ من أسباب الاحتجاجات وتردي الأضاع، كان من وراء تلكؤئه في دخول المعركة الثانية؛ التي تحتاجُ دعماً شعبيَّاً”أثبتت التظاهرات استعداد الشعب لمنحه إيَّاه”، وتحتاجُ دعمَ المرجعية، وقد صرَّحت به، بل اشترطته عليه، ومن قبلُ ما كان من شرط “سائرون” في جعله رئيساً للوزراء، إن هو تخلَّى عن انتمائه لحزب الدعوةِ، الذي يحمِّلُه الصدريون، بعض الأحزاب الأخرى، تبعات الفساد، وتبعات تحمُّل العراق لسنوات أعباء قتال داعش، خلال سني الحكومة السابقة.

السيناريو الخامس: وهو من السيناريوهات المحتملة، والكاشفة عن المستفيد منها، لكنَّه لم يعد محتملاً بشكلٍ مقبولٍ، كما كانَ متوَقَّعاً بدايةَ الاحتجاجات العراقيَة، في وضعٍ تشهدُ فيه مدنٌ إيرانيَّةٌ عديدةٌ احتجاجاتٌ على السياسة الماليَّةِ الإيرانيَّة، وعلى السياسة النقديَّةِ على وجه الخصوص: ويتمثَّلُ السيناريو في “إشاعة الفوضى في العراق، وتحقيق انفلات في شتَّى المجالات؛ ومحاولة عرقلة إنتاج النفط وتصديره”، وهو أمرٌ يكشفُ عن حاجةٍ ملحَّةٍ، لطرفٍ إقليميٍّ، يستفيد من تأزيم الوضع في العراق، ليكونَ إنتاجها النفطيُّ حاجةً عالميَّةً ملحَّةً، في إطار ما فُرض عليها من حصارٍ، بدأت حلقاتُه تستحكم على أعناقِهَا؛ يؤكِّدُهُ شهور”إيران” بالاختناق، دفعها إلى نشر بوارجها في الخليج، تلويحاً بفداحةِ ما يعنيه لها حصارُهَا، من لدن أمريكا ومن يتحالف في ذلك معها، وفهمته الولايات المتحدة الأمريكيةُ محاولَةً إيرانيَّةً للقيام بمناوراتْ افتراضيَّة، لا تكونُ-من وجهة نظر أمريكيَّةٍ-جزءاً من إجراءاتٍ وقائيَّةٍ تقوم بها إيران، لمقاومة التهديدات الأمريكية في الخليج/والتهديدات الإسرائلية للقوات الإيرانية في سويا؛ ما يجعلُ الأمرَ في صالح التخفيف عنها؛ ليكونَ حصارها، فضلاً عن ضربها في ذاته”أزمةً دوليَّةً نفطيَّةً”، والشتاء قادمٌ؛ ويؤكِّدُ ضعفَ هذا السيناريو: ما أعلنته الإدارة الأمريكية من عروض لإيران، تغريها في بدء مفاوضات مع الجانب الأمركيّ؛ يؤكِّدُ رغبةَ الولايات المتحدة في التهدئة، في العراق والخليج، كذلك.

ومع ما لدى النقيضِ لإيران-ولا نقولُ الندّ-أعني السعودية، لحصار إيران، إلاَّ أنَّها تُدركُ مدى فداحة تطوُّر الوضع إلى صراع مسلَّحٍ- تدفعُ إليه ضرباتٌ أمريكية مركَّزة لمواقع معيَّنةٍ، داخل إيران، يأتي على استقرارِ المنطقةِ، فيذرُهُ هشيماً تذروه رياحُ الضعفِ، من جهةٍ، والندمَ على التصعيدَ، يتهدَّدُ دولَ المنطقة، ويفتحُ بابَ الاستثمار الاستراتيجي للولايات المتحدة، وحتى لروسيا، من جهةٍ أخرى.

والأزمة العراقيَّةُ باتَتْ تهدِّدُ الكويتعات الاستثمارية الاستراتيجية، وإن كان على خرابِ البصرةِ، وما حولها، ما يفسِّرُ استعدادَ الكويت لمساعدة العراق؛ ويفسِرُ استقدامَهَا الاستثمارات الصينيَّةِ، وقت وعتْ الكويتُ رغبات الإدارة الأمريكية، ذات الخبرة التجارية، والتطلع خشيةَ تفاقم الأزمة، وانتقالها “بالفيض”-وفق النظريَّات الاستراتيجيَّة-إلى أراضيها، لتتهدَّدَ آبارها، وشركات استخراج نفطها وتصديره، ليصبَّ في خدمةِ إيران، في نهاية الأمرِ، بحفظ مصالح إيران، واتفاقها النوويّ، والحفاظ على نظامها السياسيّ المهدَّد، ووحدة المجتمع، التي يهدِّدُها التنوُّعُ، في ظلِّ سيادةِ أقلِّيّةٍ؛ دفعت كلُّها إيران لتهديد الملاحة في الخليج والبحر الأحمر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  تفاصيل وأرقام… قائمة الدول التي تعهدت بالمساهمة في إعمار العراق 15.02.2018. https://arabic.sputniknews.com.

[2]  دكتور هاني عاشور، في استضافته في قناة الحدث، 14/7/2018.

[3]  ينظر دستور العراق 2005 :الديباجة، والباب الثاني.

[4] تقدير موقف بعنوان: ” تظاهرات جنوب العراق  تقييم الأداء الحكومةِ المنتهيةِ ولايتُهَا، وتحديد مستقبل العراق، وحكومته القادمة”،مصطفى جابر العلواني، قيد النشر.

[5] دكتور هاني عاشور، في استضافته في قناة الحدث، 14/7/2018.

[6]  استضافة قناة الحدث، للسيد سعد معن الناطق باسم وزارة الداخلية، 22 يوليو.

[7] قناة الحرة عراق، برنامج “بالعراقي”، لقاء مع عضو مفوضية حقوق الإنسان العراقية، ومدير شرطة البصرة السابق، وممثل منظمة مجتمع مدني 24يوليو.

[8]  المصدر السابق نفسه.

[9]  لقاء قناة الحدث، مع حيدر الملا، عضو برلمان العراق السابق، قيادي في ائتلاف الوطنية، 21/يوليو.

[10]  في لقائه الصحفي، يوم الثلاثاء 24 يوليو.

[11]  د.إحسان الشمري، رئيس مركز التفكير السياسي ببغداد، في لقاء مع قناة الحدث 16/7/2018.

[12] ضمن بيان مجلس محافظة بغداد، الأحد 15 يوليو.

[13]  ما أعلنه حزب الفضيلة 23 يوليو.

[14]  بيان تيار الحكمة  المصرح به يوم 24 يوليو.

[15]  في لقائهم 24/يوليو.

[16] وقد ألمح بعض أعضاء دولة القانون، بانَّ ذلك يحمِّلُ الصدريين مسؤولية تأخير تشكيل الحكومة القادمة، وكذلك إذا أقدم العبادي على إعلان حكومة إنقاذ وطني.

زر الذهاب إلى الأعلى