كتبمراجعات

حول منهج النظر في النظام السياسي المعاصر لبلدان العالم الإسلامي

أولًا: مدخل التناول

تتناول الورقة عرضًا للمبحث الأول من كتاب (منهج النظر في النظم السياسية المعاصرة لبلدان العالم الإسلامي) للمستشار طارق البشري[1] ، تحت عنوان: “حول منهج النظر في النظام السياسي المعاصر لبلدان العالم الإسلامي”. و يتم طرح محتوى الورقة في ضوء عدد من الخرائط تتداخل في عناصرها مع خماسية (توماس كون)، بحيث يتناول العرض خريطة الأسئلة التي يطرحها الكاتب، خريطة الأزمات والإشكاليات التي يدور حولها، الخريطة التفسيرية، الخريطة المفاهيمية، الخريطة التحليلية.

فالخريطة التفسيرية تتضمن الحجة الرئيسية التي يدور حولها المحتوى، وكيف قام البشري بإثباتها في ضوء عوالم التناول ومنظومة حجاجية شاملة تمثل طبوغرافية أفكار الدراسة، تم تقديمها في ضوء تصنيفات متنوعة، وهو ما يمثل منظومة الحجج تصنيفًا، ثم وسائل الإقناع وأهم المقولات التفسيرية التي تم استخدامها. أما بالنسبة للخريطة المفاهيمية فتمثلت في شبكية مفاهيم الدراسة، والتي يمكن تسكينها في ضوء عنصري مفهوم النظام، ثم المنهجية التي استخدمها البشري في بناء مفاهيمه، الخريطة التحليلية تمثلت في مستويات ووحدات وأدوات التحليل. ويلاحظ أن هناك قدرًا من التداخل بين هذه الخرائط؛ فالخريطة المفاهيمية في بعض عناصرها تمثل جزءًا من الخريطة التفسيرية، كما أن خريطة الأزمات والأسئلة تمثل المدخل الرئيسي لفهم بقية الخرائط، وخاصة الخريطة التفسيرية.

ثم ينتهي العرض إلي ربط الخلاصات التي يمكن استنتاجها من الدراسة بموضوع الحكم الصالح الرشيد، وتمثل ذلك في عدد من الخلاصات العامة بالإضافة إلى ما يقدمه البشري نفسه من خلاصات في نهاية الدراسة، حول كيفية إصلاح واقع المؤسسات وعلاقتها بدوائر الانتماء المنبثقة منها.

ثانياً:- التعريف بالكاتب

هو المستشار طارق البشري، ولد فى أول نوفمبر عام 1923، التحق بكلية الحقوق، ثم عمل قاضيًا، ثم نائبًا لرئيس مجلس الدولة، ورئيس الجمعية العمومية للإفتاء والتشريع. انتهت ولايته عام1998، وكان له إسهامات عديدة فى الفكر والقضاء والتاريخ والشريعة. تناول إنتاجه الفكرى قضايا المسلمين والأقباط، الديموقراطية، العروبة والإسلام، الأصيل والوافد…إلخ. و يتميز البشري بأنه واسع الثقافة فكريًّا وفقهيًّا، الأمر الذي مكنه من الاستنباط عند اللزوم وتنزيل النص أو التدليل على الواقعة؛ لذا كان له فى فقه الواقع مقولات مهمة منها ما يتعلق بترشيح المرأة، والأقليات الدينية، كما ارتبط فكره بفقه المقاصد. وقد لعبت موضوعات كالقضية الوطنية خلال الثلاثينيات والأربعينيات دورًا كبيرًا في تشكيل فكر البشري.

ويلاحظ أن الخريطة الفكرية للبشري مرت بتحولات؛ فبعد التخرج كان ينظر للشئون العامة (ومنها السياسية) نظرة علمانية بحتة، وذلك لتعمقه في قراءة الفكر السياسي والفلسفي الغربي، والثورات الاشتراكية في العالم، وحركات التحرر في البلاد المستعمرة، لكن هزيمة 67 والصدمة الفكرية التي لحقت بها في الداخل العربي والإسلامي، أثارت العودة للذات وبخاصة في أوساط النخبة الثقافية، وترتب على ذلك مراجعة وإعادة بناء المسلّمات وتركيبها من جديد، وكان ذلك وفق أسس نظرية ومعرفية إسلامية. و تجدر الإشارة إلى أنه قبل التحول، كان للبشري نموذج فكري سياسي له مفاهيم مركزية تقوم على  الاستقلال الوطني (السياسي والاقتصادي)، والوحدة العربية (إقامة كيان دولي عربي)، كما كان له توجه اشتراكي يتمثل في إقامة الاقتصاد الوطني على أساس العدالة الاجتماعية. و أبرز ما كتب في هذة المرحلة هو: “الحركة السياسية في مصر 1945- 1925”.

و يلاحظ أن كتابات البشري في المرحلة الثانية ركزت على أن المشكل الذي يواجه العالم الإسلامي، يتمثل في غياب البعد الحضاري والروحي من المعادلة، وأن أساس الاستقلال هو الشعور بالهوية، وأساس الهوية هو الإسلام بعقيدته وتراثه وحضارته؛ فسؤال الاستقلال ليس أن نملك مواردنا ولكنه شعور الجماعة بتميزها وترابطها وإحساسها بالانتماء المشترك. وبناء عليه فالاستقلال العقيدي هو أصل الاستقلال الوطني بشقيه السياسي والاقتصادي، والفكرة الإسلامية (الدين الحضاري وليس الشعائري) تعد مكونًا أساسيًّا في أي بناء اجتماعي أو سياسي للجماعة الوطنية. وأكد البشري على العلاقة التلازمية بين الديموقراطية والاستقلال الوطني، وتناول بالنقد فكرة ربط تيار فكري معين بقوة اجتماعية بعينها، لأن ذلك يتجاهل حقيقة أن الفكر لا يعمل في فراغ؛ بل في بيئة اجتماعية وسياسية.

وصل البشري بعد ذلك إلى مفهومين غاية في الأهمية، وهما مفهوما الوافد والموروث ، أعاد بهما تقييم أداء الحركة الوطنية والتجارب السياسية ومعطيات الفكر واتجاهاته وحركة التشريعات والمؤسسات والقوانين.  كما أشار إلى مفهوم الاستقلال الحضاري، ويتضمن كل الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والثقافية، ويضم داخله الاستقلال الوطني ببعديه السياسي والاقتصادي، بالإضافة إلى البعد الفكري (الثقافي أو التشريعي أو العقيدي)، وكل ذلك يهدف إلى الحفاظ على تميز الذات الحضارية فى مواجهة الآخر، وتجميع القوى الوطنية وكافة التيارات السياسية والفكرية فى مواجهة ما يهدد ذلك. ويعد أساس المنظور الحضاري عنده هو أصالة الذات الحضارية وتميزها. هذا التميز أصله الإسلام بوصفه عقيدة ورابطًا سياسًّا وثقافة شاملة لكل شيء، وهو أصل الشرعية ومعيار الاحتكام والإطار المرجوع إليه في النظم الاجتماعية والسياسية وأنماط السلوك، هذا الكيان الحضاري انبنى عبر السنين ويشكل هوية الجماعة وانتماءها وتجانسها، فهو الميزان وليس الموزون، ويتضمن الحفاظ على الذات الحضارية أيضًا ضرورة تجديدها، وحسم مسألة الهوية لصالح الأمة والجماعة، وتحديد علاقات التدرج والترابط بين مستويات الهوية.[2]

ثالثًا:- خرائط العرض

  • خريطة الأسئلة:

تدور الدراسة حول جملة من الأسئلة الرئيسية، والتي تتمثل في:

    • هل هناك نظم سياسية يتميز بها العالم الإسلامي المعاصر؟ وما هي الخواص المميزة للنظم الإسلامية في العالم الإسلامي؟
    • ما هو واقع النظم السياسية في العالم الإسلامي؟ أسباب هذا الواقع وكيفية الخروج منه؟
    • مما يتأتى سلطان الدولة في الجماعة، وكيف تتشكل الهيئات التي تفضي إلى تحقق هذا السلطان؟ (علاقة السلطة والمجتمع/ أزمة الهوية – أزمة المؤسسية – أزمة الاستبداد).
  • ماذا نأخذ وماذا نترك من الغرب؟ (اختلاف الأوضاع لا يقتضي تماثل النتائج)، هل كان هذا الافتراض (تماثل الأوضاع التي يجري فيها إعمال المنقول) صائبًا يؤيده الواقع التاريخي؟ وهل صح منهجيًّا في تقدير التماثل والتباين، وهل دقت موازيننا في تقرير ما نختار أخذ أو تركه؟
  • خريطة الأزمات:

يتعرض النص لعدد من الأشكاليات والأزمات التي يعاني منها الواقع العربي والإسلامي، وتدور جميعها في ظل إشكالية أو ثنائية كبرى هي: الأصالة والمعاصرة، أو الوافد والموروث؛ حيث يتبع هذه الإشكالية ثلاثية متداخلة ومتفاعلة فيما بينها.

3-الخريطة التفسيرية:

يركز المبحث محل التناول على أزمة النظم والمؤسسات السياسية في العالم الإسلامي في إطار الإشكالية الأكبر للمشروع الفكري للبشري، والمتمثلة في العلاقة بين الأصل والعصر. فالمبحث يقدم رؤية تحليلية لهذه الأزمة في ضوء مدخل تاريخي مقارن، يركز على التفاعل بين عدة عوالم هي:

التفاعل بين هذه العوالم المختلفة يدور حول حجة رئيسية تتجسد في:

النقل والاجترار والإحلال من الغرب/ الوافد، أسهم في خلق أزمات ثلاث هي: (المؤسسية – الهوية – الاستبداد).

                              ↓

“نحن نعيش الآن في عالمنا الإسلامي في ظل نظم سياسية آخذة جلها من النظم الغربية المعاصرة، ونعدل فيها ونغير في إطار مضروب من هيمنة الفكر السياسي الغربي ونظمه ومؤسساته”.
“لكل مجتمع أن يعيد بناء نماذجه التنظيمية، ويعيد تشكيل العلاقات بين بعضها البعض، ويمكنه أن يضيف إليها، وأن يطور نماذجها وأن يستفيد من النماذج التنظيمية الموجودة لدى الآخرين”.
“ولكن كل هذا لا يعني الهدم والإزالة لكل ما هو موجود، ولا النقل والإحلال لأصل النظم.. فإن ذلك فيه من التدمير والتشويه ما لا يعوضه قيام الأبنية الجديدة”.

“… انقطاع التجربة التاريخية للمجتمع المعني وإحلال تجربة تاريخية لقوم آخرين… إحلال نماذج تأتي من (خارج التاريخ) بالنسبة للمجتمع المعني بغير إعمال لقواعد الهضم والتمثل الحضاري، وبغير الاخضاع للأوضاع التاريخية للمجتمع المعين”.

  • المنظومة الحجاجية (إجمالاً)/ طبوغرافية الأفكار:-

البشري حاول أن يثبت حجته الرئيسية، والتي تدور حول واقع التشويه والتدمير لمؤسسات ونظام العالم الإسلامي، بحكم إشكالية النقل والإحلال دون مراعاة النشأةالتطورالدلالة الاجتماعية للواقع المنقول إليه من خلال منظومة حجاجية تجمع في طياتها (الإطار المفاهيمي)، حيث يقدم مدخلًا تاريخيًّا مقارنًا لدلالات المفاهيم على صعيد الممارسة والهياكل والمؤسسات وتطورات الأحداث التاريخية، ومن ثم يمكن الإشارة إلى منظومة الحجج في ضوء الآتي:

المنظومة الحجاجية (تصنيفًا):

(أ) الحجج التاريخية الواقعية:

1- السياق التاريخي والزمني لنشأة حركات الإصلاح بالغرب والشرق بعيدًا عن خطوط المواجهة بين الطرفين، وأثرها على البنى التنظيمية والمؤسسية:

الغرب الشرق
خطوط المواجهة روما – فيينا – موسكو دمشق – القاهرة – الحجاز – استانبول
نشأة حركات الإصلاح بعيدًا عن خطوط المواجهة في منتصف القرن السابع عشر
السياق

– تمت في وقت استقرار وأمن.

– لم يعد الغرب آمنًا فحسب وإنما صار إلى الخروج والانتشار.

– وقوع الالتفاف الأوروبي على بلاد الشرق والمسلمين.
إذن: “نظام ظهر واستتب في مجتمعات العمق الآمن في غرب أوربا، انتقل إلى مجتمعات مواجهة بل أكثر من ذلك.. مجتمعات مغزوة؛ لذلك اختلفت الصورة، واختلفت الوظائف، واختلفت النسب والأحجام”.

2- أسباب نشأة أسلوب (القرار الجماعي)، كنموذج تنظيمي في الغرب دون أن يجد مثيله في العالم الإسلامي:

أ- الغرب:

    • التأثر بالتاريخ الروماني (نظام المجالس).
    • النموذج المجتمعي للكنيسة خلال القرن الثاني الميلادي.
  • مجالس الدايت خلال القرن الرابع عشر.

الأسباب:

    • الجغرافية السياسية من حيث “وضع التفتت الأوروبي في القرون الوسطى إلى إقطاعات ودويلات ومدن، وصراع الملوك لتكوين تكوينات مركزي؛ مما أنشأ نوعًا من التوازن بين المركزية والتفتت”.
  • العقيدة: التي سمحت بمبدأ الوساطة والتجسيد، الأمر الذي ساهم في نشأة المجامع الكنائسية.

3- تتبع المسار والسياق التاريخي لحركات الإصلاح في التاريخ الإسلامي المعاصر:

حركة التجديد الفقهي والفكري حركة الإصلاح المؤسسي
النشأة – ابن عبد الوهاب، في نجد (1703 – 1791).

– محمد بن نوح الفلاتي، في المدينة (1752 – 1803).

– ولي الدين الدهلوي، في الهند (1702 – 1762).

– محمد بن علي، الشوكاني (1758 – 1834).

– الشهاب الألوسي، في العراق (1803 – 1854).

– محمد بن علي السنوسي (1843 – 1859).

– محمد المهدي (1843 – 1855).

– حركة السلطان سليم الثالث.

– حركة السلطان محمود الثاني.

– محمد علي.

(جميعها في نهاية القرن الثامن عشر، وبدايات القرن التاسع عشر، مع وقوع عمليات الغزو الغربي لمنطقة القلب).

مجال الحركة – بعيدًا عن مناطق القلب (استانبول- دمشق- القاهرة) وذلك لاتصال هذه المناطق بهئيات الحركة والسلطان. – على امتداد محور السلطة المركزية للدول العثمانية.

4- ينتقل البشري من السياق التاريخي للحجة السابقة التي تدور حول تصنيفات حركات الإصلاح، إلى حركتين رئيسيتين ومجال حركة كلًا منهما للإشارة إلى أن نشأة حركة الإصلاح المؤسسي التي ارتبطت بوقوع الغزو الخارجي، وأن هذا الغزو ذاته كان له عدد من التداعيات سواء على طريقة تعاطي حركة الإصلاح المؤسسة مع آليات وكيفيات الإصلاح أو تفاعلها مع حركة التجديد الفقهي والفكري، وأثر ذلك على النظم السياسية والمؤسسات داخل العالم الإسلامي، وهو ما يمكن إجماله في الآتي:

(1) آليات وكيفيات الإصلاح لدى حركة الإصلاح المؤسسي:

– البدء بالمؤسسة العسكرية وما يرتبط بها، من إدخال أنماط جديدة للتعليم تتعلق بعلوم الصنائع وفنونها؛ للاستخدام الأمثل والسيطرة على وسائل الحرب.

– السرعة في الحركة في التنفيذ؛ لمواجهة الخطر الخارجي.

– إنشاء (مؤسسات بديلة) برجال وفكر آخرين، مع الإبقاء على المؤسسات التقليدية في الجيش أو التعليم أو الفكر والإدارة، تجنبًا للخلاف والصراع مع تلك المؤسسات ورجالتها.

هذه الآليات لم ترتبط بالتحدي الذي شكله الخطر الخارجي وسرعة التحرك لمواجهته فقط، ولكن بطبيعة القائميين على الحركة، حيث كان يقوم عليها “رجال دولة ومديرو أعمال ومنفذو سياسات، وهم بحكم نوع أعمالهم وخبراتهم ذو حس عملي مباشر، ولا ينشغلون كثيرًا بالجوانب النظرية والفكرية”، “ولم يهتموا بأن يظهر الجديد (المؤسسات) انبثاقًا من القديم، إنما أبقوا القديم على حالة من القدم، فكرًا ومؤسسات ورجالًا”.

5- تتبع مسار الأحزاب السياسية ودلالاتها في السياق الغربي والإسلامي:

الغرب العالم الإسلامي
النشأة مع تجارب التاريخ الغربي الأوروبي والأمريكي منذ منتصف القرن الثامن عشر. “بعد تمام السيطرة الأوروبية وانتهاء مرحلة المقاومة بواسطة الحكومات وانتهاء مرحلة المقاومة العسكرية.. بعد كل ذلك بدأت مرحلة مقاومة الحكم الاستعماري بأساليب مقاومة الحكام.. تحت ما سمي باسم الأحزاب الوطنية”.
ستأثير النشأة على الوظيفة هدف الوصول إلى ممارسة السلطة بغية تحقيق سياسة معينة التحرر الوطني، وتمثيل مصالح الأمة في مجموعها.

(ب) الحجج المفاهيمية:

النظر إلى منظومة الحجج التي يقدمها البشري يقتضي التعامل معها ككل متكامل ومتداخل، بين عملية تعريف المفاهيم وتحديدها، ثم الإشارة إلى تنوع مضامينها بين الرؤية الغربية والرؤية الإسلامية، من خلال تاريخ الممارسة للمؤسسات والأحداث.

ومن ثم فالمفاهيم التي يقدمها البشرى ترتبط بتنزيل المفهوم إلى سياقه وتطورة التاريخي، استنادًا إلى ذلك يمكن تقديم أكثر من حجة مفاهيمية تتداخل مع الحجج التاريخية سالفة الذكر، وتتجسد في:

    • ارتبطت بالتعريفات المتعلقة بمفهوم الحزب واختلاف دلالاته فى الخبرة الغربية والإسلامية.
  • الإشارة في مفهوم النماذج التنظيمية إلى أنه “بقدر ما يستطيع النظام الجديد الاستفادة مما هو موجود فى المجتمع من هذه النماذج، وبقدر ما يستطيع أن يقلل من جهود الابتكار… بقدر ما يصنع ذلك بقدر ما يكون النظام الجديد أنفذ وأفعل وأصدق أداءً وأعظم استقرارًا”.

 

(ج) الحجج عقلية :

    • الموعظة تأتي بالأخذ والترك لا بأحدهما فقط.
    • لا يعني أن تجارب كل مجتمع تنفي تجارب الآخر.
    • النظر إلى دوائر الانتماء باعتبارها وحدات انتماء جامعة وليست مانعة تتكامل ليغذى الفرعي منها العام.
  • متى صار الشعب أفرادًا فقد صار الحاكم فردًا لزوال التكوينات الضاغطة.

(د) الحجج التمثيلية:

“وننظر إلى وحدات الانتماء بوصفها نوعًا من أنواع أجولة الحبوب تحمل حبات منفصلًا كل منها عن الأخرى، وتلف وحدات متماثلة على غير تنوع ولا تدرج ولا تفاعل بين بعضها البعض”.

(هـ) الحجج المرجعية:

تمثلت فى الرجوع إلى قوله تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ}، وذلك للتأكيد على أنه لم تكن هناك حاجة دينية لقيام هيئة أو مجلس على غرار الخبرة الأوروبية.

  • وسائل الإقناع:

تمثلت بصورة رئيسية في ضرب المثال؛ فالبشرى يدعم العديد من التعميمات التي يصل إليها لتوصيف سياق واقعي أو تاريخي ما، بأمثلة تؤكد صحة هذا التعميم، أو يستخدم الأمثلة لشرح وتبسيط بعض الأفكار والمفاهيم، وللدلالة على ذلك نشير إلى بعض الأمثلة التي تم طرحها:

1- “المقارنة بين المدارس التي أنشأها محمد علي لتغذية الجيش المحارب، وتقتصر على تدريس علوم الصنائع وفنونها كالهندسة والطب والحربية… إلخ، وبين مدارس الخديو إسماعيل والاحتلال البريطاني مع نهاية القرن التاسع عشر التي صرفت همها عن تلك العلوم إلى تدريس الأدب والنظم القانونية الوافدة”، “المقارنة المماثلة بين بعثات محمد علي في أوائل القرن الماضي وبعثات الاحتلال البريطاني في أواخر ذلك القرن”.

وذلك في إطار التعميم الذي يطرح حول تحول الأبنية والمؤسسات الحديثة عن هدف مقاومة الاحتلال، إلى تثبيت التبعية الغربية.

2- الأمثلة المتعلقة بتوضيح أن النظام الديمقراطي الليبرالي الغربي يكون أكثر استقرارًا في حالة وجود قوتين سياسيتين فقط: “متوسط عمر الوزارة في فرنسا في عهد الجمهورية الرابعة من 1945 إلى 1958 كان ستة أشهر، وأن تأليف الوزارات وسقوطها لم يكن يجري مع كل انتخابات جديدة، إنما كان يجري مع كل تغير في خريطة الائتلاف السياسي بين الأحزاب”.

3- الأمثلة المتعلقة بالخبرة الحزبية داخل مصر والهند وباكستان، للإشارة إلى أن مفهوم الحزب في السياق الإسلامي ارتبط بمفهوم (الجماعية).

4- الإشارة إلى حزب المؤتمر في الهند كمثال لتوضيح مفهوم (الحزب الدولة)، والحالة المصرية والباكستانية لتوضيح مفهوم (الدولة الحزب)، والدول الأفريقية (غانا، مالي، غينيا، تنزانيا) للإشارة إلى ظاهرة الحزب الذي تحول إلى دولة.

5- تضمين العديد من الأمثلة لشرح فكرة وحدات الانتماء والتفاعل فيما بينها، ومن ذلك:

– النمو التدريجي لوحدة الانتماء الأوربية على حساب وحدات الانتماء القومية التي شكلت الوحدات العامة حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، وانفكاك وحدة الانتماء الإسلامية مع انهيار الخلافة، في مقابل صعود الوحدات القطرية. وذلك في إطار الإشارة إلى أن الظروف التاريخية تبرز وحدات الانتماء العامة الخاصة بها.

– انطماس مشاعر الانتماء بسبب الوهن الذي لحق بالمؤسسات القائمة عليها مثل: وهن الشعور الجمعي بالجماعة الإسلامية مع انهيار الخلافة، أو ضعف روابط القرابة بسبب تشتت الكيانات الأسرية الأكبر… إلخ.

  • المقولات التفسيرية:

يمكن تحديد جملة من المقولات التى ترتبط بشكل لصيق بتفسير وتدعيم الحجة الرئيسية وخريطة الإشكاليات التى يتناولها البشري، وتتمثل في:

    • الموعظة تأتي بالأخذ والترك لا بأحدهما فقط.
    • نقل النافع من هناك لينفع هنا، يعنى افتراض تماثل النتائج المترتبة على النقل، وهذا يقتضي تماثل الأوضاع التى يجري فيها إعمال المنقول.
    • نظام ظهر واستتب فى مجتمعات العمق الآمن في غرب أوروبا انتقل إلى مجتمعات مواجهة.. لذلك اختلفت الصورة واختلفت الوظائف واختلفت النسب والأحجام.
    • بقدر ما يستطيع النظام الجديد الاستفادة مما هو موجود فى المجتمع من نماذج، وبقدر ما يستطيع أن يقلل من جهود الابتكار وإيجاد غير الموجود.. بقدر ما يصنع ذلك بقدر ما يكون النظام الجديد أنفذ وأفعل وأصدق أداءً وأعظم استقرارًا.
    • لا يعني أن تجارب كل مجتمع تنفي تجارب الآخر.
    • إننا تصورنا أن ما ذكره المفكرون الغربيون من أن الفرد هو لبنة المجتمع وأساس قيام النظام، تصورنا أنهم يتكلمون عن أمر واقع وليس عن تصور فلسفي وعن تبسيط منطقي.
  • متى صار الشعب أفرادًا لزوال التكوينات الضاغطة، ولأنه لا توجد وقتها إلا وحدة الانتماء الأعم التي تتشخص فيه بذاته منفردًا عما عداه.

4– الخريطة المفاهيمية:

تدور الخريطة المفاهيمية للمحتوى حول مفهوم محوري/ منتج، بمعنى أن عناصره الرئيسية ترتبط بحملة المفاهيم الأخرى التي تم تناولها:

  • مفهوم النظام :

يجمع بين الفكر الذى يمثل التصميم الكلي، وبين النماذج التنظيمية أو الأجهزة التي يتشكل التصميم من مجموعها ومن طريقة رسم علاقاتها وفقًا للرؤية الكلية والوظيفية العامة المبتغاة.

    • مفهوم الفكر: أسلوب التشكل وإعادة التشكل للمفردات التى يتكون التصميم العام من مجموعها، ومن طريقة اتصالها ببعضها البعض، ومن تحديد مادة عملها سواء المدخلات إليها أو المخرجات منها.
    • النماذج التنظيمية: أجهزة المفردات وتتشكل بالفكرة، أي وفقًا للمفهوم العام الذي يعبر عنه النظام، ويشير إلى الهيئات والمؤسسات التي يتشكل منها التكوين العام للنظام، وهذه النماذج لا تبتكر كلها ابتكارًا، إنما يستخلص ما يمكن استخلاصه منها من الأوضاع القائمة ومن الهيئات والمؤسسات الموجودة، سواء بإصلاح عيوبها وكشف ما ضمر من وظائفها وتعديل هذه الوظائف، أو تعديلها هي نفسها بما يهيئها للأداء الجديد المطلوب منها فى إطار النظام الجديد، وتعديل علاقاتها مع غيرها بما يمكنها من هذا الأداء، وبقدر ما يستطيع النظام الجديد الاستفادة مما هو موجود فى المجتمع من هذه النماذج، وبقدر ما يستطيع أن يقلل من جهود الابتكار وإيجاد غير الموجود.. بقدر ما يصنع ذلك بقدر ما يكون النظام الجديد أنفذ وأفعل وأصدق أداءً وأعظم استقرارًا.
  • الديمقراطية: شكلاً للحكومة يمارس اتخاذ القرار السياسي فيه جمهور المواطنين، بما يسفر عنه ذلك من رجحان ما تنحاز إليه الأغلبية، وتعد تطورًا حضاريًّا لمفهوم اتخاذ القرار من الجماعة، ومن تصنيفاتها: الديمقراطية النيابية – الديمقراطية الدستورية.

وإذا كان مفهوم الديمقراطية يمثل تطورًا حضاريًّا لمفهوم اتخاذ القرار من الجماعة/ أسلوب القرار الجماعى، فالبشري يشير إلى عدد من الدلالات ترتبط بهذا المفهوم:

    • القرار لا يصدر من فرد واحد أو ينسب إليه، وإنما ينسب إلى الجماعة.
    • ارتباط القرار بالجماعة يقتضي الاستناد إلى آلية (الأغلبية).
    • تجريد الهيئة كتكوين مؤسسي عن أشخاص مكونيها.
    • تجريد الأعداد عن أشخاصها.
    • التجريد يقتضى المساواة، والعد يفترض المساواة بين المعدودين.
  • الحزب: علي صعيد الرؤية والواقع الغربى: تنظيمات تتحرك على الصعيد الوطني أو المحلي من أجل الحصول على دعم شعبي، بهدف الوصول إلى ممارسة السلطة بغية تحقيق سياسة معينة، ولفظ الحزب في الإنجليزية والفرنسية يأتي من لفظ (الجزء) أو (القسم)؛ حيث يشير إلى أقسام من المواطنين ينتظمون في هيئة لما يتشابهون فيه من مساعٍ سياسية وأهداف اجتماعية، ويجمعون قوتهم وجهودهم المشتركة للوصول إلى الحكم لتحقيق ما يلتقون عليه من أهداف سياسية أو من أغراض اجتماعية، يسعون إليها بالوسائل السياسية المتعلقة بالسلطة في المجتمع.

لذلك فإن التنظيم الحزبي في الغرب يعكس مصالح فئات اجتماعية معينة أو أقليات عنصرية وقومية.

على صعيد الرؤية والواقع الإسلامي:

النظام الحزبي في المجتمعات الإسلامية يختلف عما عرفه الغرب؛ لأنه لا يتعلق بأوضاع الفئات المختلفة داخل المجتمع ولا مصالحها، وإنما يشير إلى مفهوم (الجماعة)؛ حيث كانت الأحزاب بمثابة هيئات جامعة تشخص مصالح الأمة في مجموعها وتؤكد مفهوم الجامعية بحكم نشأتها لمقاومة الاحتلال.

هذا السياق استخدمه البشري للإشارة إلى حزمة من المفاهيم ترتبط بالظاهرة الحزبية فى الواقع الإسلامي وهي:

    • الحزب الجامع: للدلالة على مفهوم الواحدية والجامعية، دون أن يعني أنه حزب واحد ينفى التعددية وإمكانية ظهور أحزاب أخرى.
    • الحزب الدولة: أي الحزب الأساسي الواحد الذي تحول إلى دولة والتصق بها، مثل حزب المؤتمر فى الهند.
    • الدولة الحزب: أي انتهى وجود الحزب الجامع الذي قاد حركة التحرر وظهرت الدولة بسيطرة عسكرية لتقود حركة البناء، وتحول جهاز الدولة إلى نوع من أنواع الأداء الحزبي الوظيفي فضلاً عن وظائفها الإدارية.
  • الحزب الذى تحول إلى دولة ينشئها بنفسه بعد قيادة حركة التحرر؛ لعدم وجود جهاز قديم قادر على أداء وظائف الدولة؛ مثال: الحالة الأفريقة على مدار الستينيات.
  • المؤسسة: تكوين جمعي ينتظم أو يحيط بجماعة بشرية يربط بينها نوع اجتماع مشترك، وتحل به ذات جماعية لدى أفرادها محل ذواتهم الفردية، وهى تقوم على روابط مصلحية أو تكوين فكري منسجم قادر على تحقيق هذه الذات الجماعية. وهى تتوخى تحقيق أهداف وجود مشترك سواء لهذا الجمع المؤسسي نفسه أو لجماعة كبرى خارج إطار هذا الجمع المؤسسي”.
  • الجماعة السياسية – وحدات الانتماء التيار الأساسي: الجماعة السياسية هي وحدة الانتماء العامة أو وحدة الانتماء الأساسية التي تقوم عليها الدولة ويتعلق بها نظام الحكم. ومن الخطأ النظر إلى المجتمع كأفراد دون إدراك ما يجمعهم من وحدات الانتماء الفرعية المتداخلة في المجتمع. فإن المجتمع يتكون من وحدات انتماء لا حصر لها (على أساس الدين، المذهب، الملة، المشرب الثقافي، اللغة، نوع التعليم، المهنة، الإقليم، الحي، إلخ) وهذه الوحدات ليست متداخلة فقط، وإنما متحركة ومتغيرة بين بعضها البعض؛ فهي تتآلف وتتنافر وفق الأحداث السياسية والاجتماعية، ووفق وعي الناس بما يجد ويطرأ من أوضاع تستدعي التآلف أو التنافر. ومن هذه الوحدات تظهر في كل مرحلة تاريخية وحدة الانتماء العامة التي تعتبر الحلقة الكبرى والأساسية التي يتشكل المجتمع وفقًا لما تفيده والتي تعتبر الحلقة الحاكمة لغيرها أو الوحدة الحاكمة لغيرها، وما بعدها يمكن الإشارة إليه باعتباره وحدات الانتماء الفرعية.

ويذهب البشري إلى تحديد العوامل التي تتبلور وفقًا لها وحدة الانتماء العامة، فيُجملها في الآتي:

    • إن الأوضاع التاريخية والاجتماعية ترشحها لأن تقوم بالوظيفة الأساسية، وأن تستجيب للتحديات الأساسية التي تواجه الجماعة بوحداتها كافة في مرحلة تاريخية معينة، وقد حدث في بلادنا أن تناثرت أشلاء بسبب اقتسام القوى الغربية لها واحتلالها إياها وسقوط الخلافة كمشخص لوحدة الانتماء العامة بينها جميعًا. وفي مثل هذه الأوضاع فإن القطر المجتزأ ينشىء من داخله ويهيىء من أشلائه التشكيلات التي يستطيع بها أن يسيطر على وضعه، ومن ثم تنشأ له ذاتية خاصة وقدرة خاصة على التعامل بمحيطه المضروب عليه كوحدة سياسية اجتماعية وكوحدة انتماء عام. وهى فيما تصنع، تعيد ترتيب وحدات الانتماء الأخرى على أساس أن تلتحق هذه الوحدات بها كوحدة حاكمة. وعند وجود خطر خارجي تحشد له قوى المواجهة وتنشط معه وحدات الانتماء القادرة على مواجهته بحجم الشمول والعموم المطلوبين.
    • حجم التحدي الذي يواجهه المجتمع ونوع هذا التحدي يؤثر في وجود الانتماء وفي غلبة وحدات بعضها على بعض في فترات تاريخية معينة، سواء بالسلب أو الإيجاب.
    • العلاقة بين الوحدات العامة والوحدات الفرعية هي علاقة متحركة ومتغيرة، وتتحول بين العموم والخصوص من حال إلى حال بما تسعى إليه أو بما تنضغط فيه من أحوال.
  • وحدة الانتماء العامة يكون لها قدر من الثبات النسبي، ولكنها تقبل التأثر والتأثير من داخلها بواسطة الوحدات النوعية ومن خارجها بواسطة الأوضاع العامة المحيطة.

التيار السياسي الأساسي (الانتماء الأشمل): يتميز بالوسطية حيث يراعي ضوابط المجتمع كله وتوازناته المعقدة، يمثل الوعي الجمعي بالمتطلبات الكلية لوحدة الانتماء العام في المجتمع. إذا غاب عن هذا التيار تضمين أي من القوى الاجتماعية القائمة بشكل كافٍ، هذا سيؤدي إلى انقلاب هذه القوى وانفلاتها من محيطه الجامع مما يؤدي إلى فشله.  بقاء التعدد هو السبيل لتنبيه التيار الأساسي بما يمكن أن يحدث من انقلابات قبل أن تضيع فرصة تداركها؛ مما يتيح له فرصة مستمرة للتصحيح وتكشف ما يظهر من قوى اجتماعية جديدة أو من تغير في الأوزان النسبية للقوى القائمة.

 

  • منهجية بناء المفاهيم :

يعتمد البشري على منهاجية تحدد مضامين ودلالات المفاهيم انطلاقًا من خبرات الممارسة على أرض الواقع، ومن ثم فالبناء يقوم على ركيزتين:

    • ذاكرة المفهوم.
  • تشغيل المفهوم فى سياقه.

5- الخريطة التحليلية:

  • مستويات التحليل:

يدور المحتوى محل التناول بين عدد من العوالم هي:

– عالم المؤسسات.

– عالم المفاهيم التي تقوم عليها المؤسسات.

– عالم الأحداث والوقائع الذي يؤثر على مضامين المفاهيم، وواقع الحركة كذلك بالمؤسسات.

هذه العوالم الثلاثة تتحرك في أطر جغرافية تنقسم بين الغرب -كرقعة حضارية وتاريخية وثقافية تشمل الغرب الأوروبي والأمريكي-، والشرق؛ في إشارة للعالم الاسلامي كرقعة حضارية وثقافية تتشابه في ظروفها مع دول العالم الثالث في آسيا وأفريقيا.

(ب) وحدات التحليل:

وحدة التحليل التي يركز عليها البشري خلال هذا المبحث هي “المؤسسة”، وذلك لأن المفهوم الذى يقدمه للمؤسسة يجمع فى طياته أكثر من عنصر شكل محور التحليل والتناول للحجج والأفكار الرئيسية المطروحة؛ فالمؤسسة قوام الجماعة التي تتشكل منها أي وحدة من وحدات الانتماء، “ومن ثم فمفهوم المؤسسة يشمل الجماعة ويشير إلى الانتماء، والانتماء بدوائره العامة والشاملة يخلق التيار الأساسي للمجتمع، الذي يقوم على شعور اجتماعي لدوائر انتماء أعم وأشمل، تستوعب دوائر الانتماء الفرعية، وهذا الانتماء او الشعور لابد أن ينتظم (يتمأسس) حتى تكتمل له الفاعلية.

هذه الوحدة تدور داخل وحدة أوسع وأشمل تتمثل في (النظام) ككل، الذي يضم المؤسسة -كنموذج تطبيقي-، والفكر كرؤية محركة.

ومن ثم يمكن النظر إلى وحدات التحليل لدى البشري في صورة دوائر متحاضنة ومتفاعلة، تتمثل في الآتي:

(ج) أدوات التحليل:

تستند الدراسة إلى الاقتراب التاريخي المقارن بين الخبرة الغربية والخبرة الإسلامية، على صعيد ظروف نشأة النظم السياسية وتطوراتها ومآلاتها في الواقع الحالي.

رابعًا: الارتباط بموضوع الحكم الصالح الرشيد

يشير المحتوى محل القراءة إلى جملة من القضايا والعناصر، ترتبط بكيفية تفعيل وتحسين واقع (المؤسسات) في العالم العربى والإسلامى، ومن جملة هذه الأمور: ما أشار إليه البشري من دلالات يحملها أسلوب القرار الجماعي، وتشكل ما أسماه بأحجار الزاوية في البناء المؤسسي وتتمثل في:

    • تجريد الهيئة كتكوين مؤسسي من أشخاص مكونيها.
    • المساواة.
    • كذلك ما تضمنه تعريف المؤسسة من القدرة على تحقيق الذات الجماعية وإحلالها في نفوس الأفراد محل ذواتهم الفردية (تجريد الهيئة/ نفي الشخصنة/ تحقيق التوافق والجامعية/ خلق التيار الأساسي).
    • رفض التنافى بين دوائر الانتماء الفرعية والأعم، مما يحقق التكامل بين المؤسسات على مختلف مستويات دوائر الانتماء التى تمثلها.
    • فاعلية النظام وقدرته على النفاذ ترتبط بالاستفادة مما هو قائم فى البيئة الأصلية، وإعادة تشكيله ورسم علاقاته وتوظيفاته، مما يحقق يسر التلقي والنفاذ.
    • عملية التبادل والتفاعل الحضاري على صعيد المؤسسات والمفاهيم والأفكار، لابد أن تقوم على فهم واضح لأوجه التماثل والتباين، وأن يكون الذات الحضارية هي الأصل والوازن فى عملية النقل، وليس الموزون.
    • النظر فيما تهدم من مؤسسات تقليدية لا تزال وحداتها الجمعية قائمة، ولكنها لا تنشط بفاعليتها المرجوة، ومن ثم تنمية أوضاعها لتنمية فاعلياتها الاجتماعية؛ مثال: حركة الطرق الصوفية في مصر، أو الأسر الممتدة فى البيئات وما يزال لها أثرها الاجتماعي كهيئات فاعلة.
    • النظر فى أسباب عدم فاعلية ما نشأ من تكوينات اجتماعية ومؤسسات جديدة؛ كالنقابات والجامعات وتهيئة أوضاع التكوين والتشكل لها كوحدات انتماء حقيقي ذات نظم مؤسسية.
  • ملاحظة إمكانية ظهور وحدات انتماء جديدة أو معايير للتصنيف، بحيث يتم دعمها وتوفير أوضاع التكوين والتمأسس استنادًا إلى معايير:

التاريخية: من حيث تكوين الجماعات وأسس وسياقات وأسباب تكونها.

العفوية: ما يظهره الواقع بغير اصطناع.

الحرية: كفالة ظروف التكوين دون قيود ضاغطة على إرادات الناس في الانضمام والانصراف.

الاستمرار والاستقرار: فالانتماء يتطلب زمانًا واعتيادًا طويل المدى.

  • صدور القرارات الجماعية كبديل عن القرارات الفردية (آليات عمل المؤسسة).

[1] يمثل المبحث الأول بحث مستقل قدم في ندوة عقدها مركز دراسات العالم الإسلامي في عام 1991.

[2]  سناء أحمد سيف، ” قراءة في المشروع الفكري للمستشار البشري”، ضمن تكليفات مقرر الفكر السياسي العربي المعاصر 2005-2006، كلية الاقتصاد و العلوم السياسية، جامعة القاهرة، ص ص 1-4.

زر الذهاب إلى الأعلى