حدث ورؤية

الانتخابات اللبنانية نفوذ سعودي جديد وصراع سياسي متواصل!

 

بعد أكثر من عامين من الفراغ الرئاسي الذي بدأ منذ 31 أكتوبر/ 2022، انتخب البرلمان اللبناني قائد الجيش جوزيف عون رئيسًا للجمهورية، يوم الخميس 9 يناير 2025، يعتبر عون خامس قائد جيش في تاريخ لبنان يتولى هذا المنصب، والرابع على التوالي، والذي جاء انتخابه عقب أزمة سياسية وأمنية ساهمت في تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

الدعم الإقليمي والدولي:

حظي عون بتأييد قوي قبيل انتخابه من قبل “المجموعة الخماسية بشأن لبنان”، والتي تضم الولايات المتحدة، فرنسا، السعودية، قطر، ومصر، كان هذا الدعم الإقليمي والدولي انعكاسًا لتلاقي مصالح هذه الدول على اختيار رئيس يلتزم بسياسات تخدم مصالح تلك المجموعة ويلبي المعايير التي وضعتها، خصوصًا فيما يتعلق بحصر السلاح بيد الدولة، وإبعاد لبنان عن الصراعات مع الاحتلال.

بدوره أيد قصر الإليزيه عماد عون، حيث اعتبره الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خيارًا مناسبًا، كما أبدى الاتحاد الأوروبي تأييده لانتخاب عون، مشيرًا إلى ضرورة التزام الحكومة اللبنانية الجديدة بالإصلاحات المالية والسياسية المطلوبة.

حزب الله: قبول اضطراري وممانعة مستترة:

شهد انتخاب قائد الجيش جوزيف عون رئيسًا للجمهورية اللبنانية جولتين انتخابيتين، حيث لم يتمكن من الحصول على العدد اللازم من الأصوات في الجلسة الأولى، نتيجة موقف “الثنائي الشيعي” المتمثل في حزب الله وحركة أمل، الذين أبدوا تحفظهم عن تأييده، إلا أن الجلسة الثانية شهدت تحولًا في الموقف بعد مشاورات مكثفة داخل البرلمان، ليتم انتخاب عون بأغلبية الأصوات.

لم يكن دعم “الثنائي الشيعي” لعون خيارًا سهلًا، بل جاء نتيجة ممانعة متأصلة من حزب الله لتقديم تنازلات سياسية تتعلق بالنفوذ الداخلي، ومع ذلك، وجد الحزب نفسه مضطرًا لقبول انتخاب عون نتيجة ضغوط واقعه السياسي المتراجع مؤخرًا، وصعوبة طرح البدائل المناسبة له في ظل ظروف حلفائه المعقدة في الداخل اللبناني.

في الجلسة الأولى، أرسل الحزب رسالة واضحة مفادها قدرته على تعطيل الانتخاب بعدم منح عون الأغلبية الكافية، لكن في الجولة الثانية، اختار دعم عون لتجنب عزلة سياسية أوسع، خصوصًا بعد ما أصابه بفعل التطورات الإقليمية، في الحرب الإسرائيلية الأخيرة التي أنهكت قواه الداخلية، وخسر خلالها عددًا كبيرًا من قيادات صفه الأول.

خيار سعودي رابح في الانتخابات:

النفوذ السعودي ظهر بوضوح في المشهد، في اختيار جوزيف عون لرئاسة الجمهورية ونواف سلام لرئاسة الحكومة، وكلاهما معروف بالمواقف المؤيدة لحصر السلاح بيد الدولة، وهو ما يوافق خيارًا سعوديًّا واضحًا لإضعاف نفوذ “حزب الله الشيعي” وحركة أمل المتحالفة معه في البرلمان، وفي الوقت نفسه، خسر نجيب ميقاتي مقعده لصالح سلام، وخرج من المشهد السياسي صفر اليدين، خاتمًا توليه الحكومة بجريمة أخلاقية مهينة، بتسليمه الشاعر عبدالرحمن القرضاوي للإمارات.

 نفوذ سعودي متصاعد وصراع يتجدَّد:

رغم الدعم الذي حظي به عون في الانتخابات داخليًّا وخارجيًّا، إلا أن مهمته القادمة لن تكون سهلة، وسيواجه تحديات جمة على رأسها حالة الاقتصاد المنهار، والتوترات الطائفية، ليمثل انتخابه محطة جديدة في مسار الأزمات اللبنانية، لا تُنهي الصراع بين القوى الإقليمية والدولية، فما تزال الساحة اللبنانية مسرحًا لتنافس دولي وإقليمي بين محوري: المجموعة الخماسية، التي تسعى لترسيخ نفوذها في الدولة اللبنانية، وبين إيران ومحورها الإقليمي، الذي يحاول الحفاظ على نفوذه عبر أدواته الداخلية، وفي مقدمتها حزب الله، إذ يُعدُّ تولي العماد جوزيف عون رئاسة الجمهورية اللبنانية، توجهًا واضحًا نحو إعادة ترتيب الأولويات السياسية اللبنانية، وتحولًا استراتيجيًّا واضحًا من النفوذ الإيراني الذي كان يمثله حزب الله وحلفاؤه إلى وضع أكثر توافقًا وميلًا نحو السعودية والقوى الإقليمية والدولية التي تدعم جوزيف عون من أجل بسط مزيد من نفوذها على لبنان.

 

زر الذهاب إلى الأعلى