ملفـاتوباء كورونا

الشروط الثلاثة اللازمة لمواجهة وباء كورونا

من تجارب الناجحين

 

وباء كورونا بلاء عالمي، ثبت أن العولمة أهم أسباب انتشاره، ومع ذلك تحاول كل الدول مواجهته بشكل منفرد!

حتى الحلفاء التقليديون تصرفوا ككيانات منفردة، فالولايات المتحدة فاجأت الأوروبيين بحظر دخولهم لأراضيها، وداخل الاتحاد الأوروبي نفسه، كل دولة اتجهت منفردة للنجاة بنفسها ومواجهة مشاكلها، ناهيك عن الدول العربية التي تجمعها ثقافة وحدود مشتركة ولم تعبأ بتنسيق أي جهود فيما بينها.  اللافت أن الغرب عادة ما يتصرف بشكل أكثر رصانة وعقلانية وتنسيقا، ولكن الهلع المفاجئ ربما أفقدهم تلك المزايا السياسية المهمة.

الجهة الوحيدة التي حاولت مواجهة الوباء بأساليب تناسب واقع العولمة كانت منظمة الصحة العالمية، لكن أدواتها محدودة، وليس لها أنياب سياسية تفرض بها رؤاها.

 

لعل الثابت المشترك الآن، أن الدول تحتاج أن تواجه الوباء:

  • بسرعة
  • بجرأة
  • وبذكاء.

هذه الثلاثية مطلوبة بشكل كامل، وأي سقوط لأحد أضلاعها يُضعف فاعليتها، لكن قد يعوض إحراز تقدم في الضلعيين الباقيين هذا الضعف. الصين كانت مثالا على هذا، إذ فقدت سرعة الاستجابة للوباء لأسبوعين في بدايته، ولكنها عوضته بعد ذلك.

حتى كتابة هذا المقال، ثلاث دول نجحت في هذا، ووفت بهذه الشروط الثلاثة، وهي كوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان، برغم حجم التعامل الضخم بينها وبين الصين البؤرة الأولى التي صدرت كورونا للعالم.

 

أولا: السرعة

عامل حاسم في محاصرة الوباء. تشير بعض التقديرات أن الصين لو لم تقدم على حزمة إجراءات الحجر الصارمة التي اتخذتها لتضاعف عدد الإصابات بكورونا بـ ٦٧ ضعفا بنهاية فبراير الماضي، وأنها لو بادرت بإجراءاتها أسبوعا واحدا مبكرا، لقلصت عدد الإصابات بأكثر من ٦٦٪ (نظريا أو إحصائيا، وإلا فقدر الله غالب ولا شك). يرى عدد كبير من العلماء الآن، أن الولايات المتحدة خسرت كثيرا بتراخيها، وتصوروا أنها بعدد سكان يزيد عن ٣٠٠ مليون لم تفحص حتى اليوم إلا حوالي ١٥ ألف شخصا، بينما كوريا الجنوبية فحصت أكثر من ربع مليون شخص من سكانها البالغين ٥٠ مليونا فقط.

السرعة تعني أمرين: المسارعة بإجراءات الحجر والفحص معا.  التأخير يعني زيادة الإصابات وبالتالي زيادة الوفيات. توم فريدن الرئيس السابق لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية الأمريكية (CDC) كتب مقالا لافتا هذا الأسبوع بعنوان (هل يمكن أن يقتل كورونا مليونا من الأمريكيين؟) وقدر فيه أن التأخر لحين إصابة ١٠٪ من السكان قد يودي بحياة أكثر من ربع مليون إنسان، والتأخر لحين إصابة نصف السكان قد يودي بحياة مليون ونصف من الأمريكيين، كما بينه في الجدول المقابل.

 

ثانيا: الجرأة

وهذه تحتاج لخيال سياسي واحترام لأهل العلم والخبرات الفنية للإقدام على خطوات قوية قد تحدث تغيرات هائلة في المجتمع. إيطاليا وإسبانيا فشلت في التعامل بالسرعة الكافية، وحاولت تعويضها وتداركها بجرأة بالغة، وبإجراءات كان من الصعب جدا مجرد تصورها في أي مجتمع مفتوح، لكن كلا الحكومتين تمتعت بحس سياسي واحترمت آراء علماء وخبراء الأوبئة والشبكات الاجتماعية. دول كثيرة سارعت وستسارع باتخاذ إجراءات صارمة، في مقدمتها عزل شبه كامل لكل دولة على حدة، بإغلاق الحدود البرية والبحرية وتعليق حركة الطيران الدولية، وفرض المزيد من القيود على أي تجمعات أو حركة تنقل داخلي غير ضرورية.

 

ثالثا: الذكاء

والمقصود به استعمال وتطوير الأدوات التي تساعد في هذه المواجهة المريرة. كوريا الجنوبية مثلا في أوائل فبراير الماضي، طورت تطبيقا حكوميا ينبه المواطنين أثناء سيرهم أو قيادتهم للسيارات باقترابهم مائة متر من منطقة بها مصابون بالفيروس وتاريخ إصابتهم، ليتمكنوا من الابتعاد سريعا. وقد نشأ شيء من الجدل وقتها حول احترام الخصوصية بنشر معلومات عن المصابين، لكن الحكومة أكدت حينها، أن مثل تلك البيانات لا يمكن تداولها خارج الاستخدام الحكومي. الصين بدورها استخدمت أدوات أكثر تطورا واستفادت من أكثر من ٣٠٠ مليون كاميرا منتشرة في أرجاء الصين. التطبيقات الصينية استخدمت الطائرات المسيرة لتحلق على ارتفاعات منخفضة وترسل رسائل صوتية (منتجة بالذكاء الاصطناعي) لتنبيه المارة والسائقين من مخالفات الحجر الصحي المختلفة.  تحتاج الدول أيضا إلى حلول تقنية في الفحص الطبي للكشف عن الإصابة بكورونا، حيث يضطر العاملون الصحيون إلى ارتداء وقاء طبي كامل لإجراء الفحص، ثم عليهم أن يبدلوا هذا الوقاء بعد كل فحص احترازا من تلوثه بالفيروس ممن يتم فحصهم. بدأت بعض الحلول التقنية التي تختصر هذا الوقت بشكل كبير في بعض الدول الأوروبية.

فصول هذه الأزمة الإنسانية الكبيرة تتكشف أمام أعيننا، ويبدو أن ذروتها ما زالت بعيدة، وأحداث الأسابيع الماضية ينبغي أن تكون منارة لما هو آت، إن أردنا أن نواجه القادم بشكل أكثر رشدا.

 

لتحميل البحث

زر الذهاب إلى الأعلى