تقدير موقفوطني

تعديل الدستور: حتمية في الإجراء واحتمالية في التوقيت

 وتفاوت موقف المنادين بالتغيير في حساب المدة المقترحة؛ فهناك من يطالب بأن تتساوى مدة الرئاسة مع مدة مجلس النواب “خمس سنوات”، وهناك التعديل الأكثر رواجًا والمطالب بأن تكون مدة الرئاسة “ست سنوات”، وهناك من تحدث عن 8 سنوات، بل وهناك من تحدث عن أكثر من ذلك، وقد حاولوا في ذلك الالتفاف على المادة رقم  226 من الدستور – وهى المادة التى تنظم إجراءات تعديل الدستورـ ونصت في فقرتها الأخيرة على أنه فى جميع الأحوال، لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية، أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقاً بالمزيد من الضمانات، وقد صنعت هذه التعديلات حالة من الجدل كان لها تبعاتها داخليًا وخارجيًا، ورغم أن التعديلات واقعة لا محالة إلا أن التوقيت هو ما بات أمرًا غير محدد في الوقت الحالي.

تعديل الدستور بدأ مبكرًا:

بعيدًا عن حالة الارتباك المصطنعة حول التعديلات الدستورية، وتوقيت صدورها الخطير فإن المطالبة بتعديل هذا الدستور لم تكن مفاجأة ـ قد يكون الزخم حولها الآن هو المسؤول عن صدمة البعض من المطالبة بتعديل الدستور في عام الانتخابات الرئاسية ـ فالواقع يؤكد أن المنادين بالتعديل لم يخفت صوتهم حتى قبل إجراء الاستفتاء على الدستور، وهناك نماذج إعلامية وسياسية تبنت موقفًا ثابتًا مطالبًا بتعديله، ومنهم الإعلامي أحمد المسلماني الذي عمل مستشارًا سياسيا للرئيس المؤقت الذي صدر في عهده الدستور، إضافة إلى بعض أعضاء مجلس النواب، وهناك من تغير رأيه مثل الدكتور مصطفى الفقي أو ياسر رزق، وقد اكتسبت هذه الدعوات زخمًا بعد التصريحات المتكررة من قبل الرئيس الحالي سواء في إفطار الأسرة المصرية في يوليو 2015 وقوله: إن “الدستور ده طموح جدًا”، أو في كلمته بجامعة قناة السويس بتاريخ 13/9/2015م وقوله: إن “هناك الكثير من مواد الدستور كُتبت بحسن نية”، لافتًا إلى أن “البلاد لا تُحكم بحسن النوايا”.

 وقد تلقف بعض أعضاء مجلس النواب هذه التصريحات وتبنوها، بل إن منهم من جعلها شعارًا انتخابيًا ولاحقًا تبناها هدفًا برلمانيًا له، خصوصًا النائب إسماعيل نصر الدين (وهو نائب سابق عن الحزب الحاكم بعهد مبارك، فاز بعضوية مجلس الشورى الأخير والذي أُلغي، وصدر بحقه حكم قضائي (غير نهائي) ببطلان عضويته النيابية في 20 يوليو 2016) والذي تقدم بها مرتين خلال العام الجاري في فبراير وأعلن تراجعه عنها في مارس، ثم في أغسطس الجاري، ولم يعلن بعد سحبه لها، ورغم أنه أشهر من ارتبطت به هذه التعديلات إلا أنه لم يكن الأول أو الوحيد الذي طالب بتعديل مدة الرئيس، فقد فعلها قبله النائب اللواء/ شادي أبو العلا، في فبراير 2015 بقوله: إنه “سيسعى لتعديل المادة الخاصة بمدة رئيس الجمهورية بالدستور، مشيرًا إلى أنها تحتاج إلى تعديل حتى يتمكن الرئيس من أداء مهام عمله”.

تجدد الدعوة لتعديل الدستور: توجيه رسمي في ثوب اختيار فردي

تبنت بعض القوى السياسية المقربة من الحكومة هذه التعديلات ومنهما ائتلاف دعم مصر، الذي عقد اجتماعًا قبل يوم واحد من موافقة مجلس النواب بشكل نهائي على قانون الهيئة الوطنية للانتخابات 21/7/2017، كشفت عنه النائبة مارجريت عازر، عضو مجلس النواب، عضو ائتلاف دعم مصر، مؤكدة في تصريحات صحفية، أن المكتب الفني للائتلاف عقد اجتماعًا بتاريخ 20/7/2017 ناقش مسألة التقدم بطلب لتعديل الدستور، وتحديدًا المادة الخاصة بفترة حكم رئيس الجمهورية لتصل إلى 5 أو 6 سنوات في الفترة الواحدة.

واكتسبت دعوة تعديل الدستور اهتمامًا إعلاميًا وفرضت نفسها على الساحة السياسية، خصوصًا بعد أن تبناها عدد من قيادات مجلس النواب أبرزهم رئيس المجلس، ورئيس لجنة حقوق الإنسان، ووكيل اللجنة الدستورية والتشريعية، ووكيل لجنة الدفاع والأمن القومي والعديد من الكتاب وعدد من الخبراء القانونيين والدستوريين، الذين شاركوا في لجنة الخمسين لإعداد هذا الدستور، وزاد من جرعة الاهتمام بهذه المسألة معارضة هذا الطرح سواء من بين عدد من نواب مجلس الشعب، سواء رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي، أو رئيس لجنة النقل والموصلات، أو أمين لجنة حقوق الإنسان، والعديد من أعضاء اللجنة التشريعية والدستورية، أو عدد من الكتاب والخبراء القانونيين والدستوريين أيضًا، أو ممن شاركوا في كتابة الدستور وخصوصًا رئيس اللجنة الذي أصدر البيانات الموضحة لخطورة التعديلات الدستورية وتأثيرها على مستقبل الاستقرار في البلاد، وكان سابقًا قد أسس منظمة أهلية لحماية الدستور من التعديلات أو الانتهاكات، إلا أنه فيما يبدو أنها لن تستطيع أن تمنع ما تخطط له السلطة من وراء ستار.

 وقد اعتبر المعقبون على هذه التعديلات أن تلميح الكاتب الصحفي ياسر رزق، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأخبار، والمعروف بقربه من دوائر صناعة القرار ومن الرئيس عبد الفتاح السيسي، في مقال له بتاريخ 5/8/2017، إلى مسألة التعديلات الدستورية بقوله: إنه لا تشغله انتخابات الرئاسة المقبلة ـ فهو متأكد من ترشح السيسي ونجاحه من الجولة الأولى في الانتخابات ـ بقدر ما يهتم بما هو بعد انتهاء المدة الثانية للرئيس، ومن سيدير الأمر، خاصة أن الساحة ليس بها الشخصيات القادرة على استكمال المشوار، مشيرًا إلى أن هناك قطاعًا لا يستهان به من الناس يرغب في زيادة مدة الرئاسة، وأن هذا المطلب لو عليه توافق شعبي يجب أن يطرح في تعديل دستوري تستوجبه التجربة خاصة في مسألة التوازن بين السلطات.

 وتصريح علي عبدالعال رئيس مجلس الشعب على هامش مشاركته في مناقشة رسالة علمية بإحدى الجامعات الإقليمية المصرية بتاريخ 9/8/2017: “أن أي دستور تم وضعه خلال فترة عدم استقرار لابد أن يعاد النظر فيه”.

 والبيان الذي أصدره إسماعيل نصرالدين، عضو مجلس النواب، بتاريخ 10/8/2016 والذي تضمن مقترحه لتعديل عدد من مواد الدستور، والجوقة التي انطلقت في أذيالهم سواء النائب أحمد حلمي الشريف، أو النائب علاء عابد أو الخبير القانوني صلاح فوزي؛ لأجل ذلك اعتبر المعقبون على هذه التعديلات هذه التصريحات وتلك التلميحات بمثابة تأكيد على أن هناك من يدفع بهذه الفكرة لتسود في المجال العام المصري، وأن ذلك ليس توجهًا فرديًا لأي منهم وإنما تنفيذ لرؤى وتصورات ونظريات قد وضعت سابقًا، خصوصًا أن هناك تصريحات سابقة للكاتب ياسر رزق، ورئيس مجلس النواب تنفي الدعوة لتعديل الدستور.

وقريبًا من هؤلاء، ثمة آخرون يتحدثون مجددًا عن «مرشح الضرورة»، وأن الرئيس الحالي أمامه الكثير الذى لم يقدمه للبلد حتى الآن ومن الأفضل منحه الوقت الكافي للوفاء ببرنامجه، ورغم ذلك فإن جوهر قلق النظام ودوائره من الانتخابات الرئاسية هو الخوف مع ضعف المشاركة في الانتخابات القادمة، أو ظهور مرشح قوي يحظى برعاية إقليمية ودولية، حتى أن أحد الكتاب أشار إلى أن تأخير الانتخابات سنتين لضمان خروج المرشح الرئاسي السابق أحمد شفيق من معادلة الانتخابات الرئاسية، وذهب آخرون أبعد من ذلك مؤكدين أن هذه التعديلات تستهدف ضمان صلاحيات أوسع للرئيس، وأن يظل في السلطة أكبر فترة ممكنة، وأن يتخلص من بعض القيود التي وضعها عليه الدستور وخصوصًا في تحصينه لمنصب وزير الدفاع الحالي.

الدستور في حاجة للاحترام أو التطبيق قبل المطالبة بالتعديل:

وصف المعارضون هذه التعديلات بأنها مخاطرة/ مجاملة/ نذر انقلاب /مؤامرة/ جدل / جاهلية سياسية/ بؤس/ خطيئة/ انقلاب على كل المبادئ والأعراف الدستورية الصحيحة، بل هو قضاء مبرم على روح الدستور والقانون، وأنها تضر بسمعة مصر، وتهز الاستقرار فيها وتقصف شرعيتها، وفندوا حجج التعديل القائلة بأن الانتخابات الرئاسية كل أربع سنوات يتناقض مع أهداف الاستقرار وتكلف البلاد أموالًا طائلة، بالإشارة إلى أنهم يرغبون في تعديل دستور لم يمر عليه أربع سنوات أيضًا وهذا هو عين عدم الاستقرار، كما أن تكاليف إجراء استفتاء هي نفس تكاليف إجراء الانتخابات الرئاسية.

كما أطلق عدد من رموز العمل السياسي والحزبي وشخصيات عامة شاركت فى وضع الدستور الحالى حملة توقيعات على بيان لرفض اقتراح تعديل الدستور، فيما يتعلق بالدعوات المطالبة بتمديد فترة رئيس الجمهورية، وذكر البيان الذي وقَّع عليه أكثر من أربعين شخصية عامة وسياسية أن الهدف من إصدار البيان هو قلقهم الشديد من الدعوات التى خرجت تطالب بتعديل الدستور، سواء من جانب أعضاء بمجلس النواب أو شخصيات إعلامية معروفة.

تراجع مؤقت لاستيعاب الضغط الخارجي:

لاحقًا رُصد تراجع في الدعوة لتعديل الدستور ورغم الدفع بأن هذا السلوك جاء استشعارًا لبوادر عودة المعارضة بكل أطيافها إلى التوحد ضد هذه المحاولة الجديدة للعبث الدستوري، إلا أن السبب الأدق لهذا التراجع تمثل في بروز رد الفعل الدولي على هذه التعديلات والذي تمثل في قرار الولايات المتحدة “حجب نحو 100 مليون دولار من المساعدات الاقتصادية والعسكرية لمصر، وتأجيل تسليم 200 مليون”.

 ورغم أن العديد من المراقبين يؤكدون أن القرار صدر بسبب ملف حقوق الإنسان وقانون الجمعيات الأهلية الذي صدق عليه الرئيس المصري في مايو الماضي، بل تذهب صحيفة النيويورك تايمز إلى القول بأن القرار بسبب العلاقات الدافئة بين النظام المصري ونظام كوريا الشمالية، فإن هناك من يؤكد أن القرار يعكس القلق من التعديلات الدستورية التي ستغلق المجال العام أكثر مما هو عليه الآن، والخوف على مكانة وزير الدفاع المصري الحالي في الدستور من أن يتم استهدافها أيضًا، الأمر الذي يتعلق بالحفاظ على توازن القوى بين المؤسسات المصرية المرتبطة بعلاقات مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية وبشكل خاص الرئاسة ووزارة الدفاع، خصوصًا وأن الولايات المتحدة الأمريكية من مصلحتها أن يستمر هذا التوازن، فمن المتوقع في حال إزاحة وزير الدفاع الحالي أن يتم تعيين رئيس الأركان المقرب من السيسي بعلاقات نسب وقرابة؛ ومن ثم فإن ذلك لن يكون في صالحها لأن ذلك لن يمنحهم المرونة واللعب على الأطراف المختلفة كما هو الحال الآن.

وكذلك في تصريح المرشح الرئاسي المصري الأسبق، أحمد شفيق، بشأن هذه التعديلات الدستورية وتأكيده بأنها تصريحات صبيانية غير مسؤولة وغير واعية للآثار السلبية المترتبة على هذا الإجراء، حيث فُسِّر السماح لشفيق بالإدلاء بهذا التصريح من جانب دولة الإمارات العربية التي يقيم بها الآن بأنه مؤشرٌ على رفض إقليمي أيضًا لهذه التعديلات.

ويستند بعض المراقبين إلى احتمالية الإرجاء نظرًا إلى أن هذا المسعى يؤشر على أزمة دستورية تضرب فى جذر الشرعية وتؤذن بكلفة باهظة يسددها المجتمع كله، كما أن مثل هذه الخطوات تجعل الفجوات بين مصر والقوى الدولية مرشحة للاتساع إلى حدود يصعب تجاوز مخاطرها، ولا هو ممكن الاعتراف دوليًّا بأية شرعية فى مصر إذا ما جرى تأجيل الانتخابات الرئاسية، كما أن هذه الخطوة تؤكد أن ما حدث في 30/ 6 ـ 3/7 انقلاب عسكري، ولذلك تبعاته الخطيرة على فرص جذب الاستثمارات الأجنبية.

التعديلات قادمة والمسألة في التوقيت:

يؤكد بعض المقربين من النظام الحاكم أن هناك سيناريو يُتداول في الغرف المغلقة يدعو لاستفتاء عام على تعديلات دستورية تقر مد الفترة الرئاسية لست سنوات دون أن يسري ذلك على الدورة الحالية، وهو ما يؤكد أن فكرة التعديلات الدستورية شبه نهائية، كما أن الانتخابات الرئاسية سوف تجري+ فى مواقيتها المنصوص عليها بالدستور والقانون بلا زيادة ليوم واحد تجنبًا لشبهة عدم دستورية المقعد الرئاسي، وذلك حسبما أكده الكاتب عبدالله السناوي، وقد كان هذا المعنى واضحًا في المقال الذي كتبه ياسر رزق.

التعديلات مدخل لفهم طبيعة النظام الحاكم:

تكشف خريطة المؤيدين والمعارضين داخل مجلس النواب وبشكل خاص قيادات اللجان النوعية، عن احتمالية أن هناك صراعًا فعليًا بين أجهزة النظام حول مسألة التعديلات الدستورية خصوصًا وأنه في بعض الأحيان تكون اللجنة واحدة ويؤيد رئيسها التعديلات في حين يعارضها الوكيل أو المقرر، ويفهم صراع الأجهزة هنا من خلال التنويه إلى أن رؤساء اللجان لا يُختارون عشوائيًا وإنما هي عملية مراضاة الأجهزة لمنتسبيها داخل المجلس ولبعضها البعض، وثقل كل جهاز يتيح له تشكيل قيادات اللجنة واختيار الرئيس أو الوكيل أو المقرر، ويوضح هذه النظرية موقف لجنة الدفاع والأمن القومي التي يعترض رئيسها على التعديل، في حين أن وكيل اللجنة يطالب بتعديل المدة إلى 6 سنوات، كما يؤيد رئيس لجنة حقوق الإنسان التعديل ويعترض عليه أمين اللجنة.

خطوة تعديل الدستور يصفها البعض بالحتمية وهو في ذلك يتمثل الاستراتيجية التي اتُبعت في الانتخابات الرئاسية السابقة وإطلاق مسمى “مرشح الضرورة”.

 فيما يبدو أنه لم ترد تعليمات لكتاب النظام بتجهيز الشارع السياسي لقبول فكرة التعديلات الدستورية، ومتروك لكل واحد منهم الاجتهاد برأيه الخاص حول الموضوع وأن يكتب ما يراه في الوقت الحالي، وقد يكون ذلك مجرد نوع من جس النبض وقياس رد الفعل الطبيعي حيال الموضوع قبل انطلاق عملية تسويقه، وقد تكون  التعليمات قد صدرت إلا أن اختلاف الأجهزة الأمنية هو ما جعل هناك حالة ضبابية في موقف الكتاب المؤيدين للنظام الذي آثر معظمهم الصمت حتى الآن، أو يتخذ موقف الحياد لحين حسم الأجهزة التابعين لها خلافاتهم والاستقرار على الشكل الذي يرغبون في إخراج السيناريو فيه.

خطوة تعديل الدستور يصفها البعض بالحتمية، وهو في ذلك يتمثل الاستراتيجية التي اتُبعت في الانتخابات الرئاسية السابقة وإطلاق مسمى “مرشح الضرورة”.

ما الذي يجعل فكرة تعديل الدستور حية بهذا الشكل؟ إلى درجة أن الحديث عنها لم يتوقف منذ انتهاء الاستفتاء على الدستور، إلا أن تكون هناك نية لدى النظام الحاكم ودوائره  بضرورة تغيير الدستور، ويدفع بمن يتحدث عنه اعتراضًا أو ترحيبًا لتمهيد الطريق لهذه الخطوة التي يبدو أنها قاربت على التنفيذ، ويساهم في صناعة حالة من الارتباك المخطط حول الدستور، وهي تشبه عملية الانقلاب على الرئيس المنتخب2012-2013، فعلى الرغم من أن بوادر الانقلاب ظهرت مبكرًا إلا أن ذلك لم يمنع من وقوعه، ومن ثم رغم ضبابية الموقف فإن المقدمات دالة على النتائج.

يدلل البعض بوقوف الأجهزة الرسمية وراء فكرة التعديلات الدستورية بالحملة الإعلامية والرسمية ضد صلاح دياب (رجل الأعمال وصاحب صحيفة المصري اليوم)، التي يتعرض لها مؤخرًا بسبب موقف صحيفة المصري اليوم من السماح بنقد وتفنيد دعوات التعديل الدستوري، وقد أثمرت هذه الحملة تراجع بعض وسائل الإعلام الأخرى عن مهاجمة هذه التعديلات وفتح الباب واسعًا للمؤيدين، ومن ذلك صحيفة الشروق التي حملت صفحتها الأولى في العدد الصادر بتاريخ  23/8/2017، حوارًا مع النائب صاحب التعديلات الدستورية.

البعض يتحدث عن صراع أجنحة داخل النظام، والبعض الآخر يشير إلى أن سيناريو التمديد مجرد بديل محتمل لمواجهة مستوى المنافسة خلال الانتخابات الرئاسية والخريطة الدولية والإقليمية للمرشحين فيها، خصوصًا وأن الموقف الخارجي أعلن عن نفسه بوضوح وقد يلعب دورًا ملموسًا في إرجاء التعديلات الدستورية، إضافة إلى أن هناك تفاوتًا كبيرًا في الموقف من التعديل والحدود ليست واضحة/ دقيقة، فلا يمكن تصنيف من يقف مع التعديل أو من يعارضه على نفس مسار تصنيف المؤيدين للنظام والمعارضين له.

يذهب البعض إلى أن مسألة طرح التعديلات الدستورية مجرد آلية سياسية يلجأ إليها الرئيس الحالي والدوائر المحيطة به لإرباك مشهد الانتخابات القادمة، وتثبيط همم وعزائم المتنافسين وإدخالهم في حالة من عدم اليقين من إجراء الانتخابات أو إرجائها، ويشغل القوى السياسية والمدنية ببالونات اختبار بعيدًا عن الهدف الرئيس الذي يجب أن تعمل من أجله وهو التوافق حول مرشح وحيد تنافس به في الانتخابات القادمة.
لا يمكن الجزم بسيناريو محدد للتنفيذ في هذه المسألة، إلا أنه من المرجح وفي ضوء ما سبقت الإشارة إليه أن يكون التراجع مؤقتًا خصوصًا في ظل الضرر المتوقع حدوثه دستوريًا وسياسيًا، ومن ثم يحاول النظام إخراج العملية الانتخابية القادمة بعناية شديدة جدًا، الأمر الذي دفعه لمحاولة إبعاد معظم المرشحين المحتملين سواء بأحكام قضائية (خالد علي، جمال مبارك)، أو اغتيالات إعلامية (عبدالله الأشعل، معصوم مرزوق)، أو ترتيبات دولية وإقليمية (أحمد شفيق)، أو بوسائل غير معلنة (حمدين صباحي، عمرو موسى).
 وقد أثبت عملية تشتيت جموع المرشحين المحتملين أن النظام يخشى من الناخبين وليس من المرشحين، الذين استطاع الإطاحة بهم حتى من قبل أن تبدأ الانتخبات فعليًا، فهو يخشى على صورته العامة في الانتخابات، بمعنى أن النظام يرغب في أن ينظم انتخابات المرشح الواحد في شكل تنافسي، بشرط أن يكون المرشح المنافس تحت سيطرتهم بصورة كاملة، ولكن ما يشغلهم فعليًا الإجابة عن سؤال كم عدد المشاركين في الانتخابات؟ هذه هي المعضلة الحقيقية التي قد تجعل النظام يجري الانتخابات الرئاسية بعد تشويق كبير وتسويق لاحتمالات إرجائها، الأمر الذي قد يؤدي إلى مسارعة العديد من الناخبين للمشاركة فيها استجابة لحملات إعلامية وسياسية تدعو للمشاركة لإنقاذ الديمقراطية.
زر الذهاب إلى الأعلى