أثر البعد الديني على توجيه السياسة الخارجية الإسرائيلية
عرض رسالة دكتوراه للباحثة/ لمياء بن جامع
ملخص الرسالة
وظَّفتْ النظريةُ البنائية عدةَ مفاهيم لتفسير الظواهر السياسية في حقل العلاقات الدولية، أهمها: التنشئة الاجتماعية والهوية والأفكار، منطلقة في تفسيرها من العوامل الداخلية التي تُبلوِر فيما بعد السياسة الخارجية، وبالنظر إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، فإنها تعطي مثالا واضحا لتأثير العامل الديني على السلوك السياسي الخارجي لها، وهو ما تتناوله أطروحة الدكتوراه التي نعرض لها، وهي للباحثة لمياء بن جامع في جامعة القسنطينة 3 – صلاح بوبنيدر، وقد قدمتها في العام الجامعي 2018 – 2019.
تنقسم الرسالة إلى أربعة فصول، يناقش الأول منها مفهوميْ الدين والسياسة، وأسباب تهميش العامل الديني في تحليل السياسة الخارجية، ثم أسباب عودته كأحد المتغيرات التفسيرية بعد نهاية الحرب الباردة. أما الفصل الثاني فيناقش تأثير البعد الديني في تشكيل مقومات السياسة الخارجية الإسرائيلية. ويناقش الثالث دور القوى الدينية باعتبارها فواعل اجتماعية ودورها في توجيه السياسة الخارجية للكيان المذكور. ثم يدرس الفصل الأخير مدى استعمال المؤسسة العسكرية للبعد الديني في تشكيل عقيدتها وتبرير قراراتها العدوانية في مجال السياسة الخارجية.
أولا، الدين والسياسة:
حصرَ الباحثون تعريفات السياسة الخارجية في ثلاثة اتجاهات، فالاتجاه الأول يحدد أنها مجموعة برامج عمل، والثاني أنها تتحدد وفقا لسلوك صانع القرار، والأخير أنها النشاط الخارجي للدولة أيًّا كان صانعه، وتشير الباحثة إلى تلازم مجموعة من المفاهيم مع السياسة الخارجية، ويعد مفهوم السيادة أبرز هذه المفاهيم المساوِقة، إذ لا يمكن للدولة أن تمارس سلوكا خارجيا دون سيادتها الداخلية والخارجية على السواء.
أما الدين فإنه يشترك مع السياسة في وجود جانب إلزامي، إذ المخلوق مأمور بطاعة خالقه، كما توجد له مفاهيم مساوِقة أيضا كالأيديولوجيا التي ظهرت بديلا للدين في شرح العلاقات الدولية، مع بدايات القرن العشرين.
ترجع أحد أهم أسباب تهميش الدين في تفسير ظواهر العلاقات الدولية إلى النشأة الغربية لعلم العلاقات الدولية، الذي ارتبط بالأسس العلمانية لاتفاقية وستفاليا عام 1648، كما سيطرت تيارات الحداثة على هذا العِلم، فربطوا بين الطرق التجريبية للعلوم التطبيقية والعلوم الاجتماعية مستبعدين التفسيرات القيمية والدينية.
اختلف هذا التوجه مع القرن الحادي والعشرين، لوجود تحولات دولية كبرى، مثل الحروب ذات الطابع الديني في البوسنة والهرسك والكروات والصرب، وتحول الصراع الأيديولوجي بين الشرق والغرب إلى صراع ثقافي، كذلك ظهرت حركات دينية ذات فاعلية دولية.
ثانيا، أثر البعد الديني في تشكيل مقومات السياسة الخارجية الإسرائيلية:
هناك تداخل بين الصهيونية ومظاهر الدولة العلمانية من جهة، والقيم الدينية اليهودية من جهة أخرى، وكانت القيم الدينية هي المنطلق الفكري للأيديولوجية الصهيونية، التي استوحت اسمها من جبل صهيون[1] المذكور في التوراة، ويبدو هذا التداخل الغريب واضحا في كتاب هرتزل “الدولة اليهودية” إذ قال: “لن نسمح بظهور أي نزاعات ثيوقراطية تتصدر قيادتنا من جانب الكهنوت، وسوف نعمل على إبقاء كهنتنا داخل حدود المعابد، كما سنحصر بالمثل جيشنا داخل معسكراته (…) وإلا سيجلبان علينا صعوبات في الداخل والخارج”.
وتخلص الباحثة من هذا الاقتباس، إلى أن هرتزل لم يستبعد الدين من حركته، بل كان يتخوف من سيطرة الدين على الدولة المستقبلية، ما يعني أن الحركةَ الصهيونية حركةٌ سياسية بأهدافها ووسائلها، استخدمت ووظفت البعد الديني بذكاء من أجل استقطاب جموع اليهود.
بعد إنشاء الكيان، أصبحت العلاقة بين الدين والدولة واضحة في ثلاثة مجالات: الرموز مثل النجمة السداسية وألوان العلم واسم الكنيست[2] الذي يعني الجمعية الدينية، ومجال الخدمات كالإنفاق على المدارس الدينية، ومجال التشريع الذي يخضع للشريعة اليهودية.
ثالثا، دور الفواعل الدينية المجتمعية في صنع السياسة الخارجية الإسرائيلية:
تشارك الحركات والأحزاب الدينية في عمليات التعبئة الاجتماعية لتحقيق أهداف دولة الاحتلال، كما يعمل الدين موحِّدا لمختلف الجماعات اليهودية، وعملية التعبئة التي تقوم بها الحركات والأحزاب الدينية تجعلها شريكة في صنع القرار الخارجي، وقد ركزت الدراسة على ثلاثة من الفواعل غير الرسمية، وهي الحركات والمؤسسات والأحزاب الدينية.
- الحركات الدينية:
مثَّلت الأطروحة لثلاث حركات دينية مؤيدة للصهيونية، وثلاث أخرى معارضة.
فالحركات المؤيدة هي غوش أيمونيم وكاخ وميماد، وتشترك الحركات الثلاث في طرح مبادئ تتعلق بالسياسة الخارجية للاحتلال، مثل حق إسرائيل في أرض فلسطين كاملة، ورفض إقامة دولة فلسطينية، كما أسست حركاتٌ منها مستوطناتٍ، وقد نجحت هذه الحركات في التأثير على السياسة الخارجية عبر مؤيدين لهم مثل شارون ونتنياهو اللذين ساندا حركة غوش أيمونيم، ورابين الذي كان متوافقا مع حركة ميماد.
أما الحركات الدينية المعارضة للصهيونية، فمن بينها حركة حبد المنتمية إلى الطائفة الحسيدية[3]، ولا تختلف في مطالبها عن الحركات الدينية الداعمة للصهيونية في قضايا الاحتلال والاستيطان، وقد دعمت نتنياهو في انتخابات عام 1996، فالحركة معارضة للصهيونية العلمانية، لكنها ترى (مثلها) أحقية اليهود في أرض فلسطين والاستيطان فيها.
- المؤسسات الدينية:
ناقشت الأطروحة دور ثلاث مؤسسات: وزارة الشؤون الدينية، والحاخامية الكبرى والعسكرية[4]، والتعليم الديني.
وقد تولت الأحزاب الدينية وزارة الشؤون الدينية منذ تأسيس الكيان، ما يعني أن جل القوانين الدينية سيطرت عليها هذه الأحزاب وهو ما يؤدي إلى سيطرتها على الحياة الاجتماعية، أما الحاخامية الرئيسية/ الكبرى، فقد نالت دورا كبيرا بالتزامن مع صعود اليمين الإسرائيلي إلى الحكم للمرة الأولى عام 1977 الذي أعطى الحاخامية دورا في السياسة الخارجية من خلال الفتوى الدينية كتحليل ارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين على سبيل المثال، وهو ما يتشابه مع دور الحاخامية العسكرية، مع فارق أن الأخيرة تعمل داخل المؤسسة العسكرية فقط وتصدر الفتاوى للجنود لتبرير أعمالهم.
- الأحزاب الدينية:
تناقش الرسالة دور عدة أحزاب دينية مثل: المفدال ومزراحي وشاس، وكلها تتفق على أحقية اليهود في أرض فلسطين والاستيطان، لكن يقبل “شاس” التنازل عن بعض المستوطنات لتحقيق تسوية سياسية، لكن يلاحظ أن الأحزاب الدينية منذ نشأة الاحتلال وحتى عام 1996، كانت نسبتها في البرلمان تتراوح بين 12% إلى 16%، إلا عام 1996 تجاوزت نسبتها فيه 19%، ومنذ سيطرة اليمين الإسرائيلي على الحكومة، زاد التقارب مع الأحزاب الدينية، وهو ما أثر على القرار السياسي الخارجي للاحتلال.
رابعا، أثر البعد الدیني على المؤسسة العسكریة كفاعل اجتماعي في صنع السیاسة الخارجیة الإسرائیلیة:
أفردت الدراسة فصلا خاصا بتأثير البعد الديني على المؤسسة العسكرية لأهمية دورها في السياسة الخارجية، وما تلاحظه الباحثة أن للفكر الديني دور هام في تشكيل العقيدة الأمنية الإسرائيلية، إذ يسهم التلمود في تشكيل العدوانية ضد غير اليهودي، كما يعتمد تنفيذ العقيدة العسكرية العدائية ضد (الأغيار) على الدعم الأمريكي الذي خَلَفَ الدعم البريطاني، وبلغ الدعم الأمريكي العسكري للاحتلال 54% من إجمالي التمويل العسكري الأمريكي إلى جميع أنحاء العالم.
كانت حرب عام 1967 أحد أسباب تزايد التحاق المتدينين بالجيش لأنهم اعتبروا النصر السريع معجزة إلهية، وأطلقوا على الجيش اسم “جيش الله”، وتلاحظ الدراسة أن عمليات جيش الاحتلال ضد غزة في الفترة بين 1948 – 2007 أطلق على 72% منها أسماء مستوحاة من التراث الديني، وفي العمليات بين أعوام 2008 – 2014 بلغت النسبة 90%، ما يدل على تنامي دور المتدينين في الجيش.
أثَر هذا التنامي يصبح ملحوظا في تراجع تواجد العلمانيين في النخب، كما يزيد من صعوبات التسوية السياسية، ومن المهم الإشارة إلى أن تأثير المؤسسة العسكرية على السياسة الخارجية يأخذ تجليه الأكبر في المجلس الوزاري المصغر (الكابينيت)، إذ يقوم المجلس/ الحكومة الأمنية برسم السياسات واتخاذ القرارات في المجالين الأمني والخارجي.
تعليقات على منهجية الرسالة ونتائجها:
لقد استخدمت الباحثة في أطروحتها النظريةَ البنائية أداة لتفسير السلوك الخارجي لكيان الاحتلال، وهي النظرية التي صعدت نهاية تسعينيات القرن الماضي على يد ألكسندر ونت في كتابه “النظرية الاجتماعية للسياسة الدولية”[5]، وتمتاز النظرية البنائية بأنها تركز على الفواعل الاجتماعية بحسبانها محركا لسياسة الدولة، إذ تقوم القوى الاجتماعية بالتأثير على مراكز صنع القرار بحسب حجمها وقوتها في النظام السياسي، وهذا المدخل التفسيري يتناسب مع المجتمعات التي تحتل عمليات التعبئة فيها حيزا كبيرا من وجودها، والكيان الصهيوني أحد أبرز هذه النماذج التعبوية الشبيهة بالنظم الفاشية قبيل الحرب العالمية الثانية.
هذه الحالة التعبوية لا يمكنها أن تنعزل عن البُعد الديني في الحالة المدروسة، إذ تستند التعبئة إلى عوامل معنوية تدفع إلى التحرك في مسار محدد، والدين عامل معنوي شديد القوة لأنه يستند إلى قوة أكبر من قوى البشر، ووعْدٍ بمنزلة تفوق منازل الدنيا.
من هنا حدث التزاوج داخل إطار الصهيونية بين التعاليم الدينية الدافعة لتجميع الشتات اليهودي، والعلمانية المؤطِّرَة للتنظيم السياسي، فاستخدمت الحركةُ الصهيونية الدينَ لأعمال التعبئة الشعبية والتبرير للأعمال العدوانية، ما جعل الدين أداة في المقام الأول.
هذا البعد الديني الذي يمكن أن نسميه “وظيفيا” استمرت تجلياته في العدوان الصهيوني على غزة عقب عملية طوفان الأقصى، باستضافة الحاخامات لمخاطبة الجنود المهاجمين للقطاع، وأيضا في استمرار الحرب بضغط من الوزراء المحسوبين على اليمين الديني.
والملاحظ أن الوزراء المتطرفين في الحكومة اندفعوا إلى تصعيد خطابهم العدائي، فدعا عميحاي إلياهو (وزير التراث) والمنتمي إلى حزب (القوة اليهودية) إلى قصف قطاع غزة بالقنبلة النووية، وإلى إعادة الاستيطان في غزة، وضم الضفة الغربية أيضا. وكذلك قام رئيس حزبه إيتمار بن غفير (وزير الأمن القومي) بتسليح المستوطنين بآلاف قطع السلاح، أما بتسلئيل سموتريتش (وزير المالية) ورئيس حزب (الصهيونية الدينية) فقد أوقف تحويل أموال الضرائب إلى السلطة الفلسطينية، وطالب أيضا بإعادة استيطان القطاع، ومن المهم الإشارة إلى أن كلا الحزبين امتداد لمدرسة “كاخ” وزعيمها المتطرف مائير كاهانا.
أما نتنياهو فقد استخدم في أحد خطاباته نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قصة “عماليق[6]” ذات المدلول الديني الهادف إلى الإبادة الجماعية، وقد جاء في سفر صموئيل الأول 15: 3 “الآن اذهب واضرب عماليق وحرِّموا كل ما له ولا تَعْفُ عنهم، بل اذبحوا رجلا وامرأة، طفلا ورضيعا، بقرا وغنما، جملا وحمارا” وحرموا بمعنى: اقتلوا. وهذه الجملة استندت إليها هيئة الدفاع الجنوب إفريقية في مرافعتها أمام محكمة العدل الدولية، لتخلص إلى أن نيَّة التدمير في قطاع غزة موجودة لدى أعلى المستويات السياسية، وتستخدم الخطاب الديني لتبرير قتل الأطفال والمدنيين.
كان الخطاب الديني سائدا في الأسابيع الأولى من العدوان، لكنه قوبل بانتقادات دولية اضطرت نتنياهو إلى إبعاد وزير التراث من اجتماعات الحكومة، لتهدئة الضغوط الدولية وكبح جماح التصريحات المثيرة للانتقادات، والمتسببة في تحويل الهجوم الإعلامي إلى كيان الاحتلال، بعدما استطاعوا توظيف رواية المظلومية في تلك الفترة ضد حماس والمقاومة الفلسطينية، فحاول نتنياهو التحرك وسط موجة من التجاذبات، فاضطر إلى تشكيل مجلس وزاري مصغر، منبثق من حكومة الحرب، استبعد منه الوزراء الثلاثة الأشد تطرفا، وتعرض جراء ذلك إلى انتقاداتهم الحادة، وتهديداتهم المستمرة بتفكيك الحكومة إذا ذهب إلى صفقة مع المقاومة الفلسطينية، كما تضغط الولايات المتحدة عليه لتجنيبهم المشاركة في صنع القرار، ومن جهة أخرى يطالب بني غانتس، رئيس حزب (أزرق أبيض)، بعقد صفقة للإفراج عن الأسرى، ومنع اقتطاع جزء من الموازنة القادمة لصالح (المخصصات السياسية) وهو التمويل المخصص للأحزاب الدينية، مهددا بعدم الموافقة على مشروع الموازنة إذا تضمن مصروفات غير ضرورية للحرب، وبحْثِ خطوات تالية حال إقرارها.
أثَّر هذا التجاذب على الموقف السياسي للاحتلال في أمرين رئيسيين، فنتنياهو يعلن أن القطاع لن يخضع لأي سيطرة فلسطينية بعد الحرب، لكنه ينفي إعادة الاستيطان، وهو موقف مرفوض دوليا، سواء السيطرة الإدارية أو الاستيطان، ومن غير المتصور أن تكون هناك سيطرة إدارية دون استيطان، ما يعني أن نتنياهو يراوغ، كعادة مفاوضي الاحتلال، لأجل كسب مساحة مؤقتة وبعدها ينفذ مخطط الاستيطان، وقد سبق له -قبيل طوفان الأقصى- أن رفع على منصة الأمم المتحدة خريطة دولة الاحتلال على كامل أرض فلسطين.
والتأثير الثاني على مستوى قرار إنهاء الحرب، إذ لا يستطيع نتنياهو أخذ القرار لأنه يعني انتهاء مستقبله السياسي، وانصراف القوى اليمينية عنه بعدما أصبحت وحدها التي يمكنها دعم تواجده السياسي في مرحلة لاحقة عقب انتهاء العدوان، ما يُبقي تأثيرا قويا لهم في القرار السياسي حتى لو أدى ذلك التأثير إلى إحداث خلافات مع الحليف الأكبر للاحتلال؛ الولايات المتحدة الأمريكية.
وعلى المستويات الأدنى من القرار الإستراتيجي، فإن التأثير الديني بدا في استهداف كل مناحي الحياة كما في قصة “عماليق”، فالمستشفيات ومناطق النزوح والمؤسسات التعليمية ومقار الأمم المتحدة، كلهم تعرضوا إلى القصف، فضلا عن القصف العشوائي الذي طال عشرات الآلاف من المدنيين بين شهداء ومفقودين وجرحى، وتتحرك الدبلوماسية الصهيونية لتبرير ذلك في العالم كله بذرائع واهية.
كما امتد هذا التأثير إلى حجب المساعدات عن الفلسطينيين، وهو الموقف الأكثر تسببا في الضغط على الاحتلال بما في ذلك الحليف الأمريكي، وهو ما تبرره الخارجية الصهيونية بأن المساعدات ستصل إلى مقاتلي الفصائل المقاومة في القطاع، فضلا عن الخطاب الإعلامي الداخلي الذي يروج إلى أن كل من في القطاع إما فرد من حماس أو من أسرة فرد ينتمي إليها، ما يبرر الاستهداف الكامل لمن في القطاع.
يهودية الدولة
ربما كان من المناسب أن تعقد الباحثة بابًا مستقلا عن يهودية الدولة، ومصطلح الدولة اليهودية سابق لنشأة الكيان، فالمطالبات منذ عهد هرتزل كانت تنادي بدولة لليهود، كما أن قرار تقسيم فلسطين عام 1947، قسم الأراضي الفلسطينية إلى دولة عربية ودولة يهودية، ما جعل الأمم المتحدة منشئة لكيان عنصري يقوم على ديانة واحدة.
خطر إضافة “اليهودية” على الدولة يستهدف ثلاثة أمور: الأول، اعتبار الأرض لليهود فقط، ولا يحق لغير اليهودي البقاء فيها، ما يهني تهجير من بقي من الفلسطينيين. والثاني، إغلاق الباب أمام حق العودة وإسقاطه، لأن الكيان المحتل يملك الحق في عدم إدخال غير اليهود. والثالث، الإقرار بمزاعم الحق اليهودي تاريخيا في فلسطين[7].
وقد أقر الكنيست بالفعل قانون “الدولة القومية للشعب اليهودي” في 19 يوليو/ تموز 2018، ورسخت نصوصه تلك المخاطر، وهو ما نجده في البنود الأولى والثانية والخامسة والسادسة[8] من القانون.
لقد نشأت دولة الاحتلال على فكرة دينية، فالوطن المنشود يجمع يهود العالم من شتاتهم، والدين هو العامل الوحدوي الجامع لهذه الأعراق، فلا يمكن تصور تهميش هذا العامل الوحدوي مقابل أي فكرة ثقافية أو قومية أخرى، لأنه الرابط الأساسي لهذا المجتمع الهجين من أجناس وأعراق وثقافات متباينة لا متعددة، وشتَّان بين التباين والتباعد، وبقاء هذا العامل يعني أن التأثير الديني على التوجهات السياسية في الداخل أو الخارج الإسرائيلي سيبقى مصاحبا لها ما دام الاحتلال.
*شريف أيمن
باحث سياسي
[1] كلمة عبرية معناها: حصن.
[2] كلمة عبرية، تعني الاجتماع، ويسمى المعبد اليهودي “بيت هاكنيست”، أي المكان الذي يجتمع فيه اليهود، متاح على الرابط:
https://info.wafa.ps/ar_page.aspx?id=8708
[3] كلمة مشتقة من الكلمة العبرية “حيد”، أي التقيّ، وتستخدم في العصر الحديث للدلالة على الحركة الدينية الصوفية التي أسسها “بعل شيم طوف”، متاح على الرابط:
https://info.wafa.ps/ar_page.aspx?id=8709
[4] الحاخامات في إسرائيل هم مفسرو الشريعة اليهودية ومعلموها، وتتكون الحاخامية الكبرى من رئيسين أحدهما لليهود الشرقيين (السفارديم)، والآخر لليهود الغربيين (الأشكيناز)، و10 حاخامات مقسمين بالتساوي بين الطائفتين، بالإضافة إلى ثلاث حاخامات لثلاث مدن رئيسية (القدس وتل أبيب وبئر السبع)، والحاخام العسكري، متاح عبر الرابط:
https://info.wafa.ps/ar_page.aspx?id=9581
أما الحاخامية العسكرية فهي الهيئة المسؤولة عن تنفيذ ورعاية النشاط الديني داخل الجيش.
[5] عبد الله بن جبر العتيبي، النظرية في العلاقات الدولية بين المدرسة الواقعية الجديدة والمدرسة البنائية، مجلة شؤون اجتماعية، الشارقة، العدد 108، شتاء 2010.
6 قبيلة من البدو الرحل سكنوا شبه جزيرة سيناء وجنوبي فلسطين
[7] محمود جميل الجندي، وخالد شنيكات، إعلان “يهودية الدولة” وتداعيات المصطلح، مجلة المستقبل العربي، بيروت، العدد 428، ص 82-83 بتصرف.
[8] تعرف على تفاصيل قانون “يهودية دولة إسرائيل“، موقع BBC عربي، 19 يوليو 2018، متاح على الرابط:
https://www.bbc.com/arabic/middleeast-44887342