حدث ورؤية

في المسألة السورية: موازنات ورسائل إلى الثورة والمثقفين

 

إن الأرض تختزن بذورها، وتجدد طاقتها وتبعث إيمانها، وتنمي نبتها الصالح، وتقاتل مع أهلها إن بروها.

والشام وفلسطين ولادةٌ ببركاتها عبر الأزمنة، بخلاف شذاذ الآفاق وبرابرة الأصقاع الجلاف.

وإن الرياح إذا هبت، يمكن أن تكتسب قوة الإعصار الدافعة إن استُثمرت وأُحسِن إدارة دفة شراعها قبل أن تهدأ أو تفتر حرارة إيمان ربانها وركابها.

إذن، فلتكن هذه الرسائل بشقيها؛ (التصوري والعملي) لتثبيت المكسب والتقدم.

 

نستعين بحول الله تعالى:

  1. إن ما تحقق في الأسبوع الأول من الحرب، هو يومٌ من أيام الله وفضله، رغم أنه بدايةٌ تحفّها المحاذير، وتخضع للسنن والابتلاء وشروط المسؤولية والتواضع والافتقار لله والإخلاص والشكر العملي والتحلل من المظالم، والبعد عن الشهرة وتضخم الشعارات وكثرة التعرض للتصاوير، مع الاجتهاد في تطوير هذا التقدم وتقصي مزيد أسباب نجاحه، وعدم التواني والانشغال بالصوارف والركون أو الاندفاع.
  2. إن انهيار جيش النظام السوري السريع في حلب، ليس أساسه ضربات (الكيان) له، بل هو في أصله تضرر بسبب (مدافعة) الثورة السورية وحاضنتها، وارتفاع (الكلفة) التنظيمية والبشرية والمادية عليه بسبب سنوات القبض على الجمر، رغم كل ما شاب الثورة من قصور وغيره.
  3. إنّ جيش النظام – من باب أولى – لم يستقر ويتمكن، وذلك بفعل الثورة وضغطها ومراغمة حاضنتها المسلمة للنظام ومكابدته على كل صعيد، بما قد يفوق فعل السلاح.
  4. بقيت الكلفة البشرية والمعنوية والمادية تستنزف النظام وحاضنته وطاقته، وتنحت في شعبويته وترابطاته الطائفية المصلحية، ولم يعد بوسعه أن يجدد دماءه بخلاف (نبت الأرض الثوار)، وأشواق المستضعفين وجيل التهجير.
  5. ما تحقق وما يمكن أن يتحقق أكثر، ما كان ليحدث، لولا تضحيات مستمرة ومدافعةٍ وأثمان متبادلة صبّت فيها الأمة وفي مقدمتها أهالي الشام ثمنَ وعرق وألمَ مدافعةِ النظام المستبد الظالم. إن النصر لا ينفصل عما قبله من سنين صبرٍ وتضحيات وتكبد وتكبيد ومراغمة للنظام الباطني المجرم المدعوم.
  6. إن ما أحدثته ضربات تل أبيب للتحالف الإيراني، لا يغير جوهر ما حصل، بل يمكن أن نذهب أبعد من هذا بالقول إنه لولا وجود الكيان ومعادلاته لما جاء النظام النصيري الحاكم إلى السلطة وبقي لعقود متتالية.
  7. وليس أدلّ من انهيار قوات النظام عند أول ضربة، وهي التي لم تشارك في إسناد الطوفان. فلا مِراء !
  8. إن الشام لها جاذبية ربانية عبر التاريخ، واليوم نشهد حرارة تأييد بعض من اختلف مع أهالي الشام في قضايا أخرى متزاحمة، وهم اليوم مرة أخرى بحمد الله أول مهلل للثورة وناقم على نظام بشار الأسد، وهم يرون انبطاحه التام أمام ضربات ورغبات الكيان، فحري أن نبني على رجوع هذه الرابطة الأخوية.
  9. تعلّمنا السيرة النبوية وتاريخ الرسالات أنّ كل الجيوش والجماعات تُهزم وتنتصر وتبتلى أو تتقهقر لأسباب ذاتية أو لحكمة ربانية، إنما الذي لا يُهزَم، هو الحق والعدل والميزان والقوة بأخذ الكتاب الذي تستمسك به الأمة المؤمنة برسالتها الربانية، وعليه فلا بدّ أن يصدر عن الأمة القطب كل شيء؛ الاجتماع والمرجع والشورى والقرار والمصالح المعتبرة. ولقد جاء الخطاب الرباني صادعَ المفهوم: ﴿وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾
  10. إن النماذج الطيبة القرآنية والقدوات الآسرة هي ما ينبغي أن نلفت إليها قلوب وعقول الشباب اليوم، فحلب وغيرها عرفت أمثال ابنها البار (عبد القادر الصالح)، فحريّ بنا تدريس سيرة وشخصية أمثاله العملية والأخلاقية التوفيقية والدعوية والعسكرية التي كانت بعيدا عن التعصب أو الحزبية وأثرها دون تعلق أو مثالية، كنموذج واقعي فعال.
  11. إن من أوجب الواجبات، الاجتماع الشرعي والمعنوي والعلمي، ومعرفة أن الدول تقوم على “مرجعياتٍ وعُصب وكيانات”، ولا بد من الانطلاق من مفهوم أن العساكر والفصائل ما هم إلا جنود أمةٍ وليست أمة عساكر، وينبغي أن يكونوا نبتةً في وعاء “مصدرية الأمة” ومرجعية الحاضنة. إن العلماء والمتخصصين، يعبّرون عن أطراف الأمة وعُصبها، التي تجتمع حولهم بتنوعهم.
  12. إن الجهاد عبادةٌ شريفة ووسيلة إصلاحٍ – كغيره من العبادات – له شروطه وفقهه الذي يستدعي فتيا واجتهاد جموع العلماء – ليس آحادهم أو حصرياتهم – عند النوازل والملمات والخلافات.
  13. مهما بلغ المجاهد وجهاده، فلا يخلّ بغيره من العبادات والمعاملات، وإنّ قوة السلاح والجهد ما هو إلا أداة مدافعة ضد الظلم، لا يعطي صاحبه سلطةً خاصة على العامة، ولا تفوقا على أهل العبادات الأخرى والعلماء وسبل الخير والدعوة والفضل والتربية والبناء، فكلهم أصحاب شأن في كيان الأمة.
  14. العلم والعلماء عُصبٌ وتخصصات وتجارب لا يغني عنهم بعض طلبة العلم في الميدان، خاصة في النوازل الكبرى، والثورة لا يمكن أن تصبح كيانًا يسير إلا كما سار تاريخنا بعصبيةٍ معنوية ورابطةٍ ينتظم عقدها مع العلماء ومن تحتهم من الناس ما أمكن، فذلك منطق الأمم والدول.

 

والله القدير ولي التوفيق

زر الذهاب إلى الأعلى