تقارير

تسونامي معاداة اليهود في الغرب

 

بهذا العنوان وصف التليفزيون الحكومي الألماني نتائج تقرير أصدرته فرقة عمل الجاليات اليهودية الكبيرة (J7) في 8 مايو 2025، وهو تقريرها السنوي الأول حول معاداة السامية. وقد حفل التقرير ببيانات تعكس تحولات واسعة وعميقة وبعيدة المدى في حياة اليهود منذ انطلاق طوفان الأقصى. قدم التقرير نظرة شاملة وواقعية على الوضع الراهن لمعاداة اليهود في سبع دول تضم أكبر الجاليات اليهودية خارج إسرائيل: الأرجنتين، وأستراليا، وكندا، وفرنسا، وألمانيا، وبريطانيا، والولايات المتحدة. لقد تأسست فرقة عمل J7 في يوليو 2023 لتعزيز التعاون بين أكبر الجاليات اليهودية استجابةً للقلق المتزايد بشأن عودة ظهور معاداة اليهود في جميع أنحاء العالم.

وقد تفاقمت هذه الأزمة في أعقاب هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023 على إسرائيل، والذي أعقبه ارتفاع ملحوظ في حوادث معاداة السامية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك دول الـ  J7في الأشهر التي تلت الهجوم، زادت التقارير عن النشاط المعادي للسامية بمئات، وفي بعض الحالات، بآلاف النقاط المئوية، مقارنةً بالفترة نفسها من العام السابق للحرب.

أثار التقرير الموثق عند صدوره مخاوف بالغة، ففي جميع الدول السبع، سُجل ارتفاع واضح في حوادث معاداة السامية، وخاصةً تلك العنيفة. فمن عام 2021 إلى عام 2023، زادت حوادث معاداة السامية بنسبة 11% في أستراليا، و23% في الأرجنتين، و75% في ألمانيا، و82% في بريطانيا، و83% في كندا، و185% في فرنسا، و227% في الولايات المتحدة. في اثنتين من الدول الأربع في مجموعة الدول السبع التي نشرت أرقام الحوادث لعام 2024، وهما أستراليا والولايات المتحدة، استمر عدد الحوادث المعادية للسامية في الارتفاع، مما يُظهر التأثير الدائم لموجة معاداة السامية التي انطلقت بحلول السابع من أكتوبر 2023.

الأرجنتين نموذجا

خصص التقرير لكل دولة من فريق ال J7 فقرة تتبع فيها أحوال اليهود من 2021 إلى 2024. وإذا أخذنا الأرجنتين نموذجا ونظرا لوجود حكومة يمينية شديدة الدعم لإسرائيل، فإن التقرير يقدم مسحا مهما لأحوال اليهود بشكل عام.

وفقًا لمؤشر “العالم 100” لعام 2024 الصادر عن رابطة مكافحة التشهير (ADL) مؤشر معاداة السامية، تحتل الأرجنتين المرتبة 46 من بين 103 دول شملها الاستطلاع حول العالم. وبمعدل 39%، يُقدر أن 12.8 مليون أرجنتيني يحملون مستويات مرتفعة من المواقف المعادية لليهود.

ويرى 58%، من الأرجنتينيين أن “اليهود في الأرجنتين أكثر ولاءً لإسرائيل من الأرجنتين“. ويميل المشاركون في الاستطلاع الذين تبلغ أعمارهم 35 عامًا فأكثر إلى تصديق ذلك أكثر من أولئك الذين تقل أعمارهم عن 35 عامًا. ويعتقد 60% من الأرجنتينيين أن مجموعة صغيرة من الناس تتحكم سرًا في الأحداث العالمية. ويتفق 46% من الأرجنتينيين مع العبارات المجازية حول النفوذ اليهودي، بما في ذلك أن: “لليهود سيطرة مفرطة على الشؤون العالمية” و”لليهود سيطرة مفرطة على وسائل الإعلام”.

يميل الأرجنتينيون إلى القول بصحة مقولة “لليهود نفوذٌ كبيرٌ في عالم الأعمال” (61%) أكثر من أي مقولة أخرى خضعت للتقييم في مؤشر جلوبال 100.

لقد شهد المشهد السياسي في الأرجنتين تحولاً ملحوظاً مع انتخاب الرئيس خافيير ميلي نهاية عام 2023. وقد أدى انحياز إدارته الكامل إلى الولايات المتحدة ودعمها لإسرائيل، ثم قراره في 2024 باعتبار حماس منظمة إرهابية، إلى تصاعد الخطاب المعادي لليهود وغيره من الخطابات المؤامراتية، التي أصبحت متشابكة مع سرديات جيوسياسية أوسع.

يوجد بالفعل في الأرجنتين قانون لمكافحة التمييز منذ عام ١٩٨٨، يحمي من مختلف أشكال معاداة السامية، ومع ذلك اعتمدت الحكومة في عام ٢٠٢٠، التعريف العملي للتحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست (IHRA) لمعاداة السامية، والذي اعتمدته منذ ذلك الحين منظمات مدنية مختلفة، ومكاتب حكومية، وعدة جامعات، وأندية رياضية. هذا التعريف فضفاض، ويكاد يجعل أي انتقاد لإسرائيل معناه معاداة للسامية! ولعل هذا هو المقصود. هذه الصورة الذهنية آخذة في التغير بحدة، خاصة بعد توجيه تهم الإبادة الجماعية لإسرائيل أمام محكمة العدل الدولية.

 

معاداة السامية على الإنترنت

في عام 2023، وقعت 65% من الحوادث المعادية للسامية التي أبلغت عنها وكالة مكافحة معاداة السامية عبر الفضاء الرقمي، بينما وقعت الـ 35% المتبقية شخصيًا.

أفاد التقرير السنوي لعام ٢٠٢٣ لمرصد الويب، الصادر عن مؤتمر اليهود في أمريكا اللاتينية (CJL) وجمعية اليهود في أمريكا اللاتينية (AMIA) وجمعية اليهود في أمريكا اللاتينية (DAIA)، بارتفاعٍ مُقلق في معاداة السامية على وسائل التواصل الاجتماعي.

على منصة X (المعروفة سابقًا باسم تويتر)، سُجِّل أكثر من ٢.٤ مليون منشور معادٍ للسامية في عام ٢٠٢٣، مُقارنةً بـ ٧٢٩,٥٥٦ منشورًا في العام السابق.

وعلى فيسبوك، ارتفعت نسبة التعليقات المعادية للسامية على منشورات وسائل الإعلام الإخبارية من ٣.٦١٪ قبل ٧ أكتوبر إلى ١٠.٣٥٪ بنهاية عام ٢٠٢٣، مُسجِّلةً بذلك أعلى نسبة زيادة بين المنصات التي خضعت للتحليل.

يُسلِّط هذا الضوء على ارتفاعٍ كبير في المحتوى المعادي للسامية على وسائل التواصل الاجتماعي، مُشيرًا إلى اتجاهٍ مُقلق يُؤثِّر على الأفراد والمجتمعات بأكملها. علاوةً على ذلك، وكما يُشير هذا التقرير، فإن هذه الرسائل البغيضة ليست مُجرَّد حوادث مُنعزلة، بل هي جزءٌ من حملاتٍ أوسع نطاقًا تهدف إلى نزع الشرعية عن إسرائيل ووصم الجالية اليهودية.

التوقعات

تشهد الأرجنتين، التي لم تشهد تاريخيًا مستويات عالية من العداء لليهود، تصاعدًا في التعبيرات المعادية للسامية، لا سيما على منصات التواصل الاجتماعي. ويتسم هذا التوجه في الغالب بمشاعر معادية للصهيونية وإسرائيل، تنبع في معظمها من أوساط اليسار، وقد تجلى ذلك على الإنترنت، وكذلك في حرم الجامعات الأرجنتينية والأماكن العامة الأخرى.

في ظل هذه الديناميكيات، ثمة حاجة ملحة إلى مراقبة حكومية يقظة واتخاذ إجراءات، بما في ذلك تطبيق سياسات مسؤولة واستباقية لضمان أمن الأفراد والمؤسسات اليهودية في جميع أنحاء البلاد. وينبغي أن يسترشد هذا النهج بحادثين دمويين سابقين في بوينس آيرس – تفجير السفارة الإسرائيلية عام 1992 وتفجير مركز AMIA-DAIA اليهودي عام 1994 – مع التركيز على أهمية حماية المؤسسات والأفراد اليهود من جميع أشكال العنف.

تلك كانت مقتطفات من ملاحظات التقرير عن دولة الأرجنتين، وهي أفضل دولة في نتائجها بالنسبة لليهود من باقي دول مجموعة السبع.

 

 

 

 

 

 

 

الخلاصة

يُظهر التقرير السنوي الافتتاحي لمجموعة عمل الجاليات الكبيرة لمكافحة معاداة السامية (J7) ارتفاعًا مُقلقًا في الحوادث والمشاعر المعادية للسامية، على الإنترنت وخارجه، في سبع دول تضم أكبر الجاليات اليهودية خارج إسرائيل: الأرجنتين، وأستراليا، وكندا، وفرنسا، وألمانيا، وبريطانيا ، والولايات المتحدة. تؤكد البيانات والتقييمات النوعية والكمية التي قدمتها مجتمعات J7 المعنية أن السياسات القائمة ضد معاداة السامية، وكيفية تنفيذها، قد فشلت في التخفيف من وطأة موجة الكراهية التي تستهدف الأفراد والمجتمعات والمؤسسات اليهودية في أعقاب أحداث 7 أكتوبر.

ويشير التقرير إلى بعض القواسم المشتركة في جميع دول الـ J7:

  • ارتفاع حاد في حوادث معاداة السامية، وخاصة العنف منها، منذ 7 أكتوبر.
  • الاستهداف المتكرر للمؤسسات اليهودية، بما في ذلك المعابد اليهودية والمدارس والمراكز المجتمعية.
  • ارتفاع حاد في كراهية اليهود عبر الإنترنت.
  • تنامي الشعور بانعدام الأمن بين المجتمعات اليهودية، مما يدفع البعض إلى إخفاء هويتهم اليهودية.
  • فشل بعض الحكومات في محاسبة مرتكبي أعمال العنف ضد اليهود و/أو دعم معاداة الدولة اليهودية.

يختم التقرير بهذه الخلاصة:

“على الرغم من الانخفاض الطفيف خلال عام 2024 في عدد حوادث معاداة السامية في فرنسا وبريطانيا، إلا أن الأعداد الإجمالية لا تزال أعلى بكثير جدا مقارنة بفترة ما قبل 7 أكتوبر. يشير هذا إلى اتجاه خطير لا ينبغي تجاهله باعتباره ارتفاعًا مؤقتًا، بل ينبغي النظر إليه على أنه الواقع المرير الجديد الذي تُجبر مجتمعات J7، وكذلك العديد من المجتمعات اليهودية الأخرى حول العالم، على التعايش معه.”

 

تعليق على التقرير:

  1. مجموعة الـ J7 متخصصة في رصد ومتابعة وتحليل “معاداة السامية”، وفي أول تقرير سنوي لها، تكشف عن تراجع كبير في تمرير السردية الصهيونية التي تم بناؤها منذ أكثر من ثمانين سنة، فكريا وإعلاميا وثقافيا وفنيا .. وسياسيا. هذا التراجع الحاد خلال وقت قصير يؤكد على مؤشرات لها دلالتها:
  • السردية الصهيونية ضعيفة البنيان، فلم تصمد أمام أول مواجهة جادة.
  • التأثيرات المجتمعية ستكون طويلة الأمد وستترك اليهود بين خيارين أحلاهما مر: إما التمسك بالبقاء في إسرائيل رغم المخاطر والتهديدات التي دفعت بأكثر من نصف مليون للهجرة بالفعل، أو التوجه لبلد آخر حيث تزداد مشاعر الكراهية لليهود بشكل متصاعد.
  • منصات التواصل الاجتماعي، برغم محاولات تقييدها والتحكم في سياقاتها، إلا أنها ما زالت تمثل مجالا فسيحا لطرح السردية الفلسطينية، وتفنيد السردية الصهيونية.
  1. ظاهرة ارتفاع معاداة اليهود في الغرب أعلى بكثير مما جاء في التقرير، ذلك لأن التقرير اعتمد على قياس معاداة اليهود جغرافيا على امتداد الدول السبع التي تمثل الرابطة، ولكن لو نظرنا لنفس الأرقام من ناحية التأثير الفعلي على الشعب اليهودي، فإن الأمر سيختلف كثيرا. إن عدد اليهود بالولايات المتحدة أكبر من 90٪ من عدد كل اليهود خارج إسرائيل، وبالتالي فإن نسبة الزيادة الحادة في معاداة اليهود إذا قيست بعدد اليهود الذين طالتهم، فإنها تبلغ بين عامي 2021 و 2024 أكثر من 200٪
  2. هذه فقرة من التقرير في وصف معدلات معاداة اليهود في الولايات المتحدة: “في عام ٢٠٢٤، ارتفعت الحوادث المعادية للسامية في الولايات المتحدة للعام الرابع على التوالي، لتصل إلى ٩٣٥٤ حادثة إجمالية، وهو أعلى مستوى مسجل على الإطلاق في تاريخ تدقيق رابطة مكافحة التشهير ADL الممتد لـ ٤٥ عامًا. تُظهر هذه الزيادة بنسبة ٥٪، مقارنةً بـ ٨٨٧٣ حادثة موثقة في عام ٢٠٢٣، أن تصاعد معاداة السامية أصبح واقعًا مستمرًا للمجتمعات اليهودية الأمريكية منذ هجوم حماس في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، وليس مجرد ارتفاع مؤقت. وقعت هذه الحوادث في جميع الولايات الخمسين وواشنطن العاصمة، مما يعكس كيف تُمثل معاداة السامية تحديًا وطنيًا.”
  3. ويمضي التقرير ليشرح الأسباب، فيقول: “في عام ٢٠٢٤، لعب العداء لإسرائيل دورًا غير مسبوق في الحوادث المعادية للسامية في جميع أنحاء الولايات المتحدة. لأول مرة في تاريخ التدقيق، تضمنت غالبية الحوادث (58%، أو 5452 حادثة) عناصر تتعلق بإسرائيل أو الصهيونية، وهو اتجاه يعكس تأثير الجغرافيا السياسية على معاداة السامية المحلية. لا يعتبر تدقيق رابطة مكافحة التشهير انتقاد إسرائيل أو النشاط المناهض لها بشكل عام معادٍ للسامية، ولا يدرج هذه الحوادث في التدقيق. ولكن بشكل متزايد، أدرجت الجهات المتطرفة في المجال المناهض لإسرائيل خطابًا معادٍ للسامية في نشاطها، وأصبح من الشائع أن يُعرب الجناة من مختلف الأطياف السياسية عن كراهية إسرائيل أو نظريات المؤامرة حول الدولة اليهودية في مجموعة من الهجمات المعادية للسامية. وشمل ذلك أيضًا ارتفاعًا في الحوادث المعادية للسامية في حرم الجامعات، بما في ذلك المعسكرات والاعتداءات الجسدية، مما أدى إلى بيئة معادية للطلاب وأعضاء هيئة التدريس اليهود. وقعت آلاف الحوادث المعادية للسامية في التجمعات المناهضة لإسرائيل أو بالقرب منها، وقد نُظم العديد منها من قِبل منظمة “طلاب من أجل العدالة في فلسطين“، وحزب الاشتراكية والتحرير، وجماعات أخرى معادية لإسرائيل. وتضمنت أكثر من نصف حوادث التخريب المعادية للسامية إشارات إلى إسرائيل أو الصهيونية. ونشأت مئات الحوادث من أنشطة جماعات التفوق العرقي الأبيض المناهضة لإسرائيل، حيث لعبت الجبهة الوطنية دورًا كبيرًا.” ا.هـ.
  4. إن فكرة رابطة الدول السبع التي بها أكبر الجاليات اليهودية، قد تكون ملهمة لتشكيل مجموعة عمل مماثلة، لأكثر الدول تفهما وتعاطفا مع الحقوق الفلسطينية، ومن ثم تنسيق الجهود الحقوقية والإعلامية والسياسية بينها.
زر الذهاب إلى الأعلى