بحوثمشاريع

مشاريع تقسيم الأمة

المقدمة:

الأمة المسلمة.. التقسيم، مفهومان يظهر بينهما التنافر بادي الرأي، فضلاً عن التعمق فيهما، ولكنهما مع ذلك أضحا قريبين من حيث الصياغات الفكرية التي دارت حولهما لعقود طويلة منذ سقوط الخلافة العثمانية في أوائل القرن العشرين حتى يومنا هذا، ولئن كان مفهوم التقسيم في الأمة قد شهد من حيث مضمونه رواجاً في بعض المراحل الزمنية السابقة إبان دول الإسلام بمختلف صورها ومظاهرها، بحكم ما شهدته الأمة من تنازعات بينية في سياق إسلامي محض، كالذي جرى في العصر الثاني من تاريخ الدولة الخلافة العباسية وعصر ملوك الطوائف في الأندلس وما تلاها من مراحل زمنية، إلا أن هذا المفهوم لم يكن ليأتي على مفهوم الأمة بالإبطال؛ لكونه أبقى عليه في سياقات مرجعية واحدة، وإن اختلفت صورها من حيث أشكال الدول وشخوصها، ولكنه حضر بقوة في أواخر الخلافة العثمانية التي بدأت بالتآكل والضعف على الرغم من الجهود الإصلاحية التي قام بها السلطان عبدالحميد الثاني، ليشهد سقوطها حملة غربية تأتي على أراضيها بعد أن أضحت قابلة للاستتباع الغربي، ليكون مفهوم التقسيم حاضراً وبقوة في مراحل الأمة الزمنية اللاحقة حتى يومنا هذا على تفاوت في درجة حضوره الفكري والسياسي في المنظومتين الغربية والإسلامية.

وبهذه الإطلالة المجملة على هذا التنافر بين المفهومين، يلزم الباحث تسكينهما في سياق تاريخي وفكري، نقف أثناءه مع مشاريع التقسيم من حيث حقائقها، وأسسها، ومضامينها، وواضعوها، ومدى قدرتها على استيعاب واقع المسلمين، ومن حيث كذلك مدى قدرة المسلمين على مواجهتها في ضوء قدراتهم وإمكاناتهم الفكرية ومقوماتهم المنهجية، بالإضافة إلى محاولة استنطاق الواقع الإسلامي؛ وقوفاً عند منهجية تغييب الوعي التي مورست على الأمة في واقعها المعاصر، وعوامل استرجاعه وإثارته من مكنونه، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن توصيفنا لهذا المشاريع سيكون في إطار عرضها سواء ترتب عليها تطبيقها وتنزيلها في الواقع وعدمه.

مشاريع التقسيم وأساسها التاريخي:

لم يكن التهاوي الذي لحق الأمة المسلمة في بدايات القرن العشرين ضربة لازب، وإنما كان نتيجة تراكمات أفضت إلى إصابتها بالضعف والهوان، ولعل ما ذكرته الإمبراطورة النمساوية ماريا تيريزا يلخص لنا المشهد السياسي آنذاك والحالة التي وصلت إليها الأمة ممثلة بالدولة العثمانية، إذ قالت: “إن تقسيم الدولة العثمانية سيكون من أخطر المشاريع الأوربية، وسيكون له عواقبه الوخيمة”[1]، وبالفعل فإن ما آلت إليه الأمور أسوأ مما توقعته الإمبراطورة النمساوية ولكن من وجهتها الإسلامية، والأمر الذي يلفت نظرنا في هذا الإطار أنه على الرغم من التطاول الزمني للمشاريع الغربية لتقسيم الأمة خاصة وأن كثيراً منها قد باء الفشل، إلا أننا نجد النفسية الغربية[2] معه متسمة بالجلَد والإصرار من أجل تحقيق أهدافها.

على الرغم من التطاول الزمني للمشاريع الغربية لتقسيم الأمة خاصة وأن كثيراً منها قد باء الفشل، إلا أننا نجد النفسية الغربية معه متسمة بالجلَد والإصرار من أجل تحقيق أهدافها

وفي هذا السياق نعرض لبعض مشاريع التقسيم منذ أن طرأت على العقلية الغربية:

أولاً: تعود بدايات التفكير بمشاريع التقسيم عند ساسة الغرب إلى نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر إبان الهيمنة البريطانية والفرنسية على السياسة العالمية آنذاك، ويكفي الإشارة في هذا السياق إلى أن استيلاء فرنسا على الجزائر عام 1830م، وفرض حمايتها على تونس عام 1881م، واحتلال بريطانيا لعدن عام 1839م، وقبرص 1879م، ومصر عام 1882م، والسودان عام 1899م[3]، يعد في بؤرة مشاريع التقسيم، بل وأكثر من ذلك أن العالم الإسلامي كان تحت نظر التقسيم منذ بدايات الدولة العثمانية.

ويشهد لهذا كتاب (مئة مشروع لتقسيم تركيا) الذي ألفه الوزير الروماني دجوفارا[4]، وقد غطى في حديثه عن هذه المشاريع مساحة زمنية طويلة تجاوزت ستة قرون، بصورة تبعث على التوصيف بالمبالغة، وقد دفع بالبعض إلى رفع هذا الشعور بالقول: “عندما يسمع المرء (مئة مشروع) يظن للوهلة الأولى أن هذا الرقم للمبالغة أو هو رمز لكثرة المشاريع، ولكن بمجرد أن يبدأ في القراءة، سيكتشف حجم التدبير، وأنها (مئة مشروع) فعلاً، استغرقت الفترة الممتدة ما بين (1281م-1913م) أي حوالي ستة قرون، ولا شك أن (العرض مستمر) ولكن بأشكال أخرى”[5]، وفي هذا الكتاب يقول دجوفارا مجملاً الهدف من المشاريع المائة التي عرضها في كتابه: “مدة ستة قرون متتابعة كانت الشعوب المسيحية تهاجم الدولة العثمانية، وكان الوزراء ورجال السياسية وأصحاب الأقلام يهيئون برامج تقسيم هذه السلطنة ..”[6]، ولم يكن الاستهداف لهذه الدولة إلا من جهة كونها ممثلة للعالم الإسلامي.

ثانياً: وفي عام 1905م عقد مؤتمر لندن بدعوة من حزب المحافظين البريطاني، واستمرت جلساته حتى عام 1907م، وتمخض المؤتمر عن وثيقة سرية اشتهرت فيما بعد بوثيقة كامبل بانرمان، نسبة إلى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك هنري كامبل بانرمان، وهو في حقيقته رؤية بريطانية في كيفية الحفاظ على الحضارة الغربية ومنجزاتها ودوام سيطرتها على العالم، وكانت أبرز محاوره تلكم الدراسات التي خصصت للحديث عن الحالة الحضارية للمنظومة الغربية ولحظات صدامها بالمنظومة الإسلامية ومنهجية التحولات في سياقاتهما، والكيفية التي تضمن بها الحضارة الغربية الحفاظ على بنيتها الحضارية باستغلال ما أسمته الوثيقة المساحة الثالثة، وهي البقعة الجغرافية للبلاد الإسلامية[7]، ويعد المؤتمر ووثيقته إرهاصاً لتقسيم هذه البلاد وتوطين اليهود في فلسطين وتأسيس دولتهم فيها.

ثالثاً: ثم تأتي اتفاقية سايكس بيكو سيئة الصيت؛ لتكون الحلقة الأقوى في مشاريع تقسيم الأمة في القرن العشرين؛ لكونها مثلت من خلال بنودها وموادها أساساً نظرياً وفكرياً لمشروع تقسيم البلاد الإسلامية بعد سقوط الخلافة العثمانية، وتمخض الاتفاق الذي تم بين مارك سايكس البريطاني وجورج بيكو الفرنسي في السادس عشر من أيار/مايو عام 1916م عن تقسيم بلاد الشام والعراق وأجزاء من الأناضول بين بريطانيا وفرنسا، مع ضمان الدعم الروسي لها بعد وعود بأخذ اسطنبول ومضيقي البسفور والدردنيل، وعلى الرغم من أن الاتفاق لم يتم تطبيقه حرفياً، إلا أنه ولا شك مثل الأرضية الصالحة لمشروع التقسيم الذي تحقق على أرض الواقع بعد الاحتلال البريطاني للعراق والاحتلال الفرنسي لبلاد الشام[8]، ليمثل تفتيت الأمة المسلمة في هذه المرحلة هدفاً استراتيجياً كبيراً للدول الغربية الكبرى، مهّد ولا شك لتأسيس الكيان الصهيوني في فلسطين على إثر الوعد المشؤوم من وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور في الثاني من نوفمبر عام 1917م.

مشاريع التقسيم: الاستمرار والاستيعاب:

لم تشكل مشاريع التقسيم التي أخذت حيزها التنزيلي في أرض الواقع بعد صياغاتها التنظيرية استنفاراً لمنظومة الوعي المسلمة، بل على العكس أفضت إلى تشكيل حالة اللا وعي التي ساهمت في تقبل الظاهرة القطرية التي رُسمت لها حسبما تقرر في سياق التقسيم وما لحقه من مقررات وسياسات غربية، وأخذت هذه الظاهرة القطرية في الامتداد على مستويين خطيرين:

المستوى الأول: جغرافي: حيث رسمت الحدود المصطنعة، وجعلت فيها نقاط تماس تمثل مهدِّدات في حالات التأزم البينية، ذلك أن المعيار الذي تكونت به هذه الأقطار لم يكن سياسياً ثقافياً جغرافياً، بل كان بموجب موازين القوى الغربية التي سيطرت على العالم الإسلامي واقتسمت شعوبه وأراضيه ووضعت حدوده[9].

المستوى الثاني: فكري منهجي: حيث ضُخ في هذه المرحلة كم هائل من الأفكار والمفاهيم الوافدة من بيئات مغايرة للبيئة الإسلامية ساهمت إلى حد كبير في تشكيل عقول شباب الأمة بعيداً عن إطارها المرجعي المؤسس وتاريخ أمتها المسلمة، ولئن كانت هناك دعوات حاولت إعادة التشكيل للعقول المسلمة، إلا أنها لم تكن في أغلبها إلا حالات فردية لم تؤثر على المسار العام للمشهد السياسي التغريبي على الأقل طيلة عقود ثلاثة أعقبت التقسيم ومآلاته، بل على العكس ظهرت سياقات فكرية في هذا الإطار تحاول استيعاب هذا المشهد بتنظيرات يدعي فيها أربابها شرعيته وصحة نسقه الفكري، والأمر لا يعدو أن يكون رجوع استظهار في توظيف نصوص الشريعة وسوء تنزيلها.

وفي خضم هذه التفاعلات ظهرت مشاريع تقسيمية ترسم خارطة جديدة للأمة تتجاوز صورتها الأولى؛ لتؤكد لنا حالة الإصرار والثبات التي يتسم بها مفكرو الغرب وساسته في رؤيتهم للأمة ومكوناتها من جهة، ومن جهة أخرى استمرار حالة الغيبوبة الفكرية والحضارية عن الأمة تابعاً ومتبوعاً، واللافت للنظر في هذا السياق أن هذه المشاريع تمثل نتاجاً وثماراً لجهود مشتركة قوامها مراكز أفكار وبحوث ودراسات متعمقة، ومؤسسات دولة بمختلف صورها ومظاهرها.

وفيما يأتي أهم المشاريع التقسيمية التي قدمت من خلالها خرائط جديدة عن الأمة المسلمة في سياق تجزئة المجزأ:

أولاً: خطة أوديد ينون عام 1982م: وتسمى أيضاً وثيقة كيفونيم الإسرائيلية، وهو اسم المجلة التي نشرت فيها الخطة، وقام على إخراجها إسرائيل شاحاك باللغة الانجليزية، أما واضعها فهو أوديد ينون رجل السياسة الخارجية والمخابرات ومستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أريل شارون، وهي عبارة عن مجموعة تصورات لحزب الليكود عن طبيعة الصراع في الشرق الأوسط، والخارطة المستقبلية للمنطقة العربية، لتصبح فيما بعد خارطة طريق للساسة وصناع القرار في الدولة اليهودية في ثمانينيات القرن الماضي، وهي تصب في إطار تفتيت المفتت وتجزئة المجزأ، وخلاصتها أن الدول العربية دول غير متجانسة اجتماعياً وطائفياً وعرقياً، وعليه فإنه ينبغي تعزيز النزعات الطائفية والعرقية الانفصالية للقوميات غير العربية كالأمازيغ والكرد، وإذكاء الصراع الشيعي السني، على أن تبدأ الخطة في العراق ثم سورية وصولاً إلى مصر والسودان وشمال أفريقيا مروراً بشبه الجزيرة العربية.[10]

ثانياً: خرائط برنارد لويس: وجاءت استجابة لتصريح زبيغينو بريجنسكي مباشرة عقب نشوب الحرب العراقية الإيرانية عام 1980م، وقد ضمنه رؤيته في كيفية تنشيط الولايات المتحدة لحرب خليجية أخرى تستطيع من خلالها تصحيح حدود سايكس بيكو، وجرى في هذا السياق التنسيق بين برنارد لويس ووزارة الدفاع الأمريكية على وضع خرائط مضمونها تفكيك المنظومة الإسلامية وتفتيتها إلى مجموعة من الكانتونات والدويلات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية، وفي عام 1983م وافق الكونجرس الأمريكي بالإجماع في جلسة سرية على مشروع برنارد لويس[11]، وقد عزز برنارد لويس عام 1992م مشروعه بتبنيه فلسفة ما يسمى (موت العالم العربي) من جهة كونه كياناً سياسياً، واقترح من خلال أطروحاته استخدام مصطلح (الشرق الأوسط) بدلاً من العالم العربي، وشرح ذلك في جملة مقالات مشيراً إلى تفكك البناء السياسي العربي[12]، وأبرز ما بثه من أفكار في مقالاته أمران: الأول: أن خرائطه لا تكتفي بالتقسيم، بل تخطط كذلك لإشعال تسع حروب في المنطقة. والثاني: رؤيته في الهدف الاستراتيجي ألا تتحكم في النفط قوة واحدة كبيرة بخلاف الولايات المتحدة، وأن يظل نمو الشرق الأوسط واستقلاله محكوماً بقوى من خارجه[13].

ثالثاً: مشاريع الشرق الأوسط: وتمثل رؤية استراتيجية عن المنطقة العربية تستهدف إعادة تشكيلها في إطار سياسي جديد يقضي على ما هو كائن فيها، وهذه المشاريع شهدت تطوراً في بنائها الفكري، إذ طرحت في سياقه عدة مصطلحات تتقارب مظاهرها ومضامينها، مثل: الشرق الأوسط الجديد، النظام العالمي الجديد، الشرق الأوسط الكبير، ويعد شمعون بيريز أول من بلور مشروع الشرق الأوسط من خلال كتابه: (الشرق الأوسط الجديد)، وقد ضمنه فكرة إقامة سوق مشتركة يسعى من خلالها إلى جعل إسرائيل جزءاً من منظومتها في الإطارين الاقتصادي ثم السياسي، وكان مما رقمه فيه قوله: “خلال السنة الأولى من حكومة العمل رسمنا برنامجاً خاصاً بشرق أوسط جديد بعد الخطة الأوربية، يقوم على التعاون الاقتصادي أولاً يتلوه تفهم سياسي متواصل إلى حين تحقيق الاستقرار”[14]، وفي مقابلة له مع فصلية (الشرق الأوسط) التي نشرت في آذار عام 1995م صرح شمعون بيريز بأن الجامعة العربية يجب أن تتحول إلى جامعة الشرق الأوسط[15].

ثم وظفت هذه الرؤية وهذا المفهوم في سياق أكثر نضجاً، إذ أقدمت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا مطلع عام 2006م على طرحه في سياق مشروع سياسي يسع المنطقة كلها، جاعلة منه هدفاً لجعل المنطقة في حالة من عدم الاستقرار والفوضى والعنف، والذي يمتد من لبنان، إلى فلسطين وسورية، إلى العراق، والخليج العربي، وإيران، وحدود أفغانستان، في سياق ما أطلق عليه الفوضى الخلاقة، وقد قالت كوندليزا رايس في مؤتمر صحفي على خلفية الهجمات الصهونية على لبنان: “إن ما نراه هنا يجسد النمو بأحد المعاني -أي الولادة من الألم- لشرق أوسط جديد، ويجب أن نكون متأكدين من أن أي شيء نفعله يدفع أماماً في اتجاه تكوين شرق أوسط جديد وليس العودة إلى القديم”[16].

رابعاً: خارطة حدود الدم: وهو مشروع نشره رالف بيترز الجنرال الأمريكي المتقاعد في مجلة القوات المسلحة الأمريكية في يونيو عام 2006م، تحت عنوان: “كيف يبدو الشرق الأوسط بصورته الأفضل؟“، وهذا المقال يعد طبعة حديثة لمشروع تقسيم العالم الإسلامي للصهيوني برنارد لويس الآنف الذكر، ويرى بيترز أنه لا بد من تغيير الحدود في الشرق الأوسط الكبير بشكل تتفق فيه هذه الحدود مع ما يعده روابط طبيعية للدم والدين، وقد انتقد بشدة الحدود التي رسمها الأوربيون في اتفاقية سايكس بيكو واصفاً إياها بالأخطاء الكبيرة التي تحفل بها الحدود الحالية، ويقول في هذا السياق ” إن منطقة الشرق الأوسط بما تصدره من فائض الإرهابيين وشحيح الطاقة تحمل تشوهات راهنة تعد بازدياد الحال سوءاً دون أن يتحسن، وفي منطقة اعتنقت أسوأ أنواع الشعور القومي على الإطلاق وتبنت أكثر أنواع الشعور الديني انحطاطاً بشكل يهدد إيمانها .. فإن الولايات المتحدة الأمريكة وحلفاءها وقواتها المسلحة ستجد عدداً غير قليل من الأزمات”، ولأجل تجاوز هذه الأزمات دعا إلى أهمية توظيف الأقليات، وخاصة الأكراد لتفكيك دول منطقة الشرق الأوسط، وطرح عدة مقترحات لتقسيم العراق وإيران والخليج العربي واليمن[17].

جواذب مشاريع التقسيم وتطور مساراتها:

إن مجمل الاستراتيجية الغربية تجاه العالم الإسلامي منذ منتصف القرن التاسع عشر تنطلق من الإيمان بضرورة تقسيم العالم العربي والإسلامي إلى دويلات إثنية ودينية مختلفة، حتى يسهل التحكم فيه، وقد غُرست إسرائيل في قلب هذه المنطقة لتحقيق هذا الهدف. فعالم عربي يتسم بقدر من الترابط وبشكل من أشكال الوحدة يعني أنه سيشكل ثقلاً استراتيجياً واقتصادياً وعسكرياً، ويشكل عائقاً أمام الأطماع الاستعمارية الغربية[18]، وإذا كانت مشاريع التقسيم في سياقاتها التاريخية الأولى قد أضحت واقعاً معيشاً، فإن قسيماتها المعاصرة تقف على مآلاتها ومخرجاتها في سياقٍ أعمق تأثيراً وأكثر خطورة، ذلك أن مشاريع التقسيم المعاصرة أخذت فيما يظهر بعداً تطورياً قائماً على ثلاث مراحل[19]:

وإذا كانت مشاريع التقسيم في سياقاتها التاريخية الأولى قد أضحت واقعاً معيشاً، فإن قسيماتها المعاصرة تقف على مآلاتها ومخرجاتها في سياقٍ أعمق تأثيراً وأكثر خطورة

الأولى: ظهور فكرة التقسيم من خلال التسويق لمشاريع الحكم الفيدرالي، ودعم القوى المجتمعية في المرحلة الزمنية ما بين 2001م -2006م، وذلك بالتزامن مع تركيز الاستراتيجية الغربية في التعامل مع المنطقة العربية على دعامتين: الأولى تمكين الأقليات سواء ذات البعد العرقي أو الديني أو الطائفي، والثانية: دعم الديمقراطية حسب الوجهة الأمريكية من حيث مقاصدها وأهدافها، وهذه الدعامة لا تعدو أن تكون لافتة عريضة من الدعاوى التي لا تمت إلى الحقائق بصلة، ويحضرنا في هذا السياق ما “ذكره كلوفس مقصود المندوب السامي السابق لجامعة الدول العربية في منظمة الأمم المتحدة أنه سأل يوماً وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجر: لماذا لا تعملون على نشر الديمقراطية في البلدان العربية؟ فرد كيسنجر بابتسامة ساخرة على الطريقة الصينية: هل نحن أغبياء إلى هذه الدرجة؟ لماذا ننشر الديمقراطية في البلدان العربية الغنية بالنفط؟ من خلال انقلابات عسكرية نحن قادرون على تنصيب الحكام العرب الذين يسيطرون على شعوبهم بقبضة حديدية وينفذون أوامرنا ومطالبنا بحذافيرها”[20].

الثانية: دعوة عديد من مراكز البحث الغربية إلى دعم مطالب المعارضة الراديكالية بالانفصال السياسي والحكم الذاتي ما بين 2007م-2010م، والتي برزت فيها مظاهر التعاون بين المؤسسات الرسمية الغربية وبعض الجماعات المتطرفة التي أخذت تدعو إلى الانفصال السياسي والاستقلال الإداري، ما شجع بعض الباحثين الغربيين للتقدم بأطروحات أكثر جرأة فيما يتعلق بإعادة رسم خريطة المشرق العربي على أسس إثنية ومذهبية.

الثالثة: ظهور مفهوم التجزئة داخل الحدود في مرحلة الثورات الشعبية الراهنة 2011م-2013م، حيث تبنّت العديد من مراكز البحث الغربية أطروحات جديدة تتضمن الدعوة إلى تأسيس كيانات فيدرالية أو إعادة فرز القوى المجتمعية وفق معادلة تفتيتية تقوم على المحاصصة السياسية للقوى المجتمعية داخل إطار الدولة.

وبالنظر إلى واقع الأمة المسلمة في بعدها السياسي يمكننا أن نقف على أهم الجواذب التي يمكن استدعاؤها واستثمارها من قبل الغرب باتجاه التشطير والتقسيم لدول المنطقة في واقعها الراهن، وأبرزها فيما يظهر:

أولاً: ما يسمى بالدولة القومية: فإن نشوء هذا النوع من الكيانات السياسية في الأمة بعد انهيار الدولة العثمانية ونشوء الحالة الاستعمارية في بلاد الإسلام حمل في أثنائه مقومات تفكيكه، بخلاف قسيمه في أوربا الذي عُدَّ مدخلاً للجامعية، فالدولة القومية في سياقها الإسلامي أريد لها -وقد تحقق- أن تكون وارثة للإشكاليات العميقة في مختلف الأبعاد سواء في داخلها أو علاقاتها البينية والإقليمية؛ لاحتفاظها بعلاقات تسير نحو التفكك لا التكامل بسبب عوامل السيادة والحدود، والتي يفضي التمسك بهما وأمثالهما إلى حالة مرضية تضعف الكيان، كما تضعف علاقاته بكيانات أقرب ما تكون إليه[21]، وهو ما يفضي بطبيعة الحال إلى صراعات داخلية في إطار مكونات الدولة الواحدة، أو صراعات بينية، والشواهد الحسية لهما أظهر من أن يساق لها المثال ذكراً وحضوراً، فالدولة القومية بشكلها الإسلامي حملت منذ البداية بوادر تقسيمها وتفكيكها.

وبناء على ذلك، فإن مفهوم الدولة القومية في حقيقته يتعارض مع مفهوم الأمة المسلمة الجامعة، وهو بهذا يعد جاذباً من جواذب التقسيم للأمة، ومرجع ذلك حسب رؤية الدكتور سيف الدين عبدالفتاح كون تقسيم الأمة أفضى إلى حالة من التعدد ليس فقط في سياقها الجغرافي بل أضاف إليها تعدداً في الرؤى ونماذج من التنمية الاستتباعية غُلفت بسياقات فكرية مغايرة، وهذا الحال من التعدد واكبه عالم أحداث ونظم، غالباً ما سادت فيه علاقات وسياسات التجزئة والتبعية والتخلف بصورة كبيرة، ضعفت بسببها التوجهات التكاملية والوحدوية والتعاونية رؤية وسياسات وعلاقات ومؤسسات، جعلها مؤهلة بواقعها الراهن لاستيعاب مشاريع أخرى للتقسيم والتجزئة والتشظية[22].

ثانياً: الاختلالات المنهجية والفكرية: وقد تتداخل موضوعياً مع إشكاليات الدولة القومية، فالانحراف عن جوامع الأمة يفضي ولا شك إلى تفكيكها وتفتيتها؛ وهذا ظاهر في سياقين: الأول: عقدي، فما أُتي أصحاب الملل فيما أفضوا إليه من الانهيار والهلاك إلا من جهة انحرافاتهم العقدية بسبب دواخل داخلتهم في قضية الإيمان وعلاقتهم بالله تعالى[23]، والأمة اليوم بمختلف صورها ومظاهرها تتقاذفها المناهج المضللة والأهواء المختلة[24]، والسياق الثاني: فكري: ولا شك أن الاختلال العقدي ينعكس سلباً على النهج الفكري، إذ يرتسم اختلال التصور انحطاطاً في التفكير، وانحلالاً في الرابطة الجامعة، ليتجه نحو مفككاتها برايات مشوهة، قومية، وطنية، مناطقية، عرقية، مذهبية، تغريبية .. في غيرها، ولا نبتعد كثيراً عن واقعنا الراهن، فشواهد التفكيك والتفتيت المعاصرة حاضرة وبقوة، كما هو الحال في جنوب السودان، الذي أضحى واقعاً، وشمال العراق في الدعوة الكردية للانفصال الذي أضحى وشيكاً، ودعوات الحراك الجنوبي في اليمن، وحالة الاضطراب التي تجري في ليبيا ما بين شرق وغرب، ومثلها أختها في الصحراء الغربية المغربية، في غيرها.

ثالثاً: عامل القابلية للتفتيت بعد القابلية للاستتباع: ويبرز في سياقه ما يسمى بمشاريع تجزئة الأمة، فلئن كانت مشاريع التقسيم تدور في سياق خارجي للأمة، فإن مشاريع التجزئة تأتي من رحمها وسياقها الداخلي، وهذا المعامل في التفكيك والتفتيت والتجزئة يرتبط به لزوماً غياب الوعي بالانتماء للأمة الجامعة، والأمة المسلمة من حيث العموم عرفت بأنها محضن للتعددية الدينية والثقافية والتنوع المذهبي والعرقي والطائفي لعدة قرون، دون أن تكون عامل صدام بين مكوناتها، فاحتفظت إزاء ذلك بمقوماتها ومكوناتها في سياق متجانس متوافق، ولكن جاذب القابلية أتى عليها بالإبطال، إذ نظر الاستعمار إلى الصفات الكامنة في الشخصية المسلمة فحرص على الانتقاص منها، وجعلها سبباً في الحط منها، وبهذا بث في المجتمع المسلم أنموذجاً فكرياً يكمن فيه الاستتباع للأنموذج الغربي الذي أضحى محط نظر المسلمين؛ باعتباره منهجاً للخروج من أزماتهم المستحكمة، وكما وصف مالك بن نبي أن المستعمر يريد منا أن نكون في بطالة، وجهل، وانحطاط في الأخلاق كي تشيع الرذيلة، وقذارة في الذوق، وبذلك على حد قوله: “تكون العلة مزدوجة، فكلما شعرنا بداء المعامل الاستعماري الذي يعترينا من الخارج، فإننا نرى في الوقت نفسه معاملاً باطنياً يستجيب للمعامل الخارجي ويحط من كرامتنا بأيدينا”[25].

رابعاً: النخب الحاكمة وملوك الطوائف: يقرر المستشار البشري في هذا السياق أن الأمة المسلمة بمكوناتها اليوم لم تعد محنتها في ظاهرة الاستعمار الغربي الذي عاود الانقضاض عليها، وليست كذلك في الانقسام تيارات سياسية أو اجتماعية أو فكرية ثقافية، أو دينية، أو قومية؛ بل محنتها أضحت في الصدع في العلاقة بين الحكومات والشعوب، أو بين الدولة والأمة، ويرجع ذلك الصدع إلى تفريغ النظم السياسية من محتواها القاضي بحماية الجماعة المحكومة بها، ورعاية توازن تكويناتها الفرعية، ودفع مخاطر الخارج عنها، وحل محلها قيادات ونخب سياسية دورها الأساس تكريس سياسات التبعية والخضوع السياسي والاقتصادي للدول الكبرى باستخدام مؤسسات الدولة نفسها[26].

وبناء على ذلك، فإن أخطر ما أفضت إليه النخب السياسية الحاكمة يكمن في تغريب الدولة سياسياً وثقافياً عن مجتمعاتها، حيث مارست دوراً في إيجاد طبقة ثقافية وسياسية مستغربة وبعيدة عن الطبيعة الثقافية والحضارية الذاتية للمجتمع الإسلامي، مما أوجد فجوة أو بيئة تضاد ونفور ما بين السلطة السياسية الحاكمة وأفراد المجتمع ذي الارتباط العفوي والتلقائي مع حضارته الإسلامية، بالإضافة إلى هيمنة فرديتها ومطامعها السياسية والاقتصادية في بنية الدولة والنظام السياسي، أفضت بالضرورة إلى حالة من الانفصام في البناء الاجتماعي للدولة[27]، وليس غريباً بعد ذلك أن تظهر دعوات الانفصال في بعدها الداخلي، أو مشاريع التقسيم في قسيمها الخارجي؛ لكون تلكم الدول تحمل أثنائها ما أسماه الدكتور أبو يعرب المرزوقي: “التفكيك الذاتي لمحميات الغرب العربية“؛ لكونها قائمة على عقلية أمراء الطوائف الذين أعدهم الاستعمار بدهاء استراتيجي؛ لتقوم بدلاً عنه بدفع كلف الاستعمار الأول، وحماية من ينوبه في استعماره الثاني[28].

الأمة والتقسيم: مقومات الدفع والرفع:

الأمة كمفهوم في بعدها الإسلامي جاءت أبعاده في سياقات نصية مختلفة في الخطاب القرآني، حاملة وجوهاً مقاصدية جامعة خمسة، وهي: الجماعة، الملة والدين، الحين والأجل، الإمام الذي يقتدى به، الصنف[29]، وعلى الرغم من تعدد معانيه ومكوناته الدلالية، وتناول القرآن له بمستويات عدة دلت عليه هذه الوجوه، إلا أن المستوى الجمعي الوجودي الإنساني الذي يكمن فيه الأمر الجامع في سياق مركب موحِّد هو الذي يغلب على سياقات الأمة في القرآن، ويعد مقصوداً لذاته بمقتضى الجعل الإلهي في أبعاده الاختيارية لجماعة الأمة، بحيث يحتضن ثلاثة عناصر، هي: عنصر الجمع، وعنصر الوحدة، وعنصر القصد[30]، تجمعها وتأخذ بحجزها سياقات موضوعية، منها مثالاً لا حصراً قوله تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾[البقرة: 143]، وقوله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[آل عمران: 104]، وقوله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ﴾[آل عمران: 110].

واللافت للنظر في السياقات القرآنية أن مجيء الأمة بمعنى الجماعة دون تحديد صارم لسماتها يبعث على التساؤل والتفكير في حكمة ذلك، ونتفق مع التحليل في توجيه ذلكم النسق والتعليل له بأن الأمة الجماعة انطلقت في سياق استيعابي من الدين إلى الحضارة التي تبلورت ونمت حول هذا الدين، آخذة في سياق تدرجي تتسع دوائره في مختلف الميادين والمجالات، فتضم القبائل، والشعوب، والقوميات، ممتدة نحو الدائرة الإنسانية الأوسع في إطار الجامعة الإسلامية[31]، دون أن تقضي على دوائر الانتماء فيها؛ طالما أنها لا تأخذ بعداً فكرياً يناقض الإسلام شريعة ومنهجاً.

ولا يقف هذا التقرير عند دائرته التنظيرية، بل يتجاوزها في الأمة إلى واقعها التاريخي؛ لتجمع بين الواقع والمثال في خاصية انفردت بها دون غيرها من الأمم، يظهر ذلك من خلال ارتباطها بالآخر الذي يمثل أحد مكوناتها على غير ملتها، بالرغم من الاختلاف العقدي والفكري، بل والاجتماعي، بحيث تم استيعابه دون إلغاء لحقوقه أو إكراه في عقيدته ودينه، لتعكس في إطار ذلك كله قيمة التنوع والتعدد بالتوافق مع التوجه التوحدي الذي ركزت عليه الأمة دون أن يكون هناك تعارض أو تضاد بينهما، ولتكون بذلك أنموذجاً قياسياً يصلح استنطاقه والاقتباس منه.

وبهذا الاعتبار ندرك أن الأمة الجماعة من أبرز خصوصياتها القاضية على فكرة التشظي والتماهي مع مشاريع التقسيم، أنها تنفرد دون غيرها بمعامل الاستقطاب والاستيعاب الذي يجعل منها بؤرة جاذبية أو مركز ثقل بشري حيوي يشد إليه وحداته الداخلية فرادى وجماعات، دون أن يذيبها ليفقدها معالمها، كما أنها تجذب نحوها مفردات جماعية من خارج إطاره، لتكون بذلك ملتقى أجناس وشعوب مختلفة الألوان والمنبت، ومن خلال موجات الإشعاع والجذب المتعاقبة تشد إليها وتصهر العناصر المتباينة في بوتقة تآلف جامع، دون أن تُذهب شيئاً من معالم مكوناتها[32]، بشرط أن تكون قائمة في تحقيق ذلك على ناظم منهاجي يأخذ بالمقومات التكوينية للأمة في إخراجها الأول؛ ليسع إخراجها الثاني، مع ما يرتبط بها من محفزات ومرشدات سواء في بعدها التاريخي أو واقعها المعاصر، ويمكن إيجازه فيما يأتي:

وبهذا الاعتبار ندرك أن الأمة الجماعة من أبرز خصوصياتها القاضية على فكرة التشظي والتماهي مع مشاريع التقسيم، أنها تنفرد دون غيرها بمعامل الاستقطاب والاستيعاب

أولاً: المقومات المنهجية: فالأمة المسلمة تشكلت من خلال خطاب هذا الكتاب، وبدأ وحيها بكلماته، وامتدت ثقافتها وحضارتها من خلال الكتاب، وجاءت معجزتها الخالدة متمثلة في الكتاب، وتحققت عصمتها وعدم اجتماعها على ضلالة بالتزام قيم الكتاب[33]، وبه تحتفظ الأمة بمقومات وجودها، ولا قوام لها بغيرها، وما يثير الانتباه حسب البشري أن الغرب بساسته ومبشريه ينظر إلى العالم الإسلامي بوصفه واحداً، ولا ينسى في تعامله مع شعوب الأمة وبلدانها أنهم مجموعون في تكوين بشري اجتماعي، سواء كان هذا التجمع متحققاً فعلاً أو كان إمكانية وقابلية للتحقق، ولكنه في الوقت ذاته لا يريد أن نشعر بهذه الإمكانية لنحققها أو لنمارسها[34]، والغرب إنما بنى رؤيته هذه على قراءته للمقومات الجامعة للأمة، ومن أهم الإشكاليات التي تعد عقبة في هذا الإطار تستدعي التجاوز متعلقة بسؤال المنهج، فليزم إزائها التأكيد على أهمية إحسان التعامل المنهجي مع الأطر المرجعية التي تقوم عليها الأمة، وفقه واقعها في ضوئها، وسؤال المنهج بلا شك له شقان، الأول: داخلي، حيث نرى كثيراً من مواطن العطب الذي أصاب بناءه، بسبب منهجية الاجترار التي غلبت على العقلية المسلمة، وجعلتها تغوص في الماضي وتستورد إشكالياته، وترحلها إلى واقعها المعاصر، والثاني: خارجي، يتعلق بظاهرة الاختراق الثقافي والاستتباع للغرب، وفي هذا السياق يؤكد العلواني على أن حالة التمزق والصراع الدائم والتفكك الاجتماعي التي تعيشها معظم ديار الإسلام لا يمكن أن تتوقف أو تنتهي، إلا بعد تقديم البديل الفكري والثقافي الإسلامي[35]، وهو ما تؤمنه وتضمنه المقومات المنهجية.

ثانياً: العلاقة التسخيرية والتدافعية: فالأمة بمكوناتها ومحتواها، وبما تستند عليه من بعد منهجي، وما رقمته من بعد حضاري تاريخي، تتجاوز حالة الصراع التي سادت النسق الحضاري الغربي في علاقة الإنسان بالكون، إلى علاقة التسخير الدافعة باتجاه استثمار السنن الكونية في بناء الأمم والحضارات، وهذا بلا شك يفتح المجال للتعرف على مقاصد الحق في إيجاد الخلق، ويدفع باتجاه تسخير الكون في إطار تحقيق هذه المقاصد، فتفضي هذه القراءة إلى إدراك مظاهر الوحدة والتوافق بين الإنسان والكون وأبرزها: المأتى، والمصير، والسيرورة[36].

وإذا كانت العلاقة التسخيرية دائرة في إطار العلاقة بين الخالق والمخلوق؛ باعتبارها مجالاً للوظيفة الاستخلافية التي حُمِّلَها الإنسان ورضي بها، كما دل عليها سياق قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾[البقرة: 29]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ﴾[الأحزاب: 72]، فإن العلاقات الإنسانية البينية تجري في إطارين:

الأول: التعارف ووسيلته الحوار، فقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾[الحجرات: 13]، جاء النداء فيه موجهاً إلى الناس؛ ليبين لهم أن الغاية من جعلهم شعوباً وقبائل، ليس هي التناحر والخصام، وإنما التعارف والوئام، وأما اختلاف الألسنة والألوان، واختلاف الطباع والأخلاق وغيرها من المظاهر فهي تجري في سياق التنوع والتعدد، الذي لا يقتضي النزاع والشقاق، بل يقتضي التعاون للنهوض بجميع التكاليف والوفاء بجميع الحاجات، وكل هذه المظاهر وأمثالها ليس لها حساب عند الله، وإنما ميزانه الذي تتحدد به القيم، ويعرف به فضل الناس هو إن أكرمكم عند الله أتقاكم[37].

ولأجل تفعيل التعارف بين الناس، كان لا بد من حوار يحقق مقاصده، ويمثل الحوار في حقيقته ضرورة ليست في إطارها الواقعي فحسب، بل باعتباره خياراً إنسانياً ممتداً في الزمان والمكان، وطريقاً غايته الصحيحة إبراز الهوية المتفردة لكل جماعة بشرية ضمن الأسرة الإنسانية، ما يوصل في النهاية إلى إعلاء إنسانية الإنسان ككائن مسؤول ومكرم، يواجه تحديات وجودية مشتركة، لا فرصة للتعامل معها إلا بالتواصل والحوار[38].

والإطار الثاني: التدافع الذي جعله الله تعالى سنة قائمة في المجتمعات البشرية، ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾[البقرة: 251]، وبه يتحقق تصحيح المسار عند انحرافه عن جادة الهدى والاستقامة، وبه تُستثار البشرية وتُستفز في علاقاتها؛ ليبقى ما ينفع الناس، فالتدافع حسب تعبير الدكتور عمارة: “هو حراك اجتماعي وثقافي وحضاري، أي تنافس وتسابق بين الحضارات يعدل المواقف الظالمة، والممارسات الجائرة، والعلاقة المنحرفة، دون صراع يصرع الأطراف الأخرى -فيلغي التعددية- وإنما بالحراك والتسابق الذي يعيد العلاقات المختلة إلى درجة التوازن والعدل في العلاقات بين مختلف الفرقاء”[39]، فالتدافع بهذا المفهوم قصد به درء الفساد أو التقليل من أثره، وجلب الصلاح وتكميله، وإنما يكون ذلك بمنظومة الإصلاح والتغيير التي يتبناها المشروع الإسلامي الحضاري التي تتمثل وفق رؤية الدكتورة نادية مصطفى في: الدعوة، والقوة، والجهاد، ولكن ليس في سياقات الطغيان، بل في سياق العمران الذي يحرك الفعل الحضاري[40]، وقد يضطر هذا الأنموذج بشخوصه إلى التدافع بالقوة، ليقرر لنا أن العلاقات الصراعية تدور في إطارها الحضاري الإسلامي في سياق التدافع، الذي يستوعبه مفهوم الجهاد، وليس من نوع الصراع الذي يأتي على الآخر بالإبطال.

ثالثاً: محفزات الأمة الجامعة: وأولها الإرادةُ الفاعلة والدافعة المقترنة بمقاصد الحق من الخلق، وبها تتجاوز الأمة حالة العطالة والبطالة الحضارية، فلا يمكن لأمة لها الرؤية الصحيحة عن الكون والحياة، ولها المنهج الصائب في توظيف هذه الرؤية أن تكون مؤثرة فاعلة في إطارها الوجودي دون أن تكون لها الإرادة الدافعة، والعزيمة الصادقة، وهي بتعبير أهل الفقه والأصول شرط وجود لا يمكن أن يتحقق الفعل بدونه، ولعل ابن خلدون كان أعمق انتباهاً لقيمة هذا المحفز عند قرنه له بمقصد التوحيد والإيمان، وبخاصة على المستوى الجماعي، فالقلوب على حد قوله إذا انصرفت إلى الحق ورفضت الدنيا والباطل وأقبلت على الله بالتوحيد اتحدت وجهتها، فذهب التنافس وقل الخلاف وحسن التعاون والتعاضد، واتسع نطاق الكلمة لذلك، وعندها تعظم الدولة والأمة، فمقصد التوحيد والإيمان يبعث على إحلال الفكرة من النفس فينفر بها الإنسان نفيراً جماعياً نحو بناء الأمة حضارياً[41].

وثانيها فقه واقع الأمة، فالأمة المسلمة اليوم لها واقع بوصفها أمة، وواقع لكل إقليم أو شعب، وواقع عالمي لا تملك الانفصال عنه أو الانفكاك عن مؤثراته، ودراسة واقع الأمة وفقهه في غاية الأهمية؛ ليس فقط لمجرد الفهم اللازم لمجريات الأمور والوقائع في محيطها بمختلف مستوياته، بل كذلك من أجل إعادة بنائها وتنميتها، وهذا لا يتحقق بدون منهاجية ضابطة تأخذ بنظر الاعتبار خصائص الأمة الذاتية وأسس ومنطلقات التكوين[42]، وتأتي في السياق ذاته مقاربة الدكتورة هبة رؤوف عزت في تأكيدها على ضرورة إعادة النظر في الارتباك الفكري حول تصور الأمة المسلمة وإعادة تأسيسه على قاعدة مفاهيمية تتمايز عن الدولة القومية الحداثية، ثم ربطه بالواقع الجغرافي والعملي، فتنطلق من مفهوم الفطرة باعتباره يصب في سياق الرابطة الإيمانية مرتبطاً بالناس كافة، كما دل عليه قوله تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ﴾[آل عمران: 110]، ولكن لأجل توظيفه بإحسان كان لا بد من ربطه بجملة مفاهيم، هي: (مفهوم العالمين، المجتمع المدني العالمي، المجال العام)، يمكن من خلالها تأسيس توافق حول حلف فضول مجتمعي حسب قولها، ومنه لحلف فضول دولي يتحدى هيمنة الدولة القومية على النظام الدولي، فهذه الحزمة من المفاهيم تحتاج إلى تدقيق ونظر كي يمكن تطوير رؤيتنا للواقع عند بناء مفهوم الأمة في علاقته بتحولات معاني مفهوم الناس[43].

وثالثها نماذج الوحدة والاجتماع خارج سياقها، فقد شهدت الأمة في واقعها المعاصر، نماذج من الاجتماع والوحدة والاندماج، لم تكن لها من مقومات البناء كالتي تتوفر عليها الأمة المسلمة، وبحكم هشاشة البناء الذي قامت عليها هذه النماذج كان مصيرها التفكك والانحلال، إلا أن واحدة منها استطاعت أن تفرض نفسها، وتتميز عن قسيماتها، وهي تجربة الاتحاد الأوربي، ويرجع باحثون نجاح أوربا في تجربة تكاملها على الرغم من غياب مسوغات الجمع بين مكوناتها إلى تمكنها من تطبيق النهج الوظيفي؛ لسبب بسيط وهو حل معضلات ثلاث أساسية: أولاها: تحييد الخلافات السياسية وعزل تأثيراتها السلبية المحتملة في العملية التكاملية، وثانيتها: بناء مؤسسات فعالة قادرة على إدارة العملية التكاملية، وآخرها ضمان تقدم العملية التكاملية إلى الأمام واستمرارها والحيلولة دون الالتفاف على نفسها[44]، والأمة المسلمة كما قلنا تتوفر على مقومات للبناء وإعادة التكوين ما لم تتوافر عليه أمة من الأمم، وهذا الأنموذج الأوربي يعد بحق محفزاً للأمة ليس فقط في سياق وجودها، بل كذلك حضورها كفاعل كوني.


[1] د.محمد عبد الستار البدري، من التاريخ: المسألة الشرقية ونهاية الدولة العثمانية، جريدة الشرق الأوسط: https://goo.gl/xz5aqn، 17/12/2016م.

[2] ولعل توصيف عمرو بن العاص رضي الله عنه لأسلافها يقرب من الدقة في ضوء معطيات هذه النفسية وواقعها في مختلف المراحل الزمنية، فقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث المستورد القرشي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “تقوم الساعة والروم أكثر الناس”، فقال له عمرو: أبصر ما تقول. قال: أقول ما سمعت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: لئن قلت ذلك، إن فيهم لخصالاً أربعاً: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك. انظر: صحيح مسلم، الرياض، دار طيبة، ط1، 1427ه/2006م، ص1324، ح: 2898.

[3] عبدالرؤوف سنو، العلاقات الروسية العثمانية (1687-1878): روسيا ومشاريع تقسيم الدولة العثمانية (الحلقة الثانية)، مجلة تاريخ العرب والعالم، بيروت، المجلد: 11، العدد: 75/76، 1985م، ص36.

[4] شخصية سياسية شغلت منصب وزير دولة رومانيا في بلجيكا ولوكسمبورغ، ومنصب قائم بالأعمال عن مدينة بلغراد، ومسؤول دبلوماسي في صوفيا، ومبعوث فوق العادة إلى عاصمة الدولة العثمانية الأستانة، ألف كتابه: (مائة مشروع على تقسيم تركيا) باللغة الفرنسية. انظر: د.أحمد نوري النعيمي، تركيا بين الموروث الإسلامي والاتجاه العلماني، عمان، دار الجنان، الطبعة العربية الأولى، 2011م، ص37.

[5] محمد العبدة، التعصب الأوربي أم التعصب الإسلامي؟ تعليقات الأمير شكيب أرسلان على كتاب مئة مشروع لتقسيم الدولة العثمانية 1281م-1913م، بيروت، دار ابن حزم، ط2، 1416ه/1996م،  ص25.

[6] المرجع السابق، ص192.

[7] وثيقة كامبل السرية وتفتيت الوطن العربي، مقالات استراتيجية، مركز الكاشف للدراسات الاستراتيجية، https://goo.gl/CLRkJW، أيلول، 2011م، ص7، وانظر للاستزادة: د.جاسم سلطان، أداة فلسفة التاريخ، موقع مشروع النهضة: https://goo.gl/irjekM، ص66.

[8] أحمد الظرافي، سايكس بيكو هجمة صليبية صهيونية على المشرق الإسلامي، مجلة البيان: https://goo.gl/qoTQPo، العدد: 350، 27/6/2016م.

[9] المستشار طارق البشري، أمتي في العالم: مقدمات البشري، مصر، دار البشير للثقافة والعلوم، ط1، 1435ه/2014م، ص25.

[10] خليل المقداد، أهم وأحدث مشاريع التقسيم في المنطقة، زمان الوصل:  https://goo.gl/m5bnKJ، 26/8/2015م، وانظر في تفاصيل الوثيقة:

Israel Shahak, The Zionist plan for the middle east, https://goo.gl/3U97RR, 1982.

[11] عادل الجوجري، برنارد لويس سياف الشرق الأوسط ومهندس سايكس بيكو 2، دمشق/القاهرة، دار الكتاب العربي، 2013م، ص6.

[12] المرجع السابق، ص50.

[13] ياسر نجم، سايكس بيكو 2016 خرائط تقسيم المنطقة بين الواقع والأساطير، ساسة بوست: https://goo.gl/F5D5YL، 26/3/2015م.

[14] شمعون بيريس، الشرق الأوسط الجديد، عمان، الأهلية للنشر والتوزيع، ترجمة محمد حلمي عبدالحافظ، ط1، 1414ه/1994م، ص15.

[15] تيسير خالد، الشرق الأوسط الجديد، الحوار المتمدن، العدد: 1627، 30/7/2006م.

[16] مهدي داريوس نازمروايا، علاء الدين أبو زينة، خطط إعادة رسم الشرق الأوسط: مشروع “الشرق الأوسط الجديد، الغد: https://goo.gl/kZuffP، 24/4/2017م.

[17] د.وليد بن عبدالله الهويريني، خارطة الدم: هل بدأ العم سام في تقسيم أرض الإسلام؟، لندن، مركز تكوين للدراسات والأبحاث، ط1، 1435ه/2014م، ص71-73.

[18] د.عبدالوهاب المسيري، الشرق الأوسط الجديد في التصور الأمريكي الصهيوني، الجزيرة: https://goo.gl/GqQVkP، 2/11/2006م.

[19] د.بشير زين العابدين، تطور فكرة تقسيم المشرق العربي، مجلة البيان: https://goo.gl/HJuAY5، العدد: 317، 11/4/2013م.

[20] عبدالقادر رزيق المخادمي، مشروع الشرق الأوسط الكبير: الحقائق والأهداف والتداعيات، بيروت، الدار العربية للعلوم، ط1، 1426ه/2005م، ص17.

[21] د.سيف الدين عبدالفتاح، الأمة الإسلامية وعواقب الدولة القومية، حولية أمتي في العالم، مركز الحضارة للدراسات السياسية، القاهرة، العدد: 2، 1999م، ص46.

[22] د.سيف الدين عبدالفتاح، المشروع الحضاري الإسلامي للتغيير: سيرة ومسيرة، القاهرة، دار البشير، 2014م، ص34.

[23] انظر: د.عبدالمجيد عمر النجار، الإيمان بالله وأثره في الحياة، بيروت، دار الغرب الإسلامي، ط1، 1418ه/1997م، ص5.

[24] ولا نبتعد كثيراً عن الهدي النبوي في هذا السياق، إذ أخرج أبو داود في سننه من حديث معاوية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “سيخرج من أمتي أقوام تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه، فلا يبقى عرق ولا مفصل إلا دخله”، انظر: سنن أبي داود، ح: 4597، وهو في صحيح الجامع رقم: 2641.

[25] مالك بن نبي، شروط النهضة، دمشق، دار الفكر، 1406ه/1986م، ص153.

[26] المستشار طارق البشري، أمتي في العالم، مرجع سابق، ص49-62، بتصرف.

[27] د.سامي الخزندار، أسباب ومحركات الصراعات الداخلية العربية، الجزيرة: https://goo.gl/R5C2ED، 3/10/2004م.

[28] د.أبو يعرب المروزقي، التفكيك الذاتي لمحميات الغرب العربية، موقع: أبو يعرب المرزوقي: https://goo.gl/nASZZG، 16/9/2017م.

[29] أبو الفرج ابن الجوزي، نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر، ط1، 1404ه/1984م، ص143، د.أحمد حسن فرحات، الأمة في دلالتها العربية والقرآنية، عمان، دار عمار، ط1، 1424ه/2004م، ص19.

[30] د.الشاهد البوشيخي، فقه واقع الأمة: دراسة في المفهوم والشروط والعوائق، القاهرة، دار السلام، ط1، 1432ه/2011م، ص12.

[31] د.محمد عمارة، هل المسلمون أمة واحدة؟، القاهرة، دار نهضة مصر، 1999م، ص35.

[32] د.منى أبو الفضل، الأمة القطب: نحو تأصيل منهاجي لمفهوم الأمة في الإسلام، القاهرة، مكتبة الشروق الدولية، ط1، 1426ه/2005م، ص63.

[33] عمر عبيد حسنة، الخطاب الإسلامي: وقفة للمناصحة، بيروت، المكتب الإسلامي، ط1، 1426ه/2005م، ص13.

[34] المستشار طارق البشري، أمتي في العالم، مرجع سابق، ص23.

[35] د.طه جابر العلواني، الأزمة الفكرية ومناهج التغيير، بيروت، دار الهادي، ط1، 1424ه/2003م،  ص65.

[36] د.عبدالمجيد النجار، فقه التحضر الإسلامي، بيروت، دار الغرب الإسلامي، ط2، 1427ه/2006م، ص128.

[37] سيد قطب، في ظلال القرآن، القاهرة، دار الشروق، ط32، 1423ه/2003م، ص3348.

[38] د.سمير بودينار، الحوار الحضاري صوب مقام التعارف، القاهرة، مجلة حراء، العدد: 18، 2010م، ص46.

[39] د.محمد عمارة، الحضارات العالمية: تدافع أم صراع؟، القاهرة، نهضة مصر، ط1، 1998م، ص18؟

[40] د.نادية محمود مصطفى، البعد الثقافي لحوار الحضارات: التوظيف السياسي وشروط التفعيل، بحث مقدم إلى ندوة: حوار الحضارات في نظام عالمي مختلف: التباين والانسجام، سراييفو، 2010م، منشور بمركز الحضارة للدراسات السياسية بالقاهرة: https://goo.gl/t1L1Hd، ص28.

[41] عبدالرحمن بن خلدون، مقدمة ابن خلدون، دمشق، دار يعرب، ط1، 1425ه/2004م، ج1ص313، وانظر: د.عبدالمجيد النجار، فقه التحضر الإسلامي، مرجع سابق، ص34.

[42] د.منى أبو الفضل، مؤشرات نحو إدراك لمفهوم الواقع ومنهاجية لدراسته والفقه فيه، منشور ضمن كتاب: مفاهيم محورية في المنهج والمنهجية، د.منى أبو الفضل، د.طه جابر العلواني، القاهرة، دار السلام، ط1، 1430ه/2009م، ص20.

[43] د.هبة رؤوف عزت، نحو عمران جديد، بيروت، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، ط1، 2015م، ص43-45.

[44] إبراهيم غرايبة، عرض كتاب: الاتحاد الأوروبي والدروس المستفادة عربياً للدكتور حسن نافعة، موقع الجزيرة نت: https://goo.gl/yzfFUq، 14/3/2005م.

زر الذهاب إلى الأعلى