اختطاف الإسلامملفـات

الاختطاف بالتشويه للمفاصل الإسلامية

مقدمة:

الحديث عن المفاصل الإسلامية وكيفية تعرضها للتشويه المفضي إلى الاختطاف يلزمنا ابتداء أن نقف عند هذه المفاصل من حيث ماهيتها ومضمونها، قبل الوقوف عند مسار تشويهها واختطافها والقوى الممارسة له، وبناء على القاعدة المنطقية: أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، نحاول بيان هذه المفاصل بشيء من الإجمال بما يفتح للقارئ منافذ يمكنه أن يلج منها إلى أعماقها برفق تتكشف به حقائقها بشرط الولوج إليها قاصداً العلم والمعرفة والوقوف على البراهين والبينات الهادية إلى التزكية بالعمل، والعلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل.

وبحكم تركيبية هذه المفاصل من جهة ما يثيره اللفظ ذاته، ومن حيث اقترانها بالإسلامية قيداً ووصفاً فارقاً، فإننا يمكننا أن نتصور ذلكم البناء الذي توحي به هذه المفاصل بحيث لا يمكن -لمن قصد الولوج إليه والتحقق به- التخلي عنه أو عن بعض مكوناته ومكنوناته، فاللفظ ذاته يوحي في حالته العضوية المادية في الجسم الحي بأن هناك رابطاً بين الأعضاء، لو لم يكن موجوداً لما أمكن الجسم أن يحتفظ بقوامه أصلاً وبوظيفته من باب أولى، وهو المعنى الذي ينصرف إلى بنية الإسلام التي ينشد بعضها إلى بعض بروابط لا يمكن التخلي عنها لأنه يفضي إلى التعضية والتشتت بين أركان هذه البنية .

وعندئذ يسعنا مع تنوع المداخل في تناول هذا الموضوع من جهة مفهومه وتعريفه أن ننطلق في الحديث عن هذه المفاصل من آية قرآنية جامعة تصلح في ظننا لأن تكون مدخلاً يوقفنا على هذه المفاصل أو بعض ركائزها مما ينبه على سواها من جهة التضمن واللزوم.

يقول الله تعالى:  ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ[البقرة: آية 208]، فالآية لها إيحاءاتها وهداياتها وبصائرها التي تفتح لها العقول والقلوب والأفهام بما يجعلها تدرك إدراكاً جلياً أن واضع الشريعة ومشرع هذا الدين كان يحوطه منذ عهد التنزيل بما يصونه عن التشويه والاختطاف، فحفظ لنا هذا الدين على مستوى مصدريته بحفظ وحيه القرآني ويسر أسباب الحفظ لبيانه النبوي، وحفظ لنا فهمه ومضمونه بجعل سيرة نبيه صلى الله عليه وسلم مثالاً يحتذى في فهم الإسلام وفقه تنزيله على واقع الناس، وعلى هذا الأساس يأتي الأمر بالدخول في السلم كافة بما يثيره من قضايا تشكل بمجموعها المفاصل الإسلامية، ومنها:

-قضية الاستسلام لله والخضوع له والطاعة لحكمه والرضا به، التي يثيرها لفظ السلم نفسه، وقد جاء عن ابن عباس، وعكرمة ، والسدي، وابن قتيبة، والزجاج .. في آخرين أن السلم معناه: الإسلام[1]، والإسلام ينطلق بهذا المعنى على كل ما يثيره في دائرته المفاهيمية والمصطلحية بحسب اختلاف السياقات التي ورد فيها وتعددِ دلالاتها، وعندئذ يدخل فيه: أركان الإيمان، أركان الإسلام، الأحكام التي شرعها الله لعباده، والدين الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم وهيمن على سائر الأديان، والاستسلام لله والطاعة له، وكلها معاني دارت حولها كلمة الإسلام عند من تعرض لتعريفه مقروناً بسياقه.

-اقتران لفظ (كافة) على رغم الخلاف الواقع حوله من المفسرين، فإنه يشير إلى البعد المنظومي الذي يلزم اعتباره في فهم طبيعة الإسلام ونظمه وتشريعاته؛ ذلك أن هذا اللفظ في أحد وجهيه الإعرابيين جاء منصوباً على الحال من (السلم)، ومعناه ادخلوا في جميع شرائع الإسلام، ولهذا قال الواحدي بحسب ما نقله عنه الرازي: “هذا أليق بظاهر التفسير؛ لأنهم أمروا بالقيام بها كلها”[2]، وعليه يكون الإسلام من حيث هو منطبقاً -بحسب ما ذكره بعض المعاصرين- على المنظومات العقدية والمقاصدية والخلقية والتشريعية بكلياتها وجزئياتها بأصولها وفروعها[3].

وتأتي الإشارة بعدُ في ذات السياق القرآني إلى خطورة منهج التعضية من خلال ما يثيره النهي عن اتباع خطوات الشيطان ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ، معللاً ذلك بقوله: ﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ، وفي هذا المقام تأتي إشراقات صاحب الظلال قاصمة كل محاولات الاختطاف للإسلام عبر اتباع خطوات الشيطان بتعضيته وتشويهه، فيقول: “ولما دعا الله الذين آمنوا أن يدخلوا في السلم كافة .. حذرهم أن يتبعوا خطوات الشيطان. فإنه ليس هناك إلا اتجاهان اثنان. إما الدخول في السلم كافة، وإما اتباع خطوات الشيطان .. وبمثل هذا الحسم ينبغي أن يدرك المسلم موقفه، فلا يتلجلج ولا يتردد ولا يتحير بين شتى السبل وشتى الاتجاهات .. ليس هناك حل وسط، ولا منهج بين بين، ولا خطة نصفها من هنا ونصفها من هناك! إنما هناك حق وباطل. هدى وضلال. إسلام وجاهلية. منهج الله أو غواية الشيطان”[4].

    وهذا التأصيل المفاهيمي حول آية السلم وما تثيره مفردة الإسلام من قضايا متعلقة بالثوابت والأركان التي تكوِّن وتشكِّل قوامها وبنائها، كان لا بد معه من التعرض إلى مفردة المفاصل التي تجعل هذا القوام والبناء متماسكاً محافظاً على وظيفيته وأدائه، والقراءة المعجمية في ظل هذه المفردة ترفدنا بجملة من المعاني المتداولة، وهي: الحجز بين شيئين، العماد، الحق من القول، القضاء بين الحق والباطل، الفصال (في الرضاع)، القطع والانقطاع، الحكم، البيان، المباينة، الخروج، اللسان، الزمان (فصول)[5]، وهي معانٍ نلمس فيها جامعاً رابطاً يؤكد على البعد الوظيفي لما نحن بصدده وهو المفاصل الإسلامية، ذلك أن استدعاء هذه المفاصل مع منظوماتها من الثوابت الإسلامية يجعلنا نتصور كيفية أداء هذه المفاصل ودورها في الحفاظ على فاعلية الثوابت في حركة الحياة، فإذا أصاب هذه المفاصل شيء من الخلل أو العطب تفقد الثوابت معها القدرة على الحركة، ومن هنا فإن هذه المفاصل تعد في حقيقتها ركائز وروابط ضرورية لاستمرار الفعل المنظومي الحضاري للبنية الإسلامية كلها.

    والإدراك التصويري لوظيفية هذه المفاصل لا يجعلنا نستغني عن التعرض لمضامينها في إطار تعريفي آخر؛ ذلك أن التعريف يأخذ سياقين وفق المعهود عند العلماء في الأطر المفاهيمية، الأول التعريف المنطقي الذي يراعي الجوامع  والموانع، والثاني التعريف بمضامين المعرف به، ومن هنا فإننا نسوق في إطار تخطيطي تصويري أبرز ما تضمنته المفاصل الإسلامية في المخطط الآتي:

وأما مفردة التشويه التي اقترنت بالمفاصل الإسلامية بناء على القصد الموضوعي الذي يثيره البحث، وبحكم كذلك قصود الخاطفين في جعلهم هذه المفاصل في دائرة الاستهداف بالتشويه، فإنها -أي مفردة التشويه- تدور مع معاني القبح، والفزع، والشؤم، والإنكار، والبعد (ذماً)، والنقص، والحسد[6]، وهي معانٍ تأخذ حظها من صنيع الخاطفين ومقاصدهم في توظيف وسائلهم وآلياتهم لتشويه المفاصل الإسلامية.

ولا شك أن لهم من أسلافهم نصيباً على الوجه الذي كشفه القرآن من خبايا نفوسهم، فقد قال تعالى عنهم في موضعين متقاربين في سياق نصي واحد: ﴿مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾[البقرة: آية 105]، ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾[البقرة: آية 109]، ففي الآية الأخيرة بيان لما يضمرونه وما تكنه صدورهم للمسلمين من الحسد على نعمة الإسلام التي عرفوا أنها الحق، ولكن شق عليهم أن يتبعوهم فتمنوا أن يحرموا هذه النعمة ويرجعوا كفاراً كما كانوا، وذلك شأن الحاسد يتمنى أن يسلب محسوده النعمة ولو لم تكن ضارة به، فكيف إذا كان يعلم أن تلك النعمة إذا تمت وثبتت يكون من أثرها سيادة المحسود عليه وإدخاله تحت سلطانه، كما كان يتوقع علماء يهود في عصر التنزيل[7].

    وقد جاء هذا التنبيه تتمة للآية الأولى مبيناً فيه ما كان من محاولة أهل الكتاب وتحيلهم على تشكيك المسلمين في دينهم كقول بعضهم لبعض بأن يؤمنوا أول النهار ويكفروا آخره لعل ضعفاء الإيمان يرجعون عن الإسلام اقتداء بهم، وفائدة هذا التنبيه أو التنبيهات أن يعلم المسلمون أن ما يبدو من أهل الكتاب أحياناً من إلقاء الشبه على الإسلام وتشكيك المسلمين فيه إنما هو مكر السوء الذي يبعث عليه الحسد[8].

    وهذا كله يعطي الدلالة الجلية على حملات التشويه والنقض للمفاصل الإسلامية وما اقترنت بها من حملات صليبية لاحتلال بلاد الإسلام لم تكن وليدة اللحظة، وهذا يلزمنا أن نؤكد على أن التصورات الغربية المعاصرة حول هذا الدين ومفاصله لم تتكون وترتسم في صفحة بيضاء خالية، بل انعكست في مرآة قديمة شوهاء، فالغربيون المعاصرون ورثوا عن أسلافهم من القرون الوسطى مجموعة عريضة وراسخة من الأفكار حول الإسلام، وبشكل عام تكونت في وعي الغربيين ملامح اللوحة  الآتية عن الإسلام -على قاعدة: رمتني بدائها وانسلت-: إنه عقيدة ابتدعها محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهي تتسم بالكذب والتشويه المتعمد للحقائق، إنها دين الجبر، والانحلال الأخلاقي، والتساهل مع الملذات والشهوات الحسية، إنها ديانة العنف والقسوة[9].

    فهذه هي الصورة النمطية التي رسمت في مخيلة الغربيين عن الإسلام ونبيه منذ قرون متطاولة لم تنفك عنها الحضارة الغربية المعاصرة، بل تمادت في تعميقها وإذكائها، وعمدت إلى تغيير مسارات هذا الدين وثوابته في العقلية المسلمة باحتوائه واختطافه وتصدير نسخ محرفة منه وتجنيد طوائف من أبناء المسلمين ومن بني جلدتهم ليكونوا وكلاء عنهم في الدعوة إليها ودعمها بما يحقق نجاحها، وفي بحثنا هذا وقفة مع محاولات التشويه وبواعثه وآلياته وفواعله وقواه ووسائله، تعقبها وقفة أخرى تتضمن أبرز الرؤى والأفكار والوسائل المعينة في مواجهة هذا التشويه.  

المبحث الأول: بواعث التشويه والاختطاف:

هناك جملة البواعث التي تشكل بمجموعها دافعاً وحافزاً لتشويه المفاصل الإسلامية واستهدافها بالاختطاف، وإخراج وتصدير نسخة مشوهة من الإسلام يستهدف تعجيز أبنائه عن تحقيق الفاعلية الحضارية لهذا الدين، ويمنع البشرية عن إدراك قيمه ورحماته وإنجازاته المبثوثة في خطابه وتراثه وحضارته.   

أولاً: استغلال حالة الوهن التي أصابت العقلية المسلمة منذ قرون خلت[10]، وأخطر ما أسهم في تكريس هذه الحالة وترسيخها في عقول أجيال الأمة العطب الذي أصاب عالم الأفكار وانعكاساته على عالم الأشخاص والأشياء؛ فإن هناك نوعين من الأفكار بحسب مالك بن نبي، فكرة ميتة: وهي الفكرة التي بها خُذلت الأصول، فكرة انحرفت عن مثلها الأعلى؛ ولذا ليس لها جذور في العصارة الثقافية الأصلية؛ إما بسبب تاريخيتها وعدم قدرتها على الاستيعاب، أو بسبب إصابتها بتشوهات فكرية أو سلوكية لم يستطع الفكر الإسلامي الخلاص منها، وفكرة مميتة: هي الفكرة التي فقدت هويتها وقيمتها الثقافيتين بعدما فقدت جذورها التي بقيت في مكانها في عالمها الثقافي الأصلي[11]، في إشارة منه إلى الأفكار المنقولة التي لا يصلح تعميمها أو إنباتها في سياق غير سياقها.

ولم يكن هذا التشخيص للداء في واقع الأمر متأخراً، بل كان مبكراً منذ عهد التنزيل، بحكم الإخبار النبوي عن نبوءات المستقبل وما ينتظر الأمة فيه، وما أكثر ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم الأمة من تلكم الإخبارات الغيبية التي فهمها البعض في دائرة الحتم المستحكم الذي انفكاك منه، وكأنه قدر محتم لا مجال لمغالبته أو مدافعته، وهو الإشكال الذي استوقف البعض متسائلاً: “كثيراً ما يراودني سؤال؛ فحواه: هل الأمور القدرية الغيبية كلها مجرد غيب يُنتظر، أم أن منها ما هو شرع يُمتثل وواجب يُستحضر؟”[12]، وهو سؤال حمل منطوقُه جوابَه، فقد أحسن التعبير بأوجز طريق وأبلغه، فهذه الإخبارات لم يقصد بها النبي صلى الله عليه وسلم جعل الأمة مرهونة بها وعاجزة عن مدافعتها بالأقدار الدافعة والرافعة، وإنما مقصوده التحذير والتنبيه وإعداد العدة والأخذ بأسباب الحصانة والحماية.

وعوداً إلى دائرة التشخيص النبوي المبكر في التنبيه عن حالة الوهن التي أصابت الأمة، فقد جاء في حديث ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها” فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: “بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن”. فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: “حب الدنيا وكراهية الموت”[13].

ففي الحديث بيان بواعث التداعي على الأمة باستغلال ضعفها وهوانها في دينها، وتخليها عن وظيفتها الخاتمة وواجب الشهودي، وهو ما أغرى عدوها بها، قال الطيبي في شرحه لهذا الحديث: “سؤال عن نوع الوهن أو كأنه أراد من أي وجه يكون ذلك الوهن (قال حب الدنيا وكراهية الموت) وهما متلازمان فكأنهما شيء واحد يدعوهم إلى إعطاء الدنية في الدين من العدو المبين، ونسأل الله العافية”[14].

ثانياً: بالرغم من حالة الوهن التي تستحكم بالأمة منذ قرون، إلا أن الخاطفين مدركون بيقين أنها ما زالت بيدها أسباب القوة والقدرة على نهوضها من جديد وتفعيل دورها الحضاري؛ ذلك أن مرجع قوتها كامن في منهجيتها ومرجعيتها وأصولها وقيمها وتاريخها وسجلها الحضاري، بما أوتيت من قدرة على استيعاب متطلبات البشرية زماناً ومكاناً، والأمة بها تتميز بالخصوصية الحضارية التي تجعلها مفارقة لما أصاب غيرها من الحضارات من التآكل والتهالك وَفقاً للنظرية الخلدونية، ولكن الإشكالية التي جعلت الأمة تغط -ولا تزال- في غيبوبتها الحضارية هي عجزها عن تفعيل قيمها في واقع الناس، ذلك أن مشكلة هذه الأمة في واقعها المعاصر يكمن في انسلاخها عن الإسلام، وفشلها في التعامل مع قيمه ومنهجه والكيفية التي تجعلهما في دائرة التفعيل والتنزيل، فيقيناً أن القصور المنهجي لا يكمن في المرجعية، بل هو كامن في الفهم والتنزيل؛ فإنه ينبغي ألا تغيب عن الأذهان القيمة العليا التي تستبطنها الهدايات القرآنية والنبوية، ومدى قدرتها على الإنتاج في واقع الناس والاستيعاب لحاجاتهم في دائرة شحذ قدرات الفكر والفهم والإنجاز، خاصة وأن هناك مثالاً وأنموذجاً تاريخياً دالاً على تجربة تاريخية غنية استنبطت واستخرجت من هدايات مرجعيتها بما يتناسب والواقع الظرفي الذي أحاط بها، كل هذا دال على قدرة تلك القيم على العطاء في كل الظروف والأحوال والاستطاعات[15].

وبناء على ذلك يأتي تحرك الخاطفين للحيلولة دون استثمار الأمة لقدراتها وعوامل قوتها وتفعيلها الحضاري، بإعادة تشكيل العقلية المسلمة بنسخ معدلة من الإسلام، بالانقضاض على مفاصله وأركانه وتعريضها إلى البتر والبت بما يعود على قوامه تشويهاً ونقضاً، فيدخله -حالة تلبسه بهذه النسخ المشوهة من الإسلام- في دائرة العطالة والبطالة الحضارية، وعند ذلك تستحكم فيه القابلية للاستخراب فكراً ومادة.

ثالثاً: ومن البواعث مما له صلة بسابقيه وله أبعاد أخرى، أن الخاطفين يقصدون بانتهاج التشويه وسلوك مسالكه نقض المفاصل الإسلامية بقصد إبطالها؛ ذلك أن توجيه الضربات إلى المفاصل التي تحفظ فاعلية الثوابت في تحريك مسار الحركة في البنية الإسلامية يعد أسرع طريقة لهدم البناء، وإذا كانت المفاصل الإسلامية بحكم كونها عماداً وروابط وركائز تأخذ بمجامع الثوابت لتقوم بوظيفتها كما أسلفنا، فإنَّ تفكيكها ونقضها يجعلها تفقد فاعليتها في الحركة والبناء؛ ذلك أن الخاطفين في تشويههم للشخصية الإسلامية ومنظومتها الفكرية والمنهجية والحضارية يمارسون عملية تضليل وتلبيس وكذب لهذه الشخصية من خلال وسائلهم -كما سيظهر لنا أثناء البحث- سواء في أوساطهم أو خارجها، وهي عملية تتضمن أبعاداً ثلاثة، وهي: الأول: وصف عالم المسلمين بالتخلف، ومرجع تخلفه إسلامه ودينه ذاته، البعد الثاني: إقصاء كل مكامن الفاعلية والقوة في الكيان وفعل المقاومة الحضارية، والبعد الثالث: صناعة الصورة المشوهة حول العالم الإسلامي.

المبحث الثاني: التشويه: قواه الفاعلة ووسائله ومجالاته:   

موضوع هذا المبحث يدور حول قوى التشويه للمفاصل الإسلامية ووسائلها، ويتضمن ثلاثة مطالب، الأول حول الاستشراق، والثاني حول التغريب، والثالث حول مراكز البحوث والدراسات.                                                                                                                                                                                                                                

المطلب الأول: الاستشراق والمستشرقون:

الاستشراق من حيث مسوغاته الوظيفية شكل المدد لمقومات التنصير والاستعمار، وتغذية عوامل الصراع الفكري الذي يشنه الغرب على العالم الإسلامي وحضارته ومفاصله؛ ليتزامن تأثيره بصورته المعاصرة مع الهجمات العسكرية المباشرة التي شهدتها أوائل القرن الحادي والعشرين، بعد أن كان مقدمة لهذه الهجمات في عهودها السابقة أعني في القرنين التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، وبهذا يتحقق التزامن بين الغزوين الفكري والعسكري، ولا يغيبن عن الذهن أن الاستشراق لئن شهد تطوراً وتغيراً شكلاً ومضموناً، فإن أهدافه ومراميه لا زالت هي ذاتها بل وشهدت هي أيضاً تطوراً كماً ونوعاً، ولهذا نحاول في هذه الورقة استجلاء الظاهرة الاستشراقية من حيث مفهومها وتطورها التاريخي وما آل إليه فكرها ومضمونها وقوفاً عند مجمل الأفكار التي تستحكم بالدرس الاستشراق وأساليبه ومناهجه التي انطلق منها واستخدمها في تشويه المفاصل الإسلامية.

الاستشراق من حيث مفهومه يصعب تحديده في سياق المحددات المنطقية ذات البعد الجامع والمانع؛ لكونه يُؤخذ في مضمونه بعدة مفاهيم متداخلة، فأحياناً يراد به ذلك العلم الذي تناول المجتمعات الشرقية بالدراسة والتحليل من قبل علماء الغرب، وأحياناً يقصد به أسلوب للتفكير يرتكز على التمييز المعرفي والعرقي والأيديولوجي بين الشرق والغرب، وأحياناً أخرى يحدد مفهومه بالذين يقومون به ونعني به المستشرقين، وهم الكتاب الغربيون الذين كتبوا عن الفكر والحضارة الإسلامية[16].

وإذا تجاوزنا الصرامة المنطقية في التعريف، فإن هناك من تعرض للاستشراق تعريفاً، فعرفت الموسوعة الميسرة للأديان والمذاهب المعاصرة الاستشراق بأنه: “ذلك التيار الفكري الذي يتمثل في إجراء الدراسات المختلفة عن الشرق الإسلامي، والتي تشمل حضارته وأديانه وآدابه ولغاته وثقافته”[17]، وعكف إدوارد سعيد على تشريح المفهوم قبل أن يصل في النهاية إلى الحكم عليه من حيث سياقاته التاريخية وامتدادها في العصر الحديث والمعاصر بوصفه أسلوباً غربياً للهيمنة على الشرق، وإعادة بنائه، والتسلط عليه[18].

ويرى رضوان السيد أن الاستشراق يتناثر ويدخل في تخصصات متباينة كالتاريخ والسوسيولوجيا والأنثروبولوجيا والاقتصاد والسياسة، ولم يعد هناك عالم واحد اسمه الاستشراق، بل هناك عوالم متباينة يحمل كل منها عنوان المجال الذي يهتم به، فإذا كانت مفاهيم الشرق والعالم الثالث والشرق الأوسط متباينة وغير علمية، فإن مفهوم الاستشراق صار اليوم كذلك[19].

وعلى مستوى جذر الاستشراق ونشأته لا ينبغي التغافل عن الأساس النصراني والكنسي الذي نشأ فيه وترعرع وشهد أوائل ظهوره التاريخي، ودون الوقوف طويلاً عند التحديد التاريخي لنشأة الاستشراق؛ بحكم الصعوبة التي تكتنف هذا التحديد والخلاف الكبير حوله، إلا أن أكثر المهتمين بالظاهرة الاستشراقية والمتخصصين فيها يرون أن بداية النشأة لها تعود إلى عام 1312م حينما عقد مؤتمر مجمع فيينا الكنسي، ونادى بإنشاء كراسي للعبرية والعربية والسريانية في روما على نفقة الفاتيكان، وفي باريس على نفقة ملك فرنسا، وفي أكسفورد على نفقة ملك إنجلترا، وفي بولونيا على نفقة رجال الدين فيها. وأنشئت هذه الكراسي ونشطت الدراسات الاستشراقية، فدرست اللغة العربية وعلوم المسلمين، وترجمت الكتب من اللغة العربية إلى اللغة اللاتينية[20].

وأما على مستوى أهداف الاستشراق من حيث عمومها والدور الذي لعبه في تشكيل العقلية المسلمة ومناهج التنزيل في الواقع الإسلامي، فإن هناك نظراً إليها في سياق تاريخ ظاهرة الاستشراق وما آلت إليه من تطورات على مستوى بنيته الفكرية ووجهتها، وفي هذا يقول عمر حسنة: “لا شك أن الاستشراق كان ولا يزال يشكل الجذور الحقيقية، التي تقدم المدد للتنصير والاستعمار، والعمالة الثقافية، ويغذي عملية الصراع الفكري، ويشكل المناخ الملائم لغرض السيطرة الاستعمارية على الشرق الإسلامي، وإخضاع شعوبه، فالاستشراق هو المنجم، والمصنع الفكري، الذي يمد المنصرين والمستعمرين، وأدوات الغزو الفكري، بالمواد التي يسوقونها في العالم الإسلامي؛ لتحطيم عقيدته، وتخريب عالم أفكاره، والقضاء على شخصية الحضارة التاريخية”[21].

على أن الاستشراق لم يكن ليصل إلى هذه المرحلة من مراحل التوجيه والتلقين وبناء الأفكار الداعمة للسياسات بنوعيها الفكري والسياسي وما يلحقها من مشاريع استلابية في بعدها العسكري والمادي، إلا بعد حالة التراكم التي استثمرها المستشرقون وساستهم من الواقع الإسلامي، وهذا يسري كذلك على ما يسمى بالاستشراق المجدد الذي بالرغم مما أضفي عليه من المراجعات على مستوى أهدافه ومناهجه، وإضفاء البعد العلمي على مناشطه وحركته، إلا أنه لم يستطع فك ارتباطه بالإرث السلبي في الاستشراق القديم.

وتجلى هذا في العلاقة الوثيقة مع الدوائر السياسية، وقوى الهيمنة العالمية، والاستمرار في تقديم وتثبيت الصور النمطية السلبية عن الإسلام، والاستمرار كذلك في مصادرة الإسلام برفض الاعتراف بكونه ديناً سماوياً، وكونه ثمرة جذور من اليهودية والنصرانية، بل كذلك جذور وثنية قديمة، هذا فضلاً عن الإشكاليات المنهجية التي يستبطنها الاستشراق الجديد، بوصفه أطروحات تتوسل بالعلوم الإنسانية والاجتماعية، وهي تتمحور حول بيان تأثير القوى الغربية في صياغة التصميمات النظرية والتكوينات الداخلية لتلك العلوم، وما فيها من حجم التحيزات غير العلمية، وموقف هذه العلوم من الدين والتدين[22].

وعلى مساري الاستشراق نظهر أبرز الأفكار التي ركز عليها الدرس الاستشراقي وسلم بها وأعاد وكرر عرضها ثم نعقبها ببيان الأساليب والمناهج التي ينطلق منها المستشرقون بحيث يمارسون من خلالها منهجية التشويه للمفاصل الإسلامية، فأما أبرز أفكارهم، فتتمثل فيما يأتي:

محاولات التشويه والنقض:

1.محاولة تجزيئه لنقده ونقضه:

إن فداحة الخطأ الذي يرتكبه الدارسون للإسلام يكمن في سلوك المنهج التجزيئي في دراسته، فيلاحظ من أسلوب أغلب منتقدي الإسلام أنهم يسددون سهامهم إليه جزءاً جزءاً، فيأخذون هذا الجزء أو ذاك منفرداً وحده، ثم يعمدون إلى نقده وتجريحه، خصوصاً، حين يحاكمونه على أساس منظور آخر يقوم على منطق غير منطق الإسلام أو حين يتم تصور فعل ذلك الجزء ضمن كل آخر غير الكل الإسلامي، وبهذا يستطيع أصحاب المستوى الأول أن يسجلوا نصراً سهلاً، ويضعوا المدافع عن الإسلام في مواقع ضعيفة وهو يدافع عن ذلك الجزء، خصوصاً حين يجر إلى مناقشة كجزء قائم بذاته معزولاً عن كله الإسلامي.

ولهذا فإن الإنزلاق في مناقشة أي جزء من الأجزاء على حدة لا يجعل من الممكن الدفاع عن الإسلام، وهنا قد ينبري البعض إلى القول إذا لم يكن من الممكن مناقشة أي جزء من أجزاء الإسلام على حدة فما هو هذا الإسلام؟ وكيف يمكن أن يجري النقاش حوله أو أن يفهم؟ والإجابة على هذا السؤال تعد مدخلاً لأحد الردود التي يرد بها على الخاطفين، ذلك أن الإسلام يشكل منظومة متكاملة تتماسك أجزاؤها وتتفاعل فيما بينها لتشكل وحدة عضوية متحركة حيوية لا تجعل من الممكن أن يفهم أي جزء على حدة، وإنما ضمن وضعه في الإطار العام أو من خلال علاقته بالوحدة الكلية أي بالأجزاء الأخرى مجتمعة وفي آن واحد، وهذا ما يفهم من القرآن الكريم حين يدين الذين يأخذون بعض الكتاب ويتركون بعضه، حيث يقول تعالى: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾[البقرة: آية 85]، أو حين يؤكد المسلمون على القاعدة التي تقول: بأخذ الإسلام كله أو تركه كله.

إن هذه جميعاً تثبت منهج الفهم الذي يلزم اعتماده، وهو التعامل معه كوحدة متكاملة تتماسك أجزاؤها بعلاقة عضوية حية متفاعلة. وتساعد هذه النظرة الكلية الكلية على الوصول إلى فهم عميق للإسلام، وامتلاك معيار في التعامل مع الأجزاء، ومن ثم امتلاك معيار عدم السماح بالهجوم على الإسلام من خلال عزل أي جزء من أجزائه، أو من خلال إبراز أجزاء وتجاهل أجزاء أخرى[23].

2.استخدام ما يسمى بالحجة والنقيض في دراسة الإسلام:

حيث تشترك هذه الكتابات في الغالب الأعم في سمة أساسية هي عرض الحجة ونقيضها في دراسة الإسلام والمسلمين، ومن ثم تشير إلى مجموعة الحجج ونقيضها في دراسة الإسلام وعدم قدرته على مواجهة قضايا العصر؛ بقصد قتل الفاعلية الإسلامية حيناً، وتشويه الرؤية الإسلامية حيناً آخر، وتحاول أن تلصق بها ما ليس منها، ضمن حركة الصراع والسير في محاولة إذكائه في السياسات الدولية واستحداث المبررات للعداء مع الإسلام، وعده العدو الأخطر والأخضر تمييزاً له عن الخطر الأحمر الذي سقط وتهاوى.

فلم تترك هذه الدراسات بابًا إلا وطرقته من أجل تحقيق مقاصدها، وهذا الوضع ربما استدعى موقف الدفاع من جانب الباحثين المسلمين دون الفطنة إلى أن الاستغراق في هذا الموقف ليس إلا تبديدًا للطاقة الذهنية، والتى تجعل من رد الفعل محور حركتها الفكرية.

ويتخذ هذا الموقف الدفاعي أكثر من شكل: اتجاه التفاخر والذي يحاول إثبات أن الغرب بنى أصول حضارته على أسس المعرفة الإسلامية آنذاك. واتجاه التبرير والاعتذار، والذي يجهد في الدفاع عن شبهة هنا أو هناك، دون أن يدرى أن هذا هو أحد أهداف منهاجية التغريب والاستشراق. واتجاه افتراض التشابه بين عناصر أو مفاهيم في الفكر الغربي والرؤية الإسلامية، وهو توجه يجهد فكره في إحداث عملية تلفيق قد لا تقوم على أساس منهجي.

وهذه الاتجاهات قد يكون لها ما يبرر قيامها بهذا العمل، وقد تكون أدت أهدافها في حينها، لكنها ظلت الطرف السلبي، القابل والمفعول به لا الفاعل، وقد آن لها ألا تغفل عن الخطورة وتنتقل من موقف ردود الأفعال إلى عملية البناء الفكري والمعرفي والمنهجي[24].

3.التحايل واستغفال عوام المسلمين:

فترى كثيراً من المستشرقين دأبهم موجه إلى البحث عن مواضع الضعف -بزعمهم- في الشريعة الإسلامية والحضارة والتارخ الإسلامي، وإبرازها لأجل غاية سياسية أو دينية، حيث يركزون جهودهم ومساعيهم على تعريف مواضع الضعف هذه في تاريخ الإسلام ومجتمعه ومدنيته حتى في ديانته وشريعته، وتمثيلها في صورة مروعة مضخمة، إنهم ينظرون إليها عن طريق المجهر ويعرضونها كذلك للقراء حتى يروا الذرة جبلاً، والنقطة بحراً، وقد ظهرت حذاقتهم وذكاؤهم في كثير من الكتابات في تشويه صورة الإسلام، ويثيرون بذلك في قلوب المسلمين شبهات حول الإسلام والمصادر الإسلامية، ويحدثون في نفوسهم يأساً عن مستقبل الإسلام، ومقتاً على حاضره، وسوء ظن بماضيه، حتى يتركز نشاطهم وحماسهم في رفع هتاف تطوير الدين وتصحيح الإسلام.

وكان من دأبهم أنهم يعينون لهم غاية ويقررون في أنفسهم تحقيق تلك الغاية بكل طريق ثم يقومون لها بجمع معلومات من كل رطب ويابس ليس لها أي علاقة بالموضوع، سواء من كتب الديانة والتاريخ أو الأدب والشعر أو الرواية والقصص أو المجون والفكاهة وإن كانت هذه المواد تافهة لا قيمة لها، ويقدمونها بعد التمويه بكل جرأة، ويبنون عليها نظرية لا يكون لها وجود إلا في نفوسهم وأذهانهم.

إنهم في أغلب الأحيان يذكرون عيباً واحداً ويجودون لتمكنه في النفوس، بذكر عشرة محاسن ليست لها أهمية كبيرة، وذلك كي يقف القارئ خاشعاً مؤدباً أمام سعة قلوبهم وسماحتهم، ويسيغ ذلك العيب الواحد الذي يكفي لطمس جميع المحاسن، إنهم يصورون بيئة دعوية أو شخصية وتاريخهما وعواملهما الطبيعية بلباقة وبلاغة، تصوران أن هذه الدعوة والشخصية لم تكونا إلا نتاج هذه البيئة أو العوامل ورد فعلها الطبيعي، وكأن البركان كان متهيئاً للانفجار، فتناولته هذه الشخصية بشرارة فانفجر، فينكر القارئ أي اتصال لمصدر غير مادي، ولا يعترف لهذه الشخصية أو الدعوة بعظمة أو تأييد إلهي أو إرادة غيبية.

وكثير من هؤلاء المستشرقين يدسون في كتاباتهم مقداراً خاصاً من السم ويحترسون في ذلك، فلا يزيد على النسبة المعينة لديهم، حتى لا يستوحش القارئ ولا يثير ذلك فيه الحذر، ولا يضعف ثقته بنزاهة المؤلف، إن كتابات هؤلاء أشد خطراً على القارئ من كتابات المؤلفين الذين يكاشفون العداء، ويشحنون كتبهم بالكذب والافتراء[25].

4.منهجية التشكيك:

وهي منهجية طالت الأصول العقيدية ومصادر الوحي (القرآن والسنة)، والسيرة النبوية، والعلوم الإسلامية، والحضارة الإسلامية، والتاريخ الإسلامي …:

-التشكيك في الأصول العقيدية: استخدم المستشرقون مناهج علماء الاجتماع في دراسة الإسلام وعقيدته، وهي مناهج تربط نشأة المعتقدات الوثنية بالبيئات والمجتمعات، ولذلك صرحوا تقريراً أن الإسلام بعقيدته عبارة عن إبداع إنساني ونتاج بيئة من حيث الزمان والمكان، وأن محمداً عليه الصلاة والسلام في عقيدته تأثر بالتقاليد العربية الشركية، وأن الإسلام قد احتوى على هذه الشركيات وقبلها، ثم ادعوا أن العقيدة الإسلامية مقتبسة من الأديان اليهودية والنصرانية، بل هي نتاج تطور عقدي مأخوذ من عدة روافد كاليهودية والنصرانية واليونانية وغيرها[26].

-التشكيك في القرآن الكريم: حاول المستشرقون التشكيك في صحة القرآن وقدسيته ومصدريته الإلهية بالطعن في جمعه وكتابته، ونفي إعجازه ومعرفته بالغيب ماضياً ومستقبلاً، وحاولوا إيراد مصادر عديدة لإثبات مرجعيتها له قسموها بين المصادر الخارجة والداخلية، وأجهدوا أنفسهم في تلمس هذه المصادر وإعادة الأحكام القرآنية إليها، وعملوا على التشكيك في صحة أسلوبه وعظمة بيانه وإيراد الشُبَه لتلمس مواطن الضعف فيه والتدليل على بشريته، والطعن في ظاهرة الوحي الإلهي[27].

-التشكيك في السنة النبوية: فمن مداخل المستشرقين في تشويه المفاصل الإسلامية التشكيك في صحة الحديث النبوي الذي اعتمده علماء المسلمين المحققون، ويتذرع هؤلاء المستشرقون بما دخل على الحديث النبوي من وضع ودس، والذي حملهم على الشطط في دعواهم هذه ما رأوه في الحديث النبوي الذي اعتمده علماء المسلمين من ثروة فكرية وتشريعية مدهشة، وهم لا يؤمنون بنبوة الرسول صلى الله عليه وسلم، فادعوا أن هذا لا يعقل أن يصدر كله عن رجل واحد أمي، إنما هو عمل المسلمين خلال القرون الثلاثة الأولى، فالعقدة النفسية عندهم هي عدم تصديقهم بنبوة محمد عليه الصلاة والسلام، ومن هذه العقدة تنبعث تخبطاتهم وأوهامهم[28].

ولذلك عمدوا إلى التهويل من إشكالية الوضع والدس في الحديث النبوي وانتحال مواقف مكذوبة سواء من قبل علماء الحديث أو حكام المسلمين في ذلك الوقت، وقد ساد في أوساط المستشرقين الرأي القائل: “بأن القسم الأكبر من الحديث ليس صحيحاً ما يقال من أنه وثيقة للإسلام في عهده الأول عهد الطفولة، ولكنه أثر من آثار جهود المسلمين في عصر  النضوج”[29]، وقد شرحوا هذا الرأي: “بأنه في هذا العصر الأول الذي اشتدت فيه الخصومة بين الأمويين والعلماء الأتقياء، أخذ هؤلاء يشتغلون بجمع الحديث والسنة، ونظراً لأن ما وقع في أيديهم من ذلك لم يكن ليسعفهم في تحقيق أغراضهم، أخذوا يخترعون من عندهم أحاديث رأوها مرغوباً فيها ولا تتنافى والروح الإسلامية، وبرروا ذلك أمام ضمائرهم بأنهم إنما يفعلون هذا في سبيل محاربة الطغيان والإلحاد والبعد عن سنن الدين .. ولم يقتصر الأمر على هؤلاء، فإن الحكومة نفسها لم تقف ساكتة إزاء ذلك، فإذا ما أرادت أن تعمم رأياً أو تسكت هؤلاء الأتقياء، تذرعت أيضاً بالحديث الموافق لوجهات نظرها، فكانت تعمل ما يعمله خصومها، فتضع الحديث أو تدعو إلى وضعه ..”[30]، وهذا مثال من الهراء الذي لا يمكن لغمر أن يصدقه فضلاً عن عالم، وإنما هو كما قال تعالى: ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا﴾[الكهف: آية 5].

-التشكيك في السيرة: يصف الدكتور عماد الدين خليل الدراسات الاستشراقية عن السيرة بأنها بالغت في الشك والافتراض والنفي الكيفي واعتماد الضعيف الشاذ، ويقول بشأن هذا الخطأ المنهجي والثغرة المنهجية: “يكان يكون هذا الملمح الأساسي في مناهج المستشرقين قاسماً مشتركاً أعظم بينهم جميعاً .. إنهم يمضون مع شكوكهم إلى المدى، ويطرحون افتراضات لا رصيد لها من الواقع التاريخي، بل إنهم ينفون العديد من الروايات لهذا السبب أو ذاك، بينما نجدهم يتشبثون -في المقابل- بكل ما هو ضعيف شاذ .. لقد غالوا في كتاباتهم في السيرة النبوية وأجهدوا أنفسهم في إثارة الشكوك في وقائعها، وقد أثاروا الشك حتى في اسم الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو تمكنوا لأثاروا الشك حتى في وجوده .. ولكنهم مهما قالوا في نسبة التاريخ الصحيح في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم فإن سيرته هي أوضح وأطول سيرة نعرفها بين سير جميع الرسل والأنبياء”[31].

-التشكيك في العطاء الحضاري للمسلمين: إلى جانب ما تقدم كان هناك تشكيك في معظم جوانب التراث الإسلامي العلمي والحضاري، فهم يرون أن الفقه الإسلامي مستمد من الفقه الروماني، ويرون أن اللغة العربية غير قادرة على مسايرة التطور العلمي حتى تظل الأمة عالة على المصطلحات الغربية، وكل ذلك كان بهدف إضعاف ثقة المسلمين بتراثهم الفكري والحضاري، وبث روح الشكوك والشبهات في كل ما ما بين أيديهم من قيم وعقيدة ومثل عليا؛ لتسنى للغرب نشر ثقافتهم الدخيلة بينهم[32].

وسائل المستشرقين وسبلهم في تحقيق أهدافهم:

    عمد المستشرقون في ظل الدعم اللامحدود من منظومتهم الغربية إلى استغلال كل السبل والطرق المتاحة من أجل تحقيق أهدافهم العلمية والمعرفية في تشويه الثوابت الإسلامية ومفاصلها، ومن ذلك[33]:

-تأليف الكتب وإصدار البحوث والدراسات، فكتبوا في الدراسات القرآنية والحديث والفقه والفلسفة والتصوف واللغة والأدب وغيرها.

-إصدار المجلات العلمية حول الإسلام والشرق عموماً، ومنها: مجلة الجمعية الآسيوية الملكية بلندن، ومجلة الجمعية الشرقية الأمريكية، ومجلة جمعية الدراسات الشرقية، ومجلة العالم الإسلامي الذي أسسها صمويل زويمر، ومثلها للمستشرقين الفرنسيين.

-إمداد الإرساليات التنصيرية.

-إلقاء المحاضرات في الجامعات والجمعيات العلمية.

-نشر المقالات في الصحف المحلية للبلاد العربية والإسلامية بقصد الترويج لأفكارهم.

-عضوية المجامع والمؤسسات العلمية، ومن أمثلة المجمع اللغوي المصري كان من أعضائه المستشرقون: جب، وونسنك، وماسينيون، والمجمع العربي العلمي بدمشق كان من أعضائه: بيدرسون، وكيتاني، وجيتهل.

-عقد المؤتمرات الاستشراقية، وقد بدأت منذ عام 1873م إلى يومنا هذا.

-كتابة الموسوعة الإسلامية المشهورة بدائرة المعارف الإسلامية، وقد أصدروها بعدة لغات.

-إعداد المعاجم العربية والقواميس اللغوية، ومن أمثلتها المعجم المفهرس لألفاظ القرآن للمستشرق فلوجل، والمعجم المفهرس لألفاظ الحديث لمجموعة من المستشرقين منهم ونسنك.

-استغلال المناصب الهامة وكراسي الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الغربية، وتأسيس أقسام للدراسات الشرقية فيها.  

المطلب الثاني: التغريب والمستغربون:

محور أزمتنا الفكرية يكمن في أن واقعنا الإسلامي يفتقد ذاتيته الثقافية وخصوصيته الحضارية، هذه الذاتية حددتها قيم عقيدية وأخلاقية وعملية شكلت الأسس الفكرية لحضارة الإسلام، والقراءة الواعية لحركة الأحداث في الواقع تدرك بوضوح أن الذي يفصل ما بين الشعوب ليس المسافات الجغرافية، وإنما هي مسافات ذات طبيعة أخرى يمثل عالم الأفكار أهم معالمها، وينطبق هذا المعنى بوضوح على وضع التردي الحضاري الذي تحياه مجتمعاتنا الإسلامية[34].

ولكن هذا لا يعني ألا يكون للبعد الجغرافي دوره في تحقيق مقاصد الغرب في هيمنته على العالم الإسلامي، ولهذا يفكك العماري في أنموذجه المغربي حالة الغزو الاستعماري مبيناً دوره في استثمار البعد الجغرافي، فقد اهتم في مرحلته الأولى بعملية تفكيك وتغيير المرتكز الجغرافي بوصفه وحدة جيوسياسية مهمة وإطاراً مصدرياً للقوة، ولتوقيف معطيات القوة الاستراتيجية لهذا المرتكز الجغرافي عمل على التطويق الجغرافي للعالم الإسلامي وفصل أجزائه إلى وحدات جغرافية صغيرة، يمكنها معها تعطيل دورها وتأثيرها الحضاري، وهذا التطويق الجغرافي ساعد بشكل كبير على استكمال مراحله بتغيير العقلية المسلمة وجعلها في دائرة الاستتباع الغربي[35].

ولهذا ترى أن العالم الإسلامي قد اختل فيه الإنجاز الفكري الفاعل والناهض، ومرجع ذلك بشكل سافر هو الاستعمار والهيمنة والتغريب والاغتراب عن ذاتية الأمة وثقافتها، وقد في ساعد ذلك كله معامل القابلية والاستعداد للاستعمار، فجنح العالم الإسلامي بهذا كله إلى تبديد إمكاناته وثرواته، وعجزت نظراته عن كل تحليل ذاتي لأي إشكالية أو معضلة في بنائه بمختلف مظاهره.

وإذا كان التقدم الحضاري يبدأ من خلال الأفكار، فإن التراجع الحضاري يبدأ أيضاً من خلالها، وتخلف العالم الإسلامي لا يكمن في فقره، ولكن في تبعيته الحضارية واغتصاب خيراته؛ ليكون في موقع الحاجة الدائمة، وذلك بتدمير خصوصيته العربية الإسلامية وإعادة صياغتها ضمن القوالب الغربية[36].

وبهذا كان التغريب وأدواته من القوى الفاعلة والعاملة في تفكيك عقلية الأمة الفكرية وإعادة تشكيلها، ما جعله من أكثر العوامل فاعلية في اختطاف الإسلام ومحاولة تغيير بنيته الفكرية وتقديمه على أنه الإسلام المقصود حضارياً، وما هو في حقيقته سوى حالة من حالات الاستلاب للأمة ومؤهلاتها الحضارية، ينبغي ونحن في سياق التنبيه على حالات الاختطاف في مسارات متعددة -كما نبه عليه مشروع مواجهة الاختطاف الذي نحن بصدده- أن نعرج أولاً على الدلالات المفهومية للتغريب (التقليد للغرب)؛ فإن بيان المفهوم يساهم في إحسان عملية التفكيك والوقوف على عناصر الظاهرة ومفاصل حركتها في الواقع.

وفي هذا يعرف الجندي التغريب بعيداً عن السياقات المنطقية بأنه “حركة كاملة لها نظمها وأهدافها ودعائمها، ولها قادتها الذين يقومون بالإشراف عليها، تستهدف احتواء الشخصية الإسلامية الفكرية، ومحو مقوماتها الذاتية، وتدمير فكرها، وتسميم ينابيع الثقافة فيها”[37]، ويعرفه في سياق آخر بأنه: “حمل المسلمين والعرب على قبول ذهنية الغرب وغرس مبادئ التربية الغربية في نفوس المسلمين؛ حتى يشبوا مستغربين في حياتهم وتفكيرهم، وحتى تجف في نفوسهم موازين القيم الإسلامية”[38].

ومن الأهمية الحديث عن دور التغريب أو التقليد للغرب في تشويه المفاصل الإسلامية بغية تنحيتها، وتقديم بدائل لها، أو فرض الأمر الواقع من حيث انتشارها واستخدامها ومن ثم تداولها في الدوائر المختلفة بحيث تسع مكونات البنية المجتمعية للعالم الإسلامي، ذلك أن برامج التغريب تحاول أن تخدم هدفاً مزدوجاً، فهي تحرس مصالح الاستعمار (الاستخراب)، بتقريب الهوة التي تفصل بينه وبين المسلمين، نتيجة لاختلاف القيم، ونتيجة للمرارة التي يحسها المسلم إزاء المحتلين لبلاده ممن يفرض عليه دينه جهادهم، خاصة مع تجدد ظاهرة الاحتلال في واقعنا المعاصر لتجمع بين الاحتلالين الفكري والعسكري. وهي في الوقت نفسه تضعف الرابطة الدينية التي تجمع المسلمين، وتفرق جماعتهم التي كانت تلتقي على وحدة القيم الفكرية والثقافية، أو بتعبير أشمل وحدة القيم الحضارية[39].

وقد لاحظ المستعمر الغربي في هذا الخلاف الشديد بين المسلمين وبينه، في العقائد، وفي القيم، وفي التقاليد والعادات، وفي اللغة .. في غيرها، فاتخذ لأجل تجسير الهوة بين المسلمين والمستعمر الأوربي طريقتين:

الأولى: تربية جيل من العصريين، الذين ينشؤون تنشئة خاصة تقربهم من الأوربيين ومن الإنجليز على وجه الخصوص، في طرائق السلوك والتفكير، ومن أمثلها ذلك ما قام به كرومر بتأسيس (كلية فكتوريا)، التي قصد بها تربية جيل من أبناء الحكام والزعماء والوجهاء في محيط إنجليزي؛ ليكونوا من بعدهم أدوات المستعمر الغربي في إدارة شؤون المسلمين، وليكونوا في الوقت نفسه على مضي الوقت أدواته في نشر الحضارة الغربية.

الثاني: التطوير العصري للإسلام: أما الطريقة الأخرى التي اتخذها الاستعمار لإيجاد هذا التفاهم المفقود، وعمل على تنفيذها، فهي أبطأ ثماراً من الوسيلة الأولى، ولكنها أبقى آثاراً، وهي تتلخص في تطوير الإسلام نفسه وإعادة تفسيره، بحيث يبدو متفقاً مع الحضارة الغربية، أو قريبا منها وغير متعارض معها على الأقل، بدل أن يبدو عدواً أو معارضاً لقيمها وأساليبها، وهذا لا يعني البتة سوى ظاهرة الاختطاف التي نحن بصددها[40].

ولا شك أن غزو منطقة المفاصل الإسلامية التي تمثل أركان هذا الدين وأساساته واحتلال عالم الأفكار يعني ضمن ما يعني حمل المسلمين على قبول ذهنية الاستسلام والاحتواء والتحرك من داخل دائرة الفكر الوافد ومقاييسه ومعاييره ومفاهيمه … كما يستهدف ذلك إخراج المسلمين من دائرة فكرهم بما يحدث شعوراً بالنقص في نفوسهم، ومن باب أولى حيال فكرهم حيث يخرجون من مفاهيمهم ومواريثهم، وفرض أعراف ومفاهيم جديدة عليهم مخالفة لها في الأصل مباينة لها في الأساس والجذور.

وقد أفضى إشاعة هذا النهج في التغريب إلى سيادة المفاهيم الغربية بفعل شيوعها وانتشارها في الاستخدام إلى الانحياز لتلك المفاهيم في إطار من التقليد بلا بينة أو دليل أو برهان، وصار بهذا أن كل من أرخ للتراث الإنساني لم يكن إلا غربياً وانطلق من المفاهيم الغربية، سواء كان من بني قومه الغربيين، أو من بني العرب والمسلمين ممن توجه صوب الغرب عقيدة ونهجاً[41].

أساليب التغريب ووسائله:

اتخذ أرباب التغريب أساليب ووسائل متعددة، وهي تتداخل وتتقاطع مع كثير من الوسائل التي اتخذها المستشرقون وغيرهم في التطاول على الثوابت الإسلامية، وسنقف مع منظومتين اتخذت وسائل متعددة في تحقيق أهدافهم في ذلك، وهما التعليم والإعلام:

التعليم: وهو من أخطر الوسائل المتبعة في إحداث التغيير الفكري لأبناء الإسلام؛ بهدف طمس الشخصية الإسلامية وإذابتها في الثقافة الغربية، يقول زويمر: “المدارس من أحسن الوسائل لترويج أغراض المبشرين”، ولهذا اتخذ الغرب من التعليم وسيلته الأولى في التأثير والتغيير الذي ينشده، ومن وسائله في التأثير في المنظومة التعليمية: عملية الابتعاث إلى الغرب، والمدارس التنصيرية والأجنبية في البيئة الإسلامية، وإنشاء المدارس الحديثة المدنية المختلطة وباللغات الأجنبية، التضييق على التعليم الديني كما هو الشأن في الحالة المصرية[42].

الإعلام: وهذه الوسيلة من الوسائل التي تعاظم خطرها؛ بسبب التماهي مع التطور والتقدم التقني الذي اتسعت دائرة تأثيره وتنوعت، خاصة مع إحداث وسائل جديدة في منظومته، تجاوزت ما هو تقليدي منها، فلم تعد الصحافة الورقية مؤثرة، وإن كان حضورها مستمراً، بل ازداد التأثير الإعلامي على مستوى الإعلام المرئي في وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية والقنوات الفضائية بما تبثه من أفلام وبرامج التوك شو وغيرها.

ومما نقله الدكتور محمد محمد حسين عن هاملتون جب تأكيده على أهمية التعليم والإعلام في تحقيق أهداف التغريب في العالم الإسلامي: “والسبيل الحقيقي للحكم على مدى التغريب هو أن نتبين إلى أي حد يجري التعليم على الأسلوب الغربي، وعلى المبادئ الغربية، وعلى التفكير الغربي .. هذا هو السبيل الوحيد ولا سبيل غيره، وقد رأينا المراحل التي مر بها طبع التعليم بالطابع الغربي في العالم الإسلامي، ومدى تأثيره على تفكير الزعماء المدنيين وقليل من الزعماء الدينيين. ثم يقول بعد قليل: والواقع أن المدارس والمعاهد العلمية لا تكفي. فليست هي في حقيقة الأمر إلا الخطوة الأولى في الطريق؛ لأنها لا تغني شيئاً في قيادة الاتجاهات السياسية والإدارية. وللوصول إلى هذا التطور الأبعد يجب أن لا ينحصر الأمر في الاعتماد على التعليم في المدارس الابتدائية والثانوية، بل يجب أن يكون الاهتمام الأكبر منصرفاً إلى خلق رأي عام. والسبيل إلى ذلك هو الاعتماد على الصحافة. ويقرر جب أن الصحافة هي أقوى الأدوات الأوربية وأعظمها نفوذاً في العالم الإسلامي”[43].

المطلب الثالث: مراكز البحوث والدراسات:

عرفت المجتمعات المعاصرة مؤسسات للبحوث والدراسات، ذات إطلاقات متعددة (مركز، معهد، منتدى، جمعية ..إلخ) تتخصص في إنتاج الأفكار وتطويرها وصياغتها، وتتنوع الأهداف الخاصة لمراكز البحوث تنوعاً واسعاً، وذلك تبعاً لتنوع مرجعياتها الفكرية والسياسية ومصادر تمويلها وبؤرة اهتماماتها[44]، ولا ريب أن استقلالية هذه المراكز البحثية عن السلطة العلمية والسلطة السياسية تجعلها أقدر على الجمع بين مختلف أشكال المعرفة ذات العلاقة المباشرة وغير المباشرة بموضوع البحث، وتحليل المشكلات المعقدة بمنهجية تكاملية تتسم بالاستقامة العلمية[45].

ولكن حينما تنتفي هذه الاستقلالية أو يتساقط بعض أركانها، فعندها تكون مرهونة بمن يوجه دفتها باتجاه أهدافه وغاياته بعيداً عما تقتضيه الاستقامة العلمية، فتقع فريسة ما يسمى بالأفكار الشيطانية أو هي ذاتها تقوم بصناعتها إلى القدر الذي تستطيع معه هذه المراكز أن تُحدث حرباً مفبركة بحجج ومبررات واهية، وعلى سبيل المثال وتحت عنوان (حرب مفبركة من قبل مركز فكر) يقول مؤلفا كتاب (مراكز الفكر أدمغة حرب الأفكار): “في استعراض شريط الحجج المقدمة من قبل إدارة بوش لتبرير التدخل في العراق نجد رؤية بول ولفويتز  ولويس ليبي مؤسسي (PNAC) في عام 1997.. اليوم نضيع بين التبريرات المتعددة للحرب في العراق. غير أن ذلك لا يتعلق بحجة الدقيقة الأخيرة. فالهجوم على العراق من قبل التحالف بقيادة الولايات المتحدة هو ثمرة المخاض لبعض الرؤوس المفكرة الناشطة بشكل مميز والمثابرة والتي تملك شبكات شخصية متينة”[46].

ولهذا يذكر توماس ميدفيتز في حديثه عن دور مراكز الأبحاث الأمريكية على وجه الخصوص : “أن مراكز الأبحاث، وهو نتاج عملية طويلة من النمو المؤسسي وإعادة تحديد الانتماءات، قد أصبحت الأدوات الأساسية لربط الممارسة السياسية بالممارسة الفكرية في الحياة الأمريكية”[47]، وهذا يعني أن هناك دائرة من التحيزات تغلب على هذه المراكز وتجعلها حبيسة التمويل الموجَّه والموجِّه تارة، أو توظفها في مسارات من التزلف يقصدها أرباب المراكز أنفسهم؛ ليحققوا مصالح مادية أو سياسية أو فكرية، وعندها فقط يمكن إدراك حجم التضليل والتلبيس الذي يمارس في أمثال هذه المراكز عند دراسة أو بحث مناطق خارج نطاق منظومتها الفكرية التي تنتمي إليها.

وفي نطاق بحثنا حول التشويه للمفاصل الإسلامية نقف بإجمال عند حقيقة الدور الذي تضطلع به مراكز الأبحاث الغربية وأخواتها في الدائرة الإسلامية في زعزعة الثوابت الإسلامية ومحاولة التلاعب فيها وتجريفها من عقول أجيال الأمة وإعادة تشكيل هذه العقول بما يحقق لهم أهدافهم في إضعاف بل قتل الفاعلية الفكرية التي تبثها تلكم المفاصل في عقول ونفوس هذه الأجيال عند التحقق بها وجعلها نهجاً ثابتاً في الحياة الإسلامية، وقد علم أعداء هذه الأمة قيمة هذا الدين وما يستبطنه من روافع منهجية ونفسية تنعكس في نفوس شباب الأمة تحقق بهم ومعهم فاعليتها في ظل شهودها الحضاري.

لقد شكل التطاول على الثوابت والمفاصل الإسلامية وتوجيه سهام التشويه إليها هدفاً رئيساً سعت لتحقيقه مراكز ومؤسسات بحثية غربية عبر دراسات وتقارير لم تقف عند دائرة التنظير بل تجاوزتها نحو إقرارها في سياسات معتمدة من قبل صناع القرار السياسي في المنظومة الغربية، وبصورتها الأمريكية على وجه الخصوص، وهذا يجعلها تتفق في موضوعات الاهتمام ومنهجية التناول مع الدائرة الاستشراقية، سواء قلنا إن هذه المراكز امتداد لها ونسخ معاصرة منها، أو قلنا إنها تقاطعت معها هدفاً ومنهجاً.

مؤسسة رند مثالاً:

ولعل التقارير سيئة السمعة التي قدمتها مؤسسة رند الأمريكية، تعد مثالاً جلياً على تلكم المراكز التي جعلت الإسلام ومنظومته ومفاصله وثوابته في دائرة الاستهداف بالتشويه والاختطاف، ومن أمثلة تقاريرها في هذا الصدد تقريران أصدرتهما المؤسسة عامي 2003م و2007م على التوالي، التقرير الأول بعنوان: (الإسلام الديمقراطي المدني: الشركاء والموارد والاستراتيجيات)، والتقرير الثاني بعنوان: (بناء شبكات مسلمة معتدلة)، والتقرير الأول من إعداد شيريل بينارد، وأسهمت في الثاني بمعية آخرين.

لقد تضمن التقرير الأول-فيما نحن بصدده- مواضع متعددة تناولت ثوابت الإسلام ومفاصله بالشبهات والتشكيك والطعن وعدم صلاحيتها للتطبيق في الواقع المعاصر، ومن ذلك:

أ.نظرتهم إلى القرآن الكريم، ومما جاء في التقرير:

-“الشريعة الإسلامية قد فرضت حد الرجم للزاني المحصن والجلد لغيره. وهذه مسألة محسومة عند الأصوليين والتقليديين المحافظين القريبين منهم، وهو ما لا يصح، إذ يكتنف هذه القضية غموض شديد في القرآن”[48].

-“صورة الأديان التوحيدية في النص القرآني هي صورة مشوشة، فالقرآن يحتوي على آيات عدائية وتحريضية ضد اليهود والمسيحيين، لكنه يحتوي كذلك على بعض الآيات التصالحية”[49].

-“من وجهة نظر موضوعية بحتة، فمن المستغرب أن تثير قضية الحجاب كل هذا القدر من الاهتمام؛ إذ من الواضح أن القرآن لا يفرضه”[50].

-“إن القرآن لم يسجل كتابة إلى ما بعد وفاة النبي بزمن، وقد تم تجميعه حيئنذ من شذرات لحاء الشجر أو العظام التي كتب عليها شهود الوحي نصوصه، وكذا من صدور الصحابة الذين حفظوا بعض السور القرآنية، فأملوها على أحسن ما يستطيعون التذكر. وهو ما نتج عنه كتابة عدة نسخ من القرآن كل منها مختلفة عن الأخرى. وسداً لأبواب الخلاف، تم التخلص من جميع النسخ ما عدا واحدة. ومن المعروف أنه في أثناء هذه العملية قد ضاعت سورتان على الأقل”[51].

-“إن النزعة الحداثية لا التقليدية هي التي تتسق مع الغرب. وهذا يشمل تجاوز الاعتقاد الديني الأصلي، أو تعديله، أو تجاهل بعض عناصره على نحو انتقائي. والعهد القديم لا يختلف عن القرآن في دعم ألوان من القيم والمعايير وترسيخ عدد من القوانين الشاذة إلى درجة لا يمكن تصورها”[52].

-“فالقرآن بوصفه الكتاب المقدس؛ هو بوجه عام -وإن لم يكن عند كل الناس-فوق الانتقاد، مع ذلك فهناك موضوعات كثيرة إما أن لا يتناولها بتاتاً، أو يشير إليها فقط بشكل غامض”[53].

ب.نظرتهم إلى السنة النبوية، ومما جاء فيه: “من الناحية الموضوعية ليس ثم شك في أن الحديث -على أفضل الفروض- ما هو إلا أداة معيبة .. إن الحديث لا يمكنه حل أية قضية حلاً جوهرياً. وبشكل حاسم .. فعلى سبيل المثال يذهب الأصوليون لتحريم الموسيقى .. لكن ثمت دليل على أن النبي كان يحب الموسيقى الدنيوية”[54].

وأما التقرير الثاني الصادر عام 2007م تحت عنوان: (بناء شبكات مسلمة معتدلة)، فقد تضمن دراسة مستفيضة قدمت توصيات محددة وعملية لصناع القرار السياسي بالاعتماد على الخبرات السابقة التي تحققت أثناء الحرب الباردة في مواجهة المد الشيوعي، وأهمية الإفادة منها في مواجهة التيار الإسلامي المعاصر، كما يوصي بأن تدعم الإدارة الأمريكية قيام شبكات وجماعات تمثل التيار العلماني والليبرالي والعصراني في العالم الإسلامي؛ لكي تتصدى لأفكار وأطروحات التيارات الإسلامية التي يصنفها التقرير بالمجمل بأنها تيارات متطرفة. كما يؤكد التقرير على الحاجة لأن يكون مفهوم الاعتدال ومواصفاته مفهوماً أمريكياً غربياً، وليس مفهوماً إسلامياً[55].

وأخطر مضامين التقرير مما تعلق باختطاف الإسلام وتشويه منظومته أمران:

-الأول: الدعوة إلى حرب الأفكار ودعمها من قبل الإدارة الأمريكية وذلك بإنشاء شبكات اعتدال إسلامية، ومما جاء في التقرير بهذا الشأن: “من الممكن إطلاق عملية بناء شبكات الاعتدال على ثلاثة مستويات: الأول دعم الشبكات الموجودة، والثاني تحديد الشبكات الكامنة ومساندتها في بدايتها وأثناء نموها، والثالث المساهمة في تعزيز الظروف المهيئة للتعددية والتسامح، والملائمة لنمو تلك الشبكات”[56].

ويعرف واضعو التقرير المعتدلين بقولهم: “نعرف المسلمين المعتدلين بأنهم الذين يؤمنون بالأبعاد الأساسية للثقافة الديمقراطية، وتشمل دعم الممارسة الديمقراطية وحقوق الإنسان المعترف بها دولياً (بما في ذلك المساواة بين الجنسين وحرية العبادة)، واحترام التنوع، وقبول المصادر غير الطائفية للتشريع، ورفض الإرهاب أو أي شكل آخر للعنف غير المشروع”[57]، ومن الواضح أن تقرير راند يريد أن يجعل من مصطلح الاعتدال بالمفهوم الأمريكي له أحد الأسلحة التي تستخدم استراتيجياً لتغيير الإسلام والمسلمين معاً، أو للتلويح بأن أي مقاومة للاعتدال بالمفهوم الأمريكي هي تعبير عن التطرف والغلو الذي يجب معاقبته باسم القوانين الدولية[58].

-الثاني: إعادة تفسير مبادئ الإسلام لتستجيب للمصالح الغربية، ولذلك جاء في التقرير: “العقبة الرئيسية أمام بناء شبكات إسلامية معتدلة في الشرق الأوسط هي عدم وجود قاعدة فعلية من الحركات الليبرالية واسعة الانتشار، التي يمكن الربط بينها؛ فليس لدينا الآن سوى مجموعات صغيرة أو أفراد مبعثرين. وطبقاً لليبراليين المسلمين في الشرق الأوسط، فإن كسب المعركة لصالح الإسلام؛ يتطلب خلق مجموعات ليبرالية ل(استعادة الإسلام من خاطفيه)”[59].

الوسائل والاستراتيجيات التي تقترحها شيريل بينارد:

وضع التقرير استراتيجية مقترحة لمواجهة ما أسماه التطرف الإسلامي، وضمَّنها الآتي[60]:

1.دعم الحداثيين وتكريس رؤيتهم للإسلام، وذلك من خلال تزويدهم بمنبر للتعبير عن أفكارهم ونشرها، وبناء قيادة حداثية بإحداث زعامات للاحتذاء من أمثال نوال السعداوي، والوزيرة الأفغانية لشؤون المرأة سيما سمر.

2.دعم العلمانيين بشكل فردي، ودعم المؤسسات والبرامج المدنية والثقافية العلمانية.

3.ملاحقة الأصوليين بقوة وضرب نقاط الضعف في مواقفهم الإسلامية والأيديولوجية، وشن الحملات بنزع الشرعية عنهم بفضحهم وإظهار وحشيتهم، ويشجع الصحفيون العرب في وسائل الإعلام الواسعة الانتشار على إعداد تقارير استقصائية عن حياة الزعماء الأصوليين وعاداتهم الشخصية وفسادهم.

4.تعزيز مكانة التصوف بتشجيع الدول التي توجد بها تقاليد صوفية قوية على زيادة الاهتمام بهذا الجانب من تاريخها وبثه في مقرراتها المدرسية، فينبغي دعم التأثير الصوفي في المدارس والمقررات التعليمية والمعايير الاجتماعية والأخلاقية والحياة الثقافية، وكما تقول بينارد: “أولوا الإسلام الصوفي مزيداً من الاهتمام”.

5.التركيز على التعليم والناشئة، فمن المستبعد أن يغير الشباب المنتمي لحركات الإسلام الراديكالي آراءه بسهولة، أما الجيل التالي، فالمتصور أنه يمكن التأثير عليه وتشكيل وعيه؛ بإدماج رسالة الإسلام الديمقراطي في المقررات الدراسية ووسائل الإعلام في الدول ذات الصلة.

6.القيام ببعض الأنشطة الإضافية المباشرة لدعم الاتجاه الحداثي، وذلك عبر:

-المساهمة في إنهاء احتكار الأصوليين والتقليديين للإسلام تعريفاً وشرحاً وتفسيراً.

-دعم التقليديين ضد الأصوليين عن طريق: نشر انتقاداتهم للعنف والتطرف الأصولي، وتشجيع خلافاتهم ونزاعاتهم مع الأصوليين، وتشجيع التعاون بين الحداثين والتقليديين القريبين منهم، وتعزيز تواجد الحداثيين وتأثيرهم داخل المؤسسات التقليدية.

-اختيار العلماء الحداثيين المناسبين لإدارة موقع إلكتروني يجيب على الأسئلة المتعلقة بالحياة اليومية، ويعرض الآراء الفقهية الحداثية، وتشجيع العلماء الحداثيين على كتابة النصوص الأكاديمية والاشتراك في تطوير المناهج.

-نشر الكتب الأولية والتمهيدية بأسعار مدعومة.

-استخدام وسائل الإعلام المحلية واسعة الانتشار؛ لإبراز أفكار الحداثيين المسلمين وممارساتهم، ونشر رؤيتهم وتفسيرهم للإسلام عالمياً وعلى أوسع نطاق (راديو سوا، وقناة الحرة).

مراكز الضرار (عقول غربية بأسماء إسلامية):

لم يقتصر تشويه الثوابت الإسلامية ومفاصلها على اللسان الغربي في منظومته، بل تعداه إلى تجنيد وكلاء عنه ممن ينتسب إلى البيئة الإسلامية، ويظهر أن الممانعة الشديدة التي واجهها الغرب من علماء الأمة وأبنائها وشبابها دفعته باتجاه تبني تيارات تغريبية من داخل البنية الإسلامية نفسها، وهذا يعد مدخلاً أيسر في تحقيق هدفه في الهجوم على الثوابت وزعزعتها في عقول أبناء الأمة، وكانت وسيلتهم في ذلك التمويل للمراكز البحثية والمشاريع والمؤتمرات الفكرية في العالم العربي التي تتبنى الرؤية الأمريكية للإسلام المعتدل.

وفيما يأتي أمثلة من هذه المراكز ومشاريعها التي تبنت الرؤية الغربية للإسلام المعتدل:

1.مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، وهو مركز أنشأه الدكتور سعد الدين إبراهيم مدعوماً بالتمويل الغربي، ومن مشاريعه: (الإسلام والإصلاح)، وكان من دواعي هذا المشروع بحسب ما جاء في مقدمة المشروع أن هناك حاجة ماسة لإعادة النظر في التراث الإسلامي وضرورة تجاوز حالة الركود والجمود والانغلاق في الفكر والفقه الإسلاميين على حد سواء، مما استدعى إثارة قضية الإصلاح الديني في المنظومة الإسلامية، ولذلك جاءت الدعوة من المركز بالتعاون مع مركز دراسات الشرق الأوسط التابع لمعهد بروكنجز ومركز دراسات الإسلام والديمقراطية ومنبر الحوار الإسلامي بلندن إلى ملتقيين.

تضمن الملتقى الأول الذي عقد عام 2004م ثلاثة محاور أساسية، وهي: (أطر الإصلاح في الإسلام – إمكانية مشاركة الجماعات الإسلامية في الأنظمة الديمقراطية – العلاقة بين السياسة الأمريكية وبراعم الجماعات الديمقراطية في العالم الإسلامي)، بينما تضمن الثاني الذي عقد عام 2006م خمسة محاور أساسية، وهي: (أطر الإصلاح في الإسلام، وقضية الخلاف الظاهري لمفهوم بعض آيات القرآن الكريم – الأحزاب الإسلامية والعلمانية: عناصر التوافق والاختلاف وأثر ذلك على الحريات – الديمقراطية وحدود الليبرالية داخل الإطار الإسلامي – إمكانية مشاركة الجماعات الإسلامية في الأنظمة الديمقراطية – اجتهادات حرة: نسق معرفي جديد للفكر الإسلامي)[61].

  1. تجديد المشروع الحداثي، وهو مشروع بحثي ضخم أقامه مركز محمد علي للدراسات والبحوث والتدريب بتونس بدعم من مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية، وجاء في التعريف به: “هذا المشروع يسعى إلى نهضة حداثية شاملة لتونس من خلال اتباع نهج استراتيجي شامل، ومختلف في مجالات المعرفة المستقبلية، نهج يستقي منابعه من سحر الغرب وتقدمه، مع الاعتراف بأن التخلف والقطيعة التاريخية مع الغرب، كانت بسبب اتباع طرق التفكير الموروثة من قرون الانحطاط”[62].

3.دورات تدريبية حول الديمقراطية للأئمة والواعظات بصنعاء، أقامتها مبادرة الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية بالتعاون مع المنظمة اليمنية الوطنية لتنمية المجتمع، استهدفت فيها مجموعة من الأئمة والواعظات من خلال سلسلة من ورش العمل، ونماذج تدريبية تفحص وتنقل المبادئ الأمريكية المتمثلة في الديمقراطية وحقوق الإنسان وحكم القانون[63].

4.مركز المسبار للدراسات والبحوث، وقد أنشأه تركي الدخيل عام 2005م في إمارة دبي بالإمارات العربية المتحدة، وتظهر المقدمة التعريفية للمركز أنه عُني بدراسة الحركات والجماعات الإسلامية في العالم الإسلامي من حيث رموزها وفكرها ومنهجها وتأثيرها السياسي والاجتماعي وتطورها التاريخي، ويستند المركز كما أبرزته أهدافه على رؤية تغريبية في دراسة ظواهر البيئة الإسلامية، وبهذا يُسهم في ترسيخ الرؤية الاستشراقية حول العالم الإسلامي وثوابته ومفاصله، ومما جاء في أهداف المركز: “إحياء التراث التجديدي والتنويري العربي ورفض الجمود الحرفي، والتعصب والتعاطي مع خطاب الهوية بمنطق إبداعي وإنساني فعال، بعيداً عن دعوات الكراهية والإنعزال. التمكين للثقافة المدنية والتجديدية لدى النخب والجماهير، بالتعاون مع دوائر صنع القرار والمؤسسات المعنية”[64]، في إشارة إلى نقد البنية المعرفية والعلمية والمنهجية للخطاب الإسلامي، وتبنيه الرؤية الحداثية التغريبية، ورفد سياسات الاستبداد للأنظمة الحاكمة في المحيط العربي، وهذا التوجه ليس غريباً على أمثال هذه المراكز، وهي تستقطب في إطارها كتاباً ومؤلفين اشتهروا في دعم الحداثة الغربية وتبني منهجية النقض للمرجعية الإسلامية أمثال منصور النقيدان وعبدالله بن بجاد العتيبي وغيرهما، ونظرة عابرة في عناوين ما يصدره المركز يدرك بها مسارها ومجال اهتمامها، فانتقاد الحركات والجماعات الإسلامية ما هو إلا متكئاً ومدخلاً لنقد الإسلام وبنيته المعرفية والحضارية وترويج نسخ مشوهة منه تفقده فاعليته وتأثيره بمختلف مجالاتها.

المبحث الثالث: وسائل المواجهة واستراتيجياتها:

أولاً: المراجعة النقدية والرؤية السننية:

إن استيعاب الإنتاج الاستشراقي والتغريبي وما تنتجه مراكز البحوث والدراسات والمراكز الاستخباراتية حول الإسلام ودراسته دراسة عميقة هو الخطوة الأولى لنقده نقداً صحيحاً وإثبات ما يتضمنه من تهافت أو زيف، ويجب أن يرتبط نقدنا لهذا الإنتاج بنقد ذاتي حقيقي بصفة مستمرة، فيجب أن نواجه أنفسنا مواجهة حقيقية بعيوبنا وتقصيرنا، وأن نكون على وعي حقيقي بالمشكلات التي تواجهنا في العالم المعاصر.

ولعل في هجومهم علينا بعداً إيجابياً يكمن في التنبه لمواطن الخلل والضعف التي عرضت لبنيتنا الفكرية بما يدفع باتجاه مراجعة العثرات والكبوات وتجاوزها بمنهجية الاعتبار، وعلى العكس تماماً فقد يكون في خطاب المدح الذي أدرجه بعض المستشرقين في كتاباتهم تأثير مخدر لعقولنا وأفكارنا يجعلنا نقف عند أمجاد الأسلاف بما يجعلنا في غفلة عن مقتضيات حاضرنا وما يستلزمه واجب وقتنا[65].

وفيما نقله شكيب أرسلان عن جمال الدين الأفغاني في هذا الصدد يعد مثالاً جلياً على تلكم الغفلة والغفوة بل الاستغراق في النوم العميق والاسترواح لذلكم المدح الخادع، فيقول ناقلاً عنه: “لا أريد أن أسر المسلمين بكلمة، هؤلاء قوم كلما قال لهم الإنسان: كونوا بني آدم. أجابوه: إن آباءنا قد كانوا كذا وكذا. وعاشوا في خيال ما فعل آباؤهم غير مفكرين بأن ما كان عليه آباؤهم من الرفعة، لا ينفي ما هم عليه من الخمول والضعة”[66]، إنه يشير بوضوح إلى حالة الكلالة والوهن التي أضحت مستحكمة في العقلية المسلمة، وحقيقة الدين الإسلامي قائمة على الفاعلية والتفاعل في رحاب الفكر السنني الذي ينعكس على الإنسان والكون والحياة.

وللأستاذ سيد قطب رحمه الله إشراقة منهجية أخرى -وما أكثرها- في غاية الإحكام والإتقان لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، إذ يقول: “إن البعض ينتظر من هذا الدين -مادام منزلاً من عند الله-أن يعمل في حياة البشر بطريقة سحرية خارقة غامضة  الأسباب! ودون أي اعتبار لطبيعة البشر، ولطاقاتهم الفطرية، ولواقعهم المادي، في أية مرحلة من مراحل نموهم، وفي أية بيئة من بيئاتهم. وحين لا يرون أنه يعمل بهذه الطريقة .. يصابون بخيبة أمل لم يكونوا يتوقعونها -مادام هذا الدين منزلاً من عند الله- أو يصابون بخلخلة في ثقتهم بجدية المنهج الديني وواقعيته. أو يصابون بالشك في الدين إطلاقاً! .. إن هذا الدين منهج إلهي للحياة البشرية. يتم تحقيقه في حياة البشر بجهد البشر أنفسهم في حدود طاقتهم البشرية؛ وفي حدود الواقع المادي للحياة الإنسانية في كل بيئة، ويبدأ العمل من النقطة التي يكون البشر عندها حينما يتسلم مقاليدهم. ويسير بهم إلى نهاية الطريق في حدود طاقتهم البشرية، وبقدر ما يبذلونه من هذه الطاقة …”[67].

ثانياً: الحصانة بالبناء الفكري والمنهجي:

التحصين بالمنهج والاعتصام به، ولا يخفى أن هذا المنهج قد أصل جانب التحصين من الأفكار الدخيلة والهجينة؛ بغية حماية المسلم وعقليته من الدخن والدخل، وعند التأمل في السياق القرآني يدرك المسلم المتدبر لكتاب الله هذا الأمر بصورة جلية عند التعرض لقوله تعالى مثلاً قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ[البقرة: آية 11]، وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾البقرة: آية 42]، وقوله تعالى: ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾[البقرة: آية 96] .. في آيات أخر، والناظر في مفاصل الآيات وغيرها فإنها توقفه على جملة من الخصائص والسمات التي تنطلق على النموذج الغربي؛ وأبرزها الحيدة عن المنهج الحق من خلال: الإفساد في الأرض، وإلباس الحق بالباطل، وتحقيق المصالح الضيقة بالحرص على الحياة، والصراع من أجلها.

ومن أفراد ذلك في بعدها العملي ضرورة تحقيق الوعي الثقافي وتشكيل العقلية المسلمة بإعادة بناء عالم الأفكار، وذلك بوضع استراتيجية ثقافية تتجاوز مرحلة الرسم بالفراغ التي ساهم في تكريسها الموروث الضار والغزو الثقافي، ويبقى المطلوب دائماً المزيد من التأكيد على المسألة الثقافية؛ لكونها تعد الأساس في الحفاظ على البنية الحضارية للأمة.

والدعوة إلى إعادة تشكيل العقل المسلم ذات بعدين[68]:

تصحيح التصور الذي يضمن رؤية متوازنة تمكن العقل المسلم من قراءة الظواهر الاجتماعية بإحكام وفقاً للمنهج السنني الذي تستبطنه المنهجية الإسلامية؛ كونها تصدر عن تصور شامل للكون والحياة والإنسان، فلا يقع المسلم فريسة للتفسيرات المنحرفة التي تفرضها الرؤية الاستشراقية والتغريبية.

تخليص العقل من النظر الجزئي خارج سياق الرؤية الكلية، وإبعاده عن إشكالية التبعيض؛ وهذا يكفله البناء الكلي للثقافة الإسلامية في رؤيته الجامعة للكون والحياة والإنسان، ومن هنا كان من الضروري التأكيد على أهمية المنهج ودوره في حركة الإنسان الفكرية والحضارية، فليس ثمة طريق يوصل إلى الأهداف مهما بذل من جهد وقدم من عطاء إلا من خلال المنهج.

    ويتحقق هذا أيضاً بالعودة إلى الأصول والثوابت التي تضمن وتؤمِّن مجابهة التخريب والإفساد بشقيه المادي والمعنوي الذي يطرأ على رؤيتنا للعالم، فالقرآن بما يثيره سياقه النصي والموضوعي يندد بكل عمل أو نشاط من شأنه أن يؤول إلى الفساد والإفساد في الأرض وإلى إبطال الإيمان والعمل الصالح. إن من شأن التمسك بالأصول والثوابت الحفاظَ على مسار الإصلاح في الأرض وإعمارها وتحقيق الاستخلاف الذي يضمن الفاعلية الحضاري والجهاد الحضاري.

ثالثاً: الحفظ بمنهجية الدعوة:

ومقصودنا بهذه المنهجية التنبيه إلى الوظيفة الرسالية التي كلفت بها الأمة المسلمة بما قامت عليه من مفاصل وأركان وأسس وأبنية ونظم حضارية جعلها تتبوأ مكان الوسطية بين الأمم، وفي هذا يقول الله تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾[البقرة: آية 143]، ويقول أيضاً: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾[آل عمران: آية 110]، ومرجع التكامل أن وسطية الأمة لا تتحقق إلا بالخيرية التي لا تعد وصف تأبيد، بل وصف تفعيل وتأصيل وتحصيل، فتكون العلاقة بين الوسطية والخيرية في إطار الارتباط بين السبب والمسبب[69].

    إن الاقتران بين الوسطية والخيرية يجعل الأمة مؤهلة لأداء الوظيفة الرسالية التي من خلالها تحافظ على كيانها ومفاصلها وأيضاً بها تستوعب مساحات إنسانية أخرى خارج دائرتها وإطارها، فتكون بهذا ضامنة قوتها بالحفاظ على بنيتها من أي غزو فكري أو مادي، فحين تفيء الأمة إلى منهج الله الذي منَّ به عليها وينادونها به، فإنها تملك أن تقدم للبشرية الذي تفقده جميع المناهج، والمذاهب، والنظم، والأوضاع في الأرض كلها بلا استثناء، ومن ثم يكون لها اليوم وغداً دور جديد يمنحها سبباً وجيهاً لحضورها عالمياً؛ كالدور الذي منح العرب الأميين في الجزيرة العربية سبباً وجيهاً للوجود العالمي الإنساني وللقيادة العالمية، بحكم ما تنطوي عليه منظومتها ومنهجيتها من قدرة على إخراج إنسان رسالي يغير بمنهج الله وشرعه في إطار تشغيل منهجية التلاوة، والتزكية، ومعرفة العلم والحكمة، وتتخلص دعائمه في إيجاد عالمية الخطاب، وحاكمية الكتاب، وشرعة الرحمة والتخفيف.

وبناء على ذلك فإن الأمة مطالبة بمجموعها وفقاً لما تثيره فكرة الفروض الكفائية بالقيام بالوظيفة الدعوية التي تكفل حضورها وشهودها، بحيث تنطلق منها، وتكون فاتحة علاقاتها مع أولئك الذي لا يشاركونها المبدأ والميثاق، وهي بهذا تأخذ أهميتها المناسبة وأولوياتها بين نظيراتها في بنية الوظائف والولايات التي تؤديها الأمة، وتتحقق بهذا أيضاً عالميتها؛ كونها مطالبة بتبليغ رسالات الله إلى الناس كافة، قال تعالى: ﴿قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾[يوسف: آية 108].

    والفكرة الأساس الضامنة لاستمرارية الوظيفة الرسالية والدعوية إقامة مؤسسة -أو مؤسسات- دعوية عالمية مستقلة وظيفتها الحفاظ على خمائر الأمة من المسلمين وإشعارهم بعزة الانتماء إلى هذا الدين ومحاربة حملات الإلحاد ومواجهتها، ورعاية المسلمين الجدد واستيعاب غيرهم، بل وتخصص كذلك جهود في مواجهة التنصير في بلاد الإسلام، وتجند لهذا كل الوسائل والقدرات الممكنة وتتظافر جميع التخصصات أو ما تيسر منها لإنجاح ذلك في سياق التفكير والتخطيط الاستراتيجي.

    ولا يغيبن عن أذهاننا ما يظهره أعداؤنا من جَلَد وتصميم وصبر في سبيل تحقيق أهدافهم وإنجاح خططهم، ولقد ذكر الدكتور زقزوق أنه وافق في أثناء إقامته في ألمانيا أنموذجين مؤلمين: الأول كان قسيساً أندونيسياً ذكر له أن جده كان مسلماً ومات مسلماً. ومن الواضح أن هذا القسيس كان من نتاج التنصير في ذلك البلد المسلم. والأنموذج الثاني كان أحد الأشخاص الأوربيين الذين كانوا يعدون لمهمة التنصير في باكستان، وقد ذكر له وبلا مواربة أنه سيكون أسعد الناس عندما يستطيع تحويل مسلم إلى النصرانية في هذا البلد المسلم[70].

رابعاً: التحققات العملية والحركية:

    في الإطار العملي والتطبيقي لمواجهة ما يستغله المتطاولون على الثوابت والمفاصل الإسلامية والمشوهون لها من الأساليب والوسائل بنوعيها الفكري والعملي، هناك جملة من الوسائل العملية، والإشارة إليها هنا تأخذ بالاعتبار القدرات والمُكنات المتيسرة في الواقع، وكذلك ما ينبغي أن يكون[71]:

-التأليف الموسوعي الجماعي في الرد على المستشرقين وشبهاتهم ونقض حججهم وأكاذيبهم.

-إحداث مؤسسة إسلامية علمية عالمية بعيداً عن المؤثرات السياسية وإملاءاتها، والإفادة من الخبرات في الأمثلة والنماذج القائمة من الاتحادات والرابطات العلمية والعلمائية، واستثمار إيجابياتها ومحاولة تطويرها وتجنب إخفاقاتها، وتعمل المؤسسة على مختلف الأصعدة في مواجهة وسائل الاستشراق والتغريب، سواء على مستوى التعليم والإعلام وإقامة المؤتمرات العلمية والدعوية، والقيام على تأسيس جهاز عالمي للدعوة الإسلامية.   

-وضع دائرة معارف إسلامية جديدة شاملة لكل جوانب الإسلام والفكر الإسلامي والحضارة الإسلامية بوجه عام والتاريخ الإسلامي والعلوم الإسلامية.

-إنشاء مراكز ترجمة إسلامية لنصوص الإسلام ونتاج العلماء المحققين والمفكرين المبرزين من المسلمين بمختلف اللغات.

-استثمار الحضور الإسلامي في الغرب، والاهتمام بالجاليات المسلمة والمراكز الإسلامية وتقريب وجهات النظر فيما بينها على الأقل في طريقة عرض الإسلام والدعوة إليه، وتجاوز الاستنساخ غير الواعي لإشكاليات البيئة الإسلامية.

-الاستثمار الإعلامي بمختلف منافذه التقليدي منها والجديد (المقروء والمسموع والمرئي)، ومنها تأسيس قنوات فضائية ذات تأثير عالمي وبعدة لغات للدعوة إلى الإسلام وحماية مفاصله.

-منصات دعوية ذات بعدين: البعد الأول بنائي لترسيخ الثوابت الإسلامية في عقول أجيال الأمة، والدعوة إليها في أوساط أمة الدعوة، والبعد الثاني دفع الشبهات عنها في المستويين الداخلي والخارجي.

-عقد دورات تدريبية للمتصدين لحملات التشويه والإلحاد، وإقامة ندوات وورش عمل وحلقات نقاشية للغرض ذاته.  

-إقامة مرصد فكري يقوم برصد الاتجاهات الفكرية على أسس علمية في الرصد والتحليل، ويقوم بإصدام تقرير سنوي يضمِّنه نشاطاته وفاعلياته.

-توجيه الباحثين والدارسين وطلبة الدراسات العليا إلى الكتابة حول الاتجاهات الفكرية المعاصرة وحملاتها في تشويه المفاصل الإسلامية، وحث مراكز البحوث والدراسات نحو إقامة مشاريع بحثية في هذا الإطار، على غرار ما يقوم به مركز رؤيا للبحوث والدراسات في مشروع مواجهة اختطاف الإسلام.

-إقامة منتديات فكرية في مراكز المدن الرئيسة لاستقطاب الشباب المسلم والحيلولة دون انسياقهم مع دعوات التغريب والتشكيك.

-تأسيس مؤسسة وقفية دورها يكمن في دعم النشاطات والفاعليات في ترسيخ ثوابت الأمة في عقول الناشئة والتصدي لحملات تشويهها.  

-إنشاء وتأسيس مراكز بحثية واستراتيجية تحدد وظيفتها وأطرها في وضع دراسات مستقبلية وصناعة أفكار وسياسات تستهدف تحقيق الحصانة والحماية لثوابت الأمة ومفاصلها ومنظومتها المفاهيمية، ومن مجالات اهتمامها رصد الإشكاليات الواقعية في الأمة والنظر في مسارات النهوض ومشاريعها الحضارية.

خاتمة:

البحث في آليات التشويه للمفاصل الإسلامية كانت له دواعٍ ومسوغات منهجية وفكرية ومعرفية، ودوافع ومحفزات دائرة في إطار الواجبات الكفائية التي تدفع باتجاه سلوك مسارات تحقق الحماية والحصانة للمنظومة الإسلامية بمختلف تمثلاتها المرجعية والعلمية والفكرية والحضارية والتاريخية في مواجهة حملات التشويه والتطاول على ثوابتها ومفاصلها، وسواء كان المسار البحثي في حيز التوفيق أو الإخفاق، فإن الوظيفة البحثية التي تحملها الباحث يرجو بها من الله أن يكون في دائرة الأجرين أو الأجر وإن لم يكن موصوفاً بالاجتهاد أو معدوداً في ركابهم، وأنى له ذلك، ولكن يحدوه الأمل في أن يكون التقويم والتصويب من قبل مفكري الأمة وعلمائها المحققين يأخذ به إلى حيث السداد من حيث تحقيق أهدافه ومراميه أو مقاربتها، وفي كلٍ خير.

اقتضى انتظام البحث في المنظومة المنهجية التي استحكمت في مشروع مواجهة اختطاف الإسلام أن يسلك مساراً منهجياً وبحثياً موافقاً في الجملة لما هو مرسوم في هيكل المشروع، ولذلك قسم البحث -خلاف المقدمة والخاتمة- على ثلاثة أقسام: القسم الأول دار حول بواعث التشويه للمفاصل الإسلامية، والقسم الثاني كان محوره القوى الفاعلة في التشويه ووسائلها واستراتيجياتها وهي: المستشرقون والمستغربون ومراكز البحوث والدراسات، وأما القسم الثالث فخُصص للحديث عن مقترحات وسائل سبل مواجهة التشويه والتطاول على المفاصل الإسلامية.

وإن كانت هناك من كلمة يستحضرها الباحث في خاتمة بحثه، فتكون حول المكانة العليا التي يتبوؤها المسلم على مستوى تدينه وحضوره وعلى مستوى دوره في الحفاظ على إسلامه وثوابته، فالمسلم عند تحققه باسمه في دائرة المسمى وانعكاس ذلك في البناء التكاملي في الأمة، فإنه يحقق بهذا فاعليته الاستخلافية في الأرض، تلكم الفاعلية التي تجعله يأخذ بمسارات الفعل الحضاري بمختلف مجالاته وأصعدته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والتطبيقية .. إلخ، فيكون بذلك فاعلاً لا مفعولاً، فيحقق بتلكم الوظيفة الاستخلافية مقاصد الحق في الخلق من التوحيد والتزكية والعدل والعمران والحفظ في دائرته المقاصدية العليا، بل ويعطي الضمانة للخلق كلهم بأن هناك ميزاناً يحفظهم ولا يزعزع كيانهم الكوني فضلاً عن أفراده، وقد كان إقبال واعياً لهذا حين قال: “آية الحق وجود المسلم”؛ لأن فاعلية المسلم وإبقاء منظومته في دائرة الفعل الحضاري كذلك يعد ضماناً له ولغيره حتى وإن لم يفهم هذا الغير قيمة هذا الإسلام وقيمة وجوده، ألا فليفقه المسلم دوره وحقيقته، وإلا لات ساعة مندم.

 

 

 

المراجع

ابن الجوزي، زاد المسير في علم التفسير، بيروت، المكتب الإسلامي، ط3، 1404هـ/1984م.

ابن منظور، لسان العرب، بيروت، دار صادر.

أبو الحسن علي الحسني الندوي، الإسلاميات بين كتابات المستشرقين والباحثين المسلمين، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط3، 1406هـ/1986م.

أبو داود السجستاني، سنن أبي داود، دمشق، دار الرسالة العالمية، 1430هـ/2009م.

أحمد العماري، نظرية الاستعداد في المواجهة الحضارية للاستعمار: المغرب نموذجاً، هيرندن – فرجينيا، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط1، 1417هـ/1997م.

إدوارد سعيد، الاستشراق: المفاهيم الغربية للشرق، ترجمة: د.محمد عناني، القاهرة، رؤية للنشر والتوزيع، ط1، 2006م.

أنور الجندي، أهداف التغريب في العالم الإسلامي، القاهرة، سلسلة قضايا إسلامية معاصرة، الأمانة العامة للجنة العليا للدعوة الإسلامية بالأزهر الشريف، 1987م.

أنور الجندي، شبهات التغريب في غزو الفكر الإسلامي، دمشق – بيروت، المكتب الإسلامي، 1398هـ/1978م.

أنور محمود زناتي، زيارة جديدة للاستشراق، القاهرة، مكتبة الانجلو المصرية، ط1، 2006م.

توماس ميدفيتز، مراكز الأبحاث في أمريكا، قطر، منتدى العلاقات العربية والدولية، ط1، 2015م.

د.أحمد الريسوني، الكليات للشريعة الإسلامية، القاهرة، دار السلام، ط1، 1431هـ/2010م.

د.باسم خفاجي، استراتيجيات غربية لاحتواء الإسلام: قراءة في تقرير راند 2007، القاهرة، المركز العربي للدراسات الإنسانية، 1428هـ/2007م.

د.باسم خفاجي، لماذا يكرهونه؟! الأصول الفكرية لعلاقة الغرب بنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، الرياض، سلسلة كتاب البيان 77، ط1، 1427هـ/2006م.

د.ساسي سالم الحاج، نقد الخطاب الاستشراقي: الظاهرة الاستشراقية وأثرها في الدراسات الإسلامية، بيروت، دار المدار الإسلامي، ط1، 2002م.

د.سعود عبدالعزيز الدوسري، التغريب في العالم الإسلامي: مخططاته وآثاره وكيفية مواجهته دعوياً، بحوث منشور في مجلة الدراسات الاجتماعية، جامعة العلوم والتكنولوجيا، اليمن، العدد الثاني والثلاثون، يناير/يونيو 2011م.

د.سليمان الخطيب، أنماط انتقال الأفكار وآلياتها بين التفاعل والاستلاب: دراسة حالة العلاقة بين عالم الغرب وعالم المسلمين، بحث منشور كتاب: الحوار مع الغرب: آلياته، أهدافه، دوافعه، د.منى أبو الفضل ود.نادية محمود مصطفى (تحرير)، دمشق، دار الفكر، ط1، 1429هـ/2008م.

د.سيف الدين عبدالفتاح، النظرية السياسية من منظور حضاري إسلامي، عمان/الأردن، المركز العلمي للدراسات السياسية، ط1، 2002م.

د.سيف الدين عبدالفتاح، بناء المفاهيم الإسلامية: ضرورة منهاجية، بحث منشور ضمن: د.إبراهيم البيومي غانم وآخرون، بناء المفاهيم: دراسة معرفية ونماذج تطبيقية، القاهرة، دار السلام، ط1، 1429هـ/2008م.

د.سيف الدين عبدالفتاح، مدخل القيم: إطار مرجعي لدراسة العلاقات الدولية في الإسلام، القاهرة، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط1، 1419هـ/1999م.

د.عبدالعزيز مصطفى كامل، العلمانيون وفلسطين: ستون عاماً من الفشل وماذا بعد؟، الرياض، سلسلة كتاب البيان، رقم 103.

د.عبدالمنعم فؤاد، من افتراءات المستشرقين على الأصول العقدية في الإسلام عرض ونقد، الرياض، مكتبة العبيكان، ط1، 1422هـ/2001م.

د.عماد الدين خليل، المستشرقون والسيرة النبوية بحث مقارن في منهج المستشرق البريطاني المعاصر مونتغمري وات، بحث منشور ضمن: مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلامية، تونس، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، 1985م.

د.عماد الدين خليل، حول إعادة تشكيل العقل المسلم، قطر، كتاب الأمة، ط1، 1403هـ.

د.فتحي حسن ملكاوي، البناء الفكري: مفهومه ومستوياته وخرائطه، عمان/الأردن، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط1، 1436هـ/2015م.

د.مانع بن عواد الجهني (إشراف ومراجعة)، الموسوعة الميسيرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، الرياض، دار الندوة العالمية للطباعة والنشر والتوزيع، ط4، 1420هـ.

د.محمد محمد حسين، الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر، القاهرة، مكتبة الآداب، ط2، 1388هـ/1968م.

د.محمد محمد حسين، الإسلام والحضارة الغربية، دار الفرقان.

د.محمود حمدي زقزوق، الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري، قطر، سلسلة كتاب الأمة، ط1، 1404هـ.

د.مصطفى السباعي، السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، بيروت، المكتب الإسلامي، ط2، 1396هـ/1976م.

ستيفن بوشيه ومارتين رويو، مراكز الفكر: أدمغة حرب الأفكار، بيروت، دار الفارابي، ط1، 1430هـ/2009م.

سيد قطب، في ظلال القرآن، القاهرة، دار الشروق، ط32، 1423هـ/2003م.

سيد قطب، هذا الدين، القاهرة، دار الشروق، ط15، 1422هـ/2001م.

شاكر عالم شوق، الاستشراق: أخطر تحد للإسلام، بحث منشور في مجلة دراسات التابعة للجامعة الإسلامية العالمية في بنغلاديش، 2006م.

شكيب أرسلان، السيد جمال الدين الأفغاني حكيم الشرق، منشور في: لوثروب ستودارد، حاضر العالم الإسلام بفصول وتعليقات وحواشي بقلم شكيب أرسلان، بيروت، دار الفكر، 1391هـ/1971م.

شمس الحق العظيم آبادي، عون المعبود شرح سنن أبي داود، المدينة المنورة، المكتبة السلفية، ط2، 1389هـ/1969م.

شيريل بينارد وآخرون، بناء شبكات الاعتدال الإسلامي، القاهرة، تنوير للنشر والإعلام، ط1، 1437هـ/2015م.

شيريل بينارد، الإسلام الديمقراطي المدني: الشركاء والموارد والاستراتيجيات، القاهرة، تنوير للنشر والإعلام، ط1، 1435هـ/2013م.

عبدالرحمن حسن حبنكة الميداني، أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها، دمشق، دار القلم، ط8، 1420هـ/2000م.

عبدالله بن عبدالرحمن الوهيبي، حول الاستشراق الجديد مقدمات أولية، الرياض، مركز البيان للبحوث والدراسات، ط1، 1435هـ.

علي بن إبراهيم النملة، كنه الاستشراق: المفهوم، الأهداف، الارتباطات، بيروت، بيسان للنشر والتوزيع، ط3، 1432هـ/2011م.

-عمر عبيد حسنة، رؤية في عوامل النهوض، بحث منشور في: الأعمال الفكرية الكاملة، بيروت، المكتب الإسلامي، ط1، 1432هـ/2011م.

-عمر عبيد حسنة، مراجعات في الفكر والدعوة والحركة، بيروت، المكتب الإسلامي، ط3، 1419هـ/1998م.

-فخر الدين الرازي، تفسير الفخر الرازي (مفاتح الغيب)، دمشق، دار الفكر، ط1، 1401هـ/1981م.

-مالك بن نبي، مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي، دمشق، دار الفكر، إعادة ط1، 1423هـ/2002م.

-محمد رشيد رضا، تفسير المنار، القاهرة، دار المنار، ط2، 1366هـ/1947م.

-محمد مرتضى الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس، الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ط1، 1422هـ/2001م.

-محمود فتح الله الزيادي، ظاهرة انتشار الإسلام وموقف بعض المستشرقين منها، سلسلة الكتاب الإسلامي 4، طرابلس/ليبيا، ، المنشأة العامة للنشر والتوزيع والإعلان، ط1، 1983م.

-منير شفيق، الإسلام في معركة الحضارة، دار البراق للنشر.

-الهيثم زعفان، التمويل الغربي وشراء الفكر في العالم العربي، القاهرة، المركز العربي للدراسات الإنسانية، ط1، 1432هـ/2011م.

 

[1] ابن الجوزي، زاد المسير في علم التفسير، بيروت، المكتب الإسلامي، ط3، 1404هـ/1984م، ج1ص225.

[2] فخر الدين الرازي، تفسير الفخر الرازي (مفاتح الغيب)، دمشق، دار الفكر، ط1، 1401هـ/1981م، ج5ص226.

[3] د.أحمد الريسوني، الكليات للشريعة الإسلامية، القاهرة، دار السلام، ط1، 1431هـ/2010م، ص72. وللتنبيه فقد كان تعبير الباحث في متن هذا البحث بلفظ (المنظومات) عوضاً عن الكليات بقصد الإشارة إلى مكملاتها وأصولها وفروعها وجزئياتها.

[4] سيد قطب، في ظلال القرآن، القاهرة، دار الشروق، ط32، 1423هـ/2003م، ج1ص211.

[5] محمد مرتضى الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس، الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ط1، 1422هـ/2001م، ج30ص162-170.

[6] المرجع السابق، ج36ص420، ابن منظور، لسان العرب، بيروت، دار صادر، ج13ص508.

[7] محمد رشيد رضا، تفسير المنار، القاهرة، دار المنار، ط2، 1366هـ/1947م، ج1ص420.

[8]  المرجع السابق.

[9] د.باسم خفاجي، لماذا يكرهونه؟! الأصول الفكرية لعلاقة الغرب بنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، الرياض، سلسلة كتاب البيان 77، ط1، 1427هـ/2006م، ص26-27.

[10] يؤرخها البعض بما بعد القرن التاسع الهجري.

[11] مالك بن نبي، مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي، دمشق، دار الفكر، إعادة ط1، 1423هـ/2002م، ص153.

[12] د.عبدالعزيز مصطفى كامل، العلمانيون وفلسطين: ستون عاماً من الفشل وماذا بعد؟، الرياض، سلسلة كتاب البيان، رقم 103، ص148.

[13] أبو داود السجستاني، سنن أبي داود، دمشق، دار الرسالة العالمية، 1430هـ/2009م، ج6ص355، ح: 4297.

[14] شمس الحق العظيم آبادي، عون المعبود شرح سنن أبي داود، المدينة المنورة، المكتبة السلفية، ط2، 1389هـ/1969م، ج11ص405.

[15] عمر عبيد حسنة، رؤية في عوامل النهوض، بحث منشور في: الأعمال الفكرية الكاملة، بيروت، المكتب الإسلامي، ط1، 1432هـ/2011م، ج8ص22.

[16] د.ساسي سالم الحاج، نقد الخطاب الاستشراقي: الظاهرة الاستشراقية وأثرها في الدراسات الإسلامية، بيروت، دار المدار الإسلامي، ط1، 2002م، ص20.

[17] د.مانع بن عواد الجهني (إشراف ومراجعة)، الموسوعة الميسيرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، الرياض، دار الندوة العالمية للطباعة والنشر والتوزيع، ط4، 1420هـ، ج2ص687.

[18] إدوارد سعيد، الاستشراق: المفاهيم الغربية للشرق، ترجمة: د.محمد عناني، القاهرة، رؤية للنشر والتوزيع، ط1، 2006م، ص45.

[19] أنور محمود زناتي، زيارة جديدة للاستشراق، القاهرة، مكتبة الانجلو المصرية، ط1، 2006م، ص22، نقلاً عن رضوان السيد، ثقافة الاستشراق وعلاقات الشرق بالغرب، مجلة الفكر العربي، العدد 31، ص9.

[20] علي بن إبراهيم النملة، كنه الاستشراق: المفهوم، الأهداف، الارتباطات، بيروت، بيسان للنشر والتوزيع، ط3، 1432هـ/2011م، ص54.

[21] عمر عبيد حسنة، مراجعات في الفكر والدعوة والحركة، بيروت، المكتب الإسلامي، ط3، 1419هـ/1998م، ص36.

[22] عبدالله بن عبدالرحمن الوهيبي، حول الاستشراق الجديد مقدمات أولية، الرياض، مركز البيان للبحوث والدراسات، ط1، 1435هـ ، ص127 فما بعدها.

[23] منير شفيق، الإسلام في معركة الحضارة، دار البراق للنشر، ص28.

[24] د.سيف الدين عبدالفتاح، النظرية السياسية من منظور حضاري إسلامي، عمان/الأردن، المركز العلمي للدراسات السياسية، ط1، 2002م، ص30-31.

[25] أبو الحسن علي الحسني الندوي، الإسلاميات بين كتابات المستشرقين والباحثين المسلمين، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط3، 1406هـ/1986م، ص15-17.

[26] د.عبدالمنعم فؤاد، من افتراءات المستشرقين على الأصول العقدية في الإسلام عرض ونقد، الرياض، مكتبة العبيكان، ط1، 1422هـ/2001م، ص53-56.

[27] د.ساسي سالم الحاج، نقد الخطاب الاستشراقي، مرجع سابق، ج1ص256-257، وانظر دراسة موسعة حول آراء المستشرقين حول القرآن الكريم: د.عمر  إبراهيم رضوان، آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره دراسة ونقد، الرياض، دار طيبة، ط1، 1413هـ/1992م.

[28] عبدالرحمن حسن حبنكة الميداني، أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها، دمشق، دار القلم، ط8، 1420هـ/2000م، ص140.

[29] د.مصطفى السباعي، السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، بيروت، المكتب الإسلامي، ط2، 1396هـ/1976م، ص190.

[30] المرجع السابق، ص190-191.

[31] د.عماد الدين خليل، المستشرقون والسيرة النبوية بحث مقارن في منهج المستشرق البريطاني المعاصر مونتغمري وات، بحث منشور ضمن: مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلامية، تونس، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، 1985م، ج1ص130.

[32] محمود فتح الله الزيادي، ظاهرة انتشار الإسلام وموقف بعض المستشرقين منها، سلسلة الكتاب الإسلامي 4، طرابلس/ليبيا، ، المنشأة العامة للنشر والتوزيع والإعلان، ط1، 1983م،  ص95.

[33] شاكر عالم شوق، الاستشراق: أخطر تحد للإسلام، بحث منشور في مجلة دراسات التابعة للجامعة الإسلامية العالمية في بنغلاديش، 2006م، ج3ص70-72.

[34] د.سليمان الخطيب، أنماط انتقال الأفكار وآلياتها بين التفاعل والاستلاب: دراسة حالة العلاقة بين عالم الغرب وعالم المسلمين، بحث منشور كتاب: الحوار مع الغرب: آلياته، أهدافه، دوافعه، د.منى أبو الفضل ود.نادية محمود مصطفى (تحرير)، دمشق، دار الفكر، ط1، 1429هـ/2008م، ص130.

[35] أحمد العماري، نظرية الاستعداد في المواجهة الحضارية للاستعمار: المغرب نموذجاً، هيرندن – فرجينيا، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط1، 1417هـ/1997م، ص6.

[36] د.سليمان الخطيب، مرجع سابق، ص132-133.

[37] أنور الجندي، شبهات التغريب في غزو الفكر الإسلامي، دمشق – بيروت، المكتب الإسلامي، 1398هـ/1978م، ص4.

[38] أنور الجندي، أهداف التغريب في العالم الإسلامي، القاهرة، سلسلة قضايا إسلامية معاصرة، الأمانة العامة للجنة العليا للدعوة الإسلامية بالأزهر الشريف، 1987م، ص13.

[39] د.محمد محمد حسين، الإسلام والحضارة الغربية، دار الفرقان، ص45.

[40] المرجع السابق، ص45-46.

[41] د.سيف الدين عبدالفتاح، بناء المفاهيم الإسلامية: ضرورة منهاجية، بحث منشور ضمن: د.إبراهيم البيومي غانم وآخرون، بناء المفاهيم: دراسة معرفية ونماذج تطبيقية، القاهرة، دار السلام، ط1، 1429هـ/2008م، ج1ص84.

[42] د.سعود عبدالعزيز الدوسري، التغريب في العالم الإسلامي: مخططاته وآثاره وكيفية مواجهته دعوياً، بحوث منشور في مجلة الدراسات الاجتماعية، جامعة العلوم والتكنولوجيا، اليمن، العدد الثاني والثلاثون، يناير/يونيو 2011م، ص194.

[43] د.محمد محمد حسين، الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر، القاهرة، مكتبة الآداب، ط2، 1388هـ/1968م، ج2ص207-208.

[44] د.فتحي حسن ملكاوي، البناء الفكري: مفهومه ومستوياته وخرائطه، عمان/الأردن، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط1، 1436هـ/2015م، ص249.

[45] المرجع السابق، ص263.

[46] ستيفن بوشيه ومارتين رويو، مراكز الفكر: أدمغة حرب الأفكار، بيروت، دار الفارابي، ط1، 1430هـ/2009م، ص21.

[47] توماس ميدفيتز، مراكز الأبحاث في أمريكا، قطر، منتدى العلاقات العربية والدولية، ط1، 2015م، ص23.

[48]شيريل بينارد، الإسلام الديمقراطي المدني: الشركاء والموارد والاستراتيجيات، القاهرة، تنوير للنشر والإعلام، ط1، 1435هـ/2013م، ص41.

[49] المرجع السابق، ص44.

[50] المرجع السابق، ص45.

[51] المرجع السابق، ص50-51.

[52] المرجع السابق، ص73-74.

[53] المرجع السابق، ص97.

[54] المرجع السابق، ص100-101.

[55] د.باسم خفاجي، استراتيجيات غربية لاحتواء الإسلام: قراءة في تقرير راند 2007، القاهرة، المركز العربي للدراسات الإنسانية، 1428هـ/2007م، ص4.

[56] شيريل بينارد وآخرون، بناء شبكات الاعتدال الإسلامي، القاهرة، تنوير للنشر والإعلام، ط1، 1437هـ/2015م، ص22.

[57] المرجع السابق، ص108.

[58] د.باسم خفاجي، استراتيجيات غربية لاحتواء الإسلام، مرجع سابق، ص50.

[59] شيريل بينارد وآخرون، بناء شبكات الاعتدال الإسلامي، مرجع سابق، ص161.

[60] شيريل بينارد، الإسلام الديمقراطي المدني: الشركاء والموارد والاستراتيجيات، مرجع سابق، ص91، ص112.

[61] الهيثم زعفان، التمويل الغربي وشراء الفكر في العالم العربي، القاهرة، المركز العربي للدراسات الإنسانية، ط1، 1432هـ/2011م، ص103-105.

[62] المرجع السابق، ص120.

[63] المرجع السابق، ص121.

[64] انظر: المقدمة التعريفية عن المركز في الموقع الرسمي له.

[65] د.محمود حمدي زقزوق، الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري، قطر، سلسلة كتاب الأمة، ط1، 1404هـ، ص125-126.

[66] شكيب أرسلان، السيد جمال الدين الأفغاني حكيم الشرق، منشور في: لوثروب ستودارد، حاضر العالم الإسلام بفصول وتعليقات وحواشي بقلم شكيب أرسلان، بيروت، دار الفكر، 1391هـ/1971م، ج2ص299.

[67] سيد قطب، هذا الدين، القاهرة، دار الشروق، ط15، 1422هـ/2001م، ص5-6.

[68] عمر عبيد حسنة، من مقدمته لكتاب: حول إعادة تشكيل العقل المسلم للدكتور عماد الدين خليل، قطر، كتاب الأمة، ط1، 1403هـ، ص10.

[69] د.سيف الدين عبدالفتاح، مدخل القيم: إطار مرجعي لدراسة العلاقات الدولية في الإسلام، القاهرة، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط1، 1419هـ/1999م، ص350.

[70] د.محمود حمدي زقزوق، الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري، مرجع سابق، ص146.

[71] انظر في الأفكار العملية ووسائلها: المرجع السابق، ص130-154، د.باسم خفاجي، لماذا يكرهونه؟، مرجع سابق، ص101-105، الهيثم زعفان التمويل الغربي وشراء الفكر في العالم العربي، مرجع سابق، ص134-136.

زر الذهاب إلى الأعلى