سياسيةندوات

انعكاسات نتائج الانتخابات الأمريكية على المشهد العالمي والإقليمي في ضوء أولويات الإدارة الجديدة وخلفياتها الفكرية

تقرير الندوة الشهرية

عقد مركز رؤيا للبحوث والدراسات ندوته الشهرية عبر تطبيق الزوم تحت عنوان: (انعكاسات نتائج الانتخابات الأمريكية على المشهد العالمي والإقليمي في ضوء أولويات الإدارة الجديدة وخلفياتها الفكرية)،

وكان طرح هذا الموضوع عقب المتغيرات التي شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية بعد فوز بايدن الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية على حساب غريمه ترامب الجمهوري، وقد لا يكون غريباً أن يتعاقب الحزبان الجمهوري والديمقراطي في حكم الولايات المتحدة الأمريكية، فإن هذا أمر مألوف في المشهد السياسي الأمريكي، ولكن غير المألوف في هذا الشأن أن يأتي الفوز الديمقراطي عقب أربع سنوات أجمع المراقبون فيها على أن البنية السياسية الأمريكية أصابها تصدع مرجعه السياسات الترامبية التي جعلت هذه البنية تفقد هيبتها ومكانتها في الداخل والخارج، ولهذا تأتي الإدارة الجديدة لتكون أولى أولوياتها فيما يظهر ترتيب أوضاع البيت الأمريكي، ولكن هل ستستطيع هذه الإدارة أن تحقق أهدافها وغاياتها على مستوى سياساتها الداخلية والخارجية وتعيد الهيبة الأمريكية في ظل تسارع الوقت؟
ولمناقشة هذا الموضوع الهام في هذه المرحلة استضاف مركز رؤيا للبحوث والدراسات المهندس طاهر صيام الباحث المتخصص في السياسة الغربية والاقتصاد العالمي، وقد شارك في هذه الندوة ثلة من الأساتذة والمفكرين والمهتمين بالشأن السياسي.

أولاً: مداخلة المهندس طاهر صيام:
طريقة إدارة الأمريكان للسياسة خصوصاً في هذه المرحلة هي أسلوب إدارة المخاطر، بمعنى أنه لا يكون لديها ثابت مطلق على مدار الزمان، وهذا سيترتب عليه ترتيب أولويات، ومرجع ذلك أن طبيعة المرحلة مليئة بالمخاطر، والعالم في فوضى والولايات المتحدة لا تملك إلا أن تعمل بأسلوب إدارة المخاطر، وإذا كان هناك حديث عن ثوابت في السياسات المتخذة من قبل الإدارة الأمريكية، فإنها متعلق بالسياسة الداخلية، فإن الحزبين الديمقراطي والجمهوري لا يتحركان في السياسة الخارجية إلا من خلال ربطها بالسياسات الداخلية؛ لأن الأولويات لديهما للداخل الأمريكي بنسبة 90% تقريباً، بينما تكون للخارج بنسبة 10% تقريباً، ولذلك أي سياسة خارجية يتخذها الأمريكان تعود بالضرر على الداخل سيُصرف عنها النظر؛ لأن هناك صراعاً طاحناً من أجل السيطرة على الإدارة في الداخل، وإدارة بايدن جاءت لتمهد لما بعدها، وعليها لتحقيق ذلك إعادة ترتيب البيت الداخلي.

الوضع العام أمام هذه الإدارة: أن المتغيرات سريعة في الساحة الدولية، وهذا مشاهد ومحسوس، فإيطاليا تشهد انتخابات لحكومة جديدة، ومثلها في هولندا، وبعد أكثر من سنة ستبدأ حمى الانتخابات في فرنسا، ثم تلحقها تركيا، ولذلك فإن المتغيرات تتسارع، ومن هنا سيكون أسلوب إدارة المخاطر هو المهيمن على الإدارة الأمريكية، فالساحة الدولية تشهد فراغاً تلزم إعادة ملئه بعد أن شغله الروس وبدرجة أقل الفرنسيون، ولكنَّ هذا ليس من أبجديات السياسة الأمريكية في هذه المرحلة.

بالنسبة لبايدن المعضلة الرئيسة هي الوقت، فأي إدارة جديدة عندها برنامج عمل تواجهه في أول مائة يوم، وفي نهاية هذه المرحلة ينبغي أن تكون هناك منجزات تُقدم للشعب الأمريكي، والأمر الآخر أن أي إدارة تأتي تكون عينها على مرحلة الانتخابات النصفية؛ حيث يتغير نصف مجلس الشيوخ ونصف مجلس النواب، وهذا قد يؤثر في التوازنات وقدرة بايدن على الحركة سلباً أو إيجاباً.

وبحكم حديثنا عن التغيير في الإدارة الأمريكية، يعرض تساؤل مهم، وهو: هل هناك فروق جوهرية بين الإدارتين الديمقراطية والجمهورية؟

الذي يظهر أن هناك فروقاً جوهرية بينهما، والإجابة هنا ليست قناعة شخصية فحسب، بل هي مؤكدة برؤية مراكز صنع القرار في العالم، فالكثير منها يرى أن هناك تغايراً في الرؤية السياسية والعمل السياسي بين الحزبين، وهذا يثبته كذلك حجم الضرر والنتائج على المنطقة العربية والشرق الأوسط، وبتذكر الرؤساء الأمريكان من الحزبين في العقود الأخيرة يمكن إدراك ذلك، فالرؤساء الديمقراطيون (كندي، كارتر، كلينتون، أوباما، بايدن)، والرؤساء الجمهوريون (نكسون، ريجان، بوش الأب، بوش الابن، ترامب)، فبمجرد النظر إلى هذه الأسماء سنجد أن هناك نمطاً مختلفاً بدون شك.

وهذا التغاير بينهما يثبته أيضاً البعد الآيديولوجي للحزبين، فالحزب الجمهوري يميني محافظ، وصلبه من الأنجليكانية الذين أسسوا أمريكا، وهذه الطائفة حوال 70 مليون، وهؤلاء هم الذين يسيرون الحزب، وينتمي إليهم رؤساء أمريكا من الجمهوريين، والنظرة الحاكمة عندهم هي تمكين اليهود في الشرق الأوسط في فلسطين والقدس، بينما الحزب الديمقراطي يشهد تحولات مهمة، فالحزب تنضوي فيه الأقليات، واليهود بالرغم من كونهم مكوناً رئيساً للحزب الديمقراطي، إلا أنهم في الغالبية ليبراليون، وليسوا على نسق واحد من أفكارهم ورؤاهم، واليهود في الانتخابات يصوتون بنسبة 70% للحزب الديمقراطي.

على رأس الإدارة الأمريكية الجديدة يتربع بايدن، وتاريخه يظهر لنا مسارات حياته السياسية، حيث بقي في مجلس الشيوخ سبعة وثلاثين عاماً ترأس فيها عدة لجان، وهي: لجنة الشؤون الخارجية، واللجنة القانونية، ولجنة التسليح، وبايدن من حيث هو عاطفي وإن كان ذلك لا يظهر للناس بشكل جلي، وفي مسار حياته تعرض لاهتزازات عاطفية شديدة، ففي سنة 1972م حين انتخب لأول مرة سيناتوراً في مجلس الشيوخ، تعرضت عائلته لحادث فقد فيه زوجته وابنه الأكبر، فضلاً عن إصابة اثنين من أبنائه بكسور، وقد أثر عليه هذا الحادث إلى القدر الذي عزم فيه على الاستقالة من منصبه، ولكنه استمر بعد ذلك، وبقي هذا الحادث مؤثراً في نفسيته وكان يتكلم عنه كثيراً.

وبايدن من حيث تكوينه الاجتماعي جاء من بيئة عمل، فوالده كان يعمل في المناجم، واعتاد في نشأته الاختلاط بالسود، ولذلك كانت علاقته بالسود معروفة، وقد كان لهذه العلاقة أثرها في المواقف السياسية التي اتخذها بايدن في حياته، ففي موضوع جنوب أفريقيا إبان مرحلة البريتوريا والفصل العنصري سنة 1985م كانت أمريكا على الحياد، ولكن بايدن قاد الديمقراطيين لأخذ موقف قوي إلى القدر الذي حصل صدام بينه وبين جورج شولتز وزير الخارجية الأمريكي في عهد ريجان.
والموقف الثاني كان سنة 1996م إبان قضية البوسنة، وبالرغم من أن الإدارة كانت ديمقراطية إلا أن بايدن لم يرتض البطء والعجز الأمريكي في التدخل في الملف البوسني واتخذ موقفاً شديداً حياله، والبعض يقول إن بايدن يتأثر بالمواقف الإنسانية، وهذا متداول عند بعض المحللين، وقد أثار ذلك تساؤلات حول تعاطفه مع اليهود، هل مرجعه المصالح أو العاطفة بسبب رؤيته لمظلومية اليهود؟

وفي قضية العراق بايدن صوت ضد الغزو عام 1991م، ولكنه سنة 2003م صوت مع الغزو؛ وكان معه وزير خارجيته الحالي بلينكن مستشاره آنذاك، وبايدن يبرر أن موقفه ذلك كان بناء على أكذوبة بوش حول أسلحة الدمار الشامل في العراق وقد ندم على ذلك حسب قوله، ثم إن شخصية بايدن كانت إحدى صانعي السياسة الحزبية في الحزب الديمقراطي كما أن ماكين كان أحد صانعي السياسة الحزبية للحزب الجمهوري وثالثهم ليبرمان، فبايدن وفقاً لذلك يعد خبيراً بالملفات في الداخل والخارج.
وهناك سؤال كبير: هل إدارة بايدن ستنهج نفس نمط أوباما؟

البعض يقول إن معظم أركان الإدارة الحالية هي من حقبة أوباما، فأوباما حاضر في المشهد، ولكن هناك متغيرات كبيرة تفرض نفسها باتجاه تغيير جوهري في الأسلوب، ومرجع ذلك أن بعض قواعد الحزب الديمقراطي تلوم أوباما وخصوصاً من الليبراليين واليساريين، تلومه وبوجه خاص في مرحلته الثانية بسبب أنانيته، وهذا صحيح إلى حد بعيد، فأوباما في المرحلة الأولى في الداخل كان قوياً جداً، نهض بالاقتصاد وبدأ يتخذ سياسة خارجية جيدة، ولكن في مرحلته الثانية بدأ يتكلم عن نفسه، ولذلك خسر الحزب ثم الكونكرس إلى القدر الذي لم يستطع معه أن يعين قاضياً؛ لأن المجالس التشريعية أصبحت في يد الجمهوريين، فاتخذ سياسات تتجاهل مصالح الشعب في الداخل مثل الولايات الصناعية ميشغان وبنسلفانيا ووسكونسون.
فالحزب إذاً يحمل أوباما وأيضاً هيلاري العجز الذي آل إليه الوضع، بحيث فتح الطريق لمثل ترامب ليكتسح الساحة، ولذلك هناك اتجاهات جديدة في الحزب الديمقراطي تتجه نحو الليبراليين واليساريين ونحو الأقليات بسبب هذه الخسارة الكبيرة، فتشكيلة الحزب أصبحت مختلفة نوعاً ما، ولكن تبقى القضية التي ستثار هنا: ما الذي يمكن أن يفعله بايدن في الخارج وما الذي سيغيره، وهو موضوع سنتطرق إليه.

ولكن لا بد أولاً من الإجابة على سؤال محوري: هل ثمة فرق في دور اليهود مع الجمهوريين أو الديمقراطيين في الشرق الأوسط؟

الذي يظهر نعم هناك فرق كبير، وهذا لا يقتصر على القناعة الشخصية بل تحدث عنه غيري، فالشيخ سفر الحوالي في كتابه (الوعد الحق والوعد المفترى) تحدث عن هذه النقطة، وأشار إلى أن الفيل الجمهوري هو الذي يركب المركبة اليهودية ويسيرها، والعكس مع الحمار الديمقراطي، فاليهود يستسهلون توجيه الحمار الديمقراطي، وهذا الكلام يؤيده الواقع العملي، ولندلل عليه وقد قلنا إن الجمهوريين عقائديون في صلبهم يؤمنون بضرورة إقامة الهيكل وأن القدس عاصمة لليهود، كما أنهم يرون أن اليهود ينبغي أن يخدموا هذا الهدف وظيفياً، ويلزم التنبيه على أن اليهود ليسوا مرتبة واحدة، بل هم طرائق قددا وبينهم اختلافات شديدة، ونعلم أن رابين قد اغتيل على يد شخص له علاقة بنتنياهو، ولذلك جاء مجد الأخير بعد اغتيال رابين، ونعلم أن نيويورك هي عاصمة اليهود وهم كثيرون كذلك في بروكلين، ولذلك لا يمكن النظر إلى اليهود على أنهم فئة واحدة.

والنظرية التي تقول إن العالم تحركه جهة واحدة وهي اليهود عليها علامات استفهام كثيرة، وحتى من الناحية الشرعية في سورة الحشر قال الله تعالى: ﴿تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى﴾، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: “افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ..” الحديث، ولذلك يوجد بينهم من الخلافات وتضارب المصالح ما الله به عليم، وهذا ينعكس تماماً داخل الحزبين الديمقراطي والجمهوري، ومشكلة اليهود في الحزب الديمقراطي أنهم تاريخياً يسيطرون بالمال والإعلام، وهذا بدأ يضمحل، والسيطرة عليه بدأت تضعف، لماذا؟

بنظرة تتبعية في الانتخابات الأمريكية منذ عام 2000م نرى تقارباً في النتائج وفروقاً قليلة جداً، وباستثناء واحدة لأوباما، فإن الانتخابات غالباً ما تحسم بعدد قليل من الأصوات، ومن أظهر الأمثلة على ذلك انتخابات عام 2000م بين بوش الابن وآل جور حيث انتهت بالعد في ولاية فلوريدا وكان الفارق بينهما 350 صوتاً، وهذا العدد يمكن ضمانه من أي جهة سواء من الأقليات أو من غيرهم، ولذلك الحسابات أصبحت ضيقة جداً، وأضحى للأقليات المسلمة وغيرها دور مؤثر في المشهد السياسي واليهود ليست لهم الكلمة الكبرى، والأهم من ذلك أن أدوات اليهود في الحزب الديمقراطي تتقلص سواء في المال أو الإعلام.

ومرجع ذلك أن الإعلام أصبح لا مركزياً، فأنت تتحدث عن مواقع شخصية في وسائل التواصل الاجتماعي لها من المتابعين أكثر من متابعي القنوات المشهورة CNN و NBC، وهناك مواقع كثيرة ويتابعها الملايين ومعظمها يميل نحو الحركات الاجتماعية واليسارية، فالتأثير اليهودي على الإعلام بدأ يضعف، وبالنسبة للمال فإنه بدأ يشكل عبئاً على الأحزاب، فبيرنلي ساندرز جمع تبرعاته مثلاً من الأشخاص حتى بلغ الذي جمعه ما يقرب من 500 مليون دولار، بينما عانى بايدن بالرغم من دعم اللوبي ودعم الوول ستريت على الخفاء؛ لأنه أصبح من العار أن تأخذ مالاً من اللوبيات، فالخلاصة أن أداة المال أصبحت كذلك ضيقة.

هناك ثلاث شخصيات في إدارة بايدن سأركز عليها؛ لكونها شخصيات محورية في هذه الإدارة، وسيتم تجاوز كاميلا هاريس لسبب بسيط، وهو أن هاريس لا تصنع سياسة خارجية، وجاء بها باين لأنها سوداء، فضلاً عن أنها لم تكن قوية في السباق الرئاسي، وهي من حيث التوجه ليبرالية وكانت المدعية العامة في ولاية كاليفورنيا الليبرالية الكبرى لسنوات، وزوجها يهودي ليبرالي حتى النخاع، وليس لها تأثير كبير، ويظهر أنه أتى بها حتى يجمع أصوات السود الذين أعرضوا عن الانتخابات أيام هيلاري، فكانت الخسارة في بنسلفانيا ووسكنسون وميشغان بسبب عدم تصويتهم.

(1) مدير وكالة الاستخبارات المركزية CIA وليام بيرنز:
الشخصية الأولى القوية وصاحبة التجربة هي شخصية مدير الاستخبارات CIA الحالي وليام بيرنز، وهو أقدم دبلوماسي أمريكي موجود حالياً، فعمل لمدة 33 سنة في السلك الدبلوماسي، حيث عمل في الأردن ويتكلم العربية بطلاقة، وفي روسيا ويتكلم الروسية بطلاقة، كما أنه يتكلم الفرنسية أيضاً فضلاً عن الإنكليزية، وهو خريج جامعة أكسفورد في بريطانيا، وقد نال أعلى الجوائز الدبلوماسية، وهو الدبلوماسي الوحيد الذي وصل إلى مرتبة وزير خارجية قبل عشرين سنة، وللتنبيه فإن وزير الخارجية الحالي انطوني بلينكن هو مساعده لحقبة طويلة، وهو من زكى بلينكن، ولذلك سيكون هناك تعاون بين الخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية كما هو المعتاد، وستكون هذه المرة أعمق بحكم العلاقة بين الرجلين.
ما هي عقلية وليام بيرنز وما هي اتجاهاته وكيف يرى العالم؟

وليام بيرنز سياسي ليبرالي حتى النخاع، ويؤمن بالليبرالية السياسية التي تركز على الانفتاح الاقتصادي العالمي، ويرى العالم بعيون اقتصادية ودبلوماسية، ولديه ملفان في غاية الأهمية وهما ملف روسيا وإيران وملف الاقتصاد مع الصين، وقد عمل بيرنز في منصب وزاري وهو رئيس الهيئة السياسية لشؤون روسيا في الحكومة الأمريكية ولذلك كان يجلس وجهاً لوجه مع بوتين، و آخر مركز له كان رئيس مركز دراسات كارنيجي ميلون، وهو أقدم مركز أمريكي في الدراسات الخارجية، فهو أيضاً ذو تخصص أكاديمي وبحثي.

(2) وزير الخارجية أنطوني بلينكن:
وهو محامي يهودي ليبرالي، له مواقفه المختلفة التي قد تتعارض مع بعض السياسات الأمريكية المتخذة، فهو مع تسليح الثوار في سوريا، وأيضاً مع التدخل فيها حتى لو كان ذلك بعملية عسكرية، وقف ضد الانقلاب في تركيا، وهو مع توحيد قبرص وهذه سلبية، ويقول إن خيارنا أن نكون مع تركيا، ولن نختار الأكراد على الأتراك، ويعد تركيا حليفاً قوياً في الناتو، وفي ليبيا أيد بقوة تدخل الناتو، وآخر تصريح له قال: “نؤكد لكم أننا سنكون حاضرين بقوة في سوريا، لا أستطيع أن أقول لكم ما الذي سنفعله تماماً، ولكن أؤكد لكم حضورنا القوي فيها”.

(3) منسق ملفات الشرق الأوسط بريت ماكغورك:
وهو الشخص الثالث في الأهمية في ظننا، وقد عدت وكالة الأناضول تعيينه رسالة سلبية، ماكغورك يتكلم العربية والفارسية، وهو شخصية متحمسة للأكراد وتسليحهم، وكان يدخل إلى سوريا متخفياً ومعنى هذا أنه كان يلتقي بشخصيات مشبوهة، هو شخص لا أخلاقي، ولا يُعلم لماذا استعان به بايدن، وأتوقع أن بايدن سيقدم على تغييره بعد مدة؛ ومرجع ذلك فيما يظهر أنه شخصية تتناقض مع وليام بيرنز.

الخلاصة:
المشهد العالمي بالنسبة للولايات المتحدة والأولويات في المنطقة هي روسيا ثم روسيا ثم روسيا، والأولويات ستبقى بنسبة 90% للداخل، وفي الخارج كل شيء متغير، والثابت تحجيم روسيا، وكما أفهم بايدن من تاريخه ومن عقلية بيرنز مدير وكالة الاستخبارات أنه سيتم الضغط على روسيا في الداخل وليس في مناطق وجودها في الخارج في ليبيا أو سوريا مثلاً، وسيضغطون في موضوع روسيا البيضاء وأوكرانيا، وسيركزون على الجانب الاقتصادي، والملاحظ أن الروس يتحركون دائماً في الفوضى وفي الفراغ، فكلما حصلت مشكلة ما في الشرق الأوسط وفي غيره تمدد الروس، ولذلك سيتم الضغط عليهم في عقر دارهم.

وبالنسبة للدول الأخرى وخاصة في الشرق الأوسط سيكون هناك ضغط على مصر والإمارات والسعودية لأجل أن تعود إلى وضعها القديم، فمن المحرمات على السيسي أن يتدخل في السياسات الخارجية لدول المنطقة من مثل ليبيا، ونفس الشيء بالنسبة للإمارات والسعودية، والسبب في هذا أن الأمريكان ليس لديهم من الوقت لكي ينشغلوا بهذه الملفات، وهدفهم الرئيس هو روسيا وإيران.

وأختم بنقطتين:

الأولى: لماذا اختار بايدن هذا الفريق؟ الذي يظهر أن اختاره لأن الوقت عنده ضيق جداً، ولم يكن اختياره له لأجل أن يسير على نغمة أوباما، بل لأنه يريد أشخاصاً يعرفون الملفات وعملوا عليها، ويستطيعون التعامل معها ويعلمون مداخلها ومخارجها، وعامل الوقت سيخدمه، وكما أشرنا من قبل أن إدارة بايدن جاءت لتمهد لما بعدها؛ من أجل أن تقطع الطريق على الترامبية، وإذا سارت الأمور كما يرغبون، فسيساعد ذلك في طرح مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يقوم على التنمية الاقتصادية والحريات وحقوق الإنسان على الطريقة الأمريكية، وسيبقى هذا المشروع معرضاً للتعديل حتى يصلوا إلى مبتغاهم منه.

الثانية: تمسنا نحن المسلمين، فالروس بالنسبة لنا سببوا أذى كبيراً في المنطقة في سوريا وليبيا وأماكن أخرى، فهل من الممكن أن يكون لنا نحن كقوى شعبية وليس إسلامية نمط لتحالف ما مع الأمريكان على شاكلة التوافق غير المكتوب وغير المعلن، على وفق ما حدث في أفغانسان بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة، وما حدث كذلك في البوسنة، وفي الأخيرة ما حرك الأمريكان هو موضوع صربيا وروسيا، وكان هدف الأمريكان إنهاء الوجود الروسي في قلب أوربا، وهذه السياسة أفاد منها علي عزت بيجوفيتش واستطاع أن يفتح هذا الملف، فهل هناك شيء يمكن تطبيقه في الملف الروسي في ليبيا وروسيا؟

ثانياً: اتجاهات النقاش:

أثار موضوع الندوة العديد من الأسئلة، ويمكن الإشارة إلى أهمها في الآتي:
س: أين موقف الإدارة الجديدة من الصين؟
ج: تعد الصين في عقلية وليام بيرنز هي المنافس الأول وليس روسيا؛ لأنه يرى أن روسيا نسر من ورق وهي هشة؛ ومرجع ذلك اعتمادها اقتصادياً على الغاز والبترول بنسبة 80%، وصناعاتها ضعيفة لا تتجاوز الصناعات العسكرية والصناعة النفطية، وتعد اقتصادياً أضعف من إسبانيا في أوربا، ولذلك أي ضغط على روسيا سيأتي بثماره، ولذلك يرى الأمريكان أنه من الأهمية إنهاء الاستغلال الروسي للفوضى في المنطقة، بينما الصين تعد الرقم (1) في عقلية مدير الاستخبارات، والصين موضوعها شائك، فهناك مصالح كبرى في الشركات الأمريكية مرتبطة بالصين، والقرار السياسي الأمريكي حين يُتخذ ينبغي أن يراعي هذه المصالح، ترتيب العلاقات مع الصين سيأخذ وقتاً طويلاً، ويمكن لبايدن أن يستغل موضوع حقوق الإنسان للضغط على الصين، واقتصادياً يظهر أنهم يريدون الضغط على الصين لتحجيمها في أفريقيا، وهم قلقون منها بسبب تنامي قدراتها الصناعية العسكرية، فباكستان مثلاً تعتمد حالياً في تسليحها على الصين.

س: إذا كانت سياسة المحامي اليهودي تمثل السياسة الصهيونية؛ فلماذا تختار الإدارة الجديدة دعم تركيا ذات التوجه الإسلامي بحسب المعلن؟
ج: تركيا تمتلك جيشاً قوياً في الناتو، ويرى معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أن تركيا ليست أردوغان، ويرى الأمريكان أن تركيا تعد حاجزاً لأوربا عن التمدد الروسي، وهذا حدث فعلياً في أزمة الصواريخ في كوبا، فإن أمريكا نصبت صواريخها آنذاك في تركيا، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن اليهود الأمريكان ليس ولاؤهم بالكامل لإسرائيل، بل أزعم أن أكثر من نصف اليهود يعود ولاؤهم لأنفسهم ولأمريكا، بل مواقف الأنجليكان أشد تأثيراً من اليهود أنفسهم، فمثلاً جورج سوروس وهو اقتصادي يهودي كبير تبرع بمبالغ كبيرة دعماً لليبرالية باتجاه الانعتاق من اللوبيات اليهودية، ومثله نعوم تشومسكي وهو يهودي ولكنه من المقاومين فكرياً لتوجه اللوبيات والأيباك.

س: قد ذكرتم أن 90% من السياسة الأمريكية ستكون للداخل وأن 10% ستكون للخارج، فهل هذا النمط من السياسة سيحد من الوجود الأمريكي في الخارج، وسيجعلها منكفئة على نفسها؟
ج: حين أتكلم عن هذه النسبة فالمقصود وزنها في السياسة في الإدارة الجديدة، بمعنى أن أي سياسة خارجية لأمريكا ستكون حساباتها متعلقة بخدمة الداخل، وهذا لا يعني عدم التحرك خارجياً، بل المقصود أنه سيتحرك في الفضاء الخارجي ولكن عينه على انعكاسات ذلك في الداخل، والدليل على ذلك أن عنده وزارة خارجية كبيرة جداً، وهي لا تعمل على ملفات داخلية، ولكن حين تعمل خارجياً في الملف الصيني مثلاً سينظر إلى الحسابات الحزبية في الداخل، والإدارة الحالية بالرغم من كونها ليبرالية من حيث توجهها لكن هي مرتبطة أساساً بالمصالح، فتجد الإدارة الليبرالية تتحول فجأة إلى واقعية وقد تصبح براجماتية بناء على المصلحة.

س: هل كان اختيار فريق إدارة بايدن مرجعه القناعة الشخصية له أو أن هناك مؤسسات هي التي تدير الأمر؛ لأننا إذا وقفنا عند الثلاثي الذين ذكرتهم سنجد أن هناك تناقضاً في اتجاهات البعض منهم مع السياسات المرسومة لهذه الإدارة؟
ج: فريق بايدن متناسق، وهناك شخص واحد فقط جاء من حقبة بوش الابن، ومرجع اختياره فيما يظهر معرفته ببعض ملفات الشرق الأوسط كداعش مثلاً فضلاً عن كونه متحدثاً باللغة العربية والفارسية، وبالرغمن من توجهاته إلا أنه سيبقى تحت إدارة نائب وزير الخارجية، ثم إن الإدارة ذاتها قد جاءت من المؤسسات التي أشرت إليها، فالبعد المؤسسي حاضر هنا أيضاً ولا يقف الأمر عند القناعات الشخصية فقط.

س: ما موقف إدارة بايدن من أفريقيا، وهل ستُترك فرصة لدول المنطقة لكي تتخذ مواقف موحدة؟
ج: بالنسبة لأفريقيا هناك تنافس خفي منذ أيام أوباما بين فرنسا وأمريكا في هذه القارة، فأمريكا ترى أن فرنسا تأخذ من أفريقيا أكثر مما تستحق، ولذلك تجد أن الموقف الأمريكي منذ أيام أوباما يرى أن الجزائر تعد محطة مهمة، وفي الجملة فإن سياسة ماكرون لا تتوافق مع وليام بيرنز، والأخير أقرب إلى النموذج الألماني الذي تمثله ميركل.

س: حين تكلمت عن عودة فكرة الشرق الأوسط الجديد، هل هذا يعني تقسيم المقسم أو توحيد الدويلات بشكل مختلف؟
ج: هذه الإدارة جاءت كما قلنا لتمهد لما بعدها، وهي تواجه فوضى عارمة تركها عهد ترامب، ودورها يكمن في حلحلة الملفات وإعادة ترتيبها وترتيب الأرضية بما يخدم الداخل من أجل استمرار الحزب الديمقراطي على رأس الإدارة الأمريكية، ومن ثم العودة لتنظيم مسارات الشرق الأوسط الكبير وترتيب الملفات المحددة لبعض الدول، ولاحظ أنا أتحدث عن الداخل وأنت تسألني عن الخارج؛ لأن الأمر مشتبك لارتباطه بالمصلحة الانتخابية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى الولايات المتحدة هل من مصلحتها أن تقبل بدولة فاشلة في مصر، أو في السعودية، هذا فرق جوهري يرسم ملامح السياسة المستقبلية للحزب الديمقراطي، وهو أيضاً للحزب الجمهوري فيما لو تخلص من ترامب والترامبية، وموضوع مصر والسعودية هام جداً؛ لأن السياسات المتبعة فيهما تقود إلى جعلهما دولة فاشلة، ومفهوم الدولة الفاشلة يتناقض مع كل استراتيجية الشرق الأوسط الكبير.

وأما قضية التقسيم، فهي مرتبطة بالمصالح الأمريكية أولاً، فإذا كان التقسيم محققاً لهذه المصالح، فإنهم يتبنونه كما حدث في شمال العراق، ولكن الشاغل الأكبر لدى الإدارة الجديدة إعادة ترتيب المنطقة بطريقة تخدم الاقتصاد الليبرالي، وتحول دول المنطقة كالسعودية وغيرها إلى دول فاشلة قد يكون عائقاً أمام تحقيق أهدافهم الاقتصادية والسياسية على حد سواء.

س: لم تتكلم عن الملف الإيراني كثيراً برغم أن الظاهر في الإعلام الأمريكي، والعربي كذلك أن هذا ملف سيكون حتماً على الإدارة التعامل معه بشكل أو بآخر، وخاصة في موضوع الاتفاق النووي الذي أبرمته إدارة أوباما بايدن، وبايدن كان من أشد المدافعين عن هذا الاتفاق، وما أحدثه ترامب خاصة في هذا السياق من عقوبات لها مستويات معقدة ربما تحتاج شهوراً للنظر فيها والعمل عليها، وهذا الموقف بالتالي مرتبط بالموقف في الخليج العربي وإلى حد ما بالموقع مع تركيا، فما هي توقعاتكم لهذه المقاربة التي ستتخذها هذه الإدارة للمشكلة الإيرانية؟
ج: بالنسبة لإيران هناك إجماع على أن الاتفاق النووي عام 2015م فيه نواقص، فأي اتفاق جديد لن يكون بنفس النمط، والاتفاق قائم على أن مبدأ التخصيب الذي هو 3.5% يورانيوم، وإيران فسرت ذلك بأن لها الحق أن تمتلك منشئات نووية وأن تنطلق في المستقبل في هذا الإطار؛ لأن الاتفاق محدد بزمن، والأمر الآخر موضوع الصواريخ في الأصل ليس مقصوداً به فقط تل أبيب، وهم يعلمون علم اليقين أنها لن تطلق عليها، ولكن قضية الصواريخ لها ارتباط بتأثير إيران في المنطقة، وهناك قضية مطروحة على الطاولة قد جاء وقتها، وهي أن هذا الاتفاق النووي لا بد أن يشمل أذرع إيران في المنقطة، فما وضع حزب الله؟ وما وضع المليشيات الإيرانية في سوريا؟ والأهم من ذلك الدور الوظيفي الذي تلعبه إيران في المنطقة.

وهناك نظر ورؤية عند بعض المحللين الاستراتيجيين في أمريكا مرتبطة بعلة الإتيان بإيران وثورتها الإسلامية، وهذه العلة تكمن في مبدأ تقاسم العداء، وهذا المبدأ مرجعه بحسب هذه الرؤية تشتيت العقلية العربية في سياق تقاسم العداء ما بين الكيان الصهيوني وإيران بعد أن كان وحيد الوجهة تجاه الكيان الصهيوني فحسب، وخاصة إبان سلاح المقاطعة الذي كان فاعلاً في حينه وقد أثر على هذا الكيان بشكل كبير، فجيء بإيران وسمح لها بالتمدد حتى يُقسم العداء في المنطقة العربية، والزبدة أن إدارة بايدن ستأتي بمعطيات جديدة بخصوص الاتفاق النووي، والمضي في موضوع الشرق الأوسط الكبير يتطلب إيران جديدة وبمعطيات جديدة تلعب فيها الأخيرة دوراً أكثر انفتاحاً بما يحقق المصلحة الأمريكية في المنطقة.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

زر الذهاب إلى الأعلى