تقدير موقفقراءة الحدث

ماذا يحدث في ليبيا بعد إقالة محافظ البنك المركزي؟

رصد وتقدير موقف للمشهد الليبي

“مقارنة بدول الربيع العربي تعتبر ليبيا الدولة الأكثر تعقيدًا في فهم خارطة تحالفات القوى الفاعلة، تارة لمصالح الدول الكبرى ومشاريعها المتداخلة، وتارة لغياب المؤسساتية التي عمل النظام السابق على وأدها”.

مقدمات لابد منها:

خلفية المشهد الليبي قبل الأحداث الأخيرة:

ليبيا التي تحررت عام ٢٠١١م من حكم الديكتاتور معمر القذافي الذي حكم البلاد لاثنين وأربعين عامًا، انزلقت سريعًا إلى اضطرابات داخلية وعدم استقرار سياسي، وأصبحت ممزقة بين كيانين سياسيين متنافسين ومجموعة من الجماعات المسلحة. وبعد أن وضعت الحرب أوزارها عام ٢٠٢٠م، برز آل دبيبة وآل حفتر كأكبر متنافسين للحكم الشبه أسري، تتنافس على النفوذ على المؤسسات الرئيسة مثل البنك المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط، والتي تتدفَّق من خلالها عائدات النفط والغاز في ليبيا. وكانت ممارسات حكومة الدبيبة في الإنفاق الحكومي أدت إلى خلافات حادة بينها وبين محافظ البنك المركزي إلى أن وصل الأمر للتهديد بالإقالة، مما جعل “الصديق الكبير” محافظ البنك يبحث عن غطاء سياسي لحمايته (البرلمان) بأدواته العسكرية (حفتر)، الذي يُزعم في الوقت نفسه أنه يرأس شبكات واسعة من التهريب غير المشروع.

منذ اتفاق الصخيرات، فشلت أكثر من خمس سنوات من الدبلوماسية الدولية والإقليمية في توحيد البلاد، التي لا تزال منقسمة بين الفصائل المتنافسة والإدارات الحكومية المتمركزة في شرق وغرب ليبيا

 

وبرغم الفوضى التي أحدثتها الحروب المستمرة منذ فترة طويلة، ظل البنك المركزي في العاصمة طرابلس صامدًا. ونجا “الصديق الكبير”، محافظ البنك الذي عُيِّن بعد الإطاحة بمعمر القذافي في عام 2011م، من حربين وستة رؤساء وزراء. وكانت ليبيا لديها حكومتان وبرلمانان وقضاء ونظامان أمنيان، لكن الكبير، البيروقراطي الهادئ، فهم قواعد الحراك السياسي، واستطاع أن يظلَّ في مركزه إلى أن كَتب نهايته بيده!

ومنذ اتفاق الصخيرات، فشلت أكثر من خمس سنوات من الدبلوماسية الدولية والإقليمية في توحيد البلاد، التي لا تزال منقسمة بين الفصائل المتنافسة والإدارات الحكومية المتمركزة في شرق وغرب ليبيا – والتي عزَّزت كلٌّ منها قبضتها على السلطة في مناطق نفوذها.

إن الفشل في صياغة هيكل سياسي وأمني موحد، بدوره، أغرى القوى الإقليمية والعالمية بإقامة علاقات مع الفصائل المختلفة في محاولة لتعزيز مصالحها وأجنداتها الخاصة – وليس مصالح الشعب الليبي. بالإضافة إلى ذلك، فإن توفير الأسلحة الثقيلة والمتطورة بشكل متزايد للفصائل الليبية المتحاربة، وخاصَّة المدرعات والطائرات بدون طيار المسلحة، أدَّى إلى تأجيج الصراع بشكل متزايد بين الجماعات الليبية، وزاد أيضًا من إمكانية تدخل الميليشيات الليبية خارج ليبيا أو تهديد التجارة الإقليمية، وقد حدث شيء من هذا مع تدخل الشرق الليبي في الحرب الأهلية في السودان.

يبدو أن وسطاء الأمم المتحدة متشائمون بشكل متزايد بشأن احتمالات التوصل إلى حلٍّ سياسي في ليبيا، مع تصريحهم المستمر بأن الحل يكمن في الذهاب إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية، وهم في الحقيقة لا يرغبون في استعمال أدوات ضغط تساعدهم في التوصل إلى اتفاق بين شرق وغرب ليبيا، تؤدي إلى توحيد إدارتيهما المنفصلتين في هيئة حاكمة واحدة، وإجراء انتخابات وطنية لاختيار رئيس وبرلمان موحد.

وقد عبرت ستيفاني خوري، رئيسة بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، عن خيبة أملها لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 20 أغسطس الماضي بقولها: “في غياب محادثات سياسية متجدِّدة تؤدي إلى حكومة موحدة وانتخابات، فإن هذا يتجه إلى عدم استقرار مالي وأمني أكبر، وانقسامات سياسية وإقليمية راسخة، وعدم استقرار محلي وإقليمي أكبر”.

كشفت المواجهات المسلحة شرق طرابلس – تاجوراء في 9 أغسطس حجم هشاشة الوضع الأمني داخل العاصمة والذي شهد استقرارًا نسبيًّا منذ وصول عبد الحميد الدبيبة لرئاسة الحكومة وإطلاق حزمة من المشاريع التنموية بالعاصمة طرابلس ومدن المنطقة الغربية، فيما يعرف بمشروع “عودة الحياة”؛ حيث تشارك فيه شركات دولية وعربية، إضافة إلى الشركات المحلية وعلى رأسها شركة الخدمات العامة التابعة لرئاسة الوزراء مباشرة والتي لا سلطة رقابية ومحاسبية عليها، وهذه المشاريع تستهدف البنية التحتية من جسور وطرق ومباني خدمية، حيث وجهت الحكومة بوصلتها باتجاه الإعمار وحلحلت المختنقات الاقتصادية والمعيشية للمواطن بعد مرحلة تصحر اقتصادي، تسبب في جزء كبير منه حكومة فايز السراج السابقة.

هذه المواجهات المسلحة والتي تحدث بين الفينة والأخرى بداخل العاصمة طرابلس هي نتيجة لصراع المكونات والتشكيلات العسكرية داخل العاصمة بمختلف تسمياتها واختصاصاتها، لتمتدَّ خيوط الصراع إلى الساحة الإقليمية والدولية، وبالرغم من وجود وزارتي الدفاع والداخلية لحكومة الوحدة الوطنية؛ إلا أنها عاجزة أمام هذه التشكيلات، التي ظلت تحتفظ بخاصية القوة لممارسة الضغط على القرار السياسي بالعاصمة من أجل مصالحها وديمومة بقائها.

حكومة الوحدة الوطنية والتي جاءت وفق الاتفاق السياسي المنبثق عن حوار جنيف فبراير2021م ابتداء لم تجعل خيارها الأول في مواجهة هذه الكتائب المسلحة، وقدَّمت ملف الإعمار على غيره من الملفات إلى حين تجهيز قوة عسكرية تنضوي تحت قرارها السياسي – وقد فعلت – مما ألجأها بادِئ الأمر إلى العمل على التخفيف من حدَّة هذه الصراعات العسكرية والتوترات الأمنية وإشاعة أجواء يسودها شيء من التفاهمات والتوافقات.

لقد كان أول اختبار عسكري حقيقي لها هو في أزمة المصرف المركزي الحالية، فالمحافظ كان يتخذ من قوة الردع المناوئة لحكومة الوحدة الوطنية مصدرًا لحمايته واستمراره في منصبه بشكل آمن بعيدًا عن الابتزاز والضغوطات، وعند صدور قرار المجلس الرئاسي وجدت قوة الردع نفسها في مواجهة قوة (العمليات المشتركة مصراتة) التابعة لرئاسة حكومة الوحدة الوطنية والمجهزة بتجهيزات عسكرية عالية، مما اضطر الأولى للتخلي عن تقديم الدعم الكافي للمحافظ، وبذلك سهلت إمكانية اقتحام المصرف المركزي.

الأطراف الفاعلة في الحالة الليبية:

أولا: في الغرب الليبي:

خارجيًّا:

  • الولايات المتحدة الأمريكية
  • المملكة المتحدة
  • تركيا

داخليًّا:

  • المجلس الرئاسي (برئاسة محمد المنفي وعضوين آخرين – بتمثيل مناطقي شرقًا وغربًا وجنوبًا).
  • المجلس الأعلى للدولة (برئاسة خالد المشري – مجلس استشاري تُصدَر قوانين وقرارات مجلس النواب بالتشاور معه).
  • حكومة الوحدة الوطنية (حكومة عبد الحميد الدبيبة).
  • الكتائب المسلحة.

في الشرق الليبي:

خارجيًّا:

  • روسيا
  • الإمارات العربية المتحدة
  • مصر

داخليًّا:

  • مجلس النواب (برئاسة المستشار عقيلة صالح).
  • الحكومة الليبية (برئاسة أسامة حمّاد).
  • قوات حفتر.

 مستجدات الأزمة الليبية:   

وقد كان لهذ القرار تأثيرات معقَّدة على المشهد الليبي داخليًّا وخارجيًّا؛ حيث قابل مجلس النواب بالشرق الليبي القرار بقرار إقفال الحقول النفطية، ومنع تدفق النفط والغاز إلى الموانئ النفطية

في يوم الإثنين الموافق 12/08/2024م جاء قرار رقم (9) بإقالة محافظ مصرف ليبيا المركزي الحالي من قبل المجلس الرئاسي – بالإجماع – وإعادة هيكلة مجلس إدارة المصرف وفق ما جاء في قرار مجلس النواب رقم (3) لسنة 2018م بإقالة محافظ مصرف ليبيا المركزي “الصديق الكبير” وإعادة هيكلة مجلس إدارته.

وقد كان لهذ القرار تأثيرات معقَّدة على المشهد الليبي داخليًّا وخارجيًّا؛ حيث قابل مجلس النواب بالشرق الليبي القرار بقرار إقفال الحقول النفطية، ومنع تدفق النفط والغاز إلى الموانئ النفطية، كورقة ضغط لثني المجلس الرئاسي عن قراره، أو تحسين شروط تفاوضه في حال ما تم الاتفاق على تسمية محافظ ومجلس إدارة جديدين لإدارة مصرف ليبيا المركزي، مما أدى إلى ارتفاع في أسعار سلة العملات الأجنبية (الدولار – اليورو) في السوق الموازية وذلك لتأثُّر السوق الموازي بعائدات النفط؛ حيث يعتبر المورد الوحيد لتغذيته بالعملة الأجنبية.

ومما زاد الأمر سوءًا هو استقبال البنوك الدولية والمؤسسات المالية لخبر إقالة محافظ ليبيا المركزي بتخوُّف شديد اتجاه مستقبل العمل المالي والمصرفي لأكبر وأهم مؤسسة مالية في الدولة الليبية، ترتَّب على ذلك تعليق التعاملات المالية مع البنك المركزي الليبي، من إتمام لإجراءات الحوالات والاعتمادات السابقة، وتغطية التزامات المصارف التجارية، وساهم في إصدار هذا القرار الدولي مراسلات ومخاطبات المحافظ المقال لهذه المؤسسات، يناشدهم فيها بعدم التعامل مع الجسم الإداري الجديد لانتحاله صفة غير قانونية؛ كون تعيين منصب المحافظ هو من اختصاص الجهة التشريعية بحسب القوانين النافذة في الدولة الليبية.

وفور استجابة المؤسسات المالية لهذه المراسلات أدى قرار وقف التعامل مع البنك المركزي الليبي إلى تحقيق قفزات في أسعار صرف العملات الأجنبية في السوق الموازي، ومن المتوقَّع مع طول أمد الأزمة نفاذ البضائع من الأسواق، مما سيؤدي بطبيعة الحال إلى ارتفاع أسعارها وشحٍّ في السيولة بالنقد المحلي والأجنبي، بدأت المصارف تعاني منه بالفعل هذه الأيام.

نقطة الخلاف:

فجر قرار المجلس الرئاسي بإقالة محافظ مصرف ليبيا المركزي وإحالته على التقاعد أزمة سياسية هي الأعنف من نوعها منذ قيام ثورة 17 من فبراير، سواء على حجم الأطراف المعنية بالأمر، أو تداعيات وارتدادات الأزمة ونتائجها.

“إشكالية هذا القرار لدى المعترضين عليه تكمن في إصداره من جهة غير ذات اختصاص؛ فمنصب المحافظ من المناصب السيادية التي نصَّ عليها اتفاق جنيف وفق ما جاء في المادة 15؛ حيث نصَّت المادة على أن اختيار محافظ مصرف ليبيا المركزي من اختصاص مجلس النواب بالتشاور مع المجلس الأعلى للدولة، إضافة إلى مادة رقم (1) من قانون المصارف لعام 2005م، والتي نصَّت على أن اختيار منصب المحافظ هو من اختصاص الجهة التشريعية في الدولة”، متهمين إياهم أن السبب الحقيقي وراء إقالة المحافظ هو منع المحافظ سياسة الإنفاق خارج الميزانية العامة.

المصرف المركزي لايزال معزولًا عن النظام المالي والدولي منذ أسابيع مما أدى إلى خفض إنتاج النفط، كما أن البنوك الأجنبية لا تتعامل مع مجلس إدارة المركزي الذي تم تعيينه من قبل المجلس الرئاسي

 

ردَّ المؤيدون لإقالة المحافظ، أن المحافظ أُقيل بقرار من الجسم التشريعي سنة 2014م، وقرار آخر بتعيين محافظ جديد سنة 2018م، وردَّ المحافظُ المقال على هذا الاعتراض أنه في سنة 2014م كان المؤتمر الوطني العام لا يزال موجودًا في طرابلس وحالة الانقسام حاصلة، وفي سنة 2018م كان قرار البرلمان منفردًا دون استشارة المجلس الأعلى للدولة، بحسب نصِّ المادة 15 من الاتفاق السياسي، والتي نصَّت صراحة على أن المناصب السيادية يتم التشاور فيها بين مجلسي النواب والدولة وهذا ما لم يحصل.

الأطراف المعنية بالأزمة:

محافظ مصرف ليبيا المركزي المقال:

محافظ مصرف ليبيا المركزي المقال “الصديق الكبير”

وفي تصريحه لرويترز مؤخرًا – قال المحافظ -: المصرف المركزي لايزال معزولًا عن النظام المالي والدولي منذ أسابيع مما أدى إلى خفض إنتاج النفط

 

يرى محافظ ليبيا المركزي “الصديق الكبير” أنه المحافظ الشرعي طبقًا لأحكام القانون، فقد قام البرلمان الليبي بالتصويت في يوم 20 أغسطس2024م بسحب قرار رقم (3) بشأن تعيين محافظ لمصرف ليبيا المركزي جديد “محمد الشكري” وإبقاء المحافظ الحالي “الصديق الكبير” ونائبه في منصبهما وفتح باب الترشح لمجلس إدارة المصرف، وأن القرار الصادر عن المجلس الرئاسي مخالف للتشريعات النافذة.

وفي تصريحه لرويترز مؤخرًا – قال المحافظ -: المصرف المركزي لايزال معزولًا عن النظام المالي والدولي منذ أسابيع مما أدى إلى خفض إنتاج النفط، كما أن البنوك الأجنبية لا تتعامل مع مجلس إدارة المركزي الذي تم تعيينه من قبل المجلس الرئاسي، بالرغم من تمكُّنه من السيطرة على أنظمة المعاملات الداخلية في ليبيا، بما في ذلك دفع الرواتب، أما البنوك العالمية التي نتعامل معها، وهي أكثر من 30 مؤسسة دولية كبرى، علقت كل المعاملات، بما في ذلك صندوق النقد الدولي ووزارة الخزانة الأميركية.

لقد تم تعليق جميع الأعمال على المستوى الدولي، وبالتالي لا يوجد إمكانية للوصول إلى الأرصدة أو الودائع خارج ليبيا، في الوقت الذي يصرُّ مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة على تطبيق القوانين النافذة والاتفاق السياسي وهذا يعني ضمنًا العودة الحتمية للوالي!

المجلس الرئاسي:

“محمد المنفي” رئيس المجلس الرئاسي

             يرى المجلس الرئاسي أن سبب إقالة المحافظ يكمن في كل من الآتي:

  • أنه أعلى سلطة رئاسية في الدولة، وهو من يملك صلاحية التدخُّل وإصدار مثل هذه القرارات التي تحفظ المصالح الوطنية العليا.
  • تصرُّف المحافظ في مبالغ مالية موجودة كوديعة في إحدى البلدان – تركيا -، دون توفُّر غطاء قانوني لهذا التصرف.
  • أنه بقراره لم يُنشئ قرارًا جديدًا، وإنما هو تفعيل لقرار سابق لمجلس النواب برقم (3) لسنة 2018م.

مجلس النواب الليبي:

“عقيلة صالح” رئيس مجلس النواب الليبي

ردَّ مجلس النواب على قرار المجلس الرئاسي بعد يوم من إصدار الأخير قراره بإقالة محافظ مصرف ليبيا المركزي في صبيحة يوم الثلاثاء 13 اغسطس 2024م؛ حيث صرح المتحدِّث الرسمي باسم مجلس النواب السيد “عبد الله بليحق” أن مجلس النواب صوَّت في جلسته الرسمية اليوم بالإجماع على إنهاء ولاية السلطة التنفيذية التي جاءت بالمرحلة التمهيدية، واعتبار حكومة السيد “أسامة حماد” هي الحكومة الشرعية حتى اختيار حكومة موحَّدة، واعتبار القائد الأعلى للجيش هو السيد رئيس مجلس النواب، كما جاء بالإعلان الدستوري وقرار مجلس النواب بالخصوص، وعُلقت الجلسة إلى الإثنين القادم. ثم توالت التصريحات والبيانات في شكل رفض قاطع لقرار المجلس الرئاسي، والاحتفاظ بحقِّ تعيين وإقالة محافظ المصرف المركزي.

المجلس الأعلى للدولة:

 

“خالد المشري” رئيس المجلس الأعلى للدولة

 

استنكر المجلس الأعلى للدولة في بيان له بشأن تعدِّي المجلس الرئاسي على اختصاصات الجهات التشريعية، مؤكدًا على المبادئ الحاكمة الواردة في الاتفاق السياسي الليبي، التي تنصُّ على: الالتزام بمبدأ الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية. والالتزام الكامل بقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة بالشأن الليبي، وعلى رأسها القرار رقم (2259)، وما تبعه من قرارات.

واستنادًا إلى الفقرة الثانية من المادة (60) من الاتفاق السياسي الليبي والتي تنصُّ على تلتزم كافة الأطراف باحترام المؤسسات المنبثقة عن هذا الاتفاق، وتتعهد بدعمها وعدم المساس باستقلاليتها والصلاحيات الممنوحة لها.

وإلى المادة (15) من الاتفاق السياسي الليبي التي تنصُّ على أن صلاحية البتِّ في المناصب القيادية للوظائف السيادية، والتي من بينها محافظ مصرف ليبيا المركزي، من حيث الإعفاء والتعيين يكون بالتوافق بين المجلسين (النواب والأعلى للدولة، ولا علاقة للمجلس الرئاسي بها.

وهو ما قضت به التشريعات النافذة كما في القانون رقم (1) لسنة 2005م، الذي نصَّ في مادته الثانية على تبعية المصرف المركزي للسلطة التشريعية.

وبالإشارة إلى رفض المجلس الأعلى للدولة للقرار رقم (3) لسنة 2018م، الصادر عن مجلس النواب لمخالفته للمادة (15) من الاتفاق السياسي الليبي، حيث لم يكن هناك توافق بين المجلسين لتعيين محافظ المصرف ليبيا المركزي، وكذلك رفضته في حينه بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لذات السبب. وتذكيرًا بأحكام المادة (2) من مخرجات ملتقى الحوار السياسي الليبي، والتي نصَّت على اختصاصات المجلس الرئاسي في الشؤون التنفيذية، ومنحت له – بشكل حصري – تعيين وإقالة شاغلي المناصب التالية:

  • رئيس جهاز المخابرات العامة ما لم يعترض مجلس النواب على التعيين.
  • رئيس وأعضاء المفوضية العليا للمصالحة.
  • رؤساء الأجهزة التابعة لرئاسة الدولة وفق التشريعات النافذة.

وقد أكد المجلس الأعلى للدولة في بيانه على أن ما تم نشره في صفحة المجلس الرئاسي الرسمية من إصدار قرار بشأن تعيين محافظ المصرف ليبيا المركزي هو إجراء منعدم، لا قيمة له، ولا يُعتدُّ به وذلك وفقًا لأحكام الإعلان الدستوري والاتفاق السياسي الليبي والتفاهمات السياسية بين المجلسين (أبوزنيقة) وقرارات مجلس الأمن.

كما أكد على استمرار تكليف السيد “الصديق الكبير” محافظًا لمصرف ليبيا المركزي إلى حين البتِّ في المناصب السيادية، وفقًا لأحكام المادة (15) من الاتفاق السياسي الليبي.

حكومة الوحدة الوطنية:

لم يصدر عن حكومة الوحدة الوطنية أي تصريح أو بيان بالخصوص

 

الحكومة الليبية:

لم يصدر عنها أي بيان في بداية الحدث غير بيان تابع لوزارة داخليتها الصادر بتاريخ 25/08/2024م، والذي أدان فيه اقتحام المصرف المركزي من قبل المجلس الجديد وبعض حالات الخطف التي طالت بعض موظفي المصرف، وبتاريخ 26/08/2024م، صدر عنها بيان رقم (15) لسنة 2024م مصور لرئيس الحكومة بشأن الاعتداءات المتكررة على مصرف ليبيا المركزي، وإعلان حالة القوة القاهرة على جميع الحقول والموانئ النفطية.

حفتر:

في يوم الإثنين بتاريخ 26/08/2024م، اجتمعت “ستيفاني خوري” القائم بأعمال بعثة الأمم المتحدة مع حفتر؛ حيث جرى خلال الاجتماع التباحث حول آخر التطورات والمُستجدَّات السياسية على الساحة الليبية، كما نوقشت أزمة مصرف ليبيا المركزي وتداعياتها الاقتصادية والأمنية والسياسية.

وقد أكد حفتر فيها على عدم السماح بالمساس بمؤسسة مصرف ليبيا المركزي، وإلى ضرورة احترام الجهات الشرعية والدستورية المخوَّلة بالنظر في المناصب السيادية، ومن بينها منصب محافظ مصرف ليبيا المركزي، وذلك وفقًا لمخرجات الاتفاق السياسي، الذي ترعاه بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، وعن رفضه للإجراءات غير القانونية التي قامت بها أطراف سياسية فاقدة للشرعية، ولا تملك أي صلاحيات بالخصوص، محملًا إيَّاها المسؤولية الكاملة عن الأزمات التي يعاني منها الشعب الليبي بسبب تلك القرارات.

“سيتفاني خوري” أكدت لحفتر التزام بعثة الأمم المتحدة بدعم جهود التوصل إلى حلول تحافظ على مكانة مصرف ليبيا المركزي ومركزه الائتماني الدولي، كما على ضرورة توافق مجلسي النواب والدولة حول منصب محافظ ليبيا المركزي، وأن البعثة ستبذل جهودها لتحقيق هذا التوافق.

رأي دار الإفتاء الليبية:

لم يكن لدار الإفتاء أي تصريح أو موقف واضح مع بداية الأزمة حتى تاريخ 04/09/2024م حيث استنكر مفتي عام ليبيا فضيلة الشيخ/الصادق بن عبد الرحمن الغرياني خلال برنامج الإسلام والحياة تدخلات البعثة الأممية التي انتقت من عندها شخصين من مجلسي الدولة والنواب دون تخويل من المجلسين، وأعلنت بهما اتفاقًا يتم من خلاله تعيين محافظ للمصرف المركزي، لأجل منع قرارات المجلس الرئاسي، واعتبر أن مثل هذه التدخلات في الشؤون الداخلية من المبعوثة الأممية والسفراء يُطردون بها من البلد؛ لأنها لا تتفق مع طبيعة العمل والمهام المسندة إليهم بمقتضى وظائفهم.

“لقد دعمت مصر والإمارات العربية المتحدة حفتر جزئيًا بسبب أيديولوجيته المناهضة للإسلاميين، التي تعارض اعتماد حكومة طرابلس على الميليشيات المرتبطة بحركة الإخوان المسلمين”، كما أشار لهذا مركز صوفان (Soufan Center)، وهو مؤسسة بحثية مستقلة للأمن العالمي

 

كما صرح المفتي بدعمه لقرار المجلس الرئاسي الأخير المتعلق بالمركزي. كما ذكر المفتي أنه قد قدم النصح لمحافظ مصرف ليبيا المركزي كثيرًا؛ لوقف القرارات الظالمة على الشعب من ارتفاع الأسعار وانعدام السيولة وفرض ضريبة النقد الأجنبي، فكل هذه السياسات النقدية الفاشلة أضرار وظلمات بعضها فوق بعض، ولذا كان لزامًا تغيير محافظ مصرف ليبيا المركزي لهذه الأسباب وغيرها.

تفاعلات إقليمية ودولية مع الأزمة:

منذ اندلاع أزمة البنك المركزي في أغسطس ٢٠٢٤م، زار ليبيا عدد من كبار المسؤولين الإقليميين، بما في ذلك رئيس المخابرات التركية. هددت هذه التوترات التقارب الوليد بين مصر وتركيا، اللتين تجدان نفسيهما على طرفي نقيض من حالة الانقسام الليبي.

“لقد دعمت مصر والإمارات العربية المتحدة حفتر جزئيًا بسبب أيديولوجيته المناهضة للإسلاميين، التي تعارض اعتماد حكومة طرابلس على الميليشيات المرتبطة بحركة الإخوان المسلمين”، كما أشار لهذا مركز صوفان (Soufan Center)، وهو مؤسسة بحثية مستقلة للأمن العالمي، في مذكرة بحثية ويضيف: “على النقيض من ذلك، انخرطت تركيا في تحركات إقليمية تنظر إلى حفتر كشخصية يمينية مكرسة للحدِّ من نفوذ أنقرة الإقليمي.

من جانبها، ترى روسيا سيطرة حفتر على معظم حقول النفط الليبية كأداة في المنافسة العالمية لموسكو مع الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين، الذين يدعمون جميعًا أوكرانيا”.

والعجيب أن مصر والإمارات في تحالفهما الوثيق في ليبيا، يقفان أيضًا على النقيض من تدخلات حفتر وقواته في السودان لصالح قوات الدعم السريع، مما يزيد المشهد الإقليمي تعقيدًا!

 

بعثة الأمم المتحدة:

 

لم تغب البعثة الأممية برئاسة “ستيفاني خوري” عن متابعة الأزمة؛ ففي اليوم الثاني لإصدار المجلس الرئاسي قراره صرحت البعثة الأممية ببيان لها مستنكرة فيه قرار المجلس الرئاسي، والذي جاء فيه: ‏”تتابع البعثة بقلق الإجراءات الأحادية الأخيرة من جانب أطراف ومؤسسات ليبية سياسية وفاعلة في شرق البلاد وغربها وجنوبها. ففي ظل المناخ القائم، تفضي هذه الأفعال الأحادية إلى تصعيد التوتر وتقويض الثقة والإمعان في الانقسام المؤسسي والفرقة بين الليبيين. الآن أكثر من أي وقت مضى، تبرز ضرورة التوافق والحوار ووحدة الصفِّ الليبي. وتُذكِّر البعثة جميع القيادات السياسية والمؤسسات المختلفة بالتزاماتهم بموجب الاتفاق السياسي الليبي وتعديلاته على نحو يتسق مع جميع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وبالأخص القرار 2702(2023).

وفي نفس اليوم من صدور هذا البيان التقت “ستيفاني خوري” رئيس الحكومة الوطنية “عبد الحميد الدبيبة” لمناقشة آخر التطورات الأمنية والسياسية في ليبيا، مشدِّدة على ضرورة تضافر الجهود للحفاظ على الاستقرار، والدفع بالعملية السياسية قُدمًا، ورسم مسار واضح ومتوافق عليه نحو الانتخابات الوطنية في ظل حكومة موحدة.

وفي ذات اليوم اجتمعت مع رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط “فرحات بن قدارة” لمناقشة الوضع الحرج الذي يمرُّ به قطاع النفط في ظل إعلان حالة القوة القاهرة، وسبل الحفاظ على استقلال المؤسسة ووحدتها، وحث جميع الأطراف على دعم جهود المؤسسة لتحقيق الاستقرار وزيادة الإنتاج.

وفي يوم الأحد بتاريخ 18/08/2024م عقدت “ستيفاني خوري” اجتماعًا مع أعضاء المجتمع الدبلوماسي في ليبيا ضمَّ السفراء ورؤساء البعثات والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى ليبيا، وخُصِّص اللقاء لمناقشة آخر التطورات في البلاد، شدَّدت فيه خوري على أهمية الوحدة والتعاون، وشدَّدت على ضرورة قيام جميع الأطراف الليبية بوقف التصعيد، والامتناع عن أي عمل أحادي الجانب، وحماية اتفاق وقف إطلاق النار، والانخراط في حوار بناء. كما أكدت فيه على التزام بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بقيادة جهود منع الصراع وتيسير عملية سياسية شاملة بقيادة ليبية، بهدف إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، في ظلِّ حكومة توافقية موحَّدة.

وفي اليوم الذي يليه 19/08/2024م ناقشت “ستيفاني خوري” مع محافظ مصرف ليبيا المركزي “الصديق الكبير” آخر التطورات المتعلقة بالمصرف، وأكدت أن الإجراءات أحادية الجانب قد يكون لها تأثير خطير محتمل على مكانة ليبيا في النظام المالي العالمي، مع عواقب سلبية، ‏كما شدَّدت على ضرورة اتخاذ خطوات لاستعادة الثقة في المصرف المركزي وخاصة المساءلة المالية والشفافية وتنفيذ توصيات المراجعة كتعيين مجلس إدارة.

وأنها مع دعم الجهود الرامية إلى تحقيق حلِّ سلمي يصون سُبُل عيش الليبيين ويضمن آلية متَّفق عليها لتوفير الشفافية في الميزانية والمساءلة بشأن توزيع أموال الدولة.

في 26 أغسطس أصدرت البعثة الأممية بيانها حول أزمة مصرف ليبيا المركزي والذي جاء فيه:

تعرب بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن عميق أسفها لما آلت إليها الأوضاع في ليبيا، جرَّاء القرارات أحادية الجانب، وتعتبر أن الإصرار على هذه القرارات أو مواصلة اتخاذ المزيد منها ستكون له كُلفة باهظة على الشعب الليبي، وسيُعرِّض البلاد لخطر الانهيار المالي والاقتصادي

. وانطلاقًا مما تضمنته ولايتها المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن رقم 2702 لسنة 2023م، وخاصة فيما يتعلق بمنع النزاعات، تعتزم البعثة عقد اجتماع طارئ تحضره الأطراف المعنية بأزمة مصرف ليبيا المركزي، للتوصُّل إلى توافق يستند إلى الاتفاقات السياسية والقوانين السارية، وعلى مبدأ استقلالية المصرف المركزي وضمان استمرارية الخدمة العامة.

بالإضافة إلى ذلك، تدعو البعثة إلى الخطوات الملحة التالية:

–  تعليق العمل بكلِّ القرارات الأحادية المتعلِّقة بمصرف ليبيا المركزي، – الرفع الفوري للقوة القاهرة عن حقول النفط والكف عن إقحام مصدر الدخل الرئيسي للبلاد في الصراعات السياسية.

–  وقف التصعيد والإحجام عن استعمال القوة لتحقيق مآرب سياسية أو منافع فئوية.

–  ضمان سلامة موظفي المصرف المركزي، وحمايتهم من التهديد والاعتقال التعسفي.

وتشدد البعثة على أن حلَّ هذه الأزمة المستجدَّة يُعتبر ضرورة مُلحَّة لتهيئة الظروف المواتية لعملية سياسية شاملة، برعاية الأمم المتحدة ودعم المجتمع الدولي، يكون الهدف منها وضع ليبيا مجدَّدًا على سكة الانتخابات الوطنية، من خلال التوافق على حكومة موحدة، لإنهاء أزمة تآكل شرعية المؤسسات وانقسامها.

وفي تاريخ 02/سبتمبر/2024م ومن خلال إطار جهودها لحلِّ أزمة مصرف ليبيا المركزي، استضافت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في مقرِّها بطرابلس، محادثات منفصلة بين ممثلين عن مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة من جهة، وعن المجلس الرئاسي من جهة أخرى. وتميزت المشاورات التي استمرت من الصباح إلى ساعة متأخرة بالصراحة، حيث حقَّق المشاركون تفاهمات مهمة بشأن سبل حل الأزمة المحيطة بالمصرف المركزي، وإعادة ثقة الليبيين والشركاء الدوليين في هذه المؤسسة الحيوية.

واتفق ممثلا مجلسي النواب والأعلى للدولة في نهاية الجلسة على رفع ما توافقا عليه إلى المجلسين للتشاور، على أن يتم استكمال المشاورات يوم غد بهدف التوقيع النهائي على الاتفاق.

وفي تطور لافت لعمل بعثة الأمم المتحدة، وصلت طرابلس “روزماري ديكارلو” وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة في زيارة لمدة ثلاثة أيام، لعقد اجتماعات مكثفة مع الأطراف المعنية للأزمة؛ ففي اليوم الأول من زيارتها إلى ‎ليبيا، التقت برئيس المجلس الرئاسي ونائبيه ورئيس الوزراء والقائم بأعمال وزير الخارجية.

وفي اليوم الثالث والأخير التقت برئيس المفوضية الوطنية العليا وأعضاء مجلس المفوضية ورؤساء اللجان في المجلس الأعلى للدولة وممثلين عن تجمعات الأحزاب السياسية، وذلك لتسليط الضوء على الحاجة إلى إنهاء أزمة مصرف ليبيا المركزي، وعلى ضرورة إيجاد توافق شامل يقود إلى حل سياسي، ويخفض من حدة للتوترات الأخيرة، ويعيد بناء الثقة اللازمة؛ لإعادة إطلاق العملية السياسية، مؤكدة في حديثها على إن الانتخابات ذات المصداقية والشاملة والآمنة هي السبيل الوحيد لكسر الجمود السياسي، وإنهاء دورة الترتيبات الانتقالية، ووضع البلاد بثبات على مسار الوحدة والسلام والمصالحة الوطنية، ودعم عملية سياسية شاملة بقيادة ليبية، وتسيير من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، لمساعدة الليبيين في حل أزمتهم.

“روزماري ديكارلو” وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة

الاتحاد الأوروبي:

أصدرت بعثة الاتحاد الأوروبي بيانًا بجانب البعثات الدبلوماسية للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا، عبَّرت فيه عن قلقها العميق إزاء الإجراءات الأُحادية الجانب التي اتخذتها مؤخرًا جهات فاعلة ومؤسسات سياسية ليبية في أنحاء البلاد، وقالت إن هذه الإجراءات تزيد من حدة التوترات القائمة، وتُعمِّق الانقسامات المؤسسية، وتعرقل التقدُّم نحو المصالحة الوطنية، في هذا الوقت الحرج، وحثَّت جميع الأطراف الليبية المعنية على تغليب مصالح ليبيا ومواطنيها على الأجندات الفردية أو الفئوية طبقًا للاتفاق السياسي الليبي وتعديلاته وقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ذات الصلة.

معتبرة أن هذا الوقت يقتضي الحوار والتسوية والتهدئة، كما أن الاتحاد الأوروبي يؤكد مجددًا دعمه الثابت لجهود الأمم المتحدة الرامية إلى تيسير عملية سياسية شاملة بقيادة ليبية، كما أكد البيان دعوته لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إلى الشروع في عملية تصون سيادة ليبيا ووحدتها واستقرارها، معيدةً الشرعية إلى مؤسساتها عبر إجراء انتخابات وطنية.

الولايات المتحدة الأمريكية:

المبعوث الخاص السفير ريتشارد نورلاند
المبعوث الخاص السفير ريتشارد نورلاند

في يوم 12 من أغسطس اجتماع السفير نورلاند صباحًا مع المحافظ “الصديق الكبير”، وذلك قبل صدور قرار إقالة الأخير لمناقشة التحركَّات المقلقة للجماعات المسلحة حول مقرِّ المصرف، واعتبر ظهور مجموعة جديدة من المواجهات بين الجماعات المسلحة في الأيام الأخيرة يبرز المخاطر المستمرة الناتجة عن الجمود السياسي في ليبيا، والتهديدات لأمن موظفي المصرف المركزي وعملياته غير مقبولة.

كما أكد على ضرورة حماية نزاهة مصرف ليبيا المركزي، مثلها مثل المؤسسات السيادية الأخرى في ليبيا، معتبرًا أنه في مثل هذه الحالة قد تؤدي محاولة استبدال قيادة المصرف بالقوة إلى فقدان ليبيا الوصول إلى الأسواق المالية الدولية، وأما النزاعات حول توزيع ثروات ليبيا فيجب أن تُحل من خلال مفاوضات شفافة وشاملة نحو تحقيق ميزانية موحدة تعتمد على التوافق.

عقد السفير نورلاند عدة اجتماعات بعد ذلك مع كل من وزير الخارجية الليبي وسفيرة الاتحاد الإفريقي، كما عقد القائم بالأعمال برنت اجتماعًا مع رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في 18 من أغسطس لمناقشة سبل تعزيز الدعم الفني الذي تقدِّمه الولايات المتحدة للمفوضية.

في 20 من أغسطس اجتمع القائم بالأعمال “برنت” “بستيفاني خوري” بطرابلس على خلفية أزمة مصرف ليبيا المركزي مؤكدًا دعم الولايات المتحدة بالكامل لدور بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ‎ في تعزيز الحوار الشامل بين جميع الأطراف الليبية، وهو أمر أكثر أهمية من أي وقت مضى في ظل التوترات الأخيرة.

ومع استعداد الأطراف لاستئناف محادثاتهم بوساطة بعثة الأمم المتحدة، حث السفراء الثلاث على الإسراع في التوصُّل إلى التنازلات الضرورية لبدء استعادة نزاهة واستقرار المصرف المركزي ومكانته لدى المجتمع المالي الدولي.

 

وفي ذات اليوم اجتماع “برنت” بوزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء ووزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية بحكومة الوحدة الوطنية حيث ناقشا أهمية تجاوز الانقسامات بين الليبيين، وتقليل التوترات، وبناء التوافق؛ لتعزيز استقرار ليبيا بدعم من بعثة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي.

في 27 من أغسطس التقى قائد القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا الجنرال “لانغلي” والقائم بالأعمال “برنت” بحفتر في بنغازي لمناقشة التزام الولايات المتحدة بتعزيز شراكتها مع الليبيين من جميع أنحاء البلاد، بالإضافة إلى دعمها للجهود الليبية الرامية إلى حماية سيادة ليبيا، في ظل التحديات الأمنية الإقليمية. كما شدَّدا على أهمية الحفاظ على استقرار ليبيا ‎وخفض التصعيد في ظل التوترات الحالية، كما تحثُّ الولايات المتحدة جميع الأطراف الليبية على المشاركة بشكل بنَّاء في حوار بدعم من البعثة الأممية والمجتمع الدولي.

وفي 29 من أغسطس التقى قائد القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا الجنرال “لانغلي” والقائم بالأعمال “برنت” في طرابلس بكلٍّ من رئيس حكومة الوحدة الوطنية ورئيس المجلس الرئاسي ورئيس الأركان العامة؛ لإيصال نفس الرسالة التي تم إيصالها إلى حفتر، ثم ختمت الزيارة بزيارة المقبرة الأمريكية في طرابلس.

في 8 من أكتوبر وعقب المشاورات التي جرت في تونس، أعربت سفارة كلٌّ من فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة عن دعم مجموعة الثلاث (P3) الكامل، للجهود التي تبذلها القائمة بأعمال رئيس بعثة ‎الأمم المتحدة ستيفاني خوري، لجمع الأطراف الليبية لحل أزمة مصرف ليبيا المركزي المستمرة، فاستقرار ليبيا الاقتصادي والمالي على المحك.

ومع استعداد الأطراف لاستئناف محادثاتهم بوساطة بعثة الأمم المتحدة، حث السفراء الثلاث على الإسراع في التوصُّل إلى التنازلات الضرورية لبدء استعادة نزاهة واستقرار المصرف المركزي ومكانته لدى المجتمع المالي الدولي.

كما شجعوا جميع الأطراف على العمل للتوصُّل إلى اتفاقيات طويلة الأمد بشأن توزيع عائدات النفط الليبي لصالح جميع مواطني ليبيا، وفي هذه اللحظة الحرجة من الضروري أن تتجنب جميع الأطراف اتخاذ المزيد من الإجراءات الأحادية التي قد تقوض استقرار ليبيا، وأن يتخذ بدلًا من ذلك خطوات جادة لتهدئة الأوضاع.

المملكة المتحدة:

في 29 من أغسطس استضافت سفارة المملكة المتحدة لقاءً ضمَّ كلًّا من ستيفاني خوري وسفير الاتحاد الأوربي وسفراء الدول الأوربية، للتأكيد على الدعم الدولي للجهود المبذولة لتهدئة التوترات وتشجيع حل سياسي للأزمة.

في 1 من سبتمبر أصدر ‏وزير شؤون الشرق الأوسط في المملكة المتحدة بيانًا عبَّر فيه عن أن هناك مخاوف متزايدة بشأن أزمة البنك المركزي الليبي، بما في ذلك من المؤسسات المالية العالمية، وأن الإجراءات الأخيرة تُعقِّد بشدة علاقات ليبيا مع البنوك الدولية، وحثَّ الجهات الفاعلة الليبية على العمل بجدية مع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا للاتفاق بسرعة على عملية سياسية لضمان قيادة فعالة وشفافة في البنك المركزي.

في 8 من سبتمبر انضمَّت المملكة المتحدة لبيان سفراء مجموعة الثلاث(P3)، مع إبداء الدعم الكامل للجهود التي تبذلها القائمة بأعمال رئيس بعثة ‎الأمم المتحدة ستيفاني خوري لجمع الأطراف الليبية لحل أزمة مصرف ليبيا المركزي.

في 12 من سبتمبر التقى سفير المملكة المتحدة برئيس حكومة الوحدة الوطنية لمناقشة آخر التطورات في ليبيا وتأكيد استمرار دعم المملكة المتحدة لتوافق سياسي لحل ما وصفه بالتحديات الصعبة.

تركيا:

زار رئيس المخابرات التركية “إبراهيم قالن” ونائبه “جمال الدين تشاليك” الخميس 5 سبتمبر طرابلس للقاء كل من رئيس الوزراء بحضور وكيل وزارة الدفاع “عبد السلام زوبي” وآمر الاستخبارات العسكرية “محمود حمزة” ووزير الدولة “عادل جمعة” ومستشار الرئيس “إبراهيم الدبيبة”، كما التقى نائبي رئيس المجلس الرئاسي ورئيس المجلس الأعلى للدولة، وتحدث عن ضرورة حل أزمة المصرف المركزي بشكل سلمي وسلس عبر عودة “الصديق الكبير” إلى منصبه بشكل مؤقَّت.

“قولن” حذر الدبيبة والرئاسي من استخدام القوة العسكرية في حال عودة الصديق الكبير وأن المجتمع الدولي سيتعامل مع المشري كرئيس للمجلس الأعلى.

في 6 من سبتمبر التقى المبعوث الخاص السفير نورلاند في أنقرة مع نائب وزير الخارجية التركي دوران والمديرة العامة أولجن حول كيفية تعاون المجتمع الدولي بأكمله لدعم المفاوضات التي تسهّلها الأمم المتحدة، ليس فقط لمعالجة الأزمة الحالية في ليبيا المتعلقة بالمصرف المركزي، ولكن أيضًا لحل الانقسامات السياسية الكامنة من أجل تأمين مستقبل مستقر وديمقراطي للشعب الليبي.

مصر:

في 11 من أغسطس التقى النائب بالمجلس الرئاسي السيد موسى الكوني وزير الخارجية المصري العربية بدر عبدالعاطي، على هامش مشاركته في مراسم تنصيب الرئيس الرواندي “بول كاجامى”، في العاصمة كيجالي، وأكد وزير الخارجية استمرار دعم بلاده لوحدة واستقرار ليبيا، والعمل مع كل الأطراف لحل الأزمة الليبية، للدفع بالعملية السياسية من أجل الوصول لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ودعم جهود المجلس الرئاسي لمشروع المصالحة الوطنية.

وتناول اللقاء مستجدَّات الأوضاع في ليبيا على مختلف الأصعدة، لاسيما لقاء وزير خارجية مصر مؤخرًا مع نظيره التركي هاكان فيدان، لمناقشة الملف الليبي لخلق توافقات تساهم في تحقيق الاستقرار، هذا وأكد السيد النائب على عمق الروابط الأخوية التي تجمع ليبيا ومصر، مشيدًا بالجهود المصرية البنّاءة والداعمة لاستقرار ليبيا، ودورها المحوري لحلحلة الأزمة الليبية.

لماذا نشأت الأزمة الأخيرة؟ وماذا كانت رهانات الدبيبة؟

يبدو في ظاهر الأمر أن الاضطرابات والتوتر الحالي هو نتيجة للخلاف الذي اندلع في أغسطس، ولكنه في حقيقة الأمر كان قيد الإعداد له منذ فترة وظهرت ملامحه مع مشروع إقرار الميزانية العامة للدولة. فقد أدَّت خطوة إقالة المحافظ ثم اختطاف مسؤولين وموظفين في البنك المركزي، مما دفع محافظ البنك لفترة طويلة، “الصديق الكبير”، إلى الفرار إلى منفى اختياري في تركيا. وتوقف البنك المركزي، الذي يُعدُّ المستودع القانوني الوحيد لثروة ليبيا المولدة من النفط، عن العمل، وأغلقت صادرات النفط بسرعة بقرار من البرلمان.

وقال الصديق الكبير” لاحقًا في إسطنبول إن ليبيا أصبحت معزولة بشكل أساسي عن النظام المالي العالمي.

وقال لرويترز: “لقد أوقفت جميع البنوك الدولية التي نتعامل معها، وأكثر من 30 مؤسسة دولية كبرى، جميع المعاملات. وتم تعليق جميع الأعمال على المستوى الدولي. وبالتالي، لا يوجد وصول إلى الأرصدة أو الودائع خارج ليبيا”.

كتب الباحث في الشؤون الليبية ولفرام لاشر (Wolfram Lacher) في مقال مطول لمجلة نيو لاينز، مشيرًا إلى مجموعة متزايدة من الأدلة بشأن نهب الدولة الذي قام به كلا الطرفين، ولكن بشكل خاص حفتر، مما جعل التوترات الأعمق تظهر وتطفو على السطح

في الأساس، يدور النزاع حول مخطَّطات سماسرة السلطة المتنافسين على عائدات النفط في دولة تمتلك أكبر احتياطيات نفطية في أفريقيا. إن فصيل دبيبة على خلاف مع فصيل خليفة حفتر، الذي يتمتَّع بنفوذ كبير في شرق ليبيا وأقام علاقات عميقة مع قوى أجنبية مثل روسيا والإمارات العربية المتحدة ومصر.

في نهاية الحرب الأهلية المدمرة في البلاد، حاول حفتر شن هجوم للاستيلاء على طرابلس، لكنه فشل في النهاية عندما سارعت تركيا إلى تقديم المساعدات العسكرية والدعم للحكومة في طرابلس. وقد استقر وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه عدة دول في عام 2020م في سلام غير مستقر، حيث يخوض دبيبة وحفتر معاركهما بشكل غير مباشر، من خلال وسائل أخرى غير عسكرية – في الوقت الحالي.

وأيا كانت دواعي الدبيبة لقراره عزل محافظ البنك المركزي، فلا شك أنها كانت خطوة سياسية غير محسوبة، وأثارت أجواء وعواصف من التوتر الذي قد تصعب السيطرة عليه في الوقت القريب.

الفساد هو الفيل الذي لا يراه أحد في الغرفة!

كتب الباحث في الشؤون الليبية ولفرام لاشر (Wolfram Lacher) في مقال مطول لمجلة نيو لاينز، مشيرًا إلى مجموعة متزايدة من الأدلة بشأن نهب الدولة الذي قام به كلا الطرفين، ولكن بشكل خاص حفتر، مما جعل التوترات الأعمق تظهر وتطفو على السطح، وقال: “في غضون ذلك، يهدد تحسُّن وصول حفتر إلى الأموال بشكل كبير بزعزعة استقرار توازن القوى. أخبر صدام [ابن خليفة حفتر] المقربين أنه يسعى إلى تحويل الفصائل الليبية الغربية ضد بعضها البعض وشراء دعم قادة الميليشيات المختارين – وهي مهمة أصبحت أسهل بسبب الأموال التي لديه الآن وتحت تصرفه. وقد أبلغ والده دبلوماسيين غربيين صراحة أنه ينوي القيام بمحاولة أخرى للاستيلاء على طرابلس”.

في الأشهر الأخيرة التي سبقت عاصفة البنك المركزي، كانت الدراما الكبيرة التي تجتاح البلاد أكثر غموضًا، وتشكَّلت من خلال الصفقات خلف الكواليس، والتحويلات في السوق السوداء والتهريب غير المشروع، مما أوقع كثيرًا من النخب السياسية في مستنقع فساد محفوف بالمخاطر.

إن البنك المركزي الليبي يعتبر الجائزة الأكثر قيمة وأكبر نقطة ضغط على الطبقة السياسية التي أفسدت كل المحاولات السابقة لإحراز تقدم في عملية الانتقال في ليبيا بعنادها وأنانيتها وفسادها وضيق أفقها.

التداعيات المتوقعة، وهل تنجر البلاد لحرب ثالثة؟

لقد أدت الأزمة حول السيطرة على البنك المركزي الليبي إلى شلِّ الاقتصاد، وأثارت مخاوف جديدة من الصراع. وانخفضت صادرات النفط بشكل حادٍّ في الأسابيع الأخيرة، في حين يواجه الليبيون العاديون طوابير طويلة في محطات الوقود، وقيودًا على قدرتهم على سحب ودائعهم من البنوك وانهيار شبكة الكهرباء.

لقد مثَّلت محاولة الاستيلاء على البنك جهدًا من جانب طرابلس لتنفيذ استبدالها المعلن لمحافظ البنك المركزي “الصديق الكبير”، حليف حفتر، بزعم أنه أساء التعامل مع عائدات النفط في البلاد، ثم أعلنت طرابلس أنها فعلت قرار البرلمان بتعيين محمد الشكري محافظًا للبنك. ومع ذلك، رفض الكبير، محافظ المؤسسة منذ أواخر عام 2011م، وبدعم من حفتر، التنحي، ورفض مرشح طرابلس شكري عرض الوظيفة، رافضًا “أي سفك دماء بين الليبيين نيابة عنه”.

وبعد فشلها في السيطرة على البنك سلميًّا، عكست غارة حكومة طرابلس على مكاتب البنك محاولاتها لاستخدام قدر متواضع من القوة للسيطرة على المؤسسة ومواردها المالية. وقد أدت المحاولات المتنافسة للسيطرة على البنك المركزي إلى حشد الميليشيات على الجانبين، رغم أنه لم يظهر أن أي اشتباكات مسلحة وشيكة يمكن أن تندلع.

إن الجغرافيا السياسية المتشابكة تخفي إحباط العديد من الليبيين، الذين يريدون درجة من الاستقرار السياسي. فمن السهل أن نلاحظ في نبض الشارع الليبي على منصات التواصل الاجتماعي، رغبة شعبية في إيجاد حكومة واحدة، وإجراء انتخابات، ولكن أصحاب النفوذ في البلاد غير مهتمين بمثل هذه المطالب الشعبية.

كتب طارق المجريسي من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: “قد يكون الدبلوماسيون مشغولين بمنع الحروب الأخرى في أوكرانيا وغزة من التحول إلى صراعات إقليمية وحشية. ولكن إذا كانوا مشغولين للغاية بحيث لا يغتنمون هذه الفرصة القصيرة، فقد ينتهي بهم الأمر إلى حرب ثالثة قبل فترة طويلة”.

وعلى الرغم من عدم ادعاء أي فصيل ليبي أنه يسعى عمدًا إلى الإضرار بالتجارة العالمية أو الاقتصاد العالمي، كما فعل الحوثيون في اليمن من خلال هجماتهم في البحر الأحمر، فإن تصعيد الأزمة السياسية في ليبيا أدخل مع ذلك مخاطر اقتصادية عالمية جديدة. ففي 28 أغسطس الماضي، سعى حلفاء حفتر في شرق ليبيا إلى إيقاف إنتاج النفط في البلاد بالكامل حتى تراجعت طرابلس عن محاولتها استبدال محافظ البنك المركزي.

تنتج ليبيا حوالي 1.2 مليون برميل من النفط الخام يوميًّا، وتسبَّبت مطالب حفتر في خفض الإنتاج بنحو 500 ألف برميل يوميًا – بالإضافة إلى 300 ألف برميل يوميًا من الإنتاج المتوقف في وقت سابق بسبب النزاع.

وقال مهندسو النفط: إن حقل السرير الليبي أوقف إنتاجه البالغ 209 آلاف برميل يوميًّا تقريبًا نتيجة للتهديدات. ومع ذلك، أشارت بعض الروايات إلى أن تعطيل الإنتاج كان إما أقل شمولًا مما كان يُخشى، أو مؤقتًا، وأن أسعار النفط العالمية تخلَّصت إلى حد كبير من أزمة ليبيا. ولقد ساعد في منع الأسعار من الارتفاع المستمر قوى السوق التي تتوقع تباطؤ الاقتصاد العالمي.

وقد قدر الخبراء أنه لو كانت سوق النفط العالمية تمر بفترة من القيود الأكبر على العرض، فإن الاضطرابات في ليبيا ربما كانت لتخلف تأثيرًا أكثر أهمية على الأسعار.

وتكهن البعض بأن موسكو حثت حليفها حفتر عمدًا على اتخاذ إجراءات لرفع أسعار الطاقة العالمية، في محاولة لإلحاق الضرر بالغرب اقتصاديًّا ردًّا على دعمه لأوكرانيا. وسواء كانت روسيا تحرض على الاضطرابات في ليبيا أم لا، فإن تصعيد التوترات في ليبيا أظهر قدرة الجهات الفاعلة غير الحكومية في النزاعات السياسية المستعصية في المنطقة على اتخاذ إجراءات من المحتمل أن تنتج تأثيرًا ضخمًا يتجاوز حدود بلدانها. كما توضح هذه الأزمات المستمرة القيود التي تواجهها العمليات والمنتديات الدبلوماسية القائمة في حل النزاعات الإقليمية.

 

 

السيناريوهات المقترحة:

السيناريو الأول:

عودة المحافظ السابق لسابق عمله لفترة مؤقتة لحين انتخاب محافظ جديد ونائبه، مع تعيين مجلس إدارة له من مجلسي النواب والمجلس الأعلى للدولة.

السيناريو الثاني:

تعيين محافظ جديد مع نائبه ومجلس إدارة له من مجلسي النواب والمجلس الأعلى للدولة.

السيناريو الثالث:

بقاء المجلس الحالي الذي اقتحم البنك المركزي مدة غير محددة نتيجة لعدم اتفاق مجلسي النواب والدولة لحل الأزمة.

السيناريو الثاني هو الأقرب للحدوث للسبب الآتي:

معارضة المجلس الرئاسي ومن ورائه حكومة الوحدة الوطنية لعودة المحافظ المقال لسابق عمله مهما كلفهم الأمر، وسيدفعون بكلِّ أوراقهم التفاوضية لمنع عودة المحافظ المقال لمنصبه.

 التوصيات:

بعد توصل مجلسي النواب والأعلى للدولة إلى اتفاق برعاية بعثة الأمم المتحدة وذلك بتسمية “ناجي عيسى” محافظا للبنك المركزي الليبي و”مرعي البرعصي” نائبا له بشكل مؤقت لحين تعيين محافظ ونائب في الفترة القادمة، أصبح من الضروري تعيين بشكل عاجل مجلس إدارة للبنك تكنوقراط توافقي؛ لإعادة ربط البنك المركزي الليبي بالنظام المالي العالمي في أسرع وقت لحلحلت المشكلات المالية ومعالجة الآثار الاقتصادية الناتجة عن هذه الأزمة، يقتصر على تيسير الإنفاق الأساسي للدولة، مثل الرواتب والواردات الرئيسة، إلى أن تُعقَد انتخابات وطنية جديدة توفر مجلسًا جديدًا يتمتع بالسلطة السياسية، وهو ما من شأنه أن يخفف من حدة المطالبات المحتملة بانتهاك السيادة الليبية.

إن هذا من شأنه أن يجبر الساسة الليبيين على قبول العملية الجديدة. وكلما طال أمد المماطلة، ازداد الضغط الشعبي مع تأثر الاقتصاد سلبا. إن إيقاف المسيرة نحو الحرب وغرس عملية سياسية جديدة له فرصة من النجاح لمواجهة هذا الخطر الماثل والذي لن يفرق بين شرق ليبيا وغربها.

في نفس الوقت ينبغي تسليط الضوء على المخاطر العظيمة التي تهدد ليبيا إذا لم تسارع إلى مخرج سياسي. إن ترسيخ الفاعلين الرئيسين مثل روسيا وتركيا والإمارات العربية المتحدة ومصر في جميع أنحاء ليبيا وجيرانها الجنوبيين … يجعل احتمال نشوب صراع فوضوي ومتداخل ولا يمكن السيطرة عليه أمرًا مخيفًا.

منذ آخر حرب خاضتها ليبيا في عام 2020م، حولت موسكو ليبيا إلى مركز لوجستي لعملياتها في إفريقيا. استولت روسيا على قواعد عسكرية وحولت مساحة ليبيا الشاسعة الخارجة عن القانون إلى وكر تهريب لكسر العقوبات المفروضة بسبب الحرب على أوكرانيا.

إذا دفعت هذه الأزمة ليبيا إلى الحرب، فستكون أكثر فوضوية وعنفًا من سابقتها.

وتشير خطوط الصدع المتناثرة في ليبيا إلى أن هذا سيكون عبارة عن مجموعة من الصراعات المتزامنة في نقاط عديدة وليس حربًا على جبهة واحدة بين طرفين.

العمل على استثمار التصعيد السياسي بين الأطراف المتصارعة لتحريك المياه الراكدة، وإطلاق مسار سياسي شامل، ليس لحل أزمة المركزي فحسب، بل لإنشاء خارطة طريق متكاملة نحو انتخابات برلمانية ورئاسية وإنهاء الأجسام السياسية البالية الحالية، والخروج من هذا المأزق والانسداد السياسي القائم.

إذا لم يحدث ذلك فسيتحلل مفهوم الدولة، ويستمر الانقسام السياسي الحاصل، وتقسّم الموارد بين الأطراف المتصارعة على أساس السيطرة على الأرض، مما يعني مزيدًا من إرهاق لكاهل المواطن وإضعاف للاقتصاد الليبي، ولن تؤدي الحلول التلفيقية إلى استقرار حقيقي بل إلى بؤر من التوتر والصراعات التي لا يمكن تقدير تكلفتها ومعرفة أمد نهاياتها!

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى