تقدير موقف

مستقبل الأزمة الخليجية ومجلس التعاون الخليجي

في 5 حزيران/يونيو2017، اتخذت ثلاث دول خليجية (السعودية، الإمارات، البحرين)، بالإضافة إلى مصر، قراراتٍ ضد قطر، تشمل قطع العلاقات الدبلوماسية معها، وفرض حصار جوي وبري عليها، في خطوة تصعيدية غير مسبوقة، في تاريخ العلاقات الخليجية- الخليجية، لتبدأ فصول أزمة خليجية/عربية/إقليمية معقّدة.

ورغم الحراك الدبلوماسي الضخم الذي حركته الأزمة على مدار أكثر من شهرين، ورغم كثافة الحرب النفسية والإعلامية والإلكترونية – التي لا تزال تُشن على قطر- في إطار هذه الأزمة، فإنها لم تتطور إلى مستوى العمل العسكري، الذي تم التلويح به مرارا، مما يؤكد أنها أزمة ذات طبيعة مختلفة نسبيا عن أغلب الأزمات التي مرّت بها العلاقات الخليجية البينية، والعربية البينية.

ويبدو كأنّ الخليج العربي بعد هذه الأزمة المفتعلة دخل في مرحلة انتقالية جديدة، تعكس نمطا جديدا من التوازنات الخليجية والإقليمية والدولية، عبر معادلات يُعاد تشكيلها حاليا، من بوابة هذه الأزمة، التي تندرج في سياق جهود محور الثورات العربية المضادة المتحالفة مع الكيان الإسرائيلي، لإعادة التموضع ضمن “النظام الإقليمي الجديد في الشرق الأوسط”.

تحليل الأزمة الخليجية – القطرية: الأسباب المعلنة والدوافع العميقة

في تحليل هذه الأزمة يمكن التمييز بين العامليْن المباشرين اللذين أديا إلى حدوثها، وبين العوامل العميقة – أو غير المباشرة – التي تقف وراءها.

فأما العاملان المباشران، فيتعلق أحدهما بتوظيف نتائج زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسعودية وإسرائيل والضفة الغربية 20 – 23 آيار/مايو 2017 ، التي أكد فيها على التحالفات القديمة لواشنطن، وجدّد رفضه سياسات الحكومات الأمريكية السابقة، التي كانت تتبنى خطاب نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان، لفظيا على الأقل .

ومن ثمّ أعطت هذه الزيارةُ دفعةً قوية لمعارضي التغيير في العالم العربي، وسرّعت من وتيرة “الموجة الثانية للثورة العربية المضادة”، التي حدثت بمجرد مغادرة الرئيس الأمريكي لمنطقة الشرق الأوسط، وكان واضحا أنه أعطى موافقةً ضمنية لاستهداف قطر من قِبل دول الحصار الأربع (السعودية، الإمارات، البحرين، مصر).

أما العامل الآخر وراء افتعال هذه الأزمة فيتعلق بأسباب داخلية في دول الحصار الأربع، رغم تفاوت أهدافها من التصعيد ضد قطر في هذه المرحلة؛ إذ تُظهر هذه الدول سلوكا خارجيا مندفعا نحو معاقبة الخصوم والانتقام منها – باستخدام أدوات شن الحروب الإليكترونية، واختراقات المواقع والحسابات الرسمية، وتأليب لوبيات وشخصيات ومراكز أبحاث أمريكية في واشنطن ضد قطر، وفرض الحصار البري والجوي والمقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية، ومحاولات مصر جرّ مجلس الأمن الدولي لتبني مواقف ضد قطر بدعوى تمويلها الإرهاب والتطرف -.

ويبدو أن اندفاع دول الحصار، يأتي بهدف التغطية على بروز مؤشرات تململ تتعلق بتأزم النظم الحاكمة في هذه الدول الأربع، واحتمالات حدوث تراجعات أو أزمات اقتصادية تولّد توتراتٍ مجتمعية، في غضون السنوات القليلة القادمة، مما يعني أن استقرار هذه الدول، على هشاشته، لم يعد أمرا مُسلّما به، كما كان سابقا.

أما العوامل غير المباشرة أو العميقة التي تقف وراء الأزمة الخليجية، فربما يمكن حصرها في الآتي:

1-سعي الإمارات للنيل من قطر بسبب موقفها الداعم لتيار الإخوان المسلمين ولفكرة التغيير في المنطقة العربية إجمالا، وانفتاح الدوحة “النسبي” على الإسلاميين العرب، على عكس سياسة محور الرياض – أبو ظبي، التي ازدادت وضوحا بعد اندلاع الثورات العربية أواخر 2010؛ ومن ثم فإن هدف الإمارات من افتعال هذه الأزمة، قد يكون سببه تحطيم المنافِس القَطَري وخنق اقتصاده وإعلامه ودبلوماسيته، وتشديد الحصار عليه، وتشويه صورته على الصعد كافة، ودفع كل من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية للاعتماد أكثر على الحليف الإماراتي، الذي يملك قدراتٍ مادية أكبر، ويمكنه أن يلعب صورة الدولة “العلمانية” النموذج في الخليج خصوصا، وفي المنطقة العربية عموما، وفي “الشرق الأوسط الجديد” برمته.

ولا يمكن في هذا السياق، إغفال أن المحرك الرئيس لهذه السياسة الإماراتية هو الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي، وسفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة. ولا شك أن الدوافع الشخصية لديهما تلعب دورا مهما في “سياسة الانتقام من قطر”، التي بلغت حدا غير مسبوق في الأزمة الراهنة، في وقت توافق فيه ذلك مع تغيرٍ – أو بالأحرى تراجع – كبير يحدث في النظام السعودي، بعد تولي الأمير محمد بن سلمان منصب ولي العهد مؤخرا.

2- الطموح السياسي للأمير محمد بن سلمان ومحاولته إظهار جدارته بتولي عرش السعودية، وقدرته على فرض السياسات السعودية على دول الخليج واليمن؛ إذ يبرز انخراط سعودي أكبر في التأثير على معطيات البيئتين الخليجية والعربية، باستخدام ثلاثة أمور؛ أولها الاستناد إلى دعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرهان على نجاحه في فرض قراراته على المؤسسات الأمريكية، والثاني التقارب السعودي مع الكيان الإسرائيلي، والثالث السعي المشترك بين الرياض وتل أبيب لعزل قطر وإيران وحركة حماس وتيار الإخوان، وتقليص قدراتهم في التأثير على المنطقة.

ورغم تراجع الرياض عن التأثير في الأزمة السورية، واحتمال لجوء النظام السعودي إلى إعادة ضبط موقف الهيئة العليا للمفاوضات – التي تضم 32 عضواً برئاسة رياض حجاب – لكي تقبل ببقاء بشار الأسد رئيسا، فإن السعودية على ما يبدو تحاول أن تجد أدوات ضغط جديدة على إيران وحلفائها في المنطقة عموما، وفي العراق خصوصا، دون أن يعني ذلك بالضرورة أن الرياض ستنجح في إعادة تثبيت وضعها في بلاد الرافدين، رغم زيارات كبار المسؤولين العراقيين إلى السعودية؛ فالعراق سيبقى – في الأجل المنظور – مركزا للنفوذ الإيراني في المنطقة، مهما فعلت السعودية، صاحبة الأوراق الضعيفة والمحدودة أصلا في مواجهة إيران، أو حتى في مواجهة حلفائها في المنطقة، الذين نجحت طهران، في الاستثمار فيهم وتوظيفهم، وفق رؤية متكاملة، لا سيما منذ وقوع العراق في قبضة الاحتلال الأمريكي/البريطاني ربيع 2003.

 

قياسا على الأزمات العربية السابقة، تبدو الأزمة الخليجية الراهنة أكثر تعقيدا وتركيبا، وهي تبقي أسئلة كثيرة مفتوحة، ولا يمكن الإجابة عليها دون مرور وقت طويل حتى تتكشف طبيعة الأهداف السعودية والإماراتية الحقيقة من افتعالها.

وقد تكون خطوات الأمير محمد بن سلمان التصعيدية – سواء ضد قطر أو غيرها -، محاولة لإخفاء تفاقم الأزمات الداخلية في المملكة، التي تسارعت وتيرتها منذ مطلع عام 2017، بسبب انعكاسات الانخراط السعودي غير المحسوب في اليمن، وتراجع الآمال بخصوص مستقبل البلاد في ظل رؤية 2030، فضلا عن الانعكاسات التراكمية التي تترتب على الانخفاض في أسعار النفط، سواء على قدرات الدولة أم على سياساتها الداخلية والخارجية، أم على مستوى معيشة المواطن السعودي.

هذا التصعيد السعودي الخارجي إذن، هو انعكاسٌ للتأزم الداخلي، الذي أفضى إلى إعفاء الأمير محمد بن نايف أواخر حزيران/ يونيو 2017 من جميع مناصبه، بما فيها ولاية العهد، وتولي الأمير محمد بن سلمان منصب ولي العهد، مما سيؤدي إلى تغيير في مستقبل منطقة الخليج والعالم العربي برمته.

ثمة اليوم تغيرٌ في سياسة السعودية الخارجية في ثلاثة ملفات على الأقل: أولها حرب اليمن، ثانيها تطور العلاقات مع الكيان الإسرائيلي، حتى لو كانت سرية أو تتم عبر طرف آخر. وثالثها التعامل السعودي مع مجلس التعاون الخليجي، واستهداف قطر خصوصا.

ولا شك أن الاستمرار في رصد طريقة تفكير “السعودية الجديدة” في هذه الملفات الثلاثة، يمكن أن يكشف عن تغيرٍ ما في السياسة الإقليمية للمملكة، بما يتوافق مع متطلبات “تحديث المملكة”، خدمةً لمشروع تولي الأمير محمد بن سلمان مقاليد العرش السعودي في نهاية المطاف.

3- أما إدخال مصر في أزمة خليجية بينية – من ألفها إلى يائها – فالهدف منه هو إطالة أمدها، وتكثيف الضغط والحصار النفسي على قطر، عبر استخدام الثقل الديمغرافي والعسكري المصري، لتخويف الدوحة بأن أكبر دولة عربية تعارض توجهات قطر وإعلامها وصحفها، وبأن عليها أن تتغير، لتتوافق مع التوجهات المصرية العربية المحافظة والمعادية لأي تغيير في المنطقة، مهما كان محدودا.

وهي رسالة واضحة من القاهرة بأن في مقدورها تصعيد “سياسة الانتقام من الدوحة”، لمسافات بعيدة جدا، سواء عبر التنسيق مع دول الحصار، والترويج لإمكانية إنشاء قاعدة عسكرية مصرية في البحرين لردع الدوحة عن سياساتها، أو عبر محاولات تحريك مجلس الأمن الدولي لاتخاذ خطوات ضد قطر، كما أشير آنفا.

سيناريوهات الأزمة الخليجية:

على ضوء ما تقدّم، ربما يمكن تخيُّل أن تأخذ هذه الأزمة أحد أو بعض السيناريوهات الآتية:

1-سيناريو الانسداد: “أي تجميد مجلس التعاون الخليجي، ونشوء نادي الديكتاتوريات العربية المتحالفة مع الكيان الإسرائيلي”:

إن انقسام دول الخليج العربي الست إلى معسكرين في الأزمة الخليجية الراهنة، قد يشي بدخول مجلس التعاون الخليجي في “حالة تجميد وجمود” حتى لحظة انعقاد القمة الخليجية المقبلة – التي يحين موعدها في كانون الأول/ديسمبر 2017 -، هذا إذا قررت السعودية أن من مصلحتها استمرار المجلس أصلا.

ومن العوامل الدافعة إلى سيناريو تجميد مجلس التعاون الخليجي، العوامل الثلاثة الآتية:

أولها التكلفة الإقليمية الكبيرة لاعتراف صناع الأزمة بالفشل – الإمارات والسعودية والبحرين ومصر – في إجبار قطر على الانصياع السريع لمطالبهم.

وثانيها انعكاسات التراجع المحتملة على وضع ودور دول الحصار الإقليمي، واحتمال تراجع وزنها لدى صانع القرار الأمريكي في تنفيذ سياساته في الشرق الأوسط، ولا سيما الإمارات.

وثالثها مسعى دول الحصار إلى تأزيم البيئة الخليجية والإقليمية لإضعاف أدوار الوساطة، التي تقودها الكويت، وتنخرط في دعمها وتأييدها عدة دول، ومنها: سلطنة عُمان وتركيا وعدة دول أوروبية ووزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون.

وبعبارة أخرى، فإن تجميد مجلس التعاون الخليجي قد يكون مقصودا ومخططا له، توطئةً لتدشين علاقات خليجية أوثق مع الكيان الإسرائيلي، في سياق إعادة التموضع ضمن “النظام الإقليمي الجديد في الشرق الأوسط”، الذي يُفترض أن يجمع النظم الديكتاتورية العربية – مصر والسعودية والإمارات أساسا – مع الكيان الإسرائيلي باعتبارها جميعا من قوى الثورات المضادة الحريصة على منع تغيير الوضع القائم حاليا في المنطقة، وهو تحالف موجه ضد تركيا وقطر والحركات الإسلامية السياسية ومؤيدي التغيير الديمقراطي وحقوق الشعوب العربية في الحرية والكرامة.

2- سيناريو تفكك مجلس التعاون الخليجي، وتوسّع الفوضى الإقليمية:

ومن شروطه: تعقّد حرب اليمن وطول أمدها، وفشل التحالف العربي بقيادة السعودية في تحقيق أية نتائج ملموسة، من قبيل: فك الحصار عن تعز، أو تخليص العاصمة صنعاء من سيطرة الحوثي- صالح، أو النجاح في السيطرة على الموانئ اليمنية على البحر الأحمر، مثل الحديدة والمخا.

ويتحقق هذ السيناريو أيضا، كلما زاد الخلاف بين دول الخليج حول إيران؛ فمجلس التعاون الخليجي إنما تأسس للتصدي للخطرين الإيراني والعراقي عام 1981، واستمراره قد يرتبط بمهمته التأسيسية، فإذا حدث تغيرٌ في إقليم الخليج العربي، وأصبحت إيران والعراق التابع لها يهيمنان على الخليج، يمكن أن تتراجع فكرة المجلس والتعاون الخليجي برمتها.

3- سيناريو الهيمنة السعودية – الإماراتية على الخليج واليمن:

ويعتمد تحقق هذا السيناريو على النجاح النسبي للحملة السعودية – الإماراتية على قطر واستمرار حصارها لفترة قد تمتد لعدة أشهر، وربما لأكثر من سنة، بالتزامن مع إضعاف دوري الكويت وسلطنة عمان، وتجاوز محاولاتهما للوساطة في الأزمة. وقد يتعزز هذه السيناريو في حال تغير دور هذين البلدين، أو رحيل إحدى القيادتين أو كلتاهما، بسبب تقدم السن.

ورغم ضعف احتمالات تحقق هذا السيناريو، فهو المستهدَف على الأرجح من قبل تحالف محمد بن سلمان ومحمد بن زايد؛ فمن الصعب تصور أن أبوظبي قامت بتجهيز عملية اختراق وكالة الأنباء القطرية وتهيئة مناخ عدائي في الولايات المتحدة الأمريكية – عبر استكتاب صحفيين والتأثير على مراكز أبحاث أمريكية لفترة قد تزيد على عامين -، لمجرد فرض حصار شامل على قطر؛ فالأرجح أن أبوظبي تريد دفع الدوحة لتغيير مجمل سياساتها الداخلية الخارجية، وربما الإطاحة بالقيادة القطرية الحالية، والإتيان بأخرى أكثر تجاوبا مع المطالب الإماراتية – المصرية في الواقع، التي ربما تم استدراج الرياض إليها، باعتبارها أكثر الدول الخليجية والعربية قدرةً على معاقبة قطر وفرض الحصار البري والجوي عليها. ولعل هذا هو المعنى الذي ألمح إليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكثر من مرة؛ فحلُّ أزمة حصار قطر هو بيد السعودية فعلا، وليس أي طرف آخر.

ولذا ينبغي التساؤل عن دوافع السعودية في السير نحو تصعيد الأزمة على هذا النحو، رغم مطالبة أطراف إقليمية ودولية عديدة بحلها والجلوس إلى طاولة الحوار والتفاوض.. إلخ.

4- سيناريو تهدئة الأزمة الخليجية، ونجاح الوساطات أو الضغوط الخارجية في إقناع القيادة السعودية بالتوقف عن سياسة تأزيم الخليج واليمن:

ومن العوامل الدافعة لهذا السيناريو، العوامل الآتية:

أولها تفعيل وزارة الخارجية الأمريكية ضغوطها على السعودية لحلحلة الأزمة الخليجية، سواء عبر مطالبة الوزير تيلرسون برفع الحصار عن قطر إثباتا لحسن النية، أو عودته للتوسط المباشر في الأزمة بزيارة أخرى لمنطقة الخليج، أو إرساله مبعوثين لمتابعة حل الأزمة.. إلخ.

وبعبارة أخرى، فإن تهدئة الأزمة الخليجية تقتضي تغيرا في موقف الرئيس ترامب، وأن تستعيد مؤسسات الخارجية والدفاع والأمن القومي قدرتها على موزانة موقف الرئيس، ربما عبر إقناعه بأن حل الأزمة يخدم المصالح الأمريكية في توحيد جهود حلفاء واشنطن في المنطقة ضد الإرهاب.

وثانيها تصاعد نبرة الانتقادات الحقوقية الدولية لانتهاكات التحالف العربي في اليمن، سواء في إدارة الإمارات سجونا سرية في جنوب اليمن، أو في قصف المدنيين في صنعاء، أو التسبب في إعاقة جهود المنظمات الدولية الإنسانية في توصيل الإغاثة أو مكافحة وباء الكوليرا، الذي انتشر بصورة كبيرة في اليمن، وفق تقديرات منظمة الصحة العالمية.

وثالثها حصول تطورات غير مؤاتية في السعودية والإمارات، خصوصا في رأس السلطة السياسية، بما يدفعها للتراجع عن دعم الكيان الإسرائيلي ومحور الثورات المضادة، والتخلي عن رموزها (مثل عبد الفتاح السيسي في مصر، وخليفة حفتر في ليبيا، وعلي عبد الله صالح ونجله أحمد في اليمن، ومحمد دحلان في فلسطين).

ومن أكبر مفارقات الأزمة الخليجية، أنها أضعفت مجلس التعاون الخليجي بوصفه إطارا جامعا، لكنها في الوقت نفسه، وسّعت مجالات الحركة الدبلوماسية والسياسية أمام الكويت وسلطنة عُمان وقطر، التي أصبحت تمثل نواةً لبداية سياسات خليجية جديدة تعلن اختلافها مع الرياض، رغم حرص الكويت بالذات على التجاوب مع بعض الخطوات السعودية، لا سيما فيما يتعلق بتخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية مع إيران.

وقد يتعزز سيناريو تهدئة الأزمة الخليجية في حال نشاط بعض الدبلوماسيات العربية (مثل الجزائر، وتونس، والمغرب، والسودان) في بناء اصطفاف عربي داعم للدوحة، ولكن يصعب تصور حدوث ذلك، إلا عبر تفعيل دور جامعة الدول العربية، وهو ما يبدو مستبعدا إلى حين انعقاد القمة العربية المقبلة في آذار/مارس 2018، لا سيما أن موقف الجامعة العربية باهت لأسباب مفهومة ضمنيا؛ لأن من الدول التي قاطعت قطر، كلا من السعودية ومصر، بوزنهما العربي المعروف. ومن المؤكد أن الرياض ضغطت على دول عربية أصغر (مثل: جيبوتي، وجزر القمر، وموريتانيا) لكي تتخذ موقفا ضد الدوحة، ولكي تدخل ضمن هذه اللعبة المقيتة من صراع المحاور العربية.

خلاصة:

أفضت أزمة حصار قطر إلى تداعيات خطيرة على منطقة الخليج العربي، وعلى مستقبل مجلس التعاون الخليجي؛ إذ تمثّل مفصلا وتحولا مهما في تفاعلات الخليج والمنطقة العربية وإقليم الشرق الأوسط برمته.

وقياسا على الأزمات العربية السابقة، تبدو الأزمة الخليجية الراهنة أكثر تعقيدا وتركيبا، وهي تبقي أسئلة كثيرة مفتوحة، ولا يمكن الإجابة عليها دون مرور وقت طويل حتى تتكشف طبيعة الأهداف السعودية والإماراتية الحقيقة من افتعالها.

ورغم التسليم بأن الوساطة الكويتية – المدعومة إقليميا ودوليا – منعت انحدار الأزمة نحو أبعاد أعمق وبالذات الأبعاد العسكرية، فإن مسار هذه الوساطة يبقى معقدا وفرصه قليلة، ما لم يتغير موقف الرئيس دونالد ترامب من الأزمة، أو موقف محور الرياض- أبو ظبي منها.

ورغم خطورة الأزمة وتعدّد مستوياتها، فإن ثمة كوابح ومصالح إقليمية ودولية منعت انحدارها إلى المستوى العسكري، ومن ثم بقيت محصورةً في نطاق صراع دبلوماسي واقتصادي وإعلامي.

ولا شك أن انسياق بعض النظم العربية نحو مجاراة المقاربة الأمريكية لمكافحة تمويل الإرهاب في عهد الرئيس ترامب، بل وافتعال أزمات عربية – عربية بدعوى مكافحة الإرهاب، يؤكد أن أزمات المنطقة العربية تدخل مستويات أعلى من التعقيد، مما يؤدي إلى إفساح المجال – بصورة أكبر – لتحكم العوامل والتدخلات الخارجية في تقرير شؤون المنطقة ومصير شعوبها.

وهذا كله يؤدي إلى مزيد من احتقان المنطقة العربية وزيادة الضغط على شعوبها، مما يجعلها مهيئةً أكثر لانفجارات شعبية ومجتمعية، بسبب عجز الأنظمة العربية عن اجتراح معادلات سياسية وديمقراطية جديدة تنصف الشعوب وتعاقب النخب والقيادات التي تصرّ على قمع المطالبات بالتغيير والحرية تحت دعوى “مكافحة الإرهاب”.

أمجد أحمد جبريل

باحث متخصص في الشؤون العربية والإقليمية- إسطنبول

 الإثنين 14 ذو القعدة 1438 الموافق 7 آب/أغسطس 2017

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى